فِي الْمَلَكُوتِ الْأَعْلَى

Wave Image
لَــقَـدْ بِـتُّ مَـطْـرُوفَ الـنَّـوَاظِـرِ بِـالـسُّـهْـدِ
تُــقَــلِّــبُــنِــي فَـوْقَ الْـفِـرَاشِ يَـدُ الْـوَجْـدِ
تُــسَــاوِرُنِـي رَقْـشَـاءُ مِـنْ لَاعِـجِ الْـجَـوَى
وَيَـقْـدَحُ فِـي قَـلْـبِـي الْأَسَـى وَارِيَ الـزَّنْدِ
فَأَرْقُــبُ تَــغْــوِيــرَ الــنُّــجُــومِ بِــمُــقْـلَـةٍ
تَــرَقْـرَقُ فِـيـهَـا الـدَّمْـعُ مُـنْـفَـرِطَ الْـعِـقْـدِ
أَقُــولُ وَفَــرْعُ الــلَّــيْـلِ أَسْـحَـمُ وَالْأَسَـى
يَـدِبُّ دَبِـيـبَ الـسُّـمِّ فِـي الْـعَـظْمِ وَالْجِلْدِ
مَــتَـى يُـسْـفِـرُ الـصُّـبْـحُ الَّـذِي أَنَـا رَاقِـبٌ
أَلَــيْــسَ قَــمِـيـصُ الـلَّـيْـلِ عَـنْـهُ بِـمُـنْـقَـدِّ
إِلَــى أَنْ رَأَيْـتُ الْـفَـجْـرَ قَـدْ لَاحَ خَـيْـطُـهُ
كَـمَـا أُصْـلِـتَ الـسَّـيْـفُ الْـجُرَازُ مِنَ الْغِمْدِ
فَـــمَـــا أَنَـــا إِلَّا غَـــفْـــوَةٌ فَـــخَـــيَـــالَـــةٌ
لَـدَى الْـعَـالَـمِ الْـعُـلْـوِيِّ فِـي رَبْـوَةِ الْـخُـلْدِ
•••
رَأَيْـــتُ كَأَنِّـــي قُـــمْـــتُ حَــوْلَ سُــرَادِقٍ
مِــنَ الــنُّــورِ مَــرْفُـوعِ الـدَّعَـائِـمِ مُـمْـتَـدِّ
أَقَــامُــوا لِــوَاءَ الْــحَــمْــدِ فَــوْقَ عِـمَـادِهِ
وَخَــطُّــوا عَـلَـى حَـافَـاتِـهِ سُـورَةَ الـرَّعْـدِ
وَقَــدْ أَشْــرَقَـتْ مِـلْءَ الـسَّـمَـوَاتِ حَـوْلَـهُ
قَــنَــادِيــلُ خُــضْــرٌ تَـسْـتَـنِـيـرُ بِـلَا وَقْـدِ
وَقَـدْ لَاحَ لِـي مَـحْـمُـودُ شَـوْكَـتَ جَـالِـسًا
بِــهِ فَــوْقَ كُــرْسِــيِّ الْــجَـلَالَـةِ وَالْـمَـجْـدِ
وَفِـــي يَــدِهِ سَــيْــفٌ أُجِــيــدَ صِــقَــالُــهُ
عَــلَــى أَنَّــهُ مِــنْ صَـنْـعَـةِ الـلـهِ لَا الْـهِـنْـدِ
وَفِــي الــرَّأْسِ تَــاجٌ بِــالــثَّــنَــاءِ مُـرَصَّـعٌ
فُــوَيْـقَ جَـبِـيـنٍ مُـشْـرِقٍ بِـسَـنَـا الْـحَـمْـدِ
وَقَـــدْ جَـــلَّـــلَــتْــهُ بُــرْدَةٌ سُــنْــدُسِــيَّــةٌ
وَمِــنْ تَــحْــتِــهَــا دَرْعٌ إِلَــهِــيَّــةُ الــسَّـرْدِ
وَبَـــيْـــنَ يَـــدَيْـــهِ زُمْــرَةٌ مِــنْ مَــلَائِــكٍ
مُـــجَـــنَّـــحَــةِ الْأَيْــدِي غَــرَانِــقَــةٍ مُــرْدِ
تُـــهَـــنِّـــئُـــهُ بِـــالْـــفَـــوْزِ طَـــوْرًا وَتَــارَةً
تُــحَــيِّــيــهِ بِـالْـغَـضِّ الـطَّـرِيِّ مِـنَ الْـوَرْدِ
وَقَــدْ قَـامَ مِـنْ حَـوْلِ الـسُّـرَادِقِ مَـوْكِـبٌ
عَـظِـيـمٌ بِـهِ اصْـطَـفَّـتْ أُلُـوفٌ مِـنَ الْجُنْدِ
•••
فَـــلَـــمَّـــا رَآنِـــي وَاقِـــفًـــا بِـــحِــيَــالِــهِ
وَقَـدْ كُـنْـتُ بَـيْـنَ الْـجُـنْـدِ مُـعْتَزِلًا وَحْدِي
أَشَــارَ أَنِ اقْــرُبْ يَــا رُصَــافِــيُّ مَــا لَــنَـا
نَــرَاكَ وَحِـيـدًا قَـدْ وَقَـفْـتَ عَـلَـى بُـعْـدِ؟!
فَـجِـئْـتُ وَجِـسْـمِـي قَـدْ تَـغَـشَّـتْـهُ رَجْفَةٌ
كَـمَـا يَـرْجُـفُ الْـمَـقْـرُورُ مِـنْ شِـدَّةِ الْـبَـرْدِ
فَــقُــمْــتُ لَــدَيْــهِ وَانْــحَــنَــيْـتُ أَمَـامَـهُ
فَــقَــبَّـلْـتُ بِـالـتَّـعْـظِـيـمِ حَـاشِـيَـةَ الْـبُـرْدِ
فَــقَــالَ لَــقَــدْ آنَــسْــتَ إِذْ جِــئْــتَ، إِنَّـنَـا
عَــهِــدْنَــاكَ فِــي زُوَّارِنَــا مُـخْـلِـصَ الْـوُدِّ
وَلَا تَـــرْتَــجِــفْ هَــوِّنْ عَــلَــيْــكَ فَإِنَّــمَــا
نَـزَلْـتَ قَـرِيـنَ الْأَمْـنِ فِـي مَـنْـزِلِ الـسَّـعْدِ
فَأَبْــلِــغْ تَــحِــيَّــاتِــي إِلَـى الْـوَطَـنِ الَّـذِي
سَــعَــيْــتُ إِلَــى إِعْــلَائِــهِ بَــاذِلًا جُـهْـدِي
وَقُــلْ لِــبَــنِــيــهِ إِنَّــنِــي لَــسْـتُ حَـاقِـدًا
عَـلَـيْـهِـمْ فَـمِـثْـلِـي لَا يَـمِـيـلُ إِلَـى الْـحِقْدِ
وَإِنِّـــيَ لَـــمَّـــا أَنْ تَـــمَـــثَّــلْــتُ قَــائِــمًــا
بِـدِيـوَانِ ذِي الْـعَـرْشِ الَّـذِي جَـلَّ عَـنْ نِـدِّ
طَــلَــبْــتُ لَـهُـمْ عَـفْـوًا مِـنَ الـلـهِ سَـابِـغًـا
وَقُــلْــتُ لَــهُ يَــا رَبِّ لَا تُــخْـزِهِـمْ بَـعْـدِي
وَيَــا رَبِّ إِنِّــي قَــدْ قَــصَـدْتُ نَـجَـاحَـهُـمْ
فَـحَـقِّـقْ لَـهُـمْ يَـا رَبِّ مَـا كَانَ مِنْ قَصْدِي
وَإِنِّــي لَأَرْجُــو مِــنْــكَ مَــرْحَــمَــةً لَــهُــمْ
وَإِنْ قَــتَــلُــونِــي ظَـالِـمِـيـنَ عَـلَـى عَـمْـدِ
فَإِنِّـــي أَرَى مَــوْتِــي بِــخِــدْمَــةِ أُمَّــتِــي
حَــيَــاةً بِــهِ طَــعْـمُ الـشَّـهَـادَةِ كَـالـشَّـهْـدِ
أَلَا فَــاهْــدِهِــمْ يَــا رَبِّ لِـلْـمَـجْـدِ وَالْـعُـلَا
فَـمَـا مِـنْ مُـضِـلٍّ فِـي الْأَنَـامِ لِـمَـنْ تَـهْدِي
وَقَــالَ أَتَــدْرِي مَــنْ هُـمُ الْـجُـنْـدُ؟ إِنَّـهُـمْ
مَـنِ اسْـتُـشْـهِـدُوا فِـي حَرْبِ أَعْدَائِنَا اللُّدِّ
أَلَـــمْ تَـــرَهُـــمْ دَامِــيــنَ حَــتَّــى كَأَنَّــمَــا
تَـــسَـــرْبَـــلَ كُـــلٌّ لِــبْــدَةَ الْأَسَــدِ الْــوَرْدِ
فَسَوْفَ — بِحَوْلِ اللهِ — أَرْأَبُ صَدْعَهُمْ
وَأَغْـزُو الْـعِـدَا فِـيـهِـمْ عَـلَى الضُّمَّرِ الْجُرْدِ
وَأَذَّنَ فِـــي الْـــحَـــيِّ الْـــمُـــؤَذِّنُ غُــدْوَةً
فَأَيْـقَـظَـنِـي الـتَّـكْـبِـيـرُ مِـنْ سِـنَـةِ الـرَّقْـدِ
فَــقُـمْـتُ وَبِـي مِـنْ خَـشْـيَـةِ الـلـهِ رَعْـدَةٌ
وَأَحْـسَـسْـتُ مِـنْ رُؤْيَـايَ بَرْدًا عَلَى كِبْدِي
وَأَصْــبَــحْــتُ لَــمْ أَمْــلِــكْ بَــوَادِرَ عَـبْـرَةٍ
تَـخُـطُّ سُـطُـورَ الـدَّمْـعِ فِـي صَفْحَةِ الْخَدِّ
سَأَبْـكِـي وَأَسْـتَـبْـكِي الْجُيُوشَ عَلَى فَتًى
فَـقَـدْنَـاهُ فَـقْـدَ الْـغَـيْـثِ فِي الزَّمَنِ الصَّلْدِ
فَــتًــى كَــانَ فِــي أُفْــقِ الْـوِزَارَةِ كَـوْكَـبًـا
بِـهِ فِـي دُجَـى الْخَطْبِ الْخِلَافَةُ تَسْتَهْدِي
وَقَـدْ كَـانَ فِـي وَجْـهِ الْـخُـطُـوبِ تَـبَـسُّمًا
إِذَا عَــبَــسَــتْ يَــوْمًــا بِأَوْجُــهِـهَـا الـرُّبْـدِ
وَمَــا مَــاتَ مَــحْــمُـودُ الْـخِـصَـالِ وَإِنَّـمَـا
تَــنَــقَّــلَ مِــنْ هَــذَا الْـفَـنَـاءِ إِلَـى الْـخُـلْـدِ
لَــئِـنْ غُـيِّـبَـتْ عَـنَّـا مَـرَائِـيـهِ فِـي الـثَّـرَى
فَـمَـا غُـيِّـبَـتْ عَـنَّـا مَـعَـالِـيـهِ فِـي الـلَّـحْدِ
وَمَــا هُـوَ إِلَّا الـسَّـيْـفُ قَـدْ كَـانَ مُـصْـلَـتًـا
عَـلَـى الـدَّهْرِ وَهْوَ الْيَوْمَ قَدْ قَرَّ فِي الْغِمْدِ
سَــيَــبْـقَـى لَـهُ الـذِّكْـرُ الْـجَـمِـيـلُ مُـؤَبَّـدًا
تَـــمُـــرُّ بِـــهِ الْأَيَّـــامُ حَـــالِـــيَــةَ الْأَيْــدِي

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤