دِمَشْقُ تَنْدُبُ أَهْلَهَا

Wave Image
بَـكَـتْ فِـي ظَـلَامِ الـلَّـيْـلِ تَنْدُبُ أَهْلَهَا
بِـصَـوْتٍ لَـهُ الـصَّـخْـرُ الْأَصَـمُّ يَـلِـيـنُ
وَبَـاتَـتْ وَقَـدْ جَـلَّ الْـمُـصَـابُ حَـزِينَةً
لَـهَـا فِـي ضَـوَاحِـي الْـغَـوْطَـتَيْنِ أَنِينُ
تَـــئِـــنُّ وَقَــدْ مَــدَّ الــظَّــلَامُ رِوَاقَــهُ
وَخَـيَّـمَ صَـمْـتٌ فِـي الـدُّجَى وَسُكُونُ
إِذَا هِـيَ مَـدَّتْ فِـي الـدُّجُـنَّـةِ صَـوْتَـهَا
تَـمِـيـدُ لَـهُ فِـي الْـغَـوْطَـتَـيْـنِ غُـصُونُ
وَتُـلْـهِـبُ مِـنْـهُ فِـي الْـفَـضَـاءِ شَـرَارَةٌ
فَـتُـبْـصِـرُهَـا فِـي الـرَّافِـدَيْـنِ عُـيُـونُ
وَتَـهْـبُـو لَـهُ فِـي سَـاحِـلِ الـنِّـيلِ هَبْوَةٌ
أَبُــو الْــهَــوْلِ مِـنْـهَـا وَاجِـدٌ وَحَـزِيـنُ
•••
وَمِـنْ بَـعْـدِ وَهْـنٍ أَشْـرَقَ الْـبَـدْرُ طَالِعًا
فَأَسْــفَــرَ مِــنْــهَــا عَــارِضٌ وَجَـبِـيـنُ
فَأَبْـصَـرْتُ مِـنْـهَـا الْـوَجْهَ أَزْهَرَ مُشْرِقًا
بِــخَــدَّيْــهِ سِــرٌّ لِــلْــجَـمَـالِ مَـصُـونُ
جَــمَــالٌ بَــدِيــعٌ بِــالْــجَـلَالِ مُـتَـوَّجٌ
لَــهُ سَـبَـبٌ فِـي الْـمَـكْـرُمَـاتِ مَـتِـيـنُ
وَبَــرْقَــعَــهَـا حُـزْنٌ فَـكَـانَ لِـوَجْـهِـهَـا
مَـكَـانٌ مِـنَ الْـحُـسْـنِ الْـمَـهِيبِ مَكِينُ
فَـتَاةٌ جَثَتْ فِي الْأَرْضِ تَبْكِي وَحَوْلَهَا
صَـرِيـعٌ عَـلَـى وَجْـهِ الـثَّـرَى وَطَـعِـينُ
فَـضَـمَّـتْ إِلَـى الـصَّدْرِ الْيَدَيْنِ وَعَيْنُهَا
تَــقَــاذَفَ مِــنْــهَـا بِـالـدُّمُـوعِ شُـئُـونُ
وَقَـدْ شَـخَـصَـتْ نَحْوَ السَّمَاءِ بِطَرْفِهَا
لَـــهَـــا كُـــلَّ آنٍ زَفْـــرَةٌ وَحَـــنِـــيـــنُ
وَمَــا أَنْــسَ لَا أَنْــسَ الْـعَـشِـيَّـةَ أَنَّـهَـا
تَــوَرَّمَ مِــنْــهَــا بِــالْــبُــكَــاءِ جُــفُـونُ
وَأَنَّ غَــزِيــرَ الــدَّمْــعِ خَــدَّدَ خَــدَّهَــا
فَـلَاحَـتْ مِـنَ الْأَشْـجَـانِ فِـيـهِ فُـنُونُ
وَلَـمَّـا انْـقَضَى صَبْرِي تَرَامَيْتُ نَحْوَهَا
كَـمَـا تَـرْتَـمِـي بِـالْـعَـاصِـفَـاتِ سَـفِـيـنُ
وَقُـلْـتُ لَـهَـا: مَـنْ أَنْـتِ رُحْـمَـاكِ إِنَّـنِي
لَــكِ الْــيَــوْمَ خِــلٌّ صَــادِقٌ وَأَمِـيـنُ؟
فَــقَــالَــتْ وَقَـدْ أَلْـقَـتْ إِلَـيَّ بِـنَـظْـرَةٍ
عَـنِ الْـقَـصْـدِ فِـيـهَـا مُـعْـرِبٌ وَمُـبِـينُ
أَنَـا الْـبَـلْـدَةُ الـثَّـكْلَى دِمَشْقُ ابْنَةُ الْعُلَا
أَمَـا أَنْـتَ فِـي مَـغْـنَـى دِمَـشْقَ قَطِينُ
أَلَــمْ تَــرَ أَبْــنَـائِـي يُـسَـاقُـونَ لِـلـرَّدَى
فَـمِـنْـهُـمْ قَـتِـيـلٌ بِـالـظُّـبَـا وَسَـجِـيـنُ
فَأَيْــنَ أُبَــاةُ الـضَّـيْـمِ مِـنْ آلِ يَـعْـرُبٍ
أَلَــمْ يَأْتِ مِــنْــهُـمْ نَـاصِـرٌ وَمُـعِـيـنُ؟
فَــقُــلْــتُ لَــهَــا: لَــبَّـيْـكِ يَـا أُمُّ إِنَّـهُـمْ
سَــيَأْتِــيــكِ مِــنْــهُــمْ بَـارِزٌ وَكَـمِـيـنُ
سَـنُـدْرِكُ فِـيـكِ الثَّأْرَ مِنْ أَنْفُسِ الْعِدَى
وَنُــوقِــدُ نَــارَ الْــحَـرْبِ وَهْـيَ زَبُـونُ
•••
فَــهَــذِي دِمَــشْــقٌ يَــا كِــرَامُ وَهَــذِهِ
أَحَــادِيــثُ عَــنْــهَــا كُـلُّـهُـنَّ شُـجُـونُ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: أنشد معروف الرصافي تلك القصيدة في بغداد؛ لجمع الإعانات لمنكوبي سوريا سنة ١٩٢٦م.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤