ذِكْرَى فَتَى السَّعْدُون

Wave Image
إِذَا مَــا الْـفَـتَـى فِـي دَهْـرِهِ أَحْـسَـنَ الـظَّـنَّـا
فَــمَــا أَدْرَكَ الْــمَــغْــزَى وَلَا فَـهِـمَ الْـمَـعْـنَـى
وَمَــا الْــحَــزْمُ إِلَّا أَنْ نَــرَى الـدَّهْـرَ هَـاجِـمًـا
فَــنَــبْــنِــيَ مِــنْ تَــدْبِــيـرِنَـا دُونَـهُ حِـصْـنَـا
وَمَـــا الــدَّهْــرُ إِلَّا مُــبْــهِــرٌ فِــي طِــبَــاعِــهِ
يُـــغَـــرِّرُ بِــالْأَقْــوَامِ يَــفْــتِــنُــهُــمْ فَــتْــنَــا
يَـــرُوعُ بَـــنِـــيـــهِ صَـــائِـــلًا بِـــبَـــنَـــاتِـــهِ
فَـقَـدْ ضَـلَّ مَـنْ مِـنْ دَهْـرِهِ يَـطْـلُـبُ الْأَمْـنَـا
يَــذِفُّ عَــلَــيْــهِــمْ بِــالـظُّـبَـا مِـنْ خُـطُـوبِـهِ
فَــكَــمْ جَــدَعَـتْ أَنْـفًـا وَكَـمْ صَـلَـمَـتْ أُذْنَـا
وَمَـــا شُـــهْـــبُـــهُ إِلَّا مَـــخَـــالِـــبُ كَــيْــدِهِ
تُــمَــدُّ بِــجَــوْفِ الــلَّــيْــلِ دَامِــيَـةً حَـجْـنَـا
إِذَا مَـــا تَــشَــمَّــمْــتَ الــزَّمَــانَ وَطَــبْــعَــهُ
تَــشَــمَّــمْــتَ مِــنْ أَعْــمَـاقِ طِـيـنَـتِـهِ نَـتْـنَـا
•••
إِلَــيْــكَ فَــتَــى الـسَّـعْـدُونِ جِـئْـتُ مُـهَـنِّـئًـا
بِــمَــا نِــلْــتَــهُ عِــنْــدَ الْإِلَـهِ مِـنَ الْـحُـسْـنَـى
إِذَا مَــا ذَمَــمْــنَــا الــدَّهْــرَ يَــوْمًــا وَأَهْــلَــهُ
فَإِنَّــكَ مِــنْ تِــلْــكَ الْــمَـذَمَّـاتِ مُـسْـتَـثْـنَـى
أَتَــى يَــوْمُــكَ الــدَّامِــي بِــذِكْــرَاكَ حَـافِـلًا
فَـــجَـــدَّدَ فِــي كُــلِّ الْــبِــلَادِ لَــنَــا حُــزْنَــا
فَــفِــي مِــثْــلِ هَــذَا الْـيَـوْمِ بِـتَّ مُـضَـرَّجًـا
وَبِــتْــنَــا نُـحَـاكِـي فِـي مَـدَامِـعِـنَـا الْـمُـزْنَـا
وَفِـي مِـثْـلِ هَـذَا الْـيَـوْمِ فِـي حُـفْـرَةِ الْـبِـلَى
جَــعَــلْــنَــا بِــكَ الْآمَــالَ مَــدْفُــونَــةً هَــنَّــا
عَـــشِـــيَّــةَ أَطْــلَــقْــتَ الْــمُــسَــدَّسَ نَــارَهُ
عَـلَـى قَـلْـبِـكَ الْـخَـفَّـاقِ مِـنْ يَـدِكَ الْـيُـمْـنَـى
فَــــلِــــلـــهِ نَـــارٌ قَـــدْ بَـــرَدْتَ بِـــحَـــرِّهَـــا
وَإِنْ سَـالَ مِـنْـهَـا دَمْـعُـنَـا بِـالْـجَـوَى سُـخْـنَـا
لَــئِــنْ أَفْــقَــدَتْ بِــالْـمَـوْتِ قَـلْـبَـكَ نَـبْـضَـهُ
فَــكَــمْ أَنْــبَــضَــتْ بِــالْــحُـزْنِ أَفْـئِـدَةً مِـنَّـا
وَكَــمْ أَنْــطَـقَـتْ دَمْـعَ الْـمَـحَـاجِـرِ بِـالْأَسَـى
عَــلَــى أَنَّــهَــا بِـالْـهَـوْلِ أَخْـرَسَـتِ الـلُّـسْـنَـا
فَــيَــا طَــلْــقَــةً رِيــعَ الْــعِــرَاقُ بِــصَــوْتِـهَـا
فَـــبَـــانَــتْ بِــهِ الْآفَــاقُ عَــابِــسَــةً دُكْــنَــا
وَرَدَّدَ مَـــجْـــرَى الــرَّافِــدَيْــنِ لِــصَــوْتِــهَــا
صَـدَى الْحُزْنِ مِنْ أَقْصَى الْعِرَاقِ إِلَى الْأَدْنَى
لَــقَــدْ جَــمَــعَ الْأَمْــوَالَ بِــاسْــمِـكَ مَـعْـشَـرٌ
لِــتَــخْـلِـيـدِهِـمْ ذِكْـرَاكَ فِـي مَـعْـهَـدٍ يُـبْـنَـى
وَمَـــا عَـــلِـــمُـــوا أَنَّ الْــمَــبَــانِــيَ كُــلَّــهَــا
وَإِنْ قَــوِيَــتْ تَــفْــنَــى وَذِكْــرُكَ لَا يَــفْـنَـى
وَأَعْـــظَــمُ تَــخْــلِــيــدًا لِــذِكْــرَاكَ مِــنْــهُــمُ
فَــعَــائِــلُــكَ الْــغَــرَّاءُ وَالْــخُــلُــقُ الْأَسْـنَـى
سَـعَـيْـتَ إِلَـى اسْـتِـقْـلَالِ قَـوْمِـكَ مُـخْـلِـصًا
وَمَـا كُـنْـتَ فِـي يَـوْمٍ عَـلَـى الْـقَـوْمِ مُـمْـتَـنَّـا
وَقُــمْــتَ بِأَعْــبَــاءِ الــسِّــيَــاسَــةِ نَــاهِـضًـا
بِـــهِـــمَّـــةِ لَا وَانٍ وَلَا نَـــاكِـــصٍ جُـــبْـــنَـــا
وَأَبْــدَيْــتَ فِــي تِــلْــكَ الْــمَــوَاقِــفِ كُـلِّـهَـا
أَصَـــالَـــةَ رَأْيٍ قَـــطُّ لَــمْ يَــعْــرِفِ الْأَفْــنَــا
فَإِنْ كُــنْــتَ لَــمْ تَــنْــجَــحْ فَــلَـيْـسَ لِـعِـلَّـةٍ
سِـوَى أَنَّ خَـصْـمَ الْـقَـوْمِ فِـي كَـيْـدِهِ افْـتَـنَّا
•••
زَكَــتْ لَــكَ نَــفْــسٌ بَــيْــنَ جَـنْـبَـيْـكَ حُـرَّةٌ
فَــلَا أَظْــهَــرَتْ كِـبْـرًا وَلَا أَضْـمَـرَتْ ضِـغْـنَـا
لَــنَــا الْــمَــثَــلُ الْأَعْـلَـى بِـحِـلْـمِـكَ وَالـنَّـدَى
فَــكَــمْ بِــهِــمَـا أَثْـنَـى عَـلَـيْـكَ الَّـذِي أَثْـنَـى
فَأَحْــنَــفُ رَبُّ الْــحِــلْــمِ بِــالْـحِـلْـمِ فُـقْـتَـهُ
وَفِــي الْــجُــودِ قَـدْ فُـتَّ ابْـنَ زَائِـدَةٍ مَـعْـنَـا
أَلَـــسْـــتَ الَّــذِي قَــدْ رَامَ قَــتْــلَــكَ قَــاتِــلٌ
فَأَطْـــلَــقْــتَــهُ عَــفْــوًا وَأَوْسَــعْــتَــهُ مَــنَّــا
سَــيَــبْــقَــى عَــلَــى الْأَيَّــامِ ذِكْــرُكَ خَـالِـدًا
بِــهِ صُــحُــفُ الــتَّأْرِيــخِ قَــاطِــبَـةً تُـعْـنَـى
•••
فَــيَــا بَــطَــلًا بِــالــنَّــفْــسِ ضَــحَّـى وَإِنَّـمَـا
بِـــذَلِـــكَ لِاسْـــتِـــقْـــلَالِــنَــا سُــنَّــةً سَــنَّــا
فَــــعَـــلَّـــمَـــنَـــا أَنَّ الـــتَّـــفَـــادِيَ وَاجِـــبٌ
عَــلَـى كُـلِّ قَـوْمٍ حَـاوَلُـوا شَـرَفَ الْـمَـغْـنَـى
سَـنَـسْـعَـى إِلَـى مَـا قَـدْ سَـعَـيْـتَ مِـنَ الْـعُلَا
بِــصَــادِقِ عَـزْمٍ يُـنْـكِـرُ الـضَّـعْـفَ وَالْـوَهْـنَـا
وَإِنَّـــا لَـــقَـــوْمٌ مُـــسْـــتَـــقِــلُّــونَ فِــطْــرَةً
إِذَا أَنْــكَــرَ اسْــتِــقْــلَالَــنَــا مُــنْــكِــرٌ ثُــرْنَــا
فَــلَــوْ جُــعِــلَــتْ تِــبْــرًا سَـبِـيـكًـا بُـيُـوتُـنَـا
وَلَــسْــنَــا بِــحُــكَّـامٍ أَبَـيْـنَـا بِـهَـا الـسُّـكْـنَـى
يَــهُــونُ عَــلَــيْــنَــا فِــي الــسِّــيَـاسَـةِ أَنَّـنَـا
نُـصَـلَّـبُ فِـي الْأَعْـوَادِ أَوْ نَـدْخُـلُ الـسِّـجْـنَـا
وَلَــسْــنَــا نُــبَــالِــي دُونَ إِحْــيَــاءِ مَـجْـدِنَـا
أَعِـشْـنَـا عَـلَـى وَجْـهِ الْـبَـسِـيـطَـةِ أَمْ مُـتْـنَـا
إِذَا أَدْرَكَ الْـــمَـــجْـــدَ الْــمُــؤَثَّــلَ مَــعْــشَــرٌ
أُحَـــادَ فَإِنَّـــا نَـــحْـــنُ نُـــدْرِكُـــهُ مَــثْــنَــى
نُـــفُـــوسًـــا وَرِثْـــنَـــاهَـــا كِـــبَـــارًا أَبِــيَّــةً
أَبَـتْ فِـي الـدُّنَـا أَنْ تَـحْـمِـلَ الـضَّـيْمَ وَالْغَبْنَا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤