الفصل الرابع والعشرون

«عضو في النقابة»، وماذا بعد؟

لم أتطرق حتى الآن إلى الغرض الذي سافرت من أجله إلى إنجلترا، ألا وهو أن أصبح عضوًا في نقابة المحامين. والآن سأشير إلى هذه الجزئية بإيجاز.

كان على الطالب أن يستوفي شرطين قبل أن يصبح محاميًا معترفًا به: أولهما، «الحفاظ على حضور الفصول الدراسية»، وهي اثنا عشر فصلًا دراسيًّا، وهو ما يعادل ثلاث سنوات. والشرط الثاني هو اجتياز الامتحانات. «الحفاظ على حضور الفصول الدراسية» كان يُقصد به حضور ست مآدب على الأقل من أصل أربعة وعشرين مأدبة في كل فصل دراسي، ولا يعني هذا ضرورة تناول الطعام، وإنما تسجيل الحضور في الأوقات المحددة والمكوث طوال مدة المأدبة. وبطبيعة الحال، كان الطلاب يأكلون أفضل أنواع الطعام الذي يُقدم ويتناولون أجود أنواع النبيذ. كانت الوجبة تتكلف من شلنين وستة بنسات إلى ثلاثة شلنات وستة بنسات، وهو ما يعادل روبيتين أو ثلاث روبيات. كانت هذه التكلفة معقولة، فالشخص يمكن أن يدفع المبلغ ذاته للحصول على النبيذ وحده في أي فندق. وقد يمثل هذا الأمر صدمة لنا، من غير «المتمدنين»، في الهند. فكيف تتجاوز تكلفة الشراب تكلفة الطعام؟ لقد صدمت بشدة عند علمي لأول مرة بهذا الأمر، وعجبت من الذين ينفقون كل هذه الأموال على الشراب، لكنني أدركت السبب فيما بعد. كثيرًا ما كنت أمتنع عن تناول أي أطعمة في هذه المآدب، ولكن كان من الممكن أن أتناول الخبز والبطاطس المقلية والكرنب فقط. في بادئ الأمر لم أتناول حتى هذه الأطعمة لأنني لم أشتهِها، لكن فيما بعد أصبحت أستسيغ طعمها، بل واتتني الشجاعة لطلب المزيد من ألوان الطعام.

كان الطعام الذي يُقدم لأعضاء مجلس إدارة الجمعية القانونية أفضل من الطعام المقدم للطلبة، فقمت أنا وطالب بارسي بالتقدم بطلب للحصول على وجبات نباتية كتلك التي كانت تُقدم إلى أعضاء مجلس الإدارة، وتمت الموافقة على الطلب وبدأنا في تناول الفاكهة وغيرها من الخضروات من طاولة أعضاء المجلس.

كان من حق كل مجموعة من أربعة طلاب الحصول على زجاجتين من النبيذ. ونظرًا لعدم تناولي للخمر كان الطلاب يتكالبون عليَّ للانضمام إلى مجموعتهم ومن ثَمَّ تُقسم الزجاجتان على ثلاثة بدلًا من أربعة. وفي كل فصل دراسي كانت تقام «حفلة ضخمة» حيث تُقدم الخمور الممتازة كالشمبانيا، بالإضافة إلى البورت والشيري.١ فكان الطلاب يطلبونني بالاسم كي أحضر معهم تلك «الحفلة الضخمة».

لم أدرك حينها أهمية إقامة هذه المآدب في تأهيل الطلبة على نحو أفضل للالتحاق بالنقابة. وفي وقت ما، كان يحضر هذه المآدب عدد قليل فقط من الطلبة، ولذا كانت هناك فرصة أكبر للتحدث إلى أعضاء مجلس الإدارة بالإضافة إلى إلقاء الخطب. وساعد هذا على اكتساب الطلبة معرفة عامة عن الحياة بصورة مهذبة ودقيقة، وساعد أيضًا على تحسين مهارات التحدث لديهم، لكن هذا لم يكن ممكنًا في الوقت الذي كنت أدرس فيه في جمعية القانون، فقد كان أعضاء المجلس وقتها يجلسون على طاولة منفصلة. وأخذت الجمعية تفقد أهميتها تدريجيًّا لكن إنجلترا المحافظة أبقت عليها.

كان المنهج الدراسي سهلًا، وكان يطلق على المحامين استخفافًا «محامو المآدب». فكنا نعلم أن لا قيمة فعلية للامتحانات. وكنا نخضع وقتها إلى امتحانين، أحدهما في القانون الروماني والآخر في القانون العام. كان علينا مذاكرة كتب دراسية بعينها لاجتياز تلك الامتحانات، وكان من الممكن قراءتها كتابًا كتابًا، لكن نادرًا ما كان يقرؤها الطلبة. أعرف الكثير من الطلبة الذين استطاعوا اجتياز امتحان القانون الروماني بتصفح ملخصات دراسية تتناول المادة في أسبوعين، واجتياز امتحان القانون العام بالاطلاع على ملخصات تتناول الموضوع في شهرين أو ثلاثة أشهر. كانت أسئلة الامتحانات سهلة، وكان الممتحِنون كرماء للغاية، فكانت نسبة النجاح في امتحان القانون الروماني من ٩٥ إلى ٩٩٪، وأما في الامتحان النهائي فكانت النسبة تصل إلى ٧٥٪ أو ما يزيد على ذلك. وبذلك لم يكن هناك ما يدعو إلى الخوف من الإخفاق. وكانت الامتحانات تُعقد على أربع فترات في العام الدراسي وليس مرة واحدة. فلم يكن الأمر صعبًا.

ومع كل ذلك، نجحت في الجمع بينها جميعًا. فرأيت أنه من الضروري أن أقرأ جميع الكتب الدراسية، وذلك لأن عدم قراءتي لها يعتبر خداعًا، وقد أنفقت الكثير من المال على هذه الكتب. قررت أن أقرأ القانون الروماني باللغة اللاتينية، وساعدني على ذلك ما تعلمت من اللغة اللاتينية استعدادًا لامتحان القبول بجامعة لندن. وقد عادت عليَّ هذه القراءات بعظيم النفع عندما رحلت إلى جنوب أفريقيا، حيث كان القانون الروماني الهولندي هو القانون العام. وساعدتني قراءة قوانين الإمبراطور جستنيان الأول على استيعاب قانون جنوب أفريقيا.

لقد استغرقتْ قراءة القانون العام الإنجليزي تسعة أشهر من الجهد المضني. وقد استغرقت وقتًا كثيرًا في قراءة كتاب «القانون العام» Common Law الذي يذكر فيه هيربرت بروم تعليقاته على القانون العام، وهو كتاب شيق مع ضخامته. أما كتاب سنيل الذي يحمل عنوان «المساواة» Equity، فكان زاخرًا بالمعلومات، لكنني كنت أجد بعض الصعوبة في فهمه. وكان كتاب «قضايا وايت وتودور الرئيسية» White and Tudor’s Leading Cases مليئًا بالمعرفة والتوجيهات. علاوة على ذلك، قرأت أيضًا كتاب ويليامز وإدواردز «الملكية العقارية» Real Property، وكتاب جوديف «الملكية الشخصية» Personal Property، وكانت طريقة عرض كتاب ويليامز تشبه الرواية. أما الكتاب الوحيد الذي أذكر قراءته بعد أن عدت إلى الهند بنفس التشويق، فهو كتاب «القانون الهندي» Hindu Law لماين. على كل حال، ليس هذا مقام تناول القوانين الهندية.

اجتزت الامتحانات، وأصبحت عضوًا في النقابة في العاشر من يونيو/حزيران ١٨٩١م، وأدرجت اسمي في المحكمة العليا في الحادي عشر من نفس الشهر. وفي يوم الثاني عشر، أبحرت عائدًا إلى الوطن.

ومع دراستي في إنجلترا، لم أستطع وضع حد لعجزي وخوفي. فشعرت بأنني غير مؤهل لممارسة المحاماة.

أما ذلك العجز فيحتاج فصلًا كاملًا لتناوله.

هوامش

(١) البورت والشيري: من أنواع النبيذ القوي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤