الفصل الحادي عشر

التواصل مع الأصدقاء المسيحيين

وفي الواحدة من ظهر اليوم التالي، ذهبت إلى اجتماع السيد بيكر للصلاة، وقدمني السيد بيكر إلى السيدة هاريس والسيدة جاب والسيد كوتس وغيرهم. ركع الحضور جميعًا على ركبهم للصلاة، فحذوت حذوهم. وكانت الصلاة عبارة عن التوجه إلى الإله بتضرعات لطلب أشياء عدة، كل حسب ما يرغب فيه من أمنيات. وكانت الصلوات المعتادة تتضمن مرور اليوم بسلام أو أن يفتح الإله القلوب لنور الإيمان.

وقد كان لي نصيب من الصلاة، فأخذوا يدعون: «إلهنا، أنِر الطريق أمام أخينا الذي انضم إلينا حديثًا، واملأ قلبه بالطمأنينة التي أنعمت علينا بها، ولينجه المسيح كما نجانا، ونحن نتضرع إليك باسم المسيح.» لم تتضمن هذه الاجتماعات أي ترانيم أو أي شكل من أشكال الموسيقى، وكان يذهب كل منا لتناول الغداء بعد التضرع إلى الإله بدعوة خاصة كل يوم، ولم تكن الصلاة تستغرق ما يزيد على خمس دقائق.

كانت السيدة هاريس والسيدة جاب عجوزين فاتهما قطار الزواج، وكان السيد كوتس ينتمي لطائفة «الكويكرز» Quakers١ وكانت السيدتان تعيشان معًا، وقدمتا لي دعوة دائمة بتناول الشاي في منزلهما في الرابعة من كل أحد.

وقد اعتدت أن أطلع السيد كوتس كلما التقينا يوم الأحد على دفتر أعمالي الدينية في الأسبوع، وكنا نناقش الكتب التي قرأتها والانطباع الذي خلفته لديَّ. واعتادت السيدتان رواية خبراتهما اللطيفة والحديث عن الطمأنينة التي شعرتا بها.

كان السيد كوتس شابًّا وفيًّا وصادقًا، وكنا نخرج للمشي معًا، وكان يصحبني لزيارة بعض الأصدقاء المسيحيين.

وعندما توطدت علاقتنا، بدأ يعطيني كتبًا من اختياره حتى أضحت مكتبتي تعج بالكتب، لقد أعطاني كمًّا هائلًا من الكتب، وقد وافقت بإيمان تام أن أقرأها جميعًا، وكنا نناقش كل كتاب بمجرد انتهائي من قراءته.

فرغت من قراءة عدد من تلك الكتب في عام ١٨٩٣م، في الحقيقة، لا تحضرني أسماء جميع تلك الكتب، لكن كان من ضمنها كتاب «تعليق» Commentary للدكتور باركر، الذي كان واعظًا بكنيسة معبد المدينة، وكتاب بيرسون «الكثير من الأدلة الدامغة» Many Infallible Proofs، وكتاب باتلر «المقارنة» Analogy. في الحقيقة كانت هناك أجزاء من هذه الكتب لم أفهمها، وراقني بعض الأجزاء فيها، في حين لم يرقني البعض الآخر. وقد كان كتاب «الكثير من الأدلة الدامغة» يتناول عددًا من الأدلة التي تدعم الديانة المسيحية وفقًا لفهم المؤلف، لكنه لم يكن له أي تأثير عليَّ. أما كتاب الدكتور باركر فكان مثيرًا على المستوى المعنوي، لكن ذلك لم يكن ليؤثر في شخص لا يؤمن بالمعتقدات المسيحية السائدة. ولكم أدهشني عمق وصعوبة كتاب باتلر «المقارنة»، حيث يجب على المرء قراءته أربع أو خمس مرات لكي يفهمه بالصورة الصحيحة، وأعتقد أن غرض باتلر من الكتاب كان إقناع الملحدين بالإيمان بوجود الإله، وكانت الدلائل على وجود الإله الواردة في الكتاب لا تعنيني في شيء، فقد تجاوزت مرحلة الإلحاد، لكنني لم أتأثر بما أورده الكتاب من أدلة على أن المسيح هو التجسيد الأوحد للإله والوسيط بين الإله والبشر.

لم يكن السيد كوتس ممن يقبلون الهزيمة بسهولة، وكان يكن لي مشاعر جياشة، فعندما رآني ذات مرة أرتدي قلادة الإله فيشنو المصنوعة من خرز الريحان حول عنقي، تألم كثيرًا لاعتقاده بأنها خرافة، وقال لي: «هذه الخرافة لا تناسبك، دعني أحطمها.»

– «لا، لن أدعك تفعل هذا، إنها هدية مقدسة من والدتي.»

– «هل تؤمن بتلك الخرافة؟»

– «لا أعلم حقًّا قيمتها الخفية، ولا أعتقد أن مكروهًا سيصيبني إذا ما نزعتها، لكنني لا أستطيع أن أتخلى عن قلادة أهدتها لي والدتي بدافع الحب وبدافع اعتقادها أن تلك القلادة ستجلب لي الخير دون سبب وجيه. لن أدع أحدًا يمس هذه القلادة، ولكن عندما تبلى وتفنى تلقائيًّا بمرور الزمن، لن أقدم على شراء قلادة أخرى.»

لم يقدر السيد كوتس تبريري لتمسكي بالقلادة، فلم يكن لديه أي تقدير لديانتي، وكان يتطلع إلى تحريري من «هاوية الجهل» التي كان يرى أنني واقع بها. وأراد إقناعي بأنني، بغض النظر عن مقدار الحقيقة التي يمكن أن تحويها الديانات الأخرى، لن أنجو إلا إذا اعتنقت المسيحية التي تمثل «الحقيقة المطلقة»، وأن خطاياي لن تمحى إلا بشفاعة المسيح، وأن جميع الأعمال الصالحة التي أقوم بها ليس لها قيمة ما لم أعتنق المسيحية.

علاوة على تزويدي بكثير من الكتب، قدمني السيد كوتس إلى الكثير من الأصدقاء الذين كان يرى أنهم من المسيحيين المخلصين، وكان من ضمن أولئك الأصدقاء أسرة تنتمي إلى طائفة «الإخوة البلايموث» Plymouth Brethren.٢

لم أقابل أي مشاكل في كثير من العلاقات التي كان السيد كوتس مسئولًا عنها، وقد أذهلني خشية معظم الذين تعرفت إليهم من الإله، وفي أثناء لقائي مع هذه العائلة، واجهني أحد المنتمين إلى «الإخوة البلايموث» بمناقشة لم أكن مستعدًّا لها، فقال لي: «إنك لا تدرك الجمال الذي يحويه ديننا، مما سمعت منك، يتضح لي أنه لا تمر لحظة من حياتك إلا وأنت تفكر في الآثام التي اقترفتها، ودائمًا ما تحاول تصحيحها والتكفير عنها، كيف لهذه الحلقة المتواصلة أن تمنحك الخلاص من خطاياك؟ لا يمكنك الوصول إلى الطمأنينة أبدًا بمثل ذلك العمل؟ لقد أقررت بأن كل البشر خطاءون، لكن في المقابل انظر إلى كمال ديننا، فكل محاولاتنا الرامية للتحسن والتكفير عديمة الفائدة، ومع ذلك نحصل على الخلاص في النهاية، كيف لنا أن نتحمل عبء الخطيئة؟ فلا يسعنا إلا أن نلقيها على عاتق المسيح، فهو ابن الرب الذي لم يعرف خطيئة. إنه هو القائل بأن هؤلاء الذين يؤمنون به، لهم حياة أبدية، تتجلى فيها رحمة الرب المطلقة. ونظرًا لإيماننا بأن المسيح سيكفر عنا سيئاتنا، لا تقيدنا خطايانا. لا مفر من الخطيئة، فلا يمكن أن تعيش في هذا العالم دون أن تقترف إثمًا. لهذا عانى المسيح وكفر عن جميع خطايا البشرية، والذين يقبلون افتداءه العظيم وحدهم يمكنهم أن ينعموا بطمأنينة سرمدية. تأمل حياتك المليئة بالقلق، وقارنها بما تعدك به المسيحية من حياة مطمئنة.»

فشلت هذه الحجج كليًّا في إقناعي، فأجبت بتواضع: «إذا كان ما أخبرتني به هو المسيحية التي يؤمن بها جميع المسيحيين، فأنا لا أستطيع أن أؤمن بها. فأنا لا أنشد الخلاص من عواقب الخطايا التي اقترفتها، بل أنشد التخلص من الخطايا ذاتها، أو حتى من مجرد فكرة الخطيئة. وحتى أصل إلى غايتي تلك، سأكون راضيًا بالقلق الذي أعانيه.»

فاستطرد الرجل قائلًا: «صدقني، لا طائل في مسعاك هذا. أعد النظر فيما قلته لك.»

وقد طبق الرجل ما قاله عمليًّا، فقد ارتكب خطيئة عن عمد ليريني أنها لا تزعجه البتة.

لكنني كنت أعلم قبل أن أقابل هؤلاء الأصدقاء أنه ليس جميع المسيحيين يؤمنون بفكرة الخلاص على هذا النحو، فالسيد كوتس نفسه كان يخشى الإله، فقد كان قلبه نقيًّا، وكان يؤمن بإمكانية تطهير الذات، وكان يشاركه في إيمانه هذا السيدتان هاريس وجاب، وبعض الكتب التي اطلعت عليها كانت مليئة بالإخلاص. وقد أكدت للسيد كوتس — مع انزعاجه الشديد لما سمع من تجربتي الأخيرة مع ذلك الرجل من جماعة «الإخوة بلايموث» — أن الإيمان المشوه الذي تحدث عنه ذلك الرجل لم يجعلني متحاملًا ضد المسيحية.

كانت الصعوبات التي تعترض طريقي تكمن في أمر آخر، ألا وهو التفسير المقبول للإنجيل.

هوامش

(١) الكويكرز: هي طائفة «جماعة الأصدقاء» التي أنشأها أشخاص غير راضين عن الطوائف والفرق المسيحية السائدة في القرن السابع عشر في إنجلترا.
(٢) الإخوة البلايموث: هي حركة مسيحية نشأت في القرن التاسع عشر، منفصلة عن الكنيسة الأنجليكانية، وأطلق عليهم الناس اسم البلايموث نسبةً إلى مدينة بلايموث.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤