الفصل السادس

روح الخدمة

تقدمت في مستقبلي المهني بصورة مرضية، لكن ذلك لم يكن كافيًا لي. كان أمر إضفاء قدر أكبر من البساطة على حياتي وتقديم خدمات ملموسة إلى الناس دائمًا ما يثيرني. فعندما وقف شخص مصاب بالجذام ببابي، لم أستطع أن أكتفي بإعطائه بعض الطعام وأن أتركه يرحل. فقدمت له مكانًا يحتمي به وضمدت جروحه، وأخذت أعتني به. لكنني لم أستطع أن أبقي ذلك الوضع إلى الأبد. فمواردي المالية كانت محدودة ولم أمتلك من الإرادة ما يمكنني من إبقائه معي بصورة دائمة. لذلك أرسلته إلى المستشفى الحكومي الخاصة بالعمال الذين يعملون بعقود لأجل.

لكنني مع ذلك كنت لا أزال أشعر بالقلق. كنت أتوق إلى الاضطلاع بعمل إنساني دائم. كان الطبيب بووث يشغل منصب رئيس إرسالية القديس إيدان. وكان رجلًا طيب القلب، ويعالج مرضاه مجانًا. واستطعنا، بفضل تبرعات السيد روستومجي، أن نفتتح مستشفى خيرية صغيرة، تولى الطبيب بووث مسئوليتها. وكم شعرت بالرغبة في أن أعمل في التمريض في هذه المستشفى. كان تركيب الأدوية يستغرق من ساعة إلى ساعتين يوميًّا، فقررت أن أستقطع ذلك الوقت من ساعات عملي في المكتب حتى أستطيع حل محل أحد المسئولين عن تركيب الأدوية في المستوصف الملحق بالمستشفى. كان أغلب عملي المهني يتمثل في أعمال كانت تحدث داخل مكتب القاضي مثل الأعمال القانونية لبيع وشراء الممتلكات والتحكيم، لكن بالطبع كان هناك بعض القضايا التي أترافع فيها أمام المحكمة. لكن لم يكن أي منها مثيرًا للجدل، وتعهد السيد خان الذي لحق بي في جنوب أفريقيا وعاش معي وقتها، بأن يتولى تلك القضايا نيابة عني في غيابي. وهكذا توفر لديَّ الوقت اللازم لكي أقدم خدماتي للمستشفى. وكان ذلك الوقت يتمثل في ساعتين في الصباح، ويتضمن ذلك الوقت الذي أستغرقه في الذهاب إلى المستشفى والعودة منها. أدخل عليَّ ذلك النوع من العمل بعض الراحة والطمأنينة. وكان عملي يتضمن التحقق من شكوى المريض، وعرض الحقائق على الطبيب، وتركيب الأدوية اللازمة. جعلتني وظيفتي أقترب أكثر من المرضى الهنود، وكان أغلبهم ينتمون إلى تاميل أو تيلوجو أو شمال الهند.

لقد أفادتني هذه التجربة كثيرًا عندما قدمت خدماتي التمريضية للعناية بالجنود المرضى والمصابين في أثناء حرب البوير.

كنت أضع مسألة تربية الأطفال نصب عينيَّ باستمرار. وُلد اثنان من أطفالي في جنوب أفريقيا، وساعد عملي في المستشفى في حل مشكلة تربيتهم. كانت روحي المستقلة مصدرًا دائمًا للتجربة. قررت أنا وزوجتي أن نحصل على أفضل مساعدة طبية وقت الولادة، لكن ماذا كنت سأفعل إذا ما تركنا الطبيب والممرضة في الوقت الحاسم دون مساعدة؟ لذلك كان يجب أن تكون الممرضة هندية. ويمكن أن يتخيل القارئ صعوبة التوصل إلى ممرضة هندية مدربة في جنوب أفريقيا نظرًا لوجود صعوبة في إيجاد مثل تلك الممرضة في الهند ذاتها. كان ذلك سببًا كافيًا لدراستي للعناصر اللازمة لإجراء ولادة آمنة. وقرأت كتاب الطبيب تريبوفانداس «نصائح إلى الأم» واستفدت من التعليمات الواردة فيه في رعاية الطفلين متأثرًا من حين إلى آخر بخبراتي الشخصية. استعنت بممرضة، لكن كان الأمر لا يزيد على شهرين في كل مرة. وكان ذلك للعناية بزوجتي أكثر منه للعناية بالأطفال الذين كنت أعتني بهم بنفسي.

لقد أخضعتني ولادة طفلي الأخير إلى أقسى اختبار. فقد أتى زوجتي المخاض فجأة، ولم يكن الطبيب موجودًا حينها، واستهلكنا بعض الوقت في إحضار القابلة، التي مع حضورها في الحال لم تكن لتستطيع المساعدة في الولادة. كان عليَّ أن أتأكد من الولادة الآمنة للطفل. ولقد ساعدتني دراستي لكتاب الطبيب تريبوفانداس بصورة كبيرة للغاية، حتى إنني لم أشعر بالتوتر وقتها.

أؤمن بأنه يجب على الوالدين أن يكتسبوا معرفة عامة عن العناية بالأطفال الصغار وتمريضهم من أجل تنشئة سليمة وصحيحة لأطفالهم. فقد كانت مزايا دراستي الدقيقة للموضوع جلية أينما ذهبت. فلولا دراستي للأمر والاستفادة من معرفتي لما تمتع أولادي بالصحة العامة التي يتمتعون بها الآن. يحمل الناس في أذهانهم نوعًا من الخرافة مفادها أن الطفل لا يحتاج لتعلم شيء في السنوات الخمس الأولى من حياته. لكن الحقيقة مختلفة تمامًا، فالطفل لا يتعلم بعد الخمس سنوات الأولى ما يمكن أن يتعلمه فيها. فتعليم الطفل يبدأ منذ بداية الحمل. فتنتقل الحالة البدنية والعقلية للوالدين في بداية الحمل إلى الطفل. ويستمر الطفل في أثناء فترة الحمل في التأثر بالحالة النفسية للأم ورغباتها ومزاجها وطرق معيشتها. ثم يبدأ الطفل في تقليد الوالدين بعد ولادته، ويعتمد عليهما كليًّا في تنشئته لسنوات عدة.

لن يقدم أي زوجين على المعاشرة الزوجية بغرض إشباع شهوتهما أبدًا إذا ما أدركا النقاط التي ذكرتها، وإنما فقط حين يرغبان في الإنجاب. أعتقد أنه من الجهل النظر إلى المعاشرة الجنسية على أنها وظيفة أساسية مستقلة، كالنوم وتناول الطعام. فوجود العالم يعتمد على التكاثر، وحيث إن العالم هو ساحة تجلي قدرة الإله وتصوير لعظمته، يجب تنظيم عملية التكاثر للمحافظة على النمو المنتظم للعالم. ومن يدرك ذلك كله سيسيطر على شهوته مهما كلفه الأمر، وسيسلح نفسه بالمعرفة اللازمة بما يساعد ذريته بدنيًّا وعقليًّا وروحانيًّا، ومن ثَمَّ يقدم ثمار معرفته هذه إلى الأجيال التالية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤