الفصل الثاني عشر

علاقات وثيقة بالأوروبيين (تابع)

كان لديَّ في جوهانسبرج في وقت ما أربعة موظفين هنود، وربما كنت أعاملهم كأبنائي أكثر من كونهم مجرد موظفين يعملون لديَّ. لكن ذلك العدد من الموظفين لم يكن كافيًا لإنجاز العمل، فقد كان من المستحيل أن نعمل دون الطبع على الآلة الكاتبة. ولم يكن أحد منا يعرف كيفية الطباعة عليها إلا أنا، إذا صح القول. فعلمت اثنين من الموظفين كيفية الطباعة على الآلة الكاتبة، إلا أنهما لم يجيدا الطباعة بالكفاءة المطلوبة نظرًا لضعف مستواهم في اللغة الإنجليزية. ثم أردت أن أدرب أحدهما ليكون محاسبًا، فلم أستطع أن أحضر محاسبًا من ناتال نظرًا لحظر دخول أي شخص إلى الترانسفال دون تصريح. بالإضافة إلى ذلك، لم أكن مستعدًّا لطلب خدمة من الضابط المسئول عن إصدار التصريحات لمصلحتي الشخصية.

كنت تائهًا في بحر لجي دون شاطئ أرسو عليه. كانت المتأخرات تتراكم بصورة بدا معها من المستحيل، مهما حاولت، أن أوازن بين العمل المهني والعمل العام. فعزمت على استخدام موظف أوروبي، لكنني لم أكن واثقًا بإمكانية استخدام رجل أبيض أو امرأة بيضاء للعمل لدى شخص ملون مثلي، لكنني قررت أن أحاول على كل حال، فتوجهت إلى وكيل للآلات الكاتبة، وطلبت منه أن يبحث لي عن كاتب اختزال. كان هناك عدد من الفتيات الراغبات في العمل، وقد وعدني بأن يحصل لي على واحدة للعمل لديَّ. وجد الوكيل فتاة اسكتلندية تُدعى الآنسة ديك، وكانت قد وصلت حديثًا من اسكتلندا. ولم يكن لديها مانع من التكسب من العمل الشريف أينما كان، وكانت في حاجة لذلك العمل. أرسل الوكيل الآنسة ديك لي، وقد أعجبت بها على الفور.

فسألتها: «ألا تمانعين في العمل لدى هندي مثلي؟»

فردت بحزم: «على الإطلاق.»

– «ما الراتب الذي تتوقعين الحصول عليه؟»

– «هل سيكون مبلغ سبعة عشر جنيهًا إسترلينيًّا ونصف مبلغًا كبيرًا؟»

– «لن يكون كبيرًا إذا ما أنجزتِ العمل الذي أريده منكِ. متى تستطيعين البدء في العمل؟»

– «فورًا إن شئت.»

سررت لحديثها وعلى الفور بدأت في إملائها عددًا من الخطابات.

لم يمر وقت طويل حتى أصبحت بمنزلة ابنة أو أخت لي أكثر منها كاتبة اختزال، وكنت نادرًا ما أجد خطأ في عملها. وكانت كثيرًا ما تضطلع بإدارة مبالغ تصل إلى آلاف الجنيهات، وكانت مسئولة عن إمساك دفاتر الحسابات. لقد حازت ثقتي الكاملة، والأكثر من ذلك أنها أفضت إليَّ بعميق أفكارها ومشاعرها، فقد استشارتني في اختيارها لزوجها، وكان لي الشرف في اصطحابها إلى عريسها يوم زفافها. وما إن أصبحت الآنسة ديك السيدة ماكدونالد، اضطرت لترك العمل لديَّ، ومع ذلك لم تتوان قط في مساعدتي متى طلبت منها.

أصبحت في حاجة إلى كاتب اختزال بدوام كامل ليحل محل ديك، وبالفعل حالفني الحظ في العثور على فتاة أخرى. كانت هذه الفتاة تُدعى الآنسة شليسن، وكان قد قدمها لي السيد كالنباخ الذي سنأتي على ذكره في الموضع المناسب. تعمل الآنسة شليسن الآن مدرسة في إحدى المدارس الثانوية بالترانسفال، وكانت تبلغ السابعة عشرة عندما جاءت للعمل معي، وكنت أنا والسيد كالنباخ لا نستطيع تحمل بعض طباعها في بعض الأوقات، وقد صارت تكتسب خبرة أكثر من عملها كاتبة. ولم تكن تقر بالتمييز العنصري، ولم تكن تأبه لسن من تتحدث إليه أو خبرته، حتى إنها لم تكن لتتردد في إهانة أي شخص وتخبره برأيها فيه وجهًا لوجه. وكثيرًا ما أوقعني تهورها ذلك في المشاكل، لكن شخصيتها المتفتحة والواضحة كانت تزيل تلك المشاكل فور ظهورها. كنت كثيرًا ما أوقع على الخطابات التي تكتبها دون أن أراجعها لأنني كنت أرى أن مستواها في اللغة الإنجليزية أفضل مني، بالإضافة إلى ثقتي الكاملة بإخلاصها.

لقد كانت عظيمة التضحية. فقد ظلت لفترة طويلة لا تتقاضى ما يزيد على ٦ جنيهات إسترلينية، وكانت ترفض أن تحصل على ما يزيد على ١٠ جنيهات إسترلينية شهريًّا. وعندما كنت ألح عليها كي تأخذ المزيد من المال، كانت توبخني وتقول: «لست أعمل هنا كي أتقاضى مرتبًا منك. أنا أعمل هنا لأنني أحب العمل معك وتعجبني مبادئك.»

ذات مرة كانت في حاجة إلى ٤٠ جنيهًا إسترلينيًّا، لكنها أصرت على أن تأخذها على سبيل الدين وسددت المبلغ بالكامل العام الماضي. وقد كانت شجاعتها لا تقل عن تضحيتها. إنها من السيدات القلائل اللاتي تشرفت بمعرفتهن، ممن يتمتعن بشخصية صافية كالبلور وشجاعة تفوق شجاعة المحاربين. لقد أصبحت امرأة ناضجة الآن. وأنا لا أعرف طريقة تفكيرها تمامًا مثلما لم أعرفها عندما كانت تعمل معي، لكنني سأعتبر علاقتي بتلك السيدة الشابة دومًا ذكرى مقدسة. ولذلك سأكون مضللًا للحقيقة إن أخفيت ما أعرفه عنها.

لقد كانت تكدح من أجل القضية ليلًا ونهارًا، وكانت تخاطر بالخروج وحدها لتأدية بعض المهام في ظلمة الليل، وكانت ترفض بغضب أي اقتراح يتضمن توفير حراسة لها. وكان الكثير من الهنود الشجعان يكنون لها الاحترام ويتطلعون لتوجيهاتها. وقد قادت حركة الساتياجراها وحدها في الفترة التي أُلقي فيها بمعظم زعماء الحركة في السجن. وقد تولت مسئولية آلاف الجنيهات، وكمًّا هائلًا من المراسلات، ومسئولية صحيفة «الرأي الهندي» لكنها مع ذلك كله لم تكل أو تمل.

إذا ما أطلقت لقلمي العنان في الحديث عن الآنسة شليسن، فلن تكفيني مياه البحر مدادًا، لكنني سأختتم هذا الفصل بالاستشهاد برأي جوخلي فيها. كان جوخلي يعرف كل زملائي في العمل، وكان كثيرًا ما يعبر لي عن رأيه فيهم. وقد كان يضع الآنسة شليسن في مقدمة جميع الزملاء الهنود والأوروبيين. قال لي: «نادرًا ما قابلت أحدًا يتسم بالتضحية والنقاء والشجاعة التي تتمتع بها الآنسة شليسن. وهي تشغل في تقديري مقعد الصدارة بين كل أصدقائك.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤