الفصل الخامس والثلاثون

زوان وسط الحنطة

وفي مزرعة تولستوي، وجه السيد كالنباخ انتباهي إلى مشكلة لم تخطر لي على بال. فكما سبق أن ذكرت كان بعض أطفال المزرعة سيئي الخلق وجامحين، وكان منهم الكسالى. وكان أولادي يختلطون بتلك النوعية من الأطفال أثناء اليوم، وكذلك كان يفعل غيرهم من الأطفال الذين يتمتعون بنفس سماتهم. أزعج ذلك السيد كالنباخ، لكنه ركز على خطأ اختلاط أبنائي بأولئك الغلمان سيئي الخلق.

وذات مرة عبر لي عن رأيه صراحة قائلًا: «لا يروقني اختلاط أبنائك بغيرهم من الأطفال سيئي الخلق، فلا يمكن أن نتوقع إلا أن تسوء أخلاقهم نتيجة لتلك الرفقة السيئة.»

لا أذكر هل كانت المسألة قد أربكتني وقتها أم لا، لكنني أتذكر ما أجبته به: «كيف لي أن أفرق بين أبنائي والأطفال الكسالى؟ فأنا مسئول عن الجميع. لقد حضر أولئك الصغار لأنني دعوتهم، وإذا أعطيتهم مبلغًا من المال وصرفتهم، فسيهربون على الفور إلى جوهانسبرج ويعودون إلى أساليبهم القديمة في العيش. سأصدقك القول، على الأرجح يرى الأطفال وأولياء أمورهم أنهم بحضورهم إلى هنا قد فرضوا عليَّ التزامًا، وأنا وأنت نعرف أن عليهم تحمل الكثير من المصاعب هنا، لكن واجبي واضح. يجب عليَّ أن أحافظ على بقائهم هنا، ومن ثَمَّ يجب أن يعيش أولادي معهم. وبالطبع لا تريدني أن أغرس في أبنائي الشعور بأنهم أعلى منزلة من الأطفال الآخرين وهم في ذلك العمر؛ فغرس مثل هذه الفكرة في أذهانهم سيكون خطأ فادحًا، لكن اختلاطهم بغيرهم من الأطفال سيكون تدريبًا جيدًا لهم، فسوف يمكنهم ذلك من التمييز بين الخير والشر بأنفسهم. ولماذا لا نؤمن بأن أبنائي يمكن أن يؤثروا بالإيجاب على رفقائهم، إذا كانوا يتمتعون بصفات جيدة بالفعل؟ على كل حال، لا يمكنني إلا أن أبقي على أبنائي هنا، حتى لو كان ذلك ينطوي على بعض المخاطر.»

ولم يكن من السيد كالنباخ إلا أن هز رأسه.

أعتقد أنه لا يمكن القول بأن النتيجة كانت سيئة، فلا أعتقد أن أبنائي قد تأثروا سلبًا بتلك التجربة، بل على العكس، أرى أنهم اكتسبوا منها بعض الدروس، فلقد قضت تلك التجربة على أي كبر يمكن أن يكون قد أصابهم، وعلمتهم كيفية التعامل مع مختلف الأطفال، وخضعوا للاختبار وهذبوا أنفسهم.

وقد أثبتت لي تلك التجربة وغيرها من التجارب أن الأطفال المهذبين لا تسوء أخلاقياتهم عندما يتعلمون مع الأطفال سيئي الخلق ويرافق كل منهما الآخر، شريطة أن يحدث ذلك تحت إشراف الوالدين وأولياء الأمور ورعايتهم.

فالأطفال الذين يعزلهم آباؤهم بعيدًا عن الناس ليسوا دائمًا محصنين من جميع الإغراءات والإغواءات المفسدة، لكن الحقيقة هي أنه عند اختلاط الفتيان والفتيات الذين تربوا في بيئات مختلفة وتعليمهم معًا، يخضع الوالدان والمعلمون إلى أصعب اختبار وعليهم أن يكونوا يقظين على الدوام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤