الفصل الثالث والأربعون

العودة إلى الوطن

رافقني السيد كالنباخ إلى إنجلترا بغرض التوجه إلى الهند، وكنا نقيم معًا، وبالطبع كنا نرغب في السفر على متن السفينة ذاتها، لكن الألمان كانوا يتعرضون لرقابة شديدة حتى إننا كنا غير واثقين بإمكانية حصول السيد كالنباخ على جواز السفر الذي بذلت كل ما بوسعي للحصول عليه. وأرسل السيد روبرتس، الذي كان يدعم حصول كالنباخ على جواز السفر، ببرقية إلى الحاكم البريطاني لهذا الغرض. لكن سرعان ما تلقينا رد اللورد هاردنج الذي ورد فيه: «إن حكومة الهند، للأسف، غير مستعدة لتحمل هذه المخاطرة.» فاستوعبنا جميعًا قوة الرد.

شعرت بأسى شديد لفراق السيد كالنباخ، لكنني كنت أرى أن أساه أشد، فلو أنه استطاع الحضور إلى الهند، لكان الآن يعيش حياة سعيدة وبسيطة كفلاح ونساج. أما الآن فهو يعيش في جنوب أفريقيا بنفس نمط حياته القديمة، ويعمل بنشاط مهندسًا معماريًّا.

كنا نرغب في استقلال الدرجة الثالثة، لكن لم يكن هناك أماكن خالية في سفن شركة «بي أند أو»، فاضطررنا للسفر في الدرجة الثانية. أخذنا معنا الفاكهة الجافة التي أحضرناها من جنوب أفريقيا، نظرًا لأنه سيكون من الصعب الحصول عليها على متن السفينة حيث تتوافر الفاكهة الطازجة.

عصب الطبيب ميهتا أضلاعي بواسطة «جص ميدي»، وطلب مني ألا أزيله حتى نصل إلى البحر الأحمر، فتحملت تلك المشقة لمدة يومين، لكنني لم أستطع التحمل أكثر من ذلك. وبصعوبة كبيرة أزلت الجص واستعدت الحرية في الاستحمام والاغتسال.

كان غذائي يتكون بصورة أساسية من المكسرات والفاكهة. شعرت بالتحسن يومًا بعد يوم، وكانت حالتي أفضل بكثير عند مرورنا بقناة السويس. كنت لا أزال ضعيف البدن، لكنني كنت قد تجاوزت مرحلة الخطر. وأخذت في زيادة تدريباتي البدنية تدريجيًّا. وقد أرجعت ذلك التحسن بصورة كبيرة إلى الهواء النقي الذي يسود المنطقة المعتدلة.

لا أعلم إذا كان ما لاحظته في رحلتي تلك ناتجًا عن خبرة سابقة أم عن أي سبب آخر، لكن الفجوة التي شاهدتها بين الركاب الإنجليز والهنود على متن السفينة لم أكن قد شاهدتها حتى في رحلتي من جنوب أفريقيا. تحدثت بالفعل إلى القليل من الركاب الإنجليز لكن الحديث كان في أغلبه رسميًّا، وكان نادرًا ما يدور حديث ودي كتلك الأحاديث التي كانت تدور على متن سفن جنوب أفريقيا. كان السبب وراء ذلك — على ما أعتقد — الفكرة القائمة في الوعي أو اللاوعي عند الإنجليز التي تقول بأنهم ينتمون إلى الجنس الحاكم، والشعور القائم في أذهان الهنود بأنهم ينتمون إلى الجنس المحكوم.

كنت أتوق للعودة إلى الوطن والتخلص من ذلك المناخ.

ما إن وصلنا إلى ميناء عدن، حتى بدأنا نشعر بأننا في الوطن بالفعل. كنا على معرفة وثيقة بعائلة عدنوالا، فقد قابلنا السيد كيكوباد كافاسجي دينشاو في دربان، وكانت تربطنا به وبزوجته علاقة وثيقة.

وصلنا إلى بومباي بعد بضعة أيام. يا لها من فرحة تغمر المرء عندما يعود إلى وطنه الحنون بعد غيبة دامت عشر سنوات.

حضر جوخلي لاستقبالي في بومباي مع تدهور حالته الصحية. كنت أقترب من الهند ويراودني أمل متقد في أن أتوحد معه، ومن ثَمَّ أشعر بالخلاص. إلا أن مشيئة القدر لم ترد لذلك الأمل أن يتحقق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤