الفصل الخامس والثلاثون

في البنجاب

حملني السير مايكل أودوير مسئولية ما حدث في البنجاب، ومن ناحية أخرى حملني بعض الشباب البنجابي الغاضب مسئولية فرض الأحكام العرفية. وقد أكدوا أنه لولا وقفي لحركة الساتياجراها لما وقعت مذبحة أمريتسار. وذهب البعض منهم إلى تهديدي بالاغتيال إذا ما ذهبت إلى البنجاب.

لكنني رأيت صواب موقفي، وأنه لا يمكن لأي شخص عاقل أن يسيء فهم موقفي هذا.

كنت أتوق للذهاب إلى البنجاب. ولم أكن قد ذهبت إلى هناك من قبل، الأمر الذي زاد من لهفتي لرؤية الوضع بنفسي. كان كل من الطبيب ساتيابال والطبيب كيتشلو والسيد رامباج دوت شوداري، الذين دعوني إلى البنجاب، في السجن. لكنني كنت على يقين من أن الحكومة لن تجرؤ على احتجازهم وغيرهم من المسجونين لمدة طويلة. اعتاد عدد كبير من البنجابيين زيارتي كلما كنت في بومباي. وكنت أتلو على مسامعهم في تلك المقابلات كلمات التشجيع التي كانت تسري عنهم. كانت ثقتي بذاتي في ذلك الوقت تنتقل إلى الآخرين كالعدوى.

اضطررت لتأخير ذهابي إلى البنجاب مرارًا وتكرارًا. فكلما طلبت من الحاكم البريطاني تصريحًا بالذهاب إلى البنجاب، قال: «ليس بعد.» واستمر الوضع على هذا المنوال.

أُعْلِن في غضون ذلك عن قيام لجنة هانتر بتحقيق بشأن ممارسات الحكومة في ظل الأحكام العرفية. وصل القسيس تشارلز فرير أندروز في ذلك الوقت إلى البنجاب. وقد مزق فؤادي خطابه عن الأحداث هناك، وتكون لديَّ انطباع بأن بشاعة الأحكام العرفية أكثر سوءًا مما تذكره التقارير الصحفية. ألح القسيس أندروز عليَّ في خطابه كي أذهب إلى البنجاب وأنضم إليه. وأرسل لي مالفيا في الوقت ذاته برقيات يطلب مني فيها التوجه إلى البنجاب على الفور. فأرسلت مرة أخرى ببرقية إلى الحاكم البريطاني لأسأله عن إمكانية ذهابي إلى البنجاب الآن. فذكر في رده أنه لا يمكنني الذهاب إلا بعد تاريخ محدد لا أتذكره الآن على وجه التحديد، لكنني أعتقد أنه السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول.

وعند وصولي إلى لاهور، رأيت مشهدًا لا يفارق خيالي مطلقًا. كانت محطة القطار مليئة عن بكرة أبيها بالحشود الثائرة. لقد تجمعت الحشود في لهفة تملؤهم البهجة، كأنما يستقبلون قريبًا عزيزًا عليهم بعد فراق طويل. نزلت بمنزل الراحل السيد رامبهاج دوت، وقد تحملت السيدة سارالا ديفي عبء استضافتي الذي كان ثقيلًا حقًّا. فقد تحول المكان، كما هو الحال الآن، إلى نُزُل.

ونظرًا لوجود زعماء البنجاب في السجن، حل محلهم بكفاءة السادة مالفيا وموتيلال والراحل السيد شراداناند جي. كنت على علاقة وثيقة بكل من السيد مالفيا والسيد شراداناند جي، لكنها كانت المرة الأولى التي ألتقي فيها شخصيًّا بالسيد موتيلال. وسرعان ما شعرت بين جميع أولئك الزعماء، وغيرهم من الزعماء المحليين الذين نجوا من دخول السجن؛ بأنني وسط الأهل والأصدقاء، ولم أشعر بالغربة بينهم على الإطلاق.

إن كيفية إجماعنا على قرار الامتناع عن دعم لجنة هانتر أمر فات وانقضى. وقد نُشرت أسباب اتخاذنا ذلك القرار في وقتها، ولا حاجة لذكرها في هذا السياق. يكفي القول بأنني أشعر بعد مرور كل ذلك الوقت على تلك الأحداث أن قرار مقاطعة لجنة هانتر كان قرارًا صائبًا وقويمًا.

وكنتيجة منطقية لمقاطعة لجنة هانتر، تقرر تشكيل لجنة تحقيق غير رسمية لإجراء تحقيق شبه مماثل لتحقيق لجنة هانتر نيابة عن حزب المؤتمر. وقد وضعني السيد مالفيا تقريبًا من ضمن أعضاء تلك اللجنة بصحبة السيد موتيلال نهرو والراحل ديشباندو والسيد عباس طيابجي وجاياكار. وقد وزعنا أنفسنا على أماكن شتى لإجراء التحقيق. وكانت مسئولية تنظيم عمل اللجنة تقع على كاهلي. ونادرًا ما كانت الفرصة تواتيني لدراسة شعب البنجاب وقرى البنجاب عن كثب نظرًا لأن إجراء التحقيق في أكبر عدد من الأماكن كان من نصيبي.

وتعرفت في أثناء إجراء التحقيق على أوضاع النساء في البنجاب. وكنا نتعامل كما لو أننا يعرف بعضنا الآخر منذ أمد بعيد. وكن يتدافعن عليَّ أفواجًا أينما ذهبت ويضعن أمامي أكوامًا من غزلهن. جعلني عملي في التحقيق أدرك أن البنجاب يمكن أن تصبح تربة خصبة لصنع قماش الخادي.

وفي أثناء تقدمي في التحقيق عن الأعمال الوحشية التي تعرض لها الأهالي، أخبرني الناس بحكايات عن استبداد الحكومة وتحكم الضباط الظالم، مما جعلني أشعر بألم عميق. لكن ما أدهشني حقًّا وقتها وحتى في وقتنا هذا هو تعرض الإقليم الذي زود الحكومة البريطانية بأكبر عدد من الجنود في أثناء الحرب لمثل هذه التجاوزات الوحشية.

وقد عُهد لي أيضًا بكتابة تقرير اللجنة. وأوصي من يرغب في التعرف على نوع الأعمال الوحشية التي كان يتعرض لها أهالي البنجاب بقراءة ذلك التقرير بإمعان. وكل ما أريد قوله في هذا السياق عن ذلك التقرير هو أنه لا يشتمل على أي مبالغة متعمدة وأن جميع الإفادات مدعمة بأدلة. أضف إلى ذلك، أن الأدلة التي نُشرت مجرد جزء من الأدلة التي كانت بحوزة اللجنة. ولم يرد في التقرير أي إفادة يشوبها أدنى شك. هذا التقرير، الذي تمت صياغته من أجل إبراز الحقيقة، والحقيقة وحدها؛ سيوضح للقارئ إلى أي مدى يمكن أن تصل الحكومة البريطانية، وكذلك الأعمال غير الإنسانية والوحشية التي يمكن أن تلجأ إليها للحفاظ على سلطانها. ووفق معلوماتي، لم يدحض أحد أي إفادة وردت في التقرير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤