الفصل العاشر

عدم رغبة زوجتي في البقاء في عبرا بعد وفاة السيدة «ﻟ…»، الاستقرار في بيروت مقرًّا للإقامة، حساب ديون الليدي هيستر، اقتصارها في معيشتها على الضروريات، نسخة أخرى من ديونها، أعمالها الخيرية الشاملة، حكاية الشيخ عمر الدِّين، خصم ربوي على كمبيالات الليدي هيستر، الخسارة الناجمة عن تقلب قيمة النقد في الشرق، التركات التي كان من المفترض أن ترثَها الليدي هيستر، رسائل من الليدي هيستر إلى المسيو جاي، الليدي تستعين بالسير فرانسيس بورديت للبحث في مسألة الميراث المفترض، رأيها في السير فرانسيس؛ خطابات إلى السير فرانسيس، هجوم الليدي هيستر اللاذع على النساء، السيد «ﺳ…»، خطاب إلى الآنسة «…»، خطاب إلى المؤلف.

مرةً أخرى تَبرُز ضرورة التحدث عن أموري الشخصية، من أجل الحِفاظ على خيط السرد في قصتنا. حين أصاب الاضطراب العقلي السيدة «ﻟ…»، وانتهى نهايتَه الفاجِعة، كان قد ترك على نساء أسرتي انطباعًا مُروِّعًا، لدرجة أنهنَّ أعربْنَ عن رغبتهنَّ الملحَّة للانتقال من الموضع حيث كل شيء يُثير لديهنَّ أفكارًا كئيبة. وعبثًا قلتُ لهنَّ إنه لا يوجد منزل آخر في البلد يستطعن العيش فيه براحة أكثر من هنا. فكانت إجابتهنَّ أنهن في الليل والنهار تطاردهن صرخات السيدة «ﻟ…» المسكينة وضحكتها المجنونة، وأنهنَّ يُفضلن الكوخ الأشد بؤسًا لأي فلاح على البقاء حيث كانوا. وكذلك تحدثن عن شعورهن بالوحشة أثناء غيابي عند الليدي هيستر لأسبوع أو أسبوعين، من دون أحد بجوارهن ليحميهن سوى الجنرال لوستانو، الرجل الذي بلغ الثمانين الآن، وصار واهن الذهن، وفي سبيله للإصابة بالخرَف.

لكن الليدي هيستر ستانهوب لا تُقيم أيَّ اعتبار لكلِّ هذا من مظاهر الضعف الأنثوي. وعداؤها السابق لزوجتي لم يهدأ ولو قليلًا. وتمسَّكت باتفاقنا أن تَعدَّ أسرتي بمثابة غرباء، لا علاقة لها بهم؛ وما دمت قد جئتُ بهم مخالفًا لرغبتها، فعليَّ إذن أن أرعاهم بنفسي، وألا أتوقَّع منها أي تعاطُف تجاههم. وقد قلت لها إنه سيكون في صالح كلِّ الأطراف لو أقرضَتْني كوخًا من أكواخِها الشاغرة في قرية جون، والذي يُمكنني تجهيزه لإقامتنا فيه مؤقتًا؛ فهو لقُربه من منزلها سيُوفِّر عليَّ العديد من الرحلات ذهابًا وإيابًا؛ ولكن كما تنبَّأ الطاهي كابور من قبل، استحال التوفيق بين هذه المصالح المُتضاربة. وأخيرًا اقترحت الليدي حلًّا، وقبلتُه أنا على مضض بالغ، لعِلمي بأنه سيُسبِّب لها إزعاجًا شديد. فنظرًا لأنه لم تكن قد ورَدت بعدُ أي أنباء من إنجلترا بشأن الأملاك المُفترض أن ترثَها، فقد اقترحت الليدي أن أذهب مصطحبًا أسرتي إلى بيروت أو قبرص، وأعيش هناك إلى أن يأتيَها خبر يقين بأن المال القادم سيكون كافيًا لسداد ديونها؛ وعندها يُمكنني بيسر العودة وتنفيذ تلك الخدمات التي طلبتها مني. وهكذا اتفقنا، في النهاية، على هذه الخطة، كما بدا.

في الوقت نفسه، استغلَّت الليدي هيستر يوم فراغٍ وتعمَّقت في التفاصيل الكاملة لديونها. ولذا سوف أعرض بعض المعلومات عن منشأ هذه الديون، وأُبيِّن كيف كانت، أثناء إقامتها في إنجلترا بعد وفاة السيد بيت، وخلال الأعوام العديدة التي كنتُ فيها معها في تركيا، واحدة من أكثر مُسدِّدي الديون التزامًا بالمواعيد وأعظمهم سخاءً، من الذين عرفتهم على الإطلاق، ثم تردت للنقيض تمامًا، وعرَّضت نفسها لمهانة أن يقفَ الديَّانة المطالبون بأموالهم على بابها، وأن يتردَّد اسمها في أفواه الأثرياء في بيروت بصفتِها مُتخلِّفة عن سداد ديونها.

وفيما يلي ما استطعت تذكره جيدًا بما يكفي لأدونه في تلك الليلة بتعبيرات الليدي هيستر نفسها؛ إذ قالت: «بعد وفاة المعلم حاييم، المصرفي اليهودي المرموق الخاص بعبد الله باشا في عكا؛ حيث خنَقه الباشا بنفسه، فُرضت غرامة على كل يهود الباشالق (الواقعين ضمن إقطاعيته). وجاءني بعضٌ من هؤلاء اليهود وطلبُوا مني، لوجه الله، أن أُقرضهم مالًا للوفاء بإتاوات الباشا، وإنقاذهم من الضرب بالفلَقة، أو ما هو أسوأ. وكنتُ في ذلك الوقت في ضائقة مالية، ولم يكن بوسعي سوى منحهم ٣ آلاف قرش، كانت هي كل ما أملك. وبعد ذلك أقرضتهم المزيد، والتي سدَّدوها إليَّ بقِطَع تالفة من القماش، ومناديل جيب زهيدة الثمن، وسلع أخرى، والتي بالطبع لم أستَطِع بيعها إلا بخسارة فادحة. كنت أعلَم أنهم غشوني، لكن منَعني كبريائي من الشكوى.

لم يمرَّ وقت طويل إلا وأعلن الباب العالي أن عبد الله باشا نفسه خارج على القانون، وأُرسل ستة باشوات بقُواتهم المشتركة لمُحاصرته في عكا. وأصبحت المُؤَن والحيوانات شحيحة جدًّا، لدرجة أنني اضطُررتُ إلى إرسال من يشتري الجِمال من الصحراء، ثم أرسلتها بعد ذلك تحت رعاية يهودي، لم أكن أعرف عنه إلا القليل جدًّا، ليشتريَ الذرة لي ولأهل الدار. وعندما حصل عبد الله باشا في النهاية، بتدخُّل منِّي إلى حدٍّ ما، على العفو من الباب العالي بشرط دفع غرامة كبيرة، تظاهر الباشا ببيع غلايينه وشالاته وسجاجيده ومجوهراته، لجمع مال الغرامة؛ ذلك لأنه كان في ضائقة مالية، أو هكذا ادَّعى، إلى حدِّ أنك كنت ترى الدلَّالين، أو باعة المزادات، في البازارات وهم ينادُون على ملابسه. ومن بين الوسائل الأخرى لتلبية مطالب السلطان، لجأ الباشا إليَّ لإقراضه أكبر قدر يُمكنُني جمعُه من مال؛ وأنا لعدم شكِّي في التزامه بالسداد، ولما كنتُ قد استنفدتُ ما لديَّ من مالٍ في إنجلترا، فقد تقدَّمت بطلب إلى أحد المرابين المسيحيِّين في بيروت، والذي وفَّر لي ما طلبته بسعر فائدة باهظ. وبمُجرَّد أن عرف الناس سعر الفائدة الواجب عليَّ سداده مُقابل ما اقترضته، تقاطَر التُّرك والمسيحيُّون واليهود مُتقدِّمين إليَّ بعروض لإقراضي قدر ما أشاء، زاعمين جميعًا أن خزائنهم تحت تصرفي، وأنه لا يجدر بسيدة في مقامي أن تُناقش أمورًا تافهة للغاية كالأمور المالية، وأنهم لا يبغُون سوى توقيعي على قصاصة من الورق، للإقرار بالدَّين فقط لا غير. وهكذا وقَّعتُ على قُصاصات صغيرة من الورق صحيح، لكنها كانت مصوغة صياغة محكمة وقانونية باللغة العربية أو الأرمينية أو العِبرية، التي لا يُمكنني قراءتها، وبها ألزمتُ نفسي بدفع فائدة هائلة، تتراوَح بين ٢٥ إلى ٥٠ بالمائة.

كانت هذه هي البداية الحقيقيَّة لديوني وأزماتي المادية؛ فقد أعطاني عبد الله باشا كمبيالات تستحق الدفع بعد ٣١ يومًا في القسطنطينية، لكنَّ دفعَها تأجَّل بحُجة أو بأخرى لمدة عام، وفي تلك الأثناء كنتُ أعاني من عَوَزٍ شديد في المال، لدرجة أنني لم يكن معي سوى «عدليا» واحد.١ وأسوأ ما في الأمر أنني لا أعتقد أن الباشا كان ينقصُه المال، وإنما تظاهر بالفقر ليخدع الباب العالي. على أيِّ حال، فقد قصَّر عن السداد في الوقت المتَّفَق عليه، وهو ما كان من شأنه أن يجعلني في سعة ويُسر في الحال، وترتب على ذلك أنني وجدت نفسي وقد تدحدر بي الحال تمامًا. وفي إحدى المرات، كما أسلفت، لم يكن لديَّ مليم واحد، حتى إن المسيو لوستانو ذهب إلى المسيو بودان، الذي كان في دمشق، وقال له إنه نظرًا لكونه يدين لي إلى حدٍّ ما بترقِّيه في الحياة، فإنه مُلزَم بمُساعدتي في شدَّتي. وفي البداية تردَّد المسيو بودان؛ لكن مع إصرار المسيو لوستانو أقرَضَني المسيو بودان ٤ آلاف دولار إسباني، سدَّدتُها له فيما بعد.

لكن هذا ليس كل شيء. بل لقد اضطُررتُ إلى إرسال أفضل مَعاطفي لتُباع أو تُرهن في البازار في صيدا، ولبَيع أربعين جنيهًا لجندي ألباني، الجنيهات التي كان أخي قد أعطاها لي حين ودَّعني في جبل طارق، والتي أنقذتُها عندما تحطَّمت السفينة.

آه يا دكتور! قبل وفاة الآنسة ويليامز بستة أشهر، تدهوَرت أموري لدرجة أنها لو كانت ماتَت في ذلك الوقت، لما وجدتُ مِن المال ما يكفي لدفنها. فموسى، وهو أحد أفضل الخدم الذين عملوا لديَّ على الإطلاق، والذي مات بالحمى نفسها التي ماتَت بها الآنسة ويليامز، اشترى زيتًا يكفي استهلاك المنزل لشهرَين أو ثلاثة من جيبه الخاص، ودون أن أعرف؛ حيث قال للآنسة ويليامز التي أخبرتني بذلك لاحقًا، إنه لا يَليق بسيدتي الليدي أن تُرسِل لتشتري الزيت بالنِّصف والربع لتر مثل الفقراء، وهو الأمر الذي كنتُ قد اضطُررتُ لفعله آنذاك. يا إلهي! كم أتألَّم عندما أتذكَّر ذلك! في أحد الأيام بينما كنتُ أمشي جيئةً وذهابًا، لا أدري كيف ولا إلى أين ألجأ لحلِّ مشكلتي؛ إذ خطر لي أنني يجب أن أطلق النار على خيولي ما دمت لا أجد ما أطعمها به، سمعتُ صلصلة أجراس جِمَال، وتوًّا جاءَ خادم ليقول لي إنَّ هناك بعض الجمال عند البوَّابة مُحمَّلة بالشعير. كان مَن أرسل هذا المدد في الوقت المُناسب للخيول بعض الغرباء الذين سمعُوا بالحالة التي كنتُ فيها؛ وهكذا أعطيتُ آخر قِطعة نقد لديَّ للجَمَّال.»

في يوم آخر، أعطَتني الليدي هيستر مُذكرة صغيرة مكتوبة عن شئونها المالية كي أقرأها، وكانت مختلفة إلى حدٍّ ما عمَّا روَتْه لي شفهيًّا، وإن كانت متَّفقة معها في النقاط الرئيسية. وفيما يلي ما جاء في المذكرة:

«بدأت ديوني عام ١٨٢٢، من ١٨٢٢ إلى ١٨٢٣؛ وفي غُضون عامَين أصبحتُ مدينةً بثلاثة آلاف إسترليني، ولم أكن في حقيقة الأمر اقترضتُ كل هذا المبلغ. كنتُ قد اضطُررت لاقتراض المال بسبب الثورات الدائرة في البلاد؛ وهنا أتحدَّث عن الوقت الذي جاء فيه ثلاثة باشوات، ومعهم جيش، ليُعسكِروا أمام بوابات عكا، وحين كان الأمير بشير، حاكم جبل لبنان، قد فرَّ إلى مصر؛ وقد لجأ إليَّ عدد هائل من المُضطهَدين بحثًا عن ملاذ في داري، مما تسبَّب في نفقات ضخمة. ولأنَّني كنتُ أتوقَّع أن تصلني تحويلات مالية من إنجلترا، وهي التي لم تَصِلني قط، فقد حددت أربعة أشهر إلى ستة فقط موعدًا لسداد المال الذي اقترضته، وبفائدة ٢٥ بالمائة. هذا المال، بالفائدة والفائدة المركَّبة، والخسارة التي تكبَّدتُها مُضطرَّة حين قبلتُ بالسِّعر الذي اختاره الدائنون حين أقرضُوني المال، تراكمت خلال ثلاث سنوات إلى ثلاثة آلاف إسترليني. ويعلم الله كم يَبلُغ الآن! والآن بالكاد يكفي دخلي، بعد دفع فوائد هذه السندات، حتى أدفع الأجرة لخدمي والحرفيِّين الذين يعملون لديَّ، ولوضع القليل من المؤن في بيتي. ويجب أن تُدرك أنني حين رتَّبتُ لتحويل معاشي إلى القسطنطينية، كنتُ أحصل على الدولار بستة قروش أو ستة ونصف؛ وأستلمه في بيروت بسعر عشرة قروش ونصف، وكنت أبدلها ثانيةً في بلدة طائفة المُتاولة وصيدا، حيث أشتري المُؤن الخاصة بيِ، فكان السعر ثمانية ونصف؛ لذلك كانت خسارتي مائة بالمائة في أغلب الأحيان. وقد طلب منِّي مصرف كوتس وشركاه، بعد وفاة العجوز كوتس، أن أُحوِّل حوالتي إليهم عن طريق مكتب تجاري في القسطنطينية، وكان في ذلك عنتٌ وخسارة فادحة لي.

جرت العادة في هذا البلد حين لا يستطيع الناس الوفاء بديُونهم، أن يُوضعوا رهن الاعتقال بإقامة الجند لديهم، مُستبيحين كل ما تَصِل إليه أياديهم إلى أن يُسدَّد الدين. وقد قررت أن أخضع لعادة البلاد، بدلًا من السماح للقُنصل الإنجليزي في ذلك الوقت بالتدخل؛ لأنني كنت أبغضه. وظننتُ أن هذا القرار سيُوفر عليَّ مشقَّة رواية قصَّتي، وسيُعطي الاسم الإنجليزي الاعتبار الذي يستحقُّه. ونظرًا لأن الأمور بدت وكأنها ستتمخَّض عن أزمة لا محالة، إذا لم تتوافر لي وسيلة تسمَح لي بتجنُّبها، فقد رأيت أنه كلَّما كان الوضع قاطعًا كان أفضل؛ لأنَّ صفوي ساعتَها لن يتكدَّر لمَصائب الآخَرين، حين أكون أنا نفسي مُتسوِّلة. والوسائل التي سأَصِل بها لهذه الحال لا تَنطوي على مَلامة؛ لذا هيأت ذهني للخضوع لمصيري هذا. والشيء الوحيد الذي أوقفني عن ذلك هو أنني كنت أنتظر ردًّا بشأن بيع ملكية مُستردة في إنجلترا؛ ثم بعد ذلك، إذا لم يَنجح طلبي في بيع تلك الملكية، قررتُ أن أُطلق الرصاص على أفراسي حتى لا يذهبنَ إلى ناسٍ آخرين، وأن أُفارق الآنسة ويليامز وباقي أفراد دائرتي في أسرع وقتٍ مُمكن، وأن أُغادر هذا الجزء من العالم وأذهب إلى حيث لا يسمع الناس عني ثانيةً أبدًا، لكن بعد أن أضع في أيادي دائنيَّ الوثائق التي تُمكِّنهم من التمكن من كل ما أملك، ومعاشي إذا استطاعوا ذلك، لكن هذا المعاش لن يُساوي شيئًا؛ لأن العدالة والحرية الإنجليزية ستكون بالطبع قد حرمتني منه.

كانت هذه هي نواياي، القائمة على إصرارٍ بعدم تقديم أي تفسير لعائلتي، أو تلقِّي المزيد من اللَّوم منهم؛ فقد نالَني منهم ما يكفي. وإذا كان عليَّ قول شيء فسوف أقوله للأمريكان، فهم مَن فكَّرتُ بالذهاب والعيش بينهم، فربما يَقتنعُون على أيِّ حال بأنَّني ورثت روح جدي ونزاهته المُطلقة؛ ذلك لأنَّني لم أعتدَّ قطُّ بأنصاف الحُلول.

لقد كثُر الحديث عن عدد خدَمي؛ ولكن نظرًا لأنَّ الكثير منهم يَهرُبون، بالأربعة الأشخاص أو الخمسة معًا في الليل، ونظرًا لأنَّ العديد منهم كانوا يتغيَّبون باستمرار في إجازات لرعاية عائلاتهم، بينما يظلُّ آخَرون باستمرار في عداد المرضى، بما يجرُّونه على أنفسهم من حُمى بسبب الإفراط في الأكل، فإنه لم يكن باستطاعتي العيش بعددٍ أقل مما لديَّ؛ لأنَّ خمسة رجال هنا لا يستطيعون القيام بعمل ما يَفعله خادم واحد في أوروبا. وما يُسمَّى بالمترجمين والسكرتارية فهي فئة لأشخاص أسوأ حتى من أدنى الطبقات، فإنهم أكثر البشر كسَلًا وسفاهةً.

أما المُضطهَدون الذين لجئوا إلى داري، فلا بدَّ بالطبع أنك سمعت عن الثورة التي اندلعت في جبل لبنان حوالي العام ١٨٢٢. فعلى بُعد مسيرة نصف يوم من منزلي، هجر كل السكان منازلهم للجنود الترك والدروز. وبقيتُ أنا وحيدة، مُعذَّبة حتى الموت مع هؤلاء الفارِّين البؤساء. وهبَّت عواصف رهيبة وانهمَرَت الثلوج بشكل غير معهود فدمَّرت عددًا ضخمًا من المنازل، ولم يتبقَّ لي سوى غرفتَين صالحتين للسكن في منزلي. سقطت المباني والجدران، وغمرت المياه كل ما تبقَّى. تدهورت صحتي، التي كانت مُعتلة للغاية أصلًا، بسبب القسوة غير المألوفة للموسم؛ حيث لم يسبق أن تساقطت الثلوج في الأجزاء السُّفلى من الجبل طوال الثلاثين عامًا الماضية. وماتَت الماشية من الإملاق، ولم يكن من المُمكن حصاد المحصول التالي بسبب نقص دواب الحمل.

يكفيك كل ما قلته لك، والباقي ربما يُمكنك تخيُّله؛ وإذا كنت لم تسمع ولو نبذة عنه وأنت في فرنسا، فلا بدَّ لك أن تتذكَّر دائمًا أن ما يجري في الداخل لا يُعرف عنه سوى القليل على الساحل؛ وأن القنصل أو التاجر، وهو جالس هنا بجوار مِدفأته، يظلُّ على جهالته بما يجري كأنه موجود في مرسيليا.

كان ثمَّة درزي عجوز قُيِّد رأسه إلى قدمه بالسلاسل، وأُلقيَ به في زنزانة. أُحرقَت عدَّة قرى، تُشبه المدن الصغيرة، وقُتل العديد من النساء، ودُمِّرت أملاك معظم أصدقائي بالكامل؛ في حين اختبأت الزوجات التعيسات لرجالٍ ذوي شأن في الجبال المكسوة بالثلوج مُتنكِّرات، يرتجفن خوفًا على أطفالهن الرضع، الذين سيكون هلاكهم أكيدًا، إذا قُبض عليهن. وكان هناك الولَدان حنا وبطرس، وكنتُ أثق في أحدهما ثقة كبيرة وقتئذٍ، وقد أخَذا يتجوَّلان دون كلل بحثًا عن هؤلاء الفارِّين التُّعَساء. ولن أزيد في قولي لك عن هذا؛ فبمقدُورك أن تحكم على مشاعري وموقفي ممَّا سمعت.»

•••

كانت هذه هي مسوَّدة الإفادة المكتوبة التي أعطتها لي الليدي هيستر. وأشارت فيها إلى الناس المضطهدين الذين لاذوا بالحماية تحت سقفها؛ لكنها حين روَتها لي شفهيًّا، لم تذكر ولو بكلمة واحدة قطُّ أنها منحَت مَلاذًا لكلِّ الفرنجة الموجودين في صيدا تقريبًا، الذين فرُّوا إلى منزلها وهم في حالة ذُعر في أعقاب معركة نافارينو، ووفَّرَت لكثير منهم السكن وأعالتهم إلى أن تمكنوا من العودة بسلام؛ وكذلك لم تأتِ على ذكر البائسين المائة الذين ظلَّت تُطعمهم وتئويهم وتكسوهم وتحميهم، لما يُقارب العامين، بعد نهب عكا. لم تَقُل كلمة واحدة قط عن أعمال الخير العديدة التي قامت بها، ولا عما أظهرته من تسامح رحيم تجاه حتى من أساءوا إليها. وسأذكر فيما يلي حالة حقيقية، من بين عشرين حالة مُماثلة يمكن الاستشهاد بها على ذلك.

الشيخ عمر الدين، هو مسلم محافظ صاحب حانوت بقالة في صيدا، ظلَّ لسنوات عديدة يمدُّها بالمؤن ويرعى مصالحها؛ وعندما شحَّ لديها المال وتركَت حسابها لدَيه يتراكم إلى أن وصل إلى مبلغ كبير، أخذ الرجل إقرارًا منها بالدَّين، وفي نهاية العام طالبها بالدفع. ولتهدئتِه، أعطته الليدي إقرارًا جديدًا بالدَّين، اشترط هو أن يكون بضعف المبلغ. وبعدها طالبها بأن تُعطيه ربع رطل من الحنطة، ثم طلب ربعًا آخر، ثم طلب لفة كاملة من الجوخ؛ ثم طلب أشياء أخرى شتى، إلى أن اقتضى حقُّه مُضاعفًا في النهاية. وأذكر جيدًا أنه في عام ١٨٣١، عندما كنت ذاهبًا إلى صيدا في أحد الأيام، قالت لي الليدي هيستر: «لا تركب الحصان الكستنائي اللون»، (وهو حصان ثمينُ القيمة)؛ «لأنك إذا فعلت، ومررتَ بحانوت الشيخ عمر، فسوف يُلحُّ عليَّ في طلب هذا الجواد من أجل ابنه، ولن أجرؤ على رفض طلبه.»

هذا الرجل، وهو على فراش الموت — وقد مات في وقتٍ ما أثناء غيابي في أوروبا — استدعى زوجته وأولاده إليه، وقال لهم: «تَدين لي الست الليدي بمبلغ من المال، وستجدون بين أوراقي إقرارًا بالدَّين، فلتَحرِقوه. فطالما كانت تُحسن إليَّ، وإذا كنتُ سأموت ومعي ثروة صغيرة، فإنما تحصَّلتُها بفضل كرمها. عِدُوني الآن ألَّا تُطالبوها بشيء أبدًا؛ لأنَّني تلقَّيت ضعف المبلغ وثلاثة أضعافه على يديها.» وأقسم له أولاده بأغلظ الأيمانِ على ما يريد، وبعد موته ذهب أكبر أبنائه إلى دار جون، وأخبر الليدي هيستر ستانهوب بوصايا والدهم المُتوفَّى، وكذلك كثيرًا ما رددت أرملته لليدي مدى التزامها بالعهد. وعلى ذلك فقد بلغ الليدي هيستر بعدها معلومات مؤكَّدة دلَّت على أنه برغم كل هذه الأيمانات المغلظة، فإن الازدواجية والجحود اللذين اتسم بهما أهل هذه البلاد قد تجسَّدا في هذا الموقف، كما في سائر المواقف الأخرى؛ حيث احتفظت الأرملة بالورقة وحاولت بيعها مرتَين، مرة إلى رجل إنجليزي، ومرة إلى أحد سكان المدينة. برغم كل ذلك، كانت الليدي هيستر كلَّ عام في العيد تُعطي مبلغًا سخيًّا من المال للأرملة، التي أدَّى تبذير ابنها وتكاسله عن العمل إلى تدهور أحوالهم مرةً أخرى إلى معيشة ضنك.٢

كان كرم الليدي هيستر الزائد وحبها لأعمال الخير معروفين عنها، وبالتالي فقد كانت تحاصرها قصص المآسي، بالإضافة إلى مشروعات الاكتشافات الأثرية المهمة، التي لا ينقصُها أي شيء في العالم لتنفيذها سوى المال، والأسرار التي لا يُمكن البوح بها لأحد سواها، والهدايا التي تصلها وتحرص دائمًا على الرد عليها بثلاثة أضعاف قيمتها. وكان دائنوها يَنهالون عليها بالخطابات والرسائل والزيارات؛ فكانت تضطرُّ إلى إسكاتهم بالسداد من ناحية، وبزيادة الفائدة التي تدفعها.

لكن لم يَقتصِر الأمر على ذلك. فخلال الثورة اليونانية، اجتاح القراصنة البحر المتوسِّط اجتياحًا، حتى إنه كان من الخطر على تجار بلاد الشام إرسال تحويلاتهم المالية إلى أوروبا نقدًا. وهو الوضع الذي زاد إلى حدٍّ كبير من قيمة الكمبيالات، لدرجة أنها كانت تُشترى بالجُملة في كثير من الأحيان بأسعار مُرتفعة. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه المسلَّمات، اعتاد السنيور «…»، التاجر من بيروت، على صرف العديد من كمبيالات الليدي هيستر المسحوبة على مصرف السادة كوتس وشركاه في لندن، أو على مصرف السادة ويب وشركاه في ليجورن، بنسبة خصم ٣٥ و٢٥ و٢٠ في المائة، في حين أن هذه الأوراق المالية كانت في الحقيقة ذات قيمة مُمتازة في السوق. وكان السيد «…» يأخُذُها بخصمٍ يَصل إلى ١٥، ثم ١٠، ثم ٥ بالمائة. بالإضافة إلى ذلك، أصيبت الليدي هيستر بأمراض خطيرة في فترات مُختلِفة. ولم يكن بجوارها أحد يُمكنها الوثوق فيه سوى الآنسة ويليامز، التي لم تكن مُلمَّةً المرة بالأمور المالية، وكانت بالطبع غير قادِرة على تدارُك الضرر المتعمَّد، ولَو أنَّ عقلها البريء وشخصيتها الساذجة لم يَمنعاها من التشكُّك في هذا الضرر. في أحد الأوقات، كان لدى الليدي هيستر وكيل أعمال أرمني، والذي احتفظ بسجلات الحسابات مكتوبةً بلغته الأرمنية؛ وفي وقتٍ آخر، كان يعمل لديها رجل من إقليم بيدمونت، والذي ذهب إلى بيروت للتفاوض على الكمبيالات، ولا بدَّ أنه كان على علم بطبيعة هذه المعاملات. ما وجه العجب إذن في أن تلحق بها كل هذه الخسائر، وهي مُحاطة بكل هؤلاء المُغامِرين والمُتآمرين؟ أضف إلى ذلك، أن أنواعًا مختلفة من العملات كانت مُتداولة في تركيا، ربما يَصِل عددها إلى ٣٠، وكلها مُتقلِّبة في القيمة، ممَّا زاد من تعقيد محنة الليدي. ولم يكن مِن المُستغرب بالمرة، حتى في ظل الظروف العادية، أن تهويَ الليدي إلى حالة من الإعسار، لكن في موقفها شديد الاضطراب، لم يكن من مفرٍّ منها.

وكنت شاهدًا على توقيعها على قائمة بدائنيها، أسمائهم، مع المبالغ المدينة لهم بها، بِناءً على طلبها، تحسُّبًا، على حدِّ قولها، إن أصابها أي شيء، حتى يعلم دائنوها أنها لم يكن لديها أي نية قط للاحتيال عليهم، حتى وإن كانت مكاسبُهم ربوية وغير مشروعة. وأضافت قائلة: «عندما أحصل على المال، سأدفع لهم جميعًا ضعف ما أقرَضوه لي، ولا أعتقد أن بإمكان أحد أن يقول إنني جرتُ عليهم.»

حصل كل دائنيها على فائدة بنسبة ٢٥ بالمائة على الأموال التي أقرَضُوها إياها. وإذا كانت الليدي هيستر لم تَعترِض البتَّة، وكانت على استعدادٍ لتلقِّي المساعدة المالية ولو بتلك النسبة من الخسارة، فإنه من الجدير بنا أن نَتناول هذه المسألة. كانت السلعة التي يَبيعها هؤلاء التجار هي الذهب، وكانوا يتربَّحُون منه بقدر ما يَستطيعون؛ لكن الليدي لم تكن تحصل دائمًا على ما اتَّفقَت معهم عليه؛ فبعض المُقرِضين كان يُرسل لها جزءًا من القرض في صورة قهوة وأرز وسلع أخرى. وفي مُعظم الحالات، لم يكن الذهب المُرسَل لها كامل الوزن؛ إذ لا يوجد بلد يُبخَس فيه الناس حقوقهم أكبر مما يحدُث في تركيا. وليس من العدل القول بأن اليهود وحدَهم المُرابون؛ فالمسلمون والمسيحيون على القدر نفسه من السوء، ما دام القانون، أو غيره من الاعتبارات، لا يُجبرهم على تحرِّي الأمانة. ولدَينا فيما يلي مثال على ذلك، تاجر مسيحي في بيروت.

أرادت الليدي هيستر اقتراض ٦٠٠ جنيه إسترليني، وتقدَّمت بطلب إلى السيد «…»، في سبتمبر ١٨٢٦، حين كان سعر الصرف ٢٠ قرشًا للدولار الإسباني؛ ومن ثَم كان ٢٠٠ إسترليني تساوي حوالي ١٠٠٠ دولار إسباني؛ و٦٠٠ إسترليني تُساوي ٣٠٠٠ دولار إسباني، أو ٦٠ ألف قرش تركي. وكان مع سيادة الليدي كمبيالة مسحوبة على مصرف السادة كوتس وشُركاه بمبلغ ٦٠٠ إسترليني، تستحق السداد بعد عام واحد. فأعطاها ذلك التاجر البيروتي ٥٢ ألف قرش فقط مُقابل كمبيالتها، بدلًا من ٦٠ ألف قرش، أي ما يُساوي ١٧,٥ قرش للدولار الإسباني، وليس ٢٠ قرشًا وهو السِّعر الحقيقي للصرف؛ وكسب في الحال من هذه الصفقة ٧٥٠٠ قرش، أو ما يُعادل ٧٥ جنيهًا إسترلينيًّا. لكن الكمبيالة كان أمامها عام على استحقاقها، لذلك طالَبَ الليدي بعلاوة إضافية مُقابل المُخاطرة التي سيتحمَّلها، فطلب مبلغًا مُتواضعًا ١٠٠٠ دولار إسباني، أو ما يُساوي ٢٠٠ إسترليني؛ وهكذا حصلت الليدي على ٣٢٥ إسترلينيًّا من أصل ٦٠٠ إسترليني من مالها. وسُدد هذا المبلغ بعملة «العدلي» التي تُساوي ١٦ قرشًا، وعملة «الغازي» التي تُساوي ٢٠ قرشًا، وعملة الرُّوبية التي تُساوي ٩ قروش، وعملات أخرى متنوِّعة؛ لكن بعد ذلك بأسبوع أو اثنين، يُصدِر الباشا تعريفة للنقود، محدِّدًا قيمةً أدنى من الحالية لجميع العُملات المعدنية للإمبراطورية العثمانية، وهي خطوة مألوفة كل عام قبل جمع الضرائب، تَحصُل الحكومة من خلالها على زيادة كبرى في الإيرادات. كان هذا الأمر معروفًا للتاجر مُسبقًا، فلديه في دفاتره مذكرة بالمعدلات المُعتادة التي تُحدد بها قيمة الأموال سنويًّا، أو إنه، وهو الأرجح، يحصل بمقابلٍ ما، على معلومات سرِّية من السكرتارية الحكومية لمعرفة أي عُملة ستَنخفِض قيمتها أكثر، ويَحرص على أن تحتوي أدراجه على أكثر العُملات التي يرغب في التخلُّص منها قبل انخفاضها؛ وهكذا تجد الليدي هيستر أن ما تلقَّته مُقابل ٢٠ صارت قيمته ، وما كان بتسعة سيكون بثمانية وربع، وهلمَّ جرًّا، والذي من شأنه إضافة خسارة أخرى جسيمة إلى باقي خسائرها. لكن في أغسطس ١٨٣٧، تأخَّر سداد كمبيالة الليدي لأنَّ مصرف السادة كوتس وشركاه لم يَحصُل على تأكيد بوجود الليدي على قيد الحياة حتى نهاية سبتمبر من ذلك العام، (ربما كان التأخير من تبعات الإجراءات التي اتخذها اللورد بامستون)، واضطرت الليدي إلى طلب مُهلة لستة أشهر أخرى، مُنحَت إياها بعد أن وقعت على سند يُضيف عددًا من الدولارات على دينها بنسبة الفائدة الربوية نفسها.

بعد هذا البيان عن ديونها، شرَعَت الليدي تشرح ما جعلها تكتب لي بهذا الاستعجال للمَجيء إلى سوريا. وكان قد سبق الإشارة إلى أنه في عام ١٨٣٦، نما إلى عِلمها من صديق في إنجلترا أنها قد ورثَت تَرِكة كبيرة، وهي المعلومة التي أخفاها عنها أولئك المُطلعون على الوصية.

ويبدو أن بداية هذا الاعتقاد الخاطئ تعود إلى ربيع عام ١٨٣٦. وفي بعض الرسائل المُتبادَلة بين الليدي والنَّبيل هنري جاي، القنصل الفرنسي في بيروت، التي تكرَّم هذا النبيل بالسماح لي بعرضها، والتي ستُقدم أوضح تفسير لمشاعرها حول هذا الموضوع، سنرى أنها لم يُخامرها أي شك في الأمر، وكانت مُقتنعة تمامًا أن أصدقاءها لم يُطلِعُوها على الثروة الكبيرة التي ورثتها، بغرض إجبارها على الحضور إلى إنجلترا، مُعتقدين أن الضائقة لا بدَّ أن تدفعها في النهاية إلى العودة إلى بلدها الأصلي. وقد أُرسلت هذه الخطابات إليَّ في نيس، بعد أن أرسلت مخطوطة هذا الكتاب إلى إنجلترا؛ بيد أن عرضها هنا لن يخلَّ بتدفُّق السرد، فهي تُوثِّق أجزاءً كثيرة منه.

من الليدي هيستر ستانهوب إلى النبيل هنري جاي، القنصل الفرنسي في بيروت.
مُترجم من الفرنسية
 [دون تاريخ]
سيدي،

ألف وألف اعتذار على التأخير الطويل جدًّا في إرسال الكمبيالات إليك، ولكن ظلَّ اللقمجي يُؤجِّل رحلته إلى بيروت يومًا بعد يوم، كذلك كنت في حالة مزاجية سيئة جدًّا لدرجة أنني لم أستطع الكتابة لك.

بعد أن أعطيتُ يونس الرسائل، تلقَّيت خطابًا من صيدا، من اللورد «ﻫ…»، مكتوبًا بأسلوب مُضطرِب جدًّا، لدرجة أنه استغرق مني يومين كي أفهمه. تاريخ الخطاب هو الأول من سبتمبر، لكن مُسحَ هذا التاريخ، ووُضعَ شهر ديسمبر بدلًا منه. ويخبرني فيه أنه «ذهب مباشرةً للحصول على معلومات صحيحة حول شئوني المالية، وأنهم قد اعتذَرُوا له قائلين إنهم أحيانًا لا يعلمون إذا ما كنت على قيد الحياة أم لا، وإن هذا هو السبب في تأخُّرهم في سداد دفعاتهم المالية»، إلى آخر هذا الهراء. وفيما يتعلَّق بالأمر الآخر، فإنه لم يكتب شيئًا على الإطلاق، وإنما صور إليَّ أنه إذا كنت أرغب في أن يسير كل شيء على ما يرام وكما أرغب، فيجب أن أعود إلى إنجلترا، وحينها ستُجرى تسويات رائعة جدًّا … إلخ إلخ.

كل هذا لا يجعلني أغير رأيي، ولكنه يُؤخر كل شيء. وإذا كانوا لن يُنصفوني، فسيُجبرون على ذلك بالقوة، بموجب القانون. أستأذنك أن تتكرَّم فتضع الخطاب المرفق إلى سيدي اللورد «ﻫ…»، ومعه شهادة إثبات البقاء على قيد الحياة في مظروف، وتُرسله إلى مصرف كوتس وشركاه، حرصًا على عدم تأخير الكمبيالات. بما أنني حظيت ببعض الهدوء، فسوف أحسم كل هذه الأمور، وآمُلُ في النهاية أن يكون كل شيء على ما يرام. لكن حماقة هؤلاء القوم المُفرطة وجهلهم يُذهلاني ويَدفعاني للغضب؛ لأنهم يضعونني في موقف محرج للغاية، حيث يجب عليَّ إما أن أُحرم ممَّا هو مُستحق لي، أو أن أجرح سُمعتهم. وإذا عُرف هذا الشأن في إنجلترا، فسوف يثير ضجة كبيرة.

بعد مراجعة حسابي جيدًا وجدت أنه قد بقي لي نحو ٤٠٠ جنيه إسترليني ونيف. ومن اﻟ ٧٠٠ إسترليني، لديك ٤٠٠ إسترليني، أو ما يقرب من ذلك، جاهزة للتصرُّف. ضع ألف دولار بالتمام في كيس، واحتفظ بمائتي غازي للأشياء التي سأحتاج إليها — (يوسف بوتعَل، من الإسكندرية، سيكون معه كمبيالة بحوالي ٢٠٠٠ قرش، وأكون شاكرة إذا دفعتها له في الوقت المحدَّد) — وأعطِ باقي المبلغ للقمجي ليَدفع لبعض العمولات، وأرسل لي معه بعض الكمبيالات الجديدة بقيمة الأربعمائة إسترليني.

أسأل الله أن يأتيَ الوقت الذي يكون بمقدوري فيه أن أردَّ لك، بشكلٍ ما، ولو جزءًا يسيرًا فقط من الأدب والاهتمام الذي رأيته منك.

كن على يقين يا سيدي من تقديري لك وصداقتي.

هيستر لوسي ستانهوب
دار جون، الأحد.

من الليدي هيستر ستانهوب إلى النبيل هنري جاي، القنصل الفرنسي في بيروت.
التاسع والعشرون من مايو، عيد الملك تشارلز.

أرجو منك يا سيدي إرسال كلمتَين أخريَين، إلى الدكتور «…»، وخطاب إلى مصرف السادة كوتس. وفقًا لخبر من قبطان يوناني، يبدو أن ابن عمي، سيدي اللورد «ﻧ…»، بعد أن توقَّف ليوم أو يومَين في قبرص، ذهب إلى ساحل منطقة كاريا، ناويًا المجيء إلى هنا بعد ذلك. وآمُل ألا يُعطلني مجيئه عن كل ما يجب أن أقوله لك. هو شقيق دوق «ﺑ…»، الرجل الذي دائمًا ما يحبط كل مساعيَّ، آملًا أن يدفعَني هذا لمغادرة هذا البلد بالإكراه. والد دوق «ﺑ…» هذا كان ينفق على خمر البوربون ٢٥ ألف إسترليني كل عام، طوال الوقت الذي قضوه في إنجلترا.

اللقمجي أحضر لي الستة آلاف قرش، التي تكرَّمتم بإرسالها لي. وسوف نُسوِّي كل ما يتعلق بذلك عند وصولك إلى هنا. وحتى هذا اليوم يا سيدي، تقبل منِّي شكري الجزيل، واعتزازي بصداقتك.

هيستر لوسي ستانهوب

من الليدي هيستر ستانهوب إلى النبيل هنري جاي، القنصل الفرنسي في بيروت.
 [دون تاريخ، ولكن يُفترَض أن يكون يونيو ١٨٣٦]
سيدي:

أنا على استعداد دائمًا لوضع ثقتي الكاملة فيك؛ إليك حساب مصرف كوتس، كما هو. والخطاب لا يقول شيئًا، سوى أن ثمة شخصًا دفع الكثير من المال، ربما يكون وكيلًا لابن أخي، لكنَّني لست متأكِّدة من ذلك. أرسل لي الحساب ثانيةً عندما يكون لديك من سيأتي إلى هنا. ولا شكَّ أنني مدينة بسداد هذا المبلغ للورد هاردويك، الذي لا يُرسل خطابًا قبل أن ينتهي من كل شيء. إنه رجلٌ قدَّم لي ألف خدمة، دون أن يُخبرني بما فعله قط، لكن الصدفة تسوقني لمعرفتها. انتظر وتحلَّ بالصبر، فالله كبير، والحق إلى جانبي.

أخبرني إذا كان هناك أي فرص لإرسال خطابات إلى ليجورن أو إلى فرنسا، فإنني أرغب في الكتابة إلى الدكتور.

منصور ذاهب إلى بيروت للقيام ببعض المهام، بيد أن ذاكرتَه سيئة جدًّا حتى إنه لن ينفعني بشيء من ذهابه ليُخبرك بما يجب أن أقوله لك. فإنني بحاجة إلى تصميم لسقفَين (أحدهما سقف غرفة الديوان الخاصة بي) يكون على ذوقك ومن أفكارك، يتكون من دائرة في المنتصف، ويُزينه قرن يفيض بالفاكهة والزهور في كل ركن، وتمتدُّ فيما تبقى منه سقيفة أزهار. كذلك يجب أن يَحتوي على أقواس صغيرة. وهذه أودُّ أن تكون مُزيَّنة بزهور عباد الشمس (لا أعرف اسمها بالفرنسية)، والمركز الدائري يُمكن أن يكون به كيزان ذرة وزهور ورمان، أقصد أن تكون هي الأشكال الغالبة. وسترى تصوُّري لقرن الفاكهة والزهور في الرسم المُرفَق بالرسالة.

لقد تلقَّيتُ توًّا رسالة طويلة جدًّا من مدام دي فيريات، التي سَرَّها سماحي لها بالمجيء إليَّ. وهي تستعد لذلك، ببَيع مُمتلكاتها، وما إلى ذلك. أتخيَّل أنها لا بدَّ أن تكون امرأة فريدة من نوعها.

سأكتب لك ثانيةً يوم الأحد؛ لكن قبل أن تردَّ عليَّ، هل يمكن أن تتحرَّى لي عن ذلك الشخص الذي راسَلني من أبناء مدينة فلورنسا. فلتُخبرني أي نوع من الرجال هو، وأي خدمة يستطيع تقديمها. فلا يُمكنني إنجاز أعمالي كلها، ولديَّ منصور وحده، ومع ذلك فهؤلاء الفرنجة بغضاء بشكل عام. اسمه رينيكوتشي، أو شيء من هذا القبيل. سامحني على كثرة إزعاجي لك، وتقبَّل يا سيدي مشاعر تقديري واحترامي.

الاثنين السابعة مساءً.

هيستر لوسي ستانهوب
الجمعة، الساعة الثالثة صباحًا.

ساعي البريد سيَنطلِق الآن.

فيما يتعلَّق بحُجرة الديوان الخاصة بمدام دي فيريات، أودُّ إضافة زخارف ذات طابع موسيقي، وزهور، وما إلى ذلك؛ لأنها تبدو مُغرمة جدًّا بالموسيقى والفنون الرفيعة.

دعني أعرف ما إذا كان النجار الإسباني مُتفرغًا في الوقت الحالي أم لا.

من الليدي هيستر ستانهوب إلى النبيل هنري جاي، القنصل الفرنسي في بيروت.
دار جون، الثامن عشر من يونيو ١٨٣٦.
سيدي،

استلمتُ خطابك مساء يوم السابع عشر، ويُسعدني أن أرى مدى الاهتمام الذي تكرَّمت بإبدائه إزاء شئوني. لذا ستبتهج حين تعلم أن ما كنت أنوي القيام به لم تَعُد له ضرورة.

وصل إلى عِلمي ظروفٌ بالغة الغرابة، ولا يُمكنني إخبارك بها في رسالة.

أنا لا أخاف من طاعون ولا مِن أي شيء آخر؛ لذا إذا كنتَ تُؤمن مثلي بأن كل شيء بقدر، فسأغتنِم الفرصة للاستفادة من مشورتك بخصوص أمور معيَّنة لا تُصدق إلى حدٍّ ما، والتي أعادَها على مسامعي مرَّتَين أشخاص قريبِين جدًّا مني، لكنهم لا يرغبون في أن يعرف أحد عنهم شيئًا.

الآن يجب أن أتحدَّث إليك عن شئوني المالية. ذلك أنني أودُّ الحصول على ثلاث كمبيالات بقيمة ١٠٠٠ دولار في غُضون ١٥ أو ٢٠ يومًا. وإذا لم يكن المال مُتوافرًا معك، فبإمكانِك إعطاء الكمبيالات إلى بعض التجار الإنجليز، الذين آبي التعامُل معهم؛ لأنهم يودُّون إما الحصول على كل كمبيالاتي أو لا شيء على الإطلاق، ونظرًا أنه من المتوقَّع أن تتحسَّن أموري، فإنني أُفضِّل ألا أتعامل مع أحد سواك. لقد خدمتَني فأحسنت خدمتي في أزماتي، وأتمنى أن تشهد نهايتها. ونظرًا لخوفي من وَقفِ خطاباتي،٣ إذا ما عُرفَ خطِّي، فسأكون شاكرة لك إذا وجَّهت أحدَها إلى السيد إيه كينجليك، مُضيفًا له اسم المصرفي الخاص بك في باريس أو مرسيليا. لقد تركتُ الخطاب مفتوحًا، وأرجو أن تتكرَّم بختمِه بالشمع، ووضعه مع الخطاب الآخر في مظروف، وإرسالهما إلى سيدي اللورد هاردويك، داخل ظرف موجَّه إلى أحد أصدقائك في إنجلترا.

وداعًا يا سيدي، ولك منِّي كل التقدير، ومودَّتي لكم.

هيستر لوسي ستانهوب

ملحوظة: لقد أخَّرت رسالتي يومًا إضافيًّا، بعد أن وصَلني بريد من بيروت ليُخبرني بالعثور على ميدالية تخصُّني في قبرص، وهو دليل آخر على السرقات التي جرَت في منزلي. ومع ذلك أرجو ألا تقول شيئًا عن هذا الموضوع في الوقت الحالي، وحتى يَقبضُوا على الرجل الذي باعها هناك.

•••

مُرفق هنا الخطاب الأصلي، ليكون عينة على لغة الليدي الفرنسية.

من الليدي هيستر ستانهوب إلى النبيل هنري جاي، القنصل الفرنسي في بيروت.
دار جون، الثالث من يوليو ١٨٣٦.
سيدي،

كنتُ أنوي أن أكتب لك بالأمس، حين وصَلني خطابك، لأُخبرَك أنني قد اكتشفتُ المزيد من السَّرقات، ويا لها من مُؤامرات! لكنَّني لن أتحدَّث عنها في الوقت الحالي؛ إذ أتوقَّع أن أتكبَّد نفقات كبيرة من نواح عدة؛ وإذا كان لا يضايقك أن تنتظر مبلغ الكمبيالة المحتج عليها، إلى أن يتسلم المصرفيون العاملون لديك مبلغ الألفَي إسترليني، فإن ذلك سييسِّر أموري بشكلٍ كبير.

كان عندي أخبار أخرى عن الأموال المخفية عني. مرحى! عندما أحصل عليها، سوف أعطيك الكثير من العُمولات لتشتري لي أشياء من فرنسا.

ما أكرمك إذ تُفكِّر في بصري، الذي تأذَّى للغاية بسبب المرض والمتاعب! مع ذلك، فإنه أفضل ممَّا كان العام الماضي.

سأعيد لك الكتاب مع ساعي البريد الذي سيذهب من أجل إحضار المال. في أيِّ يوم تُحب أن يأتيك؟

نصف ما يقوله مؤلِّف الكتاب غير صحيح.٤ فقبل أن أذهب إلى مدينة تدمر، قُمت برحلة قصيرة في الصحراء برفقة لاسكاريس وحدَنا، مُتذرعين بحُجة ما لمنع الطبيب والخدم المُتزوِّجين من مُرافقتنا. وقد طارَدَنا أنا ولاسكاريس البدو الفدائيُّون الذين كانوا مُعادين لمحمَّد الفضل؛ ورغم أن خيولنا ظلَّت ليومَين دون أن تشرب، فقد امتطياناها مِن العاشرة صباحًا حتى مُنتصَف الليل، دون أن نأكُل أو نشرب، حتى نخرج من منطقتِهم. ثم ثانيةً وقَع الخلاف بيني وبين لاسكاريس بسبب سائس لم يكن يعرف لاسكاريس، ومنعه من دخول إسطبلاتي في مدينة حماة. ومنَعه كبرياؤه من الاستماع إلى صوت العقل، وهرَب مُبتعدًا. وقد قابلتُه بعدها بعدة سنوات في مدينة طرابلس، وجعَلني أبكي لمدة ساعة لما كان فيه من حزن شديد، ومن الاعتذارات التي قدَّمها لي؛ بكيت كثيرًا حتى إنني دهشتُ من نفسي، لكَوني نادرًا ما أذرف الدموع. يا له مِن مسكين! كان رجلًا نبيلًا بحق، على درجة عالية من الأخلاق، وعلى قَدر كبير من المعرفة، دون أيِّ ادِّعاء للعلم. لم يكن شديد التعلُّق بنابليون لشخصه؛ وإنَّما كان ولاؤه للمنصب، بصرف النظر عن هوية شاغلِه. وأنت تعرف جيدًا ماذا فعل لأجله.

فلتتفضَّل يا سيدي بقبول تقديري واحترامي.

هيستر لوسي ستانهوب

من الليدي هيستر ستانهوب إلى النبيل هنري جاي، القنصل الفرنسي في بيروت.
دار جون، الرابع عشر من أغسطس ١٨٣٦.
سيدي،

أخيرًا نجحتُ واكتشفتُ حجم ما يُحاك ضدِّي من مُؤامرات. وقد أراد المتآمِرون أن يلحقوا بي بالغ الأذى، لكنهم والحمد لله أسدوا إليَّ خيرًا كثيرًا كما سترى لاحقًا. عندما تَنتهي أيام الحر، يجب أن تأتيَ لزيارتي، حتى أُطلعك على كل شيء بصورة كاملة، وكذلك لتسوية حسابنا. ولا تقلق إذا لم تَصِلك أي رسائل ممَّن تُراسله على سفينة البريد. ففي هذا الموسم، يتجه كل علية القوم في إنجلترا نحو منازلهم الريفية، ومِن الوارد أن يكون صديقك قد أرجأ الكتابة إليك حتى تصلَه رسائلك الأخيرة.

لم أتلقَّ أيَّ رد من الدكتور حتى الآن منذ كتبتُ له آخر مرة، لكنَّني أعرف أن أموره ليست مزدهرة كثيرًا. إنه رجل مسكين، فليتحلَّ بالشجاعة، وستتحسَّن أحواله، نعم، سيَصير على ما يرام، عندما أتغلَّب على أولئك اﻟ….

في غُضون ثمانية أيام، سأُرسل لك، إذا أذنت لي، كمبيالة بقيمة ١٠٠ جنيه إسترليني، ويُمكنك أن تُرسل لي ٢٠٠ قطعة من عملة الغازي.٥ ولن أزعجك أكثر من ذلك، إلى أن أجعلك المصرفي والمحامي الموكل بشئوني، كي تُصفِّي ديوني، وما إلى ذلك.

تفضل يا سيدي بقبول تقديري واحترامي.

هيستر لوسي ستانهوب.

ملحوظة: لم تُزعجني قضية الزنوج كثيرًا، لكن السلوك المشين لهاتَين الخادمتَين يضايقني يوميًّا. إحداهما طردت حماها من منزله، والثانية طردتها زوجة الرجل الذي تعيش عنده. ولقد كنت دائمًا أرى أنَّ كثرة التعليم حسبها أن تُسبِغ على الإنسان مظهرًا خارجيًّا فقط، وأن فطرة الإنسان، أيًّا كانت، لا بد أن تكشف عن نفسها إن آجِلًا أو عاجلًا. إن المغالاة في التعليم هي ما أفسد فرنسا، وأنتج الفلاسفة الفرنسيِّين الأشبه بالقِرَدة، والإنجليز الأشرار الأشبه بالبهائم.

من الليدي هيستر ستانهوب إلى النبيل هنري جاي، القنصل الفرنسي في بيروت.
أكتوبر ١٨٣٦.
سيدي،

لا يسعني سوى التفكير في مدى لُطفِك ناحيتي، حتى إنك لم تنسَ أمري في وجود ذلك الشخص المرموق،٦ الذي يتطلَّب وجوده كل انتباهك، لكنَّك كفؤ لكلِّ مُهمة. حمدًا لله أن الأمير مُدرِك بكم تَدِين فرنسا لك! أشك أنه ليس ممَّا يمكن أن يسهو عنه أثناء رحلته البحرية في بلاد الشام؛ حيث يُقدِّرك الجميع غاية التقدير؛ لكن لا بدَّ أن أُمسِك لساني عن مدحك، وإلا غضبت مني.

أرجو أن تتفضَّل بتسليم يونس المال في مظروف مُغلَق. مُرفق طيَّه الكمبيالات، والخطاب الذي سمحتَ لي بقراءته.

من الليدي هيستر ستانهوب إلى النبيل هنري جاي، القنصل الفرنسي في بيروت.
دار جون، الثلاثون من أكتوبر ١٨٣٦.
سيدي،

كنت بالكاد قد تعافَيت من الصداع النصفي والالتهاب في عينيَّ، وإذ فجأةً سقط كل الناس عندي مرضى — الفتاة السوداء الصغيرة والجميع — وقد تألَّمت لمرضِهم وأُنهكت حتى شارفت على الموت، لكن الحمد لله، فقد أمسَوا جميعًا في عافية ثانيةً الآن!

ما فتئت أُؤجل الكتابة إليك، مُتوقِّعة على الدوام أن أتلقى أي رسائل عبر الباخرة؛ ولكن عندما فكَّرت في الأمر، شككت في أنني سأتلقَّى أي رسائل إلى حين يَجتمِع البرلمان، أو هكذا سيكون عُذرهم على أي حال، وسيقولون إن الجميع في الوقت الحالي خارج المدينة.

يَنتابُني الفضول كي أعرف كيف سيُعلِّلون حقهم في أن يُخفوا عني ذلك المال الذي تُرك لي. أعلم علمًا يقينًا أن هناك إرثَين (أحدهما علمت به من مصدر غير مُباشر، لكنه ثقة جدًّا، وذلك بعد أن تقابَلنا آخر مرة)، أحدهما كبير والآخر صغير. ولو كنت شريرة، لكنتُ جعلتُهم يَندمون على أفعالهم في المحكمة؛ لكن سواء فعلت ذلك أو لم أفعل، لا يُمكن أن يمر الأمر دون ضجة.

لقد أخبرت السيد كوتس مرتَين بضرورة أن أسحب من مصرفه، بعد العاشر من أكتوبر، كلًّا من معاشي ومبلغ ٩٥٠ إسترليني كان مُستحقًّا في سبتمبر؛ ولا أظن أنهم سيُخادعُونني مرة أخرى، بعد أن أكَّدوا لي مرارًا أنهم سيتوخَّون الدقة مُستقبلًا في مدفوعاتهم، لا سيما أنه سينبغي عليهم القيام بالكثير من أجلي بعد الاكتشاف الذي توصَّلت إليه. لذا أرجو أن تُخبرني إذا كان لديك ما يكفي من المال لصرف كمبيالة بقيمة ٣٠٠ جنيه إسترليني، قبل أن تصلَ النقود القادمة من إنجلترا. ومن هذا المبلغ، أرجو أن تَحتفِظ بمائتي غازي من أجل النفقات.

أخبرتني الليدي هيستر آنذاك أنها بعد أن كتبَت — دون جدوى — إلى أحد النبلاء حول الموضوع، عادت تقلب الأفكار في رأسها مُتسائلة أين يُمكنها أن تجد شخصًا ملائمًا يمكنها أن تثقَ فيه، ليتحقَّق لها من حقيقة هذه الأمور، وتستطيع أن تُراسله لتطلب منه أن يقوم بالتحريات الضرورية. وقد تمعَّنت طويلًا إذا ما كان يجب أن يكون هذا الشخص محاميًا أم رجل أعمال أم أحد أصدقائها القدامى. وعن الفئة الأخيرة، بأسرها، قالت: «اعتقدت أن السير فرانسيس بورديت سيكون هو الشخص الذي يُمكن الوثوق به بكل تأكيد.» وبالحديث عنه قالت: «إنه رجل مليء بالمشاعر، طبيب، وطالَما كنتُ أنا وهو صديقين مقربين. وأتذكر حين قلت له كيف تصرَّف شخصان أو ثلاثة بحقارة عند وفاة السيد بيت، وأنه استشاط غضبًا؛ وظل يضَع يده في فتحة صدريته، ويخرجها ثانيةً، كأنه لا يستطيع احتواء حنَقِه عليهم. ما رأيك؟ أليس هو الشخص المناسب لذلك الأمر؟ لطالَما قلت إن السير فرانسيس ليس ديمقراطيًّا. وقد ألقى بنفسه بين جموع الشعب لمجرَّد أن يجد عذرًا للابتعاد عن المجتمع، أو للانعزال بنفسه. فكلُّ الديمقراطيين الذين عرفتهم لم يكونوا سوى أرستقراطيين في دواخلهم، بل أسوأ من الأرستقراطيين الآخرين. حتى هورن توك لم يكن ديمقراطيًّا، وهذا أمر أنا متأكدة منه، من تملُّقه الدائم لي، ومِن كثرة الخُطب التي كان يلقيها باستمرار لي وعني مُتغنيًا فيها بمدحي. ولم أعرف حتى الآن رجلًا، لم يكن ديمقراطيًّا بدوافع شخصية منه، إلا من أخذ رشوة مقابل ذلك.»

في النهاية، تُقرر الكتابة إلى السير فرانسيس، وأملت عليَّ الليدي هيستر مسوَّدة للخطاب، والتي بعد بضعة تعديلات لفظية رأت أنها سوف تَفي بالغرض. وقد أُدخل عليها عدة ملاحظات خارج الموضوع تمامًا، لإبلاغه بالبحوث التي أجرَتها الليدي عن الأصل الشرقي للأيرلنديين والاسكتلنديِّين؛ ونظرًا لأن الليدي ظلَّت تلحُّ عليَّ بالسؤال: «هل ستَفي هذه الرسالة بالغرض؟ هل تعتقد أن هناك شيئًا آخر يحتاج إلى تغيير؟» وهو تساؤل معهود جدًّا معها عندما تُملي عليَّ الرسائل، فقد نسيتُ تحذير رواية «جيل بلاس»، وعبرت بصراحة شديدة عن مَخاوفي خشية أن تُؤدي إضافة آرائها بشأن القرابة بين الأيرلنديين وقبيلة قريش إلى أن يظن السير فرانسيس أنها قد أصابها خبل. وعلقت قائلًا، إنه مِن الأرجح ألا تكون دراسات السير فرانسيس قد أدَّت به إلى التمعُّن في هذه الموضوعات، وإن إدراجها بهذا الشكل في خطاب عن الأعمال، قد يصير فرصة ليتناولها الأشخاص الكارهون لها بالتعليقات المسيئة. وشكَرتني الليدي على رأيي، ولكنَّها أبقت على كل ما ورد في الخطاب، وطلبت مني فقط أن أكتبها كما هي. فعلت ذلك، ودون قصد سقطت مني صفحة، والتي أثارت بعض الالتباس حين اكتملت الرسالة وقرأناها. ولما قرَّرت إعادة كتابة الرسالة ثانية، قدمتُ التي معي إلى الليدي للتدقيق فيها، وذهبت لرؤية أسرتي. لكن حين كنتُ هناك أُصبتُ بالتهابٍ فلغموني في إحدى ساقيَّ، وفي ليلة واحدة، ومِن التهيُّج الذي أحدثه السرج (رديء الصُّنع كما هي العادة في تركيا) استفحل بشدة،٧ وآلَمني أشد الألم، لدرجة أويتُ إلى فراشي ولازمته ١١ يومًا. وكتبت رسالة إلى الليدي هيستر، أصفُ لها حالتي، وأطلب منها أن تُرسل إليَّ الخطاب الخاص بالسير فرانسيس حتى أتمكَّن من كتابته مرةً أخرى، لكنها عندما سمعت بمُعاناتي الشديدة قالت إنه ليس من الضروري إعادة كتابتها؛ وختمَت المسودة التي معها، وأرسلتها مع مرسال إلى بيروت لكي تذهَب على الباخرة.

الثاني عشر من سبتمبر: هكذا ظلَلنا مُنشغِلين حتى يومنا هذا، باستثناء الساعات العديدة التي قضتها الليدي هيستر في الهجوم اللاذع على النساء وأزواجهن؛ فقد اجتهدت في إثبات أن النساء، في جميع الحالات تقريبًا، لا بدَّ أن يكنَّ مجرَّد آلات، تتحرَّك وفق إرادة سادتها وبتوجيه منهم. واستحضرت ذاكرتها الخصبة عددًا هائلًا من الحالات لتُعضِّد بها حجتها؛ حالات كانت قد رأتها في الطبقات الراقية مِن المُجتمَع حين كانت تُخالطها؛ حيث رأت نبلاء يُبجِّلهم الناس، لكنهم أصبحوا أُضحوكة المجتمع؛ لأنهم تركوا زوجاتهم ليتحَّكمن فيهم. لكن اللورد «ﻓ…» كان هو المثال الذي ذكرته بكثير مِن الإمعان.

قالت الليدي: «النساء يجب أن يكنَّ واحدة مِن ثلاثة أشياء. إما سياسيات وشخصيات مثقَّفة، أو يكنَّ مُكرِّسات وقتهنَّ للملابس والمُتعة والحب، أو يكنَّ مُغرمات بالشئون المنزلية. ولا أقصد بالشئون المنزلية المرأة المُتفرِّغة للحياكة وانتهار طفلَيها وإرسال خادمتِها لتتسوَّق لها كل ما تُريده، فليس في ذلك مشقَّة. لكن ما أقصدُه هو زوجة صاحب المزرعة، التي تُشرف على صنع الزبد والجبن، وتَعتني بحظيرة الدَّواجن، وتهتم براحة زوجها واهتماماته.» ثم أشارت قائلة: «أما أفضلية قضاء أُمسياتك مع أسرتك، والتي تتَّخذها سببًا لوجودهم بالقُرب منك، فإن كل العقلاء من الرجال الذين سمعت عنهم من قبل، يَتناولون وجباتهم مع زوجاتهم، ثم ينسحبون إلى غرفهم الخاصة، ليقرءوا، أو يَكتُبوا، أو يُؤدُّوا ما وراءهم من مهامَّ، أو يفعلوا ما يرُوق لهم. فإذا كان الرجل صيَّاد ثعالب، فإنه يَذهب للحديث مع الصيادين أو سُيَّاس الخيل، وهم الرُّفقة الأنسب لهذا الأمر؛ وإذا كان تاجرًا فإنه يذهبُ إلى دكانه، وإذا كان طبيبًا يذهب إلى مرضاه؛ فالأحمق وحده مَن يُضيِّع وقتَه في محادثة عديمة الجدوى مع مجموعة من النساء.»٨

وحدَث أن قلتُ مُعلقًا على ذلك إنَّ العديد من الرجال النُّبَهاء يَقضُون أوقاتهم مع عائلاتهم، بل يَقرءون ويَكتُبون وهم مُحاطُون بهم؛ وذكرت أربعة أشخاص أو خمسة أتَوا على ذاكرتي، أحدهم كان السيد «ﺳ…». فردَّت الليدي: «هل سمعتني يومًا أقول إنه ليس في العالم سوى أحمق واحد فقط؟» وأكملت قائلة: «أما السيد «ﺳ…» فأنا أعرفُه، ولا حاجة بك للحديث معي عنه. السيدة «ﺳ…»! عجبًا منها امرأة! كان «تشارلز ﺳ…» من أكثر الناس فُجرًا في لندن، مخمورًا على الدوام. كان في كتيبة فرسان الحرس الملكي التي تضمُّ النبلاء الأثرياء، وقد قرَّر أن يقع في حبِّ ابنة أحد اللوردات — شديدة القُبح — لكن أقاربها لم يسمحوا لها بالزَّواج منه. ربما كان يَطمع في مالها، فهو كان حسن الطلعة جدًّا. والسيد «ﺳ…» كان يعيش حياةً فوضوية جدًّا، لدَيه خادمة واحدة لأداء كل المهام وصبي، وكانت ابنتُه هي التي تقوم بمُعظم الأمور لأجله. فربما لم يكن غنيًّا بما يَكفي لتكون له حُجرة أخرى ليقرأ ويكتب فيها.»

على هذا المنوال كانت الليدي هيستر تُجادل في معظم الموضوعات، مُتنقِّلة من أمرٍ لآخَر، وحين تظنُّ أنت أنها سهت عن موضوعها، تعود إليه بأحد التعليقات الحادَّة، التي غالبًا ما تَحسم الحديث بالشكل الذي يُرضيها.

التاسع والعشرون من سبتمبر: بقيت في مار إلياس، حبيسًا بساقي المريضة من يوم ١٣ حتى يومِنا هذا، عندما عُدت إلى دار جون. في غُضون ذلك، ظلَّت الرسائل والرسل في ذهاب وإياب بين المسيو جاي والليدي هيستر ستانهوب بشأن منزل كان المسيو جاي مُكلفًا منها باستئجاره لي ولأسرتي؛ لكنَّني فيما بعدُ وجدتُ مُبررًا للاعتقاد أن الليدي لم يكن لدَيها رغبة في التخلُّص منَّا، حيث خُصِّص المنزل للبارونة دي فيريات، ولم يكن الغرض مِن المراسلات سوى وصمِ زوجتي بوصمة المرأة الساخطة والمتقلبة.

وأثناء مُلازمتي الفراش بسبب المرض، كتبَت الليدي هيستر ستانهوب الخطاب التالي لابنتي، التي كانت بالكاد تخطَّت مرحلة الطفولة آنذاك:

إلى الآنسة «…»
الثلاثاء، قبل غروب شمس، التاسع عشر من سبتمبر ١٨٣٧.

كان مِن دواعي سُروري يا عزيزتي الصغيرة يوجينيا أن أرى أنكِ قد ورثتِ مِن والدك مشاعره الطيبة تجاهي. ويجب أن أشكُركِ أنتِ والآنسة لونجشامب على عُروضكما الكريمة للمساعَدة، لكنني مُضطرَّة لعدم قبولها؛ حيث قد قرَّرت ألا يكون لي أي علاقة بأسرة الطبيب، كما لو كانت غير موجودة بالبلد. وإنَّني إذا تنازلت وفقدت اعتباري بتقديم تبريرات يومية لأتباعي، فسأكون قد نسيت مكانتي ومقامي في المجتمع. ولتجنُّب هذا يجب أن أستبعد تمامًا فكرة التعرف عليكِ، برغم أنكِ موضع اهتمامي شأن كل أبناء الدكتور، حتى لو كان عنده مائة طفل. اطلُبي منه ألا يُفكر في موضوع خطاباتي أو أي شيء آخر يتعلَّق بيِ، وليهتمَّ فقط بصحَّته. وإذا كان بمقدوري أن أكون ذات فائدة لشخصٍ مريض، فلن أُمانع؛ لكن ما يُحكى عن تطوُّر القُروح والالتهابات وتفاقمها ليس سارًّا بالمرة؛ حيث لن أستطيع مساعدته، أو بالأحرى لن يُسمَح لي. لا أريده أن يكتب لي حتى يتعافى مِن مرضه. فالكتابة ستُرهقه بالتأكيد، وإنَّني أُفضل ألا أتلقَّى رسائل منك ولا منه.

لقد تلقَّيت خطابًا من المسيو جاي اليوم يُخبرني فيه أنه يُفكر في الذهاب في جولة لرؤية بعض المنازل الصالحة للإيجار مِن أجل عائلتك. وسأُرسل خطاباتي إلى بيروت يوم الخميس قبل الشروق، سوف تَذهب خطابات الدكتور مع نفس المِرسال. وسيكون من الأفضل أن يزيد في رسالته للمسيو جاي ليَشرح له موقع ونوع البيت الذي يُفضِّل السكن فيه؛ حيث سيبدو أنني صرتُ حمقاء في سنِّي الكبيرة، ولا أعرف يَميني من شمالي.

يعلم الدكتور أن باستطاعته أن يَطلُب من منزلي أيَّ شيء يرى أنه قد يكون مُفيدًا له، لكنني لن أراسله، ولا أستفسِر عن أحواله، لما كان من استقبال مرسالي بطريقة سيئة؛٩ ولا أعتقد أنني مُطالَبة بإجهاد عينَيَّ في الكتابة، بينما أنا محتاجة لما تبقَّى من نظري لمراعاة شئوني الخاصة.

لكِ خالص محبتي يا فتاتي الصغيرة،

هيستر لوسي ستانهوب.

يُمكن فهم الحالة المزاجية لليدي هيستر في تلك الفترة بشكلٍ أكبر من الرسالة التالية، التي أُرسلَت مع توصية سرية بأن تُقرأ على زوجتي.

إلى الدكتور «…» في مار إلياس.
دار جون، الثالث والعشرون من سبتمبر ١٨٣٧.

بينما أنتظِر ردَّ المسيو جاي، سأُطلعُك على بعض الملاحظات الجديرة باهتمامك. إنني لا أتحدَّث بغضب يا عزيزي الدكتور، لكنَّني لا أدري كيف ستنهَض بمهامِّك في هذه الفترة؛ فمن الواضح للعيان أنك لن تكون قادرًا بأي شكل من الأشكال على إنجاز الأمور التي جئت للبلاد من أجلها. لذا فإنه سيكون من الحماقة أن أُبقيَك هنا في موقعٍ بارز في أعين العامة في بيروت لمُجرَّد أن تكتب لي بضعة خطابات. ولقد عرض عليَّ المسيو جاي، قبل أن أُرسل إليك لتأتي، أن يتولى كل شئوني، وأن يأتيَ إلى هنا ليَكتب لي خطاباتي؛ لكن كان لديَّ أسباب جعلتني أسألُك أن تأتي، ولم تعُد تلك الأسباب موجودة؛ لأنَّني لا أرى أنك ستكون مرتاحًا بالقُرب مني تحتَ أيِّ ظرف من الظروف، حتَّى إنَّني لم أَعُد راغبة في ذلك القرب، سواء في الحاضر أو المستقبل. لذا إذا أحببتَ أن تقضيَ الشتاء في قبرص، حيث ربما تكون مرتاحًا هناك أكثر مِن بيروت، فلك مُطلَق الحرية لفعل ما تَشتهي. وعندما تستقرُّ أموري المالية، يُمكنك حينها، إذا كانت قبرص راقَت لك، أن تشتريَ قطعة أرض هناك، أو تعود إلى أوروبا، أيهما شئت.

أنا سعيدة جدًّا أنك كتبتَ لمسيو جاي بنفسِك؛ لأنَّني كنتُ قد وصفتُ له المطلوب منزلًا ريفيًّا قُرب قرية ما، بينما وصفت أنتَ له شيئًا ما شبيهًا بالمقهى قُرب بوابة المدينة. كنت قد تحدثت معي عن حبِّ زوجتك للعُزلة حبًّا بالغًا (وهو ما ضحكت عليه حينها) فها هي تختار بيتًا على الطريق السريع. لكن دعنا مِن كل هذه الأمور الطفولية المُبتذلة؛ أنا لا أريد إجابة مُتعجِّلة، فهذا الموضوع يحتاج إلى تفكير عميق. حاوِل أن تخلد للراحة، وأنا سأجدُ سبيلًا لتسوية شئوني بالشَّكل الذي يُرضيني؛ جُلُّ ما أريده هو إجابة واضحة ومحدَّدة، حتى أستطيع ترتيب أموري تبعًا لها.

المخلصة،
هيستر لوسي ستانهوب.

ملحوظة: إذا كانت رسالتي قد تأخَّرت، فذلك حتى يتمكَّن المسيو جاي مِن الرد على خطابك بشأن المنزل. وقد أرفقتُ له خطابَيك كي يُرسلهما إلى إنجلترا. لا تشغَل بالَك بي. لقد أقدمتُ على الكثير من التضحيات الكبري في حياتي، وسيكون بمَقدوري بالتأكيد أن أقوم بواحدةٍ أُخرى صغيرة، حين أعلم بها. هذا ما يُميِّز الشخص العظيم بحقٍّ عن الوضيع والسوقي.

•••

عندما عدتُ إلى دار جون، مكثتُ هناك ثمانية أيام. ودارت أغلَب مُحادثاتي مع الليدي خلال هذه الفترة حول مقرِّ والدها في تشيفينج، وحول الناس في ذلك الحي، والسعادة التي عاشَتها في أيامها الأولى هناك. وتذكَّرَت الليدي كل أسماء طبقة النُّبلاء هناك، والمزارعين، وكذلك خدم والدها، وحكَت عنهم طرائف بتفاصيل غاية في الدقة، لدرجة أن أولئك الناس سيندهشون، أنها بعد مرور كل هذه السنوات ما زالت تذكر عنهم أكثر مما يتذكَّرُونه هم عن أنفسهم.

١  العدلي هو عُملة تعادل ١٦ قرشًا.
٢  كان الشيخ عمر الدين مُسلمًا متمسكًا بالتقاليد؛ أي كان رجلًا صارمًا في شعائره الدينية، ولا يعرف طعم الخمر، ونظافته لا يتصوَّرها عقل، وهي أمور يُقصِّر فيها السوريون المعاصرون إلى حدٍّ ما.
٣  يبدو أن سيادة الليدي عاشت طويلًا في داونينج ستريت (مقر الحكومة البريطانية)، حتى صار لديها بعض المعلومات حول موضوعٍ أثار مؤخرًا نقاشات حادة جدًّا في مجلس العموم.
٤  الكتاب المقصود هو كتاب لامارتين «ذكريات الشرق». وما تُشير إليه الليدي بأنه غير صحيح هو ما يتعلق برحلتها في الصحراء مع السيد لاسكاريس؛ فليس من المحتمل أن يكون السيد لامارتين قد عرف بتفاصيلها وتفاصيل الخلاف مع السيد لاسكاريس، وذلك لا ينتقص مطلقًا من الفضل المنسوب إلى لامارتين، لكونه أول رحالة يقدِّم لأوروبا بعض التصورات الدقيقة عن الليدي هيستر في عُزلتها.
٥  عملة من الذهب المخلوط، في حجم الشلن.
٦  الأمير دي جوينفيل، نجل الملك لويس فيليب.
٧  خلال أشهر الخريف في سوريا، اللدغة من ذبابة الخيل، أو السحجة البسيطة، وحتى لدغة البعوضة، إذا حكَكَتها، ستَلتهِب على الفور وتتفاقم، وأحيانًا تُصبح جرحًا.
٨  هناك فيلسوف عظيم ناقش هذه النقطة نقاشًا منطقيًّا مثل الليدي هيستر. حيث قال: «الزوج والزوجة مقدَّر لهما فعلًا العيش معًا، لكن ليس على الشاكلة نفسها؛ فعلَيهما أن يتعاونا، دون القيام بالأشياء نفسها. فالأمور المستحبة لدى أحدهما قد تكون مكروهة لدى الآخر؛ فإن الطبيعة التي تجعل لكلٍّ منهما ميولًا مختلفة، تفرض عليهما وظائف مختلفة أيضًا، ومثلما هما مختلفان في الواجبات فإنهما مختلفان كذلك فيما يتسرَّيان به؛ باختصار، كلٌّ منهما يساهم في سعادتهما المشتركة بطرق مختلفة، وهذا التقسيم في الأعمال والاهتمامات هو أقوى رابطة توحدهما معًا.». الجزء الثالث من رواية «إلواز الجديدة».
٩  كنت قد رفضت بشيء من العصبية بعض الملابس التي أرسلتها الليدي هيستر لي، وهذا ما تُلمح إليه في كلامها هذا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤