ملاحظات إضافية

الفصل الثالث: الأمير بشير.

فيما يخصُّ هذه المحادثات التي تضع شخصية الأمير بشير في أسوأ صورة، فسيكون من الإجحاف ألا نَلفِت نظر القارئ إلى كتاب نُشر مُؤخَّرًا بعنوان «مذكرات أميرة بابلية»، حيث يصوِّر الأمير نموذجًا لجميع الفضائل المسيحية، وعهدَه عهدًا للسلام.

بصفتها رواية حالمة، فإنَّ «مذكرات أميرة بابلية» ربما تُضارع العديد من أعمال أفضل روائيِّينا. فالكاتبة تبدو مُتسامحة بلا حدود تجاه أخطاء الآخَرين؛ ورغم ذلك، فلا بد عند تقديم شخصية الأمير بشير أن يُترَك حاملًا كل أوزاره فوق كتفَيه، كأميرٍ خبيث ودمَوي وغادر، لكنَّه ناجح.

ولا يُمكن عدم الادِّعاء بأن الليدي هيستر ستانهوب لم تكن تكرَه الأمير بشير كرهًا شخصيًّا؛ ولأنَّ كراهيتها كانت نابعة من القلب مثل صداقتِها تمامًا، فإنها لم تكن تتحفَّظ أبدًا عند الحديث للآخَرين عن الأمير، فيما كانت لغة الليدي بلا شك مُتحاملة في كل الأوقات؛ بيد أنه هناك للأسف فيض غزير من المسلَّمات التي تشفع لإسراف الليدي في الإساءة له فيما يخصُّ قساوته؛ ولو كانت ذريعة لسلوكِه أنه كان مُضطرًّا للتعامل مع زعماء قبائل كانوا على درجة كبيرة مِن الميكيافيلية مثله تمامًا، فهذا العُذر يُحسبُ له.

في المجلد الثاني من كتاب «مُذكِّرات أميرة بابلية» في صفحة ١٦٠، تقول الأميرة ماريا تيريزا أسمر لقُرائها إنَّ الأمير بشير أعدم ولدَي أخيه لمُعاقبتِهما على الخيانة بمُحاولة إسقاطه. لكن الجميع في جبل لبنان يَعلم أن أبناء أخيه قد سُملَت أعينهم، وكذلك تأكَّد أنهم خضعوا لبتر أعضاء عزيزة على الأزواج الشرقيِّين مثل البصر تمامًا، لكنَّهم لم يُقتَلوا، ولعلَّهم ما يزالون على قيد الحياة الآن.

في المجلَّد الثاني، صفحة ١٥٨، يأتي النص التالي: «لقد ظلَّ الأمير في السلطة لأربعين عامًا، وبسياسته الحازمة والمتسامحة استمرَّ طوال تلك الفترة الطويلة في دمج العناصر المُتنافِرة وغير المتجانِسة الخاضعة لسُلطته في كيان موحَّد؛ لدرجة أنَّ السلام ساد في الجبل، ولم يَعُد المُسلم يتعطَّش لدم أخيه المواطن المسيحي. باختصار، صار المَوارنة والمَتاولة والمسلمون والدروز يتطلَّعُ بعضُهم إلى بعض كإخوة.» وقبل ذلك بقليل (في صفحة ١٤٠، بالمجلد الثاني)، تقول لنا المؤلِّفة: «ظللتُ زمنًا أنعم بحماية أمير ترفَع ذراعُه القوية عاليًا كرامة المسيحية في الشرق، ويدعو أتباعها إلى عبادة إلههم دون خوف.»

في مَوضِع آخر (في المجلد الثاني، صفحة ١٨٧)، يُطالعنا النص التالي: «بعدها بفترة وجيزة نهضَت الليدي هيستر ستانهوب وودَّعتنا، وتأهَّبت للرحيل تتبعها حاشية كبيرة. وكان يقف عند البوابة فرس مُفعم بالنشاط، يعضُّ على شكيمته بتلهُّف مُتوقد. وضعت الليدي قدمها في الركاب، وقفَزَت برشاقة على السرج، واعتلَتِ الفرَس بالطريقة الشرقية، مُباعدة بين ساقيها على غرار الرجال، وانطلقت بخطوات سريعة، تعدو قافزةً فوق الصخر والجبل.»

ما يزال لدينا اقتباس آخر من المجلد الثاني، صفحة ٢٠٣؛ وفي حين أنه من المُؤسِف قطعًا أن نُثير الشكوك حول صحة كتاب «مذكرات أميرة بابلية»، فمن الضروري أن نُبرئ كِتابنا هذا من الاتِّهام بأنه وسيلة لنشر الأكاذيب. وفيما يَلي ما جاء في الاقتباس: «مَلِكة تدمر، وهو اللَّقب الذي درجت جميع القبائل البدَوية على تسمية الليدي هيستر ستانهوب به، كانت تربطُها صداقة قوية مع الأمير بشير وأُسرته، وكانت زائرة دائمة لحديقتِه الخاصة.»

وسيكون بمَقدورنا الرد على كل هذه المزاعم الخاطئة نوعًا ما، بسرد فحوى مُحادثة جرت مع الليدي هيستر، ولا يضمُّها هذا الكتاب في متنِه. وكانت المحادَثة كالتالي:

«ما قولك يا دكتور لو أنَّ وحشًا أرسل جلاده ليَنتزع منك فتاتك الصغيرة، يوجينيا، ويقتلها؟ كم سترتاع عندئذٍ؟ بيد أن الأمير بشير طاوَعته نفسه على فعل ذلك؛ فعندما كانت زوجة الشيخ بشير البائسة التعيسة تفرُّ من كل الأهوال التي حاقَت بها، أصدر الأمير أمرًا بتمزيق ولدها أشلاءً حيثُما يَجدونه. وأنا لم أكن على علاقة مُقرَّبة بتلك المرأة بأيِّ حال من الأحوال، لكن مَصائبها حتَّمت عليَّ مُساعدتها، بحق الإنسانية؛ فقد كانت في ذلك الوقت تفرُّ عبر الثلوج، وليس معها بارة واحدة. كان لدَيها أربعةُ أبناء أو خمسة، اثنان منهم كانا في السجن في عكا مع أبيهما (الذي خُنقَ بعد ذلك هناك، كما تعلم)، وواحد كان يَرضع على صدرها.

ولم ينسَ ليَ الأمير أو يَغفِر قط ما صنعته في ذلك الموقف؛ فقد كان حنا» (هو فلاح أعمى مسكين، كنتُ أُحدِّثُها عنه، وهو ما أدَّى بنا إلى هذه المحادَثة) «وشخص آخر، محض صبيَّين في ذلك الوقت، وأنا أحبطتُ كل خُططه البغيضة ضدهما، برغم أنَّ الأمير كان له زبانية مُنتشرون في كل الاتجاهات يَبحثون عنها. وكاد حنا يَقضي نحبَه في الثلوج، وأَذهبَ وهجُ الثلج بصرَه ولم يستردَّه ثانيةً مُطلقًا. وقد وصفَني مُعظم الناس بالحمق لما بذلته من أجلهما، وارتعدُوا مِن عواقب مُناهضتي لأميرٍ قويٍّ كبشير؛ لكنَّني لستُ مِن عيِّنة الناس المُسالمين مثلك، الذين يَنزوُون في ركن، ويشهَقُون وينُوحُون لخوفِهم مِن الإقدام على فعل شيء. لقد رفعت الإنسانية صوتها، وطالبَتني بالسَّعي لإنقاذ هؤلاء الأيتام البائسين، وقد فعلتُ ذلك. وإنني لم أتدخَّل قط في مؤامرات هذَين الخصمَين، الأمير والشيخ، ولم أرَ أحدًا منهما ثانيةً منذ وفاة سليمان باشا.» وقد مات سليمان باشا قبل عام ١٨٢٢؛ ومن ثَم لا يُمكن أن تكون الليدي هيستر ستانهوب على علاقة مُقربة مع الأمير بشير، ولا أن تَمتطي حصانها على بوابته بعد عام ١٨٢٥، وهو تاريخ حكايات الأميرة، إذا صحَّت ذاكرتي (لأنَّني نسختُ الاقتباسات ثم أعدتُ الكتاب لصاحبه).

الفصل الرابع: «الغرفة لا تشبه الغرف الإنجليزية أو الفرنسية.»

على القارئ عند الاطِّلاع على هذه الصفحات أن يضع باستمرارٍ في اعتباره الاختلاف بين ما هو شائع في الشرق وما هو شائع في إنجلترا. فانطباعات القارئ ومُلاحظاته على بعض الوقائع في هذا الكتاب، والتي تَنطبِق على الواقع المُهيمِن في بلدنا، ولها بالضَّرورة أهمية كبيرة، قد تكون في المُقابل مجرَّد سقط متاع بالنسبة إلى الشرقيِّين. هذا الكلام أشد ما يَنطبِق على الأجزاء المتعلِّقة بوصف غرفة نوم الليدي هيستر ستانهوب.

فعند ذكر كلمة «غرفة نوم» نتصوَّرها نحن الإنجليز تلقائيًّا سريرًا بأربعة أعمدة وقبَّة وستائر، مع مرتبة تحتانية محشوَّة بالقش، وحشية، ومَرتبة محشوَّة بالريش، مع لحافٍ قُطني، وربما لحاف من الريش فوقه، إلى جانب مرآة مِن الرُّخام، وحوض لغسل الوجه، ومنضدة أنيقة لأدوات الزينة رُصَّ عليها أغراض لا حصرَ لها مِن مَساحيق الزينة والأمشاط وفُرَش الشَّعر وغيرها من الأدوات. لكن انسوا هذه الصورة برمَّتها تمامًا؛ فالنساء التركيات لا يَعرِفن حتى بوجود مثل هذه الأشياء على الإطلاق. فكل ما لديهنَّ هو خزانةٌ ما في أحد الأركان، أو صندوق مُطعَّم بالنحاس، يَحتوي على ما يحتجنَ إليه لأغراض التزيُّن، ثم تتكفل زيارة الحمام بكل ما تبقَّى.

في البلاد الشرقية لا تُوجد حتى غرفة تحمل اسم غرفة النوم؛ لأنه لا توجد هياكلُ أسرَّة ثابتة، ولا أحواضُ غسيلِ وجهٍ ثابتة، ولا مناضدُ زينة ثابتة. فكلُّ غرفة هي صالون؛ وحين يأتي المساء، تسحب مرتبةً صوفيةً مع ملاءة من كوَّة أو تجويف في الحوائط السميكة للمَنازل، وتُبسَط على الأرض المفروشة بالحصير. وفوق هذا السرير سريع التجهيز تَستلقي الفتيات الجميلات في هذه المناطق الأوفَر حظًّا، بكامل ملابسهنَّ (ولنُلاحظ هنا كلمة مُرتديات ملابسهن)، يَنمن في الملابس نفسها التي يَرتدينها في النهار، حتى العمامة التي على رءوسهنَّ، ويسحبن فوق أجسادهنَّ لحافًا محشوًّا، والذي تُخاط إليه الملاءة العُلوية للفراش، كوسيلة لضمان عدم تَزحزُحِها بعيدًا عن اللحاف. ولا يُوضَع شيء آخر بالغرفة، ويكون دخول الغرفة والخُروج منها مباحًا والسيدات في الفراش، مثله مثل أيِّ وقتٍ آخَر من اليوم؛ وهذا هو السبب الذي جعَل الفلاح، الذي تحدَّثنا عنه في الفصل الثاني من هذا المجلد، يَدخُل دون استئذان الغرفة التي تنام فيها الليدي. وفي بعض المنازل؛ حيث الأرائك ذات اتِّساع كافٍ، يُستغنى عن مرتبة الفِراش ويُكتفى باللحاف وحدَه للاضطجاع في الليل.

وقد تبنَّت الليدي هيستر الأسلوب نفسه عند النوم. ولم تَختلِف غرفة نومِها في شيء عن تلك التي وصفناها، سوى أنها من أنَفَتها الشديدة من النوم على الأرض، مع عدم قُدرتها على شراء سرير أوروبي، استبدلت مكان السرير ألواحًا خشبية موضوعة على حواملَ ثابتة، لا تتحرك من مكانها، وهو ما كان موضع مشقَّة وسخرية من الخادمات، اللاتي لم يُمحَ من عقولهنَّ انحيازهنَّ إلى الأسرَّة الثابتة. وعلى هذه الألواح كانت الليدي تَنام، مُرتدية ملابسها كاملة، كما تكون وهي مُستيقِظة، وأكثر الناس تدقيقًا وتزمُّتًا لن يجدَ فرقًا بين سريرها هذا وبين أريكتِها الموجودة في الصالون، إلا أنها كانت تَنام على أحدهما فقط، وتَستعمِل الأخرى للجلوس عليها. ومع ذلك فإنها في مُعظَم الأحيان، عندما تكون في محادثة وهي في غرفة نومها، كانت تَجلِس منتصبةً على سريرها، وعلى كتفَيها مِعطف قصير، مثل الذي ترتديه السيدات البولنديات عادةً. وكان حمَّامها هو غُرفة تَزيُّنها ولبسها.

في الجزء المبكر من حياتي كنتُ قد تعرَّفت على الأمير «ﺳ…»، حاكم والاشيا، الذي كان قد فر من إمارته إلى جينيف. ولن أنسى أبدًا انطباعي حين قدَّمني لابنتِه، وهي أميرة شابة؛ حيث أدخلوني غرفة نومها (ليس من أجل عيادة طبية، ولكن لمجرَّد التعارُف الودي) وصافحتها وهي جالسة على سريرِها، مُرتدية ملابسها على الطريقة التركية المعتادة، التي وضَّحتها فيما سبق. والضيوف رائحون وغادُون وكأنها جالسة في الصالون، وكان من بين الضيوف اثنان أو ثلاثة من الأوروبيِّين، الذين أصابتهم الدهشة من الوضع مثلي بطبيعة الحال. لكن كم هي عبثية وخاوية تلك الفروق التي يخلقها الإنسان بين الصواب والخطأ، حين تُوزن بميزان المنطق! فقد تناولت العشاء مع كونتيسة فرنسية (كانت تَسكُن في باريس بصفة مُؤقَّتة) في غرفة نومِها؛ ومع ذلك فإنها لم ترَ في ذلك أيَّ شيء غير لائق؛ لكن قيل لي إنني لو كنتُ وضعت دون قصد قبَّعتي على سريرها بدلًا من وضعها على المقعد، لكانت هي وخادمتها صُدِمتا من عدم اللياقة التي يَعكسها هذا التصرُّف.

في الفصل الرابع: «أن ترى ملاكًا.»

قل، لو كان هناك ملاك قريب،
ألم نكن لنَجفلَ من الخوف؟
مُثقلُون بالإثمِ، فلا بدَّ أن يُفنينا الموت.
كيف لقُلوبنا أن تُطيق،
نظرتك الفاحِصة يا أيها الملاك:
نظراتك السماوية، التي تَخترِق الروح وتَنفُذ إليها؟
— من قصيدة «المرآة».

في الفصل الخامس: الليدي هاميلتون

«الليدي هاميلتون كانت امرأة «…» أحبَّها السير ويليام هاميلتون في بداية إصابته بالخرف، وتزوَّجَها حين تمكَّن منه؛ وهي امرأة ذكية وماكرة، لكنَّها «…» بائسة.» «مذكرات الإيرل مامزبري ومراسلاته».

في الفصل التاسع: «أميرة «و…»، التي كانت قذرة.»

«أتجادَلُ مع الأميرة بشأن هِندامها؛ فإنها فهي تتباهى بسُرعتها في ارتداء ملابسها، وأنا أرفض ذلك. إنها مُتمسِّكة بوجهة نظرها؛ ومع ذلك، فإنني طلبت من مدام بوش أن توضح لها أن الأمير حساس جدًّا، وأنه يتوقَّع منها أن تتزيَّن بعناية وتأنٍّ شديدَين، وهو الأمر الذي لم يكن لدى الأميرة أيَّ فكرة عنه. على العكس كانت تتجاهَلُه بشكلٍ مُؤسِف، تجاهُلًا أثار الاستياء.»

وفي هذا المقتطف من مُذكرات اللورد مامزبري، نرى مدى دقَّة مُلاحظتها، ومدى توافُقِها مع ملاحظات الليدي هيستر ستانهوب، فمن المؤكَّد أنها كان لديها الفُرص لمَعرفة كل ذلك، بل بشكلٍ أفضل من سيادة اللورد.

ويعود سيادة اللورد مرة أخرى في يومياته لنفس الموضوع قائلًا: «لقد اجتهدت بأقصى قدر مُمكن لرجل، أن أغرس في ذهن الأميرة ضرورةَ العناية الفائقة والدقيقة بكل تفاصيل الملابس، وما يجب إخفاؤه وما يجب إظهاره. وكنتُ أعلم أنها تَرتدي تنُّورات من قماش خشن وقُمصانٍ داخليةٍ من قماش رديء، وجواربَ خفيفة، وأنها لم تكن تُغسل جيدًا أو تغيرها بما فيه الكفاية … كان مِن اللافت للنظر كيف أنهم أهمَلُوا تمامًا تعليمها تلك الأمور، وكم كانت والدتها غير مُهتمَّة بذلك، على الرغم من كونها امرأةً إنجليزية.» «يوميات إيرل مامزبري ومراسلاته».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤