بدايات شرسة!

دارت فجأة أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالشياطين وظهر عليها التقرير التالي …

لقد استقبل الكمبيوتر المركزي للمقر سيلًا من المعلومات فاق كل تصور … وهناك احتمال أن يكون بعض الكائنات الإلكترونية النَّهمة للمعلومات … قد تسلَّلت إلى أجهزتنا وسط هذا الخضم … والخوف الآن من أن تَلتهم هذه الكائنات كلَّ معلوماتنا. ثم تعود مرةً أخرى من حيث أتت.

انتهى التقرير … وعلق «باسم» قائلًا: تَلتهم معلوماتنا … أي تُفرغ رأس الكمبيوتر المركزي من محتواه …

كان ما يدور في رأس «أحمد» شيء آخر فقال له: هي لا تَلتهِم المعلومات … هي ستَنسخها.

باسم: ولكنَّهم يقولون إنها ستلتهمها.

أحمد: الالتهام يعني النسخ وأمر المسح أليس كذلك.

باسم: نعم …

أحمد: قد يحدث هذا فعلًا …

إلهام: وما العمل الآن؟

زبيدة: أعتقد أن خبراء المنظَّمة يعملون الآن بكامل طاقتهم لحلِّ هذه المشكلة …

أحمد: ولكني أرى أنها ليست مشكلة … وأن هذا التقرير لم يقصد به طلب المعونة؟

عثمان: لا أفهمك؟

أحمد: إن كل ما لدى المنظَّمة من معلومات … يوجد منه نسختان … واحدة على المكتبة الإلكترونية العاملة … والأخرى على المكتبة الاحتياطية.

عثمان: إذن لا خوف من ضياع المعلومات.

أحمد: أما عن البيانات السرِّية … فكلها مشفرة.

عثمان: إن لديهم أعقد البرامج وأمهرها لفك الشفرات.

أحمد: ليس هذا فقط … بل بها مُعطيات تدمير ذاتية في حالة انتقالها إلى بيئة غير معدَّة لها أجهزتنا!

عثمان: إذن … هذا ليس تقريرًا … بل خبر يُقصَد منه إخبارنا … أن المعركة مع هذا الخصم قد بدأت تدخل مرحلة جديدة.

كانت «ريما» صامتة تمامًا على غير عادتها، مما أثار دهشة الجميع ومنهم «أحمد» الذي قال لها: فيما تُفكِّرين يا «ريما»؟

نظرت له «ريما» بطرف عينيها … ثم أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تقول له: إن هذا السيل المعلوماتي ليس المقصود منه السطو على معلوماتنا أو الاطِّلاع على أسرارنا أو غيره من الأغراض المكشوفة.

أحمد: هل لديكِ تصور آخر؟

اعتدلت «ريما» في جلستها وقالت: هذا السيل المعلوماتي كان المقصود منه شغل جميع أجهزتنا عن الرصد والمتابعة.

أحمد: تَقصدين أن هناك مُتسلِّلين؟

ريما: نعم …

أحمد: لديك الحق كل الحق … وسأُرسل هذه الملاحظة لرقم «صفر» …

وبالفعل قام «أحمد» بإرسال رسالة إلكترونية سريعة للزعيم الذي أجابه بكلمتين هما: أعلم ذلك.

أثار قِصَر الرسالة «أحمد» فقال لهم: هناك إعداد حقيقي الآن للمعركة.

إلهام: هل هذا ما قاله رقم «صفر»؟

أحمد: لا … ولكنه أجابني في جملة موجَزة من كلمتين … فيهما من الحسم ما يعني أنهم يعرفون كل شيء … وأنهم يعدون للمعركة … وأتوقع عقد اجتماع عاجل الآن أو بعد قليل.

ومن أجهزتهم خرج صوت رقم «صفر» يقول: الآن …

تنبهت كل حواس الشياطين … وارتفع عندهم مستوى الإثارة إلى الذروة … والتفُّوا إلى شاشات أجهزتهم يحضُرون أهم اجتماع بينهم وبين الزعيم … اجتماع فكِّ الطلاسم وفض الغموض … اجتماع تحريك المواقف وإنهاء السلبية اجتماع إعطاء الأمر والضوء الأخضر لبدء المواجهة.

صاح «أحمد» يسأل رقم «صفر» قائلًا: الآن ماذا يا زعيم؟

رقم «صفر»: الآن نبدأ الاجتماع الذي تَنتظرونه …

وفي حماس قالت «ريما»: والآن ماذا أيضًا يا زعيم؟

رقم «صفر»: الآن نتحدث في كل شيء … في الغزو المعلوماتي، وهذا السيل من البيانات والمعطيات والرموز … إننا لم ننتبه لماذا يدور لأنه حدث بسرعة هائلة … المهم أننا محاطون منذ البداية لذلك لم نتأثَّر … ولكننا تنبهنا إلى أن المعركة بدأت.

عثمان: أي معركة يا زعيم؟

رقم «صفر»: سأحكي لكم من البداية … تَعرفون أن القطة الصينية كما أطلق عليها «أحمد» قد حاولت التسلُّل إلى غرفنا والاطلاع على ملفاتنا … وقد أعددنا لها مسرح عمليات خطير … ووضعنا كل بياناته على أجهزتنا … وقد أسلنا لعابها بأن وضعنا فيها كل غالٍ وثمين … هذا بالإضافة إلى الأجهزة التي تَحوي مخزون معلوماتنا وأسرار أسلحتنا … وقد سال لعاب القطة … وصدقت أن بالجُحر فأرًا …

إلهام: وبالطبع كل هذه الأشياء تصورية فقط.

رقم «صفر»: إلا شيء واحد … وهو موقع العملية … فقد حدَّدنا لهم موقع هذا المقر السري في أحد المدن الجديدة غير الآهلة بالسكان.

ريما: مدينة سكنية خالية؟

رقم «صفر»: ليس تمامًا … ولكن بها بعض الأسر القليلة جدًّا رغم أن مساحتها شاسعة وعدد البنايات فيها كبير.

عثمان: إنه موقع رائع لاصطيادهم.

رقم «صفر»: لن تكون المعركة سهلة … فهم لديهم الكثير من المفاجآت التي لا نعلم عنها شيئًا.

أحمد: ونحن لدينا الأرض … فهم يُباروننا على ملعبنا.

رقم «صفر»: لا تنس أنهم يرونك من أعلى بوضوح.

قيس: تَقصد ما لديهم من أقمار صناعية؟

رقم «صفر»: بالطبع … فهم لا يرون بها فقط … بل يديرون المعارك أيضًا.

أحمد: ومتى سنتحرَّك؟

رقم «صفر»: ليس الآن …

أحمد: ألم يتحدَّد الميعاد بعد؟

رقم «صفر»: لدينا ميعاد تقريبي … و… قد.

اختفى صوت رقم «صفر» … واختفت صورته أيضًا … وبدأ الجهاز بل الأجهزة كلها تُصدِر صوت مواء قطة شرسة … وعلى شاشاتها ظهرت صورة قطة رشيقة … سرعان ما دبَّت فيها الحركة ثم أخذت تلف حول نفسها، وضعت كرة سوداء من الشعر سرعان ما تمدَّدت فاحتلت كل مساحة الشاشة … ثم تحوَّلت هذه الكرة إلى وجه قط ذي عيون ضيقة ونظرات ثاقبة … فتح فمه فبدت أنيابه مخيفة.

وهنا قال «أحمد»: ألم أقل لكم إنها هي … وأن المعركة ستكون معها.

ولم تترك «إلهام» الأمر يمر دون تعليق فقالت له: لماذا أنت سعيد هكذا؟

أحمد: لأني أحبُّ الخصم الذكي.

كان الغيظ يملأ «ريما» من جرأة هذه الفتاة.

فقالت ﻟ «أحمد»: كيف تمكَّنَت من التسلُّل إلى أجهزتنا؟

أحمد: هي تتصور ذلك … وهذا غير حقيقي … فالمنظمة هي التي سمحت لها بذلك لأغراض تكتيكية.

وفجأة … وخزت ساعات الشياطين رسغهم كلهم … فتلقوا جميعًا رسالة رقم «صفر». وكان فيها … ١، ٢، ٣، ٨ يستعدون للتحرك الآن … ٤، ٥، ١٠ يبقون رهن الاستعداد للتدخل والباقون يستعدون للمعاونة الإلكترونية … ابدأ.

انتفض «أحمد» و«عثمان»، و«فهد» واقفين … وبخُطًى متعجِّلة توجهوا إلى غرف خلع الملابس فارتدوا ما يُناسب المهمة … وتزوَّدوا بما يحتاجونه من أسلحة خفيفة، وعندما عادوا إلى صالة الاستقبال … كانت «إلهام» تقف في انتظارهم جاهزة للتحرُّك.

وسبقهم «أحمد» إلى الباب وهم من خلفه يُردِّدون سرًّا قسم المنظَّمة … وعند باب المصعد سأل «عثمان» قائلًا: أين كُرتك الجهنمية؟

نظر له «عثمان» مندهشًا وقال له: إنها حرب إلكترونية يا «أحمد» … وهذه الكرة سلاح قديم.

وفي حزم قال له «أحمد»: أليست معك؟

عثمان: إنها في حقيبة معداتي.

أحمد: عُد وأحضرها.

امتثل «عثمان» للأمر … وجرى في رشاقة وهو يُخرج الكارت الإلكتروني لفتح الباب …

ورأى «أحمد» علامات الاستفهام على وجه «إلهام» … فقال لها: هذه المعركة تحتاج إلى أسلحة غير تقليدية.

قالت «إلهام» معترضة: غير تقليدية مُتطوِّرة … لا غير تقليدية متخلفة.

وفي إصرار قال «أحمد»: سنحتاج لهذه الفكرة المتخلفة احتياجًا غاية في التطور.

ابتسم «فهد» لتعبير «أحمد» … ومدَّ يده يفتح باب المصعد انتظارًا ﻟ «عثمان» الذي عاد سريعًا … وكان آخر الراكبين له … وفي الدور الأول قال «فهد»: هناك سيارة «لاندكروزر» تقف على الرصيف الآخر … وعلينا أن نَعبُر الطريق …

قال «أحمد»: أعتقد أنها ليست سيارتنا.

وكانت «إلهام» قد سبقتهم بخطوات فقالت لهم: لا … ليست سيارتنا … فلا أرى عليها شعار ذيل الثعلب.

وفي تساؤل قال «عثمان»: وأين سيارتنا إذن؟

ما إن أتمَّ الشياطين نزول السلالم الفضِّية إلى الباب الخارجي … حتى تحرَّكت السيارة «اللاندكروزر» … ودارت تعبر الطريق وقد ظنَّ الشياطين أنها تتبع المنظمة … فوقفوا بالباب ينتظرونها … ولم يُصدقوا أنفسهم عندما انطلقت في قوة اتجاههم … ولم يُفيقوا إلا وقد أطاحت بهم في كل اتجاه … واصطدمت بالباب الزجاجي للبناية فحطَّمته … ثم أطاحت بالمكتب وبرجل الأمن الجالس خلفه … ثم طارت تحطم الباب الزجاجي الآخر … وتخرج إلى الطريق مرةً أخرى فتستقيم عليه وتنطلق في مهارة لا يقدر عليها إلا برنامج سوبر لكمبيوتر سوبر تاركةً رجل الأمن ملقى على الأرض يئنُّ … ولولا أجسام الشياطين المطاطية … لكانوا مستلقين الآن بجواره يئنون.

إلا أنهم التفوا حوله يَفحصونه عدا «إلهام» التي جرت إلى الشارع تتابع السيارة بعينها … فلم تر إلا سيارة الإسعاف تأتي مسرعة وخلفها أخرى … فعادت وسألت «أحمد» في دهشة: هل طلبت الإسعاف؟

أحمد: لا … لماذا؟

إلهام: هناك من طلب سيارتَي إسعاف!

أحمد: قد تكونان في طريقهما إلى مكان آخر …

في هذه اللحظة … توقفت السيارتان أمام باب البرج … فصدق «أحمد» كلام «إلهام» وما إن رأى الطبيب المسئول حتى قال يسأله: من الذي اتصل بكم؟

الطبيب: يقولون إنه يتحدَّث الإنجليزية … وقد قال إنه رأى الحادث أثناء عبوره الطريق …

عرف الشياطين أن من فعل ذلك هو قائد السيارة أو مَن معه … وأن المقصود هو التأكُّد من موتهم … فانتحى جانبًا بالطبيب وتحدَّث معه قليلًا … ونفس الشيء فعله مع الطبيب الآخر … وما أن انتهى منهما حتى حضرت سيارتان للإسعاف أخريان وتحدَّث طبيباها مع الطبيب الأول … وبعدها. خرجت أربع نقالات تحمل أربع جثث مغطاة بأغطية بيضاء حتى رءوسها … وتم وضعها في سيارات الإسعاف … وانطلقت السيارات إلى مستشفى قصر العيني … وتمَّ وضع الجثث في ثلاجة المشرحة … وتم استدعاء رجال البوليس والنيابة … فقاموا بمعاينة المكان الذي وقع به الحادث … ثم توجهوا مع الطبيب الشرعي إلى المستشفى وقاموا بمعاينة الجثث … ثم توجَّهوا إلى مكتب مدير المستشفى ليتمموا إجراءاتهم بناءً على طلب المدير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤