المتجر السحري

رأيتُ المتجر السحري من بعيدٍ مرَّاتٍ عدة؛ ومررتُ به مرة أو مرتين، ولاحظتُ نافذةَ عرضه المدهشة التي تعجُّ بالأغراض الصغيرة الجذابة والكرات السحرية والدجاج السحري والأقماع الرائعة والدُّمَى المُستخدَمة في عروض التكلُّم من البطن والأغراض الخاصة بسلال الخُدَع ومجموعات كبيرة من أوراق اللعب التي «تبدو» عادية، والعديد من الأغراض الأخرى المشابهة، ولكنني لم أفكر قط في دخول المتجر حتى جذبني ابني جيب، دون تحذير مُسبق، من إصبعي عنوةً في أحد الأيام إلى نافذة العرض؛ فلم يكن لي أمام إصراره مفرٌّ سوى أن أصطحبه للدخول. لم أكن أظن أن المتجر يقع في هذا المكان، في الواقع، فقد كانت واجهته متوسِّطة الحجم تقع في شارع ريجنت بين متجر الصُّور والمتجر الذي تركض فيه الفِراخ الصغيرة خارجة من مفرخاتها؛ ولكن ها هو بالفعل موجود هناك. خُيِّلَ لي أنه في نهاية الشارع بالقُرب من السيرك أو بالجوار في شارع أوكسفورد أو حتى في هولبورن؛ إلا أنه كان دائمًا هناك على الطريق بلا شك، وإن لم يكن واضحًا للعيان، وكأنه سراب يَختفي كلما اقتربت منه. أَحدثَ طرفُ إصبع جيب السبابة السمين ضجيجًا وهو يخبط على زجاج نافذة العرض.

«لو كنتُ غنيًّا لاشتريت هذه.» وأشار إلى البيضة المختفية، وأردف قائلًا: «وتلك.» وأشار إلى دمية الرضيع الباكي الذي يشبه طفلًا حقيقيًّا، ثم أضاف: «وهذه أيضًا.» وأشار إلى علبة غامضة كان مرفقًا بها بطاقة أنيقة مكتوب عليها: «اشترِ واحدة وأبهِر أصدقاءك.»

أردف جيب قائلًا: «إذا وضعت أي شيء أسفل أحد هذه الأقماع فسيختفي في الحال، لقد قرأتُ هذا في كتاب.»

«أما هذا يا أبي فهو البِنس المُختفي، ولكنهم وضعوه إلى أعلى هكذا حتى لا نرى كيف يصنعون هذه الحيلة.»

ورِثَ ابني العزيز جيب طباع أمه، فلم يقترح حتى أن ندخل المتجر ولم يُلقِ بالًا على الإطلاق؛ فقط — كما تعلمون — جذب إصبعي لا إراديًّا تجاه باب المتجر وأفصح عن رغبته بوضوح.

أشار إلى الزجاجة السحرية قائلًا: «تلك.»

فسألته قائلًا: «أتقصد إذا اشتريت تلك الزجاجة؟» أشرق وجهه عند سماعه استفساري المُبَشِّر.

وتطلع إليَّ مجيبًا: «يُمكنني أن أريها لجيسي.» كان جيب طيِّب القلب ومُراعيًا لمشاعر الآخرين دائمًا.

أمسكتُ بمقبض الباب وحدثتُه قائلًا: «لم يتبقَّ سوى أقل من مائة يوم على عيد ميلادك يا جيبلز.»

لم يُجبني، وأطبق قبضته على إصبعي حتى دخَلنا المتجر.

لم يكن هذا المتجر متجرًا عاديًّا؛ بل كان متجرًا لمستلزمات الخدع السحرية. وبمجرد دخولنا المتجر تخلَّى جيب عن حماسه المحموم الذي كان يُرافقه عادة عند الدخول إلى أي متجر لعب عادي، وترك لي عبء الحديث.

كان متجرًا صغيرًا ضيقًا خافِت الإضاءة؛ دقَّ جرس الباب مرة أخرى مُصدِرًا صوتًا كئيبًا ونحن نُغلقُ الباب خلفَنا. وقفنا وحدنا لوهلة ناظرين حولنا فرأينا نَمِرًا مصنوعًا من الورق المُعَجَّن وموضوعًا على الصندوق الزجاجي الذي يُغطي طاولة العرض السُّفلية — كانت له عينان طيبتان ورأسٌ يهتزُّ بوتيرة منتظمة. كان يوجد العديد من الكُرات البلورية ويدٌ خزفية تُمسك ببطاقاتٍ سحرية ومجموعة من أحواض السمك السحرية ذات الأحجام المختلفة وقبعة سحرية مزخرفة. وكانت على الأرض مرايا سحرية عديدة؛ إحداها تجعلك تبدو طويلًا ونحيلًا، والأخرى تُضَخِّم رأسك وتُخفي ساقيك، والثالثة تجعلك قصيرًا وبدينًا كحيوانات الجَرِّ؛ وبينما كنا نضحك على صورنا، دخل شخصٌ ما، أعتقد أنه صاحب المتجر.

وعلى أيِّ حال، ها هو يجلس خلف طاولة البيع. كان رجلًا غريب الأطوار، أسمر اللون، وجهه شاحب وإحدى أُذُنَيه أكبر من الأخرى، وذقنُه مدبَّب كمقدمة الحذاء.

«كيف يمكنني مساعدتكما؟» هكذا قال فاردًا أصابعه الطويلة السحرية فوق الصندوق الزجاجي؛ فجفلنا وانتبهنا لوجوده.

أجبته قائلًا: «أرغب في شراء بعض الخُدع البسيطة لابني الصغير.»

فسألَني قائلًا: «هل ترغب في شراء ألعاب خفَّة اليد أم الألعاب الميكانيكية أم المنزلية؟»

«هل يوجد أي شيء مُسلٍّ؟» هكذا سألته.

«امم!» حكَّ صاحب المتجر رأسه للحظة مفكرًا، ثم أخرج من رأسه — وبكل وضوح — كرة زجاجية وأردفَ مادًّا الكرة أمامه بطول ذراعه قائلًا: «شيء كهذه مثلًا؟»

كانت حركة غير متوقَّعة؛ فعلى الرغم من أنني رأيتُ هذه الخدعة المشهورة بين جموع السحرة مرات لا حصر لها في العروض الترفيهية، إلا أنني لم أتوقع أن أراها هنا في هذا المكان.

ضحكت قائلًا: «هذا جيد.»

رد صاحب المتجر قائلًا: «نعم، أليس كذلك؟»

مد جيب يده الحرة ليأخذ الكرة، ولكن يد صاحب المتجر كانت خالية تمامًا.

حدثه صاحب المتجر قائلًا: «إنها في جيبك.» وقد كانت في جيبه فعلًا.

سألتُ صاحب المتجر: «كم سعر هذه الكرة؟»

رد بأدب قائلًا: «نحن لا نتقاضى أي مقابل لهذه الكرات.» ومد يده ناحية مرفقه وأخرج كرة أخرى، وقال: «إننا نَحصل عليها مجانًا.» ثم أخرج واحدة ثالثة من خلف رقبته ووضعها إلى جانب الكُرات الأخرى على طاولة البيع. نظر جيب إلى كُرَتِهِ بتأمُّل، ونظر بفضول إلى الكرتين الأخريَين الموضوعتين على طاولة البيع، ثم نظر إلى صاحب المتجر بعينَيه المستديرتَين يتفحَّصه مليًّا، فابتسم صاحب المتجر.

قال صاحب المتجر: «يُمكنك الحصول على هذه الكُرات أيضًا، وإذا لم تمانع، فإليك واحدةً أخرى من فمي. ها هي إذًا!»

نظر إليَّ جيب متسائلًا بصمتٍ لوهلة، ثم وضع الكُرات الأربع جانبًا بهدوءٍ شديد، وأمسك بإصبعي مرة أخرى وهيَّأ نفسه للخدعة القادمة.

أوضح صاحب المتجر قائلًا: «هكذا نحصل على جميع خُدعنا الصغيرة.»

ضحكتُ مضيفًا لمزحته قائلًا: «حسنًا، بدلًا من الذهاب إلى متجر البيع بالجُملة، هذا أرخص بالطبع.»

فأجاب قائلًا: «إلى حدٍّ ما، ولكننا ندفع ثمنها على أيِّ حال. ولكن ليس بشكل مبالغٍ فيه كما يظن الناس … نحصل على خُدَعنا الأكبر حجمًا والأغراض التي نحتاجها بشكل يومي وجميع الأشياء الأخرى من هذه القبعة … وكما تعلم يا سيدي، عذرًا لما سأقول، ولكن «لا يوجد» متجر بيع بالجُملة، ليس بالنسبة للبضائع «السحرية الحقيقية» على الأقل. لا أعلم إذا ما لاحظتَ شعارنا «متجر السحرِ الحقيقيِّ».» ثم سحب بطاقة عمل من وجنتِه وأعطاها لي وأردف قائلًا: «حقيقيٌّ.» وأشار واضعًا إصبعه على الكلمة ثم أضاف قائلًا: «لا يوجد أي خداع يا سيدي.»

بدا أنه يسترسل في مزحته بإمعان، هكذا ظنَنت.

التفتَ إلى جيب مبتسمًا بودٍّ ملحوظ وحدَّثه قائلًا: «هل تعلم، أنت فتًى صالح!»

دُهِشتُ لمعرفته ذلك؛ فقد كنا لا نبوحُ بذلك أمامه في المنزل، حتى لا نُفسده؛ أما جيب فلم يُجِبْ إلا بالصمت التام مثبِّتًا عينَيه على صاحب المتجر.

وأكمل قائلًا: «لا يَعبر باب هذا المتجر سوى فتًى صالح.»

وكأنما شاءتِ الأقدار أن تُدلل على كلامه؛ سُمِعَتْ جلبة لدى الباب وصوت رفيع صغير يُسمَعُ بالكاد يقول: «لا! أريد الدخول هناك يا أبي، أريدُ الدخول. لاااا!» ثم سُمِعَ صوت أبٍ مُضطرب يحاول تهدئة واسترضاء ابنه يردُّ قائلًا: «إنه مُغلق يا إدوارد.»

«ولكنه ليس كذلك.» هكذا قلتُ.

رد صاحب المتجر: «بل هو مغلقٌ بالفعل يا سيدي، ودائمًا ما يكون كذلك أمام هذا النوع من الأطفال.» وبينما كان يتحدَّث لمحنا الطفل الآخر، وكان وجهُه أبيض شاحبًا من كثرة تناول الحلوى والطعام المُنكَّه، وارتسمتْ على وجهه أمارات رغباته المحمومة؛ بدا أنانيًّا وعنيفًا وأخذ يضرب بقبضتِه على الزجاج المسحور. مدفوعًا برغبتي الفطرية في المساعدة تحركت تجاه الباب فقال صاحب المتجر: «إن هذا بلا جدوى يا سيدي.» بينما حُمِلَ الطفل المدلَّل بعيدًا وهو يصرخ.

تنفستُ الصُّعَداء قليلًا وحدثتُه متسائلًا: «كيف تفعل ذلك؟»

«إنه السحر!» هكذا قال صاحب المتجر ملوِّحًا بلا مبالاة ولكن يا للعجب! انطلقَت شرارات نارية ملوَّنة من أطراف أصابعه واختفت بين طيات الظلام بالمتجر.

وجَّهَ حديثه إلى جيب قائلًا: «كنتَ تقول قبل دخولك، إنك ترغب في الحصول على إحدى ألعاب «اشترِ واحدة وأبهِر أصدقاءك»، أليس كذلك؟»

رد جيب بعد مجهود شجاع قائلًا: «بلى.»

فرد الصاحب المتجر قائلًا: «إنها في جيبك.»

وبينما كان هذا الرجل المدهش مائلًا على طاولة البيع — لاحظتُ أن جسده طويل بشكل ملحوظ — أخرج الغرض بطريقة السَّحَرة المعهودة وقال: «ورقة.» ثم أخرج ورقة من داخل القبعة الفارغة ذات اليايات؛ ثم أردف قائلًا: «خيط.» ويا للعجب! ها هو فمه وكأنه صندوق خيوط يُخرِج منه خيطًا لا نهاية له، وعندما انتهى من ربط طردِه قضم الخيط ليقطعه وبدا لي وكأنه ابتلع كرة الخيط بأكملها. ثم أشعل شمعة من أنف إحدى الدُّمَى المستخدمة في عروض التكلُّم بالبطن ودسَّ واحدًا من أصابعه (الذي صار ختمًا شمعيًّا أحمر) في اللهب وأغلق به الطرد. وأضاف قائلًا: «بعد ذلك طلبتَ البيضة المختفية.» وأخرج واحدة من جيب معطفي ثم غلَّفها، وكذا دمية «الرضيع الباكي الذي يُشبه طفلًا حقيقيًّا». وكلما انتهى صاحب المتجر من تغليف عُلبة ألعاب، كنتُ أناولها واحدة تلو الأخرى جيب الذي كان يأخذها ويضمُّها إلى صدره.

لم يتكلم إلا قليلًا، ولكن عينَيه وذراعَيه القابضتين على العُلَب المغلَّفة كانت تبوحُ بالكثير؛ كان جيب المثالَ الحيَّ على المشاعر التي يَعجز اللسان عن البوح بها. هذه الأشياء، كما تعلمون، كانت سحرًا «حقيقيًّا». جَفَلتُ فجأة حينما شعرتُ بشيءٍ ما يتحرك داخل قبعتي؛ شيء أملس يَقفز؛ خلعت القبعة بسرعة فخرجتْ منها حمامة منفوشة الريش، لا بد أنها شريكته، وركضَت فوق طاولة البيع ثم دخلَتْ — كما خُيِّلَ إليَّ — صندوقًا كارتونيًّا خلف النَّمِر المصنوع من الورق المُعَجَّن.

قال صاحب المتجر وهو يُحرِّرني بمهارة من غطاء رأسي: «لا، لا، طائر مُستهتر بالتأكيد، يُعشِّش في القبعة!»

نَفَضَ قبعتي وأخرج منها في يده الممدودة بيضتَين أو ثلاثًا وبِلْية كبيرة وساعة يد وحوالي نصف دستة من الكُرات الزجاجية المعتادة والكثير والكثير من الأوراق المُجَعَّدة آخذًا في التحدُّث، بكل أدبٍ بالطبع، عن كيف يُهمل الناس تنظيف قبعاتهم بالفرشاة من الداخل والخارج، إلا أنه في الواقع كان يُلمحُ بكلامه إليَّ. ثم أكمل قائلًا: «يتجمَّع داخلها جميع أنواع الأشياء، يا سيدي … لا أقصد قبَّعتك أنت بالأخص … ولكن أقصد قبَّعات معظم الزبائن تقريبًا … مُدهشٌ حقًّا ما يحمله الناسُ داخل قبعاتهم …» التفَّ الورق المجعد وارتفع عن طاولة البيع أكثر فأكثر فأكثر حتى اختفى صاحبُ المتجر جزئيًّا ثم اختفى تمامًا من أمامنا، ولكننا كنا لا نزال نسمع صوته مُسترسلًا في الحديث قائلًا: «لا يمكن لأي أحدٍ منا أن يعرف ما يُخفيه المظهر الخارجي المنمَّق لإنسان يا سيدي، فهل نحن إذًا لسنا سوى مظاهر خادعة أو أكفان ناصعة البياض تُخفي ما تُخفي بداخلها؟»

توقَّف صوتُه فجأة — تمامًا كما يحدث عندما تَقذف جرامافون أحد الجيران بطوبة مصوَّبة بشكلٍ جيد فيتوقَّف صوته في الحال — فعمَّ الصمت وتوقَّف صوتُ حفيف الأوراق وصار كل شيءٍ هادئًا …

بعد فترة من الصمت سألته قائلًا: «هل انتهيتَ من قبعتي؟»

لم أتلقَّ أي إجابة.

حدَّقت أنا وجيب أحدنا بالآخر، لم يكن يوجد سوى صورنا المشوَّهة التي تعكسها المرايا السحرية من حولنا، كنا نبدو غريبَين للغاية ومتجهِّمَين وهادئين في الوقت ذاته …

قلتُ: «أعتقد أننا سوف نذهب الآن، هلا تخبرني بالتكلفة الإجمالية لهذه الألعاب؟» ثم رفعتُ صوتي قليلًا واستطردتُ قائلًا: «كنتُ أقول إنني أودُّ الحصول على الفاتورة وقبَّعتي، من فضلك.»

سمعتُ ما بدا وكأنه صوت نشقةٍ آتيَةٍ من خلف كومة الأوراق …

أكملتُ قائلًا: «لننظر خلف طاولة البيع يا جيب، إنه يَسخر منَّا!»

قُدْتُ جيب من حول النمر الذي يهز رأسه، وخمِّنوا ماذا وجدنا خلف طاولة البيع؟ لم نجد أي شخص على الإطلاق! لم نجد سوى قبَّعتي وأرنبٍ أبيض شاردٍ ذي أذُنين متدليتَين — من النوع الذي يَستخدمه السحرة — وكان يبدو غبيًّا ومُنكمشًا، تمامًا كما تبدو أرانب السحَرة. التقطتُ قبعتي بينما وثب الأرنب قافزًا قفزة أو اثنتَين مبتعدًا عن طريقي.

همس جيب وبدا في صَوته الشعور بالذنب قائلًا: «أبي!»

فأجبته قائلًا: «ما الأمر يا جيب؟»

أردف قائلًا: «إنني أحبُّ هذا المتجر «حقًّا» يا أبي.»

حدثتُ نفسي قائلًا: «أعتقد أنني سأُحبه أيضًا في حال لم تتمدَّد طاولة البيع فجأة وتغلق طريقنا إلى الباب!» إلا أنني لم أُطلع جيب على ما يَعتمل في نفسي. مد جيب ذراعَيه إلى الأمام محاولًا الإمساك بالأرنب الذي كان يقفز أمامنا، قائلًا: «أيها الأرنب!» وتابعه بعينَيه قائلًا: «أيها الأرنب، لتقم بشيءٍ من السحر لجيب!» بينما ضغط الأرنب نفسه عبر أحد الأبواب التي لم أُلاحظها من قبل بالتأكيد. ثم فُتِحَ هذا الباب وظهر الرجل ذو الأُذُنين اللتَين تكبر إحداهما الأخرى مجدَّدًا، وكان لا يزال مُبتسمًا، إلا أنه حينما تقابلَت أعينُنا، نظر إليَّ بمزيج من اللهو والتحدِّي وقال بشيءٍ من الدماثة البريئة: «هل تودُّ رؤية غرفة عرضنا يا سيدي؟» جذبني جيب من إصبعي تجاه الباب. لمحتُ طاولة العرض وقابلَت عيناي عينَي صاحب المتجر مرة أخرى، وبدأتُ أفكر أن هذا السحر قد صارَ حقيقيًّا أكثر مما يَنبغي، فقلتُ له: «ليس لدينا متَّسع «كبير» من الوقت.» إلا أننا وجدنا أنفسنا بطريقة ما داخل غرفة العرض قبل أن أُنهي كلامي.

فرَكَ صاحب المتجر كفَّيه الخفيفتَين معًا قائلًا: «تتمتَّع بضائعنا جميعها بنفس الجودة؛ وهذا أفضل شيء. جميعها سحرية حقيقية ومضمونةٌ غرابتها بالتأكيد. عفوًا يا سيدي!»

شعرتُ بيده تجذب شيئًا قد علق بكُمِّ مِعطفي، فإذا به مُمسك بذيل عفريت أحمر صغير يتلوى، ولكن هذا الكائن الصغير أخذ يقاوم ويَعُض محاولًا النَّيْل من يد صاحب المتجر الذي قذَفه بلا مبالاة خلف إحدى طاولات البيع. بدا هذا الكائن بلا شك كما لو كان جسمًا مطاطيًّا ملتويًا، ولكن للحظة عابرة! أما ردَّة فعل صاحب المتجر فكانت وكأنه يتعامل مع حشرة لادغة صغيرة. نظرتُ سريعًا إلى جيب، ولكنه كان مشغولًا بالنظر إلى حصانٍ سحريٍّ هزَّاز فشعرتُ بالارتياح أنه لم يرَ هذا الكائن. قلتُ بصوتٍ مُنخفِض متفحِّصًا جيب والعفريت: «هل يوجد الكثير من «هذه الأشياء» هنا؟»

ردَّ صاحب المتجر بصوتٍ مُنخفِض أيضًا وبابتسامة أكثر إشراقًا قائلًا: «إنه لا يَخصنا على الإطلاق! ربما كنتَ تَحمله معك؟ مدهشٌ حقًّا ما «يحمله» الناس معهم دون أن يَعوا!» ثم التفت إلى جيب قائلًا: «هل أعجبَك أي شيء هنا؟»

كان هناك العديد من الأشياء التي أعجبت جيب.

التفت جيب إلى هذا البائع المُذهل بمزيج من الثقة والاحترام قائلًا: «هل هذا سيفٌ سحري؟»

«إنه «لعبة السيف السحري»، لا يَنثني ولا يَنكسر ولا يجرح الأصابع. إنه يجعل حامله لا يُقهر في أي معركة يخوضُها مع من هم دون الثامنة عشرة، يبدأ سعرُه من نصف كراون حتى ستة أو سبعة بنسات وفقًا لحجمه. أما هذه الدروع التي تراها على البطاقات فهي مُفيدة جدًّا للفرسان الصغار المغامرين؛ درع الحماية، وصنادل السرعة السِّحرية، وخوذة الإخفاء.»

شهق جيب قائلًا: «يا إلهي! انظر يا أبي!»

حاولت معرفة تكلفتِهم، ولكن صاحب المتجر لم يُعِرْني انتباهًا؛ فقد نجح في استرعاء انتباه جيب الآن حتى إنه أفلتَ إصبعي. شرع صاحب المتجر في عرض جميع مخزوناته اللعينة من البضائع المختلفة، ولم يكن هناك أي شيء سيُوقفه عن ذلك. راقبتُ بارتياب وبشيء من الغيرة جيب وهو يقف الآن ممسكًا بإصبع هذا الشخص كما يَفعل معي دائمًا. لا شك أنه كان شخصًا مثيرًا للاهتمام، هكذا فكرتُ، ولدَيه العديد من الألعاب السحرية الخادعة المُسلِّية؛ خادعة ولكنها «جيدة بحق»، ومع ذلك …

سرتُ خلفهما دون قول الكثير، ولكنني لم أدَع هذا الساحر الماهر يَغيب عن نظري؛ فرغم كل شيء كان جيب مُستمتعًا بالأمر. ولا شك أننا سنَرحل بسهولة عندما يحين وقت المغادرة.

كانت غرفة العرض طويلة ومُزدحِمة ومقسَّمة إلى دواليب ورفوف عرض، وبها أعمدة متفرقة ومداخل مُقنطرة تؤدي إلى أقسامٍ أخرى يجوب فيها بائعون غريبو الأطوار حدَّقوا بنا بمجرد دخولنا، وكان بها العديد من الستائر والمرايا المربكة. كانت مربكة للغاية، بلا شك، حتى إنني لم أتمكن في هذه اللحظة من تمييز من أيِّ الأبواب قد دخلنا.

عرض صاحب المتجر على جيب قطارات سحرية تسيرُ دون بخار أو تروس داخلية، فقط كل ما عليك فعله هو ضبط المؤشر، وكذا صناديق قيِّمة للغاية لمجموعة من الجنود الذين تدبُّ فيهم الحياة بمجرَّد أن تُزيح عنهم الغطاء وتقول … لم تُسعفني أذناي في التقاط الكلمة الغامضة التي سمعتُها، أما جيب الذي ورث قوةَ سمْع أمِّه، فقد التقطَها سريعًا. هلَّل صاحب المتجر قائلًا: «أحسنت!» ثم أعاد الجنود إلى الصندوق مرة أخرى بسرعة وأعطاه لجيب، ثم أردف قائلًا: «الآن.» فجعلهم جيب يتحركون مرة ثانية.

سأله صاحب المتجر: «هل ستأخذ هذا الصندوق؟»

فأجبتُه أنا قائلًا: «نعم سنأخذه، إلا إذا كنتَ ستجعلنا ندفع ثمنه كاملًا؛ ففي هذه الحالة لن يَشتريه إلا رجلٌ ثريٌّ.»

فردَّ صاحب المتجر قائلًا: «بالطبع «لا» يا عزيزي!» ثم أعاد الجنود الصغار إلى الصندوق مرة أخرى وأغلق الغطاء ثم لوَّح بالصندوق في الهواء وسرعان ما صار مغلَّفًا بالورق البُنيِّ ومربوطًا «وعليه اسم جيب بالكامل وعنوانه!»

ضحك صاحب المتجر على الدهشة التي أبديتُها.

ثم علَّقَ قائلًا: «هذا هو السِّحر الحقيقي؛ السحرُ كما ينبغي أن يكون.»

فأجبتُه مرةً أخرى قائلًا: «إنه حقيقي أكثر مما يَنبغي بالنسبة لي.»

ثم شرع بعد ذلك في أداء مجموعة من الحِيَل الغريبة لجيب، ولكن الأغرب من ذلك كانت الطريقة التي أداها بها. كان يَشرح لجيب كيفية تأديتها ويقلبها داخلًا وخارجًا، وكان ابني العزيز يهُزُّ رأسه المنشغل إعجابًا بما يراه.

لم أكن منتبهًا كما ينبغي. قال الساحر: «مَرْحى! جلا جلا!» فقلَّده جيب بصوته الصغير الواضح مردِّدًا: «مرحى، جلا جلا!» إلا أنَّ أشياء أخرى شتَّتت انتباهي. بدأتُ أفكر في مدى كون هذا المكان غريبًا؛ فقد كان، إذا جازَ التعبير، يَفيضُ بالغموض. حتى الأثاث والسقف والأرض والمقاعد الموزَّعة بعشوائية كانت كلها تُوحي بشيءٍ من الغموض؛ إذ تملَّكني شعور غريب بأنني كلما كنتُ غير منتبهٍ، تتحرَّك هذه المقاعد من مكانها بلا نظام وتُحدِثُ ضجة في الركن من وراء ظهري. أما الإفريز العلوي للسقف فقد كان مُتعرِّجًا أفعوانيًّا وتعلوه أقنعة؛ أقنعة معبرة بشكل مبالَغ فيه بالنسبة لكونها مصنوعة من الجبس العادي.

ثم جذب انتباهي فجأة أحد البائعين الغريبَي المظهر الذي بدا شاردًا ومِن الواضح أنه غير مُدرك لوجودي — رأيتُ ثلاثة أرباع جسده من خلال أحد المداخل المُقنطَرة فوق كومة كبيرة من الألعاب — وتعلمون، كان مُتَّكِئًا على أحد العواميد بخُمول ويَصنع أشياء بشعة بملامحه! أبشعها ما كان يفعله بأنفه. بدا كما لو أنه لا يجد ما يفعله وكان يُسلِّي نفسه. في بادئ الأمر كان أنفه كتلة قصيرة مكوَّرة، ثم أطلقه إلى الأمام فجأةً وكأنه تليسكوب، ثم طار في الهواء وصار أرفع فأرفع حتى بدا كسوطٍ أحمر طويل ومَرِن كالأشياء التي نراها في الكوابيس! بعد ذلك لوَّح به وقذفه إلى الأمام كما يفعل صائد الأسماك بصنارته.

فكرتُ على الفور أنَّ جيب لا يجب أن يرى هذا الشخص، التفتُّ فوجدتُ جيب مشغولًا مع صاحب المتجر ولا يُلقي بالًا بما حوله. كانا يَتهامسان معًا وينظران إليَّ، وكان جيب يقف على أحد المقاعد الصغيرة بينما كان صاحب المتجر يحمل في يده طبلة كبيرة إلى حدٍّ ما.

صاح جيب قائلًا: «لنلعب الغمِّيضة يا أبي! أنت هو!»

لكن قبل أن أتمكَّن من فعل أي شيء لمنعِه، دق صاحب المتجر على الطبلة ووضعها فوق جيب. أدركتُ ما كان يحدث على الفور، فصحت قائلًا: «أَبعِد هذا الشيء الآن! ستُخيف الصبي، أَبعِده الآن!»

امتثل صاحب المتجر — ذو الأُذُنين اللتين تَكبُر إحداهما الأخرى — لكلامي دون أن يَنطق بكلمة واحدة وأدار الطبلة الأسطوانية الكبيرة تجاهي ليُريني أنها خاوية. كان المقعد الصغير خاليًا أيضًا! لقد اختفى ابني تمامًا في هذه اللحظة …

هل جربتُم من قبلُ، ربما، هذا الشعور المُقبِضُ الذي يسيطر عليك فتشعر وكأن يدًا خفيَّة تعتصر قلبك وتُقلِّبه يمينًا ويسارًا؟ هذا الشعور الذي يقتلع لُبَّك ويتركك متوترًا ومتمهلًا في الوقت ذاته فلا أنت متباطئ ولا متسرع ولا غاضب ولا خائف! هكذا كنت أشعر.

هرعتُ نحو صاحب المتجر الذي كان مبتسمًا وركلتُ مقعده الصغير جانبًا.

صحت به قائلًا: «أَوقِف هذا العبث! أين ابني؟»

أجابني: «انظر.» وهو لا يزال يُريني الطبلة من الداخل، ثم أردف قائلًا: «ليس هناك أي خداع.»

مددتُ يدي لأُمسك به، ولكنه فرَّ مني بحركة بارعة. انقضضتُ عليه مرة أخرى، ولكنه نجح في التراجع بعيدًا ودفع أحد الأبواب ليَهرب؛ قلت آمرًا: «توقَّف!» فضحك وأخذ يتراجع. وثبْتُ في أعقابه في الظلام الدامس.

صوتُ ارتطام مكتوم!

«يا للسماء! لم أرَك قادمًا يا سيدي!»

وجدتُ نفسي في شارع ريجنت وقد ارتطمتُ بأحد المارة الذي كان رجلًا عاملًا مهذَّبًا؛ وعلى بُعدِ ثلاث أقدام منِّي، تقريبًا، كان يقف جيب مرتبكًا. أبديتُ شكلًا من أشكال الاعتذار للرجل، ثم استدار جيب وأتى تجاهي وعلى وجهه ابتسامةٌ خفيفة مُشرقة كما لو أنه افتقدني في هذه الدقائق القليلة.

كان يحمل أربعة صناديق مغلَّفة بين ذراعَيه!

أمسك جيب بإصبعي في الحال.

كنت تائهًا في هذه اللحظة، نظرتُ حولي مليًّا بحثًا عن باب المتجر السحري، ولكن يا للعجب! لم يكن موجودًا! لم يوجد بابٌ ولا متجر ولا أي شيء، فقط العمود الجداري الذي يفصل بين متجر بيع الصور والنافذة التي تُرى من خلالها الفِراخ الصغيرة …

فعلتُ الشيء الوحيد الذي يمكن فعله في خضمِّ اضطرابي هذا؛ وهو أنني مشيتُ مباشرة إلى حافة الرصيف ومددتُ مظلتي لأوقف إحدى عربات الأجرة التي تجرُّها الخيول.

قال جيب بنبرة بدت فيها شدة الغبطة: «عربة بحصان!»

ساعدتُه ليصعد وتذكرتُ عنواني بعد عناء ثم صعدت بدوري. شعرتُ بشيءٍ غريب في جيب معطفي الطويل فتحسَّسته واكتشفتُ أنه كرة زجاجية فقذفتُ بها إلى الشارع على الفور بعصبية.

لم يَنبس جيب ببنتِ شَفة.

لم يتكلم أيٌّ منا لبرهة من الوقت.

قطع جيب الصمت أخيرًا قائلًا: «أبي! كان ذلك «متجرًا جيدًا»!»

فوصلت هنا لمسألة كيف استقبل جيب كل هذه الأحداث، إلا أنه بدا غير متضرِّر على الإطلاق — حتى الآن. جيد؛ لم يكن خائفًا أو متوترًا، كان ببساطة سعيدًا للغاية بالترفيه الذي حظي به في فترة ما بعد الظهيرة. واستقرَّت بين ذراعَيه الصناديق الأربعة.

اللعنة! ما الذي يُمكن أن يكون بداخل هذه الصناديق؟

تحدثتُ قائلًا: «امم! لا يتسنى للأولاد الصغار الذهاب إلى متاجر كهذه كل يوم.»

تلقَّى جيب هذا برزانته المعتادة، وللحظة كنتُ آسفًا أني أبوه ولستُ أمه؛ إذ إنني لم يتسنَّ لي فجأة هنا، وعلى الملأ، في عربة الأجرة التي كنا نستقلُّها أن أُقَبِّله. وفكرت أن هذا لم يكن سيئًا للغاية بالرغم من كل شيء.

إلا أنني لم أبدأ الشعور بالاطمئنان إلا حينما فتَحنا الصناديق؛ ثلاثة منها كانت تحتوي على صناديق لعبة الجنود، كانوا جنودًا عاديِّين مصنوعين من الرصاص، ولكنهم كانوا ذوي جودة عالية، حتى إنهم جعلوا جيب ينسى تمامًا أن هذه الصناديق كانت خدعًا سحرية، ولكنها من النوع الحقيقي. أما الصندوق الرابع، فقد كان يَحتوي على قطة صغيرة بيضاء حيَّة، وتتمتَّع بصحة ومزاج وشهية ممتازة.

شهدتُ فتح هذه الصناديق بشيء من الراحة الحذرة. وظللتُ في غرفة جيب لوقت طويل للغاية …

حدَث ذلك منذ ستة أشهرٍ مضَت، والآن بدأتُ أشعر أن كل شيء على ما يرام. كانت القُطيطة تتمتَّع بالسحر المعتاد الذي تتَّصف به جميع القطط الصغيرة، وكان الجنود صحبةً موثوقًا بها كتلك التي يتمناها أي قائد عسكري. وجيب!

أي أبٍ ذكي سيتفهَّم جيدًا أنني لا بد أن أكون حذرًا مع جيب.

ولكنني تماديتُ كثيرًا في يوم من الأيام ورحتُ أسأله قائلًا: «ماذا لو دبَّت الحياة في جنودك يا جيب؟ هل تودُّ أن يسيروا من تلقاء أنفسهم؟»

رد جيب قائلًا: «إنهم يفعلون ذلك بالفعل، كلُّ ما عليَّ هو أن أقول كلمةً ما أعرفها قبل أن أُزيح عنهم غطاء العُلبة.»

سألته قائلًا: «ومِن ثَم يسيرون من تلقاء أنفسهم؟»

رد قائلًا: «أوه، بالتأكيد يا أبي. لم أكن لأحبَّهم على أيِّ حال لو لم يكونوا يفعلون.»

لم أُبدِ أي دهشة مُنفِّرة، ولكن منذ ذلك الحين صرتُ أُعرِّج على غرفة جيب مرة أو اثنتين دون سابق إنذار عندما يكون الجنود خارج علبتِهم، ولكني حتى الآن لم أجدهم يقومون بأي عمل سحري على الإطلاق.

لذا، فمن الصعب جدًّا أن أحدِّد.

وهناك أيضًا مسألة النقود؛ فأنا مهووس بدفع الفواتير. مررتُ بشارع ريجنت ذهابًا وإيابًا مرات عديدة بحثًا عن المتجر؛ لذا أشعر بكل تأكيد أنني أرضيتُ ضميري، وبما أنهم يعلمون اسم جيب وعنوانه فيُمكنني أن أترك لهم تمامًا مسألة إرسال الفاتورة — أيًّا من كانوا — ليُرسلوها في الوقت الذي يُناسبهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤