الفصل الأول
المنظر الأول
(قيس – الربيع – عمارة – مقري الوحش – شيبوب)
قيس
:
ألا يا رياحَ الرَّند والعلَم
السعد
فحيِّ حمى أرض الشَّريَّة من
نَجد
وإن جُزتِ يومًا في العَقيق
وبارِق
فبُثِّي غرامي واشرَحي بينهم
وَجدي
لقد جُرتَ يا نعمانُ ظلمًا وملتَ
عن
طريقِ الهُدى والحقِّ والعدل
والرُّشد
ظعنَّا وفي الأحشاءِ أرواحُنا
سرَتْ
وأجسامُنا بانَتْ على النُّجْب
والجُرد
وما نزحَتْ عن حيِّها
باختِيارها
ولكنْ قضاءُ الله حَتمٌ على
العَبد
عنتر
:
لو طاوعتَني يا ملِكُ لما فارَقنا الأوطانَ، ولو عادانا مع النعمان
كسرى أنُوشَروان، وملوكُ بني غسَّان، وأعوانُ صاحب الإيوان. ومع هذه
النوائب، والخُطوب والمصائب، كلما دخلنا أرضًا من عرَب اليمن يأتونك
أيها الهُمام، فتشفق عليهم وتعطيهم الذمام، وما بقي قُدَّامَنا غيرُ
البحار فنجاور الأسماك والحيتان، ونعيش بالضنك والهوان؛ لا أرضى
بمعصية، ولا جِيرة مُكربة.
قيس
:
أنا ما أعطيتُ الذِّمام إلى الملك الجون؛ خوفًا من بأسِه أو من
المنون، ولكن رأيتُ أرضه كثيرةَ المرعى، وسهلةَ المسالك على الإبل أن
تسعَى، فأعطيتُه ما طَلب، وسِرنا في البر والسَّبْسَب.
الربيع
:
الرأي عندي أيها الملك المُصان، أن لا نقيمَ في هذه الأراضي
والقِيعان، إلا بعدما نعرف مالكَها وحاميها، والذي يحكُم على منابعِها
ومراعيها؛ فإذا وجدناه صاحبَ حميَّة، ومن أهل النخوة العربية، نُبرطله
بالأموال، والخيولِ والجِمال، ونأخُذ منه الأمانَ والذمام، ونُقيم في
ظلِّه مدى الأيام، آمنين من الحُروب، ومن غوائل الخطوب.
عنتر
:
ما هذا يابنَ زياد؟
الربيع
:
اسكت يابن شداد! أنت دأبك إثارةُ الفتن، ولولاك لما دخلنا بلاد
اليمَن، ولا نزحنا من الأوطان؛ خوفًا من الملك النعمان. ومع غُربتنا
وبعدنا عن الأطلال، هيَّجت علينا فرسانَ اليمن والأقيال، بقتل الأمير
داثر، وأخيه الأمير جابر، وقتل معاوية بن النزَّال، وبعض مشاهير
الأبطال، وقد احمرَّت الجَمرة، بقتل سيدَي بني ضَمرة. ولا بدَّ أن
بني سعد وبني تميم، يجتمعون علينا في عالَم عظيم، من سادات العُربان،
وجبابرة بني قحطان، وكذلك بنو القين وبنو فهد، لا بد أن يبذلوا في
قتالنا الجهد، لا سيما الملك الجون، الذي فارقناه محزون، وإذا بقينا
على هذه الأهوال، تفنى فرساننا والأبطال، ونَصيرُ بين البشر، عبرة لمن
اعتبر.
عمارة
:
إن أخي الربيع يا عنتر، قد أصاب فيما أشار ودبَّر، وإلا إذا بقينا
على رأيك، وتحت أمرك ونهيك، لا نفتر عن الحروب ليلًا ولا نهارًا، ولا
نحصل على قرار إلى أن نصير كالهَبا، وتلعب فينا أيدي سَبَا. وأنا قد
سئمت من الحَرب، ومعاناة الضَّرب، حينما كنت أَصولُ وأجول وآخذ الميدان
عرضًا وطولًا، ونحامي بسيوفنا عن النساء، في كل صباح ومساء.
عنتر
:
ما هذا يابن زياد، ومتى تُخلصون الوداد؟ أما كشفت عنكم الكروب
مرار، وخلصت نساءَكم من أيدي الأشرار؟ وحكَّمْتُكم في الملوك، وكل أمير
وصعلوك؟! وكيف تكون يا أمير عمارة، كأخيك الربيع بالشجاعة والزعارة،
وتبرطلون على حفظ أرواحِكم بالأموال؟! أما هو عارٌ عليكم أيها الرجال،
أن تبذلوا أموالكم وخيلكم وجمالَكم لمن لا يستحقُّها من الأنام، ولا
ضَرب لأجلها برُمح وحسام؟! وهل يُبذل المال، والنوق والجمال، لغير
صلعوك عديم، أو أرملة أو يتيم، أو لقاصد من قصاد العرب، أو لشاعر من
أهل الأدب؟! فما هذا يا فارس النِّياق؟
مقري الوحش
:
هون عليك يا حُلاحِل الآفاق! فعمارةُ وأخوه الربيع، مطبوعانِ على
كل فعل شنيع، وقيسٌ بشأنهما أخبر، وأنت أبو الفوارس عنتر، الذي قهرت
الآساد، وآكل خفارة كل القلاد. فبادر إن أمرت الآن؛ لنمرح إلى مروج
الفصلان.
عنتر
:
اتبعني يا فارسَ غسَّان.
أحن إلى ضرب السيوف القَواضِب
وأصبو
إلى طَعن الرماح الكَواعب
ويُطربني والخيل تعثُر بالقَنا
حُداةُ
المنايا وابتهاجُ المواكب
وضربٌ وطعنٌ تحت ظلِّ عَجاجة
كجُنح
الدُّجَى من وقع أيدي السَّلاهِب
لعمرُك إن الفخرَ والمَجد
والعُلا
ونيلَ الأماني والعُلا
والمراتب
كمن يلتقي أبطالها وسَراتها
بقلبٍ
صبور عند وَقْع المَضارب
ومن لا يروِّي رمحَه من دم العِدا
إذا
اشتبكت سُمرُ القنا بالقَواضِب
ويُعطي القنا الخطِّيَّ في الحربِ
حقه
ويَبري بحدِّ السَّيف عرض
المناكب
يعيشُ كما عاش الذليلُ بغُصَّة
وإن
ماتَ لم تندب عليه النوادب
مقري الوحش
:
أمرك يا أوحدَ الشجعان (يذهبان. يريد
الذهابَ شيبوب).
قيس
:
قف يا أبا رياح.
شيبوب
:
أمرك أيها المنَّاح.
قيس
:
قد أخطأتما مع أبي الأبطال، وما هذا وقت خصام ولا جدال.
الربيع
:
المخطئ أخي عمارة.
قيس
:
أنت المخطئ من أوَّل العبارة؛ فلو لم تبدأ بالمَلام، لما تجاسَر
أخوك على الكلام. ولكن يجب علينا الآن، أن نعرف نحن في أي مكان؟ ومَن
مِن مُلوك العرب، مالكُ هذه الأراضي والسَّبسب؟ أوَتعرفه، أبا
رياح؟
شيبوب
:
نعم، أيها المناح. هذه الأراضي والرِّياض المزهرة، هي منازلُ
بني كلب ابن وَبرة، وموردُهم من ماءٍ يقال له: عراعر، وهم حولَه مثلُ
الأسودِ الكواسر. وصاحب هذه المناهل والوِهاد، الملك مسعود بن مصاد؛
وهو ملك عظيم الشان، قوي الشَّوكة والسلطان، وتحت أمره من الأمراء
والفُرسان، أكثرُ من عشرين ألف عنان. والرأيُ عندي أيها الملك الهُمام،
أنكم تقصدونه وتطلبون منه الذمام، ولا تتوقف من كلام أخي يادا النضارة؛
لأنه أغضبه كلامُ الربيع وعمارة، وأنا أُليِّن قلبه وأترَضَّاه، وأجعله
لك تبعًا فيما تهواه.
قيس
:
هذا الرأي السديد، والتدبير الحميد. فهيا إذن يا ربيع؛ لنذهب إليه
سريع، وإذا وجدناه بطلًا همام، نسوق له الخيول والأغنام، ونقيم في
حماه، إلى أن يفرجها الله.
الربيع
:
إذن فبادر بنا الآن، والحافظ الرحمن (يذهبون).
المنظر الثاني
(ترتفع الستارة عن عبلة ومسيكة.)
عبلة
:
قد انصلحَتْ يا مسيكة حالُنا، وصحَّت بالكلأ خيلُنا وجمالنا،
وحصَلنا على الوطَر؛ بهمَّةِ ابن عمي عنتر.
مسيكة
:
إي وأبيكِ، يابنةَ مالك.
عبلة
:
من ذا القادمُ علينا؟
مسيكة
:
أظنه أمير، أو ملِك خطير.
عبلة
:
اصبري لنَراه، ونَفْقَهَ فحوَاه. مرحبًا بك يا وجهَ العرَب! فماذا
تطلبُ وترغَب؟
مسعود
:
أرغبُ يا منيعةَ الحمى، شربةً من رائقِ الماء؛ لأُطفئَ بها حرَّ
الأُوام، وأذهبَ بعدها، والسَّلام.
عبلة
:
أبشرْ يابنَ الأقيال، بالماءِ العذب الزُّلال.
مسعود
:
باللهِ عليكِ يابنةَ المُلوك، لا تُرسلي الماء مع أمَةٍ أو مملوك؛
بل عُودي به إليَّ؛ ليحصُل فؤادي على الرِّيِّ.
عبلة
:
أبشِر بحصول مُناك، وإطفاءِ حر ظَماك.
مسعود
:
ما هذا الجمال الباهر؟! فجَلَّ الصانعُ القادر! وما هذه العيونُ،
المقرونة بسَهم المَنون؟!
غازلَتْني بأعينٍ كالظِّباء
ذاتُ
دَلٍّ تُبدي نِفار الظِّباء
ظَبية لو رأى محاسنَها البَدْ
رُ
استحَى من طُلوعِه في السماء
وجهُها مَعدِن الجَمال وفيه
عُنصرُ
اللُّطفِ قد نَما والحَياء
ينثَني تحت ثوبها غُصن بانٍ
غرسَتْه
الأشواقُ في أحْشَاء
عبلة
:
خُذ يا فتى، واشربْ وتهنَّا، واذهبْ بكل راحةٍ وسلامة
حُسنى.
(يشربُ الجرعة على ثلاثِ مراتٍ وهو ناظرٌ نظرةَ غرامٍ.)
عبلة
:
يا هذا، إن كنتَ ظمآنَ فقد ارتَويت، وإن كنتَ ضالًّا فارجِع من
حيثُ أتيت، ولا تُطِل النظر، فتُوقعَ نفسَك في الخطر. أما سمعتَ المثلَ
السائر، بين القبائِل والعَشائر: «مَن أطلقَ ناظرَه، أتعب خاطرَه»؟!
فعاصِ نفسَك وهواك، قَبلما تذُوق الهلاكَ.
مسعود
:
رحمةً، يابنةَ الكِرام!
عبلة
:
اذهب بلا كثرَةِ كَلام، وإلَّا تُقتلْ في هذا المكان؛ ولو كنتَ
كسرى صاحبَ الإيوان، والزمِ الأدب والشهامَة، وارجِع مَصحوبَ السلامة،
فما أغلظَ جُثَّتك، وما أصقَعَ لحيتَك!
(بعد أن تطرُدَه عبلةُ تَذهب، وينزل سِتارٌ، ويدخُل مسعود.)
مسعود
:
أأكونُ مسعود بن مصاد، وقاهرَ الأبطال والآسَاد، وهيبتي تُرهب
جميعَ البرية، وتحقِّرُني جاريةٌ عَبسية، ولا أستطيعُ الجَواب؟ فما هذا
المُصاب؟! وهل غيرُ الهوى، أوهنَ مِنِّي القوى، وألزَمَني السكوتَ
والاحتِمال، والصبرَ على الأهوال؟
جئتُ أُطفِي غليلَ قلبي بماءٍ
يشفي حر
الأوام والإِلْتِهابا
فسَقَتْني الزُّلال لُطفًا
وجودًا
وسقَتْني بعد الزُّلال
عَذابا
أم مسعود
:
ما هذا يا ولدي مسعود؟ ولماذا تأخرتَ عن الجُنود، وأشغلتَ بالي،
وهيَّجتَ بَلْبَالي؟
مسعود
:
أماه، وا وَيلاه من الوَجدِ والبُعد، اللذينِ ما لهما حَد!
أم مسعود
:
ما سبَبُ هذا المَقال؟
مسعود
:
سببُه العشقُ القتَّال، الذي لاعَ جَناني، وأطالَ أشْجَاني.
أم مسعود
:
ومن أينَ اعتراكَ، يا ولدي، هذا الغرامُ؟
مسعود
:
قد اعتَراني في هذا المَقام، في حُبِّ جارية عَبْسيَّة، تفتِن
بمحاسِنها البَريَّة.
أم مسعود
:
وأنتَ أصابَتْك هذه الرَّزيَّة، من أجل جاريةٍ عبسيَّة؟! فأخبرني
بالعجَل، وكيف ذلك حصَل؟
مسعود
:
اعلمي أيَّتُها الوالدة، والشفوقة المُساعدة، أن بعضَ رجالي
والفرسان، قد وَصفوا لي أحوالَ بني عبس وعَدنان، ونُوقَهم وجمالَهم،
وخيلَهم ورجالَهم، وما هُم فيه من الخَيرات والنِّعم؛ فتاقَتْ عيني
للنَّظر إليهم، فمِلْتُ في هذه المرَّة عليهم، فَريدًا وحيدًا بلا خدم
ولا عبيد؛ لكي لا يرتابوا، أو يخجَلوا أو يهابُوا. وقلتُ للأعوان
والجُنود: اذهبوا، وأنا مساء أعود. ودخلت بعدها هذا الخِباء، فرأيتُ
فيه فريدةَ الظباء، وشمسَ السماء، ومشكاةَ البهاء، وطلبتُ منها شَربة
من الماء؛ لأُطفي من فؤادي حرارةَ الظَّماء؛ فانثَنتْ كغُصن البان،
وعادَت إليَّ بقدحٍ مَلآن، فأخذت منها القدَح، وحبُّها في فؤادي طفَح،
وما ازدَدتُ في شُربه غيرَ أُوام، حتى اعْتَراني ما أنا فيه من
الغَرام. فلمَّا شعرَتْ مني بالخبَل، أخذَتْ مني القدَح بالعجَل،
وأخرجَتْني من المكان، ذليلًا مُهان. فوقفتُ بُرهةً خارجَ الباب، وأنا
لا أستَطيعُ الجَواب، ودخلتُ لأراها، فما أبصرْتُ محياها، فدُهِشتُ من
الفراق، ووقعتُ في الاحتِراق. وإن لم أبلُغ من الظبي وِصالَه، متُّ من
العشق لا مَحالَة. فساعِدِيني يا أمَّاه، قبلما أفقد الحَياة.
أم مسعود
:
أتصيبك هذه الرزيَّة، من أجل جاريةٍ عبسية، لا قدْرَ لها ولا قيمة،
ولو كانت دُرةً يَتيمة؟ وحسبُك بنات اليمَن، وصنعاء وعدَن، من جميع
نساءِ العرب. فارجع عن حبِّها، وأنا أخطبُ لك سِواها، وتتمَلَّا بجَمال
مُحيَّاها.
مسعود
:
ما هذا الكلامُ يا أمَّاه، الذي لا أقبَله ولا أرضاه؟! أظننتِ أني
أسمَع كلام، أو يرجِعني مَلام؟ فوَحقِّ البيتِ الحرام، والرُّكن
والمقام، وزمزمَ والحطيم، ومقامِ الخليل إبراهيم، لا بدَّ لي مِن تلك
العبسية، ولو سُقِيتُ من أجلها المنيَّة. وإن راجعتِيني مرة ثانية،
أجعلْها على نفسِي قاضية، وأزهِق روحي بهذا الحُسام.
أم مسعود
:
لا لا يا ولَدي الهُمام. فاذهبْ أنتَ، وها أنا ذاهبة إليها،
وأخطبُها لك يا وَلدي، وعن قريبٍ تُزَف عليها (يذهبان).
المنظر الثالث
(عبلة – مسيكة)
عبلة
:
أهكذا يوجد وقاحة، وغلاظة وقباحة، مثل هذا الرجل الذي سَقيناه
الماء، وكان في غايَة الظَّماء؟
مسيكة
:
لا وأبيكِ، يا رَبَّة المقام المحمود، وما رأيتُ مثلَه في عالم
الوُجود. انظري هذه المرأة، امرأة غريبة.
عبلة
:
ادخُلي، يا حُرَّة العرَب.
أم مسعود
:
أمرك يا عالية النسَب.
أُهدي سلامًا طيِّبًا
إليكِ يا ذاتِ
العلا
عبلة
:
اجلسي يا خالتي بالهَنا، واطلُبي ما شئتِ؛ فإن كلَّ شيءٍ حاضرٌ
عندنا.
أهلًا وسهلًا مَرحبًا
شرَّفتِ هذا المَنزلا
أم مسعود
:
أرجوك أن تُخبريني يا ذات القَدر، هل أنت ذات بَعل، أم ذاتُ
خِدر؟
عبلة
:
ما هذا السؤالُ يا أمَّاه؟ أوَعندَك بعلٌ تزوِّجِيني
إيَّاه؟
أم مسعود
:
إي وأبيكِ. إن كنتِ خاليةً من القَرين، فأنا أزوِّجُك بأسَد
العرين، وأعزِّ موقَّر ومخدُوم، من العرَب والعجَم والرُّوم.
عبلة
:
ومن هو هذا السَّيد أيُّتها الجَليلة؟
أم مسعود
:
هو الذي زارك من بُرهة قليلة، وسقيتِيه الماء، وذهبَ وهو في غايةِ
الظَّماء.
عبلة
:
ومن يكونُ من العرَب؟ وأي ملِك هو من ملوك الحسَب؟
أم مسعود
:
هو الملِك مسعود بن مصاد، والحاكمُ على هذه الوِهاد، وهو ولدِي
الوحيد، وغُصني الفَريد.
عبلة
:
أتحبِّين مسعودًا يا حُرَّة العرَب؟
أم مسعود
:
نعم يا عاليةَ النسَب.
عبلة
:
إذن يجبُ عليك أن تردِّيه، عن الجُنون الذي هو فيه، وإلا لو علم
زَوجِي بهذا الخَبر، يجعله عبرةً لمن اعتبر، وينهَب أموالَه، ويُهلك
رجاله.
أم مسعود
:
أهو كِسرى أم قيصر، أم أحدُ ملوكِ بني الأَصفر؟
عبلة
:
هو أعظمُ منهم شَان، وأرفعُهم مَكان، آكِل خفارات الجَميع، وسيِّد
الرَّفيع والوضيع، مُغنِي عبس إذا افتقَرت، ومُعزُّها إذا ذلَّت، قاتلُ
خالد بنِ محارب، وفارسُ المشارِق والمغارب، الليثُ الهَصور، والأسد
الغضَنْفر، الذي قتل العوبتا، وابن المنذِر النُّعمان، حيةُ بطن الواد،
وقادحُ النار بغيرِ زِناد. الضاربُ بالسيوف الحداد، والطاعن بالرِّماح
المداد، ومعلِّمُ الفرسان الحربَ والجِلاد، عروسُ الخيل عنترة بن
شداد.
أم مسعود
:
إذا كان زوجُك بهذا المِقدار، وهو فارس كرَّار، فلماذا يابنةَ
اللئام، أخذتُم منه الذِّمام؟
عبلة
:
الذين أخذوا الذِّمام ابنُ زهير، والرَّبيع قليلُ الخير، وإلا لو
عَلم بما فَعلوا، لقتل ولدَك قبلما يصلوا. فاذهبي إلى ولدك وودِّعيه،
قبلما تطلبيه فلم تجدِيه. هيَّا اذهبي يا كهينة، وابنة الهَجينة. فلا
طُعمتِ ولا سُقيتِ، ولا عشت ولا رُعيتِ (يُخرجُونها. تذهَبُ عَبلة ومسيكة. ينزل سِتار، ويدخل مسعود
وجندلة).
مسعود
:
قد أصاب فؤادي يابنَ بلال، من لِحاظ عبلة سهمٌ قتال. وإذا ما
دبَرَتْني أقتلُ ذاتي، وأحتَرم سائرَ لذَّاتي، أو ألتزم إلى نقض
الذمام، الذي أعطيتُه لبني عبس اللِّئام، وأقتل أسودَهم عنتر، المطبوع
على الدنَس والأَشَر، وآخذ زوجته سبيَّة، ولو عيَّرَتْني جميع
البريَّة.
جندلة
:
عفوًا أيُّها المُهاب! فإن هذا الرأي ليسَ بصواب. ونقض الذِّمام،
ليس من أخلاقِ الكرام. وأنت، يا مولاي، أعظمُ ملوك اليمَن، ومشهورٌ بكل
لَطافة وفعل حسن؛ فلا تفعل ما يُوجب الملام، ولا تنقُض عهدًا ولا
ذِمام. وإن كان ولا بدَّ لك من تلك العَبسيَّة، فأنا أدبِّر هذه
القضية، بأن أكلِّف لك زوجتي سعاد ابنةَ الزَّرقا، أن تسحَرَها لك بدون
ما يَتعبُ أحدٌ منا أو يشقَى وإن تعرَّضوا لنقض الذمام، فلا عَتْبَ إذ
ذاك ولا مَلام، إذا أذقْتَهم كاساتِ الحِمام.
مسعود
:
زوجتُك تسحرُها يا جندلة؟
جندلة
:
نعم، وتكفيك هذه النَّازلة. فكُن في راحةٍ من عَناك؛ فعن قريب
تبلُغ مُناك.
مسعود
:
فرَّجتَ عني، جندلةُ، همِّي وحُزني.
جندلة
:
أبقاك ربي، أبشِر بسَعادة كاملةٍ.
مسعود
:
تقضِي بقربي حقَّ الهَنا، زال العَنا، وارتاحَ لبي، نلنا
المُنى.
جندلة
:
دُمتَ لنا.
مسعود
:
عُبيلةُ قَصدي.
الاثنان
(لحن)
:
قد أشرقَت شمسُ الإِصلاح
وكوكبُ
الأفراحِ لاح
هيَّا بنا نجلُو الأقدَاح
فالأنسُ
وافَى والأَفراح