الحبُّ تحت المطر

عشرة أسماء من التي عملت في فيلم «ثرثرة فوق النيل» انتقلت للعمل في فيلم «حب تحت المطر»، وهم المُخرج حسين كمال، الذي استعان بروايةٍ أخرى لنجيب محفوظ، وكتب السيناريو ممدوح الليثي، بالإضافة إلى طاقم التمثيل عماد حمدي، وميرفت أمين، وأحمد رمزي، وعادل أدهم، وأحمد الجزيري، وماجدة الخطيب، وصلاح نظمي، هذا ولم نأخذ في حساباتنا الكثير من الفنيِّين الذين عملوا في الفيلمين.
ولم يقتصر الأمر على هذا الطاقم، بل امتدَّ الأمر إلى تصوير مرحلة حرب الاستنزاف، أو اللاسلم واللاحرب، والاستعانة بصور تسجيلية عن مدن القناة، خاصةً السويس التي دمرتها الحرب، وكانت سببًا في إثارة المتفرِّج الذي يعيش في الجبهة الداخلية، وقيام الأستاذ ونيس بالتحذير لما يجري في مصر. فرأينا شخصية المعلم عشماوي، الذي جسَّده عماد حمدي أقرب إلى ونيس في شكله وملابسه، والتِّيه الذي أصابه، وعجزه الشديد، ولجوئه أيضًا إلى التنبيه.
كما رأينا فإن رواية «ثرثرة فوق النيل» لم تكن عملًا سياسيًّا، ولا تحتوي على إشارات وطنية، لكنها السينما تحاول أن تكون أكثر التصاقًا بمشاكل الناس وعصورهم، وينطبق الأمر على رواية «حب تحت المطر» التي نشرها الكاتب عام ١٩٧١م.
الحبُّ المقصود هنا هو أكثر من قصة حُبٍّ أكثرها عائلي، في أواسط شباب ينتمون إلى نفس الأُسرة أو تربطهم صداقات في محيط ضيِّق، وقد يمتدُّ في بعض الأحيان إلى زمالة الجامعة، أولها قصة الحبِّ بين زميلي الجامعة مرزوق وعليات اللذين نراهما في بداية الرواية يتمشَّيان في الشارع، ثُم يعرجان على مكان للجلوس فيه، وهذا هو المشهد الثاني في الفيلم، حيث إن المشهد الأول لا معنى له؛ يدور في أحد الأندية حيث تمشي فتاة مع أبيها، أو لعلَّه زوجها العجوز، ينجحون في فصلها منه ومعاكستها بينما يصرخ الرجل فيهم «روحوا حاربوا!» فيهتفون في سخرية «ح نحارب ح نحارب.» ويتركون له الفتاة، ويتحدثون فيما بينهم «في صحة كلام الجرايد اللي بتضللنا، في صحة اللاسلم واللاحرب.»

أمَّا المشهد الثاني في الفيلم ففيه تصوير للفصل «١» من الرواية؛ عليات ومرزوق يتحدثان عن الزواج والمهر والشبكة، فيردِّد: «أنت شبكتي.» ويحلمان أن يسكنا إمَّا عند أهل هذا أو ذاك، ويردِّد الشابُّ: «بكرة ح يحصل رخاء لما تنحل مشكلة الشرق الأوسط.» وتأتي سيرة أخيها إبراهيم، فتقول له: «لو لم تكن وحيد أبويك لاستدعيت مثله إلى الجندية.»

هناك تشابه ملحوظ بين الفصل والمشهد، ثُم يأتي المشهد التالي حيث نرى قصة حُبٍّ أخرى بين منى ماجدة الخطيب، والقاضي سالم في علاقة نقيَّة تشوبها الغيرة، وعقلية الرجل الشرقيِّ مع فتاة أكثر استنارة.
المشهد الثالث نتعرَّف فيه علىحسني الذي يعمل هنا في التصوير السينمائيِّ، وإلى بيته يأتي الشباب من الجنسين، ومنهم الفتيات الثلاث: عليات «حياة قنديل»، ومنى وسنية «منى جبر»، حيث يبدو المكان أقرب إلى المشبوه؛ يتمُّ عرض أفلام جنسية، نرى عليات التي كانت مع زميلها في المشهد الثاني وقد تمدَّدت فوق الفراش، وتخبر حسني أنها لن تأتي بعد ذلك لهذا المكان؛ لأنها على وشك الخطوبة من زميلها في الجامعة، تردِّد: «عاوزاك تسترني.» فيمنحها نقودًا هدية زواجها، وبينما هو يودِّعها تأتي زبونتان جديدتان؛ هما سنية، ومنى زهران الموظفة في مجال السياحة، وبعد الفيلم الجنسيِّ، يقدِّم فيلمًا هو في الغالب الذي شاهدناه في «ثرثرة فوق النيل» عن مدينة السويس المدمَّرة؛ مما يصيب الحاضرين بالأذى، وفيما بعدُ يعرض حسني فيلمًا جنسيًّا على منى، فتردُّ بكل ثقة: «أنت فاكر إنك ح تثيرني! دي أفلام علمية للأطفال، يدرسونها في الخارج لمقاومة الكبت.» ثُم تغادر المكان مع زميلاتها.

الفصل «٢» من الرواية يدور حول حسني الذي يذهب لتعاطي الشيشة ومسح حذائه في المكان الذي يوجد فيه عشماوي «عماد حمدي» وعم عبده «أحمد الجزيري»، ويعرف حسني أن عليات ابنة عم عبده قد تقدَّم لها زميلها، وهو معدم مثلها؛ أيْ إن ما دار في الفيلم بين حسني وعليات في بيته المشبوه قد دار في الرواية في المقهى الصغير بين حسني وعم عبده والد عليات وإبراهيم.

لذا فإن الفصل «٣» من الرواية يتعرَّض لإبراهيم الذي يمشي مع أخته عليات بلباس الجيش في شوارع القاهرة، يحدِّثها عن الحرب، ويبدي لها إعجابه بأخت مرزوق سنية، الموظفة بالإصلاح الزراعي، وتطلب منه عليات أن يتزوج من سنية لو كان يحبُّها، وفي هذه اللحظات تنطفئ أنوار الشوارع دون سببٍ واضح.

يظهر حسني فيما بعدُ في مشهدٍ مشابهٍ للفصل «٢»، حيث تحدَّث عم عبده عن الإسرائيليين، أولاد الكلب، ويتمُّ الحديث عن الحرب، ويقول عم عبده أن ابنه الوحيد إبراهيم في الجبهة.

إذن لقد حدث تأخير وتبكير للمشاهد بين الفيلم والرواية، حسب رغبة كاتب السيناريو، فإبراهيم لم يأتِ من الجبهة إلا فيما بعدُ، وقد قدَّم لنا الفيلم شخصياته كلها في البداية، مثل منى وخطيبها سالم «حمدي أحمد»، وقد امتلأ السيناريو بالأحاديث الوطنية، مثل قول إبراهيم: «نبص نلاقي علم إسرائيل قدامنا، نعبر، نشتبك، نستشهد، وهكذا.» ويُطرح سؤال: «المعركة الأخيرة امتى؟»

لقد جاء إبراهيم من الجبهة لحضور خِطبة أخته، وفي هذا الحفل يتعارض إبراهيم بسنية زميلة أخته.

في الفصل «٤» يخرج إبراهيم وسنية إلى الحدائق معًا، ويُطرح سؤالٌ ضمن الحوارات: «تُرى هل تقوم الحرب من جديد؟» فيكون جوابه: «علمت أنكِ غير مخطوبة.» وكلما سألته السؤال نفسه، يردُّ عليها بإجابة مختلفة.

الفصل «٥» هو نفسه المشهد الثاني من الفيلم؛ مما يؤكِّد أن السيناريو قد قدَّم وأخَّر الحوادث والمشاهد حسبما يرى؛ حيث إن سنية هي أيضًا تتردَّد على المكان، جاءت حين كانت تلميذة بالثانوية، يقول حسني: «لا بأس من إباحة اللهو حتى الزفاف.» وهناك حوار موجود في النصِّ الأدبيِّ سمعناه في الفيلم «متهيأ لي أن الستات في شارع شريف يا إما جايين لك، أو نازلين من عندك!» هذه الجملة ردَّدتها منى في الفيلم، وجاءت على لسان سنية في الرواية، وتبلغ حسني أنها لن تأتي بعد ذلك، وهو الشيء الذي حدث في الفيلم، في مشهدٍ لاحق.

في هذا الفصل يدور الحديث بين حسني وسنية حول مدينة بورسعيد، ويتمُّ السؤال عن متى تقوم الحرب؛ الذي سبق أن طرحته على إبراهيم. كما يتحدثان عن فيلم جنسيٍّ، ويرفض أن يردَّ عليها حينما تطلب منه أن يتزوج.

غيَّر السيناريو بعضًا من تفاصيل حياة أبطاله؛ حيث إن عشماوي في الفصل «٦» متزوج ولديه العديد من الأبناء كما يبلغ حسني، كما يقول له إنه ضاجع زوجته بالأمس مرَّتين، وهو في هذه المرحلة من العمر؛ أيْ إنه في العقد الثامن من العمر. أمَّا الفصل السابع فيدور عند ناصية الأمريكيين، حيث يدور حوار بين مجموعة من الشباب، بعضهم يرفض، وبعضهم مهموم بالحرب المنتظرة، ويعود الكاتب إلى عشماوي ليقدِّم لنا نفسه، فهو صاحب القبضة الحديدية والنبوت المخضَّب بالدماء؛ أنا مَن يرتجف عند ذكر اسمه الرجال، وتتوارى النساء. وهذا المشهد تأخَّر ظهوره في السيناريو، حيث اهتمَّ الفيلم بتقديم قصة الدكتور علي، شقيق منى، الذي هُزم في وطنه؛ فالبعثة راحت إلى مَن لا يستحقُّها، «يا اتجنن يا أهاجر»، وهو على وشك الهجرة إلى الولايات المتحدة، حيث إنهم رحبوا بأبحاثه العلمية.
هذا الشابُّ سوف يدخل السجن لمدَّة عشر سنوات، لغيرته على شرف أخته، وقيامه بطعن المُخرج رشوان الذي سعى إلى الرُّقاد فوق جسدها، وهي الشخصية التي تأخَّر ظهورها في الرواية حتى الفصل «١٠».

أمَّا التعارف الحقيقيُّ على عشماوي، في الفيلم، فقد حدث في الربع الأخير من أحداث الفيلم؛ حين تأتي امرأة «ناهد سمير» إلى عشماوي، وتطالب الفتوة القديم بالانتقام لشرفهم، لكن الرجل يسقط من شدة الشيخوخة، فهو بلا حول أو قوة.

بدأ ظهور منى زهران في الفصل «٩»، وهي التي تسكن في شرفة تطلُّ على النيل في المنيل، حيث قدَّمها الكاتب ببعض التفصيل؛ فأبوها مدير إدارة قانونية، والأمُّ ناظرة مدرسة متقاعدة باختيارها، تخبر صديقتَيها عليات وسنية أنها فسخت خِطبتها من القاضي سالم علي قبل أن تُعلن، وذلك أنها أحسَّت أن خطيبها يقوم بعمل تحريات عنها.

يقول محفوظ عن الفتاة أنها مارست الجنس بدافع الحُب، أمَّا سنية وعليات فقد فعلتا ذلك لاقتناء ما تحتاجان إليه من ملابس وأدوات زينة وكتب. وفي الفصل «١٠» فإن الدكتور علي يظهر ويحدِّث أخته وأباه عن الهجرة، بينما تعود منى إلى سالم مرةً أخرى.

في الفصل «١١» يتمُّ تعيين عليات في وزارة الشئون الاجتماعية، أمَّا مرزوق فيتمُّ تعيينه كمُدرِّس في بني سويف، وهناك تشابهٌ بين الفصل «٢» والفيلم، فبينما الأُسرة تستودع ابنها عند المحطة، كان هناك رجل يدقِّق في مرزوق، إنه المُخرج السينمائيُّ محمد رشوان، الذي يطلب من مرزوق عدم الذهاب لاستلام الوظيفة، وطلب منه اللَّحاق به ليعمل ممثلًا في السينما، في دور شابٍّ جامعيٍّ مجنَّد، تحبُّه سيدة مجهولة الجنسية، وتدعوه للهرب معها.

لذا فسرعان ما أصبح مرزوق ممثلًا، وأدَّى المشهد الأول بنجاح، وكانت في الاستوديو عليات، وسنية، ومنى، وسالم. وفي هذه المشاهد لم يخرج السيناريو كثيرًا عن الرواية، فمرزوق يؤدِّي دورًا مشابهًا لدور إبراهيم في الحياة، لكنه دور جندي «مزوق» وليس حقيقيًّا. ولن يلبث رشوان أن يعرض على منى العمل في السينما، وسرعان ما تخبر خطيبها سالم الذي يرفض بشدة، فتُفسخ الخِطبة للمرَّة الثانية، وذهبت إلى المُخرج، وأُجريت لها الاختبارات، رغم اعتقادها أنها لم تُخلق لهذا الفنِّ. ولاحظت أن الأمِّية تغلب على تفكير رشوان، رغم شهرته، وأنه يُعجب بها أكثر مما يُعجب بفنِّها.

في الفيلم أدَّت منى المشهد وهي بملابس شبه عارية، وقد طلب منها أن تأتي إلى غرفته بهذه الملابس، وحاول أن يلمس جسدها، فرفضت. وفي الرواية أيضًا قال لها: «اخرجي يا عاهرة وقُصِّي هذه القصة على أمك.»

المشهد «١٤» في الرواية تأخَّر ترتيبه في الفيلم أيضًا، فقد لجأ سالم إلى صديقته القديمة، الراقصة، وقضى معها ليلته، وطلب منها أن يتزوجا، وألحَّ في ذلك. أمَّا هي فقد أدركت محنته، وطلبت منه أن يعيشا معًا بدون زواج. أمَّا الفصل «١٥» فإن علي قرَّر فيه أن ينتقم لشرفه، وبحث عن رشوان في أكثر من مكان قبل أن يطعنه بشكلٍ عمديٍّ فيقتله. في الفيلم هناك مشهد متميز يتمُّ فيه القبض على القاتل وسَوقه إلى النيابة، بينما يتمُّ نقل جُثمان القتيل على خلفية السؤال والجواب في التحقيق الذي تمَّ مع القاتل، وذلك كنوع من التكثيف، أمَّا الرواية فقد دار الفصل «١٦» في مكتب المحامي، وقدَّم منى وهي تردِّد: «ليتك لم تغضب يا أخي.»

بدأ الفيلم في تقديم فتنة؛ الشخصية الرئيسة لفيلم «البطل» الذي تمثِّله أمام مرزوق، الذي يستكمل إخراجه أحمد رضوان، وفي الفيلم رأينا أن هناك حالة عشق خفيَّة علنيَّة بين فتنة والمُخرج الجديد. وفتنة في الرواية نجمة جديدة لمعت في سماء الفن منذ عام. وقد صوَّرتها الرواية متعدِّدة العلاقات، مثلما صورها الفيلم، لكنها عندما تزوجت بمرزوق صارت بالغة الإخلاص، لقد ترك عليات من أجلها، ومنذ اللحظات الأولى وهي تسعى إلى الارتباط به، في الفيلم تأخذهما قبلة شهوانية جدًّا أمام الكاميرا، وفي الفيلم تقول له: «توجد فرصة لإنشاء شركة بيننا.» ثُم ترميه بزهرة بنفسج كانت تفركها بين إصبعيها.

منى رضوان هي الوحيدة التي لم تقع في أسر نزوات حسني، وهو يحاول أن يواسيها بعد أن صدر الحكم على أخيها بالسجن لمدَّة عشر سنوات، ويجب الإشارة هنا إلى التقارب الملحوظ بين الفيلم والرواية، إلا من بعض التفاصيل أو ترتيب المشاهد. وحسنى في الفيلم ليس وغْدًا، لكنه يعيش حياته، وفي الرواية لديه إحساسٌ وطني، يبلغ منى أن سالم تزوج من مومس، وينصحها أن تتزوج من المحامي الذي دافع عن أخيها، رغم فارق السنِّ بينهما.

الشخصيات في الفيلم والرواية قدريُّون، خاصةً الرجال، فالدكتور علي يقتل من أجل شرف أخته، ويضيع منه حلم الهجرة، ويدخل السجن عشر سنوات، وفي السجن يستكمل دراسته، إنه لن يفقد الأمل. أمَّا إبراهيم فإنه يُصاب في الحرب ويفقد بصره، وتقف سنية معه وتصرُّ على أن تتزوجه. أمَّا سالم فإنه يُصدم في مواقف خطيبته، ويكون مصيره العودة إلى العاهرة سميرة، ويتزوجها، ثُم يصبح من روَّاد البارات حتى تأتيه منى وتأخذه في الفيلم، وكذلك عشماوي الفتوة السابق الذي يسقط ضحية شيخوخته وعجزه. أمَّا مرزوق فبعد أن يصبح نجمًا ويتزوج من فتنة، فإن المُخرج العجوز يرسل مَن يشوِّهون وجهه بماء النار، فيفقد ثقته في نفسه، وإحساسه بالأمن في المستقبل، وهذه هي الخطوط العامة في كلٍّ من الرواية والفيلم، إلا أنه في الرواية، فإن منى زهران خُطبت إلى المحامي حسن حمودة، وتدور بينهما حوارات عاطفية وسياسية في حديثهما عند عُشِّ سقارة، كما أن الفنانين زاروا الجبهة، وكانت فتنة ومرزوق معهما، وقاما بجولة في بورسعيد «المحطة»، العمارات والبيوت تقوم على الجانبين مغلقة النوافذ والأبواب كأن لم يطرقها حيٌّ ويُصدمان فيما يريان «أشعر بأني حرٌّ، حرية كاملة من الحضارة والتاريخ.»
وفي الفصل «٢٢» يموت حبٌّ كبير في رقبته، من طرف مرزوق لعليات، ليحلَّ محلَّه حبٌّ جديد. وفي الفصل التالي، تتزوج فتنة من مرزوق فتخسر المُخرج، والشيخ يزيد، الثريُّ العربيُّ الكبير، ويبدو إلى أيِّ حدٍّ فإن المُخرج متيَّم بها «لا أتصور الحياة بدونها.»

في الرواية يتصل سالم بمنى ويرجوها أن تقابله، وفي الفيلم ذهبت من تلقاء نفسها إلى الخمارة كي تنقذه. في الرواية اعترف بحماقاته، وأنه كان ينتحر بزواجه، ويخبرها أنه يحبُّها، إلا أنها ترفض العودة له.

ألغى السيناريو الفصل «٢٦» الذي يجلس فيه المحامي حسن حمودة إلى صديقه وزوجته، وتحدَّثوا عن ماضي حسن أثناء الجامعة، وفي الفصل «٢٧» يتوَّج كلٌّ من إبراهيم الضرير وسنية وأيضًا منى وسالم، ويعرض حسني على عليات أن تعمل ممثِّلة، فلا تجد في نفسها الموهبة. أمَّا الفصل التالي فإن الحبَّ يكون قد بلغ أشُدَّه لدى فتنة «نور نجاحي مستمدٌّ من روحك.» وتصدُّ المُخرج أحمد رضوان، لقد أصاب مرزوق حادث، وها هو في المستشفى، لقد تعرض لحادث، وبعد عملية جراحية خرج بوجهٍ جديد جعله يفقد شخصيته ومذاقه وروحه. كان هناك اعوجاج في الفكِّ، وتجويفٌ صغير في جانب الجبهة «انتهيت.» ورغم ذلك فإنهما يتزوجان.

في الفيلم جاء هذا الحادث والتألُّق، هذا الزواج يعيد عليات إلى أحضان حسني في الرواية، وتخبر عليات الرجل أنها حامل من سائحٍ مجهول دعاها للعشاء فقبِلت، وحسني هو الذي يساعدها فيدبِّر لها امرأة تعمل على إجهاضها، إنها سمراء وجدي.
ألغى الفيلم شخصية المحامي، بعيدًا عن عمله في الدفاع عن الدكتور علي، أمَّا الرواية فقد تابعت مسيرته بعد أن تزوجت منى من سالم، وصار يبحث عن عروس. وفي الفصل «٣٢» كما في الفيلم، فإن فتنة قد اقترحت أن يلعب زوجها الدور الأول أمامها في فيلمٍ جديد، لكن الأمر رُفض، وقد ألغى الفيلم أيضًا الزيارة التي قام بها المُخرج أحمد رضوان الذي جاء لزيارة الزوجين، وحدَّث فتنة: «إن ظروف العمل في السينما ليست في أحسن أحوالها.» كما ألغى الفيلم شخصية حامد الذي تعرَّف على عليات، وهو شقيق سالم الذي سبق أن واساه في فصلٍ سابق، لم يتمكن بسبب نشاطه الثقافي من استكمال تعليمه؛ حيث اتُّهم بالشيوعية دون أن يكون كذلك.

في الفصول الأخيرة من الرواية والأحداث من الفيلم ظهرت سمراء وجدي تُورِّد لحسني البنات الجميلات، وتطلق عليهن «العصافير»، هي صاحبة محلٍّ، ثرية، مُصابة بالسُّحاق، هي التي قامت بإجهاض عليات، لقد وقعت في غرامها، وهي تذهب إلى حسني كي يدلَّها على مكانها. وفي الفصل «٣٥» يقرِّر مرزوق أن يعود لوظيفته في التعليم بعد أن توقفت التعاقدات، ويدور حوار مع زوجته التي يهينها، فيعتذر لها ويخرج إلى الشارع. وفي الفصل «٣٦» نعرف أن إبراهيم يواجه الحياة بعزيمةٍ ونجاح، وأن عليات وحامد تمَّت خطبتهما، ويحذِّر حسني عليات من غرام سمراء بها، وتغضب هذه من إحجام عليات عنها: «سأُطلع خطيبها على حقيقتها.»

مصائر بعض أبطال الرواية تغيَّرت في الفيلم، فقد اختفى مرزوق في بنسيون بحلوان، وهرب من بيت الزوجية، وانهارت فتنة عصبيةً، ومثلما حدث في الفيلم يقوم بزيارة عليات، ويحاول الاعتذار عما بدر منه «لعلَّ ما نالني من عقابٍ يشفع لي في الغفران.»، وفي الفصل «٣٩» فإن سمراء تفاجئ عليات وحامد في دار الشاي الهندي. وفي الفيلم فإن اللقاء يتمُّ بين عليات ومرزوق، باعتبار إلغاء شخصية حامد الذي يعرف ماضي الفتاة، ويقول لها: «أرجو أن تُخلي لنا الجوَّ لنواصل حديثنا.» أيْ إن حامد بدا شهمًا في موقفه «نحن في حاجةٍ إلى الهواء الطلق.» وعند هذا المشهد ينتهي الفيلم، حيث يضيف السيناريو البيان العسكريَّ رقم «٥» في السادس من أكتوبر على كلمة «البداية».

أمَّا الفصل «٤٠» من الرواية فإن سمراء تذهب إلى عم عبده، والد عليات، وتبلغه بالأمر في وجود حسني الذي خذلته قُواه؛ لأن ذلك الاعتراف يعني انهيار مملكته التي يقيمها في شقَّته، وينتهي الفصل بقيام عم عبده بخنق سمراء.

في الرواية لم يأتِ ذكرٌ جديد عن الدكتور علي، لكن الفيلم منحه القدرة على أن يدرس، وهو داخل السجن، وفي الفصل «٤١» تمَّ التحقيق مع عم عبده، فالتزم الصمت، ولم يقل عشماوي ما يفيد التحقيق، وتخيَّل حسني أنهم سوف يحقِّقون معه، فقال كل شيء. وتستكمل الرواية حكاياتها؛ فعليات تشعر بالندم لما حدث بسببها، وحامد يساندها بقوة، بينما يقرر حسني السفر إلى لبنان: «الوداع يا مصر.»

في الفصل الأخير من الرواية يرفض المحامي حسني حجازي الدفاع عن الأب، وهو الذي أحبَّ منى لبعض الوقت، قبل أن تتزوج من سالم، ويغادر مكتبه ليلتقي بصديقه صفوت مرجان، وهنا يدور حديثٌ سياسيٌّ جاء فيه أن مصر قبِلت المبادرة الأمريكية؛ أيْ إن الرواية توقفت عند موافقة مبادرة «روجرز» قبيل رحيل «عبد الناصر»، بينما توقفت أحداث الفيلم عند السادس من أكتوبر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤