القاهرة ٣٠

نشر نجيب محفوظ روايته «فضيحة في القاهرة» عام ١٩٤٥م، ثُم أُعيد نشرها مرَّةً أخرى باسم «القاهرة الجديدة»، وعندما حوَّلها صلاح أبو سيف إلى فيلم شارك في كتابته عام ١٩٦٦م، حمل اسم «القاهرة ٣٠»، وقد نُشرت الرواية فيما بعد بالاسمين معًا، في طبعات مكتبة مصر، وهي ظاهرة لم تحدث بأيِّ روايةٍ أخرى من تأليف المؤلِّف، وقد بدت الرواية مختلفة كثيرًا عن أعمال الكاتب التي نشرها في النصف الثاني من الأربعينيات؛ حيث إنها تدور في بيت الطلبة، وأبطالها هُم شلَّة من الطلاب الذين تناثرت طموحاتهم، وعلى رأسهم كلٌّ من محجوب عبد الدايم، وعلي طه اللذين سيتبادلان فيما بينهما الفتاة إحسان التي تحبُّ الأول، وتتزوَّج مصادفةً من الثاني، أمَّا الطالب الثالث فهو أحمد بدير الذي يعمل أيضًا بالصِّحافة.

لذا فإن كلًّا من الفيلم والرواية يبدآن بخروج مجموعة من الطلاب من الجامعة، لكن الحوار يختلف في المرَّتين بين الطلاب في كلتا المرحلتين؛ فالطلاب الذين خرجوا عند بوابة الجامعة في الرواية يردِّدون: الجامعة لا يجوز أن يُذكر فيها لا الله ولا الهوى.

يقول أحدهم: الجامعة عدوٌّ لله لا للطبيعة.

والحديث يدور في الأساس حول المرأة والجامعة، في فترة لم تكُن البنات قد التحقن بالجامعة بعدُ، ليس هناك زمن محدَّد في الرواية، لكن الفيلم يذكر أننا في عام ١٩٣٣م، ويدور حديث مختلف بين الطلاب كما صورهم الفيلم، حيث يتحدَّث علي طه حول السان سيمونية.

إذن فنحن في عالَم مختلف بالنسبة للكاتب، إنه حول الطلاب الذين يرون أن الخميس عند الطلبة هو يوم المرأة بلا منازع، وفي الحديث نفسه فإن كلًّا من أبطال الرواية يعبِّر عن رأيه في المرأة؛ حيث يرى علي طه أن المرأة شريك في الحياة، وأن تكون المساواة المُطلَقة في الحقوق والواجبات، أما محجوب فيرى أنها صمام الأمان في خزان البخار، وستكون هذه المرأة هي إحسان التي سيحبها كلٌّ منهما، لكنها سوف تتزوَّج بمَن لا تُحبُّ، بمحجوب.

ألغى الفيلم شخصيَّة مأمون رضوان، وركَّز على الثلاثة الآخرين، وأعطى لمحجوب كلمته الدائمة التي يردِّدها «طظ»، وفي الفصل الثاني فإن الكاتب يتيح لكلٍّ منهم أن يعبِّر عن رأيه في الحياة، بعد أن ردَّد كلٌّ منهم رأيه في المرأة، فإذا هم مختلفون، فبينما مأمون مؤمنٌ بالمبادئ التي أنشأها الله عز وجل، فإنه يؤمن بالعلم بدل الغيب، والمجتمع بدل الجنة، والاشتراكية بدل المنافسة، أمَّا محجوب فيرى أن كلَّ شيء «طظ».
في الفيلم تم إلغاء دار الطلبة، كي يجعل الشُّبَّان يعيشون أكثر حرية، وصار مسكن علي طه هو المكان الذي يأتي إليه الأصدقاء، هذا البيت مليء بلافتات وطنية، وصور للزعماء مصطفى كامل، وأحمد عرابي، أمَّا في الفصل «٣» فإن الكاتب يصف دار الطلبة التي تطلُّ على ناصية شارع رشاد باشا، وهي قلعة هائلة ذات فناء مستدير واسع. وقد تحدَّث الكاتب عن مأمون بالمزيد من التفاصيل، وهو الواثق في نفسه والمؤمن بالله، قال عنه طالب: إنه «إمام الإسلام في عصرنا هذا.»
ثُم خصَّص الكاتب الفصل «٤» للحديث عن علي طه الذي خرج إلى عزبة الدقي لمقابلة فتاته، إنها إحسان، حيث يدور حوار مشابه بين الفيلم والرواية، إن التأنُّق ليس مهمًّا، وإن الأفكار أفضل وهو يعيرها كتابًا «الحياة فكر وعاطفة»، ويحدِّثها عن «مجدولين»، و«الأم فرتر»، وأن الامتحان النهائيَّ قد اقترب.
إنها إحسان شحاتة جميلة وفقيرة، وصف لنا الفيلم أمَّها وأباها قبل أن تذهب للقاء حبيبها البخيل الذي لا يشتري لها الملابس، أبوها يدفعها لأيِّ علاقة شريطةَ أن تأتي بالنقود، ونفهم أن الأمَّ عاهرة سابقة، تعيش مع أُسرتها في حضيض الفقر، تردِّد: «لولا الملامة لكنت رجعت الشغل تاني.»
هناك في الفيلم مشهد يوحي أننا في بيت الطلاب، لكنه دون إشارة إلى ذلك؛ فالشباب كلهم ينظرون من النوافذ، ويحسدون علي على حبيبته الجميلة. إنه يوم الخميس الذي يذهب فيه محجوب إلى المومس الفقيرة الدميمة، ليمنحها النقود قبل أن يأخذها إلى مكان في الخرابة لممارسة الحُب.
وفي الرواية فإن الأمَّ كانت من قيان شارع محمد علي قبل أن يتزوَّجها المعلم شحاتة تركي. وقد وصف الكاتب الأُسرة، وهي شديدة القلق على ارتباط ابنتها بشابٍّ فقير، ويصف الكاتب علي بصفاتٍ متميزة: «كان مثالًا طيبًا للروح الاجتماعية الحقَّة.» وقد خصَّص له صفحات مطوَّلة ليصفه، كي يختصره في نهاية الفصل «٤» إلى «فقير واشتراكي، ملحد وشريف، عاشق عذري.»
بعد أن تعود إحسان من لقائها مع حبيبها، فإن الأب يعرض عليها صفقته، وهي ترفض كل عروضه، «الثَّمن غالي يا غالية»، أمَّا الفصل «٦» فإن رسالةً تأتي إلى محجوب أن أباه مريض، فسافر بشكل مفاجئ، وعند القطار يقابل الإخشيدي سكرتير قاسم بك فهمي، إنه ينتظر أن يكون مدير مكتبه، يركب الإخشيدي القطار درجة أولى، ويركب محجوب الدرجة الثالثة، ويتذكَّر رحلة الإخشيدي ابن قريته، حتى صار سكرتيرًا للسياسيِّ قاسم بك. ونعرف أن قرية محجوب تقع في القناطر.

تجاهل الفيلم زيارة محجوب لبيته، لقد عجز أبوه عن النُّطق، إنه شلل جزئيٌّ، وفي الرواية فإن الشابَّ على استعداد لأن يُخضع صِلته بوالديه لفلسفته المدمِّرة التي لا تُبقي على شيء. ونعرف أنه باقٍ على الامتحان خمسة أشهر، ويحاول البحث عن وسيلة لعلاج أبيه، ولعلَّ هذا المرض به تبرير حقيقي لكل الانتهازية التي ظهرت عليه، لكن الفيلم حذف هذه الفصول حول مرض الأب تمامًا، كما حذف الفيلم لقاء محجوب بعلي بعد عودته من القناطر، ويحدِّثه علي عن حبيبته: «ليس الجمال فضيلتها الوحيدة، روحها لطيف، وفؤادها زكي. هذه إحسان.» وفي الفيلم يكتفي محجوب أن يبلغ عليًّا أن أباه مريض، دون تفاصيل، وعندما تمرُّ سيارة تكاد تدهس الفتاة، فإنه يأخذها بين يديه أمام علي، وتحسُّ بعاطفته، وتشدُّ نفسها منه.

تبدو فوارق الأفكار بين الطلبة الأربعة في الفصل «١٠» من الرواية، فمأمون يرى أن الإسلام بلسم لجميع الأزمنة، أمَّا في الفصل «١١» فإن محجوب يترك دار الطلبة، ليؤجِّر حجرة على سطح إحدى العمارات مقابل أربعين قرشًا، وإلى هذا المسكن يأتيه أصدقاؤه، خاصةً أحمد بدير، ويذهب في الفصل «١٣» إلى الزمالك ليقابل سالم الإخشيدي في مكتبه، ويخبره أن أباه أصابه شلل، وأن حالته تسوء، وقبل مغادرته المكتب، يعرِّفه على ابنته وابنه فاضل؛ وهو شابٌّ كرهه من النظرة الأولى لأناقته وجماله ونُبله، يدور بينهم حديث ودِّي غير موجود في الفيلم، ينظر إليه محجوب بشكل انتهازيٍّ قد يستفيد منه؛ لذا سوف يعود مرَّةً أخرى إلى نفس المكان باحثًا عن وظيفة، إلا أن الأبواب تكون مسدودة، يقول له في الفصل «١٦»: «إنك جار قديم وزميل قديم، وملاذنا وقت الشدة. والدي طريح الفراش، ونحن في بأساء، وأنا في أزمة نفسية، فدعني أسألك بعض المعونة.»

ويجد له سالم وظيفة مترجم في «مجلَّة النجمة»، وفي نفس اليوم يذهب إلى مأمون في دار الطلبة، ويمنحه هذا الأخير مبلغًا، وقد ألغى الفيلم كل هذه الأمور، كما ألغى وجود ابني سالم؛ حيث جاءت الابنة بالسيارة حسب الموعد، وحاول أن يقبِّلها إلا أنها غضبت، فخسر تحية وأباها إلى الأبد.

إلغاء هذه الأحاديث في الفيلم، جاء لمصلحة العلاقة التي جاءت بالمصادفة في الفيلم بين قاسم بك وإحسان، فقد مرَّت سيارته قريبًا منها، ورشَّت عليها المياه، وكانت فرصةً للرجل أن يأخذها لشراء ملابس، وأن يذهب بها إلى منزله، وفي الفيلم تبدو إحسان سعيدة، وهي ترتدي الملابس الجديدة لأول مرَّة، لتخرج إليه، ويردِّد: ملكة جمال الدنيا، وفي صحَّتها يتناولان الخمر، ويقبِّلها بما يعني العلاقة التي سوف تتمُّ بينهما، وفي عقب هذه العلاقة تكتب رسالة إلى علي الذي لن تقابله بعد ذلك.

وفي الفيلم أيضًا هناك الحفل الضخم الذي صُوِّر بالألوان، والذي يحضره محجوب كصحفيٍّ مبتدئ، وينظر إلى كل مكان بحقدٍ شديد مردِّدًا: «يا أولاد الكلب!» ثُم يردِّد: «هي دي الدنيا!»

المشهد التالي في الفيلم يدور في مكتب سالم الإخشيدي، الذي يدبِّر لتزويج محجوب من إحسان، إنه لقاء مصادفة، وعليه فسوف يحصل محجوب على الوظيفة والزواج والشقة مجانًا، مقابل أن يظلَّ مع العروس ستَّة أيام، واليوم السابع سيتركه لقاسم بك. يردِّد: الدنيا صغيرة، ويأتي أهل إحسان لحضور القِران من الآنسة إحسان، كريمة المعلم شحاتة تركي، البكر الرشيد، ويردِّد في أعماقه: «يا أولاد الكلب!» وفي الفيلم يجلس العريس كما الثور، ومن ورائه القرون التي توحي أننا أمام «ديوث»، وهذا المشهد الرمزي المباشر غير موجود في الرواية.

في الفصل «١٩» يذهب إلى سالم في بيته بالمنيرة، ويخبره أن توصيته لدى رئيس تحرير النجمة أنقذت حياته، ويسأله مساعدته في الحصول على وظيفة، وقبل خروجه من منزله يقترض منه خمسين قرشًا، وهذا المشهد غير موجود في الفيلم، كما تم إلغاء الفصل «٢٠» الذي تحدَّث فيه علي عن إحسان، وأخبره أنها بدأت تتغير بشكلٍ ملحوظ، وكان الفصلان ٢١، ٢٢ بديلًا عن مشهد الحفل الملوَّن في الفيلم.

في الفصل «٢٢» يبدأ الحديث عن الزواج، وقبل أن يتمَّ الزواج يتعرَّف محجوب على البك، وهذا غير موجود في الفيلم «لن يكلفك الزواج شيئًا، شقة العروس في انتظارك، ما عليك إلا تجديد ملابسك.» إنها إحسان شحاتة، إنها غير الفتاة الطاهرة التي أحبَّها علي طه، فتعاهدا على الحُب والزواج، «وتدور مسألة الزواج في فصول عديدة، تساءل خلالها» كيف وقع هذا، ألم تكن تحبُّ علي طه؟! وقد بدا مشهد الزواج في الفيلم مختصرًا بشدَّة قياسًا إلى الفصول الممتدَّة من الرواية بالكثير من التفاصيل إلى الفصل «٢٨» الذي خرج فيه محجوب إلى مكتبه في الوزارة لاستلام عمله كسكرتير لقاسم فهمي.

في الفيلم فإن إحسان لم تعطِ جسدها إلى عريسها الصُّوري، وقد راحت تبكي، حاول أن يتقرَّب إليها على خلفيَّة من أغنية لعبد الوهاب الموجودة أغانيه في أغلب أفلام محفوظ «الحُب يصعب على الحبيب»، وقد استهلكت ليلة الزفاف وقتًا طويلًا من أحداث الفيلم «ليه عملتِ كده يا إحسان»، فتسأله بدورها: وأنت ليه عملت كده؟ ويردِّد أيضًا: «إحنا شركاء في كل حاجة، حتى الجواز.» أمَّا هذه الليلة فهي لن تتمَّ إلا بعد أن يستلم محجوب وظيفته، وهو الفصل «٣٣» كان يريد أن يتمتع بحياته الاجتماعية على أكمل وجه، وأن يقدِّس مظاهرها الكاذبة التي يُكبِرها الناس جميعًا.

الجدير بالذكر أن محجوب قد نسي أباه تمامًا في كلٍّ من الفيلم والرواية، واهتمَّ بحياته الاجتماعية الجديدة، وفي الفصل «٣٢» تظهر تحية، كما ظهر فاضل الذي نظر إلى العروس بفتور، وقد كذب محجوب في الرواية بشأن أصول زوجته، ومن شدَّة الكذب يقول لامرأته في طريق العودة: «الكذب كلام كالصدق سواءً بسواء، إلا أنه ذو فوائد.»

في الفيلم يبدأ محجوب في تقسيم مرتَّبه الصغير، ويدبِّر جنيهَين لأبيه، لكنه لا يلبث أن يلغي المبلغ، ويرسل خطاب اعتذار للأب المُعافى في الفيلم، وهو المريض بشدَّة في الرواية.

قام السيناريو بتسييس الفيلم مثلما حدث مع رواية «بين القصرين»، حيث صبغ على علي طه الكثير من المواقف الوطنية، ويتحدَّث الشباب المُجاهد عن سقوط حكومة صدقي، ويردِّد الناس بحياة دستور ١٩٢٣م: «تسقط حكومة الخونة»، «نريد حكومة وطنية!» ويشعر علي طه في الفيلم أن التغيرات التي تنبئ باستقالة صدقي باشا أن هذا سقوط لقاسم بك، ويُصدم علي عندما أخبره أحمد بدير بذلك.

في الفيلم أيضًا جاء الأب إلى ابنته إحسان ويطلب المزيد من المصاريف لإخوتها، ويبدو محجوب خائفًا من تغيير الوزارة، وهنا يأتي هاتف يخبر إحسان أن قاسم بك صار وزيرًا للمعارف في الوزارة الجديدة.

وهذه المواقف الوطنية من علي طه غير موجودة في الرواية، لكن هناك حوارًا سياسيًّا بين محجوب وصاحبه: «الحنبلي ينقض وضوءه خيال كلب، والوفدي ينقض وضوءه خيال الظل.» في الرواية تناول محجوب الكثير من الخمر، حيث لم يتمكَّن من لمس زوجته، ويقابل مأمون الذي يخبره أنه تزوج من إحسان، وكان الوداع الأخير.

في الرواية كانت فعلة الزواج هي أكثر ما يؤرِّق محجوب خشيةً من علي طه، وقد ظهر العروسان أمام الناس في الرواية سعيدين، أمَّا حين يشعران جفوة أو برودة فكأس أو كأسان يصلحان ما يوشك أن يفسد. وهما يذهبان إلى حفل عيد ميلاد، ونجح محجوب في تمثيل دوره، وتكرر الخروج، فطابت حياة المجتمع لإحسان، واستهوتها بما فيها من تسلية ومرح، أمَّا في الفيلم فقد ظلَّت إحسان قابعة في البيت حزينة، لكنها في الرواية ظلَّت تغادر بيتها كل صباح عقب خروج زوجها إلى عمله، لدرجة أنها تمنت أن تجوب بلدان الأرض، فيخبرها أن قاسم يذعن الآن لرغباتها، وتراه يتكلم كما يتكلم القوَّادون بيُسرٍ وبغير مبالاة. ويرى نجيب محفوظ أن بطله كان حكيمًا حين قرر أن يخفي تعيينه عن والده. ورجا سالم الإخشيدي ألا يذيع الخبر في القناطر.

في الفصل «٣٨» صار قاسم بك وزيرًا. ويصير الأمر مفرحًا ومقلقًا، فمحجوب يتطلع إلى أن يتولَّى منصب مدير مكتب الوزير، حتى إذا ترك منصبه ضمِن هو درجته، وقد عرف محجوب خبر الوزارة من جريدة الأهرام، ودفع زوجته كي يحصل زوجها على المنصب.
سعت إحسان بالفعل إلى هذا الأمر، وقد تشابهت الأحداث بين الفيلم والرواية في هذا الشأن، وقد تغيَّر الأمر بين محجوب وسالم الإخشيدي في الفيلم، حيث يتعمد أن يضع ساقًا فوق أخرى، ويدفع بقدمه، عن غير عمد، الرجل من أمامه بعد أن صار مديرًا للمكتب، وأعلن أنه لا يمكن أن يتخلَّى عن ثقة الوزير به، وصار محجوب بك عبد الدائم مدير مكتب الوزير، وصار مرتَّبه ٢٥ جنيهًا، وطابت له الحياة، وانتقل في السكن إلى عمارة شليخر، وظهر عفت الذي صار إعجابه بإحسان يزداد يومًا بعد يوم. ومضت أيام تمتع فيها بوظيفته الخطيرة متعةً صافية، وهو الموظف المتعجرف الطاغية، وأحسَّ أنه سوف يظلُّ فقيرًا إلى المال، مهما زادت موارده، في مقابل أعبائه.

في الفيلم، جاءه المنافقون، يقول أحدهم شعرًا، فيردِّد بداخله: «يا ابن الهرمة!» وقد تعرَّض علي طه للضرب من البوليس السياسي، فجاءته إحسان لزيارته، وهي بالغة الأناقة «اتغيرتي خالص!» ويحدِّثها أن رجال البوليس عذبوه لدرجة النزيف، ويسألها سبب الزواج بمحجوب، فتبكي وتردِّد: «ما أقدرتش أقاوم!» ثُم تكمل: «أنا جيت عشان أقول لك، لو كانت حياتي في إيدي، كنت فضلت جنبك على طول. ليا أخوات باعلمهم، باعزلهم عن أمي وأبويا.»

وقد زادت مساحة وجود علي طه، فزملاؤه يخبرونه أن رجال البوليس يطاردونهم، وينصحون بتوقف نشاط إعداد المنشورات، ولا شكَّ أن هذه الإضافات قد حدثت لمناصرة ثورة يوليو، مقابل تشويه سنوات الثلاثينيات السياسية.

أمَّا الفصول الأخيرة من الرواية فقد ظهرت فيها شخصيات جديدة بحكم الحياة الباذخة التي يعيشها محجوب، وقد تمَّ إلغاء هذه الفصول بأحداثها وشخصياتها في الفيلم، على أن يحلَّ مكانها النضال الذي يقوم به علي، خاصةً المشهد النهائيَّ في الفيلم، حيث تقوم الشرطة السرِّية بإطلاق الرَّصاص عليه، وهو يقوم بتوزيع المنشورات، ويحدُث ذلك على موسيقى صفر علي: اسلمي يا مصر إنَّني الفدا.

المشهد الرئيسي في الفيلم والرواية هو الذي قام فيه والد محجوب بزيارته، قبل النزول إلى الشارع لاقتراب حضور قاسم بك، والأب يعاتب ابنه كثيرًا وهو يشاهد البيت، وقد عرفنا في الفيلم أن سالم الإخشيدي، هو الذي أبلغه بحال ابنه، لكنه لم يخبره بالتفاصيل بدليل هذه الدهشات المتتالية: «إني أعجب كيف طابت لك الحياة، وأنت تعلم أن والديك يعانيان الفاقة والجوع والتشريد.»

وعندما يأتي قاسم بك فإن محجوب يدَّعي أنه حموه، ثُم تدخل زوجة الوزير لتصب كل غضبها على الجميع، وتقرع باب الغرفة التي ينام فيها زوجها مع عشيقته، وقد امتلأ الحوار هنا بالسِّباب والشتيمة، سواءً من الزوجة التي أخذت زوجها وخرجت، ويقف الأب مذهولًا في الفيلم، ويردِّد وهو يصرخ: «ح أقول لهم محجوب مات، واندفن، يا خسارة تعبك وشقاك يا عبد الدايم، عليه العوض!» وعقب انصراف الأب؛ يحاول محجوب إقناع زوجته أن المصالح لن تنهزم، وأن قاسم بك سوف يصالح امرأته بالمجوهرات، ويردِّد: مجتمع وسخ، اللي يكسب أوسخ. أمَّا في الرواية فيقول: «لا مفرَّ من التشاؤم؛ فالأمر المؤكَّد أن أحلامنا تبدَّدت، هذه هي الحقيقة.»

في الفصل الأخير من الرواية يجتمع الرفاق الثلاثة؛ علي طه، أحمد بدير، مأمون رضوان، بإدارة مجلَّة «النور الجديد» التي يُصدرها علي طه. ويتمُّ الحديث أن زوجة الوزير تراجعت عن نشر بيان في الصُّحف، وتمَّت استقالة الوزير، وتمَّ نقل مدير مكتبه إلى أسوان بعد أن سُحبت مذكرة ترقيته، ويردِّد علي طه لمأمون الذي يتوقع أن يصير غريمه فيما بعد: «المجتمع الذي نعيش فيه يُغري بالجريمة، بيد أنه يحمي طائفة المجرمين الأقوياء، وينهال على الضعفاء.» وتنتهي الرواية بالأصدقاء الأعداء يتساءلون: «ماذا تخبِّئ لنا أيها الغد؟» في إشارة إلى أننا أمام عمل تحذيريٍّ بمثل هذه الجملة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤