أشهر الجزائر التابعة لدولة اليونان في بحر إيجه

(١) جزيرة مدللي Mitylène

هذه الجزيرة من أعظم وأشهر جزائر بحر إيجه، واقعة على ساحل آسيا الصغرى بين جزيرة «ساقز» جنوبًا وجزيرة «تندوس» (بوزجه) شمالًا، وهي أكبر من رودس، مساحتها ٢٨٧٠ كيلومترًا مربعًا، وعدد سكانها ١٤٠٥٤٠ تقديرًا، وورد ذكرها في أعمال الرسل فصل ٢٠ عدد ١٤، ومن الروايات التي تناقلها المؤرخون عن هذه الجزيرة أنها كانت متصلة ببحر آسيا وانفصلت منه بفعل البراكين التي ثارت في قديم الزمان، ودفعت أمواج البحر الأسود بشدة عظيمة، فطغت على بحر إيجه وخسفت جزءًا منها، وأن الجزر الصغيرة التي في جوارها إنما هي قمم جبالها التي غاصت وقتئذٍ في لجج البحر، ولهذه لجزيرة عدة أسماء، منها «إيسا» Issa وهو اسم أحد مدنها القديمة، سُمِّيت به من إطلاق الجزء على الكل، ولما نزل بها البلاسجة سُمِّيت «بلاسجيا» نسبةً إليهم، ثم سُمِّيت «ماكاري» Macarie باسم أحد ملوكها، ولما خلَفَه في الحكم زوج ابنته ليسبوس Lessbus سُمِّيت باسمه «ليسبوس» وهو الاسم الذي اشتهرت به في عهد اليونان، ومن أسمائها القديمة «هيمرت» Himerte لانهماك أهلها في الترف والخلاعة، و«لاسيا» Lassia لكثرة الغابات فيها، و«أثيويا» Ethiope نسبةً إلى الأمازون الذين حكموها على ما يُظنُّ في قديم الزمان، وأصلهم من إثيوبيا، و«أجيرا» Egira باسم أحد مدنها الشهيرة، واسمها الحديث متيلين Mitylène، ومنه مدللي الذي عرفت به عند الترك.

ويخترق هذه الجزيرة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب سلسلتان من الجبال. وقد اشتهرت باعتدال إقليمها وطيب هوائها وجودة أثمارها. وأهم حاصلاتها العنب والتين والزيتون، وفيها عيون عذبة وغابات واسعة، ومناجم رخام، ويوجد فيها العقيق، وحجر ثمين أسود، يسمى ليسباس نسبةً إليها، وامتازت بخمرها وقد امتدحه الشعراء، وكان يُضرَب به المثل فيقال «خمر لسبوس»، كما يقول العرب «خمرة بابل»، واشتهرت نساؤها بالجمال، وكان فيها هيكل لأبولون، وكانت تجتمع فيه الحسان من ربات الحجال مرة في السنة للمباراة والتنافس بمحاسنهن، ومن حازت منهن قصب السبق على أترابها في هذا المضمار كانت تُكلَّل بإكليل من الغار، وهو رمز الفخر والانتصار.

وفي هذه الجزيرة ينابيع معدنية لها خاصية في شفاء الكثير من العلل والأمراض، بعضها درجة حرارته الطبيعية ٧٦ درجة مئينية (سنتجراد)، وفي هذه الجزيرة آثار قديمة، وقد أصبحت محطًّا لرحال علماء العاديات الذين يَفِدون إليها من جميع أنحاء أوروبا وأمريكا للبحث والتنقيب عما حوته أطلال مدنها القديمة من الآثار النفيسة والذخائر الثمينة، وأقدم هذه المدن كانت بالقرب من المدينة التي تسمى الآن «كاسترو» Castro.

أما تاريخها القديم فهو كغيره من تواريخ المدن القديمة، تحجبه ظلمات القرون الخالية وتغشاه الظنون والأوهام. وأقدم من استوطنها، على ما وصل إليه البحث، هم البلاسجة، وجاء بعدهم الأيوليون، وروى بعض المؤرخين أنه في أثناء حروب طروادة نزل بها عولوس ومن كان معه من اليونانيين، وأن مينيلاس أتى إليها مع ديوميدس بعد تلك الحرب، وهي من الجزائر التي استولى عليها الفرس والرومان والدولة البيزنطية وإسكندر المقدوني، وحكمتها جمهورية البندقية وحكومة جنوى، وأغار عليها العرب وافتتحوها واستولت عليها الدولة العثمانية.

ونبغ في هذه الجزيرة طائفة كبيرة من العلماء والشعراء والفلاسفة والمؤرخين وأرباب الفنون، أشهرهم «بيتاكوس» الفيلسوف، وهو أحد الحكماء السبعة الذين هم أساطين الحكمة، وُلد فيها سنة ٦٤٩، وتُوفِّي سنة ٥٦٩ق.م، و«ثيوفراست» من كبار الفلاسفة، قيل إنه ألَّف نحو ٢٠٠ كتاب في جميع العلوم والفنون، وهيلانيكوس من أشهر المؤرخين، وُلد سنة ٤٩٦، وتُوفِّي سنة ٤١٥ق.م، ومرتيل المؤرخ الكبير، ومن مؤلفاته تاريخ هذه الجزيرة، و«هرمياس» وله تاريخ عن جزيرة صقلية (سيسيليا) من أقدم الأزمنة إلى سنة ٣٧٦ق.م، و«هراقليط» وله تاريخ كبير عن مقدونية، و«ثيوفانوس» وكان مؤرخًا وشاعرًا ومن كبار رجال السياسة، و«خارس» مؤلف تاريخ إسكندر المقدوني، وهو في عشرة كتب، ومن الشعراء الذين نبغوا في هذه الجزيرة «ثرباندر»، وُلد سنة ٦٧٦ق.م، وقد برع في فن الموسيقى، وقيل إنه هو الذي أضاف ثلاثة أوتار إلى العود، وكانت قبلًا أربعة أوتار، و«أريون» من أشهر الشعراء والموسيقيين، و«ألسيه» الشاعر الكبير Alcee الذي افتتن بحب «سافو» Sapho الشهيرة، وهي من أهل هذه الجزيرة، وُلدت سنة ٦٢١ق.م، وتعد أكبر شاعرة على الإطلاق، ولها فنون مبتكرة في النظم والموسيقى، ولشهرتها نقشوا صورتها على بعض المسكوكات، ووضعوا تمثالها في أحد الهياكل وسموها بنت أبولون العاشرة؛ لأنه كان له تسع بنات، هن ربات الفنون الجميلة، وممن اشتهروا في الحفر والتصوير «ليسباتينوس»، وهو من أهل هذه الجزيرة.

(٢) جزيرة ساقز Chio

من أسمائها القديمة «أوفيوزا» ومعناه جزيرة الحيات؛ لأنها كانت كثيرة الحيات قبل استعمارها «وبيتيوزا» نسبةً إلى شجر الصنوبر؛ لأنه كثير فيها، و«أثاليا» لحرارة إقليمها، أما الاسم الذي اشتهرت به هذه الجزيرة فهو «كيو» Chio، وهو مختزل من اسم Chione، بنت «أونوبيون» أول ملوكها، وقيل إنها سُمِّيت باسم ابنها من زوجها أوريون، وكان اسمه «كيو» ومعناه الثلج؛ لأنه وُلد في يوم قرٍّ، وذهب بعضهم إلى أنه لفظة سريانية معناها المصطكى لكثرتها في هذه الجزيرة، كما سماها الترك «ساقز» والعرب «جزيرة المصطكى».

وقد اشتهرت هذه الجزيرة بطيب هوائها وخصوبة تربتها وجمال مناظرها، وفيها مناجم حديد وأنواع من المرمر النفيس المختلف الألوان، وحجر اليشب، وأهم صادراتها العنب والتين والبرتقال والليمون واللوز والمصطكى والحرير والصوف والزيت والنبيذ، وهي من المدن السبع التي زعمت أنها مسقط رأس هوميروس، أكبر شعراء اليونان، وهذه المدن هي: أزمير، وقولوفون، وسلامين، وأرغوس، ورودس، وأثينا، وساقز.

وقد اشتهر نساء هذه الجزيرة بالجمال، ونبغ فيها كثير من الفلاسفة والعلماء والشعراء والمؤرخين، وكان فيها مدرسة مشهورة، ومكتبة تحتوي على ١٢٠٠٠ مجلد من أنفس الكتب، وعلى نقودها القديمة صورة أبي الهول ذي الجناحين وأمامه عنقود عنب أو إناء خمر، وهما رمز الخصب والنماء. وأقدم من استوطنها من الأمم طائفة البلاسجة، وقد وفدوا إليها من تساليا. ودلت الآثار على أن الفينيقيين استعمروها في قديم الزمان. وفي أواسط القرن الثاني عشر قبل المسيح استوطنها اليونانيون. وهي من الجزائر التي استولى عليها الفرس في عصر داريوس، وبقيت في حوزتهم إلى أن افتتحها إسكندر المقدوني في سنة ٣٣٣ق.م، وآل أمرها إلى خلفائه من بعده، ثم استولت عليها الدولة الرومانية، ووقعت فيها حروب كثيرة وتداولتها فيما بعدُ أيدي الدول التي حكمت هذه الجزائر، مثل جمهورية البندقية وحكومة جنوى، ثم استولت عليها الدولة العثمانية، وفي سنة ١٥٩٥م، أرسل فرديناند أمير توسكانا إلى هذه الجزيرة أسطولًا كبيرًا بقيادة الأميرال الشهير فرجينيو أورسينو، فحاصرها واستولى عليها، وفي أثناء ذلك هبت عاصفة شديدة ألجأته إلى الرحيل، فترك في قلعتها ٥٠٠ رجل، وعاد بالأسطول فهجم الترك على هؤلاء الرجال، وأعملوا فيهم السيف حتى أفنوهم عن آخرهم، وعلقوا رءوسهم فوق أسوار المدينة، وفي سنة ١٦٩٤ استولت عليها جمهورية البندقية، ثم عادت إلى الدولة العثمانية، ويبلغ عدد سكانها بوجه التقريب ٧٤٠٠٠ نفس.

(٣) جزيرة ليمنى Lemnos

سُمِّيت قديمًا «أثاليا» ومعناه الملتهبة؛ لوجود بركان فيها، و«ديوسبوليس» أي ذات المدينتين؛ لأنه كان فيها مدينتان مشهورتان هما «هيفاستيا» و«ميرين»، ومن أسمائها «هيبسبيل»، وهو اسم بنت «ثولس» أحد ملوك هذه الجزيرة و«فولكانيا» نسبةً إلى «فولكان» إله الجحيم، وهي من أكبر جزائر بحر إيجه، ومساحتها ٦٠٠ كيلومتر مربع، وعدد سكانها ٢٩٠٠٠ تقديرًا، وهي واقعة شرقي الجبل المسمى «أجيُّوس أوروس» أي الجبل المقدس، من جبال الروم إيلي وهو المشهور في كتب الجغرافية باسم «جبل أثوس»، وقبيل الغروب يمتد ظل هذا الجبل وينتشر على الجزيرة لارتفاعه ووقوعه غربيها، وكان في هذه الجزيرة تيه (لابرنت) وهو سرب تحت الأرض متشعب المسالك، وكان يوجد مثله في مصر وإيطاليا وجزيرة إقريطش (كريد)، وقال بلينوس إن لابرنت جزيرة ليمنوس يمتاز عن نظائره الثلاثة بمتانة بنائه، ووجود ١٥٠ عامودًا فيه، وقد درست معالمه ولم يبقَ له أثر الآن.

وفي هذه الجزيرة عيون معدنية حارة درجتها الطبيعية من ٣٨ إلى ٤٠ درجة مئينية (سنتجراد) ولها خواص في شفاء الأمراض الجلدية والعصبية.

(٤) جزيرة بوزجه Tenedos

ورد ذكر هذه الجزيرة في أشعار هوميروس وفرجيليوس، وكانت تسمى قديمًا «ليرنيسوس» و«فينيقه»، وهذا الاسم يدل على أن الفينيقيين وفدوا عليها، واستعمروها في قديم الزمان، وسُمِّيت «تندوس» باسم «تنيس» أحد ملوكها القدماء، وقيل إنه كان من ملوك صيدا في القرن الرابع عشر قبل المسيح، وهذه الجزيرة واقعة تجاه بوغاز الدردنيل الذي يصل بحر مرمره ببحر إيجه؛ ولذلك سماها الترك «بوغاز آطه سي» أي جزيرة البوغاز، وهي صغيرة ومستطيلة الشكل طولها ٩ كيلومترات، ومتوسط عرضها ٥ كيلومترات، وأهم حاصلاتها العنب، واشتهرت قديمًا بخمرها، وعدد سكانها ٦٠٠٠ نفس تقديرًا، وكان فيها مدينة عامرة تسمى «أيوليس»، أو «أيوليكا»، ومعبد عظيم لأبولون، وهي من الجزر التي استولى عليها الفرس وإسكندر المقدوني والرومان والعرب وأمراء البندقية، ثم افتتحها السلطان محمد الفاتح، وفي سنة ١٦٥٦م عادت إلى حكم البندقية، وفي سنة ١٦٥٧ استرجعتها الدولة العثمانية، وبقيت في حوزتها إلى أن احتلتها اليونان، وعدد سكانها ٦٠٠٠ نفس بوجه التقريب.

(٥) جزيرة قاريوط Icaria

سُمِّيت أولًا «إيكاروس» ثم «إيكاريا» أو «نيكاريا» نسبةً إلى «إيكار» ابن «ديدال»، وورد في الميثولوجيا (أساطير اليونان) أن «ديدال» كان مهندسًا بارعًا، وهو الذي بنى في جزيرة إقريطش (كريد) اللابيرنت (التيه) المشهور، وتطلق لفظة ديدال مجازًا في أكثر اللغات الإفرنجية على أي طريق ذي شعاب، أو أي مأزق أو مضيق، ومن أسمائها القديمة «إيكتيسيا» أي جزيرة السمك، وهي واقعة غربي جزيرة ساموس (سيسام)، وهي صخرية وتخترقها طولًا سلسلة جبال، وفيها غابات صنوبر وبلوط ومناجم ذهب وينابيع معدنية، وقد اشتهرت بطيب هوائها واعتدال إقليمها، وليس لها شأن يذكر في التاريخ، وهي من الجزائر التي استولى عليها الفرسان (الشفاليه)، وبقيت في حوزتهم إلى أن افتتحتها الدولة العثمانية، واشتُهر أهلها في الملاحة وصيد الإسفنج، ويُجلَب منها الفحم المشهور بالقاريوطي نسبةً إليها.

(٦) جزيرة أمبروز Imbros

وسُمِّيت في بعض الكتب «لمبروس»، وهي جزيرة صغيرة مستطيلة الشكل، واقعة شمالي جزيرة «تندوس» (بوزجة)، طولها نحو ٣٠ كيلومترًا، ويختلف عرضها باختلاف شكلها، ومعظمه طوله ١٦ كيلومترًا، وهي صخرية وفيها معادن ذهب ورصاص ومناجم فحم حجري وآثار قديمة، وعدد سكانها ٥٠٠٠ نفس بوجه التقريب.

(٧) جزيرة إبصاره Ipsara

ورد ذكرها في الكتب القديمة باسم «بسيرا» وسماها هوميروس «بسيريا»، ثم عُرفت باسم إبسارا أو بسارا، والترك يكتبونها «إبصاره»، وهي جزيرة صغيرة واقعة شمالي جزيرة ساقز، وغربيها جزيرة أصغر منها تسمى «أنتي بسارا»، وبعض جزر أخرى صغيرة، وهي معتدلة الإقليم طيبة الهواء، وعدد سكانها ٥٦٠ تقديرًا.

(٨) جزائر فورنوز Fournis

واقعة بين جزيرة قاريوط وجزيرة ساموس (سيسام)، وهي عدة جزائر صغيرة ليس فيها ما يهم ذكره، وتقتصر صناعة أهلها على تربية الأغنام وعمل الفحم والجبن وصيد السمك، وفيها معادن رخام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤