الرَّقص وآلاتُهُ

الرقص: الدك، وصوابه: الدكر، وهو: رقص أو لعب للزنج أو الحبش إلخ، كما ذكر في «المقتبس» (ج١ أوائل ص٤٣٨): ومن آلات الرقص: الكرَّج، ففي «المخصص» الكرَّج كقبر: المهر.

وفي اللسان: الكرَّج الذي يُلعب به، فارسي معرب، وهو بالفارسية كرَّه، قال الليث: الكرَّج دخيل معرب، لأ أصل له في العربية.

قال جرير:

لبستُ سلاحي والفرزدق لعبة
عليها وشاحا كرَّج وجلاجله

وقال:

أمسى الفرزدق في جلاجل كرَّج
بعد الأخيطل ضرة لجرير

وفي «اللسان»: «الكرك هو: الكرَّج الذي يلعب به.»

وفي «القاموس»: «الكرَّك، كدمل: لعبة للعرب، وفيه: الكركي.» وفي شرحه: هو الكرَّج الذي يلعب به.

وفي «المثالث والمثاني» (رقم ٨١٦، شعر، ص٣٠): مقطوع لصفيِّ الدين الحِّلي في «رقص القيان» قال:

بحر من الحسن لا ينجو الغريق به
إذا تلاطم أعطاف بأعطاف
ما حركته نَسيم الرقص من مرح
إلا وماجت به أمواج أرداف

وقال هارون بن علي المنجم في راقصة:

غصنٌ على دعص نقا منهال
سعى بكأس مثل لمع الآل
وفاتنات الطرف والدلال
هيف الخصور رجَّح الأكفال
يأخذن من طرائف الأرمال
ومحكم الخفاف والثقال
تجري مع الناس بلا انفصال
مثل اختلاط الخمر بالزلال
تدعو إلى الصبوة كل سال
تصرع كل فاتك بطال
بين حرام اللهو والحلال
أكرم من مصارع الأبطال

وفي «الأغاني» (ج١٦ ص١٣٦): كون دنانير مولاة البرامكة ألفت كتابًا في الأغاني، وأنها كانت تجيد الرقص.

(١) رقص الرشيد لغناء أخته

في «الأغاني» (ج٩ ص٩٢): قصة رقص الرشيد لغناء أخته علية.

قال المؤلف: أخبرني عبد الله بن الربيع قال: حدثني أحمد بن إسماعيل عن جعفر بن يحيى بن خالد قال:

شهدت أبا جعفر وأنا صغير، وهو يُحدِّث يحيى بن خالد جدي، في بعض ما أخبره به من خلواته مع الرشيد، قال: يا أبت، أخذ بيدي أميرُ المؤمنين، ثم أقبل على حجرة يخترقها حتى انتهى إلى حجرةٍ مغلقة، ففُتحت له، ثم رجع من كان معنا من الخدم، ثم صرنا إلى حجرةٍ مغلقة، ففتحها بيده ودخلنا وأغلقها من داخل بيده، ثم صرنا إلى رواق ففتحه، وفي صدره مجلسٌ مغلق فقعد على باب المجلس، ونقر الباب بيده نقرات، فسمعنا حسًّا، ثم أعاد النقر فسمعنا صوت عود، ثم أعاد النقر ثالثة فغنَّت جارية ما ظننت والله أن الله خلق مثلها في حسن الغناء وجودة الضرب.

فقال لها أمير المؤمنين بعد أن غنت أصواتًا: غنِّي صوتي، فغنت صوته وهو:

ومخنث شهد الزفاف وقبله
غنى الجواري حاسرًا ومنقَّبا
لبس الدلال وقام ينقر دفَّه
نقرًا أقرَّ به العيون وأطربا
إن النساء رأينه فعشقنه
فشكون شدة ما بهن فأكذبا

في هذا اللحن «خفيف رمل» نسبه يحيى المكي إلى ابن سريج ولم يصح له، وفيه «خفيف ثقيل» في كتاب علية أنه لها، وذكر عبد الله بن محمد بن عبد الله الزيات أنه لريِّق، واللحن مأخوذ من: «إن الرجال لهم إليك وسيلة» وهو «خفيف ثقيل» للهذلي، ويقال: إنه لابن سريج، وهو يأتي في موضعٍ آخر.

قال: فطربت والله طربًا هممت معه أن أنطح برأسي الحائط، ثم قال الرشيد: غنِّي «طال تكذيبي وتصديقي»، فغنت (صوت):

طال تكذيبي وتصديقي
لم أجد عهدًا لمخلوق
إن ناسًا في الهوى غدروا
حسَّنوا نقض المواثيق
لا تراني بعدهم أبدًا
أشتكي عشقًا لمعشوق

لحن عليَّة في هذا الصوت هزج، والشعر لأبي جعفر محمد بن حميد السوسي، وله فيه لحن «خفيف ثقيل»، ولعريب فيه «ثقيل أول»، و«خفيف ثقيل» آخر.

قال: فرقص الرشيد، ورقصت معه، ثم قال: امضِ بنا فإني أخاف أن يبدو منا ما هو أكثر من هذا، فمضينا، فلما صرنا إلى الدهليز، قال وهو قابض على يدي: أعرفت هذه المرأة؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين، قال: فإني أعلم أنك ستسأل عنها ولا تتكتَّم ذلك، وأنا أخبرك أنها «علية بنت المهدي» ووالله لئن لفظت به بين يدي أحدٍ وبلغني لأقتلنك.

قال: فسمعت جدي يقول له: فقد والله لفظت به، ووالله ليقتلنك، فاصنع ما أنت صانع.

(٢) عمل العود ووصفه وما قيل فيه

العود: آلة من المعازف، وضاربها: عواد.

في الأغاني (ج٨، ص١٨٨-١٨٩): سائب خاثر هو أول من عمل العود بالمدينة وغنى بالعربية الغناء الثقيل.

وفي (ج٩ منه ص٥١): طبقة العود، والإسجاح، وإسجاح الإسجاح، وهذه من اصطلاحات الغناء إلخ.

وفي «خلاصة الأثر» (ج١، ص٣٢٩-٣٣٠): العود: مقطعات فيه.

قال أحد الشعراء:

سقى الله أرضًا أنبتت عودك الذي
ذكت منه أنفاس وطابت مغارس
تغنَّت عليه الورْق والعود أخضر
وغنت عليه الطير والعود يابس

وفي «نهاية الأرب» (ج٥، ص١٢٢–١٢٥): ذكر ما قيل في وصف آلات الطرب — فمن ذلك ما وصف به العود، نظم أبو الفتح محمود المعروف بكشاجم — قول الحكماء: العود مركب على الطبائع الأربعة، فقال:

شدتْ فجلتْ أسماعنا بمخفف
يحدِّثها عن سره وتحدثه
مشاكلة أوتاره في طباعها
عناصر منها أحدث الخلقَ محدثه
فللنار منه الزير، واليمُّ أرضه
وللريح مثناه، وللماء مثلثه
وكل امرئ يرتاح منه لنغمة
على حسب الطبع الذي منه يبعثه
شكا ضرب يمناها فظلَّت يسارها
تطوِّقه طورًا وطورًا ترعِّثه
فما برحتْ حتى أرتنا (مخارقًا)
يجاوبه في أحسن النقر عثعثه
وحتى حسبت (البابليين) ألقيا
على لفظها السحر الذي فيه تنْفُثه

وقال آخر:

جاءت بعود تناغيه فيسعدها
انظر بدائع ما تأتى به الشجر
غنت على عوده الأطيار من طرب
رطبًا، فلما ذوى غنت به البشر
فلا يزال عليه أو به طرب
يهيجه الأعجمان: الطير والوتر

وقال آخر:

لا تحسب العود إن غنتك شادنة
جاءتك بالطيف فيه نغمة الوتر
وإنما الطير ألقت عنده خبرًا
فعذَّبوه فنم العود بالخبر

وقال آخر وهو ابن الرومي:

فكأنه في حجرها ولد لها
ضَمَّتْهُ بين ترائب ولبان
طورًا تدغدغ بطنه فإذا هفا
عركتْ له أذنًا من الآذان

وفي «حلبة الكميت» (ج٥، ص١٦٠): «فأتى بعودٍ جديد فكساه، أي: شد أوتاره عليه.»

قال الناجم:

إذا احتضنت عودها (عابث)
وناغتْه أحسن أن يُعربا
يُدَغْدِغ في مهلٍ بطنه
فيسمعنا مضحكًا معجبًا

وقال الحمدوني:

وناطق بلسان لا ضمير له
كأنه فخِذٌ نيطتْ إلى قدَمِ
يبدي ضمير سواه في الحديث كما
يبدي ضمير سواه الخطُّ بالقلم

وقال كشاجم:

جاءت بعود كأن نغمته
صوتُ فتاة تشكو فراق فتَى
مخفَّف خفَّت النفوس به
كأنما الزهر حوله نبتا
دارت «ملاويه» فيه واختلفت
مثل اختلاف الكفين شُبِّكتا
لو حركته وراء منهزم
على بريد … لعاج والتفتا
يا حسنَ صوتهما كأنهما
أختان في صنعةٍ تراسلتا
وهو — على ذا — ينوب إن سكتت
عنها، وعنه تنوب إن سكتا

وقال أيضًا:

وجارية مثل شمس النهار
أو البدر بين النجوم الدراري
أتتك تميس بقَدِّ القضيب
وترنو بعين مهاة القفار
وترفل في مصمتٍ أبيض
تلوَّن من خدها جلَّناري
وتحمل (عودًا) فصيح الجواب
يشارك أرواحنا في المجاري
له عنقٌ كذراع الفتاة
و (دستانة) بمكان السوار
فجادت عليه وجادت له
بعسف اليمين، ولطف اليسار
فما أمهلتْه ولا نهنهته
من الظهر حتى تقضَّى نهاري
ولما تغنَّت غناء الوداع
بكيت وقلت لبعض الجواري
لئن عشت عند هَزار اللقاء
لقد متُّ عند هَزار الإزار

وقال أيضًا:

وكثيرة النغمات تحسبها
في كل عضو أوتيتْ حلْقًا
غنتْ فظِلْتُ إخالني طربًا
أسمو إلى الأملاك أو أرقَى
وتكلمتْ أوتارها … فأنا
فيها أخبر بالذي ألقَى
تحكي أنيني وهي شاكية
مما أجنَّ وتشتكي عشقًا
وترى لها عودًا تعانقه
وكلامه وكلامها وفقا
لو لمْ تحرِّكه أناملها
كان الهواء يفيده نطقًا
جسَّتْه عالمة بحالته
جسَّ الطبيب لمدنف عِرقا
فحبست يمناها تحرِّكه
رعدًا، وخلت يسارها برقًا

وقال أيضًا:

تميس من الوشي في حلة
تجرجر من فضلِ أذيالها
وتحْمل عودًا فصيح الجواب
يضاهي اللحون بأشكالها
له عنقٌ مثل ساق الفتاة
ودستانة مثل خلخالها
فظلَّت تطارح أوتاره
بأهزاجها وبأرمالها
وتعمل جسَّا كجَسِّ العروق
وتلوي الملاوي بأمثالها

وقال ابن الوردي مقتبسًا:

عوادة عوَّاده
بالنغم الملذَّذِ
قالت لنا أوتارها
(أنطقنا الله الذي)

وفي المعنى قول آخر:

عجبي لهذا العود لا
ينفكُّ عن غرد الأوانس
غنَّت عليه الطير رطبـ
ـًا والغواني وهو يابس

وللصفي الحلي فيه:

عود حوتْ في الروض أعواده
كلَّ المعاني وهو رطبٌ قديمْ
فحاز سجع الورق في شجوها
ورقَّة الماء ولطف النسيمْ

وقال ابن تميم في «عوادة»:

جاءت بعود كلما لعبتْ به
لعبتْ بيَ الأشواق والتبريحُ
غنَّتْ فجاوبها ولم يك قبلها
شجر الأراك مع الحمام ينوحُ

وقال فيه أيضًا:

وعودٍ به عاد السرور لأنه
حوى اللهوَ قدمًا وهو ريَّانُ ناعمُ
يغرد في تضريبه فكأنه
يعيد لنا ما لقَّنته الحمائم

وقال ابن الحجاج في «العودية»:

هذا ومحسنة بالعود عاشقها
بذلك الطيب في الإحساس مسرور
إذا انثنتْ ثم غنَّتْ خِلتَ قامتها
غصنًا عليه قبيل الصبح شحرور

وقال الصفدي مضمنًا فيه:

جسَّتْ مثاني عودها بأنامل
عبثت بلب الخاشع المتورِّع
وشدت فلو شاءت عذوبة لفظها
عطفت عنان البارق المتسرع
وعجبت من ريح الصبا إذ لم تقف
طربًا ولكنْ ما لها أذنٌ تعي
أبصرتِ يا عينيَّ ما لم تبصري
وسمعتِ يا أذنيَّ ما لم تسمعي

وقال ابن تميم في عوادة:

وفتاةٍ قد راضت العود حتى
عاد بعد الجماح وهو ذلولُ
خاف من عرْك أذْنه إن عصاها
فلهذا كما تقول … يقولُ

وقال آخر وأجاد:

أشارت بأطرافٍ لطاف كأنها
أنابيب دُرٍّ قمِّعَتْ بعقيق
ودارت على الأوتار جسًّا كأنها
بنان طبيب في مجس عروق

وقال آخر في مغنٍّ عواد:

فتن الأنام بشدوه وبعوده
شادٍ تجمَّعت الفضائل فيه
حتى كأن لسانهُ بيمينه
وكأن ما بيمينه في فيه

وقال الشيخ برهان الدين القيراطي فيه مضمنًا:

سمعت أوصاف عواد طربت لها
فبتُّ أنشد إسرارًا وإعلانًا:
«يا قوم أذني لبعض القوم عاشقة
والأذن تعشق قبل العين أحيانًا»

وله فيه:

يا صاح قم فالكأس صح مزاجها
ووفتْ لكَ الأيامُ بالمقصود
والعود لاطفهُ طبيبٌ بالغنا
دربٌ إذا ما جسَّ نبضَ العود

وقال فيه:

أقول إذْ جسَّ عودًا مطربٌ حسنٌ
يريك يوسف في أنغام داود
من حُسن وجهك تضحى الأرض مشرقة
ومن بنانِك يجري الماء في العود

وله فيه:

قلت إذْ حرَّك عودًا
عارفًا بالنَّغمات
أنت مفتاح سروري
يا سعيد الحركات

وقال فيه مضمنًا:

يا صاح قد نطق الهزار مؤذنًا
أيليق بالأوتار طول سكاتها
أمحرِّك الأوتار إن نفوسنا
سكناتها وقف على حركاتها

وقال ابن نباتة فيه مضمنًا:

تكاد تنبت عيدانًا يوافقها
شادٍ يوافقه في نطقه الوتر
درَى الأصول وأدَّاها بنغمته
إن الأصول عليها تَنبتُ الشجر

وله فيه مضمنًا:

غنَّى على العود شادٍ سهم ناظره
أمسى به قلبي المضْنيَ على خطر
دنا إليَّ وجستْ كفه وترًا
فراحت الروح بين السهم والوتر

وقال أبو عبد الله:

تناسبَ فيمن تعشَّقته
ثلاثةٌ تعجب كلَّ البشر
من مقلةٍ سهمٌ، ومن حاجب
قوسٌ، ومن فمِه صوت وتر

وقال بدر الدماميني:

يا عذولي في مغنٍ مطربٍ
حرَّك الأوتار لما سفرا
ثم هزَّ العطف منه طربًا
عند ما تسمع منه وترًا

وقال القيراطي يهجو عوادًا:

عوادكم منطقه خارجٌ
وضربه ضربٌ من الجبْنِ
وعوده في الكفِّ من قبحه
ما زال مثل العود في العين

وللقيراطي فيه أيضًا:

لا عاد عواد غدًا بيننا
فالأنس والراحة في بينه
في يده عود أعيذ الورى
منه فليت العود في عيْنه

وقال المصيصي الخياط فيه:

وإذا تربَّع لا تربَّع بعدها
وغدا يحرك عوده متقاعسًا
فكأن جرذان المدينة كلها
في عوده يقرضن خبزًا يابسًا

وفي «عيون الأنباء» (ج١، أول ص١١٠): «كان الحارث بن كلدة يضرب بالعود.»

(٣) تفصيل الدور وصنعته

في اللغة صوت فيه دورٌ كثير، أي: صنعته كثيرة.

وفي «الأغاني» (ج١، ص٦): تفصيل الدور وصنعته، قال المؤلف: أخبرني الحسن بن علي الأدمي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق، قال: حدثني أبو ثوابة صالح بن محمد، قال: حدثني محمد بن جرير المغني، قال: حدثني إبراهيم بن المهدي أن الرشيد أمر المغنين أن يختاروا له أحسن صوت غُني فيه، فاختاروا له لحن «ابن محرز» في شعر نصيب:

أهاج هواك المنزل المتقادم
نعم، وبه ممن شجاك معالم

ثم قال: وفيه دورٌ كثير، أي: صنعةٌ كثيرة. والذي ذكره أبو أحمد يحيى بن علي أصح عندي، ويدل على ذلك تباين ما بين الأصوات التي ذكرها، والأصوات الأخرى في جودة الصنعة، وإتقانها وإحكام مباديها ومقاطعها، وما فيها من العمل، وأن الأخرى ليست مثلها، ولا قريبة منها.

وأخرى: أن جحظة حكى عمن روى عنه أصواتًا لإبراهيم الموصلي، وهو أحد من كان اختار هذه الأصوات للرشيد، وكان معه في اختيارها إسماعيل بن جامع وفليح، وليس أحد منهما دونه إن لم يفقه، فكيف يمكن أن يقال: إنهما ساعدا إبراهيم على اختيار لحن من صنعته في ثلاثة أصوات اختيرت من سائر الأغاني وفضلت عليها؟ ألم يكونا — لو فعلا ذلك — قد حكما لإبراهيم بالحذق والتقدُّم والرياسة عليهما، وليس هو كذلك عندهما؟

وفي «الأغاني» (ج٨، ص١٧٤): دعوه ثم غنوا دورًا آخر، أي: مرة ثانية.

(٤) الدرادك والدفوف

الدرادك: الدفوف الكبيرة، جاء في «المنهل الصافي» (ج١، ص٦٤٤): «ودارَ جوارٍ في شوارع القاهرة بالدرادك، وأبكينَ الناس.»

ويظهر أن الدرادك: دفوف النواحة، ولعلَّ الفرق بين دفوف الأفراح ودفوف النواحة أنَّ الأولى صغيرة، والثانية كبيرة، ويرادفها: الدفُّ المسمَّى بالبندير ونحوه.

الدف: من آلات الطرب وهو معروف عند العامة بالطار.

وقال سيف الدين المشد في (دُف):

وطَاريَّةٍ قرَعتْ طارَها
وغنَّتْ عليْه بصوتٍ عجيبْ
فعاينْتُ شمسَ الضحى أقبلتْ
وبدرٌ تقدَّمَها عنْ قَرِيبْ

(٥) مقطوعات في «القانون» وضاربه

وقال الصفدِي فيمن يضرب بالقانون:

لِي مطربٌ كملَتْ جميعُ صِفاته
متَأدِّبُ الحركاتِ والتسكين
فإذا دعاهُ لمجلسِ نُدَماؤُهُ
يأتي ويجلسُ فيه بِالقانونِ

وقال القاضي فتح الدين بن الشهيد: تورية في (قانون) الغناء:

غنَّى على القانونِ حتى غدا
مِنْ طربٍ يهتزُّ عِطفَ الجليس
فحنَّت الأرواح من شَدْوِهِ
إلى أنيس يا لهُ مِنْ أنيسْ
داوَى قلوبًا من غليل الأسَى
وكان فيها من هواهُ رَسيسْ
فصاحت الجلَّاسُ عجبًا به
يا صاحبَ القانون أنت (الرئيس)

وفي آخر (ص٩٩): وقال آخر فيه أيضًا:

أهوَى رَشا أسمعنا القانونَا
من حاجبه الأزجِّ ألقى نونا
أقسمتُ بمن في اليمِّ ألقى نونا
أعيَا مرضِي بقرَاطَ والقانونا

(٦) الكمنجا والرباب

في «صبح الأعشَى» أواخر (ص٣٨٠): «الكمنجا: آلةٌ موسيقية وإنها نوع من الرباب.»

وفي «حلبة الكميت» (ص١٧٤): مقطوعات في «كمنجة»، وقال الشيخ شهاب الدين بن حجر في جارية تضرب بالكمنجا:

ما بالها هجرت وكم قد مرَّ لي
منها الرضا في سالف الأعصار
وقضيت منها إذ شدتْ بكمنجة
ما بين سالف نغمة، أو (طارى)

وقال الشيخ شمس الدين النواجي مؤلف كتاب «حلبة الكميت»:

انهض خليلي وبادر
إلى سماع كمنجا
فليس من صدَّ منا
وراح عنا كمن جا

وفي «نشوار المحاضرة» (ص١٩٢): قصة يُفهم منها أنه لا يقال: يضرب بالرباب، بل يقال: يجر، وها هي:

سمعت القاضي أبا القاسم جعفر بن عبد الواحد الهاشمي يقول: كنت بحضرة القاضي أبى عمر بعد قبوله شهادتي بمدة، على خلوة وأنس، فجرى حديث الملاهي، فقلت:

فلان يضرب بالرباب، فصاح عليَّ وقال: ها هو ذا تهزأ بنا، هو ذا تنمس علينا، ما هذا الكلام؟

فقلت: ما هو أيد الله القاضي، فوالله ما أدري أني قلت شيئًا يتعلق بما قاله القاضي! فقال: قولك (يضرب)، كأنك لا تعلم أن الرباب يُجرُّ حتى يجيء صوته ولا يُضرَب به، فحلفت له بأيمانٍ مغلظة أني ما علمت هذا ولا رأيت الرباب قط، فقال: إن هذا آفة، سبيل الصالح أن يعلم طرق الفساد فيجتنبها على بصيرة لا جهل.

فعدت إلى داري فقلت لسائس كان معي: ويلك اطلب لي ربابًا، فطلبه وجاء به فجرَّه بين يدي، فرأيته، وكان ما قاله أبو عمر صحيحًا.

جندرة الصوت: أي تحسينه على ما يظهر، وفي «الأغاني» (ج٥ ص٦٣): جندرة مرتين، وبعده: حسنتها بجندرتك.

وفي «الدرر المنتخبات المنثورة» (ص١٤٠): جندرة وعربيتها: ملزمة، وعند العامة يقال للفظ تتمة إلخ.

(٧) الجغانة وجس الوتر

الجغانة: آلة طرب، ذكرت في بيت (يغني بجفانة).

وفي «ذخائر القصر» لابن طولون (ص٢٢): قصة في «الجغانة» وأنها من آلات الطرب، فقد سُئل المؤلف مرة عن جامع التوبة من أنشأه؟ فقال: أصله كان خانًا يعرف بابن الزنجاري، جمع فيه جميع أنواع الفنون، فهدمه الملك الأشرف موسى بن العادل، وعمره جامعًا، سماه الناس: جامع التوبة، كأنه تاب إلى الله مما كان فيه.

وجرت في خطابته نكتة وهي أن أول من وليها «الجمال البستي» وكان في صباه يلعب «بالجغانة»، ولما كبر عاشر العلماء حتى صار معدودًا في الأخيار.

وفي «الدرر المنتخبات المنثورة» (ص١٣٩): «جغنة، وأن العرب قالت فيها: صغانة».

وفي «العزيز المحلى» (رقم ٦٨٢، أدب ص٢٣١): «القصة وفيها: ويغني بجغانة» وانظر الجغانة في الفارسية، والصغانة في العربية.

الجس: نقر الأوتار بالسبابة والإبهام دون المضراب.

(٨) الجنك وما قيل في صفته

في «ديوان الصبابة» (رقم ١٤٧، أدب ص١٩٤) مقطوعان قد يفهم منهما صفة الجنك ومُنطقته ويقال لها: جنكية.

قال النور الأسعردي في (جنكية):

لبنت شعبان جنك حين تنطقه
يغدو بأصناف ألحان الورى هازى
لاغرْو أن صاد ألباب الرجال لها
أما تراه يحاكي مخلب البازي؟

وقال الصلاح الأربلي، وأحسن ما شاء:

الجنك مركب عقل في تشكله
والرق قلع له الأوتار أطناب
يجري بريح اشتياق في بحار هوى
يؤمُّ ساحل وصل فيه أحباب

(٩) الجادم بوق هندي

في «سلسلة التواريخ» (ص٣٤): ويقال إن لملك الصين من أمهات المداين أكثر من مائتي مدينة، ولكل مدينة ملك وخصي، وتحت كل مدينة مداين، فمن مداينهم «خانفوا» وهي مرسى السفن تحتها عشرون مدينة، وإنما تسمى مدينة إذا كان لها الجادم، والجادم مثل البوق ينفخ فيه، وهو طويل، وغلظه ما يجمع الكفين جميعًا، وهو مطلي بدواء الصينيات، وطوله ثلاثة أو أربعة أذرع، ورأسه دقيق بقدر ما يلتقمه الرجل، ويذهب صوته مدى ميل، ولكل مدينة أربعة أبواب، فعلى كل باب منها من الجادم خمسة تنفخ في أوقات من الليل والنهار، وعلى كل مدينة عشرةُ طُبُول تُضرَب معه، وإنما يفعل ذلك لتُعلَم طاعتهم للملك، وبه يعرفون أوقات الليل والنهار، ولهم علامات ووزن للساعات. اﻫ.

جراد: في «شفاء الغليل» (ص٧٥): «جراد بمعنى مغنٍّ، وهو مأخوذ من الجرادتين إلخ.»

(١٠) الشبابة وهي: الأرغول

الشبابة بالتشديد — عند العامة هي: الأرغول — أي: مزمار من القصب في الريف، ويرادفها الأرغول، ولعله الأرغن.

وفي «المشرق» (ج١٨، ص١٠١٠). «الأرغن واسمه باليونانية وتعريبه الأرغول، ويرادفه: الشبابة.»

وفي «جلوة المذاكرة» للصفدي (ص٤٣): مقطوع في (شبابة)، وبعده مقطوعان آخران.

وفي «نهاية الأرب» (ج٥، ص١٢٥): قال سيف الدين المشد يصف شبابة:

وعارية من كل عيب حبيبة
إلى كل قلب بات بالبين مجروحًا
لها جسد ميتٌ يعيش بنفخة
متى داخلتْه الريح صارتْ به روحًا
تعيد الذي يلقى عليها بلذة
تزيد فؤاد الصبِّ وجدًا وتبريحًا
ويُنطقه السحر الحلال عن الهوى
وتوحي إلى الأسماع أطيب ما يوحى

وفي «مراتع الغزلان» (ص١٢٠): قال ابن قرناص مضمنًا في مليح مشبب:

مشبب بجفاه راح يقتلنا
فإن تداركنا بالنفخ أحيانا
هويت تشبيبه من قبل رؤيته
«والأذن تعشق قبل العين أحيانًا»

وله أيضًا فيه:

علقته مشببًا مهفهفًا
أخضع في حبي له فيشمخ
لا غرْو إن نشبتْ من تشبيبه
نار الهوى، أما تراه ينفخ؟

وله في مليح مشبب:

هويته مشببًا
جماله برَح بي
تيَّم قلبي بالحجاز
من عيون القصَب

وله في مليحين؛ مغنٍّ ومشبب:

مغنيًا … نافسهُ
مشببًا حين جلس
فذاك لان قوله
وذا تكلمْ بنفس

وفي «حلبة الكميت» ص١٦٨: زخمة الشبابة من آلات الطرب أيضًا.

وقال المعمار في «مشبب»:

ومشببٍ أبدَى لنا
قولًا بزخمته القويَّهْ
متغاشمٌ فكأنه
متكلمٌ بالفارسيَّهْ

وفي «المنهل الصافي» (ج٥، ص٢٩٩): قال محمد بن يعقوب بن علي بن محمد بن تميم، يصف رقص الأشجار وغناء الأطيار:

وروضة رقصت أغصانها، وشدتْ
أطيارها، وتولت سقيها السحب
وظل شحرورها الغِرِّيد تحسبه
أسَيْوِدًا زامرًا، مزماره ذهب

(١١) الشبور بوق اليهود

شبور — كتنور — وفي «شفاء الغليل» (ص١٣٠) اسمه أيضًا: القبع، والقثع، والقنع، والصور.

وفي «الروض الأنف» (ج٢، ص١٩): «شبور اليهود، ونادرة الأصمعي وأن القنع أصح من القبع.» وفي «الآثار الباقية» (ص٢٧٥): «نفخ اليهود في البوق والسوافر في أول يوم من تشرين.»

وفي «الحيوان» للجاحظ (ج٤، ص٩): «معنى الشبور وهو: بوق اليهود وما كانوا يفعلونه به — والكلمة بالفارسية مأخوذة من العبرية.»

ولعل أول من انتبه إلى أصل هذه الكلمة هو ابن الأثير في مادة «شبر» ونقل عنه صاحب اللسان، وهي في العبرية: شوفار ومعناه عندهم: البوق الذي يستعمل في الأعياد الكبرى كرأس السنة، والعيد الأكبر عيد الصيام.

فإذا أراد رأس الجالوت أن يحترم كلام رجل منهم نفخوا عليه بالشبور، والمراد برأس الجالوت: رئيس الجالوت، وجاء في «مفاتيح العلوم» للخوارزمي المتوفى سنة ٣٨٧: الجالوت هم الجالية؛ أعني الذين جلوا عن أوطانهم ببيت المقدس، ويكون رأس الجالوت من ولد داودَ عليه السلام، وتزعم عامتهم أنه لا يرأس حتى يكون طويل الباع تبلغ أنامل يديه ركبتيه إذا مدهما، قلت: وهو بالعبرية: روش جالويوت.

(١٢) الشياع: مزمار الراعي

  • الصفارة: هنة جوفاء من نحاس، يصفر فيها الغلام للحمام، وللحمار ليشرب. والصفارة: قصبة من الغاب يُنفَخ فيها فتصفر، انظر الجبرتي (ج٤، ص٧٣): «وسفافيرهم … إلخ.»
  • الصلبوب: المزمار — عند العرب قديمًا — منذ أقدم العصور، ولعله مأخوذ من العبرانيين اليهود الذين خالطوا العرب في العصور الجاهلية الأولى.
  • الصنج: قطعتان من «نحاس» يضرب بإحداهما على الأخرى، وآلة بأوتار يضرب بها. معرب.
  • الصُّور بالضم: القرن ينفخ فيه، وفي مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق (ج٣ ص٥٠): (الصور — للآلة التي ينفخ بها — معرب إلخ).

(١٣) آلات الطرب السبع

في «ابن إياس» (ج٣، ص٢٢٠) قال المؤلف ما نصه: وفي يوم الاثنين ثامن عشر توفيت زوجة المقر الشهابي أحمد بن الجيعان، وكانت جركسية الجنس تدعى «شهددار»، وكانت بديعة في الحسن والجمال، والغنج والدلال، من أجمل النساء حسنًا، ذات طرفٍ كحيل، وخدٍ أسبل، وخصرٍ نحيل، وردفٍ ثقيل، فافتتن بها المقر الشهابي أحمد بن الجيعان حتى شغلته عن تدبير أحوال المملكة، وكادت تُودي بحياته إلى التهلكة، لولا أن تداركته رعايتها لشئونه، وعنايتها بحفظ سر مكنونه، فبدَّدت عن نفسه ما لحق بها من أوهام شكوك الرعية في مجونه، ومما اعترض أحاسيس شجونه، وفوق هذا أنها كانت تحسن الضرب بالسبع آلات المطربة وهي:

(١) الجنك، و(٢) العود، و(٣) الصنطير، و(٤) القانون، و(٥) الدريج، و(٦) الكمنجا، و(٧) الصيني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤