الخدعة!
ألقى «أحمد» بالقنبلة من نافذة المعمل إلى الحديقة في اللحظة المناسبة تمامًا … وما كادَت تلمس الأرض حتى دوَّى انفجار هائل في المكان.
وهتفَت «إلهام» في ذهول: يا إلهي … لو أنكَ تأخرتَ لحظة واحدة في اكتشاف حقيقة هذه القنبلة وإلقائها بعيدًا لكنَّا من ضحاياها!
وصاح «عثمان» في غضب: هؤلاء المجرمون … هل سنظل هكذا ننتظر حِيَلَهم وألاعيبَهم للتخلُّص منَّا؟!
قال «أحمد» مقطِّبًا حاجبَيه: كان علينا اكتشاف حقيقة ذلك الشخص الذي أتى بباقة الورد … ولولا أنني شككتُ فيه … لحدث لنا ما لا يُحمَد عقباه!
واندفع بقية الشياطين؛ «خالد»، و«قيس»، و«ريما» داخلين إلى المعمل وهم يلهثون، وهتف «خالد» يسأل: ماذا حدث، وما سبب انفجار هذه القنبلة؟
أجابه «أحمد»: لقد كانت باقة الورد تحتوي عليها … ولا شك أن مَن حملها إلينا كان أحدَ أفراد هذه المنظمة الجهنمية التي تسعى خلف علمائنا!
ضاقَت عينَا «خالد»، وقال: لقد شككتُ في هذا الأمر بالفعل … ولذلك قمتُ بوضع جهاز لإرسال إشارات في مؤخرة سيارة ذلك المزيف!
هتف «أحمد»: ماذا قلتَ يا خالد؟!
خالد: هذا هو ما حدث بالفعل … وراكبُ تلك السيارة لا يعرف بما فعلتُه … ولا بد أن الجهاز يعمل بصورة جيدة، ويُرسل بإشاراته لتحديد مكان السيارة بداخل باريس!
عثمان: إذن ماذا تنتظر … هيَّا بنا إلى سيارتكم التي تحتوي على جهاز الاستقبال الضوئي لمطاردةِ سيارةِ هذه المنظمة ومعرفةِ مقرِّها.
واندفع الجميع هابطين لأسفل، ولكن «أحمد» صاح في «إلهام»: فلتبقَي مع البروفيسور للطوارئ!
هزَّت «إلهام» رأسَها موافقة … واندفع «أحمد»، و«عثمان» إلى سيارة البروفيسور، والباقون إلى سيارة الشياطين. وبداخل السيارة راح جهاز الاستقبال الضوئي يُرسل نبضاتٍ تُبيِّن مكان سيارة المنظمة …
وهتف «خالد»: إن السيارة تتجه نحو ميدان النجمة!
قيس: إذن، هيَّا بنا.
وانطلقَت سيارة الشياطين إلى الأمام، وخلفها سيارة البروفيسور يقودها «عثمان» وبجواره «أحمد».
وزادَت السيارتان من سرعتهما … ونظر «خالد» في ساعته، وقال: إن المسافة الفاصلة بيننا لا تزيد عن خمس دقائق بالسيارة … أو عشرة كيلومترات.
ولم يكن «قيس» بحاجة لمن يطلب منه زيادة سرعة سيارته؛ فقد كان يقود السيارة بسرعة فائقة، بينما جهاز الاستقبال الضوئي ينبض مشيرًا إلى اتجاه سيارة المنظمة … وقال «خالد»: إن السيارة تتجه خارج باريس.
ريما: هذا أفضل … فهو يُتيح لنا حرية الحركة بصورة أكبر.
وأخيرًا توقَّفَت النبضات الضوئية، فهتف «خالد»: لقد توقَّفَت سيارة المنظمة على مسافة صغيرة من مشارف باريس!
ريما: لا بد أن هناك مقرَّ المنظمة.
قيس: سوف يكون انتقامنا رهيبًا!
خالد: أرجو ألَّا يكونَ رجال المنظمة قد انتبهوا إلى أن القنبلة لم تنفجر بداخل المعمل … حتى تكون مفاجأتُنا لهم صاعقة!
ريما: من المؤكد أن هذه المنظمة لديها إمكاناتٌ هائلة، بدليل امتلاكهم لتلك السيارة التي تحمل أرقامًا دبلوماسية!
خالد: مَن يدري … لعل هناك دولة إرهابية تُساندهم وتقف خلفهم، وهي التي منحَتهم تلك السيارة حتى لا نشكَّ فيها!
وظهرَت مشارف «باريس» … وسيارة الشياطين تندفع بأقصى سرعتها، وخلفها سيارة البروفيسور.
وزادَت الإشارات الضوئية قوة … وأشارت «ريما» إلى منزل خشبي من طابقَين على البعد، وقالت: هذا هو المكان … وهذه هي السيارة الدبلوماسية.
أوقف «قيس» سيارتَه قائلًا: من الأفضل أن نقترب متسللين، ونقتحم المنزل في مفاجأة قاتلة لمن بداخله.
ولكنه ما كاد ينطق بذلك حتى اندفع من خلف المنزل الخشبي عشرة مسلحين بالبنادق الرشاشة … واندفعوا نحو السيارتين وهم يُطلقون نيرانهم الكثيفة.
وهتفت «ريما»: فلنُسرع بالابتعاد يا «قيس»!
وضغط «قيس» على دواسة البنزين، فانطلقَت السيارة تزأر مبتعدةً عن طلقات الرصاص … فقد كانوا صيدًا سهلًا للمسلحين وهم بداخل سيارتهم … وأي رصاصة قد تُصيب خزان البنزين قد تتسبَّب في اشتعال السيارة وتفجيرها. ولم يكن «عثمان» بحاجة إلى نفس التحذير … فانطلق بسيارته مبتعدًا وهو يدور بها بسرعة متحاشيًا طلقات الرصاص …
وفتح «أحمد» باب السيارة، وقفز منه إلى الأرض العشبية، وتدحرج فوقها، ثم اختفى خلف صخرة كبيرة وهو بلا سلاح.
وأوقف «قيس» سيارة الشياطين على مسافة … وقفز منها مع «ريما» و«خالد»، وفعل «عثمان» نفس الشيء وانضم إليهم.
كان الشياطين مسلحين بالمسدسات فقط … وقالت «ريما» في غضب: لا بد أن هؤلاء المجرمين كانوا يراقبون الطريق، فلم نُفاجئهم!
ودوَّى صوتٌ من أحد المسلحين يقول بالفرنسية: من الأفضل لكم أن تستسلموا بدلًا من أن نحصدَكم برشاشاتنا!
وجاوبَته «ريما» بطلقة من مسدسها … فسقط الرجل يتلوَّى من الألم … وبدأت المعركة … كان «أحمد» الأقرب إلى المسلحين، وهو مختفٍ خلف الصخرة … وما كاد يقترب منه أحد المسلحين حتى قفز إليه «أحمد»، وصوَّب له ضربة هائلة أطاحَت بالرجل في عنف شديد إلى الوراء …
والتقط «أحمد» المدفع الرشاش الذي سقط من المسلَّح … وأسرع يحتمي خلف الصخرة مرة أخرى بعيدًا عن طلقات الرصاص التي انهالَت عليه كالمطر.
وصوَّب «أحمد» مدفعه الرشاش، وراح يُطلقه … وأخذ المسلحون يتقهقرون إلى الخلف ليحتموا بالمنزل الصغير …
وأشار «أحمد» لزملائه، وراح الشياطين الخمسة يقتربون محاذرين، وطلقاتُ الرصاص تسقط فوق رءوسهم، ووصل الشياطين أمام أبواب المنزل … ووقفوا متأهبين لاقتحامه، بعد أن احتمى بداخله المسلحون.
وما كاد الشياطين يندفعون داخل المنزل حتى تهاوى سقفُه فوقهم، وانهالَت الأحجار والأخشاب الثقيلة فوق رءوسهم.
وصرخَت «ريما»: إنها خدعة أخرى … دعونا نغادر هذا الجحيم!
وقفز الشياطين في اللحظة المناسبة … وانهار المنزل أمام أعينهم، وقد غطَّاهم الغبار والتراب …
عثمان: لو أننا تأخرنا لحظة واحدة لكان مصيرُنا تحت أنقاض هذا المنزل. وهتف «خالد» في غضب: هؤلاء المجرمون لا تنتهي حِيَلُهم … لقد قاموا باستدراجنا إلى هذا المنزل لكي يهدموه فوق رءوسنا.
تلفَّت «أحمد» حوله، وقال: ولكن أين ذهب المسلحون الذين احتموا بداخل المنزل؟!
قيس: لا بد أن هناك منفذًا سريًّا يؤدي إلى مكان بعيد من هنا!
وبالفعل فما كاد «قيس» ينتهي من عبارته حتى سَمِع الشياطين صوتَ أكثر من محرك سيارة وهو يدور، وعلى البعد شاهدوا أربع سيارات وهي تنطلق مبتعدةً عن المكان حاملةً بداخلها المسلحين.
هتفت «ريما»: دعونا نطارد هؤلاء المجرمين.
واندفع الشياطين نحو سيارتَيهم، ولكن كانت إطارات السيارتَين مفرغة من الهواء بعد أن استغل المسلحون انشغالَ الشياطين عنهم، فقاموا بتفريغ إطارات السيارات …
صاح «عثمان» في غضب شديد: هؤلاء المجرمون … خدعونا مرة أخرى، وأفرغوا إطارات السيارتَين!
ريما: سوف يستغرق إعادة ملئها بالهواء وقتًا طويلًا … ولكن ليس أمامنا غير ذلك!
قال «خالد» في حيرة: ولكن … لماذا تصرَّف المسلحون بهذا الشكل؟! هل كانوا يخشَون من مطاردتنا لهم، فأفرغوا إطارات سيارتَينا؟
لمعَت عينَا «أحمد»، وقال: لا أظن ذلك … بل إن ما حدث جزءٌ من خدعة أكبر … فقد أرسلوا لنا الورود وهم يتوقعون أننا سنكتشف وجودَ القنبلة الزمنية بداخلها، فنسعى إلى مطاردة السيارة الدبلوماسية، وهو ما حدث … وكان هدمُ المنزل فوق رءوسنا لمجرد شغلنا حتى يتمكنوا من تفريغ إطارات سيارتَينا حتى لا نُسرع بالعودة إلى باريس … والبروفيسور «أدهم»!
هتفَت «ريما» في خوف: هل تقصد أن …
قاطعها «أحمد» في ألمٍ قاتل: هذا هو ما حدث بالفعل … لقد استدرجونا إلى هنا لكي ينفردوا ﺑ «إلهام» والبروفيسور، فيقوموا باختطافهما أو قتلهما … على حين نظل نحن هنا عاجزين عن أيِّ فعل، وحتى إذا ما تمكنَّا من إعادة ملء إطارات سيارتَينا بالهواء … فسنصل إلى البروفيسور و«إلهام» متأخرين جدًّا!
وخبط باب سيارته بقبضة رهيبة لشدة غضبه.
ضغط «عثمان» على أسنانه، وهتف في غضب قاتل: إننا لن نقف هنا مكتوفي الأيدي، وسنبحث عن أي سيارة تنقلنا إلى باريس.
واندفع إلى الطريق العام، ولكن … لم تكن هناك أي سيارات مارة في ذلك المكان الريفي …
وأخيرًا … لاحَت سيارة قادمة على البُعد … وهي تقترب ببطء، فاندفع «عثمان» نحوها ليقطع عليها الطريق … شاهرًا مسدسه.
وما كادت السيارة تقترب ويتبيَّن معالمها حتى أصابَته الصدمة بذهول شديد … فقد كانت السيارة القادمة هي سيارة لنقل الخضراوات … يجرُّها حصان هزيل يكاد يسقط على الأرض من شدة الإعياء …