الفصل العاشر

أثر البردة في اللغة العربية

أثرها في الجماهير الشعبية – أثرها في التأليف – أثرها في الدرس – عناية الشعراء بتضمينها، وتشطيرها، وتخميسها، ومعارضتها – ابتكار ابن جابر لفن البديعيات – فضل البردة في نشأة البديعيات ونشر الثقافة الأدبية.

***

يمكن رَجْعُ أثر البردة في اللغة العربية إلى خمس نواحٍ: أثرها في الجماهير الشعبية، وأثرها في التأليف، وأثرها في الدرس، وأثرها في الأشعار، وأثرها في البديعيات.

  • (١)

    أما أثرها في الجماهير الشعبية فواضح جدًّا، ونستطيع الجزم بأن الجماهير في مختلف الأقطار الإسلامية لم تحفظ قصيدة مطولة كما حفظت البردة، فقد كانت ولا تزال من الأوراد: تُقرأ في الصباح، وتُقرأ في المساء، وكنت أرى لها مجلسًا يُعقد في ضريح الحسين بعد صلاة الفجر من كل يوم جمعة، وكان لذلك المجلس رهبة تأخذ بمجامع القلوب، والذي يزور ساحة المولد النبوي بالقاهرة يرى المئات يرتلونها في هيبة وخشوع، وكثير من الناس كانوا يجمعون الأطفال لقراءتها في الجنازات، ومن كتبة الأحجبة والتمائم من يعرف لكل بيت فائدة: فهذا البيت يشفي من الصرع، وذاك ينفع في حفظ المزارع والمنازل من التلف والحريق، وذلك يفيد في الجمع بين النافرين من الأحباب، إلى آخر ما ابتدعوا لها من الفوائد الحسية والمعنوية.

    ومن أدلة هذا الذيوع ما نراه من تعدد الطبعات، فقد طُبعت في فيينا والأستانة، ومكة، وبمباي، وطبعت في القاهرة نحو خمسين مرة، وأكثر الطبعات كُتبت بخط جميل، وحُفظت في رواسم ليُطبَع منها عند الطلب، وهي تُطلَب بالألوف، وفي دار الكتب المصرية نسخ من البردة حُلِّيت كتابتها بالذهب، على نحو ما يصنع المُفتنُّون بنسخ المصحف الشريف.

    والبوصيري بهذه البردة هو الأستاذ الأعظم لجماهير المسلمين، ولقصيدته أثر في تعليمهم الأدب والتاريخ والأخلاق، فعن البردة تلقَّى الناس طوائف من الألفاظ والتعابير غنيت بها لغة التخاطب، وعن البردة عرفوا أبوابًا من السيرة النبوية، وعن البردة تلقوا أبلغ درس في كرم الشمائل والخلال، وكذلك استطاع البوصيري بتصوفه أن يؤثر في الأدب والأخلاق تأثيرًا لا يدرك كنهه إلا من رأى كيف تدور البردة على ألسنة العوام، وكيف تهذب ما انطبعوا عليه من عنجهية الخصال، وليس من القليل أن تنفذ هذه القصيدة بسحرها الأخاذ إلى مختلف الأقطار الإسلامية، وأن يكون الحرص على تلاوتها وحفظها من وسائل التقرب إلى الله والرسول.

  • (٢)
    وأما أثرها في التأليف فيظهر فيما وُضع لها من الشروح، فقد شرحها ابن الصائغ المتوفى سنة ٧٧٦ﻫ، وشرحها علي بن محمد القلصاي — بفتحات — المتوفى سنة ٨٩١ﻫ،١ وشرحها شهاب الدين بن العماد المتوفى سنة ٨٠٨ﻫ، وشرحها الشيخ خالد الأزهري المتوفى سنة ٩٠٥ﻫ، وشرحها علاء الدين البسطامي المتوفى سنة ٨٧٥ﻫ، وشرحها يوسف بن أبي اللطف القدسي المتوفى بعد الألف للهجرة، وشرحها يوسف البسطامي من علماء القرن التاسع، وشرحها ملَّا علي المتوفى سنة ١٠١٤ﻫ، وشرحها شيخ زاده محيي الدين، ولم نعرف تاريخ وفاته، ولكن أقدم نسخة من شرحه يرجع تاريخها إلى سنة ٩٤٩ﻫ، وشرحها جلال الدين المحلي المتوفى سنة ٨٦٤ﻫ، وشرحها محمد بن أحمد المرزوقي المتوفى سنة ٨٨١ﻫ، وشرحها عبد الحق بن عبد الفتاح من علماء القرن الثاني عشر، وشرحها محمد المصري من علماء القرن الحادي عشر، وشرحها ملَّا محمد من علماء القرن الحادي عشر، وشرحها زكريا الأنصاري المتوفى سنة ٩٢٦ﻫ، وشرحها عمر الخربوتي من علماء القرن الثالث عشر، وشرحها القسطلاني المتوفى سنة ٩٢٣ﻫ وهو شارح البخاري، وشرحها محمد بن مصطفى المدرني من علماء القرن الثاني عشر، وشرحها محمد عثمان الميرغني من علماء القرن الثالث عشر، وشرحها الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المتوفى سنة ١٣٠٣ﻫ، وشرحها الباجوري المتوفى سنة ١٢٧٦ﻫ.

    وفي دار الكتب المصرية شروح أُخَر لم يُعرَف مؤلفوها.

    ولأكثر هذه الشروح أسماء شعرية، مثل: «الرقم على البردة»، و«راحة الأرواح»، و«الجوهرة الفردة في شرح البردة»، و«الزبدة الرائقة في شرح البردة الفائقة»، و«عصيدة الشهدة في شرح البردة»، و«وردة المليح في شرح بردة المديح».

    والبردة نفسها سماها المؤلف «الكواكب الدُّرِّية في مدح خير البرية».

    وعند النظر في هذه الشروح نراها مجموعات نفيسة تزخر بالفقرات اللغوية، والأدبية، والتاريخية، وشُغل هؤلاء الشراح بالأدب واللغة والتاريخ يرجع الفضل فيه إلى تصوف ذلك الشاعر المُجيد.

  • (٣)

    وأما أثرها في الدرس، فيتمثل في تلك العناية التي كان يوجهها العلماء الأزهريون إلى عقد الدروس في يومي الخميس والجمعة لدراسة حاشية الباجوري على البردة، وهي دروس كانت تتلقاها جماهير من الطلاب، وإنما كانوا يتخيرون يومي الخميس والجمعة لأن مثل هذا الدرس لم يكن من المقررات، فكانوا يتخيرون له أوقات الفراغ.

    ولنتذكر أنه مضت سنون لم يكن يعرف فيها الأزهر كيف تكون دروس التاريخ الإسلامي، فكانت البردة وشروحها مما يسد النقص الفاحش في معهد ديني يجهل أهله غزوات الرسول.

  • (٤)

    وأما أثر البردة في الشعر والشعراء، فعظيم جدًّا، فقد ضمنوها، وشطروها، وخمسوها، وسبعوها، وعشروها، وعارضوها، فمن الذين ضمنوها الشيخ قاسم (ولم نقف له على ترجمة) وأول تضمينه:

    أَمِنْ تَذَكُّرِ أَوْطَانٍ عَلَى عَلَمِ
    أَمْ مِنْ تَفَقُّدِ جِيرَانٍ بِذِي سَلَمِ
    مَزَجْتَ دَمْعًا جَرَى كَالْقَطْرِ مُنْهَمِرًا
    يَجْرِي عَلَى وَجْنَةٍ مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ

    ومن الذين شطروها أحمد بن شرقاوي الخلفي — نسبة إلى قرية يقال لها: الخليفة ملاصقة لمدينة جرجا، وبها توفي في سحر ليلة الجمعة التاسع عشر من شهر ذي القعدة سنة ١٢٥٠ﻫ — وأول التشطير:

    أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بِذِي سَلَمِ
    أَصْبَحْتَ ذَا خَلَدٍ بِالْوَجْدِ مُصْطَلمِ
    أَمْ مِنْ تَفَتُّتِ قَلْبٍ فِي الْحَشَا شَغَفًا
    مَزَجْتَ دَمْعًا جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ

    وأحمد بن عبد الوهاب الجرجاوي المتوفى سنة ١٢٥٤ﻫ، وأول التشطير:

    أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بِذِي سَلَمِ
    تَصَبَّبَ الدَّمْعُ يَجْرِي حَاكِيَ الدِّيَمِ

    وأحمد بن عثمان العوامي المدفون بجرجا (ولم يُعلم تاريخ وفاته) وأول التشطير:

    أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بِذِي سَلَمِ
    جَزَمْتَ أَنَّكَ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَلَمِ
    وَعِنْدَمَا هَاجَتِ الذِّكْرَى وَلَوْعَتُهَا
    مَزَجْتَ دَمْعًا جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ

    ورمضان حلاوة من علماء آخر القرن الثالث عشر، وأوائل الرابع عشر، وأول تشطيره:

    أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بِذِي سَلَمِ
    لَبِسْتَ ثَوْبًا مِنَ الْأَشْوَاقِ وَالْأَلَمِ
    أَمْ مِنْ عُيُونِ ظِبَاءٍ بِالْعَقِيقِ بَدَتْ
    مَزَجْتَ دَمْعًا جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ

    وأبو الهدى الصيادي، وأحمد الحفظي، وعبد الرحيم الجرجاوي، ومحمد فرغلي الطهطاوي، وشطرها أخيرًا سعادة عبد العزيز بك محمد، ومطلع تشطيره:

    أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بِذِي سَلَمِ
    فَاضَتْ شُئُونُكَ مُلْتَاعًا لِبَيْنِهِمِ
    أَمْ مِنْ فُؤَادِكَ مَكْلُومًا لِوَحْشَتِهِمْ
    مَزَجْتَ دَمْعًا جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ

    وقد نالته بركتها فعُيِّنَ وزيرًا للأوقاف، ولعله يخمِّسها فيُعَيَّن رئيسًا للوزراء.

  • (٥)

    وأما الذين خمسوها فيبلغ عدد من عرفنا أخبارهم نحو الثمانين، وفي دار الكتب المصرية مجموعة في تخاميس البردة تشتمل على تسعة وستين تخميسًا، ومن أمثلة ذلك قول ناصر الدين الفيومي:

    مَا بَالُ قَلْبِكَ لَا يَنْفَكُّ ذَا أَلَمِ
    مُذْ بَانَ أَهْلُ الْحِمَى وَالْبَانِ وَالْعَلَمِ
    وَانْحَلَّ مَدْمَعُكَ الْقَانِي بِمُنْسَجِمِ
    أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بِذِي سَلَمِ
    مَزَجْتَ دَمْعًا جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ

    ولم نرَ موجبًا لعرض مطالع تلك التخميسات، فهي كثيرة، وقد شغلت نحو خمس صفحات من فهرس الأدب بدار الكتب المصرية، فمن احتاج إلى بيانها فليرجع إليها هناك.

    ولكن لا بد من التنبيه إلى أن الذين خمَّسوا البردة لم يكونوا جميعًا مصريين؛ ففيهم رجال من المغرب والشام والعراق، وفي هذا ما يدل على أنها شغلت الشعراء في أكثر الأقطار الإسلامية.

  • (٦)

    ومن الذين سبعوها شهاب الدين أحمد بن عبد الله المكي، وقد التزم في أول كل تسبيع لبيت من أبيات البردة أن يذكر لفظ الجلالة، وأول التسبيع:

    اللهُ يَعْلَمُ كَمْ بِالْقَلْبِ مِنْ أَلَمِ
    وَمِنْ غَرَامٍ بِأَحْشَائِي وَمِنْ سَقَمِ
    عَلَى فِرَاقِ فَرِيقٍ حَلَّ فِي الْحَرَمِ
    فَقُلْتُ لَمَا هَمَى دَمْعِي بِمُنْسَجِمِ
    عَلَى الْعَقِيقِ عَقِيقًا غَيْرَ مُنْسَجِمِ
    أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ … إلخ

    وسبعها محمد المصري، وقد تقدم أنه من شُرَّاح البردة، والتزم في التسبيع أن يذكره أولًا مُصدَّرًا بلفظ محمد، كقوله في المطلع:

    مُحَمَّدٌ جَاءَ بِالْآيَاتِ وَالْحِكَمِ
    مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا جُمْلَةَ الْأُمَمِ

    وهو معارضة للمكي الذي التزم لفظ الجلالة في أول تسبيع لكل بيت.

  • (٧)

    وليس لتعشير البردة شواهد كثيرة، ولا نعرف غير نسخة ضمن مجموعة مخطوطة بدار الكتب المصرية، والناظم مجهول، وهذا النمط من توشية الشعر قليل.

  • (٨)
    أما الذين عارضوا البردة، فيعدون بالعشرات، منهم والد مؤلف كتاب الكشكول،٢ ويمكن القول بأن جميع المدائح النبوية التي قيلت بعد البوصيري على الوزن والقافية كان أصحابها مسوقين بالروح البوصيرية، ولم يمضِ عصر إلا وللبردة فيه طراز، وأشهر من عارضوها أخيرًا محمود سامي البارودي الذي سمى قصيدته: «كشف الغمة في مدح سيد الأمة» وعدد أبيات هذه القصيدة ٤٤٧، والمطلع:
    يَا رَائِدَ الْبَرْقِ يَمِّمْ دَارَةَ الْعَلَمِ
    وَاحْدُ الْغَمَامَ إِلَى حَيٍّ بِذِي سَلَمِ

    وأحمد شوقي، وسمى قصيدته «نهج البردة»، وقد نظمها في سنة ١٣٢٧ﻫ، والمطلع:

    رِيمٌ عَلَى الْقَاعِ بَيْنَ الْبَانِ وَالْعَلَمِ
    أَحَلَّ سَفْكَ دَمِي فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ

    وكان المرحوم الشيخ أحمد الحملاوي أسمعنا في درسه قصيدة سماها: «منهاج البردة» نظمها في طريقه إلى الحج، والمطلع:

    يَا غَافِرَ الذَّنْبِ مِنْ جُودٍ وَمِنْ كَرَمِ
    وَقَابِلَ التَّوْبِ مِنْ جَانٍ وَمُجْتَرِمِ
    وَمُسْبِلَ السِّتْرِ إِحْسَانًا وَمَرْحَمَةً
    عَلَى الْعُفَاةِ بِفَيْضِ الْفَضْلِ وَالْكَرَمِ
    اقْبَلْ مَتَابِي وَاغْفِرْ مَا جَنَتْهُ يَدِي
    وَاسْتُرْ عُيُوبِي وَبَاعِدْنِي عَنِ التُّهَمِ
  • (٩)
    مات البوصيري سنة ٦٩٦ﻫ، وبعد موته بسنتين ولد أبو عبد الله محمد بن أحمد المعروف بابن جابر الأندلسي، وكان ضريرًا، ولكن لم تمنعه تلك العاهة القاسية من الرحلة إلى المشرق، فدخل مصر والشام، واستوطن حلب، ثم رجع إلى الأندلس فتوفي في ألبيرة في جمادى الآخرة سنة ٧٨٠ﻫ.٣

    وقد افتتن ابن جابر بقصيدة البردة وظهر أثرها في شعره كقوله:

    يَا أَهْلَ طَيْبَةَ فِي مَغْنَاكُمُو قَمَرٌ
    يَهْدِي إِلَى كُلِّ مَحْمُودٍ مِنَ الطُّرُقِ
    كَالْغَيْثِ فِي كَرَمٍ وَاللَّيْثِ فِي حَرَمٍ
    وَالْبَدْرِ فِي أُفُقٍ وَالزَّهْرِ فِي خُلُقِ

    وقوله:

    أَمَّا مَعَانِي الْمَعَانِي فَهْيَ قَدْ جُمِعَتْ
    فِي ذَاتِهِ فَبَدَتْ نَارًا عَلَى عَلَمِ
    كَالْبَدْرِ فِي شِيَمٍ وَالْبَحْرِ فِي دِيَمٍ
    وَالزَّهْرِ فِي نِعَمٍ وَالدَّهْرِ فِي نِقَمِ

    وقد شغل نفسه بمعارضة البردة، ولكن أي معارضة؟ لقد ابتكر فنًّا جديدًا هو «البديعيات»، وذلك أن تكون القصيدة في مدح الرسول، ولكن كل بيت من أبياتها يشير إلى فن من فنون البديع، ومطلع هذه البديعية:

    بِطَيْبَةَ انْزِلْ وَيَمِّمْ سَيِّدَ الْأُمَمِ
    وَانْشُرْ لَهُ الْمَدْحَ وَانْثُرْ أَطْيَبَ الْكَلِمِ

    وقد رأى معاصرو ابن جابر قيمة هذا الفن، فتقدم صديقه أبو جعفر الألبيري لشرح بديعيته، واعترف له بالسبق؛ إذ قال في مقدمة الشرح: «نادرة في فنها، فريدة في حسنها، تجني ثمر البلاغة من غصنها، وتنهل سواكب الإجادة من مُزْنها، لم يُنسج على منوالها، ولا سمحت قريحة بمثالها.»

    وشرحها أبو جعفر بن يوسف الغرناطي الأندلسي المتوفى سنة ٧٧٩ﻫ واختصر هذا الشرح محمد بن إبراهيم البشتكي المتوفى سنة ٨٣٠ﻫ.

    وهذه الشروح تمثل الحفاوة التي قوبلت بها تلك البديعية.

    وفي عصر ابن جابر وضع صفي الدين الحلي المتوفى سنة ٧٥٠ﻫ قصيدة سماها: «الكفاية البديعية في المدائح النبوية»، وأنشأ عز الدين الموصلي المتوفى سنة ٧٨٩ﻫ قصيدة بديعية، عقبها بشرح سماه: «التوصل بالبديع إلى التوسل بالشفيع»، وجاء ابن حجة الحموي المتوفى سنة ٨٣٧ﻫ، فنظم بديعية سنتكلم عنها بشيء من التفصيل، وجاء ابن المقري المتوفى سنة ٨٣٧ﻫ، فأنشأ بديعية سماها: «الجواهر اللامعة، في تجنيس الفرائد الجامعة للمعاني الرائعة»، ثم جاء السيوطي فعارض ابن حجة ببديعية سماها: «نظم البديع، في مدح خير شفيع»، ثم اندفع الناس في هذا الفن: فللسيدة الباعونية بديعيتان، ولأبي الوفاء بن عمر الفرضي بديعية، وللسيد عبد الهادي الإبياري بديعية، وللشيخ طاهر الجزائري بديعية، ولابن خير الله الخطيب العمري بديعية، ولعبد الغني النابلسي بديعيتان، ولقاسم بن محمد الحلبي بديعية، ولصدر الدين الحسيني بديعية، ولشعبان الآثاري بديعية.٤
  • (١٠)

    ولأكثر هذه البديعيات شروح فيها الوسيط والوجيز والمبسوط وأكثر هؤلاء الشراح من المتفوقين في العلوم العربية، وفي شروحهم من الفوائد النحوية، والصرفية، والبلاغية، واللغوية، والأدبية، والتاريخية فنونٌ أكثرها من المستملح المستطاب.

    أرأيت أيها القارئ، كيف أثرت قصيدة البردة في اللغة العربية، وكيف ساد سلطانها بين العوام والخواص؟

    إن الإخلاص هو الذي مكن البوصيري من ناصية المجد الأدبي، وهو الذي رفعه إلى منزلة الخلود.

١  انظر ترجمته في نفح الطيب، ج١، ص٩٣٥، طبع ليدن.
٢  انظر قصيدته في الكشكول، ص٩٨-٩٩.
٣  انظر ترجمة ابن جابر في نفح الطيب، ج١، ص٩١٦–٩١٨، وانظر الكلام على شارح بديعيته في ص٩٢٣–٩٢٥ من نفح الطيب، ج١، طبع ليدن.
٤  جميع هذه البديعيات محفوظة بدار الكتب المصرية وأكثرها بقسم البلاغة، وقد تكون هناك بديعيات أخرى لم تعرفها دار الكتب المصرية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤