الفصل الثالث

التواصل الكَوني والميديا والتكنولوجيا

يشتمل التواصل العالمي على مجموعة كبيرة من التكنولوجيات والوسائط، وفي تَناوُلنا لهذا الأمر في علاقته بالعولمة الثقافية، سيكون تركيزنا هنا على التواصل بين الأفراد وتَبادُل المعلومات والميديا. بالنِّسبة لبعض المُعلِّقين فإن تكنولوجيات المعلومات والاتصال والميديا هي مُحرِّك العولمة المعاصرة، وبالتالي فإن هذا الفصل من الكتاب سيحاول تحديد المدى الذي تصل إليه التطورات الحديثة في هذه المجالات، بحيث نعتبرها تُمثِّل تَحوُّلًا في التواصل الإنساني والعلاقات المتبادَلة بين البشر، التي تختلف نوعيًّا عن أي شيء يمكن أن نجده في المراحل السابقة؛ من هنا سَنُولِي أهمِّيَّة للمدى الذي تتم به عولمة أشكال الاتصال والميديا وطبيعة الانقسام الرقمي الكوني، وما إذا كنا نشهد بزوغ مجتمع شَبكي، إلا أن تحديد مدى العولمة بالنسبة للميديا، وتكنولوجيات المعلومات والاتصال يصبح أكثر صعوبة بسبب وفرة تَدفُّقاتها واختلاف سرعتها ومداها، وهو ما يُفسِّره جزئيًّا ذلك الانتشار المتفاوت في الاتصالات والتكنولوجيات الكونية. هناك كذلك قَضِيَّة المعيار الذي نستخدمه لقياس المدى الذي وَصلَت إليه حالة التواصل العالمي، وما إذا كان يجب أن يقوم على انتقال الصوت أو إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا أو الاستخدام الفعلي لتكنولوجيا ما. في هذا السياق: ألا بد من وجود تكنولوجيا مُعيَّنة في أنحاء العالم لكي يُعتَبر ذلك دليلًا على العولمة؟

ونحن نضع النقاط السابقة في اعتبارنا، هناك على الرغم من ذلك دليل على أنَّنا أصبَحْنا أكثر قدرة على التواصل في عدد من المناطق. الاتحاد الدولي للاتصالات التابع لمنظمة الأمم المتحدة، يفيد في تقرير له أن ٩٠٪ من سكان العالم كان لديهم خدمات إذاعية (راديو) في سنة ٢٠٠٢م بينما كان الرقم بالنسبة للتليفزيون ٨٦٪ (Mingers, 2006: 136). كذلك يقترب الكوكب من تحقيق تواصلية كاملة في هيئة إمكانية الوصول الأساسي إلى شبكات اتصال الهاتف المحمول (ibid., 38). وبحسب الاتحاد الدولي للاتصالات أيضًا فإن عدد خطوط الهاتف الرئيسية زاد من ٦٣٤ إلى ١٢۰٧ مليون بين عامي ١٩٩٤م و٢٠٠٤م كما زاد عدد المشتركين في الهاتف الخلوي من ٦٥ إلى ١٧٥٨ مليونًا، وقفز عدد مُستخدِمي الإنترنت من ٢١ إلى ٨٦٣ مليونًا، وبالنسبة للاتصالات التليفونية الدولية (محسوبة بالبليون) كان هناك بالمثل زيادة كبيرة خلال تلك الفترة، حيث كانت أرقام ١٩٩٤م و٢٠٠٤م هي ٥٧ و١٤٥ على التوالي (ITU, 2006).

(١) الميديا والعولمة

(١-١) طبيعة عولمة الميديا

عزَّزت الزيادة التي طَرأَت على امتلاك أجهزة الراديو والتليفزيون في أرجاء العالم منذ ستينيات القرن العشرين، عولمة الميديا، ويحسب مجلة Screen Digest (مايو ١٩٩٨م) كان هناك بالقرب من أواخر الألفية أكثر من بليون جهاز تليفزيون حول العالم، برغم وجود تَبايُنات إقليمية في مستويات الملكية بالطبع. في سنة ١٩٩٦م على سبيل المثال، كان في أوروبا ٤٤٢ جهاز استقبال تليفزيوني لكل ألف شخص، مقارنة بعدد ٥٠ جهازًا لكل ألف شخص في أفريقيا (UNESCO, 1998: Table 5-6). أحد المؤشرات العالمية الواضحة هو ذلك الهبوط في نسبة المُشاهَدة لمحطات الخدمة العامة، وهذا يعود في جزء كبير منه إلى إدخال الأقمار الاصطناعية والتكنولوجيا الرقمية مِمَّا أدَّى إلى زيادة هائلة في عدد القنوات التليفزيونية، ومحطات الإذاعة، وساعات البث، وتَعدُّد البرامج المنزلية، ونَتَج عن ذلك كله أن أصبَحَت مشاهدة التليفزيون تجربة أكثر تَشظِّيًا وفردانية؛ وفي هذا السياق فإن الكثير من محطات التليفزيون والراديو أصبحت تستخدم هذه القنوات لخدمة أذواق وثقافات وعرقيات بعينها لتكون في واقع الأمر «بثًّا محدودًا» أكثر منها بثًّا عريضَ المدى. ألمانيا، على سبيل المثال، شاركت في هذه التطورات بتخفيض حصة السوق من زمن مُشاهَدة مؤسَّسة الخدمة العامة من ١٠٠٪ في ١٩٧٥م إلى ٣٩٪ في ١٩٩٥م (Mackay, 2000: 53).

مشاهدة التليفزيون من ثم تُصبِح تجربة مجتمعية وطنية أقل فأقل. هذا التوجه، يزيد من التشجيع عليه ظهور التليفزيون العابر للقارات، وكذلك ظهور عدد من أسواق التليفزيون الإقليمية مثل تلك في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وآسيا. مثل هذه الأسواق يكون تركيزه في العادة على قوة إقليمية ذات نفوذ؛ مثل البرازيل والسعودية والهند — على التوالي — ويسهل من العملية وجود لغة مُشترَكة، هذا على الرغم من أن الإقليمية ليست العولمة بالطبع.

قَوِيَت بالمثل عولمة الميديا بظهور عدد من مؤسَّسات الميديا العملاقة مُتعدِّدة الأنشطة؛ مثل «ديزني»، و«سوني»، و«برتلزمان»، و«جنرال إليكتريك»، و«نيوز كوربوريشن»، و«تيم وارنر»، و«فياكوم»، كما أن تركيز مِلكية هذه المُؤسَّسات في أيدي قلة من المؤسَّسات والتكتلات العملاقة يمكنها من اقتسام صناعات الترفية والتسلية من خلال قدرتها على التمويل والإنتاج والتسويق والتوزيع لمنتجاتها السينمائية والتليفزيونية. تعتقد «كريس باركر Chris Barker» (١٩٩٧) أن مؤسَّسات الميديا العابرة للحدود القومية تُطوِّق القواعد والنظم القومية والوطنية ومن ثَمَّ تُضْعِف من إجراءاتها التنظيمية، وهو تَوجُّه يدعمه النظام الدولي المُتَّجِه نحو السوق، الذي وضعه كل من منظمة التجارة العالمية والاتحاد الدولي للاتصالات، وهناك قلق يتم التعبير عنه كثيرًا من أن هذه التطورات تُؤدِّي إلى أنماط مشاهدة «متجانسة»، أو «مُعَولَمة»، بأشكال البرامج التليفزيونية نفسها؛ مثل الأخبار، والمسلسلات، وبرامج المسابقات، وتليفزيون الواقع، التي نجدها في كثير من دول العالم وقنوات بعينها، وعلى نحو أكثر تحديدًا، هناك وجهة نظر تتردد دائمًا، مفادها أن أمريكا تسيطر على الميديا العالمية ببرامج تليفزيونية ونماذج أمريكية أخرى تَغمُر دولًا في أوروبا، وأمريكا اللاتينية وغيرها، وقد لاحظَتْ كل من «سوزان شيك Susanne Scheck»، و«جين هاجس Jane haggis» (٢٠٠٠) أن المسلسلات التليفزيونية في أمريكا اللاتينية تَدُور في نفس الإطار التقليدي الموجود في ثقافة الميديا الأمريكية.١
في المقابل، فإن الولايات المتحدة لا تستورد سوى القليل من البرامج: ١٪ من البرامج الإعلانية، و٢٪ من برامج الخدمة العامة (Barker, 1997: 49). بالإضافة إلى ذلك يرى النُّقاد أن الإدارات الأمريكية المُتعاقبة كانت تحاول دائمًا التحكم في الإطار التنظيمي الدولي لصناعات الثقافة والإعلام، وذلك لكي تُؤمِّن لصادراتها الثقافية إمكانية الوصول إلى أسواق الدول الأخرى. ولتحقيق هذا الهدف فإن الولايات المتحدة، كما يرى البعض، تستخدم لغة وأيديولوجية السوق الحرة لانتقاد ما تزعم أنه سياسات حمائية من قِبَل الحكومات الوطنية؛ وعلى نحو أوسع هي الحالة نفسها التي تُبَرْهِن على أن المؤسَّسات الإعلامية المسيطرة كلها مؤسَّسات غربية باستثناء «الجزيرة»، وهو ما يؤكد أن أجندة العالم الإخبارية مركزها «غربي» وتُدار «غربيًّا» إلى حد كبير. هذه المؤسَّسات تستطيع أن تُؤثِّر في الأجندات العالمية، وغالبًا ما تتهم بأنها تقدم تقارير مُجتزَأة عن الأحداث الجارية، وتهمش الصحافة الخبرية الجادَّة، وتبتر الحوار سواء على المستوى العالمي أو المحلي (انظر: Habermas, 1984).
مثل هذه التطورات من وجهة نظر اليسار السياسي، يتم تفسيرها باعتبارها شَكلًا من أشكال الاستعمار الإعلامي الذي ينشر القيم الرأسمالية الغربية، والأمريكية أو إحداهما، وكذلك القوة الاقتصادية، وهو ما نراه بوضوح في انتشار الإعلام التجاري العابر للحدود (انظر: Mattelart and Siegelaud, 1978 (Schiller, 1979)). على أن النقد الشائع الذي يُوجَّه إلى هذا الفهم، هو يفترض أن الجمهور غير الغربي سلبي ولا يستطيع قراءة النص أو الرسالة الإعلامية. وكما اكتشفت «ماريان بريدن Marian Bredin» (١٩٩٦) في دراساتها عن المجتمعات الأصلية في شمال كندا، فإن البرامج الأجنبية يمكن بالفعل أن تؤكد القيم والهويات الأصلية، حيث تستخدم الشعوب الأصلية تاريخها ووجهات نظرها الثقافية في مُناقَشة ما يقدم لها على شاشات تليفزيوناتهم، والحقيقة أن كل أعضاء أي جمهور للتليفزيون يشاركون بدرجات مختلفة في بناء معانيهم الخاصة كجزء من عملية فهمهم وتعريفهم لذواتهم. الأفراد، على نحو دائم، سوف يقومون بتفسير النصوص الإعلامية وغيرها من المُنتَجات الثقافية من وجهة نظر تاريخهم الثقافي الخاص (Sinclaire et al., 1996) بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن نفكر في أهمية التليفزيون بالنسبة لنا، وما إذا كانت برامجه قادرة بالفعل على إضعاف القيم الأصلية، وفي هذا السياق يؤكد «جون طوملينسون» (١٩٩١م) كيف أن مشاهدة التليفزيون مستوعبة في حياتنا باعتبارها أحد الأنشطة التي نتعهدها، بينما طبيعة تفاعلنا مع هذا الوسيط تُشكِّلُها ميولنا وظروفنا الشخصية، وكل ذلك يثير قضية طبيعة ونوعية البرامج. على صلة بهذا الأمر فإن فكرة الاستعمار الإعلامي لا تهتم كثيرًا بنوعية البرامج الأمريكية ولا باستخدام المسئولين لها وسيلة لملء البرنامج، في الوقت الذي يُولون فيه المُنتَج المحلي أولوية (Barker, 1997).
هناك كذلك تَدفُّقات موازية من البرامج التليفزيونية من أمريكا اللاتينية أو أستراليا إلى الولايات المتحدة على سبيل المثال (Mackay, 2000). الاستعمار إذن مفهوم غير كافٍ لوصف نماذج وأنماط وأعمال الميديا المعاصرة، إلا إنه ينبغي مُلاحَظة أن رد بعض الكُتَّاب على مثل هذا الخلاف هو «نظرية الاستعمار الإلكتروني» التي تركز على طريقة تأثير الميديا العالمية في تفكيرنا وأفعالنا، وخاصة فيما يتعلق بسلوكنا بوصفنا مستهلكين (انظر: McPhail, 2006).

(٢) هل هي عولمة الميديا؟ المنظور الشَّكِّي

يثير المتشككون عدة اعتراضات على الزعم بعولمة الميديا (انظر: Hafez, 2007). وبعض الكُتَّاب يؤكدون اتساع مدى المقاوَمة المحلية لإمبراطوريات الميديا العالمية (Thussu, 1998 على سبيل المثال)؛ ومن المهم جِدًّا أن نعرف أنه على الرغم من أن المؤسَّسات الإعلامية الغربية المُتعدِّدة الجنسية تُبَث باللغات القومية على نحو متزايد، يظل حضورها خارج أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا محدودًا نوعًا ما، بالإضافة إلى ذلك فإن توزيع البرامج يقيده كون حقوقها مُقسَّمة، أكثر من أنها تُباع بالجملة، وذلك بهدف تعظيم الدخل (Sparks, 1998). حتى اﻟ CNN على الرغم من أسلوب عملها الدولي — موجودة في أكثر من ٢٠٠ دولة — فإنها في النهاية شبكة أخبار أمريكية بالكامل، وكانت تُنْتَقد أحيانًا لأنها تسير على خط واشنطن، وهو ارتباط قَلَّص انتشارها العالمي. يُضَاف إلى ذلك أن الحكومات، كما يُؤكِّد دائمًا تحتفظ بالقدرة على إخضاع مؤسَّسات الميديا العالمية لقواعدها ونُظُمها الوطنية، كما أن شركات التليفزيون والإذاعات تظل مُوجَّهة وطنيًّا وتتناول الأحداث العالمية من منظور وطني، وبالتالي من المُرجَّح ألا يجد إنتاجها الخاص اهتمامًا عالميًّا، (Tomlinson, 1997b). بالإضافة إلى ذلك فإن إذاعات الخدمة العامة لم تَختَفِ، وفي دولة مثل المملكة المتحدة على سبيل المثال، نجد أنها ما زالت في صحة جيدة معقولة، بالرغم من الضغوط المتزايدة من المحطات التجارية وفرط القنوات التليفزيونية الجديدة (Mackay, 2000).٢ على صلة بهذه النقطة، يُلاحَظ بالرغم من دخول مرحلة تليفزيون القمر الصناعي، أن أنماط مشاهدة التليفزيونات الوطنية لم تَمُر بثورة وأن التليفزيون العالمي لا وجود له بعد (Sparks, 1998). ومن هنا فإن الناس سوف يُشاهدون برامج التليفزيون المحلية، مع بعض الاستثناءات؛ مثل الدراما، والمسلسلات الكوميدية الأمريكية عندما يكون الخيار لهم.

(٣) هل هناك جمهور عالمي وفضاء عام؟

وجود أو عدم وجود جماهير عالمية وفضاء عام مُحدَّد؛ أمور مهمة بالنسبة لطبيعة العولمة الإعلامية، والمدى الذي يمكن أن تصل إليه. في حالة الأولى فإن تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية، والمِلكية الجماهيرية للتليفزيون تضمن أن أحداثًا رئيسية سوف تجتذب جماهير تليفزيونية في أنحاء العالم، وتُمكِّن نسبة كبيرة من البشر من أن يتشاركوا هذه التجربة، وهي أحداث عالمية رئيسية؛ مثل دورات الألعاب الأولمبية، وكأس العالم، والحفلات الموسيقية لدعم مقاومة الإيدز، إلى جانب أحداث أخرى مثل كارثة تسونامي (٢٠٠٤م)، وإسقاط نظام صدام حسين، ومصرع الأميرة «ديانا»، على الرغم من ذلك، فإن مثل هذه الأحداث والمناسبات تعتبر، من المنظور المتشكك، أحداثًا عارضة وأحداثًا تاريخية استثنائية، وعليه فليس من المُرجَّح أن تبقى على الشعور بالزَّمالة العامة اللازمة لبناء جمهور إعلامي عالمي. يُضاف إلى ذلك أن مُشاهَدة التليفزيون في آخِر الأمر تجربة نكون فيها على مبعدة من الحدث أو المناسبة الفعلية، معتمدين على مهارات الإخراج لدى صانعي البرامج، الأمر الذي يُقلِّل من مستوى وعمق مشاركتنا٣ باختصار ما مدى تأثير التليفزيون بوصفه وسيلة لصنع جمهور عالمي؟
أما بالنسبة لمسألة الفضاء الكوني العام، فإن الأزمات الدولية مثل الحرب الأخيرة في العراق، يمكن أن تخلق بالفعل اهتمامًا وجدلًا إعلاميًّا كبيرًا. ولكن، مرة أخرى، تلك أحداث لا تستطيع بمفردها أن تُبقِي على فضاء كوني عام. والواقع أنه في حالة حرب العراق، لم تستطع المعارَضة العالمية الواسعة أن تمنع الولايات المتحدة وحلفاءها من القيام بالغزو، مِمَّا يوحي بأن كلًّا من المواقف القائمة والميديا لم يكونَا قادرَين على تقديم مِنبَر عالمي لبلورة قرار عالمي. على أنه ربما بسبب التَّنوُّع الشديد الموجود في العالم، سيكون من الصعب تحقيق فضاء عام للجدل العالمي. وأخيرًا فإن «جان بودريار Jean Baudrillard» (١٩٨٣) يتناول هذا الموضوع من منظور مختلف تمامًا، مجادلًا أن تكنولوجيات الإرسال وما تُنتِجه من تَدفُّقات، أدَّت إلى تشويه أو طمس الخط الفاصل بين الحقيقة المُتخَيَّلة والعالم الحقيقي؛ والميديا كما يعتقد، تخلق واقعًا متشعِّبًا يهدف إلى التَّسلية، وبالتالي تَخلَّت عن وظيفتها التوصيلية.

(٤) هل هناك صحافة كونية؟

فيما يتعلق بالصحافة المطبوعة هناك دلائل على العولمة، وبخاصة اتساع نطاق وكالات الأنباء العالمية مثل «بلومبيرج»، و«رويترز»، و«الأسوشيتد برس»، و«أجنس فرانس برس»، التي يمكن النظر إليها باعتبارها تُشكِّل السياسات المحلية والأجندات السياسية. في المملكة المتحدة على سبيل المثال، نجد أن ملكية المؤسَّسات الإخبارية لصحف مثل Sun التي هي جزء من إمبراطورية «روبرت مردوخ» الإعلامية؛ تضمن أن يكون له تأثير في السياسات المحلية البريطانية وبخاصة فيما يتعلق بالقضايا الأوروبية، على أن فكرة وجود صحافة كونية يقلل من شأنها غياب صحف عالمية حقيقية وهو ما يُعْتَبر انعكاسًا للوسيط الخاص. من الأسهل جدًّا بالنسبة للصور الإعلامية والموجات الإذاعية أن تنتشر في العالم مقارَنة بالصحف، رغم أن الأولى بالطبع معتمدة على البنية التكنولوجية الأساسية اللازمة، لكي تتمكن من الانتقال على هذا النحو. «فاينانشال تيمز» هي إحدى الصحف القليلة مع «وول ستريت جورنال»، التي تهدف إلى البيع عالميًّا، ولكن التوزيع خارج المملكة المتحدة في عام ٢٠٠٠م كان يُقَدَّر ﺑ ١٣٠٠٠٠ نسخة مع قاعدة مقروئية ضعيفة مقصورة تقريبًا على رجال الأعمال (Mackay, 2006: 67). يضاف إلى ذلك أن الصحف تميل إلى اتخاذ منظور وطني (أو قومي)، واضح أكثر من التليفزيون في تغطيتها. الأخبار العالمية فيهما تجنح نحو الصراعات والكوارث، وهو ما يثير قضية مدى دقة الانطباع الذي تتركه عند الجمهور عن الدول الأخرى؛ ولكننا لكي نكمل ما بدأناه عن الإعلام المطبوع، من الضروري أن نتعرف على الأشكال المختلفة التي يَتَّخذها. مثلًا: مقارنة بالتَّوجُّه القومي لكثير من الصحف القومية، فإن كثيرًا من الصحف والمجلات؛ مثل «كوزموبوليتان»، و«نيوز ويك»، و«تيم»، و«الإيكونومست»، كلها مُصمَّمة لكي تحظى بقبول عالمي (Mowlana, 1997) بالإضافة إلى ذلك فإن معظم الصحف القومية الآن لها مواقع إلكترونية على الإنترنت، الأمر الذي يُمكِّن جمهورًا عالميًّا من الوصول إلى التغطية الخبرية التي تُقدِّمها، وبالتالي، فإن أرقام التوزيع العالمية الضعيفة، بمعنى ما، تجعل الوصول العالمي أو الدولي مستحيلًا بالضرورة.

(٥) عولمة الميديا: محاولة للتقويم

كما تناولنا سابقًا، فإن طبيعة الوسيط ونوع المنتج الثقافي كلها مُحدِّدات مُهمَّة للمدى الذي يتم به عولمتها؛ ولهذا السبب فإن طبيعة وشكل الأفلام والموسيقى والتصوير الساكن تؤكد أن بالإمكان إعادة إنتاجها بسهولة وأن تكون موجودة في أنحاء العالم. الموسيقى الشعبية على سبيل المثال انْتشرَت في العالم نتيجة لمُنتَجات صديقة أخرى (مثل: أجهزة التسجيل، والأشرطة، والأقراص المُدمَجة)، وعَبْر الراديو، ومُؤخَّرًا عن طريق أجهزة الموسيقى الرقمية، على الرغم من أن المؤسَّسات الإعلامية العالمية (مثل: بوليجرام، وتيم وارنر، وسوني، وأي إم آي) لعبَت دورًا مُهمًّا في توزيع الموسيقى في أرجاء العالم. الراديو كان قادرًا على تَجاوُز الحدود قبل الوسائط الإلكترونية الأخرى نتيجة استخدامه تَردُّدات وتكاليف إنتاج رخيصة نسبيًّا؛ ويمكن أن يقال إنه الوسيط الوحيد الذي يُوجَد به مُنتَج عالمي في هيئة اﻟ «بي بي سي العالمية»، التي — بسبب تاريخها وعدم انحيازها وتقديمها للبرامج بالإنجليزية وباثنتين وثلاثين لغة أخرى — تجتذب جمهورًا عالميًّا، على الرغم من أن النقاد ما زالوا يعتبرونها مؤسَّسة غربية بسبب تمويلها من الحكومة البريطانية، إلى جانب ذلك فإن عدد مُستمعِي اﻟ «بي بي سي» في العالم في ١٩٩٧-١٩٩٨م كان يُقدَّر ﺑ ۱۳۸ مليون مستمع، وهو رقم يتناقص بالفعل بسبب المنافَسة المتزايدة من مصادر أخرى (Hendy, 2000: 23). الانتشار العالمي للراديو كله، مَحدود بالطبع لاستحالة تزويده بعناوين فرعية، إلا أن الراديو في النهاية يتميز بأن تَوجُّهاته مزيج من المحلية، والقومية، والإقليمية، والدولية، والكونية، وهكذا فإن محطات الراديو المحلية والإقليمية خَلقَت وعيًا أوسع بالهويات المحلية والإقليمية الخاصة، على الرغم من أن شكل ومحتوى برامجه — كما يُلاحَظ — يبدو متشابهًا تقريبًا في أنحاء العالم.

إجمالًا، بينما تُوجَد قوى قادرة مثل المؤسَّسات الإعلامية العابرة للحدود القومية التي تقود عولمة الميديا، وعلى الرغم من وجود تَطوُّرات تُسهِّل هذه العملية، وبخاصَّة التَّوجُّه العالمي للتَّحرُّر من القيود والقوانين، فإن عدم اتساقها يتأكد، بسبب عوامل؛ مثل مدى التَّنوُّع الثقافي واللغوي في العالم، وعدم المساواة في فُرص الوصول إلى تكنولوجيات الميديا، ووجود أنظمة إعلامية مختلفة، والعدد الإجمالي لمحطات الراديو المحلية والإقليمية، والصحف والقنوات التليفزيونية، والدَّوْر التنظيمي الذي تُمارِسه الدول. كذلك فإن أحد المُحدِّدات المهمة للعولمة الإعلامية، هو طبيعة رد الفعل المحلي على الميديا العالمية الذي سوف يَتوقَّف على ظروفنا وأُطرِنَا الخاصة، أحد العوامل الأخرى التي تُسهِم في عدم اتساق العولمة أو انتظامها هو اختلاف قدرات الدول في السيطرة على المؤسَّسات الإعلامية العابرة للحدود وفرض قواعدها المُنظِّمة، الأمر الذي يعني أن هناك تَنوُّعات كثيرة في العالم في عدد البرامج المستوردة وغيرها من المنتجات. عولمة الميديا — باختصار — لا ينبغي التفكير فيها، باعتبارها حالة مستقرة، وإنما باعتبارها مشروعًا في حال استمرار تسهم فيه عمليات أخرى كثيرة وتدفقات متعددة الجوانب، ليست كلها كونية من حيث درجة وصولها وإن كانت كلها تُولَّد تفاعلات مُعقَّدة في أطر مختلفة، وهذا كله يتطلب تحليلًا على عدة مستويات.

(٦) العولمة والاتصال والتكنولوجيا

(٦-١) الطبيعة المتطورة للاتصال العالمي

يساعد على الاتصال العالمي في المرحلة المعاصرة عدد من التكنولوجيات المتقدمة؛ حيث جعل الإنترنت والبريد الإلكتروني والفاكس والتليفون المحمول والرسائل النصية؛ الاتصال سهلًا بأجزاء مختلفة من العالم، كما أن التوسع الهائل والسريع في المعلومات على الإنترنت يُمكِّن الناس من الوصول اللحظي غير المسبوق الذي نَتَج عنه ارتفاع كبير في حجم تَبادُلها في العالم٤ يضاف إلى ذلك أن الابتكارات التكنولوجية الحديثة تساعد على دمج أشكال مختلفة من وسائل الاتصال الحديثة، تمكننا على سبيل المثال من الوصول إلى الإنترنت، والبريد الإلكتروني، وتَلقِّي الأخبار والخدمات الإعلامية عن طريق التليفون المحمول. إلى جانب ذلك هناك تَقدُّم هائل فيما يخص البنية الأساسية للاتصالات والكابلات والأقمار الاصطناعية والتكنولوجيات الرقمية التي تُسهِّل التفاعل الاجتماعي والثقافي عبر الحدود والمناطق والقارات. في سنة ١٩٩٧م كان هناك ٣٠ مليون كيلومتر من الكابلات الليفية الضوئية في العالم (Whitehouse, 1999). وبنهاية ٢٠٠١م ارتفع الرقم إلى ٤٥ مليون كيلومتر، يرسم الباحثون خرائط لنمو الممرات الصوتية على طُرق الاتصال العالمية الرئيسية، إذ زاد عدد ممرات البرقيات الصوتية عبر الأطلنطي من ۲۲۰۰۰ في ١٩٨٦م إلى ٢٦٤٠٠٠ في ١٩٩٦م، بينما زاد عدد الممرات الصوتية بالقمر الصناعي عبر الأطلنطي من٧٨٠٠٠ إلى ٧١٠٨٠٠٠ في الفترة نفسها (Staple, 1996). في هذا السياق تمثل التكنولوجيا الرقمية قفزة هائلة إلى الأمام في الاتصال العالمي، مع الرقمنة التي تمكن من ترجمة المعلومات إلى كود ثُنائي عالمي يجعل بالإمكان تحويل المعلومات بين وسائط الإعلام والاتصال المختلفة، وبثها بعد ذلك عبر الشبكات الرقمية. كذلك فإن تكنولوجيا شبكات النطاق العريض فائقة السرعة، يُسْهِم في انتشار واتساع مدى ونطاق المواقع مثل You Tube وخدمات الشبكة الاجتماعية مثل My Face، واﻟ Face Book (Wray, 2007).

(٦-٢) الاتصال بالتليفون المحمول

تعتبر التليفونات المحمولة إسهامًا كبيرًا ورئيسيًّا في زيادة الاتصال الصوتي. كما أنه قد حدث نمو كبير في ملكيتها واستخدامها منذ تسعينيات القرن الماضي، ففي يونيو ٢٠٠٦م تم توصيل البليون الثاني في المنظومة العالمية. ما تعبر عنه هذه الإحصائية هو أن الأمر تَطلَّب ١٢ عامًا لبيع أول بليون تليفون محمول، وعامًا ونصف العام فقط لبيع البليون الثاني، مع الوضع في الاعتبار أن ٨٠٪ من هذه الزيادة حدثت في الدول النامية، المثير للاهتمام أن الزيادة الكبيرة في هذا الاتساع عن طريق اﻟ GSM تعني أن التليفونات المحمولة هي أول تكنولوجيا اتصال يكون لها مُستخدِمون أكثر في الدول النامية منها في الدول المتقدمة، وأحد الأسباب أن الشركات المنتجة تقوم بتصميم أجهزة في المتناول بالنسبة لتلك الأسواق الناشئة المتوقع لها أن تكبر. كذلك تقدم تكنولوجيا التليفون المحمول فوائد إضافية للدول الأشد فقرًا؛ إذ يرى معهد World Watch مثلًا أنها سوف تُضَيِّق الهوة في فجوة المعلومات الموجودة بين المجتمعات المُتقدِّمة والمجتمعات النامية، كما أنها تُسهِّل إمكانية الاتصال الأفضل عن طريق الإنترنت، كما تُمكِّن الأقل قدرة مادية على إجراء اتصالات لاسلكية بالشبكة دون الحاجة لشراء أجهزة كمبيوتر شخصية (BBC, 2003). وأخيرًا فإن ما يُسمَّى بالجيل الثالث 3G من تكنولوجيا التليفون المحمول، الذي يُوفِّر خدمات فائقة السرعة في الاتصال وغير ذلك من وظائف الميديا المُتعدِّدة، سوف يُؤدِّي إلى نمو مستمر في استخدامه.

(٦-٣) الإنترنت والتواصل الكوني

الإنترنت وسيلة أخرى من الوسائل التي وفَّرَتها تكنولوجيا المعلومات والاتصال المعاصرة من أجل مجتمع أكثر تواصلًا، بحلول عام ٢٠٠٠م كان مُعظَم دول العالم قد أصبح مربوطًا بالإنترنت، وفي السنوات الخمس الأخيرة من الألفية السابقة كان الاتصال عَبْر هذه الوسيلة يتزايد بنسبة ٨٦٪ سنويًّا (Kogut, 2004). قدوم الإنترنت يؤكده كذلك تزايُد عدد مواقع الشبكة، ففي ١٩٩٥م كان هناك أقل من ۲۰۰۰۰ موقع، وارتفع العدد إلى ما يزيد عن ٣٦ مليونًا في ٢٠٠٢م٥ والسبب في هذا الاتساع الكوني هو تَطوُّر الشبكة العالمية، التي حَقَّقت أكبر نمو سنوي لها في سنة ٢٠٠٥م عندما بلغ عدد مواقعها ١٧ مليون موقع، بحسب تقرير لشركة Netcraft التي تقوم بالرصد. وبالإضافة إلى التغلب على مُعوِّقات الفضاء المادية والحدود القومية التي تُقيِّد قدرة الناس على التفاعل والاتصال، فإن التوسُّع في الإنترنت قد يُمكن في وقت ما من أن يصبح تكوين مجتمعات إلكترونية، وشبكات عابرة للحدود القومية هو العادي، وليس مجرد سلوك ينتهجه النشطاء والمهاجرون وأصحاب التوجهات التكنولوجية.
الإنترنت، بالنسبة لكثيرين، أكثر من مُجرَّد وسيلة اتصال بالآخَرين، فهو يقدم لهم كذلك، منبرًا للتعبير عن أنفسهم بحرية ويمكنهم من القيام بدور أن يكون للناس هويات جديدة مع الاحتفاظ بسرية الأسماء في الوقت نفسه (Turkle, 1995). على أننا قبل أن ندفع لنعلن أن الإنترنت قد غير السلوك الإنساني تمامًا، لا بد من دليل أكثر إقناعًا عَبْر فترة زمنية أطول، لتبين هذه النقطة، وبخاصة إذا تَذكَّرْنا أن الإنترنت كما نعرفه لم يظهر إلا في تسعينيات القرن الماضي، سوف نحتاج أن نَتحرَّى مثلًا ما إذا كان استخدامه يُقلِّل الوقت الذي تنفقه على أنشطة أخرى مثل مشاهدة التليفزيون؛ وبالرغم من انشغال بعض الأبحاث بهذه المسألة تحديدًا؛ رصدَتْ دراسة قامت بها جامعة «ستانفورد» في سنة ٢٠٠٠م بعض الدلائل على أن الإنترنت كان يُؤدِّي إلى تقليص الوقت المُخصَّص لمشاهدة التليفزيون في الولايات المتحدة (Nie and Erbring, 2000). فإن معلومات من هذا النوع لا تكفي للوصول إلى استنتاج دقيق إذ إننا في حاجة إلى المزيد من المعلومات لكي نقرر إذا ما كان استخدام الإنترنت يُؤدِّي إلى الاستثمار في العلاقات الافتراضية على حساب الوقت الذي ننفقه على علاقاتنا الاجتماعية «الفعلية»؛ مثل الصداقات والأسر. بمعنى آخر، إلى أي مَدًى نستخدم الشبكة الدولية: World Wide Web لكي نصبح متواصلين عالميًّا ومتفاعلين مع ثقافات وشعوب جديدة؟٦ يضاف إلى ذلك أن استمرار وجود صور مختلفة من الانقسام الرقمي، يعني أن إمكانية الوصول إلى الإنترنت لَيسَت مُتاحة للكل.

(٦-٤) تأثير التدوين

لانتشار التدوين كذلك إسهام كبير في اتساع الشبكة. والمدونات مواقع شخصية منشورة على الشبكة تُغطِّي موضوعات عِدَّة وتُقدِّم مصادر بديلة (تعتمد على المواطنين) للمعلومات والتسلية للأفراد وللمؤسَّسات الإعلامية التقليدية. المراحل والأحداث التراجيدية في حياة الناس، على نحو خاص، هي التي تنتج أكثر المدونات؛ وذلك لأنها تُقدِّم وسيلة للناس لاستدعاء خبراتهم وتجاربهم الشخصية وصَوغ مشاعرهم تجاه مثل تلك الأحداث. ساعد كذلك على انتشار ظاهرة التدوين وجود خدمات مَجانِيَّة مثل تلك التي تقدمها Movable Type، وAOL Journals، وشركات مثل: Microsoft، وGoogle التي تزود المستخدمين بوسائل لنشر مدوناتهم، وقد أدخلت الأخيرة — مؤخرًا — آلية للبحث خاصة بمدوناتها. نتيجة لذلك كله اتَّسع عالم التدوين والشبكات وأصبح حجمه يتضاعف كل ستة أشهر في المتوسط، وبحسب Technorati وهو مَوقِع تدوين وفهرسة؛ فإن عام ٢٠٠٦م شهد نشأة مدونة جديدة كل ثانية؛ أي إنه كان هناك ما بين ٧٥٠٠٠، و٨٠٠٠٠ مدونة كل يوم (Arthur, 2006). نِمو ظاهرة التدوين مَلحوظ في الولايات المتحدة على نحو خاص، وبحسب مسح قام به Pew Internet and American Life Project أن الجمهور القارئ للمدونات ارتفع بنسبة ٥٨٪ في ٢٠٠٤م وبنهاية ذلك العام كان حوالي ثمانية ملايين من الناس قد أصبح لهم مدونات (BBC, 2005a). ولعل الأكثر أهمية بالنسبة للحيوية المستمرة للظاهرة أن اتساع نطاق المُدوَّنات لم يكن مقصورًا على عالَم المركزية الإنجليزية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بل إننا يمكن أن نجده في الصين، وفرنسا، وكوريا الجنوبية، واليابان. يضاف إلى ذلك أن الاهتمام بالتدوين كان كبيرًا لدرجة أن مؤسَّسات وشركات الميديا تَتقدَّم بسرعة في هذا المجال، يشجعها على ذلك إمكانية الوصول إلى جماهير وعُملاء جدد باستمرار.
إلا أننا لا بد من أن نَتوخَّى الحذر لكي لا نقع في قبضة «خدعة الميديا» المحيطة بهذه الظاهرة، حيث إن الأغلبية من مُستخدِمي الإنترنت ليسوا فاعلين بالقدر الكافي في عالَم التدوين، فحتَّى سنة ٢٠٠٤م على سبيل المثال، وهي السنة التي انطلقت فيها قراءة المُدوَّنات في أمريكا بالفعل كانت نسبة مَن لم يسمعوا بالتدوين من بين المتعاملين مع الكمبيوتر تزيد عن ٦٠٪ هذه النقطة تنطبق كذلك على المملكة المتحدة، حيث أُجْرِي مَسْح في سبتمبر ٢٠٠٥م ليجد أن سبعة من كل عشرة مواطنين بريطانيين لم يكونوا يعرفون شيئًا عن التدوين أو ما يتضمنه (BBC, 2005a). وفى مسح آخَر أجراه مكتب أبحاث السوق البريطانية: British Market Research Bureau نجد أن النِّسبة المئوية لمستخدمِي الإنترنت البريطانيين الذين يَنشرون مُدوَّنات أو يُسهِمون فيها لم تكن أكثر من ٢٪ في الربع الأول من ٢٠٠٦م بينما كانت نسبة مَن يتصلون بمدونة أكثر من مرة في الشهر لا تزيد عن ١٠٪ (Lelic, 2006). يُضاف إلى ذلك أنه فيما يتعلق بالصورة الشاملة فإن العمر الزمني لكثير من المدوَّنات قصير، أما ما يظل نشطًا ويتم تحديثه كل ثلاثة أشهر على سبيل المثال فلا يمثل أكثر من نصف عددها (Perrone, 2005). على الرغم من ذلك فإن قِصَر هذا العمر الزمني يُمْكِن فهمه في ضوء أن الكثير من المدوَّنات ينشأ ردًّا على أحداث مُعيَّنة أو ظروف يضعف أثرها بمرور الوقت.

(٦-٥) إضفاء الطابع الفردي على الميديا والاتصال

بالعودة إلى قضية الميديا، نجد أن التطورات الحادثة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال تُشكِّل وتُغَيِّر طريقة حصول الناس على الأخبار ومواد التسلية؛ الشباب، على نحو خاص وبشكل متزايد، يحصلون على أخبارهم من مصادر غير منافذ الميديا والأنباء الرئيسية مثل التليفزيون والصحف. في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة Globescan في البرازيل، ومصر، وألمانيا، والهند، وإندونيسيا، ونيجيريا، وروسيا، وكوريا الجنوبية، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وذلك بين مارس وأبريل ٢٠٠٦م يَتَّضِح أن جيل المرحلة العمرية من ١٨–٢٤ سنة (في تلك الدول) يفيدون من الإنترنت للحصول على الأخبار من عدد من المصادر، كما يقومون بمقارنة ومضاهاة التقارير الإخبارية. والحقيقة أن الإنترنت كان الاختيار الأول من بين المصادر للحصول على الأخبار، إلى جانب مصادر أخرى مثل Google News التي أصبحت واسعة الانتشار (Hermida, 2006). على نحو أكثر عمومية، لم يعد الناس يتوقعون ببساطة أن يَقرءوا الصحف أو أن يُشاهِدوا التليفزيون أو يبحثوا على الإنترنت، في عملية ذات اتجاه واحد يكونون فيها سَلبِيِّين، وإنما يختارون الإسهام في هذه الميديا من خلال وسائل مثل منابر الحوار، وإرسال قصصهم الخاصة، والتعليق على محتوى ونوعية البرامج؛ والمثير للاهتمام أن وسائل الإعلام الرئيسية أصبحت تضمن تقاريرها أفكار وتعليقات وآراء ووجهات مُستخدِمي الوسائل التكنولوجية المختلفة، وخاصة عندما يكون الأمر متعلِّقًا بأحداث مثل تلك، في لندن ونيو أورليانز التي ذكرناها سابقًا. التأثير التراكمي لهذه التطورات هو تَغيُّر في طبيعة العلاقة بين المنتِج والمستهلِك؛ مثل الصحفي والقارئ، ويبدو أن الخطوط الفاصلة أصبحت ضبابية، حيث إن جوانب الميديا أصبحتْ بالفعل متبادلة التأثير.

(٦-٦) انتشار الديمقراطية الإلكترونية

مواقع الإنترنت، اللوحات الإعلانية، المحادثات على النت، البريد الإلكتروني، الرسائل اللحظية، التدوين، كل تلك الظواهر إسهامات مهمة في فضاء عام جديد للحوار، تقدم منابر للمواطنين العاديين للتعبير عن آرائهم، ومن الصعب أن تسيطر عليها الحكومات. مع سهولة الاتصال العالمي وزيادة تدفق المعلومات عن طريق التكنولوجيات الحديثة، أصبح من الصعب على دولة ما أن تتحكم في المعلومات أو أن تطوعها لاحتياجاتها الخاصة، كما أصبح من الصعب كذلك على الحكومات السلطوية أن ترصد أنشطة أو تحركات خصومها، نجاح حركة «زاباتا» في المكسيك — مثلًا — يرجع إلى تفاديها مؤسَّسات الإعلام الرسمي وتقديم قضيتها للعالم مباشرة ودون تفكير عبر الإنترنت. الحركات الاجتماعية وجماعات المصالح الجديدة تستخدم الإنترنت كذلك لدعم تصور المجتمعات العالمية الافتراضية أو الواقعية والعمل كمنابر ديمقراطية للحوار، والحقيقة أن الإنترنت والبريد الإلكتروني يسهلان بناء نمط جديد من المجتمعات، ويجعلان بإمكان الناس من ذوي الأفكار المتشابهة أن يتواصلوا ويتفاعلوا، رغم تساؤلات النقاد ما إذا كان يمكن اعتبار المجتمعات الإلكترونية مجتمعات ملائمة؛ لأنها لا تتطلب اتصالًا مباشرًا بين الأشخاص. والواقع أن الحركات الاجتماعية تبقى، ليس بفضل تكنولوجيات المعلومات والاتصال فحسب، وإنما بفضل هذه التكنولوجيات والالتقاء وجهًا لوجه بين عدد كبير من أعضاء هذه الحركات في مواقع مختلفة من العالم، وهو الأمر الذي يساعد عليه النقل الجوي زهيد التكلفة. التكنولوجيات الحديثة يمكن أن تُنعِش أيضًا العمليات الديمقراطية الواهنة، حيث تقدم وسائل إضافية لتمكين الناس من التصويت في الانتخابات. عطفًا على ذلك فإن هذه الديمقراطية التي تُسمَّى «ديمقراطية بالضغط على زر» أو الديمقراطية الإلكترونية المباشرة، تُقدِّم طرائق جديدة للأحزاب السياسية لكي تَتَّصل وتُشارك في الدائرة الانتخابية، إلى جانِب أنها تحمل إمكانية إجراء المزيد من الاستفتاءات على مدًى أوسعَ، وأكثر تَنوعًا من القضايا، وذلك كله يُساعد على إسهام المواطنين في العملية التشريعية، وعلى جعل اتخاذ القرار الحكومي أكثر انسجامًا مع الرأي العام. إلا أن الإنترنت — كذلك — يُوفِّر الفرصة لسماع أصوات جديدة، وللتعبير عن الآراء الثورية وآراء الأقليات، والتحرر من سيطرة الأحزاب السياسية الرئيسية على ساحة الحوار العام.

على أية حال، عند التفكير في تحرير تكنولوجيات الاتصال الجديدة وإمكانياتها الديمقراطية، يجب ألا نغفل الهيئات العديدة التي تستخدم تلك التكنولوجيات لجمع معلومات عنَّا، بدءًا من الوكالات الحكومية وانتهاء بمنظمات التسويق التي ترصد أساليب حياتنا وأنماط استهلاكنا عندما نذهب للتسوق ونستخدم الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك، فإننا، نحن أنفسنا، ننفق معظم الوقت في استخدام الشبكة الدولية لأهداف شخصية أكثر مما هو لأهداف ذات توجهات مجتمعية، وبخاصة عند البحث عن معلومات والشراء عن طريقها. في السياق نفسه، بينما تُعْتَبر المجتمعات الافتراضية أحد التجليات البارزة للتواصل الكوني، إلا أنها يمكن أن تكون كذلك مَنابر تُطِل منها بعض العناصر الأكثر بُغضًا من السلوك الإنساني؛ مثل الكذب والابتزاز الشخصي (كما في الحياة الحقيقية في الواقع)، وهي نقطة يعترف بها، حتى «هوارد رينجولد Howard Rheingold» (٢٠٠٠) بطل المجتمع الافتراضي.

(٦-٧) وجهة النظر الشكوكية

يتضح — بشكل عام — أن التطورات الحادثة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال، قد أسهمت لدرجة بعيدة في أشكال وأنماط التواصل الكوني العابر للحدود القومية، إلا أن «بول هيرست»، و«جراهام طومسون» (١٩٩٦م) يتشككان في تأثير هذه التكنولوجيات ويعتبران إدخال التلغراف والكابلات تحت الأرضية لحظة أكثر محورية في تاريخ التواصل الدولي، بالنسبة ﻟ «توم ستاندا Tom Standage» كان ذلك هو «الإنترنت الفيكتوري» الذي أكد أنه كان «ينبغي إعادة النظر في كل شيء من جمع الأخبار إلى الدبلوماسية» (١٩٩٨م، ١). الكُتَّاب المُتشكِّكون في الدعاوى المتطرفة لدعاة العولمة، لا ينكرون أن التطورات الحديثة في تكنولوجيا المعلومات والاتصال، تُشكِّل الأساليب التي نتواصل بها بعضنا مع البعض، ولكنهم يؤكدون أن تلك عملية تطورية أكثر منها ثورة. في علاقة بذلك، نجد أن أشكال التوزيع التليفوني العالمية بقيت، نسبيًّا، دون تغيير لمئات السنين، باستثناء الدول سريعة التصنيع في شرق آسيا، التي تتكامل في شبكات معلومات واتصال بمعدل سريع (Tehranian and Tehranian, 1997). كما يجادل المتشككون كذلك بأن علينا أن نعترف بالأساليب التي تستطيع بها المجتمعات القومية تشكيل الظواهر الكونية والعابرة للحدود القومية، فيما يتعلق بكل من التكنولوجيا وغيرها من مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية مثل الأسواق. في «اقتصاد الإنترنت العالمي»، مثلًا، وهي سلسلة دراسات لتطور الإنترنت وبخاصة في مجال التجارة (٢٠٠٤م) نجد أن الفكرة الرئيسية البارزة هي الطُّرق المختلفة التي تتطور بها في مجتمعات مُعيَّنة، عاكسة الظروف المُحدَّدة في هذه الدول مثل الأنظمة القانونية، الأمر الذي يجعل المُحرِّر يستنتج أن «اقتصاد الإنترنت العالمي» لم يتحقق بعدُ رغم أن ذلك هو عنوان الكِتاب (Kogut, 2004: 437). مثل هذه النتائج يعمل كذلك على موازنة الزعم بأن الحكومات القومية غير قادرة على التحكم في الإنترنت أو التأثير فيه، وأن النتيجة الأولية للتقدم الذي حدث في تكنولوجيا المعلومات والاتصال العالمية هي تسريع قُوَّة المؤسَّسات مُتعدِّدة الجنسية والمؤسسات العابرة للحدود القومية، مما أدَّى إلى إلحاق الضرر بالسيادة القومية (Schiller, 1995). وأخيرًا، ربما يكون الجدال الرئيسي ضد مفهوم التواصل العالمي هو أن عدم المساواة في إمكانية الوصول إلى تكنولوجيات المعلومات والاتصال هو سبب ضعفه، وهو ما سوف نتناوله الآن.

(٧) الانقسام الرقمي

(٧-١) الانقسام الرقمي العالمي

يشير ما يُطْلَق عليه «الانقسام الرقمي» إلى عدم المساواة في فُرَص الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصال، ويبدو أنه يُمثِّل تحدِّيًا رئيسيًّا لمفهوم «مارشال مكلوهان Marshall McLuhan» عن «القرية الكونية» (McLuhan and Fiore, 1967). هناك مفهومان رئيسيان يقال إنهما يشيران إلى وجود الانقسام الرقمي الأول أنه موجود عالميًّا أو كونيًّا بين الدول، والثاني أن هذا الانقسام نفسه موجود داخل الدول٧ في إطار المفهوم الأول نجد أن أفريقيا أقل حظًّا بكثير في كل من تكنولوجيات المعلومات والاتصال والبنية التحتية الداعمة مُقارَنة بالمناطق ذات الصناعات، مثل أوروبا وأمريكا الشمالية، وهو الوضع الذي يجعل الكثير من الدول والشعوب الأفريقية أقل ارتباطًا بشبكات الاتصال العالمية. في هذا السياق فإن الوصول إلى الإنترنت في بعض مناطق العالم أكثر محدودية منه في غيرها، على الرغم من أن ذلك قد يكون راجعًا في بعض الأحيان إلى أشكال السيطرة السياسية والدينية أو إلى إحداهما، وهو الوضع الذي ينطبق على دول بعينها في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقوقاز. وبينما زاد استخدام الإنترنت بشدة في الغرب، ويتزايد في أجزاء كثيرة من آسيا وأمريكا اللاتينية، نجد أنه لم يَزْدَد ولا يتزايد في مناطق كثيرة؛ مثل الشرق الأوسط وأفريقيا. في الهند، على سبيل المثال، ارتفع عدد المستخدِمِين للإنترنت من ٤ ملايين شخص في سنة ٢٠٠٠م إلى ۲۳ مليونًا في ٢٠٠٣م على الرغم من أن ذلك يظل ظاهرة مدينية، كما أن الوصلات التليفونية الرديئة تُعطِّل اتساع الظاهرة.
من منظور عالمي، وعلى الرغم من تَمثيل أقل من ٢٠٪ من سكان العالم، فإن ٪۹۰ تقريبًا من مُستخدِمي الإنترنت كانوا مَوجُودين في الدول الصناعية في ۲۰۰۳م رغم أن هذا الرقم يُخفي فوارق هائلة بين الدول في داخل العالم المتقدم (Guardian, 2003). في فرنسا مثلًا هناك مُستخدِمون للإنترنت وللكمبيوتر الشخصي أقلُّ منهم في الولايات المتحدة، وفي أفريقيا كان هناك ١٪ من مُستخدِمي الإنترنت بالرغم من أن القارة تُمثِّل ١٩٪ من سُكَّان العالم (ibid). مرة أخرى، ذلك أمر لا يثير الدهشة، إذا عرفنا أنه يوجد في أفريقيا عدد محدود من خطوط التليفون مُقارَنة بغيرها من الدول٨ وهنا مثال آخر نُورِده لدلالته وهو أن «مانهاتن» يوجد بها خطوط تليفون أكثر من تلك الموجودة في أفريقيا جنوب الصحراء بكاملها، أفريقيا كلها تُواجِه تَنوُّعات كثيرة في استخدام الإنترنت بسبب تَركُّز أغلبية المستخدِمِين في جنوب القارة. إمكانية الوصول الأفريقي إلى طُرق المعلومات الدولية فائقة السرعة مُعوَّقة بسبب نقص عدد أجهزة الكمبيوتر والتليفونات المحمولة عنه في القارات الأخرى، هذا بالرغم من أن عدد التليفونات المحمولة في أفريقيا جنوب الصحراء ارتفع من ۷۲۰۰۰ جهاز في ١٩٩٥م إلى ٢٥٫٥ مليون جهاز في ٢٠٠٥م (Vasagar, 2005). وهناك محاولات تُبذَل لكي لا تظل أفريقيا أقل القارات تواصلًا، وخاصَّة من خلال بناء كابل ليفي-بصري حول القارة بكاملها، بهدف تحويل الاتصالات فائقة السرعة داخل أفريقيا، وتكاملها مع الشبكة العالمية للاتصالات. هناك إذن بعض المؤشرات الإيجابية بالنسبة لأفريقيا في هذا المجال.
في سياق مُماثِل، نجد أن المسألة أكثر تعقيدًا بالنسبة لأمريكا اللاتينية، أكثر ممَّا أوضحنا سابقًا؛ فبينما زاد استخدام الإنترنت، إلا أن هذه الزيادة ليست متساوية أو مُتَّسقة. في الأرجنتين والبرازيل والمكسيك؛ حيث يوجد أكثر من ٨٠٪ من مُستخدِمي الشبكة في المنطقة، نجد أن الاتصال جيد، بينما هو ليس كذلك في بقية دول القارة (Tran, 2000). وبالنظر إلى ما هو أبعد من أمريكا اللاتينية، وبحسب بيانات الاتحاد الدولي للاتصالات، فإن الإحصائيات عن مستخدِمي الإنترنت في العالم ليست دقيقة، بما يعني أن الفجوة الرقمية ربما لا تكون واسعة كما يُدَّعى غالبًا. المشكلة — كما يقال — تكمن في الأساليب والآليات القاصرة لجمع المعلومات في كثير من الدول النامية، والشاهد على ذلك دهشة حكومات هذه الدول عند الاطلاع على نتائج أبحاث الاتحاد الدولي للاتصالات ومفاجأتهم بعدد الناس الموصولين بالكمبيوتر في بلادهم (BBC, 2003). ولكن بصرف النظر عن تَوفُّر البيانات والخلاف حول صِدقِيَّتها أو دِقَّتها، هناك قَدْر من الاتفاق على أن تَحسين إمكانية الوصول إلى التكنولوجيات الحديثة أمر حَيوي بالنسبة للمجتمعات النامية، وقد يمكن الكثير منها من تَخطِّي، أو على الأقل الإسراع بمراحل نُموِّها، وخاصة أن المعلومات (المعرفة)، والاتصال (الشبكات) مصادر مهمة لإنتاج الثروة في المرحلة المعاصرة، ونقص الوصول إليها سوف يشهد هذه المجتمعات وقد أصبحت أكثر تَخلُّفًا.

(٧-٢) الانقسام الرقمي المحلي

أما بخصوص الانقسام الرقمي في داخل المجتمعات، فقد أظهرت الدراسات التي أجريت في السنوات الأولى لاستخدام الكمبيوترات الشخصية والإنترنت، نمطًا عامًّا من هذا الانقسام، على الأقل بداخل العالم الصناعي. كان أول مَن تَلقَّف تكنولوجيا المعلومات والاتصال، والتعامل مع الإنترنت هم: الذكور، المرحلة العمرية من ١٨–٢٤ سنة، البيض، سكان الضواحي، أصحاب الدَّخْل الجيد والتعليم الجامعي؛ وبالتالي كان بالإمكان رصد التصنيفات الدراسية والعرقية والنوعية والعمرية بالنسبة للمستخدمين لنجد أن البيض الذكور تحت سن الأربعين هم أغلبية المتعاملين مع هذه التكنولوجيا في المجتمعات ما بعد الصناعية (Eisenstein, 1998). في عام ١٩٩٨م مثلًا، كان عدد مُستخدِمي الإنترنت من الإناث يَتراوح بين ٩٪ و٢٠٪ في مختلف الدول الأوروبية (BBC, 2000a). وفي الولايات المتحدة كانت هناك تعليقات كثيرة على الانقسام الرقمي واتساع الفجوة، تعود إلى فترة رئاسة كلينتون، الذي طالب أثناءها بأن يكون الوصول إلى الإنترنت واستخدامه متاحًا مثل استخدام التليفون، باعتباره وسيلة لمُواجَهة هذه المشكلة، وكما هي الحال في كثير من المجتمعات الغربية الأخرى فإن الفروق في مستويات استخدام الكمبيوتر والإنترنت في أمريكا قد مَرَّت عَبْر خطوط عرقية وتعليمية ومدينية/ريفية وكذلك خطوط خاصة بالداخل. الأمريكيون البيض مثلًا، كان من المرجح — تقليديًّا — أن يكون لديهم أجهزة كمبيوتر منزلية أكثر من الأمريكيين من ذوى الأصول الأفريقية أو الإسبانية، وبالتالي كانت فرصتهم أكبر للوصول إلى الإنترنت، وبالمثل فإن ٥٣٪ فقط من الهنود الأمريكيين الذين يعيشون في مَحمِيَّات كانت لديهم إمكانية الوصول إلى الخدمات التليفونية الأساسية في (Anderson, 1999).
ومع انتشار الإنترنت واستخدامه، فإن النموذج الذي وصفناه أصبح أقل ظهورًا داخل المجتمعات المتقدمة (انظر: Chen et al., 2000).٩ ومع تزايد إمكانيات الوصول إلى الإنترنت وبخاصة في المكتبات وأماكن العمل ومقاهي الإنترنت، فإن الباحثين يعطون الاهتمام الأكبر للاستخدام الفعلي؛ وفي هذه المجالات يمكن أن نلمس الانقسام، حيث لا يستخدم أصحاب الدخول الأقل الكمبيوتر إلا لساعات قليلة أسبوعيًّا، والمُرجَّح أن يتوقفوا تمامًا (Katz and Rice, 2002). المؤكد أن قضية استخدام الإنترنت تُعبِّر عن الفجوات والانقسامات الاجتماعية القائمة وتقويها، كما أنها مرتبطة بعوامل مختلفة؛ مثل التعليم، والدخل، والخلفية الأسرية، والجيرة (Warschauer, 2004; Van Dijk, 2005). بعبارة أخرى مُوجَزة: الانقسام الرقمي ليس مجرد صعوبة تكنولوجية.

(٧-٣) شبكة اتصال النِّطاق العريض والانقسام الرقمي

أحد التجليات الواضحة للانقسام الرقمي أو الفجوة الرقمية، هو عدم المساواة في إمكانية الوصول إلى شبكة اتصال النطاق العريض، وهو ما يحدث ليس فقط داخل المجتمعات (حيث عادة ما تكون الشبكة مركزة في المناطق الحضرية عنها في الريفية)، وإنما بين المجتمعات كذلك: ٩٣٫٩ من مستخدِمِي الإنترنت في كوريا الجنوبية كان بإمكانهم الوصول إلى شبكة النطاق العريض في سنة ۲۰۰٣م مقارنة ﺑ ۱۸٫۳ فقط في الولايات المتحدة (ITU-2003). شبكة النطاق العريض توفر سرعة عالية وتحقق استمرارية الاتصال بالإنترنت، وهناك ما يدل على أن ذلك يمكن الناس من استكشاف مجالات أوسع لتطبيقات الإنترنت، وأن يصبحوا أكثر إبداعًا في استخداماتها؛ وفي الولايات المتحدة أظهر البحث الذي أُجْرِي بوصفه جزءًا من: Pew Internet and American Life Project أن شبكة النطاق العريض هي المُحدِّد الوحيد المهم لاستخدام الإنترنت، وأنها أكثر تأثيرًا من عوامل؛ مثل السن والنوع ومستوى التعليم (Horrigan and Raine, 2002). ومن ثم فإن مستوى الوصول إلى شبكة النطاق العريض سيكون في المستقبل أحد العوامل المهمة التي تُحدِّد ما إذا كان الانقسام الرقمى يَتَّسِع أم يضيق، شبكة النطاق العريض، بحسب الظاهر، مُجرَّد مُحدِّد تكنولوجي عن الانقسام الرقمي؛ ولكن من الثابت أن هناك عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية وراء هذا التوزع غير المتساوي. وهكذا بالنسبة للولايات المتحدة، فإن عددًا كبيرًا من المُعلِّقين يُلاحِظون أن هذه المشكلة موجودة مع نقص الترويج العام، بينما يضغط كثير من الحكومات في مناطق من آسيا وأوروبا بنشاط ويستثمرون في شبكة النطاق العريض لأغراض اجتماعية ومنزلية (e.g., Van Dijk, 2005).
هناك كذلك عامل تنافسي بخصوص توفر شبكة النطاق العريض، فكما أشار «مارك وارشاور Mark Warschauer» (٢٠٠٤) نجد أن تقديم خدمات شبكة النطاق العريض يَتَّجِه لأن يكون أكثر سرعة، كقاعدة عامة، في الأماكن التي تكون فيها المنافسة قوية. ومن المثير للاهتمام، وربما يكون من الأمور الأكثر دلالة، أن تكون هناك سوق تنافسية في كوريا الجنوبية. وعلى نحو أكثر تفاؤلًا، يوضح Jan A. G. M. Van Dijk (٢٠٠٥) أنه مُقارَنة بالابتكارات التكنولوجية الأخرى، فإن الانقسام الرقمي ربما لا يكون طويل المدى للوصول إلى شبكة النطاق العريض؛ حيث إن الإنتقال من اللاتواصل إلى التواصل هو أكبر من الخطوة من شبكة النطاق الضيق إلى شبكة النطاق العريض، وخاصة أن الأخيرة يمكن أن تُقدِّم تنوعًّا من الخدمات السمعية البصرية التي من المُرجَّح أن تجد قبولًا واسعًا.

(٧-٤) معالجة الانقسام الرقمي

يصاحب الانقسام الرقمي تباينات إضافية وحالات خارجة عن القياس خاصة بتكنولوجيات الاتصالات العالمية، يَبرُز من بينها كون الولايات المتحدة لها السيطرة الأحادية على أنظمة الأسماء والمخاطبة في مجال الإنترنت. في سنة ١٩٩٨م أنشأت وزارة التجارة الأمريكية مؤسَّسة غير ربحية تُعْرَف بمؤسَّسة الإنترنت للأسماء والأعداد المُخصَّصة (ICANN) لِتتولَّى هذا الدور، إلا أن عددًا متزايدًا من الحكومات الوطنية يُطالِب بنفوذ أكبر على الإنترنت بزعم أن الدور الذي تقوم به اﻟ ICANN يَطغى على سيادتها وأن إشرافها على الإنترنت عرضة للفيتو من قبل وزارة التجارة الأمريكية، وكان رد الولايات المتحدة على مثل هذه الاتهامات هو أن وضعها يأتي نتيجة لتاريخ الإنترنت؛ حيث إنها هي التي قادت مَسيرة تأسيس مُعْظَم البنية الأساسية القائمة، وأن رعايتها هي التي حققت الاستقرار، كما أنها هي التي تُشرِف على اتساعها المستمر. الانتقادات المُوجَّهة لدور الولايات المتحدة تم التعبير عنها في الأشهر السابقة على القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي عقدت في تونس ٢٠٠٥م برعاية الأمم المتحدة، كما تم التعبير عن القلق من أن الشبكة العالمية WWW قد تَتشظَّى إذا لم يُحْسَم الأمر وإذا قَرَّرتْ بعض الدول أن تتصرف على انفراد، ما حدث هو أن القمة وافقت على أن تستمر ICANN في إدارة الشبكة فَنِّيًّا على أن يتم إنشاء مُنتدى جديد لإدارة سياسة الإنترنت Internet Governance Forum (IGF) إلا أن الانتقادات ترى أن هذا الحل يعني — من الناحية العلمية — استمرار توجيه الولايات المتحدة وسيطرتها على الإنترنت.
هناك كذلك، قضايا أخرى في حاجة إلى أن تُعالَج، تتعلق بهذا المجال، مثل كون الشبكة العالمية ظاهرة تسودها اللغة الإنجليزية. في افتتاح مؤتمر الأمم المتحدة الأول بخصوص الانقسام الرقمي، كان «كوفي أنان»، السكرتير العام السابق للمنظمة يُجادِل بأن كون ٧٠٪ من المواقع باللغة الإنجليزية يعني الضغط على الأصوات المحلية. هناك كذلك شكاوى مستمرة من المواطنين والحكومات على السواء في كل من الدول النامية وأوروبا بأن معظم الشبكة أمريكي، وهي مشكلة يعتقد أن سببها سطوة الكمبيوترات الخادِمة للشبكة الأمريكية وآلات البحث. على أن هناك تغيرات تجرى على قدم وساق في هذه المجالات، بمعنى ظهور لغات أخرى على الإنترنت، وكذلك اتساع المحتوى الصيني للشبكة، كما هو ملحوظ، نتيجة للنمو الكبير في استخدام الشبكة في الصين، وبحسب مركز معلومات شبكة الإنترنت في الصين: China Internet Network Information Centre فإن جمهور المستخدمين يتضاعف هناك كل ستة أشهر، وبنهاية ٢٠٠٤م كان هناك أكثر من ٢٠ مليون مشترك في شبكة النطاق العريض.
وأخيرًا، يجب ألا نغفل الجهود الكبيرة المبذولة لتضييق الفجوة الرقمية، فحملة «لاب توب لكل طفل» أدَّتْ إلى تطوير الأجهزة رخيصة السعر، كما تم في الهند تصميم بديل للكمبيوتر الشخصي الذي يعمل بالبطارية، أو اﻟ Simputer كما يطلق عليه والاسم اختصار ﻟ Simple Computer في هذا السياق فإن حركة المصدر المفتوح تُقدِّم خدمات ومعلومات كسِلَع عامة أكثر منها خاصة، وهي مجانية مثل نظام التشغيل Linux واﻟ Open Office الذي يُقدِّم بدائل مجانية كذلك للأنظمة المقدمة من ميكروسوفت، إلى جانب موسوعة «ويكيبيديا» على الكمبيوتر. بالإضافة إلى ذلك فإن منظمات؛ مثل البنك الدولي، والأمم المتحدة تُحاوِل مواجَهة مشكلة الانقسام الرقمي أو الفجوة الرقمية ونشر تكنولوجيات المعلومات والاتصال في الدول النامية، مع محاولات من الأمم المتحدة لربط كل قرية في العالم بالإنترنت بحلول عام ٢٠١٥م على الرغم من أن التقدم بطيء، وخاصة فيما يتعلق بِمَن الذي سَيتحمَّل نفقات وَضْع البنية التحتية للمعلومات والاتصال.

(٨) هل هناك مجتمع معلومات؟

(٨-١) مجتمع المعلومات عند مانويل كاستلز

تثير مسألة ما إذا كانت التطورات الحادثة في تكنولوجيات المعلومات والاتصال تؤدي إلى مجتمع إنترنت عالمي كثيرًا من الجدل. «مانويل كاستلز Manuel Castells» (١٩٩٦) هو المُنظِّر الأكثر ارتباطًا بمجتمع المعلومات الذي يرى أنه يَتكوَّن من عدد من العناصر المتداخلة من بينها الرأسمالية، أو بالأحرى الرأسمالية المعلوماتية ومناهضة العولمة الرأسمالية؛ ولكن تكنولوجيات المعلومات والاتصال هي التي سهلت هذه التطورات بكل تأكيد، ومكنت الشبكات من تنسيق أنشطتها. كاستلز مُقتَنِع بأن الشبكات تَمتاز عن الأشكال الأخرى من التنظيم الاجتماعي، وأنها أصبحت النموذج التنظيمي السائد، وأنها تعيد تشكيل قطاعات المجتمع المختلفة أثناء هذه العملية، كما يُعبِّر عن ذلك بقوله: «الشبكات تُمثِّل المورفولوجيا الاجتماعية الجديدة لمجتمعاتنا، وانتشار منطق الشبكات يعدل التشغيل والنتائج في عمليات الإنتاج والتجربة والقوة والثقافة» (١٩٩٦م، ٤٦٩)، وعنده أن ظهور مجتمع المعلومات هو الأثر التراكمي لعمليات ثلاثة مستقلة: ثورة تكنولوجيا المعلومات في السبعينيات، وإعادة هيكلة الرأسمالية والدولانية في ثمانينيات القرن العشرين، والحركات الاجتماعية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين وبخاصة «النسوية»، و«البيئية» (Castells, 1997b: 7). وهو يؤكد، على نحو خاص كيف أَمَّنت تكنولوجيات المعلومات والاتصال التَّوسُّع السريع للتدفقات المعلوماتية المتزايدة حول العالم، وكيف غَيَّرت العلاقة بين الزمان والمكان كما سنرى الآن.

كاستلز: «الزمان اللازمني»، و«فضاء التدفقات»

على طريقة «جيدنز»، و«هارفي» يصوغ «كاستلز» مَفهومَي «الزمان اللازمني»، و«فضاء التدفقات» مُجادلًا أننا نستخدم تكنولوجيات المعلومات والاتصال لإزالة تَعاقُب الزمن، فنحن، على سبيل المثال، نُراكِم الزمن من خلال جمع المعلومات، لكي يظهر الماضي والحاضر والمستقبل في النص المُتشعِّب نفسه، وبالتالي نلغي «تعاقب الأشياء» (ibid., 11). وبالمثل يمكن أن يلغى الزمن من خلال الاتصال الفوري بين أجزاء مختلفة من العالم؛ أما «فضاء التدفقات» فيشير إلى إمكانية ممارسة التزامن دون تقارُب إقليمي: شبكة أماكن أو نقاط عقدية متصلة، حول ممارسة اجتماعية في الوقت نفسه — تتراوح من الأسواق التجارية إلى الحركات الاجتماعية العالمية — وذلك عَبْر دوائر إلكترونية. والحقيقة أن «كاستلز» يُحدِّد ثلاث طبقات من الدعم المادي تُمثِّل فضاء التدفقات، الطبقة الأولى «دائرة نبضات إلكترونية» وهي مكونة من إلكترونات صغرية واتصالات عن بُعد ومعالجة كمبيوترية، وأنظمة إذاعة، ونَقْل شديد السرعة وهي كذلك تَعتمد على تكنولوجيا المعلومات (١٩٩٦م، ٤١٢)، وهي تُسهِّل وتُنسِّق الممارَسات الفورية داخل الشبكة. الطبقة الثانية مُكوَّنة من «عُقَد ومَحاور» مثل المدن العالمية الكبرى، والاقتصادات الوطنية والإقليمية والقارِّية التي تكون النظام المالي العالمي، أو الأماكن المتصلة بشبكات داخل الشركات الصناعية المُتقدِّمة، المتفرقة مكانيًّا كما أنها «منظمة تراتبيًّا حسب وزنها النِّسبي داخل الشبكة»، على الرغم من أن هذا التراتب يمكن أن يَتغيَّر بمرور الوقت، مثل طبيعة الأنشطة والوظائف الأخرى الناتجة عن حركة الشبكة (ibid., 413). الطبقة الأخيرة «تشير إلى التنظيم المكاني لنخب الإدارة السائدة؛ أي — بعبارة أخرى — صلاتهم وشبكاتهم الشخصية التي تُمارس الوظائف الإدارية التي يَتشكَّل حولها هذا الفضاء» (ibid., 415).

المجتمع الشبكي حقبة اجتماعية جديدة

التحدي الذي يواجه المجتمع الشبكي في رأي «كاستلز»، يتعلق ﺑ «الهويات المقاومة» وخاصَّة عندما تكون في هيئة جماعات عرقية وحركات دينية أصولية. وعلى الرغم من هذه التوجهات المضادة، يعتقد أن هذا التشبيك المعلوماتي الذي تُسهِّله تكنولوجيات المعلومات والاتصال يفيد المجتمع الشبكي، وبذلك يخلق حقبة اجتماعية جديدة، وهكذا فإن الشَّبَكة هي الشكل التنظيمي لعصر المعلومات؛ إذ إنها تُنشئ شكلًا مختلفًا من البنية المعلوماتية، يحافظ عليه الإنترنت (Castells, 2001). المؤسَّسات التراتبية والبيروقراطية مثل الدولة-الأمة، لا تستطيع أن تُواكب الكفاءة التنظيمية والديناميكية ومرونة الشبكات، وهذا واضح في الصعوبات التي تواجهها الدول في تعاملاتها مع الشبكات الدولية الجنائية؛ ومن دواعي السخرية أن الحكومات عندما تريد أن تَتناول مثل هذه الشبكات، سيكون عليها — هي نفسها — أن تعمل في صورة شبكات ونقاط عقدية تُنَسِّق أنشطتها وتَجمع معلوماتها، وكل ذلك يتضمن أن تتحول القوة من المؤسسات السياسية إلى التدفقات والقواعد الثقافية لتلك الشبكات؛ على أن طرح «كاستلز» واجه انتقادات كثيرة كما سنرى.

مانويل كاستلز: وجهات نظر نقدية

بداية، بينما يقدم «كاستلز» مادة غزيرة، إلا أنه واجه انتقادات كثيرة؛ لأنه لم يُقدِّم عرضًا وافيًا أو عميقًا للشبكات. لم يُوضِّح الفروق بينها. لم يُبَيِّن علاقتها بغيرها من الأشكال التنظيمية؛ ومن هنا، هناك زَعْم بأن هذا المَلْمَح الرئيسي لعمله لا يُقدِّم مفهومًا متكاملًا (Urry, 2003). وفي نظر بعض الكُتَّاب تظل شبكات «كاستلز» عند مستوى الاستعارة (Nas and Houweling, 1998). وفي السياق نفسه يجادل «روبرت هولتون Robert Holton» (٢٠٠٥) أن «كاستلز» يقدم معالَجة عامَّة للشبكات لا تحتوي على بيانات إمبيريقية كافية، وهو نَقْد له قيمته لأن نظريته، رغم أنها فضفاضة، قابلة للتطبيق عمليًّا (Stadle, 2006).
وهناك نقد عام آخر لطرح «كاستلز»، يرى أنه بتأكيده الاستعارات، لا يولي اهتمامًا كافيًا لقضية السُّلطة واتخاذ القرار والقُوى التي تَدفَع مجتمع الشبكة؛ كما أنه، في الواقع، يتجاهل كون الشبكات تنشأ وتتمَدَّد في المجتمع، وأنها — حتمًا تعكس المكونات الاجتماعية — السياسية القائمة. وبهذا الخصوص فإن عوامل فاعلة؛ مثل المؤسَّسات مُتعدِّدة الجنسية والعابرة للحدود القومية، والحكومات الوطنية، والمؤسَّسات القانونية، ومنظمات التجارة الدولية، هي التي تُقرِّر التوزيع العالمي لتكنولوجيات المعلومات والاتصال، وبدورها، فهي التي تُؤثِّر في مسار مُكوِّنات الشبكة. أحد الأوجه المهمة لهذا التحكم، ملكية الحقوق الفكرية بالنسبة لتكنولوجيا المعلومات والمَعرفة وبخاصة اتفاقية اﻟ TRIPS١٠ التي تُشْرِف عليها منظمة التجارة العالمية، والتي تحاول أن تضع معايير للملكية الفكرية لاقتصاد المعرفة الكوني (Drahos and Mayne, 2000).
يعتقد كل من «بيتر دراهوس Peter Drahos»، و«جون بريثويست John Brithwaite» (٢٠٠٢) أن القواعد الحالية الخاصة بالملكية الفكرية هي نتاج قسر من قبل الدول المتقدمة (الولايات المتحدة الأمريكية بالتحديد، والاتحاد الأوروبي على مستوى أقل قليلًا) والمؤسسات القوية التي تفيد مباشرة من وَضْع يُطْلِقون عليه «إقطاع المعلومات». وهكذا فإن حقوق النشر، وبراءات الاختراع، والماركات المُسجَّلة تَحمي التصميمات، وتعمل على تقييد الوصول إلى البرمجيات وحسابات التكنولوجيات الرقمية بما يجعل الكثير من المجتمعات النامية يجد صعوبة في دفع رسوم وعائدات عن هذه المصادر المعلوماتية. وإذا كان «دراهوس» ومَن معه من الكُتَّاب مُحِقِّين، فإن أنظمة الملكية الفكرية هذه لن ينجم عنها أشكال جديدة من اللامساواة وتَعوِيق للتنمية في العالم الثالث فحسب، وإنما سيكون لها آثار عميقة في تَكوين مُجتمَع معلوماتي عالمي؛ لأن مثل هذا المجتمع يعتمد على إمكانية الوصول للمعلومات والمَعارف والمُشاركة فيها. ولمواصلة موضوع القوة، من المنظور الماركسي — ومن المثير للاهتمام أن كاستلز بدأ عمله الأكاديمي من هذا التراث — ترى أنه حتى مع السماح بالتغيرات التي تُقدِّمها الشبكات للأشكال التنظيمية داخل المجتمعات فإنها تظل مدعومة بواسطة الرأسمالية وتعمل في إطار نظام رأسمالي عالمي. يتبع ذلك أن المجتمع الشبكي، بمعنى ما، يختلف قليلًا عن الحقب السابقة، وعلى الرغم من ذلك فإن «كاستلز» سوف يَردُّ على هذه النقاط مجادلًا بأنه يضع في اعتباره كُلًّا من أهمية واستمرار الرأسمالية، ويفعل ذلك بِصَوغ مفهوم «الرأسمالية المعلوماتية» التي تقوم كما سبق أن ذكرنا على ثورة تكنولوجيا المعلومات في سبعينيات القرن العشرين، وإعادة هيكلة الرأسمالية والدولانية في ثمانينياته، وهي أكثر مرونة وكفاءة وأكثر كمالًا من الناحية الجغرافية (انظر: Castells, 1996). إلا أنه ربما يوجد، كما يُلاحظ «فرانك ويبستر Frank Webster» شُبْهة تناقُض في عمل «كاستلز» بين تأكيده ظهور شكل جديد من المجتمع واستمرار الرأسمالية. وبنظرة أوسع، بينما يكون من الضروري أن نُحدِّد علاقات القوى والقوى الاقتصادية وراء الشبكات، ينبغي ألا نستبعد دور العناصر البشرية المُشاركة في هذه الأشكال التنظيمية؛ حيث إن الكثير منهم سيقوم بذلك لدوافع غير اقتصادية، كأن يكون ذلك لأسباب ثقافية وشخصية.
ربط «كاستلز» التدفقات المعلوماتية والحراك بالنخب، والذي — كما ذكرنا سابقًا — يُعْتَبر الطبقة الثالثة من الدعم المادي الذي يُحدِّده بأنه يُمثِّل فضاء التدفقات، هذا الربط يجعله يُقلِّل من شأن المدى الذي يمكن أن يُسهِم به المواطنون العاديون في مثل تلك التدفقات، وهي ليست مقصورة على «فضاء الأمكنة». في هذا السياق فإن قدرة الحركات الاجتماعية والمنظَّمات غير الحكومية على التأثير في أجندات نخب الشبكة، وعلى أن يكون لها في بعض الأحيان دخل في صنع السياسة. هذه القدرة تُعَقِّد مفهومه عن الطبيعة التراتبية للشبكات؛ هذا على الرغم من أنه — إنصافًا له — اعترف في مقابلة معه فيما بعد بأن قطاعًا أوسع من المجتمع «يريد أن يفعل كل شيء، يمكن أن يشغل هذا الفضاء ويستخدمه لأغراضه الخاصة»، بما أن فضاء التدفقات يعتمد ماديًّا على تكنولوجيات المعلومات والاتصال الجديدة (Castells and Ince, 2003: 58).
وأخيرًا، هناك نقطة أخرى لافتة للانتباه في نظرية «كاستلز»، وهي أنها تُلمِّح إلى وجود تفاوُت في عمليات العولمة، وقد كتب بالفعل عن «العولمة الناقصة لمجتمع المعلومات» (٢٠٠٤م، ٢٣) كاستلز يعترف بأن ليس كل واحد مرتبط بالشبكات، ويصف بالمثل كيف تتكيف الشبكات وتُشكِّل نفسها ذاتيًّا؛ بمعنى أن الوظائف التي تقوم بها بعض النقاط يمكن أن تزيد أو تقل في الأهمية، حال كونها جزءًا من عملية مستمرة. «كاستلز» يعترف كذلك بأن تأثير التكنولوجيا يتوقف على تفاعلها مع العناصر البشرية في مواقف محددة، وهذا ما يجعل «دارين بارني Darin Barney» (٢٠٠٤) يتساءل ما إذا كان من الملائم تَصوُّر «مجتمعات شبكية» بدلًا من «المجتمعات الشبكية».

(٩) تفسير التواصلية المعاصرة

يؤكد كثير من الكُتَّاب على أن التكنولوجيا هي المُسهم الرئيسي في العولمة، وبخاصة في مجال الإعلام والاتصال (e.g., Ohaume, 2005; Strange 1990; Wriston, 1992). أما بالنسبة ﻟ «وولت ريستون Walt Wriston»، و«كينيشي أوهما Kenichi Ohmae» فَهُما يريان أن التكنولوجيا هي التي أملت طبيعة الأعمال التجارية والمصرفية الحديثة، ومن ثَمَّ أدَّى ذلك إلى ظهور الاقتصاد العالمي، إلا أنه بالتركيز على التكنولوجيا، يوجد هناك دائمًا خطر الوقوع في الحتمية التكنولوجية وإهمال العمليات الأخرى التي تسهم في العولمة مثل الرأسمالية والتحديث؛ وعليه فلكي تؤكد تأثير الإبداع التكنولوجي في العولمة الثقافية يجب أن نضع كل ما يتعلق بالأبعاد الأخرى في الاعتبار، ولكن بمعنى أيضًا أن التكنولوجيا مُتضافرة معها، وتتناول على سبيل المثال حجم ما تُقدِّمه الرأسمالية لدفع الانتشار السريع لتكنولوجيات المعلومات والاتصال، وخاصَّة أن تعظيم الربح من المُرجَّح أن يكون هو الدافع الرئيسي وراء ظهور تكنولوجيات الاتصال والمُنظَّمات الإعلامية العالمية.

ولكن عولمة الاتصال ساعد عليها كذلك عوامل أخرى منذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين، بانتهاء الحرب الباردة، وخَصْخَصة الاتصالات في بعض الدول، ونظام تحرير التجارة العالمية الذي سهَّل كثيرًا انتشار اقتصاد السوق. يُضاف إلى ذلك أننا لكي نقيم هذه المسألة على نحو صحيح لا بد من أن نضع في اعتبارنا تلك القوى التي تستخدم التكنولوجيا لتعطيل جوانب من العولمة تراها ضارة بمصالحها، يدخل في ذلك — تلك القوى — حركات سياسية مُعيَّنة وتقاليد دينية وقومية وعرقية مختلفة.

وللتعبير عن ذلك كله بأسلوب آخر، وبهدف التركيز تحديدًا على اهتمام هذا الفصل من الكتاب، وهو مدى إسهام الاتصالات العالمية والميديا والتكنولوجيا في العولمة الثقافية، لا بد من الاعتراف بأن تكنولوجيات المعلومات والاتصال والميديا العالمية لا تَعْمَل بمعزل عن عوامل أخرى كثيرة، فهي تنبثق من مجتمعات إنسانية ومرتبطة بها وهي حقيقة تقرر طبيعة تأثيرها تمامًا. مثل هذه التكنولوجيات — باختصار — يَتداخَل فيها ومعها الأفراد والجماعات التي تعمل في أُطر اجتماعية مُعيَّنة؛ أي إنه ليس لها تأثيرات مباشرة أو آلية أو حتمية. والواقع أن عددًا من الدراسات يرى أن كثيرًا من الناس يستخدمون الابتكارات التكنولوجية الحديثة مثل الإنترنت من أجل ملاءمة وتسهيل أنماط سلوكية مستقرة، إلى جانب الحفاظ على العلاقات الاجتماعية القائمة (انظر: e.g., Kogut, 2004). هذا المفهوم عن كيفية عمل هذه التكنولوجيات سوف يساعدنا كذلك على تَجنُّب اعتبارها ذات تأثير خاص لا يستطيع الناس مقاومته، وهو تَوجُّه يمكن أن نجده في بعض التفسيرات التكنولوجية عن العولمة. وكما أوضحنا، فإن أحد الملامح المُحدَّدة لتكنولوجيات المعلومات والاتصال المعاصرة، هو أنها تُؤدِّي بوسائل مختلفة إلى المزيد من التشخيص (individualism)١١ وتزود الناس باستقلالية ذاتية واختيار أوسع، وخاصة عندما يكون الأمر مُتعلِّقًا بالإعلام. على أن الناس، كما رأينا أيضًا، يستخدمون هذه التكنولوجيات للإسهام في أشكال مختلفة من الشبكات، ومن هنا فَهُم أيضًا متورطون في أنماط من الممارسة والتشكيل الاجتماعي؛ أما التعبير المُستخدَم لتلخيص هذا السلوك فهو «الفردانية الناتجة عن الشبكة» (Wellman and Haythorn Waite, 2002).

وأخيرًا، إذا كنا بالفعل نريد أن نُحدِّد تأثير التكنولوجيا في العولمة، وهو ما يَحُول دونه ضِيق المجال هنا، فلا بد من مُناقَشة هذه القضية في علاقتها بتأثير التكنولوجيات الأخرى (النقل مثلًا)، وليس بِمجرَّد التركيز على تكنولوجيا المعلومات والاتصال كما هي الحال هنا.

عند تَناوُل هذا الأمر في علاقته بالعولمة الثقافية، لا بد من أن ندرك كذلك أنه كانت هناك لحظات فارقة أخرى في تاريخ تكنولوجيا الإعلام والاتصال، أسهمت على نحو مُهِم في أشكال التواصل عَبْر الكرة الأرضية، وخاصَّة تَطوُّر مطبعة جوتنبرج في العصور الوسطى، التي كانت تعتمد على تكنولوجيا تُسمَّى «النمط المتحرك» واخترعها «جوهان جوتنبرج Johannes Gutenberg» في ١٨٤٨م، هذا إذا تغاضينا عن حقيقة أن الصينيين كانوا أول من فَكَّر في الطباعة في القرن الثامن. كانت أهمية هذا الاختراع أنه سَهَّل انتشار أشكال مختلفة من الأدب عبر أوروبا بما في ذلك الإنجيل، وبذلك سَهَّل النهضة والإصلاح والتنوير. كانت الطباعة إذن إسهامًا رئيسيًّا في التواصل الإنساني وفي الوقت المناسب لتطور العولمة، ولكنها ظهرت بشكل أساسي في المرحلة ما قبل الحديثة، وربما قد ننظر إلى التطورات التكنولوجية في الاتصالات في المرحلة الحديثة باعتبارها الإسهامات الأساسية للعولمة. من بين هذه التطورات، إلى جانب التلغراف الذي ذكرناه سابقًا، كان دخول التليفون (١٨٧٦م)، واللاسلكي (١٨٩٥م)، وهناك كذلك سوابق في تكنولوجيات الإعلام والاتصال في عصرنا مِثْل دُور النشر، ووكالات الأنباء العالمية التي ظهرت في الولايات المتحدة وأوروبا في القرن التاسع عشر. بالتَّساوُق مع ذلك، فإنه بينما يُمْكِن تَتبُّع أصول الاتصال العالمي عائِدين إلى القرن التاسع عشر، وربما قبل ذلك بكثير كما تُبَيِّن الإحصائيات هنا، فإن التَّدفُّق اليومي للاتصالات والمعلومات على نطاق عالمي يُعتَبر أحد ملامح هذا العصر. التقدم الحديث في تكنولوجيات المعلومات والاتصال وغيرها من التَّطورات في إطار صناعة الاتصالات يُمثِّل تَغيُّرًا نوعيًّا في طبيعة وحجم التواصل العالمي ومداه الإقليمي.
على أنَّنا عندما نُحاول تَقييم مدى التواصلية العالمية التي سَهَّلَت التكنولوجيات الحديثة، لا بد من أن نضع في اعتبارنا مُلاحظة «ثابو مبيكي Thabo Mbeki» رئيس جنوب أفريقيا بأن «أكثر من نصف البشرية لم يديروا في حياتهم قُرص تليفون» (Lynch, 1997: 253). يُضاف إلى ذلك أنه في بداية الألفية الجديدة كان هناك أكثر من ٤ بلايين نسمة من إجمالي سكان العالم البالغ عددهم نحو ٦ بلايين نسمة، لم تلمسهم ثورة تكنولوجيا المعلومات، بينما كان هناك حوالي ٢٪ فقط مُتَّصلِين بالإنترنت، وهذا يدل على حجم العمل المطلوب القيام به للتغلب على الفجوة الرقمية. بعبارة أخرى، يمكن أن نبالغ في حجم ما يحدث بالنسبة للاتصال العالمي والإعلام والتكنولوجيا، ونقع أسرى قولنا إننا نعيش في «عصر المعلومات»، و«ثورة الاتصالات»، و«مجتمع الشبكة الكونية». وحيث إن ملكية تكنولوجيات المعلومات والاتصال وإمكانيات الوصول إلى التدفقات المعلوماتية غير متساوية في العالم، فإن الاتصال العالمي ينبغي ألا يُفسَّر باعتباره اتصالًا عامًّا أو شاملًا بالفعل. هذا مجال، كما رأينا، سريع التغير، فمنذ سنة ٢٠٠٠م أصبحَت أفريقيا ومناطق أخرى نامية أكثر اتصالًا على المستوى الكوني. هناك كذلك وضع راسخ داخل الدراسات التكنولوجية مفاده أنه حيث إن التكنولوجيات مُوزَّعة لدرجة التشبع فإن تكلفتها تهبط لكي تجتذب المزيد من المستخدمين. إلا أنه، على سبيل الحيطة من هذا التفاؤل، فإن على كثير من الدول النامية — لكي تفيد من أي انخفاض في التكلفة — أن تواجه مُشكلات البنية الأساسية الرئيسية حتى تستطيع الوصول إلى هذه التكنولوجيات، وهي نقطة ممكنة التطبيق في بعض المناطق الريفية في المجتمعات النامية، على أننا، إضافة لذلك، لا بد من أن نقول: إن هناك «متشائمي سيبر» (إن جاز لنا استخدام مصطلح «بيسبا نوريس Pippa Norris») الذين يجادلون أنه حيث إنَّنا ما زلنا في بداية ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال، فإن المبتكرين الأوائل من المُرجَّح أن يَظلُّوا مُحافِظين على سَبْقِهم في هذا المجال (انظر: Norris, 2001). هناك كذلك مَزاعم مستمرة بأن الأثر النهائي للتقدم التكنولوجي مثل الإنترنت سوف يُفاقم اللامساواة ويُعمِّق التفاوت الموجود، وهذه النظرة ليست مَقصورة على مُعارضِي العولمة فقط، ولكن ذلك كان أيضًا رَأْي قرابة ألف من كبار رجال الأعمال الذين جرى استطلاع رأيهم قبل منتدى ديفوس في سنة ۲٠٠٠م (BBC, 2000).

والخلاصة، أن الطبيعة المعقدة — على الأقل في هذه المرحلة — لكثير من الجدال المحيط بتكنولوجيات المعلومات والاتصالات، دليل على صعوبة تحديد مدى إسهام تلك الأشكال التواصلية في العولمة الثقافية. ما يمكن قوله بتأكيد أكبر، هو أنه بينما ربما تكون التكنولوجيا قد دَفعَت العولمة أو لا تكون، إلا أنها — على أية حال — قَدَّمَت الكثير من البنية التحتية لكي تساعد على تَطوُّرها. في هذا السياق فإن الشبكات التي تعمل على تكامُل أجزاء مختلفة من العالم، والتي تُساعد التكنولوجيات الحديثة على الإبقاء عليها؛ هي مُكوِّن مُهِم للتواصلية الكونية، ونُكَرِّر، لكي نفهم كيف تُسهم الميديا وتكنولوجيات المعلومات والاتصال والتَّدفُّقات التي تُولِّدها في العولمة، لا بد من أن نفهم كيف تتأثر كل تلك العوامل بالأفراد والجماعات في سياقات مختلفة.

للمزيد

مع وجود عدد كبير من الكتب والمقالات تتناول الاتصالات الكونية والميديا والتكنولوجيا، نَلْفِت النظر إلى أن بعضها تم اختياره لما يحمله من انتقادات، وتعتبر ثلاثية «مانويل كاستلز» عن عصر المعلومات (1996, 1997a, 1998) مرجعًا أساسيًّا في هذا الموضوع. هناك كذلك عدد من المراجع المهمة عن الانقسام الرقمي، تبحث في طبيعته، وآثاره السياسية والاجتماعية، كما تقترح أساليب عملية للتغلب عليه. (انظر: Norris, 2001; Servon, 2002; Van Dijk; 2005).

وللمزيد عن التواصل العالمي والميديا، انظر الطبعة الثانية من:

Global Communication: Theories, Stakeholders, and Trends (2006) تأليف: Thomas McPhail، وللمزيد عن التدوين انظر: Kline and Burse tin (2005)، وعن الراديو، انظر: Hendy (2000)، وعن التليفزيون العالمي والعابر للحدود القومية، انظر: Wellman and Haythorn Waite (2002)، وعن اتصالات الهاتف المحمول، انظر: Katz and Aakhus (2002)، وعن المجتمعات الافتراضية، انظر: Jones (1998)، وSmith and Kollock (1999)، وعن الميديا والعولمة، انظر: Rantanen (2005).
١  على الرغم من ذلك، تكتشف كريس باركر (Chris Barker) اختلافات مُعيَّنة بين المسلسلات والتمثيليات التليفزيونية من حيث عدد المشاهد والموضوعات التي تتناولها. انظر: Global Television (1997).
٢  هناك دعاوى بأن المُنافَسة الزائدة تؤدي إلى أن يكون مُقدِّمو البرامج أكثر تَوجُّهًا نحو التسلية، ومن ثم فإن هذا التقليل من دَوْرِهم في الخدمة العامة يؤدي إلى تآكل المجال العام (Herman and McChesney, 1997).
٣  يصف جون طومسون (John Thompson) هذه التجربة التي تصنعها الميديا بأنها «حميمية على البعد، غير متبادلة» (١٩٩٥م، ٢١٩)، وللاطلاع على مناقشة مستفيضة للاتصال والتفاعل غير المباشر، انظر: Thompson (1995) and Tomlinson (1999a, Ch. 5).
٤  على الرغم من أن «كاي حافظ Kai Hafez» يُلاحِظ أن الشريان الرئيسي لتبادل البيانات مستمر في أن يكون عبر الأطلنطي بين الولايات المتحدة وأوروبا، يؤكد أن ذلك، إذن، ليس تبادلًا كونيًّا حقيقيًّا.
٥  على الرغم من ذلك، فإن تحديد كمية استخدام الإنترنت أمر صعب، حيث المرجح أن يقوم عدد من المستخدمين باستخدام وصلة واحدة في عدد من المنازل وأماكن العمل والمؤسَّسات ومقاهي الإنترنت.
٦  كانت بداية مفيدة لجمع مثل هذه المعلومات في كتاب المقالات الذي حرَّره «باري ويلمان Barry Wellman»، و«كارولين هاي ثورنويت Caroline Hey Thornwait» بعنوان: The Internet in Everyday Life (2002).
٧  تحدد «بيبا نوريس Pippa Norris» جانبًا ثالثًا من الانقسام الرقمي، وبالتحديد «الانقسام الديمقراطي»، ومن المُؤسِف أن هذا الأمر خارج نطاق هذا العمل (انظر: Norris, 2001).
٨  الواقع أن عدم كفاية الاتصال التليفوني يُمثِّل مشكلة بالنسبة للمناطق النامية الأخرى؛ لأن ذلك يَعُوق الوصول إلى مصادر المعلومات (Tehranian and Tehranian, 1997).
٩  على ضوء الصعوبات المستمرة التي يواجهها كثير من الناس في المجتمعات النامية، فإن النقاط المشار إليها هنا ينبغي ألا تُعْتَبر منطبقة عليهم بشكل عام.
١٠  قضايا الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة Trade Related Intellectual Property Issues.
١١  الوجود الشخصي أو الفردي. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤