تعقيب وخطط وبيان١

(١) العقل العربي والتوجيه المستقبلي

(١-١) بعض الملاحظات العامة

بحث هام يضع مشكلة الأمة العربية بين ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ولو أنه يقع في خطأين أساسيين؛ الأول: إعطاء تراثنا القديم أقل مما يستحق، وإعطاء التراث الغربي أكثر مما يستحق؛ وبالتالي يكون البحث مبنيًّا على نوعٍ من الإقلال من شأن الذات والتعظيم من شأن الغير، مع أن الإبداع الذاتي يقوم على الوضع المغاير أعني الاعتزاز بالذات، وتحجيم الغير للتحرر من سلطانه وقبضته، والثاني: انتقاء الشواهد من التراث القديم التي تؤيد الافتراض الأساسي الذي يقوم عليه البحث؛ ألا وهو توجه العقل العربي نحو الماضي دون المستقبل تعويضًا عن أزمات الحاضر، وترك الشواهد الأخرى المضادة والتي تدحض هذا الافتراض، مما جعل البحث أقرب إلى الفكرة المسبقة منه إلى البحث العلمي، وأسلوب الدعاية والإثارة الصحفية منه إلى التحليل الموضوعي للتراث ورواسبه في وجداننا المعاصر.

وقد أدى الوقوع في هذَين الخطأَين إلى نقلهما على التراث الغربي، والإعجاب الشديد به، وترك كل الشواهد المضادة والتي تكشف عن نقد العلوم المستقبلية في الغرب، وتحليل «هم» المستقبل في الوجدان الأوروبي المعاصر، وترك تطور الوعي الأوروبي الذي انتهى به في نهاية الأمر إلى التوجه نحو المستقبل، وكأن اكتشاف المستقبل قد تم في غمضة عين؛ وبالتالي إغفال المنظور التاريخي في دراسة التوجه المستقبلي والذي أدى إلى تأسيس علوم المستقبل؛ لذلك لم يستطع الباحث عقد مقارنات بين التراثَين، العربي والغربي، وأخذ الثاني نموذجًا للأول، مع أن التمايز الحضاريَّ هو أساس الإبداع الذاتي للشعوب.

وقد استعمل الباحث تعبير العقل العربي دون تحديد معناه، وقد يعني به التراث الإسلامي وهو التعبير الأدق؛ حتى لا يقع الباحث في تحديد خصائص عامةٍ وثابتةٍ للشعوب، كما تفعل النظريات العنصرية التي تتحدث عن العقل العربي، والعقل الأفريقي، والعقل الآسيوي في مقابل العقل الأوروبي، النموذج الأوحد للعقل البشري ومقياس تطوره.

وقد قام البحث كله على البحث عن تعليلٍ للظاهرة، بعد تشخيصها دون محاولة لعلاجٍ أو اقتراح لحل المشكلة، وكأن النقد هدف في ذاته، وإبداء المواقف غاية في ذاته، في حين أن العالِم الرصين هو الذي يدرس الظاهرة واصفًا لنشأتها ويتنبأ بمسارها؛ فهو بحثٌ عن التوجه المستقبلي دون رؤية مستقبلية.

(١-٢) تشخيص المشكلة

ويربط الباحث بين التفكير المستقبلي والنظرة العلمية ارتباطًا ضروريًّا، وكأن المستقبل مرتبطٌ بالعلم بالضرورة، وهو افتراض مسبق لا يصدق إلا في التراث الغربي، وفي الوعي الأوروبي، ولا يصدق خارجه، بل إن النظرة المستقبلية ذاتها وليدة تراث طويل ابتداءً من نقد الموروث القديم في عصر النهضة في القرن السادس عشر، وفك إسار الماضي، واكتشاف الطبيعة مصدرًا للعلم، والإنسان مكتشفًا له، ثم اكتشاف القانون الطبيعي في القرن السابع عشر، وحتميته واطراده الذي ينظم سير الحوادث في الماضي والحاضر والمستقبل، مما يسمح بالقدرة على التنبؤ، ثم اكتشاف مفهوم التقدم في فلسفات التاريخ في الغرب في القرن الثامن عشر، والذي تفجر في الثورة الفرنسية، بل إن كوندرسيه جعل «مستقبل الإنسانية» المرحلة العاشرة من مراحل تطور التاريخ، لما كانت المراحل الثماني للماضي والمرحلة التاسعة للحاضر. لقد نشأت النظرة المستقبلية من ثنايا الفكر الديني، خاصة من عقائد العناية الإلهية والنبوة والمعاد؛ فقد استطاع هردر تحويل العناية الإلهية من صفةٍ إلهية إلى قانونٍ لتطور التاريخ، واستطاع لسنج تحويل النبوة من وحيٍ فردي من الله إلى النبي إلى تطورٍ في التاريخ ذي مراحل متعددة، طبقًا لجوهر رسالات الأنبياء ومقاصدها، كما خرجت الرؤية المستقبلية والتخطيط للمستقبل من عقائد «الأخرويات» أو «المعاد»، ومعرفة ماذا سيحدث للإنسان في المستقبل بعد الموت وفي الحياة الأخرى. كما ارتبطت النظرة المستقبلية بنظرية الغائية في بدايات العصور الحديثة، غائية الطبيعة، وغائية التاريخ، وغائية الإنسان قبل صياغة العالم الطبيعي وانتصاراته وتطبيقاته في التكنولوجيا الحديثة.٢

ويحاول الباحث الإيحاء بالمنهج الاجتماعي، وكأنه هو منهج الدراسة لتعليل غياب النظرة المستقبلية في وجداننا المعاصر، ويتحدث عن أهم مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمجتمعاتنا العربية المعاصرة حديثًا عامًّا، لا هو بالتحليل الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي، ولا شأن لهذا كله بالافتراض المسبق الأول عن الارتباط بين النظرة المستقبلية والتفكير العلمي، وكثيرًا ما يحتاج الباحثون إلى تغطية الافتراضات المسبقة بوصف الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وكأن هذا الافتراض قد أتى باستقراء الأوضاع الاجتماعية، وليس مجرد حكم مسبق ناتج عن الزهو بالعلم، كما يزهو الغرب به، وعلى اعتبار أن وجداننا المعاصر «غير علمي» وكأن النظرة العلمية لها نمط واحد مستقًى من العلم الطبيعي، في حين أن الفكر الأصولي عند علماء أصول الفقه فكر علمي، بمعنى وصف الأحكام السلوكية لأفعال الأفراد وسلوك المجتمعات.

(١-٣) تعليل المشكلة

ويذكر الباحث ثلاث مجموعات من الأسباب: الدينية، والحضارية، والاجتماعية والسياسية. تكون أكثر من ثلاثة أرباع البحث دون أن يعطي وسيلة القضاء على هذه الأسباب أو التغلب عليها أو تجاوزها.

فالأسباب الدينية هي التواكلية والأخرويات أي أمور المعاد، وختم الأنبياء، والحرص على القيم الدينية ضد مكتشفات العصر وإنجازات العلم. والحقيقة أن التواكلية قيمة موروثة من التصوف الإسلامي الذي ازدوج مع الأشعرية في فكرة المشيئة، أو القدرة الإلهية المطلقة، والتي انتزعت من الناس زمام المبادرة وحرية الفعل، ولكنها لم تكن القيمة الموروثة الوحيدة؛ فقد كانت هناك قيم أخرى مضادة لها سواء في الوحي ذاته أو في التراث، فقد هاجم الوحي كل أنواع العرافة والكهانة والسحر وضرب الأقداح والأزلام، ودعا إلى التدبر والنظر وأخذ زمام المبادرة والمسئولية الفردية. كما توضِّح سورة يوسف كيف استطاع يوسف التنبؤ بمستقبل مصر وأعوام المجاعة، وتدبير الوسائل للقضاء عليها مثل تخزين الغلال، أما الأخرويات أي أمور المعاد والإعداد للمستقبل، فهي من ضمن العقائد الأشعرية تقابلها عقائد المعتزلة مثل الغائية والاستحقاق وقانون الصلاح والإصلاح والتعويض، مما يدل على أن مستقبل الإنسان يمكن حسابه والتنبؤ به ومعرفته، بل لقد هاجم القرآن كل صنوف التقليد والتخلف والقعود وربط الإنسان بالماضي وبتراث الآباء والأجداد، ودعا إلى السبق والتنافس في الخير. بل لقد استطاع المعتزلة صياغة نظرية «التوليد» التي تجعل الإنسان مسئولًا ليس فقط عن أفعاله الحاضرة، بل أيضًا عن نتائج أفعاله في المستقبل، طالما أن أفعاله قد تولدت عنها أفعال أخرى، وإذا كان الإسلام آخر الرسالات ومحمد آخر الأنبياء، فإن ذلك لا يعني إيقاف الزمن ونهاية التاريخ، بل يعني نهاية مرحلة الوحي وبداية مرحلة العقل، نهاية تدخُّل الله في التاريخ وبداية مسئولية الإنسان عن أفعاله بإرادته الحرة. فإذا كان الوحي قد انتهى فإن الاجتهاد قد بدأ، والاجتهاد كما يقول إقبال «مبدأ الحركة في الإسلام» أي القدرة على الانتقال من الماضي إلى الحاضر وصياغة قانون يمكنه التنبؤ بجميع الحوادث المستقبلة، طالما أن نمطًا موجود سلفًا بأصله وحكمه وعلته، وقد ظهرت فكرة اكتمال التاريخ في الوعي الأوروبي، ولم يمنعه ذلك من تأسيس العلوم المستقبلية، فما من فيلسوف في التاريخ إلا ويعلن نهاية التاريخ، وتوقف الزمان ونهاية المراحل في عصره، كما فعل لسنج وكانط وهردر وهيجل وفيكو وفولتير ورسو وماركس وكونت واشبنجلر وتوينبي … إلخ. أما التعارض الوهمي بين القيم الدينية والقيم العصرية فهو تعارض ناشئ عن تخلف المجتمعات المعاصرة، تعارض عارض نشأ مثله في الغرب ولم يمنعه من الرؤية المستقبلية؛ وبالتالي فلا توجد أسبابٌ دينية حقيقية، بل توجد بعض الاتجاهات في التراث القديم تقابلها اتجاهاتٌ أخرى معارضة، ولكن الباحث انتقى الشواهد السلبية لتأييد افتراضه المسبق، وأسقط من حسابه الشواهد المعارضة، وهو ما يجافي روح البحث العلمي.

أما الأسباب الحضارية فهي في حقيقة الأمر أسبابٌ دينية، بل وأكثر دينية من المجموعة الأولى؛ لأنها مجرد بيان خطورة بعض الأحاديث النبوية مثل حديث «خير القرون قرني …» وحديث المجددين المشهور، أو بعض العقائد الشيعية مثل المهدي المنتظر، أو الأصل الرابع من التشريع وهو الاجتهاد، أو وصف تاريخنا الماضي بالعصر الذهبي. صحيح أن الحضارة قد نشأت حول الدين وابتداءً منه، ومع ذلك فإن الحضارة هي العلوم التي نشأت فيها وليست الدين، فأما حديث «خير القرون قرني» فإنه وإن كان يدل على ضياع النقاء والصفاء والطهارة عبر التاريخ، إلا أن القرآن مليءٌ بالآيات التي تحضُّ على الأمل والتفاؤل، وتنقض اليأس والقنوط. هذا بالإضافة إلى أن بعض الحركات التحديثية في المجتمعات المتخلِّفة عادةً ما تتسم بالدعوة إلى النقاء والطهارة والعودة إلى الأصول. وقد كانت حركة «العودة إلى الأصول» Retour aux sources أحد مظاهر التجديد في الفكر الديني الغربي إبان نشأة البروتستانتية، وفي حركات التحرر في البلاد النامية؛ إذ إنها لا تعني السلفية فقط أي العودة إلى الماضي على حساب الحاضر، وضد التوجه نحو المستقبل بل تعني تأصيل الحاضر والمستقبل في الجذور التاريخية؛ لذلك كانت الحركة السلفية عند ابن تيمية حركة تجديد ونقد وتأصيل، أما حديث المجددين فإنه يعني أن المستقبل هو مقياس الماضي، وأن التجدد هو روح الحياة وجوهر الحضارة، ولكن هذا التوجه ليس مجتث الجذور، ولا منقطع الصلة بل إنه تغير في نطاق الاتصال، وهذا هو ما يسمى بالإحياء أو النهضة التي تتسم بها المجتمعات التراثية، مثل مجتمعاتنا وهي المرحلة التي مرت بها المجتمعات الأوروبية في القرنَين الرابع عشر والسادس عشر. والإصلاح الديني، في الخامس عشر، كان حلقة الاتصال بين حركتَي الإحياء والنهضة، أما اتخاذ ماضينا الحضاري كعصر ذهبي فذلك واردٌ في كل حضارة، في الحضارة اليهودية إبان حكم المسلمين في الأندلس، وفي الحضارة المسيحية في القرن الثالث عشر، عصر يحتاجه البشر للتربية عليه، وللحصول منه على أنماطٍ مثاليةٍ للسلوك وإعطاء عمقٍ تاريخي لوجدان العصر. أما الاجتهاد فإنه لا يعني الثبات على أحكامٍ ماضيةٍ بل يعني الجرأة على الواقعة الحاضرة، ولا يوجد حكم إلا وله معيار، ولا فعل إلا وله أساس، وإلا تحوَّل السلوك إلى برجماتية نفعيةٍ خالصة، وتفقد العلوم السلوكية طابعها المعياري، أما فكرة الإمام أو المهدي المنتظر فإنها عقدة «مخلصية» تنشأ في المجتمعات المضطهدة كدافعٍ للتحرر والخلاص، والانتظار ليس إلى الأبد، إلى ما لا نهاية، بل ينتهي بظهور الإمام وبانتهاء الغيبة كما حدث في الثورة الإسلامية في إيران، بل إن الانتظار أحيانًا يكون ترقبًا ورؤية مستقبلية، والتحرر من الحاضر بفعل المستقبل؛ فالمستقبل ليس مجرد حساب كمي للإمكانيات بل هو تحرُّر فعلي من الأوضاع الحاضرة يجمع بين النظر والعمل. وقد ثبت صدق هذه العقيدة بالفعل في كل الحركات المشيانية Messianic في أفريقيا خاصة وفي المجتمعات الدينية عامة.

أما الأسباب الاجتماعية والسياسية، فإنها لا صلة لها بالنظم الاجتماعية والسياسية، بل وصف للبيئة الطبيعية للمجتمعات العربية ووقوع في نوعٍ من الحتمية الجغرافية والتاريخية. فتدهور الحضارة العربية لم يجعل تفكير الناس تشاؤميًّا قدريًّا؛ لأن التدهور حدثٌ تاريخي له أسبابه كما أن النهضة العربية لها أسبابها. ولا يمكن أَخْذ مرحلةٍ تاريخيةٍ واحدة على أنها المكون الرئيسي لوجدان الأمة، بل إن التدهور لا يوجد إلا ظاهريًّا، فإبان الحكم المملوكي والعثماني حدثت أكبر حركة تدوين للفكر الإسلامي، فيما يسمى بعصر الشروح والملخصات والموسوعات. فإذا ما توقفت الحضارة عن النمو والتطور فإن نشاطها يتحول إلى التدوين والحفاظ على تراث الماضي، وقد حدث ذلك أثناء الأسر البابلي لبني إسرائيل في القرنَين السابع والسادس قبل الميلاد، أما البيئة الزراعية والصحراوية، فهي ليست مسئولةً عن غياب أية نظرةٍ مستقبلية؛ نظرًا لإيقاع الحياة البطيء الغالب على مجتمعاتها، بل إن هذه البيئة ذاتها كانت الأرض الخصبة لنشأة الحضارات القديمة، حضارة ما بين النهرَين في العراق وحضارة مصر القديمة، وكلها يغلب عليها النظرة المستقبلية في أمور المعاد، وخلود النفس، والإعداد للحياة بعد الموت، بل إن انتظار الفيضان والتخطيط للزراعة جعلا المجتمعات القديمة تعيش دورات الزمان كتعبيرٍ جوهري عن حضور الأبدية في التاريخ، أما الواقع العربي المعاصر وتركيزه على الحاضر بأيديولوجية موجهة نحو الماضي مع غياب النظرة المستقبلية، فإن ذلك لا يرجع إلى بناء وجداني ثابت أو سمة مميزة، بل إلى شدة النكبات والأزمات المعاصرة مثل الاحتلال والتخلف، فالمجتمع الجائع يفكر في الحاضر قبل أن يفكر في المستقبل، ويؤكد كثيرٌ من الأمثال العامية هذا المعنى.

إن اشتقاق كلمة التقدم من «القدم» غير صحيح؛ لأن كليهما مشتق من فعل «قدم» أي أتى، فالماضي آتٍ، والقديم آتٍ مما يوحي بمعنى الاستمرار والتواصل، وكذلك الحاضر آتٍ أي أنه يتجه نحو المستقبل؛ ومن ثم لا يوجد ما يمنع من التوجه نحو المستقبل لا في تراثنا الماضي ولا في واقعنا الحاضر؛ وبالتالي يكون الباحث قد حاول إحداث مجرد «فرقعة إعلامية» أكثر من تقديم بحث علمي جاد، ويكون قد انتقى من الماضي والحاضر، من التراث والواقع، ما قد يؤيد هذا الافتراض المسبق القائم على إعطاء الغرب أكثر مما يستحق، وإعطائنا أقل مما نستحق، وقد يكون كل إعجابٍ بالغير قائمًا أساسًا على الإقلال من شأن الذات.

إن إعادة بناء الذات الحضارية في وجدان أمة له أصوله وقواعده ومناهجه، وعملية استمرار وتواصل من الداخل، وليس مجرد إلقاء أحكامٍ من الخارج تنمُّ عن موقفٍ حضاري مغترب، لا يعني التوجه نحو المستقبل أي تسرعٍ أو استباقٍ للزمن، بل تأصيل الحاضر واكتشاف جذوره في الماضي، ثم إحداث التحول الجذري وإعادة الاختيار بين البدائل. وهذا عمل فلاسفة الحضارة وليس كتاب الصحافة.

(٢) الثقافة في مصر (ورقة عمل)٣

(٢-١) وصف الحالة الراهنة للثقافة في مصر

  • (١)
    الثقافة الوطنية: ٤ دراسة للثقافة الوطنية للشعب ومعرفة مكوناتها الرئيسية، ومحاورها واتجاهاتها؛ فهي الوعاء الثقافي والحضاري للأيديولوجية السياسية، ويتضمَّن عدة نقاط
    • (أ)

      دور الأمثال العامية والسير الشعبية.

    • (ب)

      دور التراث الديني.

    • (جـ)

      دور الأغاني والنكات الشعبية.

    • (د)

      دور أجهزة الإعلام.

    كما يهدف البحث أيضًا إلى تأسيس العلوم الاجتماعية والوطنية ومناهج التعليم والتربية. وفيه أيضًا يتم تحليل أهم مقولات الثقافة الوطنية، والنظرة إلى الله والطبيعة والإنسان والعالم والمقدس والآخر والأخلاق والمجتمع والحياة والموت … إلخ.

  • (٢)
    الاتجاهات الراهنة في الثقافة المعاصرة: ويتضمن البحث رصد لأهم التيارات الثقافية الراهنة ومعرفة اتجاهاتها السياسية التي تمثلها والطبقات الاجتماعية التي تعبر عنها، ومصادرها، وأهدافها، وإنتاجها، ومدى انتشارها، وفاعليتها.
    • (أ)

      الاتجاه الإسلامي المحافظ والتقدمي.

    • (ب)

      الاتجاه العلماني الغربي.

    • (جـ)

      الاتجاه الوطني المصري.

    • (د)

      الثقافة والطبقات الاجتماعية.

    • (هـ)

      الثقافة والأهداف السياسية.

    • (و)

      الثقافة والجماهير.

  • (٣)
    موقفنا من التراث الغربي: ٥ إن شرط التقدم لأي شعبٍ ولإبداعه هو الموقف من الآخر موقف المتميز، خاصة لدى الشعوب التي عانَت من التغريب والاستعمار الثقافي.
    يهدف البحث إذن إلى أَخْذ موقفٍ من التراث الغربي وتحجيمه، ورده داخل حدوده، وبيان محليته لإفساح المجال للإبداع المحلي للشعوب غير الأوروبية، مما يسمح بنهضتها الحضارية بعد التوجُّه إلى ذواتها في مواجهة الآخرين، ويشمل البحث عدة نقاط:
    • (أ)

      بدايات التغريب في مصر.

    • (ب)

      التغريب والحركة السياسية.

    • (جـ)

      الاستعمار الثقافي.

    • (د)

      الانتقائية والجزئية والتحديث.

    • (هـ)
      العالمية والخصوصية في الثقافات المختلفة.٦
  • (٤)
    الدين والتغير الاجتماعي: ٧ معالجة قضية الدين والتقدم الاجتماعي طبقًا لوظيفتَي الدين في المجتمع كدافعٍ على التقدُّم أو تغيير الوضع القائم، أو كدافعٍ على التأخر أو تثبيت الوضع القائم. ويشمل عدة نقاط منها:
    • (أ)

      الدين والثورة في التاريخ الإسلامي (القرامطة – الزنج …).

    • (ب)

      الدين والحركات الإسلامية الثورية المعاصرة (السنوسية، المهدية …).

    • (جـ)

      ثورات المسلمين المعاصرة (إيران، أفغانستان، الجزائر).

    • (د)

      الدين والثورة في الديانات الأخرى: اليهودية، المسيحية، البوذية، الديانات الأفريقية.

    • (هـ)

      الدين والتغير الاجتماعي في مصر المعاصرة (ثورة يوليو).

      • الدين والاشتراكية والدعاية الإعلامية.

      • الدين والمحافظة.

    • (و)
      التنوير الديني والتنظيم السياسي (تجربة التجمع).٨
  • (٥)
    الأوضاع الثقافية الراهنة: بحث يهدف إلى تحليل الثقافة من خلال أجهزة الإعلام، والمؤسسات الثقافية والأمية الثقافية، والتوجيه الثقافي.
    • (أ)

      وضع أجهزة الإعلام (الإعلام والثقافة – التوجيه الثقافي).

    • (ب)

      المؤسسات الثقافية.

    • (جـ)

      التعليم والثقافة (المدارس والجامعات).

(٢-٢) الجذور التاريخية والمتطلبات الفكرية للتنمية الشاملة

تشتمل هذه الدراسات على الأسس الفكرية وجذورها التاريخية للتنمية الشاملة السياسية والاقتصادية، ومنها:

(أ) الجذور التاريخية لأزمة الحرية والديمقراطية٩

بحث في جذور الأزمة، والسبب في أحادية الطرف في الفكر والتنظيمات السياسية والحياة اليومية وغياب الرأي الآخر، وعبادة الفرد، وتشخيص المؤسسات.

(ب) مأساة الأحزاب التقدمية في البلاد المتخلفة١٠

بحث يهدف إلى بيان صعوبة معالجة قضية التقدم في البلاد المتخلفة، بواسطة الأحزاب التقدمية. فكثيرًا ما تتم معالجتها بعقليةٍ متخلفة، فيطغى التخلف على فكر وممارسة الأحزاب بدلًا من أن يطغى تقدم الأحزاب على الأوضاع المختلفة. ماذا يعني إذن التخلف الحضاري والوجداني والعملي في الفكر والشعور والسلوك؟

(ﺟ) الولاء الوطني والانتماء للأمة (القومية والإسلام)١١

بحثٌ يقوم على دراسة الشعور الوطني في فتراتٍ معينةٍ من تاريخ الشعب المصري؛ لمعرفة متى يظهر الانتماء ومتى يختفي، وما هي التحولات والمظاهر المختلفة في الحياة الاجتماعية وسلوك المواطنين عندما يختفي الانتماء الوطني، ويشمل البحث النقاط الآتية:
  • (أ)

    تاريخ الحركة الوطنية المصرية.

  • (ب)

    القومية والإسلام.

  • (جـ)

    الوحدة العربية.

  • (د)

    الوحدة الإسلامية.

  • (هـ)

    الوحدة الأفريقية.

  • (و)

    الحركة الآسيوية الأفريقية.

  • (ز)

    مصر مركز الدوائر الثلاث.

  • (ﺣ)
    مصر وحركة العالم الثالث (مجمع الشعوب التي لا تنتمي تاريخيًّا للحضارة الغربية).١٢

(د) في أي مرحلةٍ من التاريخ نحن نعيش؟

يهدف هذا البحث إلى تحليل مراحل التاريخ، فكثيرًا ما نتصوَّر أنفسنا في القرن العشرين أو في مرحلة الثورة أو في عصر العلم والتكنولوجيا. معرفة المرحلة التاريخية التي يمر بها شعب ما هو شروط الفهم الدقيق للظواهر الاجتماعية والتخطيط العلمي لأساليب الممارسة والسلوك، خطورة الرجوع إلى الماضي أو استباق المستقبل وتجاهل الحاضر.١٣

(ﻫ) الجذور الحضارية لمعوِّقات التنمية

يهدف هذا البحث إلى معرفة الجذور الحضارية لمشاكل التخلف الاقتصادي ومنها:
  • (أ)

    الطبقات في التصورات والتفاوت الطبقي.

  • (ب)

    الاعتماد على الخارج والاعتماد على الذات (الاستقلال والتبعية).

  • (جـ)

    الأرض والاستثمار (الزراعة).

  • (د)

    الصناعة والعمل.

  • (هـ)

    التجارة والوساطة.

(٢-٣) مستقبل الثقافة في مصر

تهدف هذه البحوث لمعرفة مستقبل الثقافة في مصر، والتعرف على مسارها والأخطار المحيطة بها؛ من أجل السيطرة عليها والاستعداد لها ومنها.

  • (١)
    مخاطر السلام،١٤ يهدف البحث إلى بيان آثار الصلح مع إسرائيل على المستقبل الحضاري للمنطقة، مثل:
    • (أ)

      نزع روح الجهاد والقتال ومواجهة العدو.

    • (ب)

      الاستعمار الجديد من داخل المنطقة.

    • (جـ)

      الصهيونية كنموذج للتحديث وصهينة العقل العربي.

    • (د)

      استبدال الصهيونية بالقومية العربية.

  • (٢)
    أشكال الاستعمار الجديد، بحث يتناول أشكال الاستعمار الجديد، مثل:
    • (أ)

      الاستعمار الثقافي.

    • (ب)

      التعاون الفني.

    • (جـ)

      الغزو الحضاري.

    • (د)

      التغريب.

    • (هـ)

      هجرة العقول (إلى الخارج).

    • (و)
      إجهاض العقول (في الداخل).١٥

(٣) هل يمكن قفز المراحل التاريخية؟١٦

وهو سؤالٌ له أهميته في العصر الحاضر خاصة في البلاد النامية، ويضع مشكلةً نعاني منها كل يوم في كتاباتنا، ونضطرب بسببها في حياتنا الثقافية والسياسية؛ لغياب توضيح نظري لها. ونعني بهذا السؤال: هل لا بد لمجتمعٍ نامٍ معينٍ أن يمرَّ بنفس المراحل التاريخية التي مرَّت بها الحضارة الأوروبية، وهي النموذج المعطى في العصر الحالي أم أنه يمكنه قفز المراحل؟ هل لا بد أن يمر بعصر الإحياء (الرابع عشر) ثم الإصلاح الديني (الخامس عشر) ثم النهضة (السادس عشر) ثم العقلانية (السابع عشر) ثم التنوير (الثامن عشر) ثم الوضعية العلمية (التاسع عشر) ثم عصر التكنولوجيا والأزمة (العشرون) أم أنه يمكن القفز فوق المراحل من الموروث القديم إلى العلم مباشرةً أو إلى التكنولوجيا دون مرور بعصور الإحياء والإصلاح الديني والنهضة والعقلانية والتنوير؟ وبتعبيرٍ آخر هل لا بد لكل مجتمعٍ نامٍ أن يمر بنفس المراحل التي حددتها قوانين الجدل التاريخي دون أن يمر ببعض المراحل المتوسطة؟ فإذا كانت المجتمعات تمر بخمس مراحل، طبقًا للماركسية التقليدية أو لأفكار ماركس الشاب: لقط الثمار والصيد، الزراعة، الإقطاع، الرأسمالية، الاشتراكية العلمية، فهل يمكن لمجتمعٍ نامٍ أن ينتقل من الإقطاع إلى الاشتراكية مباشرة، دون المرور بمرحلة الرأسمالية؟ وبصرف النظر عن مراحل تطور الوعي الأوروبي، أو المراحل الخمس في الماركسية، يظل أيضًا السؤال قائمًا: هل يمكن لأي مجتمعٍ نامٍ أن ينتقل من مرحلة القديم إلى مرحلة الجديد، دون نقدٍ للقديم وتطوير له من داخله حتى لا تنشأ مخاطر التجاور بين القديم والجديد؛ وبالتالي الوقوع في ازدواجية الشخصية أو مخاطر الردة إلى القديم في حالة فشل الجديد؟ أليس نقد الموروث القديم في المجتمعات التراثية مرحلة متوسطة بين التراث والثورة، تحررًا من أثر التراث وتمهيدًا لإشعال الثورة؟ هل يمكن إجراء أي إصلاحٍ أو تغير اجتماعي دون المرور في المجتمعات التقليدية بنقد الدين، ثم نقد المثالية، ثم نقد المجتمع؟

ويمكن طرح القضية والإجابة على هذا السؤال في محاور ثلاث:
  • (١)
    فلسفة التاريخ في تراثنا القديم: يمكن أن يقال إن فلسفة التاريخ في تراثنا القديم كانت تقوم على فكرة الدورة الأبدية، أو العود الأبدي، وهي الدائرة المغلقة التي عرفتها الحضارات المماثلة عند اليونان أو الشرق القديم أو في العصور الوسطى. وهي كما لاحظ اشبنجلر تمثِّل حضارة الكهف التي تنشأ من بؤرة وتتطوَّر في دوائر مغلقة، تضيق وتتسع دون أن تعرف مسار التطور في صورة سهم؛ وبالتالي لم ينشأ مفهوم التقدم المستمر المطرد الذي يمثل تراكم خبرات الأجيال والصعود دائمًا إلى أعلى نحو الأمام. ويمثل ابن خلدون هذا النمط الفكري في تفضيله البداوة على الحضارة. وقد حاول بعض المؤرخين تتبع مفهوم التقدم أو التطور، ولكنهم جعلوا نقطة البداية في القصص القرآني (خلق العالم، آدم وحواء، نوح … إلخ) دون دراسة التقدم في مجتمعٍ معين أو في لحظةٍ حضارية معينة (البداية والنهاية، البدء والتاريخ … إلخ). ولما كانت فلسفة التاريخ مرتبطةً دائمًا بالفكر السياسي، نجد أيضًا أن أنماط الفكر السياسي في تراثنا القديم لا تتعدَّى التفكير في مشكلة الإمامة (المتكلمين) والتفكير على الشخص لا على النظام أو مشكلة النبوة (الفلاسفة) وحاجة المجتمع إلى النبي أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (المعتزلة) الذي يضع أصول الثورة السياسية أو السياسة الشرعية (الفقهاء) والذي ينظم صفوف الحاكم وواجباته ونظام الحكم في الدولة (الشورى) ودون الخروج بأيديولوجية عامة أو الانتهاء إلى المدينة الفاضلة التي يتم فيها الخلط بين السياسة والأخلاق، بين الحاكم والله، بين الملائكة والوزراء، ويمكن إضافة نمط تاريخ الأديان الذي يدرس مفهوم التقدم في الوحي، وتطوره في مراحله الكبيرة الثلاثة؛ اليهودية، والمسيحية، والإسلام.١٧
  • (٢)

    فلسفة التاريخ في النموذج الأوروبي، لقد حاول كثيرٌ من الفلاسفة من قبلُ دراسةَ الوعي الأوروبي أو الحضارة الأوروبية، كموضوعٍ واحدٍ بعد أن ظهرت نقطة البداية ونقطة النهاية بوضوح، وأصبح من الممكن تتبع خط التطور بين هاتَين النقطتَين بين القرنَين السابع عشر والعشرين، بين الأنا أفكر والأنا موجود. ويمكن أيضًا تتبُّع مصادر الوعي الأوروبي في المصدرَين اليهودي المسيحي، وفي اليوناني الروماني، وفي المصدرَين الشرقي والإسلامي، وفي الواقع الأوروبي نفسه. ويمكن تتبُّع مراحل نشأة الوعي الأوروبي الحديث منذ عصر الإحياء (الرابع عشر) وعصر الإصلاح الديني (الخامس عشر) وعصر النهضة (السادس عشر) حتى نقطة البداية في الكوجيتو (السابع عشر). ويمكن أيضًا تتبع مراحل الوعي الأوروبي الحديث في تطوره من نقطة البداية إلى التنوير (الثامن عشر) والعلم (التاسع عشر) ثم التكنولوجيا والأزمة (العشرون). ويصبح السؤال هو: إذا كانت النهاية قد بدأت، فأي وعيٍ بشري سيكون له مركز الريادة في العالم بعد الوعي الأوروبي؟ هل يمكن للوعي الأوروبي أن ينهض من جديدٍ أم تبدأ دورة الشرق من ريح الشرق من الصين أو الهند أو إيران أو مصر، كما كان الحال في فجر التاريخ القديم وبداية يقظة الوعي الإنساني؟

  • (٣)
    المراحل التاريخية في التفكير الماركسي وفي أيديولوجيات العالم الثالث، لما كانت الماركسية التقليدية هي التي فصلت مراحل البشرية الخمس المشهورة في إطار القرن التاسع عشر الأوروبي؛ حيث كثرت فلسفات التاريخ منذ القرن الثامن عشر التي تحاول أيضًا صياغة المراحل سواء في اثنتَين (روسو، وفولتير، ومونتسكيو) أو في ثلاث (فيكو، وترجو، وهيكل، وكومت) أو في أربع (هردر) أو في خمس (فشته) أو في عشر (كوندرسيه)، ثم أتَت الماركسية الجديدة في القرن العشرين لتضع سؤال القفز فوق المراحل المتوسطة، إذا ما تم تغيير البنية الاجتماعية وتغير أنماط الإنتاج وملكية وسائل الإنتاج. كان من الضروري التعامل بوجهٍ خاصٍّ مع الماركسية نظرًا لأثرها على مسار الشعوب وفاعليتها في العالم الثالث. ولما كان العالم الثالث يبغي أيضًا اللحاق بآخر مراحل التطور، فإنه أيضًا وضع نفس السؤال: هل يمكن الانتقال من التقليد إلى الحداثة دون المرور بالمراحل المتوسطة؟١٨

(٤) اغتراب المثقفين في البلاد النامية:١٩

اغتراب المثقفين ظاهرة شائعة يلمسها كل الناس، تحدَّث فيها المثقفون أنفسهم، وعقدوا الندوات وأصدروا الكتب تحليلًا للموضوع. وقد شاعت الظاهرة بصرف النظر عن الأسباب والنتائج، وكأن العصر لم يعد عصر انتماء وولاء، ويمكن وصف ثلاثة جوانب لظاهرة اغتراب المثقفين على النحو الآتي:
  • (١)

    الاغتراب الاجتماعي: وهو أقرب إلى اغتراب كل مثقف عن طبقته الاجتماعية؛ فالمثقفون من الطبقات الكادحة مغتربون لأنهم لا ينتمون إلى مجتمعهم الذي تسيطر عليه الشللية، فتسد المنافذ أمامهم، ولا يملكون إلا التعبير الأدبي الرمزي أو الكتابة خارج البلاد أو الهجرة أو العمل السري. والمثقفون من الطبقة العليا أيضًا مغتربون لأنهم إما انعزلوا عن مجتمعهم باكين حظهم، وإما انغمسوا فيه فأصبحوا مبررين له، وافتقدوا عنصر الصدق في الحالتَين. وهم مغتربون عن ثقافة وطنهم ولا يعلنون الثقافة إلا خداعًا للناس ووسيلةً للسيطرة عليهم، أو مجرد فنون شعبية وزخرفة للقصور، والمثقفون في الطبقة المتوسطة أيضًا مغتربون؛ لأنهم حوَّلوا الثقافة إلى تجارةٍ وكسب ومنصب وشهرة. يملئون الدنيا ضجيجًا وصخبًا، أدوات للنظام وأجهزة الإعلام.

  • (٢)

    الاغتراب السياسي: والمثقفون مغتربون عن الأنظمة السياسية، حتى هؤلاء الذين يقومون بتبريرها لأنهم يفعلون ذلك عن غير اقتناع. معظمهم لا يشاركون في صنع القرار، لا يحاورون السلطة، ولا تستشيرهم السلطة في شيء إلا المقربين. لا يساهمون مساهمةً فعالة في أي مظهرٍ من مظاهر التقدم، ومن يقوم بدورٍ يكون في الغالب في إطار الاتجاه العام، لدرجة تزييف الوعي القومي من البعض، وعدم القدرة على إيقاظه من البعض الآخر. ولما كان العمل الجماعي نادرًا بين المثقفين اتجه معظمهم إلى العمل الفردي، إلى ما يفوق الطاقة مما أدى بالكثير إلى الهلاك. يظل دور المثقفين هامشيًّا في أنظمةٍ سياسيةٍ تقوم على الجيش أو العائلات المالكة، مما يدفع بالمثقفين في كتاباتهم إلى تصور أنفسهم وكأنهم هم الذين يحكمون العالم ويغيرون مسار التاريخ. وقد يستهلك المثقفون في صعوبة الحياة اليومية وشظف العيش، حتى يصبحوا تائهين عن عالمهم وعن أنفسهم. يغتربون عن كل شيءٍ وهم يئنُّون تحت أعباء الحياة اليومية.

  • (٣)

    الاغتراب الحضاري: ويغترب نصف المثقفين عن تراثهم بدعوى العلمانية، ويغترب النصف الآخر عن التراث الغربي بدعوى الأصالة، ثم يغترب كلاهما عن الواقع لأن منطلقيهما حضاري صرف. فالفريق الأول يجهل تراثه ولا يعرف إلا التراث العصري تحت وهم أنه هو التراث العالمي؛ ومن ثَم ينعزل عن ثقافة الجماهير التي ما زال القديم يكون رافدها الأول، والفريق الثاني يجهل التراث المعاصر تحت وهم الأصالة والتمايز، فتحولت الوسيلة إلى غاية، وتقوقع التراث، وانفصل عن واقعه الذي منه نشأ، وانعزل عن الواقع المعاصر الذي إليه يتوجه. وهنا تبدو أزمة الخطاب المعاصر الذي تصم الجماهير آذانها عن سماعه، وهي تئنُّ تحت شظف العيش والحياة الضنكة.

تلك لمحات ثلاث عن اغتراب المثقفين، مجرد ظواهر تحتاج إلى تحليلٍ ودراسة من علم الاجتماع الثقافي.

(٥) بيان من أساتذة الجامعات في مصر حول حق التنظيمات الثلاث في حرية التعبير٢٠

حرصًا منا على تأسيس قواعد الديمقراطية في مصر، وعلى نجاح تجربة التنظيمات السياسية الثلاث، والتي يمارس فيها الشعب حقَّه في الاختيار السياسي وفي تحديد أصلح الاتجاهات السياسية له، وأكثرها دفاعًا عن مصالحه.

فإننا نطالب بأن يكفل للتنظيمات الثلاث حق حرية التعبير، فلا يوجد تنظيم سياسي بلا صحيفة تعبِّر عن رأيه، وإلا أجهضنا التجربة في أولها، وعاد الناس إلى اللامبالاة من جديد.

إننا نطالب بأن يكون لكل تنظيمٍ جريدةٌ تعبِّر عن رأيه؛ إما بتوزيع الصحف اليومية الثلاث على التنظيمات الثلاث: «الأخبار» لليمين، و«الأهرام» للوسط، و«الجمهورية» لليسار، وإما بإنشاء صحف جديدة للتنظيمات الثلاث، أو إنشاء صحيفة واحدة تكون لسان حال التنظيمات كلها.

إن ما يحدث الآن هو إفساح الصحف اليومية صدورها لبعض التنظيمات دون البعض، فتنشر أفكار اليمين، وبرامج الوسط، وتمنع مقالات اليسار وبياناته وأخباره من النشر، بل إن اليسار لا يملك حق الدفاع عن نفسه أمام هذه الحملة الشعواء المثارة ضده في الصحف اليومية.

ولما كان الدستور قد كفل لنا حق التعبير، فإننا نطالب بتنفيذ هذا الحق بأية صورة كانت، فمن حق اليسار أن تكون له صحيفة يومية ناطقة باسمه من الصحف اليومية، أو أن يكون له حق إصدار صحيفة جديدة تعبِّر عن آرائه.

لقد آن للشعب أن يدخل في معترك السياسة، وأن يحدِّد موقفه السياسي، وكيف يتمُّ له ذلك إن لم يكن له حق التعبير؟

إذا كانت الحياة قد دبَّت في أوصالنا، فلماذا نريد لها أن تموت من جديد؟

إن مستقبل العمل السياسي في مصر مرهون بحق التعبير.

١  رد على بحث د. فؤاد زكريا «العقل العربي والتوجيه المستقبلي» في ندوة «الإبداع الذاتي في العالم العربي»، الكويت، ٨–١٢ مارس ١٩٨١م.
٢  انظر بحثنا: علم المستقبليات «عالم الغد بين الأمس واليوم»، دراسات فلسفية، الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٨٨م.
٣  هذه ورقة عمل قُدمت إلى مركز الدراسات والبحوث الذي كان قد أُنشئ في حزب «التجمع»، في أواخر السبعينيات كوريثٍ لمكتب أساتذة الجامعات. وتكوَّنت في المركز مجموعتان: مجموعة اقتصادية ومجموعة فكرية. وقد قُدمت الورقة في ذلك الوقت باسم المجموعة الفكرية.
٤  وقد كتب ذلك بالفعل، انظر الجزء الأول، الدين والثقافة الوطنية.
٥  هذه هي الجبهة الثانية من مشروع «التراث والتجديد» انظر: «موقفنا الحضاري» في «دراسات إسلامية»، الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٨٨م، وأيضًا: «مقدمة في علم الاستغراب»، مدبولي، القاهرة، ١٩٨٩م (تحت الطبع).
٦  هذه النقطة الأخيرة من إضافة أحد الأعضاء.
٧  وقد كتب ذلك بالفعل، انظر «التراث والتغير الاجتماعي» في «دراسات فلسفية» الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٨٨م.
٨  وقد كُتب ذلك بالفعل، انظر الجزء الثامن، اليسار الإسلامي والوحدة الوطنية.
٩  وقد كُتب ذلك بالفعل، انظر الجزء الثاني، الدين والتحرر الثقافي.
١٠  وقد كُتب ذلك بالفعل، انظر الجزء الثامن، اليسار الإسلامي والوحدة الوطنية.
١١  وقد كُتب الموضوع، انظر الجزء الثالث «الدين والنضال الوطني».
١٢  النقطة الأخيرة إضافة من أحد الأعضاء.
١٣  وقد كُتب الموضوع بالفعل، انظر «لماذا غاب مبحث التاريخ في تراثنا القديم؟»، دراسات إسلامية، الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٨١م.
١٤  وقد كُتب ذلك بالفعل، انظر الجزء الثالث، الدين والنضال الوطني.
١٥  وقد كُتب ذلك بالفعل، الجزء الأول، الدين والثقافة الوطنية.
١٦  بعد هزيمة يونيو ١٩٦٧م انبرى عددٌ من المثقفين للتفكير في إصدار كتيبات صغيرة؛ من أجل إعادة بناء الروح القومية، ويمثل هذا الاقتراح موضوع أحد الأعداد. والاقتراح لم يرَ النور، وهذه صياغة ثانية من المسودة الأولى تمت كتابتها في خريف ١٩٨٧م.
١٧  انظر دراستنا: «علم المستقبليات (عالم الغد بين الأمس واليوم)»، في «دراسات فلسفية»، ص٥٥١–٥٩٩، الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٨٨م.
١٨  هذه هي المحاور الثلاث التي كانت مقترحةً لهذا العدد الأول من سلسلة الكتيبات الصغيرة للثقافة السياسية العامة، وقد اقتُرحت أنا لكتابة المحور الأول، د. فؤاد زكريا للمحور الثاني، د. عبد المنعم تليمة للمحور الثالث.
١٩  هذه هي العناصر الرئيسية التي كانت مُعدة لندوةٍ حول مشكلة الاغتراب (عالم الفكر، أبريل، مايو، يونيو ١٩٧٩م)، خاصة في الجزء الأخير عن اغتراب المثقفين في العالم الثالث، والتي تقرر تخصيص ندوة خاصة بها، وهي مجرد أفكار عامة في حاجةٍ إلى تحليلٍ وبرهنةٍ وإحالاتٍ إلى الواقع الثقافي لمجتمعاتنا الحالية.
٢٠  كُتب هذا البيان باسم مكتب أساتذة الجامعات في حزب «التجمع» عام ١٩٧٧م؛ للمطالبة بحق كل تنظيمٍ سياسي في جريدته الخاصة التي يعبر بها عن آرائه وبرامجه، وذلك قبل صدور «الأهالي» فيما بعد، وتلك صياغة طبق الأصل من المسودة القديمة بعد عشر سنوات في خريف ١٩٨٧م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤