الفصل الأول

الخلفية التاريخية العامة للحدث التوراتي

تشير البينات الأركيولوجية واللغوية اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى أن المنطقة السورية الواقعة بين الفرات والبحر المتوسط كانت مسكونة بعناصر سامية منذ أواخر الألف الرابع قبل الميلاد. فأقدم المدن في هذه المنطقة، مثل أريحا وبيت شان وبيت يارح ومجدو وعكا وصيدون وساريبتا وسيميرا وأوغاريت، تحمل أسماء سامية لا لبس فيها. كما أن اللُّقَى الأثرية وبقايا الهياكل العظمية تشير إلى استمرارية عرقية وثقافية واضحة، ترقى إلى الألف الرابع وتتجاوزه.١ ويمكن القول ببعض الثقة إن التركيب السكاني في المنطقة السورية لم يتعرض لأي تغيير جذري منذ أواخر العصر النحاسي، حيث نستطيع متابعة خط ثقافي متميز لحضارة متصلة لا تُظهِر فجوةً أو انقطاعًا.٢ ولكن من هم هؤلاء الساميون القدماء؟ ومن أين جاءوا؟
لقد أحدثت الدراسات اللغوية المقارنة الحديثة تغييرًا عميقًا في معرفتنا للأصول السكانية في هذه المنطقة، والتغيرات التي طرأت عليها، إلى درجة أن معظم النظريات القديمة — والتي تعود إلى ما قبل سبعينيات القرن العشرين — قد غدت بالية، وبحاجة إلى إعادة نظر جذرية. فلفترة طويلة، ومنذ القرن السادس عشر، سادت وبشكل كامل تقريبًا نظرية الهجرات السامية من جزيرة العرب، التي اعتُبرت المهد الأصلي للعنصر السامي. فهذه النظرية تحتوي ضمنًا أن اللغة السامية الأصلية التي تفرعت عنها لغات حضارات الهلال الخصيب؛ قد نشأت في جزيرة العرب، وأن اللغة العربية هي أقرب الأقرباء إلى تلك السامية الأصلية. غير أن أبرز المدافعين عن نظرية الهجرات قد بدأ يتخلى عنها في ضوء المعارف الجديدة في علم اللغات المقارن، ففي كتابه الصادر عام ١٩٥٧، على سبيل المثال، يقول عالم الساميات المعروف سباتينو موسكاتي في المقدمة ما يأتي: «ثمة حقيقة تبدو ثابتة إلى حد كافٍ، وهي أن التاريخ يدلنا على أن الصحراء العربية كانت نقطة الانطلاق للهجرات السامية، وإننا في ضوء معلوماتنا الحالية يجب أن نقبل، ولو على سبيل الافتراض العملي، أن المنطقة التي انتشر فيها الساميون كانت الصحراء العربية.»٣ غير أن موسكاتي، في كتاب لاحق له صدر عام ١٩٦٩ حول قواعد اللغة السامية، يُظهِر شكَّه في هذه الفرضية وما يتبعها من نسبة اللغة السامية الأصلية إلى الصحراء العربية، ومن كون اللغة العربية هي الأقرب إلى هذه السامية الأصلية من شقيقاتها في الهلال الخصيب، مثل الأكادية والأوغاريتية.٤
وبدلًا من التركيز على ما يُسمى باللغة السامية الأصلية، يقوم العلماء الآن بتلمُّس خيط يَربِط اللغات السامية باللغة المصرية وبقية لغات شمال أفريقيا. وهم يَرَون أن الأقرب إلى الواقع هو وجود لغة أفرو-سامية، تفرعت فيما بعد إلى سامية وأفريقية عند نقطة معينة من التاريخ. من هؤلاء العلماء: الألماني P. Behrens، والروسي Diakonoff. ففيما بين الألف السادس والألف الخامس قبل الميلاد تعرض الشمال الأفريقي إلى موجة جفاف طويلة وحادة، أدت إلى التشكُّل التدريجي للصحراء الأفريقية، وإلى هجرات نحو مصر وآسيا الغربية. وقد قادت هذه الهجرات إلى تكوين اللغة المصرية القديمة في وادي النيل، واللغات البربرية فيما وراء الصحراء الليبية، واللغة السامية الأم في سوريا، وهي السامية الغربية، وعنها انشقت السامية الشرقية التي طورها النازحون باتجاه وادي الرافدين.٥ لقد ازدهرت الحضارة الزراعية في سوريا منذ الألف الثامن قبل الميلاد، وكانت الثورة الثقافية — التي يدعوها الأركيولوجيون بثورة النيوليتيك (ثورة العصر الحجري الحديث) — قد بلغت ذروتها إبان الفترة التي وصل خلالها النازحون من شمال أفريقيا، من هنا فإن القادمين الجدد لم يكن لديهم ما يقدمونه للثقافة النيوليتية المتطورة سوى لغتهم، التي تفاعلت مع اللغة المحلية ليَنتُج عن تفاعلهما اللغة السامية الأصلية. أما عن جزيرة العرب، فيبدو أن اللغة السامية قد جاءتها من فلسطين وسوريا الجنوبية في أواخر عصر البرونز المبكر، وأوائل عصر البرونز الوسيط (أي حوالي عام ٢٠٠٠ق.م.)، فخلال هذه الفترة ساد المنطقةَ السوريةَ جفافٌ حارٌّ وطويل، أدى إلى انهيار ثقافة البرونز المبكر، وإلى اقتلاع للسكان وهجرات واسعة النطاق، وتحوُّل شرائح كبيرة من المزارعين المستقرين إلى الرعي المتنقل. من هذا المنظور تغدو الهجرة السامية عكسية، وباتجاه الجزيرة العربية لا منها.٦
لقد أدت الثورة النيوليتية في سوريا وبلاد الرافدين إلى إحلال جملة من التغيرات العميقة الأثر في مجرى الحضارة الإنسانية. فخلال العصر الحجري الحديث استقر الإنسان الصياد في الأرض، وبنى القرى الزراعية الأولى في تاريخ البشرية، وأخذ بإنتاج الغذاء بدلًا من جمعه، مبتدئًا بذلك حضارتنا الحديثة التي تعتبر استمرارًا غير منقطع لتلك القرى الزراعية الأولى. وكما كانت منطقة الهلال الخصيب منطلقًا للثورة النيوليتية، فقد كانت أيضًا منطلقًا للثورة الحضرية، أو المدينية (نسبةً إلى مدينة)، وهي الثورة الثقافية الثانية في حياة البشرية. فمع أواخر الألف الرابع ومطلع الألف الثالث قبل الميلاد ظهرت المدن الأولى في منطقة سومر جنوب وادي الرافدين، تبعتها المدن المصرية، فمدن بلاد الشام. ولقد غدا واضحًا، على ضوء علم مناخ وبيئة العصور القديمة،٧ أن ظهور المدن الأولى قد جاء نتيجةً لازدهار اقتصادي عمَّ المنطقةَ مع بداية عصر البرونز المبكر٨ (حوالي ٣٠٠٠ق.م.)، بتأثير تغيرات مناخية جذرية. ففيما بين ٣٥٠٠ و٢٣٠٠ق.م. شهدت المنطقة بكاملها مناخًا باردًا ورطبًا، تميز بارتفاع كبير في منسوب الأمطار أدى إلى استثمار مكثف لجميع الأراضي الصالحة للزراعة، وإلى استصلاح مِساحات كبيرة من المستنقعات، وإزالة مِساحات لا بأس بها من الغابات لأغراض الاستثمار الزراعي، وهذا كله قاد إلى تكوين فائض الإنتاج اللازم لتشييد المدينة.
لقد اعتقد المؤرخون والآثاريون لفترة طويلة أن الثورة المدينية في سوريا قد تأخرت عنها في سومر وفي مصر، وأن مناطق غربي الفرات لم تعرف المدنَ الكبرى ولا الكتابة خلال معظم الألف الثالث قبل الميلاد. إلا أن الاكتشاف المثير لمدينة إيبلا القديمة في الشمال السوري على مسافة ٥٠كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة حلب؛ قد أثبت أن ظهور المدن الكبرى في سوريا لم يتأخر كثيرًا عن ظهورها في سومر وفي مصر. فقد ظهرت إيبلا كمدينة مكتملة منذ أواسط الألف الثالث قبل الميلاد، ويدل أرشيفها الكبير الذي عُثر عليه في القصر الملكي على وجود شبكة واسعة من المدن السورية الأخرى المعاصرة لها، والتي قد تثبت الاكتشافاتُ المقبلةُ معاصرتَها للمدن السومرية أيضًا. ويبدو أن موقع تل البيدر في منطقة الفرات هو المرشح الأول الآن لإحداث الثورة الأركيولوجية الثانية بعد إيبلا؛ لأن الرُّقم الطينية التي تم العثور عليها في الموقع خلال موسم التنقيب في عام ١٩٩٤ ترجع بتاريخها إلى حوالي ٢٧٠٠ق.م.٩ وهذا ما يضعنا في فترة فجر السلالات في كل من سومر ومصر.
أما في فلسطين، وعلى عكس بقية المناطق السورية، فيبدو أن الثقافة المدينية لم تبلغ شأوًا يُعتد به، إذ بقيت التجمعات السكنية الكبيرة أقرب إلى البلدة أو القرية الكبيرة منها إلى المدينة بمفهومها الصحيح. وقد حافظ الاقتصاد هنا على طابع محلي، ولم يسهم في التجارة الدولية رغم مرور طرق التجارة عبر المناطق الحدودية للأطراف الفلسطينية. إن غياب البينة على وجود سلطة مركزية في أي من المناطق الفلسطينية خلال الألف الثالث، واعتماد أكبر التجمعات الحضرية فيها على الزراعة بالدرجة الأولى، وفِقدان البضائع الكمالية ذات العلاقة بحياة الرفاهية، وغياب الكتابة التي هي من خصائص البيروقراطية المدينية؛ يجعل من الصعب التحدثَ عن نشوء مدن بالمعنى الحقيقي في فلسطين خلال الألف الثالث قبل الميلاد، فالبلدة الصغيرة هنا لم تتعقد بُناها إلى ما وراء الحاجة إلى التبادل التجاري الإقليمي والدفاع المحلي.١٠
أطلق المؤرخون المحدثون اسم الكنعانيين على سكان المنطقة السورية، وهي المنطقة المحصورة بين وادي الفرات شرقًا والبحر المتوسط غربًا، وبين جبال طوروس شمالًا وحدود الصحراء العربية جنوبًا. وقد وردت تسمية «كنعان» و«كنعانيون» في التوراة للدلالة على أرض فلسطين وعلى شعبها، ولكن هذه التسمية ليست توراتية كما يعتقد الكثيرون، فقد استعملها المصريون للدلالة على المناطق الجنوبية الغربية من سوريا، وهي المناطق التي كانوا على احتكاك بها منذ بدايات التاريخ المصري، وترد التسمية في النصوص المصرية بصيغة بي-كنعان Pekanan،١١ كما نجد تسمية كنعان في بعض النصوص السورية من الألف الثاني قبل الميلاد، مثل نص إدريمي ملك آلالاخ، وهي المملكة التي ازدهرت خلال النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد في الشمال الغربي من سوريا (في منطقة أنطاكية). يتحدث إدريمي في هذا النص عن هروبه من آلالاخ عقب انقلاب سياسي في القصر، ولجوئه إلى مدينة أُميَّا في أرض كنعان، وهذه المدينة تقع على الساحل السوري الأوسط قرب طرابلس الحالية.١٢ وقد بقيت التسمية مستخدمة في العصر الهيلينستي، حيث نجدها على العملة المسكوكة في بعض مدن الساحل الفينيقي، إضافة إلى استخدامها من قِبَل المصادر الكتابية الكلاسيكية. وفي بلدان شمال أفريقيا التي كانت مستعمرات فينيقية سابقة بقيت شريحة لا بأس بها تتباهى بأصلها الذي تدعوه كنعانيًّا، خلال العصر الروماني.١٣ وفي إنجيل متَّى يطلق المؤلف تسمية كنعاني للدلالة على ساكن مناطق فينيقيا التقليدية في لبنان، نقرأ في الإصحاح ١٥: ٢١–٢٢: «ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيدا. وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة … إلخ.» اعتمادًا على هذه الشواهد وأمثالها، من المُرجَّح أن التسمية «كنعان» هي تسمية لمنطقة جغرافية بالدرجة الأولى لا تسمية لشعب معين، وهذه المنطقة هي الأراضي الممتدة على طول الساحل السوري ابتداءً من أوغاريت، أو مما يليها على الأغلب، مع بعض الامتدادات نحو الداخل كما هو الحال في منطقة فلسطين، ولا يوجد لدينا في النصوص القديمة ما يشير إلى أن التسمية قد شملت المناطق الداخلية السورية. ومع ذلك فإننا لا نرى مانعًا من تعميم التسمية لتشمل أرض الساميين الأوائل الذين تواجدوا في مناطق غربي الفرات منذ العصر الحجري الحديث، وذلك من قبيل إطلاق اسم الجزء على الكل، خصوصًا وأن المؤرخين والآثاريين المحدثين ما زالوا مُصرِّين على استخدام هذا المصطلح. فبعد اكتشاف إيبلا وأرشيفها المسماري الضخم — الذي أَطْلعَنا على أول لغة سامية مكتوبة — أطلق عالم اللغات السامية ألفونسو آركي الذي قرأ هذه الرُّقم على اللغة الإيبلائية صفة «الكنعانية المبكرة» Proto-Canaanite، ورأى في مملكة إيبلا نموذجًا عن الحضارة الكنعانية في الألف الثالث قبل الميلاد،١٤ الأمر الذي يدل على أن الحلقات الأكاديمية العالمية تميل إلى زيادة الاعتماد على المصطلح بدلًا من استبداله.

انتهت الحضارة المزدهرة للألف الثالث قبل الميلاد على نحو فاجع في جميع أرجاء الشرق القديم، ولأسباب بدت غير واضحة للمؤرخين لفترة طويلة من الزمن. ففي مصر سقطت الأسرة السادسة مع حلول الربع الأخير للألف الثالث قبل الميلاد، وبسقوطها انتهت الفترة المعروفة في تاريخ مصر بفترة المملكة القديمة، وأعقبتها فترةٌ من الفتن والاضطرابات والغزوات الخارجية، يطلق عليها المؤرخون اسم الفترة المعترِضة الأولى، دامت حتى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وانتهت مع قيام الأسرة الثانية عشرة عام ١٩٩٠ق.م. وهي الأسرة التي ابتدأت فترةَ المملكة المتوسطة في تاريخ مصر القديمة. وقد تزامن انهيار المملكة القديمة في مصر مع انهيار المملكة الأكادية في بلاد الرافدين، حيث سقطت العاصمة أكاد بيد الغوتيان الجبليين الوافدين من الجبال الشرقية حوالي عام ٢٢٣٠ق.م.، وأعقب ذلك فترةُ فراغ سياسي واضطرابات عامة، دامت حوالي قرن من الزمان حتى قيام أسرة أور الثالثة عام ٢١٢٠ق.م. وفي سوريا هناك دليل على وجود فترة فراغ مشابهة، أدت إلى التسلسل التدريجي للقبائل الآمورية التي كانت تتجول في البادية السورية، وإلى تأسيسهم لأُسر حاكمة قوية في المدن السورية الكبرى، مثل ماري وحلب وقطنة. وتظهر في فلسطين بشكل خاص آثار أركيولوجية واضحة على الدمار التام لعدد كبير من المدن، تَلَته فترة فراغ سكاني دامت أكثر من قرنين في بعض المواقع. وقد عثر المنقبون في مواقع المدن المدمرة في فلسطين على آثار حياة بدوية لجماعات آمورية، لم تكن مهتمة ببناء أو سكن الحواضر، واعتقدوا أن هذه الجماعات البدوية هي المسئولة عن تدمير ثقافة البرونز المبكر في فلسطين.

لقد فسر المؤرخون والأركيولوجيون هذه النهاية الشاملة لثقافة البرونز المبكر في جميع أنحاء الشرق القديم تفسيراتٍ جزئيةً؛ فالغوتيان هم المسئولون عن نهاية المملكة الأكادية، والغزوات البدوية الآمورية هي المسئولة عن نهاية ممالك المدن الكنعانية في سوريا وفلسطين، وثَوْرات الطبقات المحرومة في مصر، وما تبعها من فوضى واضطرابات هي المسئولة عن انهيار المملكة القديمة. إلا أن الأبحاث العلمية الجديدة بخصوص التغيرات المناخية للعصور القديمة — والتي صارت اليوم ركنًا أساسيًّا من أركان البحث التاريخي والتفسير الأركيولوجي — تقدم لنا مفتاحًا مهمًّا لفهم حقيقة ما جرى خلال الفترة الانتقالية من البرونز المبكر إلى البرونز الوسيط. فمع الربع الأخير للألف الثالث قبل الميلاد انتهى المناخ البارد المطير الذي ساد المنطقة خلال الألف الرابع قبل الميلاد، وقد تميز هذا المناخ بصيف حار وطويل، وشتاء جاف وقصير، وبهبوط المعدل السنوي للأمطار، مما أدى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية، وشُح الينابيع. وفي مصر انخفض منسوب فيضان النيل بشكل حاد تسبب في الانهيار التام للحياة الزراعية. وقد تعاملت المناطق المصابة مع هذه الأوضاع وفق استراتيجيات مختلفة؛ ففي سوريا استطاعت المدن الكبيرة عبور الأزمة بصعوبة بالغة، مع المحافظة على استقرار نسبي خصوصًا في المناطق ذات المعدلات المطرية المرتفعة سابقًا، أما المناطق الحساسة للجفاف، وذات المعدلات المطرية المنخفضة عادةً، فقد أخذ المزارعون فيها بالتحول إلى الحياة الرعوية تدريجيًّا. وتشير النصوص المسمارية في وادي الرافدين إلى تحركات بشرية مستمرة من المناطق السورية باتجاه الشرق. أما في فلسطين، فقد استمرت المدن الواقعة في مناطق الوديان الخصبة وفي المناطق السهلية، ولكن تحت شروط قاسية، ومع تقلص واضح في حجمها، ونقص كبير في عدد سكانها، بينما هُجرت معظم مواقع المناطق الهضبية الحساسة للجفاف وأُفرغت من سكانها، وذلك فيما عدا تلك التي تتمتع بمصدر مائي غزير وثابت. وكذلك الأمر في المناطق الجنوبية، مثل عراد وبئر السبع، والتي تحولت إلى بوادٍ قاحلة بعد فترة ازدهار زراعي طويلة. وفي مناطق شرقي الأردن تحوَّل السكان من الزراعات المتوسطية التقليدية إلى الرعي وزراعة الحبوب. وخلال هذه الفترة بالذات تم نزوح أعداد كبيرة من سكان المناطق الواقعة على حدود البوادي — ممن تحولوا إلى حياة الرعي المتنقل — نحو الجزيرة العربية حاملين إليها اللغة السامية.١٥ وفيما يتعلق بالمواقع التي عثر فيها المنقبون في فلسطين على آثار دمار خلال هذه الفترة الانتقالية، فيبدو أنها قد تهدمت بشكل طبيعي نتيجةَ إفراغها من السكان، ووقوعها عرضةً للعوامل الطبيعية، ولم تكن بحاجة إلى غزاة من الخارج لإتمام ما ابتدأته الطبيعة.
حوالي عام ١٩٥٠ق.م. انتهت فترة الجفاف، وأعقبتها فترةٌ باردة ومطيرة أدت إلى ازدهار اقتصادي عام في جميع أنحاء سوريا، فازداد عدد السكان بشكل واضح، وأُعيد سكن المناطق التي هُجرت إبان الفترة الانتقالية، كما أُعيد بناء وسكن المدن المُهدَّمة. وفي مصر ارتفع منسوب فيضان النيل، وعادت الحياة الزراعية سِيرتَها الأولى تحت سيطرة الأسرة الثانية عشرة التي أسست المملكة المتوسطة. وفي بلاد الرافدين يبدو أن الأسرة الآمورية — التي شكَّلت الدولة البابلية القديمة (وأشهر ملوكها حمورابي) — قد قامت على أساس اقتصادي راسخ يسمح بتشكيل مثل هذه القوة الجديدة والكبيرة في الشرق القديم. وقد تطابقت بداية فترة الازدهار هذه مع بداية عصر البرونز الوسيط، الذي استمر من ١٩٥٠ إلى ١٦٠٠ق.م. (أو ١٥٥٠ق.م.) وبشكل عام تُبدي الفترة الانتقالية في سوريا ارتباطًا حضاريًّا واضحًا مع عصر البرونز المبكر، الأمر الذي ينفي بشكل قاطع نظرية الغزوات البدوية، ويؤكد على استمراريةٍ سكانية غير منقطعة، وعلى مقدرة التركيب السكاني المحلي على استيعاب الجماعات الخارجية وهضمها. وبشكل خاص، فإن الثقافة المحلية في فلسطين تُبدي، وأكثر من أي مكان آخر في سوريا، هذه الاستمرارية الثقافية والسكانية خلال النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد.١٦
كما تُظهر لنا المخلفات المادية للبرونز الوسيط استمراريةً حضارية مشابهة مع الفترة الانتقالية ومع البرونز المبكر. وإضافةً إلى هذه الاستمرارية الحضارية، فإن عصر البرونز الوسيط في سوريا يعطينا صورة لوحدة ثقافية تامة تجمع كل المناطق في بوتقة واحدة، فمن أوغاريت وكركميش في الشمال وحتى أطراف الصحراء في الجنوب تبدو الروابط واضحة في كل أثر مادي، سواء في الفَخار أو الفنون التشكيلية المختلفة، أو فن العمارة أو تقنيات إنشاء الأسوار الدفاعية. ورغم أن المنطقة قد استوعبت إليها تحركات بشرية واسعة من الخارج، إلا أن الطابع الثقافي المحلي بقي سائدًا ومتماثلًا في جميع أنحائها، واستمرت الثقافة الكنعانية في مسيرتها لتتجاوز البرونز الوسيط إلى البرونز الأخير فعصرِ الحديد.١٧

شهد عصر البرونز الوسيط (١٩٥٠–١٦٠٠ق.م.) قيام الدولة البابلية القديمة في بلاد الرافدين تحت لواء أسرة حاكمة آمورية وفدت من سوريا. غير أن هذه الدولة الجديدة لم تكن إلا استمرارًا لدولة أور الثالثة، ولدولة صارغون الأكادي من قبلها، ولم يكن الآموريون هنا سوى طبقة حاكمة تبنت كل التقاليد الثقافية السومرية الأكادية في الدين والفنون والآداب واللغة، ولم تكن اللغة البابلية القديمة إلا أكاديةً مُعدَّلة بعض الشيء. كما شهد هذا العصر قيام دويلاتِ مدنٍ قوية في سوريا، مثل كركميش على الفرات في أقصى الشمال، وماري على الفرات الأوسط، وآلالاخ في سهل العمق غربًا في منطقة أنطاكية، وقطنة وقادش في سوريا الوسطى بمنطقة حمص. ورغم أن أُسرًا حاكمة آمورية قد حكمت في معظم هذه المدن، إلا أن الطابع الثقافي الكنعاني للبرونز المبكر قد استمر هنا استمرار الطابع الثقافي الأكادي في وادي الرافدين. ومن أهم الحكام الآموريين الذين ظهروا على المسرح السياسي مع بدايات عصر البرونز الوسيط: الملك شمسي هدد الأول، وهو شخصية عسكرية وإدارية متميزة، ظهر بشكل مفاجئ في أواخر القرن التاسع عشر قبل الميلاد، ووحَّد منطقة حوض الخابور وشمال بلاد الرافدين، من المنعطف الكبير لنهر الفرات غربًا إلى سفوح جبال زاغروس شرقًا. وكانت آشور — التي استولى عليها هذا العاهل، واعتلى عرش ملوكها في عاصمتها — قلبَ هذه الإمبراطورية المترامية الأطراف، غير أن شمسي هدد لم يختر الإقامة في العاصمة الآشورية، بل عمل على بناء عاصمة جديدة له في حوض الخابور الأعلى، أطلق عليها اسم شوباط إنليل، وقد تم اكتشاف هذه المدينة في موقع تل ليلان في أقصى الشمال الشرقي من الحدود السورية الحالية.

وفي فلسطين نَضِجت البُنى الأساسية للمدن التي كانت أشبه بالقرى خلال الألف الثالث، وأخذت هذه البُنى تتشكل تدريجيًّا وَفق نظام دولة المدينة الذي كان سائدًا في بقية المناطق السورية لوقت طويل مضى. ونستنتج من النصوص المصرية العائدة لفترة المملكة المتوسطة قيامَ أُسرٍ حاكمة في عدد من المدن الكبرى، إلا أن هذه المدن — من أمثال شكيم وحاصور ومجدو — لم تصل في حجمها وفي قوتها إلى ما وصلت إليه بقية المدن السورية، ولم تتجاوز في توسعها الحد اللازم لحياة مركز إقليمي يقدم خدمات التسويق والصناعة الحرفية، والدفاع المحلي للمنطقة الصغيرة المحيطة به، والقرى الدائرة في فلكه. ورغم أن زراعات بعض المناطق الفلسطينية قد تركزت حول سلع التبادل النقدي، مثل الخمور والزيوت، وما يستتبع ذلك من توسيع لأسواقها المحلية، ورغم قيام تحالفات سياسية عائلية بين حكام المدن الكبرى، وظهور نوع من الهرمية في ميزان القوى بشكل عام؛ إلا أن هذا كله لم يؤدِّ إلى نشوء دولة قوية تبسط سلطانها على عدد من المدن والمناطق التابعة لها. ومن ناحية أخرى، فإن الثقافة الفلسطينية في عصر البرونز الوسيط تُظهر تأثرًا واضحًا بالثقافة المصرية، لا سيما في المناطق الجنوبية، إلا أن هذا التأثير يمكن تفسيره بالقرب الجغرافي والتبادل التجاري، ولا يوجد لدينا أي دليل على وجود سلطان سياسي مصري مباشر على فلسطين خلال البرونز الوسيط. وفي الحقيقة، فإن طرق الاتصال بين فلسطين ومصر كانت مفتوحة منذ الألف الخامس قبل الميلاد، وكانت الدلتا المصرية منذ ذلك الحين تستوعب أعدادًا متزايدة من الآسيويين القادمين إليها من فلسطين أو عبرها، إلى أن صارت منطقة شبه آسيوية مع حلول عصر البرونز الوسيط. ويبدو أن الهكسوس — الذين استولَوْا على مصر وأسسوا أُسرًا حاكمة آسيوية فيها، فيما بين ١٧٣٠ و١٥٧٠ق.م. — لم يأتوا من أي مكان خارج مصر، بل من الدلتا نفسها.١٨
figure
سوريا وفلسطين في عصر البرونز المتأخر.

لم تُعمَّر المملكة المتوسطة التي قامت في مصر مع مطلع البرونز الوسيط إلا حوالي قرنين من الزمان، فحوالي عام ١٧٣٠ق.م. استولى على الحكم الجماعات المعروفة في التاريخ باسم الهكسوس، وتبدأ في مصر الفترة التي يدعوها المؤرخون بالفترة المعترضة الثانية. يتفق معظم دارسي اللغة المصرية القديمة على أن كلمة هكسوس تعني «حكام الأراضي الأجنبية» (الحكام الذين جاءوا من أراضٍ أجنبية)، من هنا، فإن معرفة أصلهم ومصدرهم أمر مستحيل اعتمادًا على النصوص الهيروغليفية المصرية، وذلك فيما عدا كونهم قد أتَوْا من آسيا الغربية. ورغم أن معظم أسماء الملوك الهكسوس سامية، إلا أننا نعثر بينها على أسماء غير سامية أيضًا، الأمر الذي يدل على وجود عناصر مختلطة في التركيب الإثني (العرقي) لهذه الجماعات. وربما كانت العناصر غير السامية قد جاءت من أصل حوري، فقد تميزت بداية عصر البرونز الوسيط بحدوث تحركات سكانية كبيرة من وإلى المنطقة السورية، أهمها تلك الهجرة الواسعة لجماعات غير سامية وفدت من الشرق والشمال الشرقي لتستقر في الشمال السوري والجزيرة العليا، وتُشكِّل عدة ممالك قوية، أهمها مملكة ميتاني. ورغم أن لغة هؤلاء الحوريين لا تنتمي إلى أسرة لغات معروفة، ساميةً كانت أم هندو-أوروبية، إلا أن الطبقة العسكرية الحاكمة للجماعات الحورية كانت من أصل هندو-أوروبي. وبعد الموجة الرئيسية التي جاءت بالحوريين إلى المناطق المذكورة أعلاه، لدينا دلائل على موجات صغيرة حملت جماعات منهم خلال عصر البرونز الوسيط إلى كل مكان تقريبًا من بلاد الشام. وبما أنه لا يوجد لدينا دليل على غزو أو انسياح حوري واسع النطاق نحو الغرب والجنوب، فإن من المُرجَّح أن تكون هذه الموجات الصغيرة من تحركات الحوريين قد جاءت نتيجة تسرب سلمي تدريجي. وقد اختلطت هذه الجماعات الحورية بالسكان المحليين تدريجيًّا، وحافظت على لغتها فترةً لا بأس بها قبل أن تذوب تمامًا في محيطها السامي. ونستدل من رسائل تل العمارنة المتبادلة بين حكام فلسطين والبلاط الفرعوني حوالي عام ١٣٥٠ق.م. على وجود حكام حوريين على رأس عددٍ من الممالك السورية. ولدينا من مدينة أوغاريت شواهد على وجود جالية حورية كبيرة ونشطة في المدينة حوالي عام ١٤٠٠ق.م.، وهذا يعني أن التواجد الحوري في سوريا قد استمر قويًّا وفعالًا حتى عصر البرونز الأخير. وإلى جانب التحركات الحورية، لدينا شواهد على تحركات محدودة لجماعات هندو-أوروبية وفدت إلى سوريا خلال عصر البرونز الوسيط من آسيا الصغرى. ونجد بشكل خاص في أوغاريت وآلالاخ عددًا لا بأس به من أسماء الأشخاص مكتوبة بالقلم الحثي اللوفياني.

وإلى جانب هذه التحركات الحورية والهندو-أوروبية، لدينا في عصر البرونز الوسيط تحركات واسعة النطاق لجماعات معروفة باسم الخابيرو. وعلى عكس الحوريين والهندو-أوروبيين، فإن هؤلاء الخابيرو لم يكونوا جماعة عرقية متميزة، بل أخلاطًا من أجناس شتى. ولا تساعدنا أسماء العلَم الدالة على أفراد منهم، في نصوص مملكة ماري وغيرها من ممالك البرونز الوسيط، على تبيُّن لغة واحدة تجمع بينهم، كما أن هذه النصوص لا تساعدنا على تحديد نمط حياة موحد لهذه الجماعات، فأحيانًا نجدهم جنودًا مرتزقة، وأحيانًا عمالًا مأجورين في حقول الزراعة، وأحيانًا جماعاتٍ هائمةً من النهابين وقطاع الطرق. وتزودنا نصوص مملكة ماري بشكل خاص بمعلومات عن هؤلاء الخابيرو الذين كانوا يتواجدون بكثرة في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها، وفي المناطق المحيطة بها. وتشير هذه النصوص إلى جماعتين رئيستين من الخابيرو، هما «بنو-يامينا» أو أهل الجنوب، و«بنو-شمأل» أي: أهل الشمال. ونعرف منها أن بعض هؤلاء كان يعمل في الزراعة ويقيم في قرًى أو معسكرات خاصة، وبعضهم كان يمارس الرعي المأجور للآخرين، أو يحصد ويَدرُس مواسم القمح لهم. ومن النصوص الحثية نعرف أن جماعات من الخابيرو كانت تُستأجر لأعمال النقل والخدمة في الجيش. ومن نصوص أوغاريت وآلالاخ نعرف أن جماعات منهم كانت منتشرة في تلك المناطق، وكانت تقدم خدماتها للملوك المحليين لقاء أجور عينية أو نقدية، أو على شكل أراضٍ زراعية في بعض الأحيان. كما كانت مناطق تواجدهم تشكل موئلًا للهاربين من يد العدالة.١٩

فالخابيرو، والحالة هذه، هم فئة اجتماعية وليسوا فئة عرقية، إنهم شتات من الجماعات التي لم تجد لها مكانًا في الهيكل الاجتماعي والسياسي لدويلات وممالك عصر البرونز الوسيط، فآلت إلى حالة هامشية تعيش في قلق واضطراب وحركة دائمة، تحت قيادات سياسية مؤقتة لا تتمتع بالديمومة والاستقرار. بعض هؤلاء الخابيرو وفد إلى المنطقة من خارجها، وبعضهم جاء من البوادي الداخلية، وبعضهم من شُذَّاذ الآفاق والمغامرين، أو من حثالة الشرائح السفلى للمجتمعات الحضرية تبحث عن حظوظ جديدة. ففي أوقات انعدام الأمن كان الخابيرو يلجئون إلى السلب والنهب، وعند استتباب الأمن كانوا يتقدمون للعمل المأجور، وفي أوقات الحروب كانوا يتحولون إلى مرتزقة يحاربون إلى هذا الجانب أو ذاك. ونحن إذا لم نقبل بنظرية الأصل المحلي للهكسوس، والتي أشرنا إليها منذ قليل، فإن أكثر النظريات قربًا لواقع حال عصر البرونز الوسيط هي التي تجعلهم جماعات من الخابيرو حققت نوعًا من التلاحم الداخلي تحت قيادات سياسية قادرة، قادتها نحو الدلتا المصرية.

في عصر البرونز الوسيط هذا تبدأ القصة التوراتية، على ما يُجمِع عليه المؤرخون والباحثون التوراتيون. وفي هذا العالم الذي يموج بثقافات عالية، وتتلاقى عبره الأفكار التي ستمهد لكل منجزات التاريخ الإنساني اللاحق، تبدأ قصة أصول إسرائيل التوراتية، مع عائلة تهيم على وجهها انطلاقًا من مدينة أور على الفرات الأدنى، على عادة تلك الجماعات الهائمة من صيادي الحظ، المُقتلَعين من جذورهم الاجتماعية، ممن غذوا — عادةً — تجمعاتِ الخابيرو على حدود المراكز الحضرية.

ولسوف نتتبع القصة التوراتية وَفق التحقيب الزمني المتعارف عليه، والمُستمَد من كتاب التوراة نفسه، والذي يقسم القصة إلى العصور التالية: (١) عصر الآباء. (٢) العبوديةُ في مصر، والخروجُ. (٣) اقتحام كنعان. (٤) عصر القضاة. (٥) المملكة الموحدة. (٦) المملكة المنقسمة (إسرائيل ويهوذا).

١  W. F. Albright, The Role of the Canaanite in the History of Civilization, p. 332 (in: E. Wright, edt. The Bible and the Ancient Near East, Indiana, 1979).
٢  Th. L. Thompson, Early History of the Israelite People, p. 172.
٣  S. Moscati, Ancient Semitic Civilizations, Elek Books, London, 1957.
انظر الترجمة العربية للكتاب أعلاه: ساباتينو موسكاتي، الحضارات السامية، بيروت ١٩٨٦، ص٥٣–٥٤.
٤  S. Moscati, Comparative Grammar of the Semitic Languages, Wiesbaden, 1969, p. 16.
٥  I. M. Diakonoff, Semito-Hamitic Languages, Moscow, 1965, pp. 105 ff.
٦  Th. L. Thompson, op. cit., pp. 176, 177, 189.
٧  Ibid., pp. 177, 179.
٨  يقسم علماء الآثار العصور التاريخية، منذ فجر المدنية في سومر، إلى العصور الآتية:
(١) عصر البرونز المبكر: من ٣٠٠٠ إلى ٢٠٠٠ق.م. (أو ١٩٥٠ق.م.)
(٢) عصر البرونز الوسيط: من ٢٠٠٠ (١٩٥٠) إلى ١٦٠٠ق.م. (أو ١٥٥٠ق.م.)
(٣) عصر البرونز الأخير: من ١٦٠٠ (١٥٥٠) إلى ١٢٠٠ق.م.
(٤) عصر الحديد الأول: من ١٢٠٠–١٠٠٠ق.م.
(٥) عصر الحديد الثاني: من ١٠٠٠–٦٠٠ق.م.
٩  معلومات مباشرة حصل عليها المؤلف من البَعثة السورية المشاركة في التنقيب.
١٠  Th. L. Thompson, op. cit., pp. 178–180.
١١  W. McNeill and J. Sedlar, The Ancient Near East, p. 25.
١٢  من أجل نص إدريمي، وتعيين موقع مدينة أُميَّا راجع بحث الدكتور عيد مرعي في مجلة دراسات تاريخية، عدد آذار ١٩٨٨.
١٣  S. Mascati, The World of the Phoenicians, Cardinal, London, 1973, pp. 22-23.
١٤  Paolo Matthiae, Ebla, Hodder and Stoughton, London, 1980.
١٥  Th. L. Thompson, op. cit., pp. 181–183.
١٦  Ibid., pp. 183, 188, 203.
١٧  Kathleen Kenyon, Archaeology in the Holy Land, London, 1985, pp. 148–178.
١٨  Th. L. Thompson, op. cit., pp. 193–199.
١٩  W. F. Albright, Yahweh and the Gods of Canaan, Anchor Books, New York, 1969, pp. 73–86.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤