الفصل السادس

صعود يهوذا ونهايتها السريعة

إن حملات صارغون الثاني، التي أسفرت عن إلحاق دمشق بآشور وتدمير السامرة، قد أحدثت دمارًا كبيرًا شمل معظم المناطق الفلسطينية. وبشكلٍ خاص، فقد عاث الجيش الآشوري فسادًا في المدن الواقعة إلى الغرب من مرتفعات يهوذا، بينها وبين السهل الساحلي، مثل جرار ولخيش وبيت شمش (وتُدعى هذه المنطقة بمنطقة شفلح، أو التلال المنخفضة)، ولم تعد الحياة الطبيعية إلى هذه المدن إلا بعد فترةٍ طويلة من حملات صارغون. وقد انتهز ملوك أورشليم هذه الفرصة فضموا إليها المناطق الجنوبية من حبرون إلى بئر السبع، كما ضموا مدن المناطق الغربية التي كانت تنافسهم في الماضي القريب على تسويق منتجات قرى المرتفعات. وبذلك تحوَّلت أورشليم إلى مملكةٍ قوية في سوريا الجنوبية، بمباركةٍ ودعمٍ من آشور، مكافأةً لها على عمالة ملوكها وعونهم لها على دمشق والسامرة وبقية الممالك الفلسطينية. وبذلك يأتي تشكُّل مملكة يهوذا كناتجٍ للمد التوسعي لمدينة أورشليم، لا كناتج لمركزيةٍ تدريجيةٍ وحَّدت منطقة ذات مصالح اقتصادية متبادلة، كما كان الحال في تشكُّل دولة السامرة. فلقد تشكَّلت دولة السامرة قبل أكثر من قرنٍ ونصف القرن من تشكُّل دولة يهوذا، وحدث ذلك نتيجة للتقارب بين القرى الزراعية الجديدة، وتشابُك مصالحها، وبحثها عن بنيةٍ سياسية قادرة على إدارة اقتصادٍ زراعي بلغ مرحلة النضج. فقامت بينها أسرة الملك عُمري الذي بنى مدينة السامرة لتكون عاصمةً لإقليم صار موحَّدًا في اقتصادياته وملامحه الإثنية العامة. أما دولة يهوذا، فقد قامت منذ البداية ككيانٍ مصطنع لا يجمعه إلى بعضه إلا مطامح ملوك أورشليم في السيطرة التجارية والاقتصادية على مرتفعات يهوذا، وفيما بعد على الأقاليم التي دمرتها الحروب الآشورية.١

ويبدو أن غياب كلٍّ من مملكة دمشق وإسرائيل عن الساحة قد جعل مملكة يهوذا الحارس على طرق التجارة الدولية في فلسطين وشرقي الأردن، وصارت إلى حالٍ من القوة والثروة جعل ملوكها يفكرون جديًّا بالاستقلال عن آشور، وتجيير كل المكاسب لحسابهم الخاص، يشجعهم على ذلك ملوك مصر الذين أقلقهم وصول آشور إلى حدودهم الشمالية.

شهد آحاز ملك يهوذا الاستسلام الأخير لمدينة دمشق عام ٧٣٢ق.م.، وحضر شخصيًّا إلى المدينة للقاء تغلات فلاصَّر هناك، والحصول على بركته لمتابعة دوره في المنطقة (الملوك الثاني، ١٦: ١٠). ثم تابع سياسة العمالة لآشور حتى شهد أيضًا دمار السامرة عام ٧٢١ق.م.، واطمأن إلى استتباب الأمور في المنطقة بما يتفق ومصالحَه. بعد ذلك تخلَّى عن جزءٍ كبير من صلاحياته السياسية لابنه حزقيا، الذي ارتقى عرش أورشليم بعد وفاة أبيه عام ٧١٥ق.م. وسأقدِّم فيما يلي ثَبَتًا بملوك يهوذا الذين تتابعوا، من آحاز إلى صدقيا آخر ملوك يهوذا، وسنوات حكمهم؛ وذلك ليتيسر للقارئ متابعة ما سيأتي من أخبار يهوذا:

آحاز ٧٣٥–٧١٥ق.م.
حزقيا ٧٢٩–٦٨٦ق.م.
آمون ٦٤١–٦٣٩ق.م.
يوشيا ٦٣٩–٦٠٨ق.م.
يهوأحاز ٦٠٨ق.م.
يهوياقيم ٦٠٨–٥٩٨ق.م.
يهوياكين ٥٩٨–٥٩٧ق.م.
صدقيا ٥٩٧–٥٨٦ق.م.
حكم حزقيا مدةً طويلةً جدًّا بلغت أربعين سنة، وقد ورث عن أبيه عمالة آشور، وسار في ظل هذه السياسة فترةً طويلة استطاع خلالها بناء الدولة الحقيقية ليهوذا الكبرى، التي بقيت بمَنجاةٍ من الحملات الصاعقة، التي أكملت عملية إلحاق مدن الساحل الفلستي بآشور. وقد تلقَّت مدينتا جت وأشدود بشكلٍ خاص أقسى ضربات صارغون الثاني. نقرأ في نصٍّ لصارغون: «عازوري ملك أشدود امتنع عن دفع الجزية، وكتب رسائل إلى الممالك المجاورة مليئة بالمخططات العدوانية ضد آشور، فقمت بإقصائه عن العرش جزاء خيانته، وعيَّنت أخاه الأصغر أحيميتي ملكًا. ولكن سكان أشدود كرهوا حكمه ورفعوا عليهم ملكًا؛ رجلًا من الإغريق لا حقَّ له بالملك. فقمت في ثورة غضبي بالتوجه إلى أشدود دون أن أكمل استعداداتي العسكرية، وبما توفر لي من جنودٍ مخلصين. ولما سمع هذا الإغريقي باقترابي هرب وتوجه إلى مصر. حاصرت وفتحت مدن أشدود وجت، وغَنِمت زوجة وأولاد الملك وكنوز قصره وسكان بلاده. ثم أعدت تنظيم هذه المدن، فأحللت فيها سكانًا من المناطق الشرقية التي قهرتها سابقًا، وعيَّنت عليهم حاكمًا من عندي، وأعلنتهم مواطنين آشوريين.»٢

في السنوات الأخيرة من حكمه، انشغل صارغون الثاني بمشكلاته الداخلية، وأوقف حملاته السورية، ثم تُوفي عام ٧٠٥ق.م. وخَلَفه ابنه سنحاريب. انشغل سنحاريب في سنوات حكمه الأولى بالقضاء على عددٍ من الفتن والثورات في بلاد الرافدين والمناطق الشرقية، الأمر الذي أعطى حزقيا ملك يهوذا مزيدًا من الإحساس بالاستقلال والإحساس بقوته الذاتية. وقد قاده هذا إلى التفكير بالتمرد على آشور، يدفعه إلى ذلك فراعنة الأسرة الحبشية في مصر. كما ساعد حزقيا على التفكير بالتمرد الحالةُ العامة المناهِضة للحكم الآشوري في مناطق سوريا الغربية جميعها، وخصوصًا مدن فينيقيا وفلسطين. وقد اعتقد جديًّا ولفترة بأنه في حال نجاح هذا التمرد العام، وإخفاق آشور في إخماده، فسيكون لأورشليم الدور القيادي في فلسطين، وربما استطاعت الحلول محل آشور. ولكن هذا الوضع المتوتر في فينيقيا وفلسطين قد دفع أخيرًا الملك سنحاريب إلى شنِّ حملةٍ كبرى على المنطقة مشهورة في تاريخ الحملات الآشورية. نقرأ في سجل سنحاريب عن هذه الحملة ما يلي:

«في حملتي الثالثة توجهت إلى حاتي، لولي ملك صيدون، أخذه الخوف من هيبة جلالتي، ففرَّ وحيدًا عبر البحار واختفى ذكره. أما مدنه فقد تملكها الخوف من عظمة آشور، فأخضعت مدن صيدون الكبرى وصيدون الصغرى، وبيت زتي، وساريبتو، ومحاليبا، وأوشو (صور)، وأكزيب، وعكا. مدنه الحصينة كلها قد أخضعت تحت قدمي، وأقمت على عرش صيدون المدعو توبعلو وفرضت عليه الجزية.» عند ذلك يعلن بقية ملوك الساحل وملوك شرقي الأردن ولاءهم لسنحاريب، ويرسلون إليه الجزية. أما ملك أشقلون على الساحل الفلستي فقد بقي على تمرده، فتابع سنحاريب حملته باتجاه الساحل الفلستي، فأخضع أشقلون وقبض على ملكها المدعو صدقيا وأفراد عائلته وأرسلهم أسرى إلى آشور، ثم تابع تمشيطه لمناطق الساحل قبل أن يتوجه نحو الداخل لتأديب حزقيا ملك يهوذا، الذي وصلته نجدات عسكرية من مصر.

«تابعت حملتي فحاصرت بيت داجون، وبني برقة، وآزود، وهي مدنٌ تابعة لصدقيا ملك أشقلون، ففتحتها وحملت منها الأسلاب. أما مدينة عقرون فقد قام أهلها بوضع مليكهم بادي في الأغلال وأسلموه إلى حزقيا يهوذا، الذي رماه في السجن. ولخوفه مني دعا حزقيا مصر وإثيوبيا لمساعدته، فهبوا إليه وانتظمت صفوفهم، وشحذوا أسلحتهم ضدي في سهل ألتقو. بعد استخارة نبوءة إلهي آشور، هاجمتهم وهزمتهم. وفي غمرة القتال، قمت بنفسي بأسر فرسان العربات وأمرائهم من مصريين وإثيوبيين، ثم حاصرت مدينتَي ألتقو وتمنة وأخذتهما وحملت منهما الأسلاب. بعد ذلك استبحت مدينة عقرون وقتلت مسئوليها ووجهاءها الذين أجرموا، وعلَّقت جثثهم على الأعمدة حول المدينة، ثم أعدت ملكها بادي من أورشليم وأقمته على العرش سيدًا لهم، وفرضت عليهم الجزية. أما حزقيا يهوذا، الذي خرج عن طاعتي، فقد ألقيت الحصار على ٤٦ من مُدنه وقلاعه، وعددٍ كبير من القرى حولها، وأخذتها جميعًا مستخدمًا المدكَّات والمنجنيق، التي قرَّبها المشاة إلى مقدمة الهجوم فأحدثوا أنفاقًا وثغرات. سُقت أمامي منهم الغنائم ٢٠٠١٥٠ فردًا من الذكور والإناث،٣ شِيبةً وشبانًا، وأحصنةً وبغالًا وحميرًا وجمالًا، ماشيةً كبيرةً وصغيرة لا حصر لها. أما حزقيا نفسه فقد صار حبيسًا في مقره الملكي أورشليم كعصفورٍ في قفص، فأحطته بالمتاريس والخنادق لحجز الفارِّين عند البوابات، والمدن التي أخذتها منه أعطيتها لملك أشدود وملك عقرون ولملك غزة، فأنقصت بذلك مساحة أراضيه، ورفعت الجزية المفروضة عليه بما يفوق الجزية السابقة كثيرًا. لقد غمره الخوف من رهبة جلالتي، والقوات التي أتى بها إلى أورشليم لمعاونته اختلَّت صفوفها وتركته. فأرسل إليَّ في نينوى عاصمة مُلكي ثلاثين وزنة من الذهب، و٨٠٠ وزنة من الفضة، وأحجارًا كريمة، وكميات من الإثمد وقطع الصخر الأحمر، ومقاعد وكراسي مُزيَّنة بالعاج. كما أرسل إليَّ موسيقيين من ذكورٍ وإناث، وأرسل بناته وسراريه.»٤

لا يذكر نص سنحاريب السبب الذي دفعه لفك الحصار عن أورشليم والعودة إلى نينوى، والكاتب ينتقل مباشرة من مشهد الحصار المُطبِق على المدينة إلى وصول جزية حزقيا إلى سنحاريب في عاصمته. من هنا، فإننا نرجِّح أن الملك الآشوري قد ارتد عن المدينة بعد أن أعلن حزقيا خضوعه المطلق وقَبِل الجزية المضاعفة التي فُرِضت عليه، فأرسلها في إثر سنحاريب إلى نينوى. ويبدو أن سنحاريب لم تعد له مصلحةٌ في خسارة مزيدٍ من الوقت والجنود والأموال في حصار مدينةٍ منيعة، غدت وحيدةً في أرضٍ محروقة ومقفرة إلى أبعد الحدود، ففضَّل الإبقاء على أورشليم في حالة التبعية بدلًا عن تدميرها. ولعل قراره هذا قد جاء بعد وصول أخبارٍ من آشور عن محاولةٍ انقلابية يجري التحضير لها في نينوى، لأننا نعرف فيما بعدُ أن سنحاريب قد لقي مصرعه على يد اثنين من أبنائه أثناء تأديته للطقوس الدينية في المعبد. ومصدر هذا الخبر هو رواية سفر الملوك الثاني (١٩: ٢٧).

لم يحفل النص التوراتي بذكر أية تفصيلات عن حملة سنحاريب على فلسطين، وقارئ سفر الملوك الثاني يظن أن الملك الآشوري قد توجَّه من نينوى مباشرةً إلى أورشليم وألقى الحصار عليها، وكأن أورشليم هي المدينة الوحيدة القائمة في مناطق غربي الفرات. كما أن قصة المواجهة بين سنحاريب وحزقيا ينقصها الكثير من العناصر المهمة التي قدمتها الرواية الآشورية؛ فصعود القوات المصرية لمساعدة حزقيا بأعدادٍ كبيرة غير مذكور بتاتًا، رغم وجود تلميحٍ باتكاء حزقيا على مصر، وكذلك الأمر بخصوص المعركة الكبيرة في سهل ألتقو بين القوات الآشورية وقوات مصر وحزقيا، وتراجُع الأخير وتحصُّنه في أورشليم، أما تراجع سنحاريب عن أسوار أورشليم فيعزوه محرر السفر — وكما يمكن أن نتوقع دومًا — إلى معجزةٍ من الرب، نقرأ في سفر الملوك الثاني ما يلي:

«في السنة الرابعة عشرة للملك حزقيا صعد سنحاريب ملك آشور على مدن يهوذا الحصينة جميعها وأخذها، وأرسل ملك يهوذا إلى ملك آشور، إلى لخيش، يقول: قد أخطأتُ، ومهما جعلتَ عليَّ حَمَلتُه. فوضع ملك آشور على حزقيا ملك يهوذا ثلاثمائة وزنةٍ من الفضة، وثلاثين وزنةً من الذهب. فدفع حزقيا الفضة الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك جميعها. وفي ذلك الزمان قشر حزقيا الذهب عن أبواب الهيكل والدعائم التي كان قد غشَّاها حزقيا ملك يهوذا ودفعه للملك آشور» (الملوك الثاني، ١٨: ١٢–١٦). يبدو لنا من هذا النص أن سنحاريب قد استولى على المدن التابعة لحزقيا، ثم قَبِل جزية حزقيا ولم يقترب من أورشليم. ولكن محرر سفر الملوك الثاني ما يلبث أن يقدم لنا مباشرةً روايةً أخرى عن قيام الجيش الآشوري بحصار أورشليم. وهنا نرى سنحاريب المشغول بحصار مدينة لخيش يرسل ثلاثةً من قواده على رأس جيشٍ إلى أورشليم:

«وأرسل ملك آشور ترتان وربساريس وربشاقي من لخيش إلى الملك حزقيا بجيشٍ عظيم إلى أورشليم، فصعدوا وأتوا إلى أورشليم. ولما صعدوا جاءوا ووقفوا عند قناة البِرْكة العليا، التي في طريق حقل القَصَّار، ودعوا الملك فخرج إليهم إلياقيم بن حلقيا و… إلخ، فقال لهم ربشاقي: قولوا لحزقيا: هكذا يقول الملك العظيم ملك آشور: … والآن على من اتكلتَ حتى عصيتَ عليَّ؟ فالآن هو ذا قد اتكلتَ على عكاز هذه القصبة المرضوضة، على مصر التي إذا توكأ عليها أحدٌ دخلت في كفه وثقبتها. هكذا هو فرعون ملك مصر للمُتَّكلين عليه جميعهم … وإذا قلتم لي: على الرب إلهنا اتكلنا … هل بدون الرب صعدتُ على هذا الموضع لأخربه؟ الرب قال لي: اصعد على هذه الأرض وخربها.» ثم يعرض القائد الآشوري على أهل أورشليم الاستسلام واعدًا إياهم بالسبي إلى أرضٍ أفضل من أرضهم، مما اقتبسناه قبل قليل. ولكن النبي إشعيا يشد من عزيمة حزقيا ويحثه على المقاومة، ويعده بتأييدٍ من الرب الذي لم يتأخر في إظهار المعجزة: «وكان في تلك الليلة أن ملاك الرب خرج وضرب من جيش آشور مائة ألف وخمسة وثمانين ألفًا. ولما بكروا صباحًا إذا هم جميعًا جثثٌ ميتة. فانصرف سنحاريب ملك آشور وذهب راجعًا وأقام في نينوى. وفيما هو ساجدٌ في بيت نسروخ إلهه ضربه أدرملك وشرآصر ابناه بالسيف، ونجوَا إلى أرض أراراط، ومَلَك أسرحادون ابنه عوضًا عنه» (الملوك الثاني، ١٩: ٣٥–٣٧). وهكذا عادت يهوذا إلى حضن آشور بعد هذا التمرد القصير الأجل. ورغم الدمار الذي حلَّ بأراضيها فقد قُيِّض لها أن تعيش مستقلة قرابة قرنٍ آخر من الزمان تحت المظلة الآشورية. ولكن تدخلها في السياسة الدولية في عصر المملكة البابلية الجديدة قد قادها إلى حتفها.

توفي حزقيا عام ٦٨٦ق.م. وخَلَفه ابنه مَنسي الذي حكم أربعين عامًا بعد وفاة أبيه. ويقصُّ سفر أخبار الأيام الثاني سيرة مَنسي على الوجه الآتي: «كان مَنسي ابن اثنتي عشرة سنة حين مَلَك، ومَلَك خمسة وخمسين عامًا في أورشليم، وعمل الشر في عينَي الرب حسب أرجاس الأمم الذين طردهم من الرب من أمام بني إسرائيل. وعاد فبنى المرتفعات التي هدمها حزقيا أبوه، وأقام مذابح للبعل، وعمل سواري وسجد لكل جند السماء وعبدها، وبنى مذابح في بيت الرب الذي قال عنه الرب: في أورشليم يكون اسمي إلى الأبد … ووضع تمثال الشكل الذي عمله في بيت الله … وكلم الرب مَنسي وشعبه فلم يصغوا، فجلب الرب عليهم رؤساء الجند الذين لملك آشور، فأخذوا مَنسي بخزامة وقيدوه بسلاسل نحاس، وذهبوا به إلى بابل. ولما تضايق طلب وجه الرب إلهه وتواضع جدًّا أمام إله آبائه وصلَّى إليه، فاستجاب له وسمع تضرعه وردَّه إلى أورشليم إلى مملكته» (أخبار الأيام الثاني، ٣٣: ١–١٣). وكما نلاحظ من هذا النص، فإن القبض على مَنسي ملك يهوذا لم يأتِ نتيجة تمردٍ أو عصيانٍ من قِبَله، ولا لتوقفه عن دفع الجزية، أو أي شيءٍ من هذا القبيل. ولسوف نرى بعد قليل، في نصٍّ للملك أسرحادون، سبب اعتقال مَنسي.

في عهد أسرحادون (٦٨٠–٦٦٩ق.م.) شملت أراضي الإمبراطورية الآشورية مصر بكاملها، وأجزاء لا بأس بها من شمال أفريقيا. كما بسطت آشور سلطتها على جزر المتوسط وشواطئ اليونان وآسيا الصغرى، وصارت نحو أواسط القرن السابع قبل الميلاد أعظم وأوسع إمبراطوريةٍ عرفها التاريخ حتى ذلك الوقت. ولكن أسرحادون — الذي لم تقف طموحاته عند حدٍّ ولم تعرف المعقول — قد دق المسمار الأول في نعش آشور التي بدأت تنحدر نحو الهاوية، وأمضت ما تبقى لها من عمرٍ قصير بعد وفاته، في محاولاتٍ يائسة للسيطرة على تلك الرقعة الواسعة من الأراضي التي كانت تفوق قدرتها العسكرية والإدارية في ذلك الوقت. وقد بلغ جنون العظمة بأسرحادون حدًّا جعله يتسلى بإهانة وتعذيب ملوك الدول التابعة، فكان يأتي بهم من بلادهم كمشرفين على أحمال مواد البناء التي ينقلونها إلى آشور لبناء قصوره الجديدة بنينوى. وقد جاء اعتقال مَنسي ملك يهوذا في سياق هذا التصرف المجنون لملكٍ مهووس فقدَ كلَّ منطقٍ وصوابٍ في تفكيره وسلوكه.

ورغم أن النص التوراتي (الذي لا يرى من أحداث العالم المحيط به إلا ما يتعلق بيهوذا ومحيطها الضيق، وعلاقات الرضا والغضب بينها وبين إلهها الذي لم يكن مهتمًّا أيضًا إلا بهذه الفئة القليلة التي رفضته عبر تاريخها) لم يذكر شيئًا عن ملابسات سَوق مَنسي أسيرًا إلى آشور، وجعل وجهته بابل لأمرٍ لا نعرفه؛ فإن نصًّا لأسرحادون يعطينا صورةً عن الحدث، ونعرف أن مَنسي قد سِيق مع اثني عشر ملكًا من بلاد الشام، وعشرة ملوكٍ من جزر وشواطئ المتوسط، إرضاءً لنزوة الملك الآشوري، الذي أراد أن يرى بعينيه ملوك الأرض يخدمونه في عاصمته نينوى. يقول أسرحادون: «دعوت ملوك بلاد حاتي على الجهة الأخرى للنهر؛ بعلو ملك صور، ومَنسي ملك يهوذا، وقوش جبري ملك آدوم، وموسوري ملك موآب، وسلبيل ملك غزة، وميتيني بعل ملك أرواد، وآبي بعل ملك شمسي مورونا، وبودويل ملك عمون، وأهي مكي ملك أشدود … (يلي ذلك تعدادٌ لبقية ملوك الجزر والشواطئ المتوسطية، وبينهم ملك قرطاجة وملوك من كريت وقبرص) كل هؤلاء أرسلتهم إلى نينوى مقر مُلكي، وجعلتهم يَنقلون إليها — تحت أقسى الظروف — مواد بناء لقصري؛ جذوعًا ودعائم وألواحًا من خشب الأرز والصنوبر … إلخ.»٥

خلال ما تبقى من فترة حكم أسرحادون، وكامل فترة خليفته آشور بانيبال؛ لا يَرِد ذكرٌ ليهوذا في السجلات الآشورية، ولكننا نعرف من الأخبار التوراتية تتابُع ملكين على عرش يهوذا خلال هذه الفترة، هما آمون (٦٤١–٦٣٩ق.م.) ويوشيا (٦٣٩–٦٠٩ق.م.)، وقد حكم يوشيا فترةً طويلة تقدر بثلاثين سنة، شهد خلالها انهيار الإمبراطورية الآشورية وصعود الإمبراطورية الكلدانية (البابلية الجديدة). ولدينا في أخبار الملك يوشيا بسفر الملوك الثاني روايةٌ تستحق التوقف عندها قليلًا؛ لأنها تُظهر أن مملكة يهوذا حتى هذه العقود القليلة التي سبقت دمارها لم تكن على الدين التوراتي، ولم يكن أهلوها وحكامها وكهنتها يعرفون شيئًا عن ذلك الدين وطقوسه. فهيكل الرب كان ممتلئًا بتماثيل بعل وعشتاروت وغيرهما من آلهة كنعان، وبيوت البغاء المقدس تحيط بهذا الهيكل من كل جهاته، وكهنة يهوذا جميعًا يؤدون الطقوس الكنعانية على المرتفعات، التي كان سليمان قد بناها لعشتروت ولكموش ولملكوم وغيرهم من الآلهة. وقد اهتدى الملك يوشيا إلى الدين الحق هو وأهل مملكته (وفق الخبر التوراتي) بعد أن تم مصادفةً اكتشافُ مخطوطٍ في بيت الرب أثناء عملية ترميمه، يحتوي على سفر الشريعة. فجاء شافان كاتب الملك إلى حلقيا الكاهن وقال إنه وجد سفر الشريعة في بيت الرب، ودفع بالمخطوط إليه ليأخذه إلى الملك. فطلب الملك منه أن يقرأه أمامه ففعل، فخاف الملك خوفًا عظيمًا لأنه عرف أن غضب الرب قد اشتعل على يهوذا لأن آباءهم لم يسمعوا لكلام هذا السفر، ولم يعملوا وفق ما هو مكتوبٌ عليهم. ولنتابعْ ما جرى بعد ذلك، في سفر الملوك الثاني، الإصحاح ٢٣:

«وأرسل الملك فجمعوا إليه كل شيوخ يهوذا وأورشليم، وصعد الملك إلى بيت الرب وجميع رجال يهوذا وكل سكان أورشليم معه، والكهنة والأنبياء وكل الشعب من الصغير إلى الكبير، وقرأ في آذانهم كل كلام الشريعة الذي وُجد في بيت الرب، ووقف الملك على المنبر وقطع عهدًا أمام الرب للذهاب وراء الرب وحفظ وصاياه وشهاداته وفرائضه بكل القلب وكل النفس، لإقامة كلام هذا العهد المكتوب في هذا السفر. ووقف جميع الشعب عند العهد. وأمر الملك حلقيا الكاهن العظيم وكهنة الفرقة الثانية وحراس الباب أن يُخرِجوا من هيكل الرب جميع الآنية المصنوعة للبعل وللسارية ولكل أجناد السماء، وأحرقها خارج أورشليم. ولاشَى كهنةَ الأصنام الذين جعلهم ملوكُ يهوذا ليوقدوا على المرتفعات في مدن يهوذا وما يحيط بأورشليم، والذين يوقدون للبعل، للشمس والقمر والمنازل ولكل أجناد السماء … وهدم بيوت المأبونين التي عند بيت الرب حيث كانت النساء ينسجن بيوتًا للسارية … والمذابح التي على سطح عُلِّية آحاز التي عملها ملوك يهوذا، والمذابح التي عملها مَنسي في داري بيت الرب هدمها الملك، والمرتفعات التي قبالة أورشليم التي بناها سليمان ملك إسرائيل لعشتروت رجاسة الصيدونيين، ولكموش رجاسة الموآبيين، ولملكوم كراهة بني عمون، نجَّسها الملك … ليقيم كلام الشريعة المكتوب في السفر الذي وجده حلقيا الكاهن في بيت الرب … ولكن الرب لم يرجع عن حمق غضبه العظيم؛ لأن غضبه حَمِي على يهوذا من أجل جميع الإغاظات التي أغاظه إياها مَنسي. فقال الرب: إني أنزع يهوذا أيضًا من أمامي كما نزعت إسرائيل» (الملوك الثاني، ٢٣: ١–٢٧).

في عهد آشور بانيبال — الذي ورث عن أسرحادون عالمًا يموج بالفتن والاضطرابات — ظهر للعيان تفسُّخ الإمبراطورية الآشورية، بعد أن كانت عوامل هذا التفسخ تعمل في الخفاء خلال أكثر من قرن. ذلك أن المظهر البرَّاق للقوة العسكرية التي لا تُهزم يُخفي وراءه عملية انتحارٍ بطيء تُقدِم عليه المجتمعات العسكرية وهي منساقةٌ وراء نشوة انتصاراتها المتواصلة. ولم يكن إجهاز الكلدانيين على آشور سوى ضربةٍ أخيرة تُوجَّه إلى جثةٍ داخل درع سميك. فبعد وفاة آشور بانيبال قام نابو بولاصَّر الكلداني — الذي كان قد أعلن نفسه ملكًا في بابل — بالتعاون مع المملكة الميدية الفتية في إيران، وأوقعوا آشور بين فكَّيْ كماشة، فدمروا مدينة آشور عام ٦١٤ق.م.، ثم نينوى عام ٦١٢ق.م.، فتراجع الجيش الآشوري عن كامل مناطق آشور، وأقام لنفسه مقر قيادةٍ مؤقتة في حران، قبل أن يتشتت نهائيًّا ويختفي ذكر آشور من التاريخ.

في ذلك الوقت صعد الفرعون نخو الثاني من مصر نحو الفرات لمساعدة آخر ملوك آشور المدعو آشور أُباليط، الذي كان يحاول من مقره الجديد في حران وقف المذبحة الشاملة للشعب الآشوري. وكانت مصر قد حصلت على استقلالها عن آشور في آخر عهد آشور بانيبال، وبموافقته الضمنية على ما يبدو، فقد أقنعت التجربة الآشوريين أن احتلال مصر باستمرارٍ كان مسألةً عسكرية صعبة. ويبدو أن ملك مصر قد خشي من أن يعمل نابو بولاصَّر، الملك الجديد لبابل، على ضم مصر باعتبارها من أملاك آشور السابقة، ففضَّل المدَّ في حياة آشور في وضعها المُستضعَف الجديد على القبول بإمبراطوريةٍ فتيَّة جديدة. ولا بد أن ملك مصر قد وضع نُصْب عينيه أن يلعب دور آشور في مناطق سوريا الجنوبية، وبموافقة الملك الآشوري الذي سيكون أضعف من أن يحافظ على سلطته في هذه المناطق. ولكننا نعرف من الحوليات الكلدانية٦ أن نبوخذ نصَّر — الذي كان وليًّا للعهد في ذلك الوقت — قد تصدى للمصريين وهزمهم في معركتين؛ واحدة عند كركميش، والثانية قرب حماة.

لم يتعرض النص التوراتي من قريبٍ أو بعيد لهذه الأحداث الجسام التي قادت إلى زوال آشور وصعود الإمبراطورية الكلدانية، ولكنه يذكر خبرًا عن حملة نخو الثاني على الفرات وهزيمته في كركميش، وذلك بمناسبة مرور نخو بأرض فلسطين في طريقه إلى الفرات، وتصدِّي يوشيا ملك يهوذا له لمنعه من متابعة الحملة. وهذا الخبر مذكورٌ في الملوك الثاني ٢٤، وفي أخبار الأيام الثاني ٣٥ أيضًا، حيث نقرأ: «بعد كل هذا … صعد نخو ملك مصر إلى كركميش ليحارب عند الفرات، فخرج يوشيا للقائه. فأرسل إليه رسلًا يقول: ما لي ولك يا ملك يهوذا. لست عليك اليوم، بل على بيت حربي (أي: المكان الذي سأحارب فيه)، والله أمر بإسراعي. فكُفَّ عن الله الذي معي فلا يهلكك. ولم يحوِّل يوشيا وجهه عنه بل تنكر لمقاتلته … بل جاء ليحارب في بقعة مجدُّو. وأصاب الرماة الملك يوشيا فقال لعبيده: انقلوني لأني جُرِحت جدًّا. فنقله عبيده وساروا به إلى أورشليم فمات هناك» (أخبار الأيام الثاني، ٣٥: ٢٠–٢٤). أما عن هزيمة نخو في كركميش فنقرأ عنها في مكانٍ آخر هو سفر إرميا: «كلمة الرب التي صارت إلى إرميا النبي عن الأمم، عن مصر عن جيش فرعون نخو ملك مصر الذي كان على نهر الفرات في كركميش، الذي ضربه نبوخذ راصر (= نبوخذ نصَّر) ملك بابل في السنة الرابعة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا» (إرميا، ٤٦: ١–٢). لا يذكر الخبر التوراتي هنا أية دوافعَ حَدَت بيوشيا إلى التصدي لحملة نخو في مجدو. ولكن الأرجح أن ملك يهوذا — الذي لم يكن يعرف الكثير عن مخططات بابل المقبلة، وعن رغبتها ومقدرتها على ملء الفراغ الآشوري في منطقته — اعتقد أن هزيمته لنخو ملك مصر سوف تفتح أمامه الباب واسعًا من أجل ملء الفراغ الآشوري بنفسه والسيطرة على المنطقة.

إن اكتفاء محرري التوراة بهذه الأخبار القليلة والمبعثرة عن تلك الفترة الحافلة في تاريخ المنطقة، والتي تزامنت مع الأحداث الأخيرة التي أدت إلى دمار أورشليم وزوال يهوذا، وعزوفهم عن تقديم صورةٍ ولو باهتة وعديمة التفاصيل عما كان يجري في ذلك الوقت؛ لا يمكن تفسيره فقط بجهلهم وعدم توفر المعلومات بين أيديهم؛ لأن بعضهم قد سمع بهذه الأخبار ممن عاصرها وشهدها، ولم يكن بحاجةٍ إلى مصادرَ خارجية، بل يجب تفسيره أيضًا من خلال أهداف ودوافع المحرر التوراتي، الذي كان التاريخ آخر همٍّ من همومه، ولا يرى من قوانين وحركة هذا التاريخ إلا تطورًا لجدلية العلاقة بين الشعب وربه، ولا يأبهُ لأي حدثٍ لا يتقاطع مع هذه الجدلية.

figure
مساحة كل من إسرائيل ويهوذا بعد المد التوسعي خارج المناطق الهضبية (وفق الرواية التوراتية).
تراجع نخو أمام نبوخذ نصَّر، وأقام في ربلة (عند مدخل البقاع الشمالي قرب حمص) التي لا تبعد كثيرًا عن موقع قادش القديمة، والتي كانت الحد الشمالي لمناطق النفوذ المصرية في سوريا إبان العصر الذهبي للإمبراطورية المصرية. ومن هناك أرسل من قبض على ملك يهوذا الجديد يهوأحاز، ابن يوشيا الذي قتله نخو في مجدو لشكِّه في ولائه، وأرسله سجينًا إلى مصر، وعيَّن بدلًا عنه يهوياقيم أخاه، وفرض عليه الجزية (الملوك الثاني، ٢٣: ١–٧). ولكن نبوخذ نصَّر — الذي صار الآن ملكًا على بابل خَلَفًا لأبيه — قد وضع حدًّا لطموحات نخو وطارده حتى حدود مصر، ثم قفل راجعًا إلى يهوذا وضمن ولاءها. ولكن يهوياكين، ابن يهوياقيم، غيَّر سياسة يهوذا باتجاه مصر مرةً أخرى، فصعد عليه نبوخذ نصَّر وأخذه مع أفراد أسرته إلى بابل، وسبى عشرة آلاف من الجنود الأشداء والصناع المَهَرة، وعيَّن بدلًا عنه عمَّه صدقيا (الملوك الثاني، ٢٤: ٨–١٨). ولكن صدقيا ما لبث أن غيَّر ولاءه أيضًا وصدَّق وعود الفرعون بساميتك الثاني خليفة نخو، الذي صعد إلى فلسطين في جولةٍ ديبلوماسية عمل من خلالها على تأليب الدويلات الفلسطينية ضد بابل. وزيارة بساميتك هذه غير مذكورة في التوراة، ولكننا نعرف عنها من برديةٍ مصرية ترجع إلى عام ٥٩١ق.م.٧ ولكن وعود مصر ذهبت أدراج الرياح، وجاء نبوخذ نصَّر وحاصر أورشليم. ولما رأى أن الحصار سيطول ترك قسمًا من جيشه هناك، وذهب إلى ربلة التي كانت مقره العسكري في سوريا لبعض شئونه الإدارية أو العسكرية. ولما اشتد الحصار على أورشليم، وأدرك صدقيا الملك أنها ساقطةٌ لا محالة استعد للهرب مع جماعةٍ من خِيرة مقاتليه. وفي هذا الوقت أحدث الجيش البابلي ثغرةً في الأسوار وبدأ يشق طريقه نحو الداخل، فانتهز صدقيا الفرصة ونفذ مع جماعته هاربًا، فتبعه الكلدانيون وأدركوه عند أريحا وأخذوه إلى نبوخذ نصَّر إلى ربلة. فقتل ملك بابل أسرة صدقيا أمامه ثم سَمَل عينيه وأرسله في السلاسل إلى بابل (الملوك الثاني، ٢٥: ١–٧). ثم بعث نبوخذ نصَّر بقائده نبوزردان إلى أورشليم لهدمها وإحراقها:

«جاء نبوزردان رئيس الشُّرَط عبد ملك بابل إلى أورشليم، وأحرق بيت الرب وبيت الملك وكل بيوت أورشليم، وكل بيوت العظماء أحرقها بالنار، وجميع أسوار أورشليم مستديرًا هدمها كل جيوش الكلدانيين الذين مع رئيس الشُّرَط، وبقية الشعب الذين بقوا في المدينة، والهاربون الذين هربوا إلى ملك بابل وبقية الجمهور، سباهم نبوزردان رئيس الشُّرَط. ولكنه أبقى من مساكين الأرض كَرَّامين وفلاحين …» (الملوك الثاني، ٢٥: ٨–١٣).

وقد حفظت لنا سجلات نبوخذ نصَّر نصًّا مختزلًا عن حملته على يهوذا، التي انتهت بإسقاط يهوياكين وتعيين صدقيا عوضًا عنه. يقول النص: «في السنة السابعة، الشهر … قاد ملك أكاد جيوشه نحو بلاد حاتي، فحاصر مدينة يهوذا (أورو-يهوذا) وفتحها في شهر آذار، وأقام عليها ملكًا جديدًا اختاره، وأخذ منه جزيةً كبيرة حملها إلى بابل.»٨ أما النص البابلي المتعلق بتدمير أورشليم فمفقود، إلا أن التنقيبات الأثرية في الموقع قد كشفت عن آثار دمارٍ شامل في المدينة يرجع إلى أواخر القرن السادس ق.م.، وانقطاعٍ في الاستيطان دام قرابة قرنٍ من الزمان، كما كشفت التنقيبات عن دمارٍ في العديد من مدن يهوذا وانقطاعٍ أطول في الاستيطان دام قرابة قرنٍ ونصف.٩
١  Th. L. Thompson, op. cit., pp. 290, 234.
٢  Leo Oppenheim, op. cit., p. 287.
٣  لا أعتقد صحة الرقم الوارد هنا حول الأسرى من مدن يهوذا؛ لأن مملكة يهوذا عادت إلى حياتها الطبيعية بعد هذه الحملة، ومن غير الممكن أن تكون قد خسرت في ذلك الوقت هذا العدد الكبير من المسبيين. وإني أرجِّح وجود خطأ في النسخ ارتكبه الكاتب الآشوري هنا.
٤  Leo Oppenheim, op. cit., pp. 287-288.
٥  Ibid., p. 291.
٦  Hershel Shanks, edt. Ancient Israel, pp. 143-144.
٧  Ibid., p. 147, endnote 62.
٨  Leo Oppenheim, op. cit., p. 564.
٩  Kathleen Kenyon, Digging Up Jerusalem, pp. 166–172.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤