ديوان تيمور

شابٌّ يحتضر

فوق سرير الموت نام الذي
زال ابتسام العيش عن ثغره
قد ودَّع الآمال لا يرتجي
منها سوى الراحة في قبره
مقطبًا إن شمته خلته
مستجمعًا ما جال في فكره
يطلب خلًّا صادقًا واعيًا
يهدي له ما شاء من سره
يرنو إلى أم جفاها الكرى
تنتظر المجهول من أمره
يبحث عن صدر إذا ضمه
أباد جيش الموت من صدره
كطائر ذي شجن صامت
أبعده المقدور عن وكره

الغريب الفقير

يرنو إلى البلد الجديـ
ـد كأنه بحر خضم
يلهو الرجاء به كما
تلهو به أيدي الندم
متلفتًا عن جانبيـ
ـه يخيفه يأس أصم
متذكرًا لغة يحر
ك شجوه منها النغم
يمشي الهوينا مطرقًا
للأرض يدفعه الألم
كم ليلة فاضت دمو
ع الحزن منه كالديَم
ويهيجه في ليله
من وجده طيف ألم
لم ينسَ دار الحب إذ
لدياره تلك الذمم
ويرى الحقائق عابسا
ت والمسرة كالحلم
ويخال من فرط الأسى
أن الوجود هو العدم

ضحكات طفل

طفل أتاني ضاحكًا فرأيت من
ضحكاته وجه الحياة تبسما
أصغي لها وكأنني مستقبل
في ظلمة الليل البهيم الأنجما
لو كان يسمعها مليك ظالم
لبكى على أحكامه متندما
أو كان يرسمها المصوِّر خلتها
لجمالها وشيَ الربيع منمنما
تحنو لها أوتار قلب مظلم
لم يلقَ في نور الحقيقة مغنما
والشاعر المطبوع يحسب أنها
ألحان طير في الرياض ترنما
وكأنها كخرير ماء بارد
يطفي به الظمآن نيران الظما
وتعيد في قلب الكبير شبابه
وتزيده في كل يوم أنعما
وترد في بيت الحزين شموسه
فكأنه من قبل لم يكُ مظلما

الليل

قد أودعته الناس أسرارها
كأنه للسر نعم المقر
ألحانه تقبيل أهل الهوى
وهمس من يحلو لديه السهر
ونوح محزون شكا همه
يثير شكواه حفيف الشجر
يزيدها البلبل من لحنه
ما شاءه البلبل وقت السحر
أسراره نجهل مكنونها
يهتكها البدر إذا ما سفر
في هجعة الليل ومن سره
يستولد الليل عقول البشر
هل يعجب العقل إذا ما رأى
في ظلمة الليل شموس الفكر؟

•••

في صدره يهجع أهل التقى
ويسهر الصبُّ يناجي القمر
في صدره تضحك بنت الهوى
وضحكها عنوان ذاك الكدر
في صدره يقتل من قد رأى
في عيشه الضنك وذاق الضجر
يخاله السارق ثوبًا إذا
رماه تلقاه عيون البشر
ويجزع الصنديد خوفًا إذا
رآه ما بين القبور انتشر
يموت في اليوم ويحيا به
هل يهزأ الليل بحكم القدر؟

دمعة عين

يا قطرة قد أسكنت
في القلب عاصفة الهيام
ذاقت عيوني بعد أن
أرسلت لذات المنام
وطردت من فكر الفتى الـ
ـمهجور أشباح الحمام
من أي نبع قد بعـ
ـثت لعين صب لا تنام؟
حملتك من دار الهنا
ء أكف أحلام الغرام
يا وردة من جنة
فيها الطهارة والوئام
كيف ارتضيت لقاء ظلـ
ـمة دار ذل وانقسام؟
أحملت في أوراقك الـ
ـبيضاء أنوار السلام؟
ما دمت إلا برهة
ما الهجر من طبع الكرام
لك في الخدود بقية
عنوان صب مستهام
وبنيت قبرك في قلو
ب العاشقين أولي السقام
يا من قصيرٌ عمرها
لم يأت طيفك في المنام

اللقيط

فوق الثرى أبصرته نائمًا
يئن من جوع وبرد شديد
عليه ثوب أبيض لم أجد
في طيه أسرار ذاك الوليد
كأنه من حسنه وردة
ترشقها الحسناء بين النهود
تلفيه لا يعرف ما يبتغي
هل يعرف ابن الأمس ماذا يريد؟
يرنو إلى ليل طويل الكرى
مسترحمًا، والليل باغٍ عنيد
كأنه والليل من حوله
وفي ظلام الليل موت أكيد
سفينة تهوي بلا منقذ
وبحرها الجائش هذا الوجود
قد حرمته الأم تحنانها
والصدر والثدي ولثم الخدود
ينساه في البؤس أب ظالم
في دهره يحظى بعيش سعيد
يعيش لا يعرف من أهله
كأنه فينا شريد طريد
والله عار يا رجال النهى
أن يظلم القانون هذا الشهيد
العدل يا من شاقه وجهه
في هذه الدنيا رهين القيود

النرجسة اليانعة: فوق قبر الشاعر

يا زهرة تنمو وتيـ
ـنع فوق قبر الشاعر
لا غرو إن غذى شبا
بك منه حسن الخاطر
فالشعر يبعث كالزهو
ر من الجمال الباهر
هلا حملت لروحه
أرج الحبيب الهاجر؟
حرمته صفو حياته
ألحاظ ظبي نافر
فعلام ترمي قلبه
بسهام لحظ فاتر؟
يا بيت شعر من فتًى
أضحى رهين حفائر
قد أخرجته من الثرى
نفثات ذاك الساحر
يا قبلة جاءته من
ملك كريم طاهر
نزلت تؤانس في الترا
ب شهيد حظ عاثر
إني إخالك في النها
ر شعاع حب زاهر
وإخال أنك في الدجى
عين المحب الساهر
أنت ابتسامة غادة
لقدوم صبٍّ زائر
تحوي خفايا الحسن تكـ
ـشفها لعين الناظر

القلب

موضع الوجدان في أجسامنا
ودليلًا للرزايا والنعم
لم تحكم فيك أسياف العدا
وبك المحبوب يا قلب احتكم
لم يخفف عنك نيران الجفا
غير دمع فوق خديَّ انسجم
غير أني قد أبيت الذل إذ
أنت من علمتني هذا الشمم

•••

رحمة بالقلب يا ربي إذا
ما ظلام اليأس بالقلب الْتطم

•••

يا مقر الحب يا نبع النهى
أنت ميدان التصافي والألم
كتبت أقلام تذكار الهوى
فيك أسرار الغرام المنصرم
لم تنل منك المساوي غير ما
نالت النيران من بحر خضم
لم يروِّعك خليل خائن
إذ وفاء الناس حلم لا يتم

•••

منك سعدي وشقائي لا تكن
قاسيًا، إذ أنت خصمي والحكم

شجرة على شفا الموت

أوراقها فوق الثرى
آمال صبٍّ يائس
والساق بين الزرع تحـ
ـسبه جبين العابس
وكأنها لسوادها
شبح الفقير البائس
مهجورة من طيرها
والطير خير مؤانس
فكأنما وُكناتها
دِمن بليل دامس
سكتت وكان حفيفها
نغم الحبيب الهامس
صماء لم تعبأ لزمـ
ـجرة السحاب الراجس
كلا ولا حنت لطيـ
ـر ناح فوق غرائس
كانت تهاب جلَالها
عينُ الشجاع الفارس
وغدًا ستقطعها وتقـ
ـلعها يمين الغارس

الهرم الأكبر

منكد الحظ كثير الجلد
يخاله الرائي خيالَ الأبد
مسدَّد النظرة في قومه
مهشَّم المفرق عاري الجسد
لم تبكه الأشجان لكنه
مقطب الوجه حليف الكمد
قد أرسل النيلَ رسولًا له
يبحث عن مجد قديم فُقد
كتاب تاريخ قرأنا به
عن مصر أهوالًا تهدُّ الجَلَد
أعادت اللاهي إلى رشده
وأوقدت في القلب نارًا تقد
ويجتلي الناظر من بابه
في ظلمة الليل شعاع الرَّشَد
ومصر لا تُعرف إلا به
كأنه عنوان هذا البلد
لسانه أبكم لكنَّما
تخاله يصرخ فيمن رقد:
«من نام عن نَيل العلا ما ارتقى
ومن مشى في الأرض سعيًا وجد
وصاحب الهمة يعلو بها
وكل كسلان عدو ألد»

•••

يطوف في أرجائه صارخًا
جيش من الأرواح جمُّ العدد
أرواح فرعون وأنصاره
مَن شيدوا مجدًا متين العمد
أضاعه أبناؤهم بعدهم
وعز مجد ضائع لا يرد
يا ليتنا نرجع مجدًا مضى
لا تعزب الحيلة عمَّن يجد

•••

تدوسه الزوَّار من هابط
أو صاعد غرِّ عليه صعد
قد استبدوا ونسوا مجده
«كأنما القادر من يستبد»
كأنه لم يك قبر الذي
كان أخا مجد بعيد الأمد
حق على الزوار أن يسجدوا
يا سعد من في ظله قد سجد

•••

يا دارس التاريخ قف خاشعًا
فعمدة التاريخ هذا الأسد
يا باحثًا عن مجد دهر مضى
وجدت في الأهرام ما تفتقد

البلبل الصامت

فارقت ربع الحي بالأمس
وغدوت طي صفائح الرمس
غادرتنا والليل معتكر
والقلب نهب مخالب اليأس
والنفس والهة وقد لعبت
خمر الشقا والنحس بالرأس
مضى زمان كنت مسعده
وجاء دهر الهم والتعس
فشربت كأس الحزن مكتئبًا
حتى جرعت صبابة الكأس
أنرت قلبًا كله شجن
سكنته دهرًا ظلمة البؤس
آنسته وأزلت وحشته
يا ويح ما في القلب من أنس
وهجرته فبكاك من جزع
متهدمًا كالمربع الدرس
علك تشجي في الثرى طربًا
أرواح قوم في الثرى خرس
قد كنت في البستان بهجته
تلهو بما في الجسم من حس
تصدح بالألحان مغتبطًا
تحرك الأشجان في النفس
يصغي إليك الكون مستمعًا
ما قلت من جهر ومن همس
والحب يسمع منك ما وجبت
له قلوب الجن والإنس
والبدر في كبد السماء بدا
كالملك ذي الجبروت والبأس
لو سمعتك الشمس سائرة
لكنتَ تُوقِف دورةَ الشمس

•••

قد راعني والليل مقتبل
يا طير أنك فاقد الحس
الحب عرس للأنام وقد
فارقته يا زينة العرس
موتك سفر فيه قد كتبوا
ما في ممات الطير من درس

نفس الشاعر

من ذا الذي عشق الخيا
ل وهام في حب الورى
نصب الزمان له الشرا
ك فما اشتكى وبها ازدرى
من ذا الذي يمشي على
قمم الجبال مفكرا
وينام في غار الوحو
ش ممددًا فوق الثرى
أو في الفضاء وفيه يفـ
ـترش النبات الأخضرا
لم يخشَ بردًا قارصًا
فيه ورعدًا زمجرا
كلا ولم يخشَ الصوا
عق والسَّحاب الممطرا
ولغادة الشعر التي
وهبته ملكًا أكبرا
باع الوجود ومن به
ومن الوجود تحيَّرا
قد عانقته فأسكرتـ
ـه وما تناول مسكرا
من ذا الذي لا يرتضي
في الحب أن يتغيرا
وإذا رأى ذل الهوى
رفض الهوى واستكبرا
عشق الطبيعة يوم أن
لبست لباسًا أخضرا
والشمس تلثمها كما
لثم الكبير الأصغرا
وإذا دنا الليل البهيـ
ـم، وجاء يعثر بالكرى
يتوسد الصخر الأصَـ
ـمَّ مفكرًا متذكرا
من ذا الذي قد هاله
دمع الفقير إذا جرى
من ذا الذي يبكي الأما
نة والوفا بين الورى
هذا الذي ليست له
نفس تباع وتشترى

الشاعر الغضبان

هيئوا لي في باطن الأرض قبرًا
ودعوني أنام تحت الترابِ
في ظلام القبور راحة نفسي
ومن النور شقوتي وعذابي
وادفنوا في التراب ديوان شعري
فوق قلبي المملوء بالأوصاب
فيه مكنون ما احتواه جناني
وعزيز فراق ذاك الكتاب
هو بعضي فهل أموت وأنسى
في ظلام الحياة نور شبابي
وانثروا فوقه الزهور وحسبي
من شذاها منابع الآداب
هي رسل الهوى تذكر قلبي
بشفاه ذوات حسن عذاب
قد رشفنا منها النعيم ولكن
قد شربنا من بعده كأس صاب

•••

في أديم الغبراء تذهب عني
من حياتي أدران من هم صحابي
هي أمي خرجت منها صغيرًا
وإليها بعد الممات إيابي
قبلة من ترابِ أُمٍّ حنون
هي خير من لثم حلو الرضاب
وعناق الأحجار في الترب أولى
من عناق الأصحاب والأحباب

•••

إن فجر الدموع يتلوه عندي
يوم أرسلتها مساء اكتئاب
ما تلا فجرها لمثليَ صبح
كيف يتلوه وهو رهن المصاب؟!
ضاع نصحي وضاع منه رجائي
في صحابي وضاع قبلًا عتابي
رب خلٍّ في صدره كل غدر
وخداع يلقاك بالترحاب
يتبدَّى من عينه وهو يرنو
في ظلام الريا لظى الارتياب
لا ينيل الوفي في العيش إلا
ما ينيل الظمآن لمع السراب
لا يغرنك من صديق خئون
أسود قلبه بياضُ الثياب

•••

يا صحابي ولست أول حر
عاندته الأقدار في الأصحاب
قد جهلتم أسرار قلب أمين
فاعذروني إن ضاع فيكم صوابي

النجم الآفل

دفنوها في الترب يوم الوفاة
فوق فرش من الحصا ورفات
لا أنيس لها سوى وحشة المو
ت وصوت الظلام في الحجرات
وبقايا من همد لا يفيقو
ن ونوح الأرواح في الظلمات
ودموع تجري على القبر حيرى
وأنين يفيض بالحسرات
تركوا آية المحاسن والدَّ
ـلَّ بدار السكون رهن الممات
يلمس الترب جسمها وهو غض
بعد لمس الشفاه بالقبلات
وترى عينها الظلام وبالأمـ
ـس تلاقت بأجمل النظرات
أهي في القبر في ارتياع من الوحـ
ـدة والبعد جمة اللفتات
أم دهاها من هوله ما دهاها
من جلال وخشعة وعظات
أم تراها والقبر ظمآن روَّت
أرضه من لآلئ العبرات
أم تراها لاقت من الأرض أما
وهبت جسمها لذيذ السبات
هي في القبر وردة سوف تفنى
كيف تحيا الورود في الحفرات؟!
قد غدت والهناء عنها بعيد
بين أهل الثرى بغير حماة
أسدل الموت والممات ظلوم
ستره بينها وبين الحياة

ظلام النفس

أسرع وسدد في الطريـ
ـق خطاك إن العيش غدر
أسرع فإني يائس
إذ ليس بين الناس بر
أسرع وخذ روحي ولا
ترحم فليس لدي صبر
يا موت لا ترحم شبا
بي إنه والله مر
أمن المصائب لي فؤا
د أم من الأحزان عمر؟
ماذا لقيت من الحيا
ة وما بها شيء يسر؟
إن الحياة لمسرح
والناس أشباح تمر
والعيش عندي صفحة
عنوانها لؤم وشر
فمن الشدائد للمتا
عب للشقا … أين المفر؟

الذكرى

تهز قلبي بعد رقدته
كالريح هزت جانب العلم
تمشي الهوينا في جوانبه
كالفجر يطرق حالك الظلم
ترمي به من نارها شررا
فتثير فيه رواقد الهمم
وسمعت منها يوم أن طرقت
قلبي رنين الهجر والسقم
فكأنها نبع يفيض بما
يحويه قلب الصبِّ من ألم

•••

وتعيد من ماضيَّ ما شهدت
عينايَ من بؤس ومن نِعم
وتضيئه من بعد ظلمته
فكأنها تحييه من عدم
وكأنه صحراء مجدبة
ظمأى لقطر الصَّيِّب العرم
وكأنها نهر تغمدها
بالجود من سلساله الشيم
أو جنة الماضي قد انبثقت
منها لنفسي زهرة العدم

أمس واليوم

زمن الأنس تولَّى وانقضى
حاملًا ما كان لي من أمل
مرَّ كالسهم ووافى غيره
فشربنا الصاب بعد العسل
هيجت ذكراه قلبي مثلما
هيج الصبَّ نواحُ البلبل
لم أزل أشعر بالوجد الذي
أشعلته نار تلك القبل
كل ما نهواه يمضي عاجلًا
ليته يمشي بنا في مهل
كل شيء حائل عن شكله
تلك فينا سنة للأزل

•••

سلب الدهر هنائي إنني
لفعال الدهر لم أمتثل
عقني الإخوان إذ قد جهلوا
أنني عن غيهم في شغل
أأقضي العمر أرجو ودهم
بين عذر منهم أو عذل
أنا بين الناس طير صادح
نائح في عرصات الطلل
أنا ذاك الليث لا تغضبه
وثبات الذئب وقت الكلل

•••

إيه يا دنيا أما من ساعة
ألتقي فيها بنور الأمل؟!
أودع التعس حياتي صحفًا
خطها من دمعي المنهمل
أبنو الدنيا هم الأوهام أم
أنا فيهم لم أكن بالرجل؟
هاكم السعد بهم متصل
وبمثلي بعد لم يتصل
راحة الإنسان من كد ومن
نصب يوم انقضاء الأجل

الليل أقبل

الليل أقبل والمنام حرام
أتنام عين ملؤها الآلام؟
لا تستبين العين نور رجائها
والنور في عين البئيس ظلام
روح يروِّعها الأسى ويثيرها
نار لها بين الضلوع ضرام
اليأس رائدها وتلك مشيئة
للدهر لا نقض ولا إبرام
ما العيش إلا عبرة مهراقة
في طيها الأوجاع والأوهام
داء الحياة له النفوس فريسة
ودواؤه بين الورى الأحلام
والسعد برق كاذب ومزاره
لابن الحقيقة في الحياة لمام
إنا تكتمنا الحقيقة علَّنا
نحظى بسعد. إننا أنعام
يا بؤس من لا يستقر فؤاده
يا سعد من يهديه الاستسلام
نلهو ونضحك للوجود وليتنا
نبكي الوجود لأننا أيتام!
ما نحن إلا كالذئاب فعيشنا
غدر وفيه تقطع الأرحام
كل امرئ يلهو بعرض صديقه
وسلاحه الإغراء والإقسام
وإذا نصحت أخًا فأنت عدوه
فكأنما نصح الفتى إيلام
والشر سلطان النفوس كأنه
سر الهناء وللوجود دعام

•••

ما تلك إلا خاطرات أخي أسًى
نضو الفؤاد حياته أسقام
يقضي سواد الليل يرقب نجمه
والنجم ليس بصفحتيه سلام
ألف الهموم فليس ممن يشتكي
للناس حربًا في الفؤاد تقام
هو ذلك الطود الذي كمن الأسى
في جوفه ما دامت الأيام

الصبح أقبل

قم من سباتك وانظم الأشعارا
فالصبح أقبل والظلام توارى
لك من شعاع الشمس وحي قادر
سلب العقول وحير الأفكارا
ما أنت إلا صوته ترك الألى
عشقوا الطبيعة ذاهلين سكارى
تشدوا على فنن الوجود مرتلًا
آياته وتداعب الأزهارا
بين القلوب وبين صوتك ألفة
وجدت لها بين القلوب قرارا
فكأن من نبرات صوتك رحمة
جعلت ظلام البائسين نهارا
جفَّت مآقيهم وكان لبؤسهم
سيل جرى من دمعهم أنهارا
فالبؤس بين الناس طير نائح
أبكى قلوب البائسين وطارا

•••

تهتز من طرب ولست بمحتسٍ
خمر الشفاه ولا خلعت عذارا
فكأنما ألقى الزمان قياده
طوعًا لوحيك لا يريد فرارا
ما تلك إلا قبلة الأشعار في
ثغر الصباح تزيده أنوارا
لله در الشمس غازل ضوءها
للناظرين الطير والأشجارا!
كست الجبال مع الوهاد سبيكة
من عسجد والنهر سال نضارا
فعن الفؤاد تحل عقد همومه
وعن الطبيعة تكشف الأسرارا
في كل قلب هائم من نورها
أمل الوصال يحرك الأوتارا
يا شمس غادرت الحقول ضحوكة
وتركت أمواج البحار حيارى
رقصت لنورك تسترد رضاءه
عنها وقامت تبسط الأعذارا
ألقيت فوق الغاب ثوبك فانبرى
فيه النسيم يجاوب الأطيارا
طرب المحب لشدوها متبسمًا
للشمس وازداد الوقور وقارا

•••

حي الصباح معددًا حسناته
وانسَ الهموم وصاحب الأقدارا
وإذا مررت على الغدير فقف به
تلفيه قد تخذ الزهور شعارا
فاركع وهلل للطبيعة خاشعًا
واذكر هناك الواحد القهارا

سلطان الليل

أنا يا ليل أناجي
منك سلطانًا رحيم

•••

من بنى جسر الأماني
فوق أمواج الهموم
واحتسى من كاس ودي
خمرة الخل الحميم
يطفئ النار إذا ما
هاجني الذكر الأليم
يرسل الرحمة تنفي
قسوة الشوق القديم
صادق الوعد كريم
وعلى الود مقيم
هو لي خل أمين
ولأفكاري نديم

•••

أنا في الدنيا وحيد
ولي الناس خصوم
راقهم إن جد أمر
برق غدر لا يدوم
ورأيت الغدر نارًا
ورأوا فيه النعيم
هدموا بنيان ودي
وانمحت منه الرسوم
ومليك الليل برٌّ
هو لي أم رءوم
هو لي خل أمين
ولأفكاري نديم

•••

أنا من أدران صحبي
طاهر القلب سليم
أجد اللذات تترى
إن دنا الليل البهيم
فأرى وحيي طروبًا
بين هالات النجوم
منشدًا شعري وإني
لست أدري ما يروم
ومليك الليل يدني
من فمي خمر النسيم
هو لي خل أمين
ولأفكاري نديم

•••

لا أرى في الصبح إلا
كل غدار أثيم
وأرى في الليل سعدي
يحمل الخير العميم
هو في عيني نقي
ناصع صافي الأديم
وبه صحبي كثير
بعد أن كنت اليتيم
ومليك الليل يحيي
ما غدا مني رميم
هو لي خل أمين
ولأفكاري نديم

•••

أنا يا ليل أناجي
منك سلطانًا رحيم

الفجر الأول: لمحمد علي بمصر

غريب بهذي الدار لكنني إذا
رأيتك خلت الدار مهبط آبائي
تلوح لعيني والظلام ترددت
جحافله ما شئت في أعين الرائي
فيشتد مني العزم والناس نوَّم
عن المجد تلهي نفسهم خمرة الداء
إرادة نفسي من عصيرك أنها
لنورك ظمأى فاروِ غلة أحشائي
إذا خانني صبري إخالك واقفًا
تعيد رجائي من سناك بإيماء
فأرجع للجلى وبي منك شعلة
تنير طريقي في منابت آرائي
يتيم ولكني همام فليس لي
من الأهل إلا البأس بدد أعدائي
شغوف بمن تعلي المخاطر قدره
فسيان صبحي إن هممت وإمسائي
لئن كنت أميًّا فلست بمحجم
عن العلم إن العلم مصدر نعمائي
أصيخ لصوت المجد في كل ساعة
وما أذني يوم النداء بصماء
وقفت كأني للعيون سحابة
إذا هزها ريح تفيض بأنواء
فدهري أمام العزم مني كأنه
غريق وذاك العزم أمواج دأماء
ستكتب في سفر الحياة وقائعي
ويقرأ أهل الأرض معجز أنبائي
ألا أيها النيل الذي فاض خيره
على أمة مهضومة الحق معطاء
أرى فيك يا مرآة نفسي صورة
من الجد تهديني لمنبع سرائي
ويا هرمًا ترنو إليَّ ملبيًا
ندائي وفي أحشائه سر عليائي
وما هو إلا مثل عزمي تجسمت
نواصيه حتى بات يستفلت الرائي
كلانا مدى الأيام في مصر خالد
له إن دنا ليل منارة أضوائي
لقد كنت قبل اليوم عن مصر نائيًا
فها أنا في مصر ولست الفتى النائي
فيا بلدًا يجري به النيل ضاحكًا
ويهتز جذلانًا يحاول إرضائي
لئن ناصب المقدور نفسي حروبه
وهشم من عزمي بواتر إمضائي
فما أنا ممن يرغم الدهر أنفه
ولا أنا ممن يستكين للأواء
سيخضل منك الزرع بعد مماته
ويخصب ظهر الأرض في كل صحراء
وعدتك مجدًا لم ترَ العين مثله
وسوف ترى عيناك يا مصر إيفائي

النهاية

وقفت كليوبترا تنظر لأنطونيوس يحارب أوكتافيوس، وخافت الهزيمة فعزمت على الانتحار، وهالها أن تموت وحيدة فأرسلت لأنطونيوس تخبره بموتها، فبكى وطعن نفسه بخنجره ومات شهيد غرامه، فلما وافاها خبر انتحاره أسلمت نفسها للثعبان، وماتت قبل أن يأسرها أوكتاف.

يا ظلام النفس رفقًا بالألى
ظلم الدهر وقدما ظلموا
رقدوا في ساحة الهم وقد
كانت الدنيا لهم تبتسم
قد طوى الدهر سماء لمعت
لهم من قبل فيها أنجم
جفت الخمر ففي الكأس دم
وكذا الدنيا خمور فدم
تكسوا الطرف وقد لاحت لهم
صور عن سعدهم تزدحم
ندموا عما جنت أيديهم
حيث لا ينفع يومًا ندم
فهمو كالليث يبكي يائسًا
وحرام أن يضام الضيغم
إنما الدمع لسان ناطق
يتولى قلب من لا يرحم
غير أن الدهر سيف حده
قاطع فيه القضاء المبرم

•••

وقفت في ساحة القصر وقد
وقفت فيه قديمًا تظلم
ترسل الدمع على الخد دمًا
والأسى في رأسها يرتطم
لا ترى في يومها السعد وقد
حجب السعد غمام مرزم
فإذا الصبح أتاها ضاحكًا
هالها منه سواد أقتم
وإذا الزهر رنا مبتسمًا
وجدت في الزهر نارًا تضرم
تسمع الجيش يلبي ربه
ليس في الجيش أصم أبكم
كل مغوار يرى الروح فدًى
لبلاد في حماها يكرم
وترى الأعداء هبوا للوغى
وعلى النصر جميعًا أقسموا
زمر ماجت كبحر مزبد
قادها من للردى يقتحم
أسد لا يرهب الموت وهل
يرهب الموت الجريء المقدم
فكأن الأرض ميدان به
كل حي ثائر منتقم
خافت العقبى وما الخوف سوى
صارم يقطر منه الألم
هي بين النصر والأسر غدت
شبحًا قد غاب عنه الكلم
أسلمت للشك قلبًا هالعًا
فهو من أظفاره لا يسلم
نادت الموت وما هابته إذ
كل عيش بالردى يختتم

•••

كان أنطنيوس صبًّا مغرمًا
فانقضى الحب ومات المغرم
مات والآلام تستهدفه
والأسى يلهو به والتهم
مات مكلوم الحشا منتحرًا
ناقمًا طورًا وطورًا يندم
هو والخنجر في أحشائه
شبح لليأس يعلوه الدم
جاءه نعي التي فارقها
حية يسعى إليها الكرم
لم تكن ماتت ولكن هالها
موتها والصب حي ينعم
أين من ضحى لها أوطانه
لم يعض القلب منه الندم
صائخًا للحب لا يرعى سوى
عهده ذاك الأثيم المجرم
خان روما مستبدًّا ناسيًا
أن ركن الحق لا ينهدم

•••

كيف تحيا ربة الحسن وقد
مات من كانت به تعتصم
عقها الأعوان في نكبتها
مثلًا للغدر يا ويحهم
ليس في الناس وفيٌّ صادق
فهم إن ماتت الدنيا هم
إيه كليوبطرة اليوم انقضت
عنك آمال وزالت أمم
أنت في القصر خيال زائل
وهو في العين مخيف مظلم
أنت والأرقم يرنو جائعًا
حية يرنو إليها أرقم
لا تظني أن في حسنك ما
يسجد الليث له يسترحم
إن أوكتاف جريء قادر
وله النيل ومصر مغنم
وجمال العهر ماضٍ ذاهب
وجمال الطهر لا ينعدم
وابتداء الحي منا عدم
وختام الحي منا عدم

خوفو فرعون مصر

أسأل وأنا غير شاعر بمرور الساعات صدى
مآويهم القديم عما تبقى له من رنين أصواتهم.
هوجو
نظرت إلى الأكوان نظرة معتد
ودانت لك الأرواح في قبضة اليد
هزئت بأسرار القضاء وحكمه
كأنك تدري ما سينفذ في الغد
تطيعك قواد الجيوش جميعها
ويخشاك يا فرعون كل مسود
كأنك والأرواح حولك سُجَّدًا
وما كانت الأرواح قبلُ بِسُجَّد
رسول المنايا ترسل الروع في الورى
وتخلع قلب الصابر المتجلد
إذا شئت صار الصبح أسود حالكًا
يضل فؤاد الناسك المتعبد
وإن شئت صار الليل أبيض ناصعًا
يسير على أنواره كل مهتد
وإن شئت يغدو سيد القوم عبدهم
وإن شئت يغدو العبد أكبر سيد
وقلبك حار العقل في كنه سره
ورأسك رأس الأسود المتوقد
وما الرعد إلا صوت فرعون هاجه
من الناس ذو جرم على الناس يعتدي
وما البرق إلا نظرة منه أومضت
بليل من الأهوال أقتم أسود
وما الريح إلا زفرة من زفيره
تروح على الصحراء طورًا وتغتدي
فيا لك من ملك إذا هم أبرقت
نواجذ عزرائيل يوم التوعد
ينقب عن ذكر العواقب جهده
وما ذاق يوم الفتك طعم التردد
أقمت على الصحراء قبرك خالدًا
بناه لك الشعب الذي لم يخلد
بنى لك أهرامًا كأن صخورها
صحائف فيها الظلم أكبر مشهد
بناها بلا أجر سوى الجهد والطوى
ورويتها من دمعه المتجدد
كأن العذارى حول أهرامك التي
بنيت، قرابين تساق لمعبد
وما النيل إلا دمعهن جرت به
مطامع ذي بطش به الظلم يقتدي
وقفت لدى الأهرام تصرخ غاضبًا
فذابت مياه الخوف من كل جامد
وقومك يا فرعون حولك خشع
تماثيل لم تثأر ولم تتوعد
ولم تدر ما يخفي الزمان لأهله
ودهرك يا فرعون أكبر معتد
سقى نفسك الكأس الأخيرة بعدما
رماك بسهم في الفؤاد مسدد
قضيت ولم ينفعك ما كنت جامعًا
فنمت على الغبراء غير موسد
سللت سيوف البغي جذلان ضاحكًا
فقال لك الموت الزؤام: ألا اغْمِدِ
فأغضيت طرفًا تحرق الصخر نارُه
ونكست رأسًا هابه كل أمجد

•••

وأغمدت سيف الظلم في الغمد مرغمًا
وما كان من قبل الممات بمغمد
وساويت ترب الأرض لم تمنع الردى
وكان الردى من قبل طوع المهند
تناجيك أرواح الضحايا وقد بدا
لها منك عجز الحاكم المتشدد
وما عهدت من قبلُ دمعَك جاريًا
ولا عرفت منك الخضوع لِأصيَد
وشعبك أضحى يوم موتك صاخبًا
كبحر من الأقوام مرغٍ ومزبد
يهلل جذلانًا ويهتز ضاحكًا
ولولا جلال الموت هزك باليد
وألقاك في الصحراء طعمة جائع
من الوحش والعقبان في كل فدفد
حرمت من القبر الذي كنت ربه
وما كان ذا الحرمان قصد المشيد
وما هو إلا ثأر شعبك ناله
جزاء وفاقًا فاحتمل وتجلد

•••

أناجيك يا فرعون لو كنت سامعًا
«ويأتيك بالأخبار من لم تزود»
وما الشعر إلا وحي نفس كليمة
لها في مجال الشعر أعظم مقصد
فإن كنت يا فرعون في القبر ظامئًا
لما قيل من شعر الحقيقة فاشهد
بأنيَ قلت الحق لم أخشَ لائمًا
وما خفت ذا بأس ولم أتودد

حكم الحب

قلت للفجر ونور الروض فاح
وتولى الليل من وجه الصباح:
«إنني يا فجر مهضوم الجناح
ليس لي يا فجر للعيش طماح
قد حسبت الهم كأسًا فيه راح
بعد أن ألقيت في الحب السلاح»
فأجاب الفجر بالحق الصراح:
«لا تطل شكواك من تلك الجراح
كن أليف الشجو تستجدِ النواح
فشقاء الناس في الحب مباح»

•••

قلت للصبح ولي الصبح ابتسم
وفؤادي عضه ناب الألم
وعيوني في هواها لم تنم
وجرى دمعي كما تجري الديم:
«إنني يا صبح صبٌّ ما اجترم
حافظ في الحب ما تقضي الذمم»
فأجاب الصبح والحب حكم:
«كن أسيرًا للذي فيك احتكم
ليس لابن الحب عندي معتصم
إذ هناء الناس في الحب حلم»

•••

قلت لليل وقد وافى الظلام
وانبرى للناس سلطان المنام
وارتدى البدر جلابيب الغيام
مثل وجه باسمٍ خلف لثام:
«إنني يا ليل صبٌّ لا ينام
وحرام أنني فيك أضام»
فأجاب الليل والناس نيام:
«لا يلام الحسن والصب يلام
ليس هجر الناس في الحب حرام
فاحتمل بلواك إن عز المرام»

•••

قلت للموت وقد ضاع الأمل
وانقضى صبري وما وافى الأجل
وعرفت الهجر قدمًا والعزل
وحرمت الشهد من تلك القبل:
«أنت يا موت دواء للعلل
وأنا يا موت ظل منتقل»
فأجاب الموت والقلب امتثل:
«حكم الحب فقل لي: ما العمل؟
ليس لابن اليأس عنه مرتحل
قد غدا اليأس لذي اليأس أمل»

خواطر الوحدة

سكن الليل وقلبي ثائر
وعيوني لا تنام
وانقضى صبري وحظي عاثر
وشجوني والظلام
نسجت للقلب ثوب الألم

•••

أسمع الألحان من موج البحار
وأناجي كل نجم
وظلام الليل مسدول الخمار
لا يداجي نضوهم
فهو أم لضحايا السقم

•••

أنت يا ليل صديق الشاعر
قد شهدنا كل حسن
صاغه فيك ابتسام الصابر
فابتسمنا تحت غصن
وعرفنا الصبر بعد السأم

•••

يا بنات البحر قد عز المنال
فإلامَ لا نلاقي
من تهادت فوق أمواج الخيال؟
وعلامَ في المآقي
سفكت دمع الهوى المنصرم؟

•••

إيه يا من لا ترى صورتها
في المنام أين أنت
أنت يا من، إن دنت، شيمتها
إن أضام قد جفوت
فوجودي قد غدا كالعدم

الدار الحزينة

مر الشاعر على دار كانت مهد هواه فخاطبها:

دار الهوى وعلالة المتعلل
هل أنت باعثة الغرام الأول؟
قد ذقت فيك من الصفاء كئوسه
دهرًا وعشت عن الوجود بمعزل
ألهو وأهزأ بالزمان وصرفه
والغدر في طي الزمان المقبل
صفرت بك الريح الجموح لعلها
ترثي غرامًا فيك لم يتبدل
ضرب الفراق عليك سود خيامه
وسقاك من يمناه كأس الحنظل
نعق الغراب بساحة لك طالما
في الليل أطربها نشيد البلبل
وأنا ببابك واقف متأمل
فيما دهاك، وهل يفيد تأملي؟
الزهر حولك قد علته كآبة
يشكو النوى ظمآن لم يتبلل
يرنو إليَّ وقد أفاق هنيهة
يحنو على ذاك الخيال المقبل
ويئن فيك الحب أنة عاشق
قد كنت في عينيه أطيب منزل
وعليك من هجر الأحبة مسحة
تبدو لعين الشاعر المتأمل
تترنح الأشجار فيك كأنما
يهوي بها داء الفراق المعضل
ذبلت زهور ما نسيت جمالها
والحب طي أضالعي لم يذبل
والماء جف وكان يجري ضاحكا
متدفقًا كعزيمة المستبسل
أرويك بالدمع الغزير لوَ انَّه
يحيا النبات بفيض دمعي المرسل
يا غرفة الحب القديم تحية
ما لي أراك حزينة للمجتلي
يا غرفة الحب القديم تحية
قد طال فيك ظلام ليل أَلْيَلِ
يا طالما شاهدتِ خير مواقف
للحب بين معانق ومقبل
هلَّا ترين تفجعي وتلهفي
أو تسمعين شكايتي وتذللي
ما لي أسائلك السعادة والهنا
وظلام هذي الدار لم يتحول
ما لي أرتل عند بابك خاشعًا
آي الغرام كراهب متبتل
أبكي كما يبكي اليتيم وقد بدا
مني نذير الشر للمستقبل
وأحن للزمن القديم مرددًا
سري وأعبس للزمان المقبل
وأرى ونار الذكر تأكل مهجتي
فعل النوى بجبينك المتهلل
إني وقفت عليك سيل مدامعي
فإذا وهبت لك الحشا فتقبلي

الضحايا

أسمع في الليل نواح الألى
رماهم المقدور فاستسلموا
يبكون والرحمة في سجنها
مشلولة الأعضاء تسترحم
تئن والأغلال في جيدها
وساجن الرحمة لا يرحم
يمشون واليأس إمام لهم
يقودهم والحب يبكيهم
والبؤس يمشي خلفهم، والأسى
يهزهم والناس لا تعلم
نلمح في أعينهم جذوة
من نار يأس في الحشا تضرم
سميرهم شعري وقد جاءكم
لينقل الشكوى لكم عنهم
وسوف لا يسمع شكواهم
من يحبس المال ولا يندم
لا يعرف اللأواء إلا فتًى
تذيقه الأيام ما يؤلم
سيان في عين الفتى المدعي
ماء جرى فوق الثرى أو دم

يلومني قومي

يلومني قومي على حبها
واللوم لا يجدي ولا ينفع
يرمونني بالضعف لكنهم
لم يجرعوا الكأس التي أجرع
وما دروا أن الهوى قاهر
قضاؤه في الناس لا يدفع
ولا رأوا أسطر هجرانها
تخطها في خدي الأدمع
ولا رأوني في ظلام الدجى
وقد نبا عن جسميَ المضجع
أبث لليل هوًى خالدًا
والليل لا يحنو ولا يسمع
أردد الأشعار في جوفه
كطائر في سجنه يسجع
أعلل النفس بنيل المنا
والصب بالآمال لا يقنع
إني فتًى لم يدرِ طعم الكرى
إن يهجع الموتور لا يهجع
وإن شدا البلبل في دوحه
يذوب وجدًا قلبه الموجع

صبرًا فؤادي

صبرًا فؤادي صبرا
فأنت بالصبر أحرى
كانت أمانيك بيضًا
فأضحت اليوم غبرا
وكنت كالماء عذبًا
واليوم أصبحت جمرا
أضافك الهم حتى
ألفت همك دهرا
والحب قيد ثقيل
وقد عهدناك حُرَّا
والحب ذل وقدما
أبيت للذل أمرا
والناس أخدان غدر
وأنت بالناس أدرى
رضيت حب فتاة
تبدل اليسر عسرا
لها فؤاد جديب
العار فيه استقرا
تسقيك باللحظ خمرا
حتى تمايل سكرا
والدمع في مقلتيها
ستر يحجِّب سرِّا
والابتسام تراه
فتحسب الورد شعرا
يخفي عن العين كيدًا
منه المطامع تترى
فكيف تهوي إليها
وأنت أرفع قدرا
تصبو لها من قديم
وما صبوت لأخرى
يدب فيك هواها
فيملأ القلب سحرا
فكيف تبعد عنها
وقد جهلت المقرا؟!
وأنت صب عليل
من حبها لست تبرا
فمت فؤاديَ إني
وجدت عيشي مرا
نشدتك الله نفسًا
عاشت على الضيم بكرا

ويك قلبي

ويك قلبي متى أراك صئولا
بعد أن كنت مسكينًا عليلا
عاندتك الأقدار بعد التصافي
ورماك الهوى فصبرًا جميلا
قد ضللت السبيل طوعًا وما كنـ
ـت قديمًا تضل ذاك السبيلا
قد أطلت المقام في دار ذل
كيف ترضى المقام فيها طويلا؟
غرك الحب وهو برق كذوب
فتصبر إني وددت الرحيلا
كيف تنسى وقد خلقت أبيًّا
أن للمجد صولة لن تزولا؟
نحن نأبى يا قلب تلك الدنايا
فكفانا في الحب قالًا وقيلا
نحن قوم على العلاء فطرنا
لا تكن للعلاء ذاك المزيلا
أنت أولى بالانتصار إذا ما
جرد الحب سيفه المسلولا
ليس عارًا إذا قضيت شريفًا
إنما العار أن تعيش ذليلا

الشفق

أنت دمع النهار في صفحة الكو
ن يَحْيَا في الليل سرًّا خفيَّا
أنت دار الأسى وقدمًا وجدنا
فيك للشعر مهبطًا أبديا
أنت كنز للحب أَودع فيه
حلكُ الشعر حبَّه العذريا
صامت أنت تسمع الطير في الرو
ض يغني للنيل لحنًا شجيَّا
يسمع الليل حين تبدو أنينا
لنهار قضى حزينًا شقيَّا
أنا أبكي وأنت تبكي وقدمًا
قد بكينا هذا الغرام سويَّا
لست تبكي الوجودَ والناسَ لكن
أنت تبكي خلف النخيل عليَّا

الطائر السجين

طائر فوق الغصون
خاشع الطرف العليل
هو في سجن الشجون
لا يرى عنه بديل

•••

كلما هز الغرام
منه شوقًا للحبيب
جاءه طيف السقام
يقرع القلب الكئيب

•••

قام في الليل البهيم
يملأ الليل نواح
هو والحب الظلوم
ريشة بين الرياح

•••

إن شدا بين الحقول
هب في الروض النسيم
ومضى فوق التلول
يحمل الذكر الأليم

•••

صوته، والدمع يجري
حائرًا فوق الخدود
فاضحًا لليل سرِّي
بعض أنات الوجود

•••

علَّه، لما استردَّا
أمل القلب وطارا
شبح الهجر تبدَّا
ساعة ثم توارى

•••

خلته رمز غرامي
لابسًا ثوب الظلام
نابشًا قبر سقامي
صائحًا: أين المنام؟

•••

طائر العشاق، صبرًا
إن نأى عنك المرام
قد بلوت الناس طرًّا
فعلى الحب السلام

•••

قم على الغصن وغنِّ
واهتكِ السرَّ الدفين
ردد الأحزان عني
يا صدى القلب الحزين

عرش الحداد

إني بنيت لمن أحب
وللهوى عرش الحداد
عرشًا قوائمه الهمو
م وتاجه شوك القتاد
والدمع فيض نواله
يجري على جثث العباد
واليأس كوكبه المضي
ء لتائهِ حرَّان صادي
من أَمَّهُ مسترحمًا
أَصْمَتْ حشاشته العوادي
كالليل مسود الجوا
نح لا يحنُّ لذي سهاد

•••

هذا هو العرش الذي
حطمته، هذا فؤادي!

استعطاف

حبيبتي نحن قوم لا يغيرهم
صرف الزمان فإن عاداهم صبروا
عاشوا على الضيم أحرارًا غطارفة
سيان إن ملكوا الدنيا أو افتقروا
لا يأبهون لذي بطش يناوئهم
يغشى ديارهم والليل معتكر
يحمون عرضهم في كل ملحمة
ما خانهم في النزال القلب والبصر
المجد رائدهم والصدق شيمتهم
والحب عندهم يحلو به العمر
فكيف ننقض عهدًا في محبتكم
وكيف نعرض عمن حبها قدر؟
والحب إن هاجه بعد وموجدة
فإنه النار لا تبقي ولا تذر
حبيبتي والأسى في القلب مكتمن
يغشيه دمع على الخدين ينهمر
إني وربك لا أسلو الهوى أبدًا
وكيف أسلو وما لي عنك مصطبر
إن تنكري سهد عيني في الغرام إذا
جن الظلام فعند الأنجم الخبر
إن كنت أنظم فيك الشعر مرتجلًا
فذاك وحي فؤادي جاء يعتذر
إليك أرسل آياتي التي نطقت
عما تكتمه الآمال والفكر
لا تأخذيني بأقوال الوشاة ولي
قلب يحبك ما في صفوه كدر
قلب ترامت به الأشجان تسلبه
صفاءه وبه الآمال تحتضر
لو كنت أركب أهوال الحياة لكم
ففي غرام الغواني يركب الخطر
قد كان لي أمل في العيش مكتمل
أودى به الهجر والتبريح والذكر
جودي بعفو يعيد الروح في جسدي
بعد الممات فمنك العفو ينتظر

صورة من صور الليل: الأم الثاكل

وقفت تبكي وما من سامع
غير آذان الظلام الأقتم
لا ترى في فحمة الليل إذا
نظرت، غير قبور جُثَّم
تصدع الظلماء منها صرخة
خرجت من قلبها المنهدم
تقرع الصدر وفي القلب أسًى
شق ذاك القلب شق الجلم
تلطم الوجه بكف أسود
وتناجي جثة المخترم
وإذا ما صرخت جاوبها
من فم الأقدار صوت العدم
هي والأقدار تجري حولها
جثة في موجها الملتطم
يا رجال الشعر قوموا وانظروا
صورة للبائس المنهزم
تلك أم أودعت مكرهة
طفلها المحبوب جوف الرجم
وجثت تبكي على جثته
ودموع الموت لم تنسجم
خففوا الوطأ لئلا تزعجوا
شبح اليأس وطيف الألم
تحت هذا الترب نامت أنفس
في خبوت من عظام ودم
فانظروا مقبرة في طيها
يرقد المبصر في جنب العمي
واسمعوا من بابها موعظة
واعبدوا فيها جلال القِدَم

زفرات الشباب

يراجع قلبي بثه كلما دنا
خيالك في ليل تغيب كواكبه
وما أرهق الطيف الزيارة بعدما
أعلَّ فؤادًا كاد يندك جانبه
دنا غير هيَّاب وراح محملًا
من العين دمعًا لا تجف سواكبه
وطالعني منه الرجاء هنيهة
فلما مضى مات الرجاء وصاحبه
ولا أنا أسلو في الهوى من أحبه
ولا يرحم القلب المدنف سالبه
فطورًا ترى وجهي بشوشًا وتارة
يطوف على وجهي من الهم راسبه
وما زلتُ استنشي الرياح لعلني
أشم شذًا من هاجر لا أقاربه
نأى عن دياري بعد أن خلَّف الأسى
لقلبي، وهل يحنو على القلب غاصبه
فهل رحمة في القلب يطفئ بردها
أوار فؤادٍ حطمته مصائبه؟
فؤاد إذا التاث الصديق رأيته
يسابق وفد الريح شتى مصائبه
يقيم على عهد الوفاء حياته
ويزورُّ عن دار الغواية جانبه
رماه الهوى من قبل أن يعرف الهوى
فمزقه والحب كثر نوائبه
فأرخص دمعًا كان بالأمس غاليًا
وقام به صوت الإباء يعاتبه
ويا أيها البيت الذي فيه ظلاله
ربيت وكم حنت إليَّ ملاعبه
لقد كنت مأنوس الديار فما الذي
رماك به دهر تدب عقاربه
عداك الأُلَى صانوك من نكبة البلى
فمن فيك ألقاه ومن ذا أخاطبه؟
سقاك ملث الودق في كل ساعة
وحياك وحي الشعر بيض كواعبه
أرى كوكب الآمال يبعد نوره
وليل الأسى والهم تدنو غياهبه
وأصبحتُ مقطوع الرجاء فتارة
يغالبني دهري وطورًا أغالبه
وما سهمتي في العيش إلا مصابه
ولا أنا أرجو اليوم ما أنا طالبه
تقربت أهل الأرض في كل بلدة
فلم أرَ بين الناس خلصًا أصاحبه
أبث له ما حفَّز الحب في الحشا
ورنَّق من صفوٍ تداعت جوانبه
فيا قلب صبرًا فالحقائق مرة
ويا نفس ليس الحب قرنًا أحاربه
ويا من يرى في العيش أمنًا وراحة
هنيئًا لك الكأس الذي أنت شاربه

اعتذار

أرسل الشاعر هذه القصيدة من الإسكندرية إلى صديق له في مصر يعتذر عن تأخير الخطابات:

يا حافظًا للود في غيبتي
هل لك أن تصفح عن هفوتي؟
أنت الذي علَّمت قلبي الوفا
وكنت لي عونًا على كربتي
ذللت لي الصعب فلم أبتئس
يومًا، وكنت النور في الظلمة
كم ليلة قضيتُها ساهرًا
فوق فراش الحزن والحسرة!
إخالني والهم لا ينثني
عني، غريب الأهل والجيرة
أو جثة ألقى بها نحسها
في لجة الآلام والوحدة
أبث لليل هوى باطنًا
وأدمعي تنهل من مقلتي
وطيفك المحبوب لي صاحب
يحجب طيف الهجر والقسوة
يثير في النفس بقايا القوى
ويرجع المفقود من عزتي
وكنتَ مثلي ذا هوى خالد
عشتَ أسير القد والنظرة
تحمل من نار الهوى جمرة
يا ويحها للنفس من جمرة
وكم تشاكينا الهوى في الدجى
وليس غير اليأس من منصت
نسير والآلام في أثرنا
ونتبع العبرة بالعبرة
حتى إذا ولَّت جيوش الدجى
والفجر مثل الشيب في اللمة
نعود للدار على بعدها
بعد اللُّتيا يا أخي واللتِ
نغالب الدهرَ على أمره
في حبنا والدهر ذو مِرَّة
يا صاحبي إني أخوك الذي
ما زال ذا عهد وذا ذمة
لم أنسَ أيامًا لنا حلوة
لهفي على أيامنا الحلوة
كأنها والسعد من حولها
أنغام بيض الحور في الجنة
أو نعمة الرحمن حفت بها
ملائك الرضوان والرحمة
وهل أغض الطرف عن صاحبي
وأنت من قومي ومن أسرتي

•••

هنا إذا ما كنتُ في نزهة
إخالني أمرح في ضيعتي
أمشي الهوينا ضاحكًا لاعبًا
وأعبد الرحمن في عزلتي
والبحر يرغي مزبدًا هائجًا
كضيغم همَّ إلى وثبة
والقلب في أمن وفي راحة
يا خير من يصفح عن هفوتي

الجرح الأول

حياة حلوها مر
وقلب خانه الصبر
ونفس في يد الأوجا
ع لان لبؤسها الصخر
حلبتُ الدهر أشطره
وفيه الخير والشر
فلم أرَ في الورى خلصًا
يشد بمثله الأزر
وكيف يلذ لي عيش
ولي خصم هو الدهر؟
يفل حديد بادرتي
وليس لفعله عذر
وهل تصفو مشارعه
ويصحب غيبه اليسر
وتحت ردائه احتجبت
يد في كفها الغدر
فبين النفس من قدم
وبين طلابه وتر
أرى الأيام مظلمة
يتيه بليلها الحر
فلا هم١ ولا عزم
ولا نهي ولا أمر
عواصف همة سكنت
حواها البر والبحر
أيأمل قلب مبتئس
وأيام الهوى غِير
ويمشي في جوانحه
زفير رهوه جمر
يظل الليل مرتجفًا
وما في قلبه ذعر
كمزءود تروِّعه
ليالٍ ما لها فجر
وأيام مضت عنا
وليس لطيها نشر
مضت عنا برونقها
وولى خلفها العمر
وهيفاء إذا خطرت
مشى في أثرها الكبر
هضيم الكشح فاتنة
كأن حديثها سحر
وألثمها وتلثمني
وفوق رءوسنا الطهر
نأت عني فلا عجب
إذا ما هاجني الذكر
وعاج خيالها سحرًا
وآنس وحدتي الشعر
رمت أيدي النوى ظلمًا
فؤادًا غصنه نضر
ألا في ذمة الرحمـ
ـن نفس حرة بكر

كما تشائين

كان ذاك الغرام سهلًا وصعبًا
وجفاء من غير ذنب وقربا
كلما رمت هجرها واصلتني
وإذا رمت وصلها تتأبى
أنتِ فتانة ولكن قلبي
لم أجد مثله على الصعب قلبا
فإذا شئت كان حبيَ سلمًا
وإذا شئت كان حبيَ حربا

عبثًا تبكي

أنت كالطائر تشدو كلَّما
هتف التذكار بالقلب الكتوم
عبثًا تبكي على العهد القديم
لا يعيد الدمعُ أيامَ النعيم
حطمت صبرك غارات النوى
ودعاك الهجر للذكر الأليم
كلما أرسلت أنات الهوى
سكنت في هجعة الليل البهيم
تسهر الليل وترجو غفوة
أينام الليل مولود الهموم

ليلة

وليلة حائرة النجم
قد هدَّ فيها اليأس من عزمي
قضيتها والدمع لي مدد
فكأنه ثوب على جسمي
وكأن قلبي كلما همعت
عيني، خضم موجه همي
قد نحتُ فيها لا أرى عضدًا
نوح اليتيم يصيح: يا أمي!

مولود الهموم

أكان الهوى إلا الدموع سوابق
على الخد والنيران بين الأضالع؟
وبأس وآلام ووجد ولوعة
وشوق إلى وجه الحبيب المخادع؟
لقد كان لي فيمن أحب مطامع
فأخمد مجدي نار تلك المطامع
ولكنني ما زلت أعبد حسنها
وأذكره إن مر سرب السواجع
تلفعت ثوب الليل والليل صامت
فما راعني هوج الرياح الزعازع
ولا هالني دمع السحاب وقد سقى
وأحيا موات الزرع سيل مدامعي
أرى أنني في الحب أرضي ملامتي
وأسمع ما لا ترتضيه مسامعي
وأجزع من صرف الزمان وغدره
وما كنت تلقاء الخطوب بجازع
وأرقب في جوف الليالي نجومها
وأعجب من تلك العيون الهواجع
وما السهد يدني من تنائي خيالها
ولا الدمع في شرع الغرام بشافع
ولا أنا أرضى الوصل وهو بليتي
ولا الهجر والهجران فيه فواجعي
لعلِّيَ طفل اليأس والبؤس والشقا
ومولود هاتيك الهموم القواطع

أنا وهي

معارضة قصيدة البارودي: «هو البين حتى لا سلام ولا رد»
سلام عليها لا لقاء ولا ود
ولا دمعة في العين يدفعها الوجد
يعز على نفسي الأبية أنها
ترق لمن أضحت وليس لها عهد
أظل أسير الحبِّ أرعى عهوده
كأن الهوى سيف وقلبي له غمد
إلى أن أرى طيف الخيانة جاثمًا
وراء الهوى يرنو إليَّ فأرتد
وأرجع مكلوم الحشا يستفزني
إلى الهجر مجد لا يعادله مجد
أكتم آلامًا إذا ما تدفقت
على الناس تغدو والقضاء لها وفد
ويسمع مني الليل صوتًا إذا دوى
تفزعت الموتى وجاوبها الرعد
وأغدو ولي نفس إذا رامها الهوى
تثور، ولي قلب هو الحجر الصلد
وليس الهوى إلا المحامد والعلا
فأوله جد وآخره جد
فإن عبثت بالحب هيفاء كاعب
فليس لنا عن كتم نيرانه بد
نعيش فلا يهتاجنا الشوق والجوى
سواء لدينا القرب في الحب والبعد
تعيرني أني نكثت عهودها
وما النكث إلا شيمة الغيد يا هند
تريدين أن أقضي بدارك ساعة
تحاربني فيها لحاظك والقد
ولكنني آليت أن لا أزورها
وإن كان فيها السعد يعقبها السعد
أما ويمين الحر والله شاهد
لقد لذ لي الشوق المبرح والصد
فلا تحسبي أني أميل مع الهوى
وأرخي عِناني للدموع التي تبدو
تولى زمان كنت فيه أخا هوى
أناجي نجوم الليل والليل مسود
أكفكف من دمعي سوابقه التي
تروح أسًى في صفحة الخد أو تغدو
أُحمِّلُ أشواقي الرياح تلهفًا
إليك فتذريها الرياح التي تعدو
كأني غريق والظلام كأنه
خضم وأنفاسي هي الجزر والمد
وكنت إذا لاقيتها بعد فرقة
تجرعت فيها اليأس ليس له حد
ألف على خصر الحبيبة ساعدي
وألثمها والخد يلمسه الخد
مضى ذلك العهد القديم وما انقضت
مطالب حب ليس يحصرها عد
ويا قلب لا تجزع فللدهر صولة
وما أنت يا قلبي جبان ولا وغد
ويا لبني قومي وقد جد جدكم
إليكم فتًى إن خانه الدهر يشتد
تألى على فعل المكارم بعدما
تقاعس عنها يوم قامت به هند
ذروه إلى العلياء يرقى سماءها
فقد ردت الأقدار مَن غَيَّب الوجد

حية الخاطر

يا حية تنساب في خاطري
هدمت صبر الأسد الصابر
رميت بي في هوة لم تكن
من قَبلُ دارًا للفتى الشاعر
جعلت مجدي طعمة للهوى
دعي سبيل المجد للعابر
عاديتُ من أجلك كل الورى
فمَن ترى بين الورى ناصري؟
وهل أرى نور الهدى بعدما
أطفأتِ نور الحق في ناظري؟
عصيت في حبك بيض المنى
طوعًا لحب غادر جائر
يا بؤرة الآمال ماذا الذي
أرجو غدًا من حظيَ العاثر
وأنت قبر والمنى جثة
غسلتها من دمعيَ الحائر
وأنت يا قلب أما ترعوي
ولست قلب الفاجر الداعر
قد غرك الحسن وفيه الردى
إذ ليس خافي الحسن كالظاهر
والحسن إن أودى به أهله
يغدو قذًى في مقلة الناظر
قد كنت مهجورًا فكن هاجرًا
فالنصر والإسعاد للهاجر
لا تبتئس واخلع لباس الهوى
والْبَس رداء الأمل الناضر

أنت!

أنت! أنت التي سرت في عروقي
منك يوم اللقاء خمر جمالك
نظرة منك قد أسرت بها القلـ
ـب فهانت له صعاب وصالك
نظرة منك ألقت الرعب فيه
رعب حب يقوده للمهالك
وابتسام من فيك يشرق بالسعـ
ـد لقلب صبا وعذب مقالك
ليس هذا إلا طلاء تولى
مسحه للعيون طول ملالك
عرفتك القلوب بالجود لكن
لم أنل منك غير نار مطالك
ما صفا قلبك الخلي ولكن
قلبيَ الواله السقيم صغا لك
أنت أظهرت لي الوفاء وإني
لم أجد فيك ما يعزز ذلك
فانزعي عنك ذا القناع ليبدو
لبني الحب ما خفي من فعالك
حاربتني منك الخيانة والغد
ر لعمري إني صريع نزالك
غير أني عقدت ألوية النصـ
ـر فكان الهجران يوم قتالك
شيمتي العفو للذي خان عهدي
وكثير من حالهم مثل حالك

ليلي طويل

ليلي طويل ما له آخر
يعم قلبي بحره الزاخر
ومقلتي ترعى نجوم السما
ينهل منها دمعي الحائر
أأكتم الوجد الذي هاجه
منها ابتسام حسنه جائر
إن أنشدت يصغي إليها الهوى
كأنها في روضه طائر
فم هو النبع الذي يستقى
منه الهوى والشعر والخاطر
تصدني عنها فلا أنثني
وقد رماني لحظها الفاتر
فإن نست من عاش في حبها
عبدًا فإني للهوى ذاكر
نصيبي الهجران في حبها
يا شد ما يلقى الفتى الشاعر!

حياتي

حياتي هي الحب والحب ديني
وللحب قضيت عمري شقيَّا
أمانيَّ في الحب شيء كثير
وما نلت يا قوم في الحب شيَّا
عذابي كبير ولولا عذابي
لما كنت صبًّا عفيفًا تقيَّا
ولي في الهوى عفة لا تجارى
ونفس ترى الموت حلوًا هنيَّا
ففيم الملامة يا من يلوم
ولولا الغرام لما كنت حيا؟

أرجوحة اللاعب

أشكوا الهوى للأمل الخائب
يا ويحه للنفس من صاحب!
كأنني بين الهوى والمنى
يوم النوى أرجوحة اللاعب

هديتي

أهدي إلى الدمع الهتون
وإلى التنهد والأنين
وإلى الزفير وناره
وإلى التهلف والحنين
وإلى الشهيق وصرخة الـ
ـمفجوع والقلب الحزين
ما كنت أكتم في الهوى
وأذوق في ظل السكون

الريح

لعلك، والآمال حيرى كليمة،
لسان الأسى في الليل يهتك أسراري
لعلك صوت الغيب أو صيحة الهوى
ترددها الأقدار، أو وحي أشعاري

أحن إلى الأوجاع

خليلي ما الهجران شيمة معشر
بنيت على آمالهم صرح آمالي
وأودعتهم سري الذي كان قبلهم
دفينًا كأني كنت ذاك الفتى الخالي
وشاطرتهم في العيش لذته التي
تقضت كحلم مَرَّ في صفحة البال
هنا أشرب الكاس التي خالط الأسى
سلافتها بالدمع نم عن الحال
أحن إلى الأوجاع طوعًا وإنما
يحن إلى الأوجاع في الحب أمثالي

الظبي النافر

مال عني ومضى
غاضبًا ظبي الفضا
لم أطق حبس دموعي
يوم ولَّى معرضا
تارةً يرضا وطو
رًا ألتقيه مبغضا
كان لا يألف غـ
ـيري ما له قد أعرضا
لائمي واللوم حـ
ـقٌّ إنما الحب قضا
لم أجد غير حبيـ
ـبي عن حبيبي عوضا
فاحتمل يا قلب إنِّـ
ـي لست أشكو مضضا
ليته لو كنت أذ
نبتُ تناسى ما مضى
وأتاني باسمًا
شيقًا منتفضا
وارتمى بين ذرا
عَيَّ مجيبًا بالرضا

أخاف

أخاف الشمس توقظ في فؤادي
عرامة ذلك الرجل العنيد
أخاف البدر في الظلمات ينفي
لذيذ النوم عن عين العميد
أخاف الحب إن الحب داء
يفل القلب صيغَ من الحديد
أخاف الود والأصحاب إني
أعاف الري من خمر العبيد
أخاف النفس أن ترضى ببخل
إذا ناديتها يا نفس جودي
أخاف السعد والبؤساء حولي
يسامون العذاب من السعيد
أخاف من الوجود وما حواه
ومما سوف أفعل في الوجود

أنا وأنتِ

بالقلب من جفنيكِ سهم
وبه من الهجران سقم
هذى ابتسامات الحيا
ة لها على خديك وسم
أنا للهوى ذو همة
ولغيره أعمى أصم
وسهرت ليلي والجنا
ن بغير ذكرك لا يلم
وكتمت أمري في الهوى
والدمع عن حالي ينم
والشاعر المطبوع من
مطبوعه سقم وهم
تم الوصال لغيره
وله وصالك لا يتم

أماه

الشاعر يخاطب أمه:

أماه قومي واسمعي
أماه ما لك لا تجيبي؟
أرأيت دمع محاجري
وسمعت يا أمي نحيبي؟
هل راع قلبك ما لقيـ
ـت من النوائب والكروب؟
إن الوجود صحيفة
ملأى بأسرار القلوب
خلفتني للهم فيـ
ـه وللشدائد والخطوب

•••

أماه إني قد طرقـ
ـت حماك في اليوم العصيب
أبكي على سعدي كما
يبكي الغريب على الغريب
يمضي الصباح ولست أعـ
ـلم منه أسرار الغروب
بئس الحياة إذا جهلـ
ـنا كنه ذا الكون العجيب
إن المصائب ريشة
تلهو بأوتار القلوب
أفنى الغرام تجلدي
وفقدت في أهلي طبيبي
هذا جناه أبي علـ
ـيَّ وما جنيت على حبيب

نفثة مصدور

قلبي ترامت به الشجون
والدمع فاضت به العيون
هوى بي اليأس من غرامي
وعدة اليائس الزفير
والليل لا ينجلي بصبح
والنوم عن مقلتي نفور
يا حبذا الموت من صديق
في حبه صادق أمين

•••

لا يخفق القلب في حماه
ولا ترى العين من هويت
وينقضي الهجر والعذاب
واليأس والشوق والهيام
وترقد النفس في ظلام
يجيء من بعده ظلام
هذا هو السعد يا رفاقي
يا ليتني في غدٍ أموت!

•••

أموت في زهرة الشباب
كالغصن أودت به السموم
وهل يعيش الفتى إذا ما
لم يبقَ في حبه رجاء
والمرء إن خانه هواه
فعيشه والردى سواء
والزهر في عينه قتاد
والشمس في عينه غيوم

•••

وبلبل الروض إن تغنى
والناس في دورهم رقود
يخاله البوم صارخات
وخلفها السهد والدموع
والسعد عن نفسه بعيد
والدمع في خده نجيع
والنار في قلبه تلظى
وقلبه إن خبت وقود

•••

في ذمة الله نفس حر
عاشت على الضيم لا تهان
ما راقها في الحياة عيش
ولا رعى عهدها صديق
رأت خيار الورى ذئابًا
يقودها الغدر والعقوق
أودى بها الهجر والزمان
لعلها في الثرى تصان

يا قصر الهاجر

تضم في الأحشاء شخص الذي
ذرفت دمع العين في حبه
بالله قل لي يا مقر الهوى
هل يسأل المحبوب عن صبه
يا قصر خبرني وكن صادقًا
عن سر ما يخطر في لبه
أثار حربًا هولها ظاهر
والقلب لا يسلم من حربه
يا قصر لا أعلم ماذا جرى
حتى أطلت اليوم في حجبه
ما زال قلبي هائمًا مدنفًا
مسترحمًا يبحث عن ذنبه
يبكي هواه ناسيًا أهله
وقومه والحر من صحبه
يا قصر كن خير رسول لمن
أصبح عز القلب في قربه
عليك من هجرانه مسحة
يعرفها المنكوب في حبه
لا حاقك المكروه في قربه
ولا رماك الدهر من صعبه
يا من غدا الصمت له عادة
قلبي يزيد الصمت في كربه
فكن كريمًا إنني صابر
فالجود كل الجود من ربه

دمع الشفق

فوق خدود الظلمة
تبدو دموع الشفق
قد حمَّلوها لوعتي
وباعثات الأرق

•••

أرنو إليها شاكيًا
فعل النوى بالجسد
مسترحمًا مستجديًا
بقيه للجلد

•••

كأنها فوق الرُّبَا
طيف الأسى والسقم
يخط في سفر الصبا
ما في الحشا من ألم

•••

والشعر في أحزانه
يسكب كأس الأمل
يحمل في أكفانه
غوامض المستقبل

•••

أبثه في وحدتي
أنات قلب مغرم
يشكو له هجر التي
يوم اللقا لم ترحم
١  همة الإنسان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤