صور من الخلاف بين أبي حنيفة وغيره

كان لا بدَّ أن يختلف الفقهاء في ذلك العصر، عصر الاجتهاد لبيان أحكام الله، فيما يجدُّ من نوازل ومشاكل، وفيما يظهر من معاملات جديدة. وليس من قصدنا هنا الاستكثار من صور هذه الاختلافات؛ ففي كتب «اختلاف الفقهاء» بخاصة، وكتب الفقه الأصيلة بعامة، من ذلك الشيء الكثير الذي يعز على الإحصاء، والذي يُرينا ما كان للفقه والفقهاء من حيوية وحياة خصبة دائبة الحركة والنمو والإنتاج في ذلك الزمن.

وإذًا، لنا أن نكتفي بذكر هذه الصورة الآتية لتلك الاختلافات، على أن نوجز في الحديث عنها. وفي المراجع التي نأخذ عنها غُنية لمن يريد الإطالة والاستقصاء.

في الحدود

إذا قذف رجل رجلًا بالزنا فقال يا ابن الزانيين، فليس على القاذف إلا حدٌّ واحد. ثم لا تقام الحدود في المساجد. ويرى ابن أبي ليلى (محمد بن عبد الرحمن) أن عليه حدين، وأنه يصح إقامة الحدود في المساجد، وقد أقامها فعلًا في المسجد.١

والأصل أن المغلب في حد القذف عند أبي حنيفة هو حق الله تعالى، فعند الاجتماع تتداخل الحدود، والمقصود وهو الزجر للقاذف ودفع العار عن المقذوف يحصل بحدٍّ واحد، فوجب الاكتفاء به، على حين أن الغالب في القذف عند ابن أبي ليلى هو حق العبد، وهنا المقذوف حقيقةً اثنان هما الأبوان، فوجب على القاذف حدَّان.

وأما أمر عدم إقامة الحد في المسجد، فقد رجع فيه أبو حنيفة إلى قول الرسول : «لا تقام الحدود في المساجد.» ولأن تلويث المسجد حرام، وإليه أشار الرسول في قوله: «جنِّبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم.» وقد يؤدي إقامة الحد في المسجد إلى تلويثه، وعلى القاضي إذا أراد أن يقام الحد بين يديه أن يخرج من المسجد، وإلا بعث أمينًا ليقام الحد بحضرته خارج المسجد أيضًا، وبهذا وذاك ورد الأثر عن الرسول عليه الصلاة والسلام.٢

وقد وقع الخلاف فعلًا في هذه المسألة بناحيتيها أيام أبي حنيفة؛ فقد رُوي أن امرأة معتوهة كانت بالكوفة فآذاها رجل، فقالت له يا ابن الزانيين فأُتِي بها إلى القاضي ابن أبي ليلى فاعترفت بما كان منها من القذف، فأقام عليها حدَّين في المسجد، فذُكر ذلك لأبي حنيفة فقال: أخطأ في سبعة مواضع؛ بنى الحكم على إقرار المعتوهة، وإقرارها هدر. وألزمها الحد، والمعتوهة ليست من أهل العقوبة. وأقام عليها حدَّين، ومن قذف جماعة لا يقام عليه إلا حد واحد. وأقام حدَّين معًا، ومن اجتمع عليه حدَّان لا يُوالى بينهما، ولكن يُضرب أحدهما، ثم يُترك حتى يبرأ ثم يقام الآخر. وأقام الحد في المسجد، وليس للإمام أن يقيم الحد في المسجد. وضربها قائمة، وإنما تُضرب المرأة قاعدة. وضربها لا بحضرة وليها، وإنما يقام الحد على المرأة بحضرة وليها، حتى إذا انكشف شيء من بدنها في اضطرابها ستر الولي ذلك عليها.

في الشهادة

ويذكر الإمام أبو يوسف أن الرجل إذا شهد لامرأته فإن أبا حنيفة كان يقول: لا تجوز شهادته لها، وكذلك بلغنا عن شُريح، وبهذا نأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: شهادته لها جائزة.٣
وفي هذه المسألة يبين بوضوح رعاية كثير من الفقهاء لعامل الزمن وأثره في تطور الفقه وأحكامه، وذلك، بأن الله تعالى يقول في سورة البقرة: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء ويقول في سورة الطلاق: وَأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِله. ومن هاتين الآيتين نرى أن القرآن لم يشترط لقبول الشهادة إلا أن يكون الشاهد ممن تُرضى حاله وأمانته، ومعنى هذا أن يكون عدلًا يُؤْمَن على قول الحق ولا يتبع الهوى.٤
ولهذا — كما قلنا في بحث سابق لنا،٥ يذكر ابن القيم عن عبد الرزاق الصنعاني أن عمر بن الخطاب قال بجواز شهادة الوالد لولده، والولد لوالده، كما يقول الزهري: «لم يكن يُتَّهم سلف المسلمين الصالح في شهادة الوالد لولده، ولا الأخ لأخيه، ولا الزوج لامرأته، ثم دُخل الناس بعد ذلك، فظهرت منهم أمور حملت الولاة على اتهامهم، فتُركت شهادة من يُتهم إذا كان من قرابة، وهم الولد والوالد والأخ والزوج والمرأة، ولم يُتهم إلا هؤلاء في آخر الزمان.»٦
على أن فكرة تطوُّر الفقه في هذه المسألة التي قلنا بأننا نلمسها فيما ذهب إليه أبو حنيفة فيها حين لم يُجِز شهادة الرجل لزوجته، قد يعارضها أمران:
  • (أ)

    هذا الحديث الذي يروى عن الرسول ، وهو: «لا تُقبل شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده، ولا المرأة لزوجها، ولا الزوج لامرأته، ولا العبد لسيده، ولا المولى لعبده، ولا الأجير لمن استأجره.»

  • (ب)
    وما رواه محمد بن الحسن الشيباني عن شُريح أنه قال: «أربعة لا تجوز شهادة بعضهم لبعض؛ المرأة لزوجها، والزوج لامرأته، والأب لابنه، والابن لأبيه» … إلى آخر ما قال.٧

فإن معنى هذا وذاك أن عدم إجازة شهادة أحد الزوجين للآخر أمر ثابت عن الرسول نفسه ، «ولهذا رد شريح نفسُه أيضًا شهادة سيدنا الحسن لأبيه سيدنا علي رضي الله عنهما؛ وذلك في قضية كانت منه ضد يهودي، وطلب أن يزيده شاهدًا مكان الحسن. إن من المعروف، كما يذكر ابن القيم، أنه قد أجاز في قضية رُفعت أمامه لامرأة شهادة أبيها وزوجها، ولما قال له الخصم: هذا أبوها وهذا زوجها! قال له: أتعلم شيئًا تجرح به شهادتهما؟ كل مسلم شهادته جائزة.»

ونقول إن صاحب فتح القدير، يقول عن هذا الحديث: «وهذا الحديث غريب، وإنما أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق من قول شريح.»٨ وقد يعزز ما يقال من أن هذا ليس حديثًا ثابتًا عن الرسول، أنه لو كان كذلك حقًّا ما وسع من قبلوا هذه الضروب من الشهادة أن يقبلوها، ومنهم عمر وغيره من سلف المسلمين.

وفيما يختص بالقاضي شريح نفسه، ومخالفةِ قوله لقضائه، ينبغي أن نلاحظ أنه كان من المعمَّرين؛ فقد عاش — كما يذكر ابن قُتيبة في كتابه «المعارف» — مائة وعشرين عامًا، كما ظل قاضيًا للكوفة لعمر بن الخطاب ومن بعده أكثر من سبعين عامًا. وهذه مدة طويلة يتغير فيها الرأي والحكم بتغُّير الزمن والناس، فيكون هو نفسه قد استجاب أيضًا لعامل التطور، فلم يُجِز شهادة أحد من الزوجين للآخر وإن خالف بذلك قضاءه السابق بقبولها.

وقد عرض الإمام شمس الدين السَّرخسي هذه المسألة عرضًا وافيًا بيَّن فيه رأي الإمام أبي حنيفة، واحتجَّ لهذا الرأي بالحديث الذي رويناه آنفًا عن الرسول ، وبالنقل الذي نقلناه أيضًا عن القاضي شُريح.

كما قرر أن سبب عدم إجازة هذا النوع من الشهادة هو ما في شهادة أحد الزوجين للآخر من التهمة، وكذلك الأب لابنه أو الابن لأبيه، مستشهدًا بالعادة وما عرف من إيثار منفعة المشهود له في هذه الحالات على منفعة المشهود عليه الأجنبي.

وتكلم أيضًا عن مخالفة الإمام مالك في الولد والوالد، إذ يجيز شهادة كل واحد منهما لصاحبه، وذلك «لأن دليل رجحان الصدق في خبره، انزجاره عما يعتقد حرمته، ولا فرق في هذا بين الأجانب والأقارب؛ ولهذا قُبلت شهادة الأخ لأخيه، فكذلك شهادة الوالد لولده، ولا معتبر بالميل إليه طبعًا بعدما قام دليل الزجر شرعًا.»٩

والسرخسي لا يرضى بحق قياس أمر الأب والابن على أمر الأخ وأخيه؛ لأن بين الأولين «بعضيَّة» قد تكون سببًا كافيًا للتهمة، ولأن المنافع بين الأب والابن متصلة مشتركة؛ ولذلك قال الله تعالى: آبَاؤُكُمْ وَأبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أيُّهُمْ أقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا بخلاف الإخوة وسائر القرابات.

وإذا كان مالك يخالف أبا حنيفة في شهادة الأب لابنه أو العكس، فإن الإمام الشافعي يخالف في شهادة أحد الزوجين للآخر، فيقول: «تُقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه؛ لأنه ليس بينهما بعضية، والزوجية قد تكون سببًا للتنافر والعداوة، وقد تكون سببًا للإيثار، فهي نظير الأخوة أو دون الأخوة، فإنها تحتمل القطع، والأخوة لا تحتمل.»

والسرخسي لا يرضى بحق أيضًا هذا الاستدلال، بشهادة العرف والعادة والمشاهدة؛ ولهذا يرد عليه ببيان أن صلة الزوجية تعتبر حقًّا تهمة في شهادة كل واحد من الزوجين لصاحبه … وذلك لأن «الظاهر ميل كل واحد منهما لصاحبه وإيثاره على غيره، كما في الآباء والأولاد، بل أظهر، فإن الإنسان قد يعادي والديه لترضى زوجته، وقد تأخذ المرأة من مال أبيها فتدفعه إلى زوجها، والدليل عليه أن كل واحد منهما يعد منفعة صاحبه منفعته، ويُعد الزوج غنيًّا بمال الزوجة؛ ولهذا قيل في تأويل قوله تعالى (في شأن الرسول ): وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأغْنَى؛ أي غنيَ بمال خديجة رضي الله عنها.»

في المرافعات والقضاء

وهي مسألة في نطاق قانون المرافعات حسب تقسيمات القانون الوضعي، وهي مسألة ذات شعبتين، وفي كلٍّ منهما اختلف أبو حنيفة وابن أبي ليلى، وقد ذكرها أبو يوسف هكذا:

إذا أثبت القاضي في ديوانه الإقرارَ وشهادة الشهود ثم رُفع إليه ذلك ولا يذكره، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا ينبغي له أن يجيزه. وكان ابن أبي ليلى يجيز ذلك. «ثم» قال أبو حنيفة: إن كان يذكره ولم يُثبته عنده أجازه، وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجيره حتى يُثبته عنده وإن ذكره.١٠

وهنا، ينبغي أن نلاحظ من أول الأمر: أن أبا حنيفة لم يَلِ القضاء، وأن ابن أبي ليلى كان قاضيًا، وكذلك كان أبو يوسف، بل كان قاضي القضاة، والقاضي تُعرض عليه المشاكل العملية التي تتطلب حلولًا قد يفطن لها الفقيه الذي يطبق الفقه عمليًّا، على حين لا يفطن لها الفقيه نظريًّا فقط.

وفي الحق، أنه من العسير عمليًّا أن يتذكر القاضي كل ما مرَّ به من الخصومات والقضايا وما حصل من الإجراءات في كلٍّ منها. وما اتُّخذت السجلات في المحاكم إلا لإثبات ما يجري في القضايا، فيجب لذلك أن تكون بهذا الاعتبار أوراقًا رسمية يعتمد عليها ويؤخذ بما يثبُت فيها، وإلا لخَلَت هذه الأوراق الرسمية من الفائدة، وذهب الغرض الذي جُعلت من أجله، وعجز القاضي عن البت في أكثر ما يُعرض عليه ويُطلب منه الحكم فيه؛ لإنهاء الخصومات قضائيًّا.

ومن ثَمَّ، كان نظر القاضيين (ابن أبي ليلى، وأبو يوسف) أدق وأنجح عمليًّا، ومن هنا نرى كيف يستفيد الفقه من القضاء إلى حد كبير، ومن ثَمَّ أيضًا، كان رأي ابن أبي ليلى أدق في الناحية الثانية من المسألة، وهي أن القاضي لا يجيز الإقرار والشهادة ونحو ذلك، إلا إذا كان ثابتًا عنده في أوراقه الرسمية، ولا يجيز شيئًا من هذا إن كان يتذكره ولم يُثبته؛ فالإنسان عرضة للنسيان، وذاكرته عرضة للخطأ، كما هو مشاهد وملموس.

وكأن شمس الدين السرخسي رأى الأمر بحاجة إلى تبرير رأي الإمام أبي حنيفة، مع ميله لرأي أبي يوسف الذي هو رأي محمد أيضًا، فقال:١١ وهذا منهما (أي من الصاحبين) نوع رُخصة؛ فالقاضي لكثرة اشتغاله يعجز أن يحفظ كل حادثة؛ ولهذا يكتب، وإنما يحصل المقصود بالكتاب إذا جاز له أن يعتمد على الكتاب عند النسيان، فإن الآدمي ليس في وسعه التحرُّز عن النسيان، ألا ترى إلى ما ذكر الله تعالى في حق من هو معصوم فقال: سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إلَّا مَا شَاء الله! وفي تخصيصه بذلك بيان أن غيره ينسى، وسُمِّيَ الإنسان إنسانًا لأنه ينسى، قال الله تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا فلو لم يجُز له الاعتماد على كتابة عند نسيانه، لأدَّى إلى الحرج، والحرج مرفوع، ثم ما كان في قِمَطْره تحت خاتمه، فالظاهر أنه حق … والقاضي مأمور باتباع الظاهر.

ومذهب أبي حنيفة رحمه الله هو العزيمة، فالمقصود من الكتاب أن يتذكر إذا نظر فيه … فإذا لم يتذكر كان وجوده كعدمه، وهذا؛ لأن الكتاب قد يزوَّر ويُفْتَعل به، والخط يشبه الخط، والخاتم يشبه الخاتم، وليس للقاضي أن يقضي إلا بعلم، وبوجود الكتاب لا يستفيد العلم مع احتمال التزوير والافتعال فيه.

هكذا يرى السرخسي، وهكذا يحاول تبرير رأي الإمام أبي حنيفة، ولكن هيهات! إن هذا رأي يوقع في الحرج، والحرج مرفوع بنص القرآن، فرأيُ ابن أبي ليلى والصاحبَين أجدر بالاتباع، وبخاصة في هذا العصر الذي نُظِّمت فيه سجلات المحاكم وأوراقها، واتُّخِذ لذلك الضمانات الكافية التي توجَّب الاعتماد عليها، سواء تذكَّر القاضي ما ثبت فيها أو لم يتذكر شيئًا منه.

إفلاس المشتري

وهذه مسألة من مسائل القانون التجاري، وهي ما الحكم فيمن اشترى سلعة وقبضها، ثم أفلس أو مات قبل دفع الثمن للبائع، أو بعدما دفع بعضه فقط، وهو مدين لآخرين؟ أيكون البائع أحق بالسلعة التي باعها إذا وجدها لدى المشتري؟ أم هو أسوة بالغرماء الآخرين، فيدخل المبيع ضمن ما يوجد لدى المشتري، ويباع ويقسم ثمنه بالحصص بين الدائنين؟

يرى أبو حنيفة وأصحابه أن البائع ليس له استرداد ما باع لنفسه خاصة، بل هو والدائنون الآخرون أسوة فيه، وحينئذٍ تُباع ويأخذ كل من ثمنها بنسبة دينه من مجموع الديون.

ويرى الشافعي أن البائع أحق بما باع، وإذًا، له أن يسترده ويختص به، وذلك لقول الرسول : «إذا أفلس المشتري فوجد البائع متاعه عنده فهو أحق به.» ولأن البائع لو عجز عن تسليم المبيع كان للمشتري حق فسخ العقد، فكذلك عجز المشتري عن دفع الثمن يجعل للبائع الحق في فسخ العقد أيضًا؛ لأن البيع عقد معاوضة، ومعنى المعاوضات على المساواة في الالتزامات والحقوق.

ويحتج الكاساني لرأي أبي حنيفة بما رُوي عن الرسول ، قال: «من باع بيعًا فوجده وقد أفلس الرجل، فهو ماله بين غرمائه.»

ومن ناحية أخرى فإنه ليس للبائع حق حبس المبيع عن المشتري حتى ينقده الثمن إذا كان مليئًا قادرًا على دفعه، فلا يكون أحق بثمنه بعد موته أو إفلاسه؛ لأن الثمن بدل المبيع فيقوم مقامه. ثم يذكر الكاساني أن الحديث الذي يستدل به الشافعي على ما ذهب إليه من أن البائع أحق باسترداد ما باع لنفسه، محمول على ما إذا كان المشتري قد قبض المبيع بغير إذن البائع، فإنه في هذه الحالة يكون البائع أحق بما باع عند الأحناف أيضًا.١٢
وهنا، نجد من الخير الرجوع إلى بحث سابق لنا — وهو «محاضرات في تاريخ الفقه الإسلامي، عصر نشأة المذاهب»١٣ — تعرضنا فيه للخلاف الذي ثار بين مالك والليث بن سعد فقيه مصر، في مسألة ما إذا باع رجل لآخر سلعة، ثم أفلس وقد دفع بعض ثمنها أو تصرَّف فيها بأن أنفق شيئًا منها مثلًا، ومن هذا البحث نعلم أن الإمام مالكًا يذهب إلى ما ذهب إليه الإمام الشافعي من بعده، على حين يميل الإمام الليث إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة.

البيع مع البراءة

ولو باع رجل سلعة لرجل آخر على أنه بريء من كل عيب، وقَبِل المشتري هذا الشرط، فما حكم هذا العقد المقترن بهذا الشرط؟ يرى أبو حنيفة أن هذا العقد جائز، ولا يستطيع المشتري أن يرد المبيع بأي عيب، كائنًا ما كان، وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يبرأ من ذلك حتى يُسمِّي العيوب كلها بأسمائها.١٤ ويرى الشافعي أن شرط البراءة من العيوب المجهولة باطل، إلا أن يكون عيبًا في باطن الحيوان فله في ذلك قولان، وله في البيع بشرط البراءة من كل عيب قولان أيضًا: أحدهما أن العقد فاسد، والثاني أنه صحيح والشرط باطل.١٥
وقد أطال صاحب المبسوط في الاحتجاج أولًا للإمام الشافعي، ثم عقب عليه بالاحتجاج لما يراه أبو حنيفة وأصحابه.١٦ وذلك أن الشافعي يحتج بنهي النبي عن بيع الغَرَر، وهذا بيع غَرَر؛ لأن المشتري لا يدري حال المعقود عليه، وأيضًا فإن موجب العقد أن يستحق المشتري المعقود عليه سليمًا، وهذا الشرط يمنع من ذلك، فيكون مَثَلُه مثل شرط يمنع الملك للمشتري؛ ولأن البائع من ناحية ثالثة، يكون قد التزم بهذا الشرط تسليم المجهول بالتزامه تسليم المبيع على الصفة التي هو عليها حال العقد، وهذا ما لا يعلمه المشتري؛ ومن كل ذلك يكون العقد غير صحيح، بخلاف ما إذا سمى البائع العيب، فإن ما يلتزم تسليمه بالعقد حينئذٍ يكون معلومًا، فيكون العقد صحيحًا.

وهكذا نرى الشافعي لا يجيز العقد بهذا الشرط، استنادًا إلى قواعد الفقه العامة؛ ومنها النهي عن بيع الغَرر، وعدم صحة الإبراء من الحقوق المجهولة، وهذا وذاك يمنع صحة العقد.

أما أبو حنيفة، فيستند إلى أمرين: قول الرسول : «المسلمون عند شروطهم إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا.» والثاني اتفاقهم١٧ على صحة البيع بشرط البراءة من كل عيب. فهذا يزيد بن ثابت قد ابتاع مملوكًا من عبد الله بن عمر، بشرط البراءة من كل عيب، ثم طعن فيه بعيب، فاختصما إلى سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، فطلب أن يحلف البائع بالله أنه باعه وما به عيب يعلمه وكتمه عنه، فنكل عن اليمين، فردَّه عليه، ومعنى هذا أنه لو كان قد حلف على صحة الواقعة، للزم البيع ولم يستطع المشتري أن يفسخه، فيدل على أن البيع بهذا الشرط إن هذا صح يكون جائزًا.

ثم الإبراء عن الحقوق المجهولة يصح، بدليل أن النبي بعث علي بن أبي طالب ليصالح بني جُذَيمة، فأعطاهم دية ما فقدوا من دماء وأموال ثم بقي في يديه بعض المال، فأعطاه لهم، وقال هذا لكم عما لا تعلمونه ولا يعلمه رسول الله ، فبلغ ذلك الرسول فسُرَّ منه، فهذا دليل جواز الصلح عن الحقوق المجهولة، فضلًا، عن أن الإبراء عن الحقوق المجهولة هو إسقاط لها، فيصح عن المعلوم والمجهول منها؛ لأنه لا يحتاج إلى التسليم، فتكون الجهالة هنا غير مؤدية إلى المنازعة.

والقول بأن الشرط يمنع موجب العقد أو مقتضاه، وهو تسليم المبيع سليمًا — وهذا ما لا يقدر عليه البائع ما دام المبيع معيبًا، وكل شرط كذلك لا يصح ويفسد العقد به — قول غير صحيح؛ لأن مقتضى العقد هو لزومه، والبائع بهذا الشرط قد التزم تسليم المبيع على ما هو عليه، وذلك مقدور عليه بلا ريب، والقدرة على التسليم شرط جواز العقد، فكيف يقال إنه يكون هنا موجبًا لفساده؟

هكذا يستدل أبو حنيفة وأصحابه، ولكننا نلاحظ أن الاستدلال بما كان من سيدنا علي رضي الله عنه مع بني جذيمة غير صحيح، فإن صاحب المبسوط أشار إلى الحادثة بإيجاز شديد، على حين أننا حين نرجع إليها مبسوطة كما رواها ابن هشام في سيرته، يظهر لنا أنه ليس فيها إبراء عن حقوق مجهولة.١٨

والأمر أن الرسول أرسل بعد فتح مكة السرايا فيما حولها يدعو إلى الله عز وجل، ولم يأمرهم بقتال، وكان مِن بعْث خالد بن الوليد، وأمْره أن يسير بأسفل تِهامة داعيًا، ولم يبعثه مقاتلًا؛ لكنه وطئ بني جذيمة فأصاب منهم، بعد أن سلَّموا السلاح بناء على طلبه، وبناء على قوله لهم: قد وضعت الحرب وأمن الناس.

فلما بلغ ذلك الرسول رفع يديه إلى السماء، ثم قال: «اللهمَّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد.» وهنا، نترك ابن هشام يُتم القصة كما رواها عن ابن إسحاق، فيقول: ثم دعا رسول الله علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وقال: «يا علي! اخرج إلى هؤلاء فانظر في أمرهم، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك.» فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله ، فَوَدَى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال، حتى إنه لَيدِيَ لهم مِيلَغَة الكلب.١٩ حتى إذا لم يبقَ لهم شيء من دم ولا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من مال، فقال لهم على حين فرغ منهم: هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يُودَ لكم؟ قالوا: لا. قال: فإني أعطيكم هذه البقية من المال احتياطًا لرسول الله مما لا يعلم ولا تعلمون، ففعل، ثم رجع إلى رسول الله فأخبره، فقال: «أحسنت وأصبت.»

إذًا، ليس في الأمر — كما نرى — إبراء عن حقوق مجهولة، فإنه قد أدى إلى بني جذيمة ديات كل ما أصيبوا من دماء وأموال، حتى لم تبقَ له حقوق مجهولة أو معلومة بإقرارهم، وإنما أعطاهم ما بقيَ لديه من المال زيادة في تطييب خاطرهم بعدما أصيبوا به.

ومع هذا، لنا أن نقرر أننا نميل إلى رأي أبي حنيفة بصفة عامة من جواز عقد البيع مثلًا بشرط البراءة من كل عيب، ما دام المشتري قد قبل ذلك، والله تعالى يقول: يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ. فضلًا عما في إجازة هذا من تيسير في المعاملات حيث لا ضرر ولا ضرار؛ ونحن قد تعارفنا أن نبيع ونشتري في كثير من الحالات على هذا الشرط، ولا نجد في ذلك ضررًا، ولم يحدث عنه نزاع أو خصومة.

في الشفعة

وهذه مسألة في الشفعة ذهب فيها أبو حنيفة مذهبًا يكاد يكون قد تفرَّد به، وذهب فيها الجمهور الأعظم من الفقهاء مذهبًا آخر يعارضه؛ نعني من هو الشفيع؟ وهل تثبُت الشفعة للشريك ثم للجار، أو للشريك وحده؟

وقد أثارت هذه المسألة خلافًا شديدًا بين الفقهاء من ناحية، وبينهم وبين رجال القانون المدني عندنا من ناحية أخرى. ولكل من أصحاب المذاهب الفقهية أدِلَّته التي يلجأ إليها ويستدل بها، وغالب هذه الأدلة أحاديث وآثار يرويها ويجدها صحيحة، ثم يُتبعها بما يراه من ناحية النظر العقلي، وبعد هذا يلتفت إلى ما يستدل به معارضوه من أحاديث فيؤَوِّل ما يراه صحيحًا منها بما يؤيد وجهة نظره، ومن نظر عقلي فيقابله بنظر عقلي آخر.

فعند أبي حنيفة وأصحابه أن الشفعة تثبُت للشريك في نفس المبيع، ثم للشريك في حق من حقوق الارتفاق الخاصة به، مثل الشرب والطريق (وهذا ما قد يُسمَّى بالخليط)، ثم للجار بعد هذين، وهم يستدلون لذلك بقول الرسول : «جار الدار أحق بالدار.» وبقوله: «الشريك أحق من الخليط، والخليط أحق من الجار، والجار أحق من غيره.» وبقوله فيما رواه عبد الملك بن مروان عن عطاء عن جابر رضي الله عنهم: «الجار أحق بسَقَبه.»٢٠ (وفي رواية: أحق بشفعته) يُنتظر بها وإن كان غائبًا، إذا كان طريقهما واحدًا.
وهذا الحديث كما يقول السرخسي، من أقوى ما يُستدل به، فإنه لا شبهة في صحة هذا الحديث؛ لأن عبد الله بن مروان كان من أهل الحديث، وعطاء ابن أبي رباح إمام مطلق في الحديث، وجابر رضي الله عنه من كبار الصحابة رضوان الله عليهم، فلا طعن في إسناد هذا الحديث، ولا وجه لحمل الحديث على الشريك (كما يرى الفقهاء الآخرون على ما سيأتي)؛ فإنه إذا حمل على الشريك كان هذا لغوًا، وإنما يكون مفيدًا إذا كان المراد جارًا هو شريك.٢١
وبعد هذا يذكر الإمام سراج الدين عمر الغَزْنَوي الحنفي المتوفى عام ٧٧٣ﻫ، أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على استحقاق الشفعة بالجوار؛ حتى قال علي وابن مسعود رضي الله عنهما: إنه قضى رسول الله بالشفعة بالجوار، وكتب عمر رضي الله عنه إلى شُريح أن يقضي بالشفعة للجار الملاصق.٢٢

أما الفقهاء الآخرون، نعني الشافعية والمالكية والحنابلة وأهل الظاهر، فقد أجمعوا على أن حق الشفعة لا يثبُت إلا للشريك في المبيع نفسه؛ أي لا للشريك في حق من حقوق الارتفاق الخاصة ولا للجار بالطريق الأولى.

وهم يستدلون لما ذهبوا إليه بأن الشفعة حق ثبت على خلاف الأصل؛ لأن الأصل حرية المالك في أن يبيع لمن يشاء ولو لم يكن شريكًا أو جارًا له؛ وإذًا، فلا يصح التوسع في إعطاء هذا الحق، بل يجب الوقوف في ذلك على ما ورد به النص عن الرسول ، وفي هذا يروون أحاديث غير قليلة، ومنها: قضى رسول الله بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقفت الحدود، وصُرِّفت الطرق فلا شفعة.

وفضلًا عن الإمام الشافعي نفسه، نذكر لإثبات هذا الرأي من الشافعية الإمام الغزالي إذ يقول: «فلا شفعة للجار عندنا وإن كان ملاصقًا.»٢٣ والرملي يُصرِّح بهذا أيضًا فيقول: «ولا شفعة إلا لشريك في العقار ولو ذمِّيًّا.»٢٤ ويوجب تأويل الأحاديث التي جاءت في إثباتها للجار، وذلك بحملها على الشريك لأن ملك كل شريك مجاورٌ لملك صاحبه، فكل منهما جار للآخر.٢٥

ونحن نرى أن الحكمة في إثبات حق الشفعة للشريك، وهو دفع الضرر عنه، يوجب إثباتها للجار أيضًا كما ذهب إليه الأحناف، وبخاصة ولن يضارَّ البائع ولا الأجنبي الدخيل الذي اشترى المشفوع فيه: فالأول سيأخذ نفس الثمن الذي أخذ به المشتري الأجنبي، وهذا سيسترد ما دفعه من ثمن وتكاليف، والشريعة الإسلامية شريعة معانٍ وقياس، لا ألفاظ، فكيف وقد ورد الحديث بإثباتها للجار!

هذا من ناحية الفقه الإسلامي، أما القانون المدني الجديد فإن المادة ٩٣٦ منه جعلت للجار أن يأخذ بالشفعة في حالات خاصة، ومن هذه الحالات أن يكون للأرض المبيعة حق ارتفاق على أرض الجار، أو كان حق الارتفاق لأرض الجار على الأرض المبيعة؛ ومنها أن تكون أرض الجار ملاصقة للأرض المبيعة من جهتين، وأن تساوي في القيمة نصف ثمن الأرض المبيعة على الأقل.٢٦
وهذه مسألة أخرى في الشفعة يختلف فيها أبو حنيفة أيضًا وبعض الفقهاء، وهي خاصة ببعض ما يسقط الشفعة للشفيع بعد أن ثبت له الحق فيها، وقد ذكرها الإمام أبو يوسف بقوله: وإذا اشترى الرجل الدار وسمَّى (أي من الثمن) أكثر مما أخذها به، فسلَّم ذلك الشفيع، ثم علم بعد ذلك أنه أخذها بدون ذلك؛ فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو على شفعته؛ لأنه إنما سلَّم بأكثر من الثمن، وبه نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا شفعة له؛ لأنه قد سلَّم ورضي.٢٧
وقد زاد الإمام السرخسي هذه المسألة وضوحًا وأتى فيها بصور قد تبدو متقاربة ولكن الحكم يختلف فيها عند بعض الفقهاء، وهو كشأنه دائمًا يستدلُّ لكل رأي بذكر دليله الذي يستدل به صاحبه.٢٨

إنه أولًا: يذكر أنه لو أخبر الشفيع أن الثمن ألف درهم فسلَّم الشفعة، فإن كان أكثر فتسليمه صحيح، وإن كان أقل فله الشفعة. وقال ابن أبي ليلى: لا شفعة له في الوجهين؛ لأنه أسقط حقه بعدما وجبت له الشفعة ورضي بمجاورة المشتري، فليس له أن يطلب الشفعة وإبعاد المشتري بعد أن رضي به.

ثم يحتج بعد هذا لأبي حنيفة وأصحابه بأن الشفيع قد أسقط حقه، بشرط أن يكون الثمن ألف درهم؛ لأنه بنى تسليمه على ما أخبر به، فكأنه قال: سلَّمت إن كان الثمن ألفًا. وإنما أقدم على إسقاط حقه لغلاء الثمن في رأيه، أو لعدم استطاعته تحصيل الألف، وهذا المعنى لا يزول إذا كان الثمن أكثر من ألف، بل يزداد. فأما إذا كان الثمن أقل من ألف، فقد انعدم السبب الذي من أجله رضي بإسقاط حقه. فيكون له أن يطلب الشفعة.

وهذا لأن الأخذ بالشفعة شراء، وقد يرغب الإنسان شراء شيء ما بثمن معين، ولا يرغب إذا كان الثمن أكثر، ولو سلَّم الشفعة قبل الشراء كان تسليمه باطلًا؛ لأنه يكون قد تنازل عن حقٍّ لم يثبُت له بعد، إذ لم يوجد بعدُ سببه، والإسقاط قبل وجود سبب الوجود يكون لغوًا؛ مثله في هذا مثل الإبراء عن الثمن قبل البيع فيكون لغوًا لا أثر له.

وثانيًا، يعرض هذه الصور:
  • (أ)

    لو أخبر المشتري أن الثمن هو شيء من المكيلات أو الموزونات فرغب عن الشفعة وتنازل عنها، فإذا الثمن من جنس آخر أقل أو أكثر قيمة مما أخبر به أولًا، فهو على شفعته وله أن يطلبها؛ لأن الإنسان قد يتيسر له في الشراء جنس دون جنس من المثليات التي تدفع ثمنًا، فكأنه قال: سلمت الشفعة إن كان الثمن مقدار كذا مما يكال أو يوزن.

  • (ب)

    وكذلك لو أخبر أن الثمن شيء من القيميات، كعبد أو ثياب أو دابة مثلًا، فتنازل عن الشفعة، ثم ظهر له أنه كان شيئًا مكيلًا أو موزونًا؛ كان له أن يطلب بالشفعة؛ لأن للشفيع أن يأخذ المبيع المشفوع فيه بمثل ما اشتراه المشتري به إن كان الثمن له مثل، وإلا أخذ بقيمته؛ وقد يكون ميسورًا للشفيع — في هذه الحالة — أن يدفع الثمن مكيلًا أو موزونًا، ويتعذر عليه تحصيل الدراهم ليدفع ثمنًا.

  • (جـ)

    ولو قيل للشفيع: إن الثمن ألف درهم فتنازل عن الشفعة، ثم علم أنه مائة دينار قيمتها ألف درهم أو أقل أو أكثر؛ فعندنا هو على شفعته إن كان قيمتها أقل من الألف، وإلا فتنازله صحيح، وليس له أن يأخذ بالشفعة من جديد. وعلى قول زفر، هو على شفعته على كل حال من هذين الحالين؛ وذلك لأن الدراهم والدنانير جنسان من الأثمان؛ ولهذا يحل التفاضل بينهما في الصرف مثلًا، فكأنما قال: سلَّمت إن كان الثمن ألف درهم، فإذا تبيَّن له أن الثمن دنانير فهو على شفعته، كما في المكيلات والموزونات.

هذا هو رأي زفر واستدلاله عليه، ولكن أبا حنيفة ومن معه يرون أن الدنانير والدراهم جنسان، وإن اختلفا صورة، فالمقصود هو المالية والثمنية، واستبدال أحد النقدين بالآخر ميسور عادة، فلا يتقيد رضاه بالصورة، وإنما يتقيد بالمعنى وهو مقدار المالية؛ ولهذا يكون تنازله عن الشفعة صحيحًا إذا كانت مالية الثمن أقل مما قيل له، ولا يكون صحيحًا إذا كانت مساوية لما أخبر به أو تزيد عنه، وهذا لأن من لا يرغب في شراء الشيء بألف درهم لا يرغب كذلك في شرائه بمائة دينار قيمتها ألف درهم.٢٩

ونذكر من مسائل الخلاف في الشفعة أيضًا هذه المسألة، وهي إذا تزوجت امرأة على جزء من دار مثلًا، فهل يثبُت حق الشفعة للشريك في هذه الدار، أو لا يثبُت؟ يقول أبو حنيفة بأنه لا شفعة لأحد في هذه الحالة. ويرى ابن أبي ليلى أن له الشفعة، وحينئذٍ يدفع قيمة هذا الجزء. وعند الشافعي يثبُت للشريك حق الشفعة، ولكن عليه أن يدفع مهر المثل لا قيمة هذا النصيب.

ويحتج أبو حنيفة لمذهبه بأن الشفعة تجب في معاوضة مال بمال، وهذا الجزء الذي أخذته الزوجة بدل صداقها يعتبر بمنزلة الموهوب لها؛ لأن حق متعة الزوج بزوجته لا يُقدَّر بمال، وحينئذٍ لا تجب الشفعة.٣٠

أما الآخرون فيرون أن الغرض من الشفعة دفع ضرر الدخيل، وهذا متحقق هنا. ثم من الممكن أن نعرف ماذا يجب على الشفيع دفعه، بدل ما سيأخذه بالشفعة سواء أكان ذلك قيمة العقار على رأي ابن أبي ليلى، أم قيمة بدله عند الشافعي. والخلاف كذلك يجري فيما لو جعل النصيب من العقار بدل خُلع، أو أجرة عمل الطبيب أو المحامي مثلًا.

بيع الزرع قبل ظهور صلاحه

وقد اعتاد بعض كبار تجار الخضر والفاكهة عندنا بمصر وفي غير مصر، أن يشتري الواحد منهم ثمار هذه القطعة من الأرض قبل أن تنضج وتصير صالحة للاستهلاك على أنها خضروات وفواكه، فهل هذا العقد يعتبر صحيحًا؟

هذه مسألة اختلف فيها الفقهاء، بناء على اختلافهم في اشتراط وجود البيع حين العقد، أو عدم اشتراطه. وقد تعرَّض لها الإمام أبو يوسف فقال: إذا اشترى الرجل ثمرًا قبل أن يبلغ، من أصناف الغلَّة (أو الثمار كما في المبسوط) كلها، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه قال: إذا لم يشترط ترك ذلك الثمر إلى أن يبلغ فإن البيع جائز، ألا ترى أنه لو اشترى فصيلًا.٣١ يفصله على دوابه قبل أن يبلغ كان ذلك جائزًا!
ولو اشترى شيئًا من الطَّلْع.٣٢ حين يخرج فقطعه كان جائزًا: وإذا اشتراه ولم يشترط تركه فعليه أن يقطعه، فإذا استأذن صاحبه في تركه فأذن له في ذلك فلا بأس بذلك، وبه نأخذ، وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: لا خير في بيع شيء من ذلك قبل أن يبلغ. ولا بأس إذا اشترى شيئًا من ذلك قد بلغ أن يشترط على البائع تركه إلى أجَل، وكان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول: لا خير في هذا الشرط.٣٣
ويجب التنبه هنا إلى أن قولهم: لا خير في هذا العقد، معناه أنه فاسد، وكذلك قولهم: لا خير في هذا الشرط، معناه أنه فاسد فيفسد به العقد إذا كان من العقود التي تفسد بالشروط الفاسدة مثل عقود المعاوضات، فهكذا كان اصطلاح فقهاء ذلك العصر، وقد بيَّنا ذلك في كتابنا «عصر نشأة المذاهب» عند بحث مصطلحات الفقه وأصوله.٣٤ ولذلك نجد صاحب المبسوط، كما سنرى، يعبر عن تلك المسألة الأخيرة التي جاءت عن كلام أبي يوسف بقوله: فإن كانت الثمار قد بلغت؛ يعني انتهى عِظَمها فاشتراها بشرط الترك إلى أجل معلوم، فالعقد فاسد عندنا، وقال ابن أبي ليلى: العقد صحيح.
هذا وقد فرَّع الفقهاء من هذه المسألة فروعًا عديدة يختلف في بعضها الأحناف والشافعي، وفي بعضها يختلف أبو حنيفة وأبو يوسف مع محمد بن الحسن، على أنها كلها فروع تقع في الحياة العملية في أيامهم وأيامنا هذه؛ ولهذا نجيز لأنفسنا أن نطيل قليلًا بذكر بعضها:٣٥
  • (أ)
    إن باع البائع الثمر على الشجر بعد ظهوره ولكن لم يبدُ صلاحه بعدُ، وشرط أن يقطعه المشتري في الحال فينتفع به أيما انتفاع، كان العقد جائزًا وإن خالف في ذلك بعض الأحناف، وكذلك إذا باعه مطلقًا عن الشرط؛ أي لم يشترط قطعه أو بقاءه على الشجر حتى يكون صالحًا للاستهلاك باعتباره خضرًا أو فاكهة، يكون العقد جائزًا عند الأحناف.٣٦ وحينئذٍ يجب على المشتري قطعه للحال، خلافًا للشافعي، فعندنا يكون العقد غير جائز؛ لأنه ما دام لم يشترط القطع للحال، يكون العرف حَكمًا، وقد تعارف الناس في هذه الحالة ترك ما يُشترى على أصوله حتى يصل إلى أن يصير صالحًا للأكل، وإذًا يكون العقد غير جائز؛ وذلك لنهي النبي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، أو قال: حتى يُزهِي.٣٧ أو قال حتى تؤمَن العاهة.٣٨
  • (ب)

    ولو كان البيع من الخضر والفاكهة مثلًا قد بدا صلاحه، وكان البيع وقع بشرط تركه على أصوله، فإن كان لم يتناهَ عِظَمه، بأن كان لا يزداد بعد ذلك ولكن لم ينضج، كان البيع فاسدًا بلا خلاف؛ لأن هذا الشرط يتضمن استعارة الشجر والأرض وهما ملك البائع، فيكون ذلك صفقتين في صفقة واحدة، وقد نهى الرسول عن ذلك كما هو معروف!

    وأما إذا كان تناهى عِظَمه، فالبيع فاسد أيضًا عند الشيخين (أبي حنيفة وأبي يوسف)، وفي رأي محمد أنه يجوز استحسانًا لتعارف الناس هذه المعاملة ورضاهم بها، ولكن الشيخين يقولان بأن شرط الترك فيه منفعة للمشتري، والعقد لا يقتضيه، كما أنه شرط لا يلائم العقد (لأن مقتضى عقد البيع التسليم في الحال) ومثل هذا الشرط يكون فاسدًا، ويفسد العقد به. ثم إنهما بعد هذا لا يسلِّمان بأن هذا متعارف عليه في المعاملات، وإنما المتعارف التسامح بالترك من غير اشتراطه.

  • (جـ)

    وقد يشتري الإنسان هذه الخضراوات والفواكه، وقد بدا صلاح بعضها دون البعض، فما الحكم؟ البيع فاسد، على أصل الشيخين؛ لما يقتضيه شرط الترك من استعارة المشتري الأرض والشجر، فيكون هذا صفقتين في صفقة، وهو منهيٌّ عنه كما ذكرنا.

    وأما على رأي محمد بن الحسن من تحكيم العرف، فإنه إذا كان صلاح الباقي قريب الزمن كان العقد جائزًا؛ لأن العادة ألا تدرك الخضر والفواكه دفعة واحدة، بل على التعاقب بعضها بعد بعض، فصار كأنه اشتراه بعد إدراك الكل، ولكن لو كان يتأخر إدراك البعض عن البعض تأخيرًا فاحشًا وزمنًا طويلًا، كالعنب ونحوه كما يذكر صاحب البدائع، يجوز العقد في الثمار التي أدركت، ولا يجوز في الأخرى.

    على أن الإمام مالك بن أنس وبعض الفقهاء الأحناف أيضًا يجوِزون العقد فيما أدرك وما لم يُدرِك من الخضر والفاكهة، بل يجوزونه فيما لم يخرج منها تبعًا لما خرج وظهر، وذلك من باب الاستحسان وتيسيرًا على الناس في معاملاتهم، فإنهم تعاملوا بيع الكرم بهذه الصفة.٣٩ ولهم في ذلك عادة ظاهرة، وفي نزع الناس عن عاداتهم حرج بيِّن.٤٠ وهذا معناه، جواز أن يكون المعدوم موضوعًا لعقد البيع في الخضر والفواكه متى ظهرت البواكير.

والمهم عندنا في هذه المسألة بصورها المختلفة، إبراز ما رأيناه من اعتبار العرف في أحكام المعاملات، وذلك تيسيرًا للناس؛ ولذلك كان العرف عند كثير من الفقهاء أصلًا من أصول الأحكام، ولا عجب في هذا! فالدين يسر لا عسر.

المزارعة

وهذه مسألة تتعلق ببعض وسائل استغلال الأرض الزراعية؛ فمن له شيء من هذه الأرض له أن يزرعها بنفسه، وله أن يؤجرها لمن يريد بأجر معلوم مسانهة مثلًا؛ ولكن هل له أن يعطيها لغيره مزارعة، فيكون ما يخرج منها قسمة بينه وبين الزارع بالنصف أو الربع مثلًا؟

هذه مسألة تتعلق بضرب من استغلال الأراضي الزراعية لا تزال تجري عليه في أيامنا هذه في كثير من البلاد الإسلامية، ومع هذا فهي مسألة خلافية من قديم الزمان، وقد عرضها أبو يوسف فقال: «إذا أعطى الرجل أرضًا مزارعة بالنصف أو الثلث أو الربع، أو أعطى نخلًا أو شجرًا معاملة.٤١ بالنصف أو أقل من ذلك أو أكثر؛ فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هذا كله باطل؛ لأنه استأجره بشيء مجهول، «وكان» يقول: أرأيت لو لم يخرج من ذلك شيء، أليس كان عمله بغير أجر؟

وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: كل ذلك جائز، بلغنا عن رسول الله أنه أعطى «أرض» خَيْبر بالنصف فكانت كذلك حتى قُبض، وكذلك مدة خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وعامة خلافة عمر.

ثم يقول أبو يوسف بعد هذا: وبه (أي برأي ابن أبي ليلى) نأخذ. وإنما قياس هذا عندنا مع الأثر؛ ألا ترى أن الرجل يعطي الرجل مالًا مضاربة بالنصف ولا بأس بذلك! وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعن عبد الله ابن مسعود وعن عثمان بن عفان رضي الله عنهما، أنهم أعطوا مالًا مضاربة، وبلغنا عن سعد بن أبي وقاص، وعن ابن مسعود رضي الله عنهما، أنهما كانا يعطيان أرضهما بالربع والثلث.»٤٢
هذا، وقد تناول الإمام السرخسي هذه المسألة بكثير من العناية التي تستحقها؛ فذكر ما جاء فيها من الأحاديث عن الرسول ، ومن الآثار عن الصحابة رضوان الله عليهم، وما كان عليه العمل عندهم، ثم بيَّن آراء كل من الفقهاء المختلفين فيها واستدلال كل منهم لما ذهب إليه، وعُني ببسط رأي أبي حنيفة ووجهة نظره في المسألة، ونستطيع أن نلخص هذا البحث، الذي أطال فيه السرخسي، على هذا النحو:٤٣

لا خلاف في أن الرسول ترك يهود خيبر يعملون في أراضيهم على أن يتقاسم المسلمون وإياهم ما يخرج منها مناصفة، وأن هذا استمر مدة خلافة أبي بكر، ثم في خلافة عمر رضي الله عنهما، ومع ذلك يرى أبو حنيفة عدم جواز هذا العقد الذي يكون بين صاحب الأرض وبين من يزرعها على نصيب معلوم مما ينتج منها، فكيف هذا مع ما عمله الرسول ؟

إنه يرى أن النبي عليه الصلاة والسلام قد منَّ على أهل خيبر برقابهم وأراضيهم ونخيلهم، وجعل نصف ما يخرج من الأرض من الثمر ونحوه خراجًا عليهم، وأنه قال لهم حين افتتح ديارهم: «أقِرُّكم ما أقرَّكم الله، على أن الثمر بيننا وبينكم.» وفي هذا الحديث — كما يقول السرخسي — بيان ما جرى بين الرسول وبينهم كان على طريقة الصلح، وقد يجوز من الإمام «المعاملة» بين بيت المال وبين الكفار على طريق الصلح ما لا يجوز مثله فيما بين المسلمين، فيضعف من هذا الوجه استدلال مجيزي هذا العقد بما كان بين الرسول وبين يهود خيبر.

وبعد أن أوَّل أبو حنيفة صنيع رسول مع اليهود على هذا النحو، نراه يستدل لمذهبه بحديثين رُويا في المسألة عن رافع بن خديج رضي الله عنهما، وهما:
  • (أ)

    أن النبي مر بحائط (أي بستان) فأعجبه، فقال: لمن هذا؟ فقال رافع رضي الله عنه: لي، استأجرته. فقال عليه الصلاة والسلام: «لا تستأجره بشيء منه.»

  • (ب)

    أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن كراء المزارع بشيء مما يخرج منها، وقال لرافع هذا: ازرعها أو امنحها أخاك.

فهذان الحديثان يفيدان حقًّا النهيَ عن المزارعة والمعاملة؛ أي كراء الأرض بشيء مما يخرج منها كما يرى أبو حنيفة، ولكن لنا أن نلتفت إلى أن الحديث الثاني، إذا أخذه وحده قد يفيد عدم جواز تأجير المالك أرضه التي لا يستطيع أو لا يريد زراعتها بمبلغ معين من النقود كما نفعل في أيامنا كثيرًا، وبخاصة إذا جعلنا الأمر للوجوب في قوله : «ازرعها أو امنحها أخاك.» مع أن جواز هذا أمر معروف، لا يخالف فيه إلا بعض المتعسفين في آرائهم.٤٤ ومما يدل له ما جاء في الحديث الأول من قول رافع عن البستان: لي، استأجرته. واقتصار الرسول على نهيه عن استئجاره بشيء منه، لا عن الاستئجار مطلقًا.

ولهذا، لنا أن نقول إن الأمر في الحديث الثاني ليس للوجوب، وإنما المراد هنا — كما يقول السرخسي — الانتداب إلى ما هو من مكارم الأخلاق، بأن يمنح الأرض غيره إذا استغنى عن زراعتها بنفسه ولا يأخذ منها أجرًا على ذلك.

وإذا كان السرخسي قد بيَّن هكذا رأي الإمام أبي حنيفة، ووجهة نظره واستدلاله، فإنه يتعرض بتفصيل أيضًا إلى رأي مخالفيه، ويبيِّن أدلتهم لما ذهبوا إليه. إنه يذكر أولًا أمر إعطاء الرسول أرض خيبر لأهلها على النصف من الخارج منها، وأن هذا ما كان يفعل مثله كثير من كبار الصحابة بعد رسول الله.

ثم يقول بعد ذلك: «واعلم بأن المزارعة في جوازها اختلاف بين العلماء، وكان الخلاف في الصدر الأول والتابعين بعدهم، واشتبهت فيها الآثار عن رسول الله ؛ فجمع محمد رحمه الله ما نُقل من الآثار في ذلك، ثم بنى عليه بيان المسألة عن طريق المعنى.»٤٥

وبعد هذا ذكر كثيرًا من القائلين بجوازها، ومنهم علي ومعاذ رضي الله عنهما، ومنهم عمر رضي الله عنه الذي قال فيه رسول الله: «أينما دارَ عمرُ فالحقُّ معه.» فهو حجة في إجازة هذا العقد لمن يجيزه، وقد روى الضحاك عنه أنه كان يكري الأرض الجُرُز بالثلث والربع، وكان لا يرى بذلك أساسًا، والمراد بها الأرض البيضاء التي تصلح للزراعة، ومنهم أيضًا الزبير بن العوام، وسعد بن مالك، وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنهم جميعًا، وقد كان هذا من كبار فقهاء الصحابة.

وكان لعبد الله بن عمر موقف خاص انفرد به؛ فقد كان يرى جواز عقد المزارعة، وكان يتعامل به ولا يرى في ذلك بأسًا، حتى زعم — وهذا تعبير ابن عمر نفسه — رافع بن خديج أن رسول الله نهى عنها فتركها، وقد كان رضي الله عنه معروفًا بالزهد والفقه بين الصحابة ويرى السرخسي أن هذا إشارة منه إلى أنه يعتقد في المزارعة الجواز، ولكنه تركها لمطلق النهي الذي ورد عن رسول الله . وكم من حلال يتركه المرء عن طريق الزهد وإن كان يعتقد الجواز.٤٦
تلك هي آراء الفقهاء في هذه المسألة العملية الحيوية، وتلك هي أدلة كل من الفريقين، ولكلٍّ وجهةٌ هو مولِّيها، وإن كان الواضح أن رأي مخالفي أبي حنيفة هو الصحيح الواجب الاتباع، فإن الآثار مشتبهة في المسألة حقًّا، ولكن عمل أولئك الصحابة والعرف الذي جروا عليه، يجعلنا نرى أن الصحيح جواز هذا العقد، بل إنها؛ أي المزارعة، شريعة متوارثة لتعامل السلف والخلف، ذلك من غير إنكار كما يقول الكاساني.٤٧ والواقع يشهد بذلك حتى اليوم.

وما تعلَّل به الإمام أبو حنيفة من أن صاحب الأرض يكون قد استأجر المزارع بشيء مجهول، لا يصلح أن يكون دليلًا لعدم صحة هذا العقد، فالأمر في هذا كالأمر في المضاربة بشيء من المال يقدِّمه رجل لآخر يتَّجر به، على أن يكون الربح بينهما، فإن الربح حين العقد يكون مجهولًا طبعًا.

وقوله: أرأيت لو لم يخرج من ذلك شيء، أليس كان عمله بلا أجر لا يمنع من صحة العقد أيضًا؟ كالعامل مضاربة في المال إذا لم يربح يكون قد عمل بلا شيء، وكالمستأجر للأرض بمبلغ من النقود، ثم قد لا يخرج له من الأرض شيء، فيكون قد عمل بغير أجر، وقد خسر ما دفعه أجرة للأرض أيضًا.

رجوع المعير

وفي العارية مسائل كثيرة يختلف الفقهاء فيها، ونذكر منها مسألة جواز أو عدم جواز رجوع المعير في عاريته أرضه للبناء أو للزرع، وقد عرض الإمام أبو يوسف حالة أن تكون الإعارة للبناء هكذا:٤٨

وإذا أعار الرجل أرضًا يبني فيها، ولم يوقِّت وقتًا، ثم بدا له أن يخرجه منها بعد ما بنى، فإن أبا حنيفة كان يقول: يخرجه، ويقال للذي بنى انقُض بناءك، وبهذا نأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: الذي أعاره ضامن لقيمة البناء، والبناء للمعير، وكذلك بلغنا عن شريح. فإن وقَّت له وقتًا، فأخرجه قبل أن يبلغ ذلك الوقت فهو ضامن لقيمة البناء في قولهما وفي بعض نسخ «الأصل» للإمام محمد بن الحسن الشيباني: «في قولهم».

ويذكر هذه المسألة الإمام محمد بن الحسن في كتابه «الأصل» هكذا:٤٩

رجل استعار من رجل أرضًا على أن يبني فيها، أو على أن يغرس فيها نخلًا، فأذن له صاحبها في ذلك، ثم بدا له أن يخرجه، فله ذلك عندنا.

ثم يشرح السرخسي ذلك، مبينًا مخالفة مالك من ناحية، وابن أبي ليلى من ناحية أخرى، ويذكر لكل من الجميع وجهة نظره ودليله في شيء من التفصيل كما تعودنا منه.

فهو يذكر أن الإمام مالك بن أنس يرى أنه ليس للمعير أن يخرج المستعير حتى ينتهي البناء أو الغراس؛ لأن المستعير لم يتعدَّ إذ بنى أو غرس، ما دام قد أذن له صاحب الأرض في ذلك، فلا يلتزم إذًا بهدم ما بنى أو قلع ما غرس من الشجر، ومن الحق أن صاحب الأرض يتضرر بهذا، ولكنه قد رضي بالتزام ذلك.

ولكن أبا حنيفة وصاحبيه يقولون بأن الإعارة عقد تبرُّع، وعقود التبرعات من العقود غير اللازمة بطبيعتها؛ لأنه ما على المحسنين من سبيل. فللمالك إذًا أن ينتفع بأرضه متى شاء، والمستعير يعلم أنه شغل ملك غيره من غير حق يجعل ذلك لازمًا له، فعليه لذلك أن يفرغ الأرض مما شغلها به، متى طلب ذلك صاحبها، دون أن يضمن هذا شيئًا له.

أما ابن أبي ليلى، فيرى أن لصاحب الأرض أن يأمر المستعير بهدم البناء أو قلع الغراس متى شاء، ولكن عليه أن يضمن قيمة هذا وذاك، حتى لا يضار أحدهما؛ إذ بهذا تسلم الأرض لصاحبها، ويأخذ المستعير قيمة بنائه أو غرسه.

هذا إذا لم يحدد صاحب الأرض زمنًا للعارية، فإن فعل، ثم بدا له فسخ العقد قبل هذا الأجل، كان عليه للمستعير ضمان قيمة بنائه وغرسه عند الإمام وصاحبيه. ولكن «زُفَر» وهو من الأحناف، يرى حتى في هذه الحال أنه لا ضمان على المعير؛ لأن التوقيت بزمن معين في عقد العارية لا يجعله لازمًا على خلاف طبيعته.

ولكن أبا حنيفة ومن معه يرون أنه بتحديد زمن العارية، ثم بطلبه فسخها قبل هذا الأجل، يصير غارًّا للمستعير الذي ما كان ليتكلف البناء والغرس لوكان لم يوقِّت للإعارة وقتًا معينًا، ولمن اغترَ بفعل من غيره أن يدفع عن نفسه الضرر، وهذا يكون هنا بتضمين صاحب الأرض قيمة البناء والغراس.

ومن ذلك الذي عرفناه، نرى أن الإمام أبا حنيفة يتمسك بالقواعد العامة للعقود، ومنها أن عقود التبرعات غير لازمة؛ على حين أن الإمام مالكًا يرى أن عقد العارية قد يكون لازمًا أحيانًا، حتى لا يضار المستعير بلا ذنب جناه؛ وأن ابن أبي ليلى يرى أن عقد العارية غير لازم حقًّا، ولكن دفع الضرر واجب، وهذا يكون بتضمين المعير قيمة البناء والغراس إذا أراد أن يخرج المستعير قبل انتهائه.

ونحن نميل إلى ما ذهب إليه غير الأحناف، وبخاصة أن الإذن بالبناء أو الغرس معناه صراحة توقيت وقت للعارية، وعهد من المعير ألا يخرج المستعير قبله، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، ويقول أيضًا: وَأوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا، ورسول الإسلام يقول: «لا ضرر ولا ضرار.»

زواج امرأة الغائب

وفي ناحية «الأحوال الشخصية» قد يحدث أن يغيب زوج عن امرأته حتى لا يُدرى مكانه، ثم يُنعى إليها فتتزوج من غيره وتجيء منه بولد، ثم يجيء بعد ذلك زوجها الأول الذي قيل إنه مات؛ فلمن يكون هذا الولد، الزوج الأول أم للثاني؟

هنا يقول أبو يوسف: إن أبا حنيفة كان يقول: الولد للأول وهو صاحب الفراش، وقد بلغنا عن رسول الله أنه قال: «الولد للفراش وللعاهر الحجر.» وكان ابن أبي ليلى يقول: الولد للآخر … وكذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبه (هكذا يقول أبو يوسف) نأخذ.٥٠
وإذا كان أبو يوسف ذكر المسألة مجملة هكذا في العرض والاستدلال، ودون تفصيل لما إذا جاءت الزوجة بالولد لستة أشهر من زواجها بالآخر، أو لأقل، أو لأكثر، فإن السرخسي تعرَّض لهذا كله وذاك كله؛٥١ وذلك إذ يذكر أن الولد يكون للزوج الأول، سواء أجاءت به لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني أم لأكثر؛ لأن الأول هو صاحب الفراش الصحيح، والزوج الثاني هو صاحب الفراش الفاسد إذ تزوجها وهي متزوجة بغيره، ولا معارضة بين الصحيح وبين الفاسد، بل هذا يكون مدفوعًا بذاك، وتكون المرأة مردودة على الزوج الأول، والولد ثابت النسب منه.
أما ابن أبي ليلى فيقول: إن النسب يثبُت بالفراش الفاسد، كما يثبُت بالفراش الصحيح، ثم الزوج الثاني أقرب إليها من الأول، والولد مخلوق من مائه حقيقة، فيترجَّح جانبه بسبب القرب واعتبارًا للحقيقة.٥٢
ثم يذكر السرخسي بعد ذلك القصة التي استشهد بها ابن أبي ليلى، وهي أن رجلًا من حفص زوَّج ابنته من عبيد الله بن الحر، ثم انحاز زوجها إلى معاوية رضي الله عنه ولحق به، وأطال الغيبة على امرأته، ومات أبوها، فزوَّجها إخوتها من آخر، وبعد ذلك جاء زوجها ابن الحر، فخاصم الزوج الثاني إلى علي رضي الله عنه، فقال له علي، أما إنك المُمالي علينا عدونا! فقال، أيمنعني ذلك من عدلك؟ فقال: لا. فقضى بالمرأة له، وقضى بالولد للزوج الآخر.٥٣
هذا فيما يختص بالخلاف بين أبي حنيفة وابن أبي ليلى؛ أما فيما يختص بأبي حنيفة وصاحبيه، فإن أبا يوسف يفرِّق بين ما إذا جاءت الزوجة بالولد لأقل من ستة أشهر منذ زواجها بالثاني، وما إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدًا؛ ففي الحال الأول يُثبت الولد للزوج الأول؛ لأنه لا يمكن فعلًا أن يكون من الثاني، وفي الحال الثاني، يكون الولد للزوج الثاني؛ لأن النكاح الفاسد يلحق بالصحيح في حكم النسب، فباعتراض الثاني على الأول ينقطع الأول في حكم النسب، ويكون الحكم للثاني، والتقدير فيه يكون بأدنى مدة الحبل اعتبارًا للفاسد بالصحيح.٥٤

وعند محمد بن الحسن يجعل التفرقة بين ما إذا جاء الولد لأكثر من سنتين منذ دخل بها الثاني، وبين ما إذا جاء لأقل من سنتين من ذلك التاريخ؛ ففي الحال الأولى يكون الولد للزوج الثاني؛ لأنه لا يمكن حينئذٍ أن يُتوهم أنه من ماء الزوج الأول؛ على حين أنه في الحال الآخر كان هذا ممكنًا، فيثبُت النسب منه، لاحتمال أن الولد كانت قد علقت به أمه من زوجها الأول.

ولعل الحق — في رأينا — في جانب أبي يوسف، أو في جانب محمد بن الحسن؛ لأنه في الغالب من الأحوال، إن لم نقل من المتيقَّن به غالبًا، أن يكون الولد من الزوج الثاني إذا جاءت به لتسعة أشهر أو لأكثر منذ زواجها به؛ فكيف نحكم به للأول على رأي أبي حنيفة! ولأنه لا يعقل أن يكون الولد قد علقت به أمه من الزوج الثاني حقيقة، ولو جاءت به لأقل من ستة أشهر من زواجها به؛ فكيف نحكم به له على رأي ابن أبي ليلى؟

في الوصية

وهذه مسألة من باب الوصية اختلف فيها محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى مع الإمام أبي حنيفة وصاحبيه، وقد عرضها أبو يوسف هكذا إذ يقول: وإذا أوصى الرجل بسكنى دار أو بخدمة عبد أو بغلَّة بستان أو أرض، وذلك ثلثه (أي ثلث ما ترك من ميراث) أو أقل، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: «ذلك جائز.» وبه نأخذ (أي بقول أبي حنيفة يأخذ أبو يوسف، ومحمد بن الحسن أيضًا). وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجوز ذلك. والوقت وغير الوقت في قول ابن أبي ليلى سواء؛٥٥ أي لا يجوز شيء من ذلك موقَّتًا ولا غير موقَّت.

ويحتج ابن أبي ليلى لما ذهب إليه، بأن الموصي مملِّك ما يريد أن يملكه للموصى له بإيجابه، مثل الوصية في هذا مثل كل سائر العقود، وهذا التمليك لا يصح منه فيما لا يكون مملوكًا له حين الإيجاب، والغلَّة التي تحدث بعد موته لا تكون مملوكة له بل للورثة، فتبطل وصيته بها.

ولكن الإمام وصاحبيه يقولون بأن المنفعة تحتمل التمليك حال الحياة ببدل وبغير بدل، فيجعل التمليك بعد الموت كذلك جائزًا أيضًا؛ وهذا لأن العين التي يوصى بمنفعتها تبقى على ملكه حتى تكون مشغولة بتصرُّفه موقوفة على حاجاته، فتحدث المنفعة من هذه الناحية على ملكه، وإذًا تصح الوصية بها. ولا ينبغي أن نخلط بين الوصية والميراث؛ فإن الميراث لا يجري في المنافع دون الرُّقبى؛ لأن الوارث يخلف المورِّث ويقوم مقامه فيما كان ملكًا له، وهذا لا يُتصور إلا فيما يبقى وقتين أو زمنين، وليست المنافع كذلك؛ لحدوثها مع الزمن آنًا فآنًا، على حين أن الوصية قد تكون بالرُّقبَى، كما تكون بالغلة والمنفعة فتصح إذًا بما يحدث حال الوفاة من هذه.٥٦

وواضح أن العمل في هذه الأيام، كما كان فيما مضى دائمًا، يجري على رأي الإمام وصاحبيه؛ تصحيحًا لتصرفات الإنسان بقدر الإمكان، وتيسيرًا على الناس في تصرفاتهم ومعاملاتهم، ورفقًا بالموصى لهم؛ وفي هذا ثواب للموصى بطبيعة الحال.

ميراث الأخ مع الجد

وأخيرًا، نختم هذا الفصل بمسألة من باب الميراث جرى فيها الخلاف أيام الصحابة، ثم امتد إلى أيام الأئمة، وقد عرضها أبو يوسف هكذا: وإذا مات الرجل وترك أخاه لأبيه وأمه وجدِّه، فإن أبا حنيفة كان يقول: المال كله للجد وهو بمنزلة الأب في كل ميراث. وكذلك بلغنا عن أبي بكر الصديق، وعن عبد الله بن عباس، وعن عائشة أم المؤمنين، وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، أنهم كانوا يقولون: الجد بمنزلة الأب إذا لم يكن له (أي المتوفى) أب. وكان ابن أبي ليلى يقول في الجد، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: للأخ النصف وللجد النصف. وكذلك قال زيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أن الجد في هذه المنزلة.٥٧ هذا وقد قال الصاحبان أبو يوسف ومحمد بن الحسن بقول ابن أبي ليلى.

ونقول: إن معنى هذا أن أبا بكر ومن ذهب إلى رأيه كانوا يرون أن الجد يحجب الإخوة فلا يرثون معه، كما لا يرثون مع الأب بنص الكتاب والسنة. لكن غيره من الصحابة، مثل عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود، رضي الله عن الجميع، كانوا يرون أن الجد ليس في الحقيقة أبًا؛ فهو لا يحجب الإخوة، بل لهم معه في التركة نصيب معروف.

•••

ولعل أبا بكر نظر إلى قوله تعالى: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. مع أن يعقوب هو وحده الذي كان الأب له، دون إسحاق وإبراهيم عليهم جميعًا السلام؛ إذ كانا جدَّين. أما عمر ومن معه رضوان الله عليهم، فقد نظروا إلى الحقيقة، لا إلى المجاز؛ ولذلك نرى أن رأيهم الذي استند إليه ابن أبي ليلى والصاحبان هو الصحيح، والأولى بالاتباع، وهو الواقع فعلًا فيما مضى وفي هذه الأيام.

وبعدُ، تلك صور من الخلاف بين الفقهاء في عصر أبي حنيفة، وقد تناولت كثيرًا من أبواب الفقه ومسائله، وهناك صور غيرها لا يستطيع باحث حصرها، وقد أُلِّفت فيها كتب عديدة، ولكن رأينا فيما ذكرناه منها كفاية لإثبات ما نريد.

فقد رأينا فيها: لمَ كانوا يختلفون، وكيف كانوا يختلفون، وكيف كان يستدل كل منهم لما ذهب إليه مع تقدير رأي مخالفه واحترامه. كما رأينا ما كان للحديث والآثار وآراء الصحابة والتابعين من سلطان، وأن العرف كان له سلطانه أيضًا، وإلى جانب هذا كان — رعاية في التيسير ورفع الحرج وبخاصة في المعاملات — له اعتباره وتقديره.

ولعلنا لمسنا من تلك الصور مقدار ما كان من حيوية للفقه والفقهاء في هذا العصر، ولعلنا نأخذ من ذلك عبرة وقدوة صالحة، فلا نرى حرجًا في أن نخالف أسلافنا الأمجاد، وإن كانوا أعلى منا كعبًا في الفقه والاستنباط، كما كان يختلف التلاميذ مع شيوخهم في ذلك العصر؛ فبهذا يتقدم الفقه، وبهذا يغدو حقًّا صالحًا لكل زمان ومكان، ونجد منه حلولًا لمشاكل هذا العصر وكل عصر.

وقد آن لنا أن ننتقل إلى الفصل الأخير من هذا البحث، وهو بيان أثر أبي حنيفة فيمن بعده من تلاميذه المباشرين، ومن كبار الفقهاء الآخرين ثم مآل مذهبه.

١  اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، ص١٦٤–١٦٧، ٢٢٢-٢٢٣.
٢  المبسوط للسرخسي، ج٩: ٨٣، ١٠١-١٠٢.
٣  اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، ص٦٩-٧٠.
٤  راجع أحكام القرآن للجصاص، ج١: ٥٩٨ وما بعدها، وانظر سنن أبي داود، ج٣: ٤١٥-٤١٦، والروض النضير، ج٣: ٤١٥ وما بعدها؛ ففيهما أحاديث وآثار ونُقول عن الفقهاء الأوائل فيمن تُردُّ شهادتهم لمظنة التهمة والميل عن الحق.
٥  محاضرات في تاريخ الفقه الإسلامي، فقه الصحابة والتابعين، ص١٠٥–١٠٧.
٦  أعلام الموقعين، ج١: ٩٧. وراجع الروض النضير، ج٣: ٤٢٢، في إجازة سيدنا عمر وغيره شهادة الابن لأبيه والعكس.
٧  كتاب الآثار، ص١١٢.
٨  ج٦: ص٣١؛ وراجع نصب الراية للزيلعي، ج٤: ٨٢.
٩  راجع في كل هذه النقول ومن المسألة بتمامها، المبسوط، ج١٦: ١٢١ وما بعدها، وانظر أيضًا الغرة المنيفة، من ١٩٤-١٩٥.
١٠  الإخلاف، ص١٥٨-١٥٩.
١١  المبسوط، ج١٦: ٩٢.
١٢  البدائع، ج٥: ٢٥٢.
١٣  ص٩٧–٩٩.
١٤  اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، ص١٥، وراجع المبسوط، ج١٣: ٩٣.
١٥  المبسوط، ج١٣: ٩١-٩٢.
١٦  المبسوط، ج١٣: ٩٢-٩٣.
١٧  لعله يعني اتفاق الصحابة لا اتفاق الفقهاء، وإلا يكون في الاستدلال مصادرة.
١٨  سيرة ابن هشام، طبعة المكتبة التجارية، ج٤: ٥٥.
١٩  الميلغة: خشبةٌ تُحفر، ثم تُتَّخذ ليَلِغَ فيها الكلب.
٢٠  السقب: القرب. وفي تفسير مرفوع إلى الرسول أنه الشفعة.
٢١  المبسوط، ج١٤: ٩٢ ويراجع فيما بعدُ هذا في المسألة بتمامها.
٢٢  الغرة المنيفة، ص١١٦. ويراجع في المسألة كلها، مختصر الطحاوي، ص١٢٠، البدائع، ج٥: ٤-٥، الهداية للمرغنياني، ج٤: ١٨-١٩، ابن عابدين، ج٦: ١٤٤-١٤٥.
٢٣  الوجد، ج١: ٢١٥.
٢٤  نهاية المحتاج، ج٤: ١٤٥.
٢٥  راجع عند المالكية، الشرح الصغير للدودير، ج: ٢٤٩-٢٥٠؛ وعند الحنابلة، كشاف القناع، ج٢: ٣٧٥، وانظر عند الظاهرية، المحلى لابن حزم، ج٩: ٨٢، ٨٣، ١٠٢ وما بعدها. وراجع أخيرًا، أعلام الموقعين لابن القيم، ج٢: ٨٥ وما بعدها؛ حيث عرض المسألة عرضًا وافيًا، وانتهى إلى رأي وسط هو إثبات حق الشفعة للجار إذا كان شريكًا أيضًا في حق من حقوق الارتفاق الخاصة مثل الطريق والشرب.
٢٦  أثارت هذه المادة جدلًا شديدًا، أبان عن وجهات نظر مختلفة، بين أعضاء لجنة وضع القانون، وكذلك في مجلس النواب، انظر مجموعة الأعمال التحضيرية، ج٦: ٣٥٩ وما بعدها.
٢٧  اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، ص٣٨.
٢٨  المبسوط، ج١٤: ١٠٥-١٠٦.
٢٩  ذكرنا الصورتين الأوليين، وإن كان السرخسي لم يحكِ خلافًا فيهما، لنكشف عن بعض جوانب براعة الفقهاء في التخريج والتطبيق على الأصول العامة.
٣٠  راجع في المسألة، اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، ص٣٥، والمبسوط، ج٥: ٧٨.
٣١  الفقهاء يسمون الزرع قبل إدراكه فصلًا مَجازًا.
٣٢  الطلع: ما يطلع من النخلة وهو الكِمُّ قبل أن ينشق وتظهر منه الثمرة، لأن الكِمَّ غلافها.
٣٣  اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، ص٢٠-٢١.
٣٤  راجع ص١٥٥ وما بعدها.
٣٥  راجع المبسوط، ج١٢: ١٩٥–١٩٧، وبدائع الصنائع، ج٥: ١٣٨-١٣٩ وص١٧٣-١٧٤؛ الزيلعي، ج٤: ١٢.
٣٦  لأن مطلق العقد يقتضي تسليم المعقود عليه في الحال، فهو وشرط القطع سواء.
٣٧  زها الثمر مثلًا؛ أي احمر واصفر، وهذا بدء صلاحه وأمنة العاهة.
٣٨  يُؤَوِّل الأحناف هذا الحديث بأنه ورد في البيع بشرط الترك، بدليل قوله : «أرأيت لو منع الله تعالى الثمرة، بمَ يستحل أحدكم مال أخيه!» وإنما يتوهم هذا إن اشترى بشرط الترك إلى أن يبدو صلاحه، كما قال صاحب المبسوط (ج١٢: ١٩٥).
٣٩  وكذلك الباذنجان والبطيخ ونحوهما من الخضر والفاكهة.
٤٠  المبسوط، ج١٢: ١٩٧، ومواهب الجليل والتاج والإكليل على هامشه، ج٤: ٢٩٤، البدائع، ج٥: ١٣٩.
٤١  المعاملة كالمزارعة: إلا أنها تختص بالأرض فيها نخل أو أشجار الفاكهة، وقد تُسمَّى المساقاة أيضًا.
٤٢  اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، ص٤١-٤٢.
٤٣  المبسوط، ج٢٣: ٢ وما بعدها.
٤٤  المبسوط، ج٢٣: ١٣.
٤٥  نفسه، ص٩.
٤٦  المبسوط، ج٢٣: ١٣.
٤٧  البدائع، ج٦: ١٧٥.
٤٨  الاختلاف، ص١٠٤.
٤٩  المبسوط، ج١١: ١٤١-١٤٢.
٥٠  الاختلاف، ص١٨٣-١٨٤.
٥١  المبسوط، ج١٧: ١٦١–١٦٣.
٥٢  لا ندري كيف يقال إن الولد مخلوق من ماء الثاني حقيقة إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر منذ زواجها به!
٥٣  هنا يقول أبو حنيفة إن هذا الحديث غير مشهور فلا يُترك به القياس الظاهر، ولو ثبت وجب القول به، المبسوط، ج١٧: ١٦٢.
٥٤  المبسوط، ١٧: ١٦٢.
٥٥  الاختلاف، ص٨١.
٥٦  المبسوط، ج٢٧: ١٨١.
٥٧  الأختلاف، ص٨٣-٨٤.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤