الفصل السادس

المواطن الأول والجيش والأسطول

ويصعب التثبت من صحة ما يروى من أخبار الجيش الروماني في أوائل عهد الملكية، فما تبقى من أخباره دُوِّنَ في الأزمنة المتأخرة وتلوَّن بآراء المتخلفين، ولكن لا غضاضة في القول: أن خدمة العلم كانت آنئذٍ من أقدس واجبات المواطن الروماني، وأن نفقات التسلح أبعدت الفقراء عن الجيش، وكادت تحصر الخدمة في طبقة الأغنياء، فجاء «سرفيوس توليوس Servius Tullius» الملك السادس وتلافى هذا النقص، فقسم الشعب إلى فئات على أساس المقدرة على التسلح، فجعل الأغنياء فرسانًا والفقراء مشاة، ثم تطورت ظروف الدفاع والتوسع، فقضت بخدمة عسكرية طويلة دامت ست عشرة سنة، فاضطرت الدولة في حوالي السنة ٤٠٠ق.م. أن تتحمل هي نفقات التسلح.
ولم ينضو في خدمة العلم في أثناء الحروب القرطاجية سوى مواطنين معينين، يملكون قدرًا معينًا من الأراضي، وينتظمون فرقًا تحت إمرة قناصل أو ترابنة عسكريين، وكان على «الحلفاء الإيطاليين Socii Italici» أن يقدموا أعدادًا تساوي ما قدمته رومة، وعرف هؤلاء ﺑ «الألاي alae»، وخضعوا لإمرة «نظار praefecti» نصفهم من الموظفين الرومانيين، وكان يهرع إلى خدمة العلم في الملمات جميع الرومانيين على اختلاف طبقاتهم وصنوفهم، حتى الأرقاء، وجاءت ظروف ماريوس وإصلاحاته، ففتحت أبواب التطوع أمام جميع المواطنين، وتحررت إيطالية، فدخل الإيطاليون في صفوف الفرق الرومانية، وألغيت فرقهم الخصوصية، وأصبح الجيش الروماني مؤلفًا من فرق المواطنين ومن «المساعدين auxilia» من خارج إيطالية، وكان ما كان من أمر الثورة في القرن الأول قبل الميلاد، فطالت مدة القيادة حتى بلغت عشر سنوات، وتحوَّل الجيش إلى جيوش تأتمر بإمرة قائد واحد دون سواه، وتقسم له يمين الولاء.

(١) توحيد القيادة

وأبعد أوغوسطوس الشيوخ عن الجيش، ولم يسمح لهم بالانتماء إليه، وكان الشعب ينتقي أربعة وعشرين ضابطًا كبيرًا tribune militum a populo، فألغى أوغوسطوس هذا العرف أيضًا، وكانت القيادة العليا في عهد الجمهورية تعقد للقنصلين الحاكمين، فألغى أوغوسطوس هذا التدبير أيضًا، وحصر القيادة في شخص المواطن الأول، وعيَّن لكل فرقة قائدًا legatus legionis، وجعله مسئولًا عن جميع أعماله له وحده.

(٢) دوام الخدمة

وقضى دوام سلطة أوغوسطوس البروقنصلية بدوام الجيش الذي انضوى تحت لوائه، وكانت الفرق قبل عهده تنظم لظروف خصوصية تنشأ بين آونة وأخرى، وكانت الفرق تسرَّح لدى قيامها بالمهام الموكولة إليها، ولكن عندما بدأ الجيش يحارب في مناطق بعيدة عن العاصمة، ويناضل ضد جيوش آسيوية منظمة دائمة، استمرت الفرق في الخدمة مدات أطول بكثير من ذي قبل، وقضى اتساع رقعة الإمبراطورية وتعدد الأعداء وتنوعهم بإبقاء حرس دائم في معسكرات دائمة، فوافقت هذه الظروف كلها رغبة أوغوسطوس في دوام سلطته، وأدت إلى تنظيم جيش دائم لأول مرة في تاريخ رومة.

(٣) الفرق الرومانية الدائمة

وبدأ أوغوسطوس إصلاحه العسكري بتسريح العناصر المتمردة المتنمردة، التي كانت قد خاضت معارك الثورة، وشعرت بأهميتها، فنبذت الأوامر وراء ظهرها، فأجزل أوغوسطوس لهؤلاء العطاء من غنائم الفتح والنصر، وأقطعهم الأراضي، وسرَّح منهم حوالي ثلاثمائة ألف مقاتل، ثم أنشأ ابتداءً من السنة ١٥ق.م. خمسًا وعشرين «فرقة legio» رومانية أو أكثر قليلًا، وعُرفت بأرقام متسلسلة وأسماء معينة، ووزعت على الإمبراطورية ﮐ «الخامسة المقدونية V Macedonia»، و«الثامنة الأوغوسطية VIII Augusta»، اللتين استقرَّتا في بيروت،1 وتألفت كل «فرقة legio» من ٦١٠٠ ماشٍ و٧٢٦ فارسًا، وقسمت إلى عشرة «أفواج cohortes»، والفوج إلى «سرايا centuriones»، وكان الفوج في الفرقة الأولى مؤلفًا من ألف milliaria ماش، وأما في التسع الباقية فمن خمسمائة quingenariae، ما عدا الفوج الأول حامي العلم وصورة الإمبراطور، في كل منها، فإنه تألف من ألف كما في الفرقة الأولى.
وأوجب أوغوسطوس تأليف هذه الفرق كلها من مواطنين رومانيين، يتطوعون لخدمة العلَم والإمبراطور لمدة محددة تتراوح بين عشر سنوات وعشرين سنة، وجعل أجرهم اليومي دينارًا رومانيًّا واحدًا، دفعه من الخزينة البروقنصلية لا العامة، ومَنَحهم عند تسريحهم ثلاثة آلاف دينار، وأقامهم مزارعين في إحدى المستعمرات، ولم يشجعهم على التزوج في أثناء الخدمة؛ ليسهل عليهم الانتقال عند الحاجة، وأسند أوغوسطوس قيادة الفرقة إلى حاكم أو «قاضٍ practor»، تولى الحكم والقضاء سنة واحدة على الأقل، وعُرف باللقب legatus legionis، وجاء بعده قادة الأفواج فعُرفوا باللقب tribune militum، فقادة «السرايا centuriones»، وكان هؤلاء في غالب الأحيان قد تدرجوا في الخدمة، وعرفوا الجنود والحياة العسكرية، فأمسوا خبراء لا بد من الرجوع إليهم في الملمات والاستماع لآرائهم ومشورتهم، ولا نعلم بالضبط مقدار المعاشات التي تقاضاها الضباط، ولعل قائد المائة تقاضى ضعف ما تقاضاه الجندي، وقائد الألف ضعف الضعف.2

(٤) فرقة الحرس

واعتبر أوغوسطوس نفسه قائد القوات الأعلى، فكان لا بد له من مقر عسكري عام عُرف باﻟ practorium، ومن حرس لشخصه، أُطلق عليه الاسم cohors practoria فوج المقر العام، وتألف هذا الحرس من مواطنين رومانيين من لاتيوم واترورية وأومبرية والمستعمرات في قلب إيطالية، وجُعلوا تسعة أفواج، ثلاثة في رومة وستة في سائر أنحاء إيطالية، وبلغت جُعالتهم ضعف جماكية العساكر العاديين، ومُنحوا عند تسريحهم خمسة آلاف دينار، وتولى قيادتهم ترابنة عينهم أوغوسطوس نفسه.3
وأضاف أوغوسطوس إلى هؤلاء فوجًا من الجنود المجربين، الذين انتقاهم من أفواج الجيش وفرقه، وأحاط نفسه أيضًا بفوج من المشاة الألمان، وكوكبة من الفرسان «البتافيين Batavi».
وأنشأ أيضًا حامية لموقع رومة، تألفت من أربعة أفواج من الإيطاليين، وجعل كل فوج من هؤلاء ألفًا وخمسمائة جندي، ولم يشيد لهم ثكنة معينة، أو حصنًا يهيمن على المدينة العاصمة، بل أسكنهم في بيوت عادية أو في بعض الأبنية العمومية، وكان لرومة بالإضافة إلى ما تقدم سبعمائة شرطي، عُرفوا ﺑ «الحراس vigiles».4

(٥) القوى المساعدة

وكما قضى توسع رومة في إيطالية بالاستعانة بالحلفاء وإدخال رجالهم في الجيش، كذلك قضى توسع رومة في خارج إيطالية بالاستعانة بسكان الولايات لتدعيم الجيش عند الحاجة، وازداد عدد هؤلاء «الجنود المساعدين auxilia» في أثناء الحرب الأهلية، فلما استتب الأمر لأوغوسطوس نظمهم مشاةً وفرسانًا، واستقدم معظمهم من إسبانية وغالية، ثم من سائر الولايات، ورأى بادئ ذي بدء، أن يبقيهم قريبين من أوطانهم؛ ليستفيد من معرفتهم لمحيطهم وخبرتهم في فنون القتال المحلية، وأقامهم إما «أفواجًا cohortes» من المشاة، وإما «أجنحة alae» من الخيالة، وقبلوا أجورًا أقل مما تناوله الجنود الرومانيون، فازداد عددهم حتى ساوى عدد هؤلاء.5
figure
رسالة الجندي ابيون المصري.
إن هذا لشاب مصري، دخل الجيش الروماني بعد عصر أوغوسطوس، في أوائل القرن الثاني، مع رهط من أترابه وأبناء قريته، وودَّع أسرته، وسافر من الإسكندرية إلى إيطالية في إحدى سفن الحكومة الكبرى، وبعد معاناة الأهوال في البحر وصل بسلام إلى «ميسينوم Misenum» الميناء الحربي بالقرب من نابولي، وأسرع في النزول إلى البر؛ لكي يتصور ويرسل إلى والده كتابًا مع الصورة، وكان الرقيم مكتوبًا على ورق البردي باللغة اليونانية بخط جميل، والذي كتبه كاتب عمومي بالأجرة، وهذا نص الرقيم: «من أبيون إلى أباخوس والده وسيده، أولًا: أرجو أن تكون بصحة جيدة، وأن تكون أحوالكم جميعًا أنت والشقيقة وابنتها وأخي حسنة دائمًا، أشكر الرب سيرابيس؛ لأنه أنقذني من خطر البحر، وحين وصلت إلى ميسينوم وصلني من الإمبراطور ثلاث قطع نقود ذهبية لنفقات السفر، وأنا مبسوط جدًّا، فأرجو منك يا سيدي الوالد أن تكتب إليَّ سطرًا، وأول كل شيء طمئني عن حالك، وثانيًا: طمئني عن حال أخي وشقيتي، وثالثًا: أقبل يديك بالاحترام؛ لأنك ربيتني تربية حسنة، ولي الرجاء بأني سأترقى سريعًا إذا شاءت الآله … سلِّم على كيتون وأخي وأختي وسرنلَّا وأصحابي، سأرسل إليك صورتي الصغيرة، اسمي أنطونيوس مكسيموس، أرجو أن تكون أحوالكم طيبة.» وعلى الهامش الأيسر حيث يرى سطران عموديان، أرسل سلام وتحيات رفقائه أولاد الضيعة، الذين انتظموا معه في الجيش، ثم طوى هذا الرقيم وخُتم، وأُرسل مع البريد الروماني العسكري، ووصل سالمًا، وقرأه والد الجندي وأسرته، وبعد أن توفي الأب — بعد سنتين — فقد الرقيم بين قمامة البيت، ووجده الأثريون المنقبون بين أنقاض جدران المنزل المتهدم، ووجد مع هذا الرقيم رقيم آخر مرسل من الشاب إلى شقيقته بعد ذلك بسنين، بعد أن كان قد عين مركزه على بعض الحدود الرومانية، وصار له زوجة وأولاد.

(٦) الأسطول

والغريب أن رومة كانت لا تزال، حتى عهد أوغوسطوس، تتغافل عن الأسطول وتتناساه، فلا تُعنى به إلا عند ظهور الخطر من البحر، فإذا ما زال الخطر زال الأسطول الذي أُعِد لتلافيه، وجاء أوغوسطوس يُؤمِّن الدولة فرأى — على حد تعبير تكيتوس — أن أمور الجيوش والولايات والأساطيل «متشابكة متواصلة cuncter inter se connexa»،6 ولا غرو فبطولة بومبايوس في البحر كانت لا تزال سارية على الأفواه، وجرأة سكستوس وحصاره البحري، وما نجم عنه من جوع وضيق في رومة نفسها كانت لا تزال في متداول الرواة وتناقل الركبان، وعلى الرغم من أن رومة كانت قد سيطرت على جميع شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وأنها كانت قد قضت على الأسطول الوحيد الباقي فيه أسطول البطالسة، فإن إمكانيات القرصنة كانت لا تزال كامنة في الصدور على أهبة التنفيذ في الظروف المؤاتية.
فأنشأ أوغوسطوس أسطولًا لتأمين البحر الأعلى، وجعل قاعدته في «راينية Rayenna»، وأعد مثله لتأمين البحر الأدنى في مياه نابولي عند «ميسينوم Misenum»،7 وأنزل إلى البحر في الغرب أسطولًا ثالثًا في مياه «فرايوس Frejus» في ساحل غالية الجنوبي، وخصَّ شرقي المتوسط بأسطولين، أحدهما في مياه فينيقية، والآخر في مياه مصر، وأمن الرين والدانوب بسفن نهرية حربية، ولا نجد في المراجع الأولية ذكرًا لأي إجراء مماثل يتعلق بالفرات.
وشحن أوغوسطوس السفن بالأرقاء والعتقاء «جنودًا classiarii» و«بحارة classici»، وانتقاهم من سكان السواحل الذين عرفوا البحر واخشوشنوا فيه،8 فأمست الخدمة البحرية أحط قدرًا من خدمة البر،9 وضبط أوغوسطوس التسلسل في السلطة، فجعل للأسطول صفوف ضباط لإمرة الجنود suboptio، وصفوف ضباط فنيين بحريين، لكل منهم عمل فني خصوصي يشرف عليه، ثم جاء «قادة السفن trierarchus»، و«قادة الإنزال إلى البر centurions classici»، وجاء فوق هؤلاء «الناظر praefectus»، ومعاونه وكبار رجال الملاحة الفنية «الربان navarchus»، واﻟ archigybernes وغيرهما.10

(٧) الحدود والأطراف الأوروبية

ولم يكن تدويخ إسبانية سهل المنال يسيرًا، فطبيعة أرضها وخشونة سكانها جعلتا من فتحها أمرًا وعر المرتقى، صعب الممارسة، ومع أن رومة بدأت أعمال الفتح في إسبانية في القرن الثالث قبل الميلاد، فإنها عالجت فيه شدة وعانت مشقة، ولم يتم لها ذلك تمامًا قبل عهد أوغوسطوس، فإنه اضطر أن يذهب بنفسه إليها، وأن يبقى فيها مدة من الزمن ٢٦-٢٥ق.م.، ولم تخضع قبائل «الكنتبري Cantabri» قبل السنة ١٩، وتطلبت مهارة أغريبة نفسه، وفي السنة ١٥ق.م. غدت «بايتيكة Baetica» المتحضرة في الجنوب ولاية سناتوسية لا تتطلب رقابة عسكرية شديدة، أما سائر أنحاء إسبانية، فإنها قُسِّمت ولايتين إمبراطوريتين «لوسيتانية Lusitania» و«تراكونة Tarraconensis»، واستوعبت خمس فرق كاملة، ثم تعهدها أوغوسطوس بعنايته وحكمته فشق الطرقات، وهدَّم القلاع، وأدخل الإسبانيين في خدمة العلَم، وأبعدهم عن بلادهم، فاستتب الأمن، وجلا الجيش، فلم يبق منه في كل إسبانية بعد السنة ٩ب.م. أكثر من ثلاث فرق.11
ورَقَبَ أوغوسطوس حدَّه الشمالي، ولم يُغفله طَرْفة عين، فإن بعض عشائر جبال الألب كانت لا تزال مُعرضة عن الطاعة مُنكبَّة، فالقائد الروماني «ترنتيوس فارو Terentius Varro» اضطر في السنة ٢٥ق.م. إلى محاربة قبائل «السلاسي Salassi» في عقر دارها في ممرات القديس برناردوس، وإلى إنشاء معسكر دائم فيها في «أوسطة Aosta» الحالية Augusta Praetoria القديمة، فرأى أوغوسطوس أن لا بد من الاستيلاء على جبال الألب لحماية حده الشمالي، فهيَّأ للفتح أسبابه، واستعان بآلاته، وأمر البروقنصل «سيليوس نرفة Silius Nerva» حاكم أليرية أن يستولي على جبال الألب الشرقية في السنة ١٦ق.م.، وأن يضم مملكة «نوريكوم Noricum» التيرول، ففعل، وفي السنة ١٥ق.م. فرض طيباريوس ودروسوس سلطة رومة على ما وقع بين جبال الألب ومجرى الدانوب الأعلى، وبعد ذلك بسنة واحدة دخلت جبال الألب الغربية في حوزة رومة، فشيد أوغوسطوس نصب النصر الذي لا يزال قائمًا فوق موناكو، وانتظمت مناطق الألب مُحَصَّليات خمس، يدبر شئونها «محصلون procuratores» يعينهم أوغوسطوس، وهذه المحصليات الخمس هي: الألب البحرية الغربية، والألب الكوتية، والألب البينية، ونوريكة، وراتية.12
figure
ترميم الليميس الحجري بين الرين والدانوب.
ووصلت جيوش رومة إلى الدانوب الأسفل في السنة ٢٩ق.م.، ولكن سطوة رومة لم تترك أثرًا يُذكر في صدور القبائل والعشائر الضاربة في البلقان، ففي السنة ١٢ق.م. ثارت تراقية، وتبعها في الوقت نفسه الدلماتيون والبنانيون، فرأى أوغوسطوس أن يجعل الحد الفاصل بينه وبين البرابرة خطًّا قصيرًا نسبيًّا يصل الدانوب بنهر «الألب Elbe» في ألمانية، فأخمد نيران الثورة في تراقية، وغزا جيشه بقيادة «كورنيليوس لنتلوس Cornelius Lentulus» و«آليوس كاتوس Aelius Catos» القبائل المجاورة عبر الدانوب، ونقل كاتوس خمسين ألفًا من «الغيتيين Getae» إلى موسية، وظلت القبائل الداقية تشن غارات عبر الدانوب إلى داخل البلقان، ولكنها لم تقلق راحة المواطن الأول، ولم تستوجب حربًا على نطاق واسع في عهده، ولا نزال نلمس صدى هذه الغارات في مخلفات الشاعر «أوفيديوس Ovidius»، الذي كان آنئذٍ منفيًّا مكرهًا على الإقامة في «توميس Tomis» قسطنزة الحديثة، فقد راعه أمر هؤلاء البرابرة ووجَفَ قلبه واضطرب.13
وتولى القيادة في الحرب البانونية (١٣–٩ق.م.) «فينيكيوس Vinicius» أولًا، ثم أغريبة، ثم طيباريوس، وتفاقم شر هذه الحرب، فنزع أوغوسطوس عن ولاية اليرية صبغتها السناتوسية، وجعلها ولايتين بانونية ودلماتية وربطهما بشخصه، وفي السنة التاسعة قبل الميلاد، وبعد قتال شديد تمكن أوغوسطوس من فرض سلطته في حوض الدانوب الأوسط وإملاء شروط الصلح إملاءً.
figure
يرى على اليسار في هذا الترميم باب الحصن، والصور الثلاثة الأخرى هي الثكن.
ولا نعلم الشيء الكثير عما جرى في حوض الدانوب الأعلى، أما في ألمانية الغربية، فإن دروسوس عبر الراين مرارًا على رأس خمس فرق رومانية، وغزا بها متجهًا نحو نهر الألب، ولكنه قُتل في السنة ٩ق.م.، فأسرع أخوه طيباريوس ليتولى القيادة محله، فوطد سلطته على ضفة الرين الشرقية في السنتين ٨ و٧ق.م.، وكانت غزوات دروسوس قد أجلت «الماركوماني Marcomanni» عن جنوب ألمانية، فاستقروا في بوهيمية، وامتنعوا فيها بزعامة ملكهم «ماروبودوس Maroboduus»، فكان لا بد من إخضاعهم قبل الاتجاه شطر نهر الألب، ثم حَرَدَ طيباريوس، واعتزل في رودوس، فأنفذ أوغوسطوس غيره لمتابعة القتال والتوسع في ألمانية، فلم يلقوا نجاحًا ملموسًا، وظلت الحال على هذا المنوال حتى خرج طيباريوس من عزلته، وتسلم مقاليد الأمور في السنة ٤ب.م.، فشحذ للحرب عزيمته، وتجهَّز لها، وزحف على بوهيمية وماروبودوس في السنة ٦ب.م.، وما كاد يبدأ القتال حتى اندلعت ثورة في بانونية، فصالح طيباريوس ماروبودوس، واعتبره صديقًا حليفًا، ووكل إليه أمر الدفاع عن حدود رومة عند الدانوب الأعلى، وقام هو إلى بانونية، وبعد قتال دام ثلاث سنوات تمكن من إخضاعها.14
وما كادت البشرى بإخماد الثورة في بانونية تثلج صدور الرومانيين، حتى ضاف الهم وسادهم وأسهرتهم أخبار ألمانية، فإن «فاروس Quinctilius Varus»، القائد الروماني الذي تولى شئون ألمانية بين الرين والألب أساء التصرف، فأوغر صدور زعماء القبائل واستوقد غيظهم، فحكموا بالمقاومة قولًا واحدًا، ووافقوا «أرمينيوس Arminius» زعيم قبيلة «الشيروسكي Cherusci» على الحرب، وفي أواخر صيف السنة ٩ب.م.، تظاهر بعضهم بشق عصا الطاعة، فساق فاروس الفرق السابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة إلى غابة «توتوبورغ Teutoburg»، حيث كمن العصاة، فحلت به وبرجاله هزيمة شنعاء، انتهت بمجزرة مخيفة وبانتحار فاروس، ولم يتمكن أوغوسطوس من حشد ما يكفي لإعادة هذه الفرق إلى حيز الوجود، وتغاضى عن الوصول إلى نهر الألب، وجعله الحد الأقصى لسلطته في ألمانية، وظلت الأرقام ١٨-١٩ أرقامًا بدون مرقم، ونشأ عن ذلك تقليد روماني قضى بعدم إعادة تنظيم الفرق التي تفنى في الحرب وتضيع نسرها.15
وسبق أوغوسطوس غيره إلى تعيين الحدود الشمالية، ولكنه لم يشيد «ليميسا limes» كما فعل تريانوس وأدريانوس في مصب الدانوب وفي الجزر البريطانية بعده، وكان دوميتيانوس أول من أنشأ سلسلة متسلسلة من الحصون عند حدود الإمبراطورية في أوروبة، والليميس الحجري المتسلسل الذي وقى الإمبراطورية بين الرين الأعلى والدانوب الأعلى من أعمال خلفاء دوميتيانوس.

(٨) مصر والنيل وأوغوسطوس

ودخلت مصر في حوزة أوغوسطوس، كما سبق وأشرنا في اليوم الأول من آب سنة ٣٠ق.م.، فأشرف على إدارة شئونها وتنظيم فتحها القائد الأديب «غايوس كورنيليوس غالوس G. Cornilius Gallus»، وكان هذا القائد قد تولى الدفاع عن ولاية أفريقية في أثناء النزاع بين أوغوسطوس وبين أنطونيوس، واحتل «مرسى مطروح Praetonium»، فاستحق ثناء أوغوسطوس وتقديره، وكان شاعرًا له مكانته في حركة التجدد في الشعر اللاتيني، ولعله اشترك مع فيرجيليوس في إعداد «الكيريس Ciris»،16 ولكنه لم يبدع في إدارة مصر، فإن مطالبه المالية أدت إلى ثورة في الصعيد، وإلى انتفاضة قاسية شديدة في مدينة «هيروبوليس Herooupolis» في شرق الدلتا، ووفق غالوس في إخماد هذه الثورة في برهة وجيزة، فخلَّد عمله في نقش تاريخي أقامه في جزيرة Philae في أقصى الجنوب في الخامس عشر من نيسان سنة ٢٩ق.م.، فاش به فيشًا وافتخر بأكثر مما فعل،17 ثم استقبل غالوس في هذه الجزيرة نفسها وفدًا حبشيًّا مفاوضًا، ووقع معه معاهدة صداقة، جعلت حد الولاية المصرية عند الشلال الأول، وجعلت من الحبشة محمية رومانية، ومن «التريكونتسخينس Triakontoschoinos» بين الشلال الأول والشلال الثاني، التي كانت خاضعة في عهد مضى للبطالسة، إمارة فاصلة بين مصر والحبشة،18 وعاد غالوس إلى مصر ناصبًا صدره تكبرًا، فأقام لنفسه التماثيل ونثرها، ونقش انتصاره نقشًا على الأهرام، فاستدعاه أوغوسطوس إلى رومة، وادعى عليه ذنوبًا وذنوبًا، وتقوَّل عليه ما لم يقل، وأوجب السناتوس محاكمته، وإبعاده ومصادرة أملاكه، فانتحر في السنة ٢٦ق.م.19
وأنفذ أوغوسطوس «ناظرًا praefectus» آخر إلى مصر ليدبر أمورها، هو «ماركوس آميليوس غالوس Marcus Aemilius Gallus» صديق سترابون الجغرافي اليوناني المؤرخ وصاخب الرسائل الطبية، وأوجب أوغوسطوس تجريد حملة عسكرية على الجزيرة العربية للاستيلاء على شاطئها الغربي، ولا سيما زاويته الجنوبية، تسهيلًا لأعمال التجارة وطمعًا بالمال، ولكن ما كاد غالوس الجديد يسوق جنود مصر لهذه الغاية في السنة ٢٥ق.م.، حتى استغل الأحباش الظرف الجديد، فأغاروا على مصر العليا، وأتلفوا قواعدها، ونهبوا فيلة وأسوان والألفنتين،20 وتولى نظارة مصر «بترونيوس C. Petronius»،21 فهرع إلى أقصى الجنوب على رأس عشرة آلاف ماش وسبعمائة فارس، فطرد الأحباش وتعقبهم في داخل حدودهم، وأنزل بها هزيمة عند «دكة Pselcis»، وتابع السير جنوبًا حتى قصر «عبريم Primis» و«نباتة Napata» عاصمة الحبشة الشمالية، فامتنعت الملكة «القنداقة» في حصن قريب، وأفلت ابنها من العاصمة، فدمَّر بترونيوس نباتة، وحرر بعض الأسرى الرومانيين، واستحوذ على تماثيل أوغوسطوس، وعاد إلى قصر عبريم فحصنه وشحنه بأربعمائة مقاتل، وموَّنه مؤنة سنتين، وانكفأ راجعًا إلى مصر والإسكندرية، وأرسل ألف أسير حبشي إلى رومة يعلن بهم انتصاره على الحبشة، وبعد سنتين (٢٢ق.م.) عادت القنداقة إلى ميدان القتال، وحاصرت قصر «عبريم Primis»، ولكن بترونيوس تمكن من فك الحصار، فرضخت القنداقة، وأرسلت وفدًا مفاوضًا، وكان أوغوسطوس قد قام ساموس مشتيًا (٢١-٢٠ق.م.) فاستقبل الوفد، وأكرمه، وقبل برفع الجزية عن الأحباش مقابل سلم دائم بين الدولتين، واعتراف الحبشة بضم «الدودكاسخينس Dodekaschoinos» النوبة السفلى إلى مصر،22 وأمست النوبة السفلى منطقة حدود عسكرية تحمي مصر من الجنوب، واستقرت العلاقات بين رومة والحبشة على هذا الوجه مدة تربو على القرنين، ومن آثار هذا التفاهم نقش «بسلكيس Pselcis» في النوبة السفلى، الذي يعود إلى السنة ١٣ق.م.23
وظلت مصر مرمى بصر أوغوسطوس لأسباب بعضها عسكري وبعضها شخصي، فالفتح كان لا يزال ابن الساعة، والأحباش وقبائل الجنوب كانوا لا يزالون يطمعون في غنائم وادي النيل ودخل مصر، الذي تولى أوغوسطوس نفسه أمر إنفاقه، كان عظيمًا، ونتاجها الكبير في الحبوب كان ضروريًّا لإسكات الجماهير في رومة، فأدى هذا كله إلى إبقاء قوة كبيرة في مصر، وازت ضعف ما أبقاه أوغوسطوس لمجابهة الحظر البرتي عند الفرات، فشمل جيش الاحتلال ثلاث فرق كاملة «الثالثة القيرونية III Cyrenaica»، و«الثانية والعشرين الديوتارية XXII Dejotariana»، و«الثانية عشرة الفولمينة XII Fulmina» وتسعة أفواج مساعدة، وثلاث آلايات من الخيالة، فكان المجموع حوالي ثلاثة وعشرين ألفًا.
ورابطت الفرقة الديوتارية الباسلة على بعد خمسة كيلومترات من مدخل الإسكندرية الشرقي من مدينة النصر «نيكوبوليس»، التي أنشأها أوغوسطوس، تخليدًا لانتصاره على أنطونيوس وكليوبترة، وكان رجالها من الغلط الأشداء المدربين على القتال بالطرق الرومانية، وقد دخلوا في عداد الفرق الرومانية بعد مأساة فاروس في ألمانية، فعُرفوا بالرقم ٢٢، ويذكر سترابون أن فرقة أخرى رابطت في بابليون عند رأس الدِّلتا مقابل الأهرام، ولكنه لا يعين اسمها ولا رقمها،24 ولعل الفرقة الثالثة القيرونية استقرت في طيبة، أو في «قُفط Coptos»، ولا نعلم بالضبط أين استقرت القوات الأخرى ولا سيما آلايات الخيالة، ولكن لا بد وأن تكون «الفرما Pelusium» مفتاح البر، على حد تعبير تكيتوس، قد نالت نصيبها من الجيش الاحتلالي،25 ولا بد أيضًا وأن تكون القيادة الرومانية قد أقامت مراكز عسكرية دائمة لحماية الطريق المؤدية من الفرما إلى بابليون، ومن الفرما بطريق «سقارة Scrapeum» إلى «القلزم Clysma, Colzum» عند رأس خليج السويس، وجرى مثل هذا في الأرجح على الطرق المؤدية من الإسكندرية إلى «ممفيس Memphis» وإلى قيرينة، وكانت «اشمونين Hermoupolis Magna» مقرًّا رئيسًا لجباة الكمارك على البضائع الواردة من مصر العليا، فاستحقت هي أيضًا حامية عسكرية، ومع أن إقامة الأبراج العسكرية في نقاط متوازية على ضفتي النيل بين طيبة وأسوان كانت خطة رومانية ثابتة، فإن إنشاءها في عهد أوغوسطوس غير ثابت، ولكن لا بد وأن تكون القلاع الرومانية قد أنشئت منذ أيام أوغوسطوس عند «تافا Tafa»، والباب في منطقة أسوان، وفي دكة أيضًا Pselcis.26
وشرعت رومة منذ عهد أوغوسطوس في استثمار المناجم والمقالع المصرية بين النيل والبحر الأحمر، واتخذت من مدينة قفط مركزًا لتوزيع النتاج، وكانت القوافل التجارية القادمة من مرفأي «البندر الكبير Berenice» و«هورموس Myos Hormos» على البحر الأحمر تلتقي في قفط أيضًا، فوكل أوغوسطوس أمور هذه المنطقة كلها إلى ضابط عسكري كبير، حمل اللقب «ناظر برنيقية Praefectus Berenices»،27 وأمر أوغوسطوس بتسهيل الاتصال والنقل في هذه المنطقة الصحراوية المضطربة، فحمى الناظر الطرقات والمناجم والمقالع وحَفَر الآبار لأبناء السبيل، وحصنها؛ كي لا يعبث بها رجال القبائل المجاورة.28
وأنشأ أوغوسطوس أسطولًا، وجعل قاعدته الإسكندرية، فعرف ﺑ «الأسطول الأغوسطي الإسكندري Classis Augusta Alexandrina»، وأردفه بأسطول نهري، فأمن الأول بالتعاون مع الأسطول السوري نقل الحبوب إلى رومة، وعاون الثاني في تأمين الملاحة في النيل من مصبه حتى الشلال الأول، ولعله عين «ناظرًا praefectus» خصوصيًّا لقيادة البحر والنهر معًا.
وآثر أوغوسطوس في سائر أمور مصر إبقاء القديم على قدمه، فحلَّ هو محل البطالسة والفراعنة في دين مصر وطقوسها، ومثله في ذلك ناظر مصر، ومع أنه أبى أن يزور عجول مصر المقدسة في ممفيس وسيرابيوم، فإنه لم يبطل عبادتها، ولم يوجب التعبد لآلهة رومة، وأبقى كذلك الإدارة على ما كانت عليه في عهد البطالسة، وحلَّ هو محل كليوبترة فربط مصر برومة بشخصه، وظلت مصر مقسمة إلى مقاطعات إدارية ريفية إلى ستة وثلاثين «نوموسًا nomos» والنوموس إلى توبورخيات والتوبورخية إلى قرى، ولم يدخل أوغوسطوس النظام المديني الروماني، وظلَّ المصري العادي في القرى والمدن محكومًا لا يشترك في الحكم، ولا يتمتع بحقوق سياسية، وظل اليونانيون المقدونيون طبقة أعلى من الطبقة المصرية يتمتعون بحقوقهم السياسية القديمة في كبريات المدن، ولا سيما الإسكندرية،29 وظلت لغتهم لغة الحكومة، ولم تقوَ اللاتينية عليها إلا في المعسكرات.
وعني أوغوسطوس بتأمين البلاد أكثر من ذي قبل، واهتم لكري الترع وتوسيع شبكتها، وسهَّل المواصلات، وأمنها وشجع التجارة مع الهند عبر البحر الأحمر، فزاد عدد السفن التي مخرت عباب هذا البحر من ٢٦ في عهد كليوبترة إلى مائة في عهده، ولكن المصري العادي وجد الحكم الجديد أشد وأضبط مما كان عليه في عهد البطالسة، فقدَّم إلى الخزينة أكثر مما قدمه في ما مضى.30

(٩) قيرينة والمدن الخمس

وتبسط اليونانيون في الهجرة، فعبروا البحر من جزيرتي كريت وتيرة إلى أفريقية، وأسسوا في منتصف القرن السابع قبل الميلاد «قيرينة Cyrene» على الشاطئ الأفريقي مقابل كريت، ثم توسعوا فأنشئُوا في هذه المنطقة نفسها «أرسينوة Arsinoe» و«أبولونية Apollonia» و«برنيقية Berenice» و«طلمسة Ptolemaios»، فعُرفت هذه المدن جميعها ﺑ «المدن الخمس Pentapolis»، وكان الداعي لهذا التوسع خصب الأرض ووفرة غلالها ونمو «السيلفيوم silphium» في براريها، وهو من الأعشاب الطبية الغالية الثمن، ثم اشتهرت هذه المنطقة أيضًا بخيلها،31 وتهللت لقدوم الإسكندر، وأرسلت وفدًا يرحب بوصوله إلى مصر، فحالفها الفاتح الكبير، أما بطليموس الأول، فإنه ضمها إلى مصر، وظلت ضمن محور البطالسة حتى أوصى بها ملكها بطليموس أبيون إلى رومة، فدخلت في حوزة هذه الدولة بعد وفاته في السنة ٩٦ق.م.

ولم تَفد لقيرينة فائدة من دخولها في حوزة الجمهورية الرومانية سوى تطهير مياهها من القرصنة، فالرومانيون أهملوا أمورها، ووجهاؤها طمعوا بأراضي الملوك، فدخلت في فترة من الفوضى دامت عشرين عامًا، ثم نظر السناتوس في أمرها، فجعلها ولاية رومانية في السنة ٧٦، وربطها بجزيرة كريت في السنة ٦٧ قبل الميلاد.

وقضى برنامج أوغوسطوس بتأمين ولاية أفريقية، وفرض سلطته على قبائل البربر الضاربة عند حدودها الجنوبية، فرأى أن أمور هؤلاء كانت ترتبط بشئون زملائهم عند حدود قيرينة الغربية والجنوبية، فأنفذ في السنة ٢١-٢٠ق.م. «كورنيليوس بلبوس Balbos» على رأس قوة لتأديب قبائل أفريقية، وفي السنوات الأولى بعد الميلاد نرى حملتين رومانيتين تتجهان جنوبًا، واحدة من ولاية أفريقية بقيادة Cossus Corn. Gaetilicus، وأخرى من ولاية قيرينة بإمرة Sulpicius Quirinius، وتتكلل أعمال الحملتين بالنجاح، ويصل القائدان إلى حل دائم لمشكلة الحدود الجنوبية، ومن هنا، هذان النقشان اللذان وُجدا في قيرينة، وأقيما فيها لمناسبة هذه الأعمال الحربية التأديبية.32
ويُستدل من الآثار الباقية عند أطراف المناطق المخصبة في أجدابية وسرت، وفي قلب البادية الجنوبية أن السلطات الرومانية أنشأت في وجه القبائل مراكز عسكرية لحماية المناطق المتحضرة، ولا تزال بعض أسماء الجنود السوريين التي حُفرت على الصخور تذكِّر بأعمال الحراسة، التي قاموا بها آنئذٍ،33 وورود أسماء كتائب «الفرسان اللوسيتانيين Cohors Lusitanorum» و«الإسبانيين Cohors Hispanorum» يدل على أن قوات الحدود هذه تألفت من مشاة وفرسان.34
وقدرت رومة الحضارة اليونانية قدرها، فاحترمت نظمها ومؤسساتها حيثما وُجدت، فظلت المدن الخمس تتمتع بمجالسها الشعبية اليونانية boule وبمنظماتها العسكرية epheboi وندواتها «الرياضية gymnasion»، واستمرت «المجالس الإدارية nomophylakes» في أعمالها ومعها كتابها وحراس أبوابها، وعطف كل من يوليوس قيصر وأوغوسطوس على الجاليات اليهودية، فسمحا لها ﺑ «مجالسها الخصوصية politeuma»، أما الليبيون أنفسهم الذين عُرفوا بالاسم georgoi، فإنهم ألفوا طبقة رابعة من السكان، واستمروا يطبقون نظام العشائر السائد بينهم.35
وأوامر أوغوسطوس الخمسة التي وُجدت منقوشة في قيرينة في السنة ١٩٢٧ تخلد عطف أوغوسطوس على سكان الولايات، وسعيه لحماية مصالحهم وتأمين أعمالهم، وتعود الأربعة الأولى منها إلى السنة ٧-٦ق.م.، والخامس إلى السنة ٤ق.م.، وقد جاء في الأربعة الأولى أن الهيئة القضائية التي تنظر في الجنايات تتألف من قضاة يونانيين ورومانيين، وأن موقف الحكام من المواطنين الرومانيين كان صحيحًا، وأنه يتوجب على اليونانيين الذين ينالون حقوق المواطن الروماني أن يستمروا في تحمل مسئولياتهم اليونانية السابقة، إلا إذا كانوا يتمتعون بامتيازات خصوصية، ونقل الأمر الخامس قرار السناتوس، الذي قضى بوجوب النظر في رومة وأمام السناتوس في تظلم الرعايا من بلص الحكام والجباة.36

(١٠) ولاية أفريقية وحدودها

وثابر القرطاجيون بعد زاما على العمل المثمر، ونهضوا من كبوتهم، واستعادوا مكانتهم التجارية على الرغم من الجزية التي ضربتها رومة عليهم، وبهظت بها عواتقهم، فاضطرب الرومان وانزعجوا فحرضوا النوميديين على الاعتداء على قرطاجة، فاضطرت هذه أن تدافع عن نفسها، فاعتبرت رومة هذا الدفاع عن النفس إخلالًا بشروط المعاهدة، فأعلنت الحرب على قرطاجة، واستمر القتال ثلاث سنوات متتالية سقطت في نهايته قرطاجة بيد أعدائها، فدكوها في السنة ١٤٦ق.م. إلى الحضيض دكًّا، وجعلوها خرابًا يبابًا، واقتسموا أملاكها، فأطلقت رومة على ما أصابها من أملاك قرطاجة الاسم «ولاية أفريقية Provincia Africa»، واشتق الرومان الاسم الجديد أفريقية من الاسم Afri، الذي كان يطلق على سكان المنطقة الأصليين، ولا يخفى أن الاسم العام للبلدان الأفريقية كان «لبية Lybia» لا أفريقية.
واحتاطت لجنة العشرة السناتوسية، التي أشرفت على تنظيم الولاية الجديدة لأمر الحد الفاصل بينها وبين نوميدية وقبائلها، واتبعت الطريقة القرطاجية القديمة، فأوجبت حفر خندق على طول هذا الحد، أطلقت عليه اسم «الخندق الملكي fossa regia»، وبدأ هذا الخندق عند الوادي الكبير بالقرب من «طبرقة Tabarca»، ثم قطع وادي المجْرَدة بالقرب من وادي الزرقة، ومر إلى الجنوب من جبل زغوان، ثم اتجه مستقيمًا حتى طينة في ضواحي صفاقس، تاركًا لملوك نوميدية مغانم «باجه Vaga» ودقة «تبرسق Thubursicum» وجاما «زاما» وغيرها، ويقدر رجال الاختصاص مساحة هذه الولاية بخمس مساحة تونس الحديثة، أي بمليونين ونصف المليون من الهيكتارات المربعة، وشملت هذه الولاية المدن القرطاجية السبع Utica العتيقة، التي فاخرت قرطاجة بعتاقتها، وقامت بالقرب من مصب المجردة و«حضروميت Hadrumetum»، وهي سوسة الحديثة و«لبتيس Leptis»، وهي لمطة الحديثة، و«تبسوس Thapsus» عند رأس الديماس بين الموناستير والمهدية و«أخولَّه Acholla» عند رأس بوترية، و«أوسولة Usula» و«توداليس Theudalis» في نواحي بنزرت، وكانت هذه المدن قد أيدت رومة منذ بدء النزاع الجديد، فأقرتها لجنة السناتوس على نظامها القديم، وصادرت هذه اللجنة أملاك المدن والقرى التي ساندت قرطاجة، واعتبرتها «أرضًا رومانية عمومية ager publicus populi romani»، ولكنها رأفت بالوطنيين الأحرار أبناء البلاد الأصليين، فاعتبرت الأراضي التي استثمروها إما ملكًا لهم، وإما مأجورة شرط دفع ضريبة عقارية و«مال عنق stipendium» فُرض على الرجال والنساء، ولُزم في رومة تلزيمًا.
وأمست المدينة العتيقة Utica عاصمة ولاية أفريقية لأسباب، أهمها أنها كانت الثانية بعد قرطاجة، وأنها فاخرت قرطاجة بقدم عهدها، وأنها كانت قريبة من صقلية، وأنها كانت تتسع لعدد كبير من القادمين إليها، إن من حيث المسكن أو المأكل، وكان يمثل رومة فيها وال من رتبة «قاض praetor»، ينتخبه السناتوس الروماني بالقُرْعة، ويتخذ لقب propraetor وproconsul بعد السنة ٨١ق.م.، ويحكم لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد، وعاون الوالي معاون عُرف باﻟ legatus، ومدير مال عرف باﻟ quaestor، وتولى الوالي إدارة الولاية والنظر في دعاويها القضائية الحقوقية والجزائية، وقاد قواتها العسكرية، وكانت هذه في الأحوال العادية فرقة واحدة وبعض وحدات من القوى المساندة تجنَّد في أفريقية، وكان على المدن المهمة أن تدافع عن نفسها عند الحاجة، فكانت محصنة منيعة، وكان سكانها مسلحين مستعدين دومًا للدفاع.

ولم يرغب السناتوس في ليتنة هذه الولاية، ولم يشجع الرومانيين على الإقامة فيها مستعمرين، خشية قيام قرطاجة رومانية شعبية تشاطر رومة الزعامة، وظل القرطاجيون أحرارًا في ممارسة طقوسهم الدينية وإدارة شئونهم بطرقهم الخصوصية، فقد بقي في المدينة العتيقة سناتوس محلي يرئسه «شافط»، أي قاضٍ حاكم محلي.

ثم كان ما كان من أمر النزاع بين العامة والأشراف، وظهور طيباريوس غراكوس وأخيه غايوس، فعبر غايوس في ربيع السنة ١٢٢ق.م. إلى أفريقية على رأس بضعة آلاف روماني وإيطالي، وأسكنهم أرض قرطاجة نفسها، فنشأت «قرطاجة يونية Colonia Kartago Lunonia»، وربط اسمها بين قرطاجة وبين «يونو Juno» أم الآلهة الرومانية، التي كانت قد اعتبرت منذ عهد بعيد عشترون الفينيقيين، أو «تنيت Tanit» قرطاجة، هذا ولا يخفى أن رجال الاختصاص لا يزالون غير متفقين على كيفية التلفظ باسم هذه الآلهة الفينيقية، فالاسم الفينيقي ثلاثي «تنت» غير مضبوط بحركات أو حروف علة، وكان الرومانيون قد وافقوا أيضًا بين بعل همون القرطاجي و«كرونوس اليوناني Cronos» وSaturnus الروماني إله الزرع.37
وخلا مكان غايوس (١٢١ق.م.) فانطوت صحيفة قرطاجة اليونية وانقطعت أخبارها، وتولى أمور نوميدية بعد «مسينيسة Masinissa» «ميكيبسة Micipsa» (١٤٨–١١٨) و«أذربعل Adherbal» (١١٨–١١٢) و«يوغورثة Jugurtha» (١١٢–١٠٦) و«هيمبسال Hiempsal» (١٠٦–٦٠) و«يوبة الأول Juba» (٦٠–٤٦)، وأيد يوبة بومبايوس (٤٧-٤٦)، فقضى يوليوس قيصر على آماله في موقعة «تبسوس Thapsus» عند رأس الديماسي، فهرول يوبة إلى قاعدته زاما وانتحر فيها، فجزأ يوليوس نوميدية، وأنشأ من أراضيها التي تاخمت ولاية أفريقية ولاية جديدة أسماها «أفريقية الجديدة Africa Nova»، وجعل الأولى «أفريقية القديمة Africa Vetus»، وأسند إدارة الولاية الجديدة إلى صديقه المؤرخ «سلوستوس Sallustus»، ووهب الباقي من نوميدية إلى «سيتيوس Sittius» و«بوخوس Bocchus.» ملك موريتانية، لقاء مساعدتهما له في الحرب، ورأى بثاقب نظره إمكانيات الأفريقيتين في ليتنة البربر، فأمر بإنشاء عدد من المستعمرات الرومانية، أهمها قرطاجة Julia Concordia Karthago وJulia Uthina في وِدْنَه Julia Aurelia Thuburbo Maius في خشير القصبة، وJulia Curubis في قُرْبه، وJulia Carpitana في مِريَة، وJulia Hippo Diarrhytus في بنزرت.38

(١١) المور وموريتانية

والمور فرع من البربر، و«موريتانية Mauretania» في عرف الرومان بلاد المور، أي بلاد الجزائر الحديثة ومراكش، غزا سواحلها الفينيقيون، فأنشئُوا فيها عددًا كبيرًا من المستعمرات، واتجروا مع قوافلها التي ربطت الساحل بالصحراء الكبرى فصدروا العاج والأخشاب الثمينة، واستخرجوا الصباغ الأرجواني من اصداف شواطئها.
وانتظمت قبائل المور إمارات قبيل القرن الثاني قبل الميلاد، واشتركت في سياسة غرب المتوسط، إنْ في أمور نوميدية وقرطاجة أو في شئون إسبانية، وأشهر أمرائها أو ملوكها «بوخوس Bocchus»، وبخوس الثاني و«بوغود Bogud»، وقد لعبوا أدوارًا هامة في الحرب اليوغورثية والحرب الأهلية الرومانية، وحكم بوخوس الثاني وأخوه بوغود موريتانية من السنة ٥٠ حتى السنة ٣٨ق.م.، ثم استأثر بوخوس الثاني بالسلطة حتى السنة ٣٣، وساند بوغود قيصر في السنة ٤٩، ولعب فرسانه دورًا حاسمًا في موقعة «موندة Munda» في السنة ٤٥، ثم أيد أنطونيوس وهاجم إسبانية، فأخفق وخسر عرشه، وفي السنة ٣١ خرَّ صريعًا في ميثونة في المورة محاربًا ضد أغريبة.39

(١٢) أوغوسطوس وأفريقية

وكان يوبة الثاني ابن يوبة الأول ملك نوميدية قد مشى في ركاب يوليوس قيصر إلى رومة بعد مصرع والده، وبقي فيها، ثم نال حقوق المواطن الروماني، ورافق أوكتافيانوس في حروبه، فلما تم النصر لأوكتافيانوس في أكتيوم في السنة ٣١، عاد يوبة إلى ما تبقى من نوميدية مَلِكًا عليها، وكان عالمًا أديبًا فنانًا، صنف باليونانية تاريخًا لرومة، وكتب عن لبية والعربية وأشور، وأعد رسالة في الحشيشة «افوربية Euphorbia»، التي اكتشفها وسماها باسم طبيبه «افوربوس Euphorbos»، ولكنه على الرغم من علمه وثقافته، لم يحسن سياسة نوميدية، فنقله أوغوسطوس في السنة ٢٥ق.م.، وجعله ملكًا على موريتانية وأزوجه من كليوبترة «سيلينية Selene» بنت أنطونيوس من كليوبترة، فاستقر يوبة في موريتانية حتى وفاته في السنة ٢٣ب.م.40
ونعم المتحضرون من سكان ولايتي أفريقية وسكان موريتانية بسلم روماني دام نصف قرن من الزمن، ولكن القبائل البدوية الضاربة في جنوب هاتين المنطقتين، ولا سيما «الغاتولي Gaetuli» لم يذعنوا، وظلوا يهددون الحدود الجنوبية، فجرد الرومان عليهم حملات تأديبية متتالية بقيادة «طوروس Statilius Taurus» في السنة ٣٥-٣٤ق.م.، و«كورنيفيكيوس Cornificius» في السنة ٣٢ق.م.، و«باييتوس Autronius Paetus» في السنة ٢٨ق.م.، و«أتراتينوس Sempronius Atratinus» في السنة ٢١ق.م.، ثم توغل «كورنيليوس بلبوس Balbus» فيما وراء الحدود حتى بلغ الفزَّان، واضطر «كويرينوس Sulpicius Quirinus» أن يقوم بالعمل نفسه في السنة ١٩ق.م.، و«باسيانوس روفوس Passienus Rufus» في السنة ٣ب.م.، وجاءت السنة ٦ب.م.، فإذا بالحالة على ما كانت عليه، فنفد صبر أوغوسطوس فأمر «كوسوس لنتلوس Cossus Lentellus» باتخاذ إجراءات حاسمة لإنهاء هذه الحالة المضنية المنهكة، فاتفق ويوبة ملك موريتانية على خطة مشتركة، ووفقا في ضرب الغاتولي والموسولامي ضربًا قوَّضا به حصون آمالهم وقطعا رجاءهم، فنال لنتلوس لقب إمبراطور وكنية «قاهر الغاتولي Gaetultcus»، وسُمح ليوبة الثاني بالاحتفال بالنصر.41
وهيَّأ أوغوسطوس للدفاع أسبابه، فاحتل ما تبقى من الساحل الأفريقي بين ولاية أفريقية القديمة وقيرونة وحصَّن Sabrata وطرابلس Oca و«لبتيس الكبرى Leptis Magna»، ووقف في الأفريقيتين عند خط امتد من قابس إلى قفصة وتبسَّة، وحصَّن شاطء موريتانية بعدد من المستعمرات العسكرية، أهمها «جلجلة Igilgili» و«باجية Saldae»، و«دليس Rusucurru» و«راس جون Rosuguniae»، وقرتنة عند تينيس الحديثة Cartenna و«زيليس Zilis»، وشيَّد أوغوسطوس في منطقة الحدود الجنوبية سلسلة من «الحصون castella» و«الأبراج burgi»، وجعل من «حيدرة Ammaedara» مقرًّا دائمًا للفرقة الأوغوسطية الثالثة، وأبقى وحدات مساندة في طرابلس وما يليها، وفي أقصى الغرب.42

هوامش

(1) DIO CASS., 55:28; LESQUIER, J., L’Armée Romaine d’Egype, (1918).
(2) KROMAYER-WEITH, Heenoesen und Kriegfuhning der Griechen und Romer, (1928), “EXERCITUS”, Real-Encyc.; PARKER, H., The Roman Legions, (1928); HOMO, L., Hout-Empire, 77–80.
(3) DURRY, M., Les Cohortes Préoriennes, (1938); PASSERINI, A., Le Coorti Pretorie, (1939).
(4) BAILLIE REYNOLDS, P.K., The Vigiles of Imperial Rome, (1926).
(5) CHEESMAN, G.L., The Auxilia of the Ilperial Rom. Army, (1914); WAGNER, W., Die Dislokation de Romischen Auxliarformationen in der Proviazen noricun, Pannonien, Moesien, und Dakien, (1938).
(6) TACITUS, Ann., I, 9.
(7) SUETONIUS, Aug., 49.
(8) DIO CASS, 55:24.
(9) HOMO, L., Emp. Rom., 177-178.
(10) CAMILE DE LA BERGE, Etudes sur l’Organisation des Flottes Romaines, Bull., Epig., 1886; CHAPOT, V., La Flotte de Misène, (1896); STARR, C.G., The Roman Imperial Navy, (1941); THIEL, J.H., Studies on the Hist. of Rom. Sea Power, (1946); MILTNER, F., Seekrieg, Real-Encyc.
(11) BOUCHIER, E.S., Spain under the Rom. Empire, (1914); SUTHERLAND, C., Aspects of Roman Imperialism in Spain, Jour, Rom. Stud., 1934; SYME, R., The Spanish War of Augustus, Am. Jour. Philol., 1934.
(12) APP., Illyr., XVII; DIO CASS., 53:23, 54:24; HOMO, L., Haut-Empire, 99–101; OBERZINER, G., Le Guerre di Augusto contre i Popoli Alpini, (1900).
(13) EPISTOLAE ex Ponto; DIO CASS., 51:23–27, 54:3, 20; STRAB., Geog., III, 10.
(14) DIO CLASS., 55:29–34; YELL. PAT., Hist. Rom., II, 108-109, 110–116; SUET., Aug. 25; ABRAHAM, A.F., Zur Gesch der germ. und pann. Kriege unter Augustus, (1875); BAUER, A., Zum Dalmatisch-pannonischen Krieg, (1894); RAU, R., Zur Gesch. des Pannonisch-dalmatischen Krieges, Klio, 1924.
(15) FRANKE, A., Saltus Teutoburgiensis, Real-Encyc., V, A, 1166–1171.
(16) SKUTSCH, F., Vergil und Gallus, (1906).
(17) STRABO, 17:819; CIL, III, 14147.
(18) Or. Gr. Inscript. Selectae, 111.
(19) DIO CASS., 53:25; SUET., Aug. 66.
(20) STRABO, 17:820; DIO CASS., 54:5; PLIN., Hist. Nat., 6:181 f.
(21) MAIORI, A., La Successione Elie Gallo — C.Petronio, Saggidi Storia Antica e di Archeologia, (1910).
(22) Res Gestae, V, 18-19; DIO CASS., 54:5; STRAB., Geog., I, 54; PLIN., Hist. Nat., VI, 181-182.
(23) CIL, 5080.
(24) STRABO, XVII, 797, 808.
(25) Claustra terrae”, TAGITUS, Ann., II, 59.
(26) Inscriptiones Graecae ad res Romanas pertinentes, I, 1366.
(27) Montis Berenicidis, praefectus praesidiorum et montis Berenices”, CIL, III, 13580; DESSAU, 2698–2700.
(28) PLIN., Hist. Nat., VI, 102-103.
(29) JOUGUET, P., La vie municipale dans l’Egypte Romaine, (1911).
(30) WALLACE, S.L., Taxation in Egypt from Augustus to Diocletion, (1938); JOHNSON, A.C., Economic Survey of Ancient Rome — Roman Egypt, (1936).
(31) ROSTOVTZEFF, M., Soc. and Econ. Hist. of the Hellenistic World, I, 333.
(32) OOIS, 767, Doc. Afr. Ital. Cyren., II, 67.
(33) ann. épig., 1927, 157, 157 bis.
(34) IDRIS BELL, H., Crete and Cyrenaica, Cam. Anc. Hist., XI, 668-669.
(35) JONES, Eastern Cities, ch. XII; ROMANELLI, P., La Cirenaica Romana, (1946).
(36) Supplementum Epigraphicum Graecum, IX, 5:8; VISSCHER, F., de, Les Edits d’Auguste découcerts à Cyrene, (1940).
(37) CONTENAU, G., La Civilisation Phinicienne, (1949), 96-97.
(38) LAPYRE et PELLEORIN, Carthage Latine Chrétienne, (1950), 46–69.
(39) CARCOPINO, J., Le Maroc Antique, (1940); CHATELAIN, L., Le Maroc des Romains, (1944); ROGET, R., Index de Topographie Antique de Maroc, (1938).
(40) GSELL, S., Hist. Anc. De l’Afrique du Nord, VIII, 206 ff.
(41) DIO CASS., 55:28; SYME, R., Spain and Africa, Cam. Anc. Hist., X, 345–347.
(42) GSELL, S., op. eit., VIII, 227–229; CACNAT, R., L’Armie Romaine d’Afrique, 107 ff.; RITTERLING, E., Legio, Real-Encyc.; HOMO, L., L’Empire Romain, 215 f.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤