الفصل الرابع

هجرة الطيور

قد يترامى إلى الذهن من تأجيل الطيور إلى الفصل الأخير من هذا الكتيب قلة أهميتها أو عدم وضوح الهجرة فيها وضوحها في رتب الحيوان التي سبق التحدث عنها، ولكن هذا في الواقع أبعد ما يكون عن الحقيقة، فالهجرة في الطيور قد وصلت إلى درجة من الكمال لم تصل إليها في رتب الحيوان الأخرى، كما أنها لقيت من عناية العلماء كل ما تستحق حتى أصبح تعليلها المبني على التجربة يستند إلى حدٍّ كبيرٍ على أسس علمية متينة.١

والطيور في التحديد العلمي حيوانات من ذوات الفقار، جسمها مغطى بالريش، ويتحور فيها الطرفان الأماميان إلى جناحين يساعدانها على الطيران. وقد ظهر هذا النموذج منذ حوالي مائتي مليون سنة، واحتفظ بكيانه على مرِّ هذه العصور المديدة، منذ العصر الجوراسي، لصلاحيته في قهر نوع من البيئة، هو الهواء.

وقد ظهرت عدة محاولات في الطيران من جانب حيوانات أخرى، ونجح بعضها، فالحشرات مفصليات لمعظمها القدرة على الطيران، ولكنه طيران من نوع آخر؛ وإن كان ينجح في كثير من الأحيان نجاحًا كبيرًا، إلَّا أن الطيور بفضل حجمها وقوتها تفوق تلك الحشرات في الارتفاعات التي قد تصل إليها، وفي قدرتها على الطيران فترات طويلة، كما ظهرت قبل الطيور زواحف طيارة كبيرة، وصلت المسافة ما بين طرفي جناحيها عشرين قدمًا أو تزيد، ولكنها بادت مع غيرها من الزواحف العملاقة إبان بعض العصور الجليدية التي اكتسحت العالم منذ أكثر من مائة وخمسين مليونًا من السنين، ولكن الطيور قاومت برد تلك العصور بفضل ما اكتسبته من حرارة جسمها الثابتة، وهي صفة — كما سبق القول — لا تميز غير الطيور والثدييات دون الحيوانات الأخرى كافة، كما أن لبعض الثدييات القدرة على الطيران، وهي فصيلة الخفافيش، وهذه حقًّا فصيلة ناجحة، قوية الطيران، ولكنها كلها ليلية لا قِبَل لها على تحمل ضوء النهار.

نستخلص من هذا أن الطيور هي أنجح الحيوانات في ميدان الهواء، ولها دون شكٍّ قصب السبق فيه، وقد أعانها الريش على ذلك، فمنه الريش الجناحي الذي يساعد على ضرب الجناحين رفعًا وخفضًا، وريش الذيل الذي يعلم كالدفة في إدارة جسم الطائر كأنه سفينة الهواء، ويتطلب تحريك الجناحين قوة في العضلات، وبالفعل تنمو العضلات التي تحركهما، وهي العضلات الصدرية، نموًّا كبيرًا في الطيور، ففي بعض أنواع الحمام يصل وزن تلك العضلات إلى خمسة وأربعين في المائة من وزن الجسم؛ أي إنها تصل إلى نصف وزن الجسم كله تقريبًا. ولا شك أن حركات هذه العضلات تتطلب طاقة كبيرة تتولد من احتراق الغذاء المختزن، فلا بد لها من مدد كبير من الأكسجين، وبالفعل نجد الطائر يأخذ مقادير وافرة من الهواء تتغلغل إلى أنسجة جسمه كلها بفضل وجود أكياس هوائية عديدة تتصل بالرئتين، وتتغلغل من هذه الأكياس تفرعات كثيرة إلى العظام التي يخلو الكثير منها من نخاعها، فتساعد على خفة وزن العظام من ناحية تتبعها خفة وزن الجسم عامة، وعلى سرعة تبادل الغازات من ناحية أخرى ومد الأنسجة بقدر وافر من الأكسجين.

ويصل القلب في الطيور إلى أقصى حجمه بالنسبة لحجم الجسم كله، فهو مضخة كبيرة يقع عليه عمل كبير في دفع الدم مع الأكسجين المطلوب إلى جميع أجزاء الجسم، كما أنه يدق دقات كثيرة العدد، فبينما تصل ضرباته في الإنسان إلى سبعين أو ثمانين ضربة في الدقيقة الواحدة نجدها تصل إلى أضعاف ذلك في الطيور.

ومما يساعد الطائر على الطيران اختزال بعض الأعضاء التي نراها في الفقاريات الأخرى نامية، من ذلك المثانة البولية والأسنان وكثير من سلاميات (أو عُقل) أصابع اليد وغير ذلك.

وتحتاج الطيور إلى حدة إبصار، وهي في الجو، حتى إنها أصبحت مضربًا للأمثال في هذا الميدان، وذلك نجده في تكوين عضو صغير داخل العين، يُسمَّى بالمشط، يظن أن وظيفته هي تركيز أشعة الضوء فتستجيب شبكية العين إلى أضواء خافتة لا ترى فيها أعين كثير من الحيوانات، هذا بالإضافة إلى أن أصوات الطيور عالية تسمع على مسافات بعيدة؛ وذلك لأن الحنجرة التي يحدث فيها الصوت ليست في مقدمة العنق، كما هي الحال عندنا وإنما تقع في مؤخرة العنق عند اتصاله بالجذع ولذلك تصدر الأصوات، ثم تقوى في القصبة الهوائية الطويلة.

وما دمنا بصدد بعض الصفات التشريحية للطيور، فينبغي لنا أن نُشير إلى صفة ظاهرة في مخ الطيور تميزه عن المخ في الحيوانات الأخرى، ذلك أن الجسم المخطط فيه كبير والجوهر القشري صغير، بينما نجد العكس في الثدييات، فإذا عرفنا أن بالجسم المخطط توجد مراكز الغريزة، بينما تقع مراكز الإدراك والذكاء في الجوهر القشري، اتضح لنا عظم الفرق بين الرتبتين، الثدييات والطيور، فالثدييات تعتمد كثيرًا في تصرفاتها على الذكاء بينما الطيور أكثر ما تعتمد على الغريزة، فقد وصلت فيها إلى مرتبة عالية من الكمال، وسوف نرى أن الهجرة فيها غريزة إلى حدٍّ كبير تدفع بالطيور دفعًا إلى التحرك في رحلتين شاقتين، قد يخيل للكثير أنهما غير جادتين، ولكن الواقع أن أهمية الرحلتين للطائر عظيمة وتسيطر عليهما غريزة تدفع بالطائر إليهما دفعًا شديدًا.

والطيور من أكثر الحيوانات حركة، وهي تزاول في بعض الأحيان الطيران رياضة وتصل في سرعة طيرانها درجة كبيرة، فالحمام الزاجل مثلًا يطير بسرعة تصل إلى خمسة وخمسين كيلو مترًا في الساعة، ويطير بعض أصناف البط بسرعة مائة وخمسين كيلو مترًا، ولكن هذه السرعة لا تدوم لوقت طويلة، كما أن الطائر في حياته العادية لا يقطع مسافات طويلة، لا تزيد في الغالب على أربعمائة كيلو متر في اليوم الواحد، وهي مسافة على أي الحالات طويلة بالنسبة لما تستطيعه أسرع الحيوانات عدوًا.

وتصل الطيور في علوها عن الأرض إلى ارتفاعات عالية، حتى قيل «أمنع من عقاب الجو»؛ أي الذي لا يناله أحد. وبفضل هذه السرعة والقدرة على القطع والارتفاع في الجو لم تقف أمام الطيور عقبات من بحر أو جبل أو مفازة، وهي كلها عوائق تقف سدودًا منيعة في وجوه كثير من الحيوانات الأخرى.

وقد ندهش، كيف تستطيع كائنات حية مهما بلغت من القوة أن تقطع تلك المسافات الطويلة بسرعة كبيرة، فانظر إلى الحدأة، وهي تطير عاليًا في السماء لا تهدأ في نهارها إلا قليلًا، أو إلى عصافير الجنة وهي تطير تهرول رائحةً غاديةً طول اليوم! فهل هي حقًّا تبذل في طيرانها مجهودًا عضليًّا مضنيًا يُقْعدها عندما يستقر بها المطاف؟ فنحن لو سرنا بضعة كيلومترات في اليوم الواحد لكان هذا بالنسبة لكثير منا مجهودًا مضنيًا، والواقع أن الطيور، بفضل ملاءمة أجسامها للحركة في الهواء ملاءمة تصل في بعض الأحيان إلى مرتبة الكمال، تقوم بالطيران في سهولة ويسر دون أن تشعر فيما يبدو ما نشعر به نحن في المشي، هذا إلى أن الطيور تعتمد في تحركاتها في الهواء على الرياح ومناطق الضغط في الهواء فتستغلها إلى أقصى درجات الاستغلال، وسوف ندرك ذلك لو عرفنا أن للطيران ثلاث طرق:
  • أولًا: الانزلاق: ويتم ببسط الجناحين دون تحريكهما، وهو مألوف في طائر اكتسب سرعة خاصة، فيتوقف عن تحريك جناحيه، وبواسطة هذين الجناحين وذيله المنبسط يطفو في الهواء وهذا يظهر بوضوح في طيور كأبي قردان والعنز والنورس وغيرها مما يكون لها سطح جناحين كبير، ويحصل الطائر على السرعة المطلوبة لتلك الحركة بواسطة الهبوط، فاليمامة مثلًا تطير من شجرة عالية إلى سطح الأرض بواسطة الانزلاق، فهي تنزلق إلى الأرض من الشجرة العالية، وهذه الحركة بطبيعتها وقتية.
  • ثانيًا: الدفيف: وهو الطيران بضرب الجناحين خفضًا ورفعًا ضربات قوية متتابعة، وإنه أيسر للطائر أن يتحرك في الهواء بطيران نشط إذا كانت له سرعة أولية معينة من أن يبدأ الطيران من مكان مستريح فيه، أي لا حركة له فيه، وهذا مما يحدو بالطيور عندما تريد النهوض إلى توجيه رءوسها ناحية الريح فترفعها عن الأرض، فإذا لم تكن هناك ريح كافية سعت لاكتساب سرعة أولية بواسطة الركض أو الوثب أو بكليهما؛ لهذا السبب لا تستطيع الطيور قصيرة الأرجل طويلة الجناحين إذا ما وضعت في مكان ضيق النهوض من الأرض، حتى الحمامة قوية الطيران، ضعها في مكان ضيق تجدها تحاول النهوض منه فلا تستطيعه أبدًا وترتمي على الأرض فاغرة فاها في إعياء!

    وهناك نوع من الطيران يقع تحت الدفيف، يُسمى التحليق وهو الطيران في وضع واحد بدون تغيير المكان مدة من الزمن، وهذا لا تمارسه سوى طيور قليلة جدًّا، قوية في نفس الوقت، مثل الصقر وصياد السمك.

  • ثالثًا: الصف أو الحوم: وهذا يتم للطائر بجناحين مُنبسطين فلا يحركهما أبدًا، والطيور التي لها القدرة على الحوم قليلة، وأغلب ما نشاهده في جوارح الطير مثل الحدأة والصقر والعقاب والنسر، وطيور الماء مثل النورس، وطيور أخرى كثيرة، وفي هذه الطيور تكون مساحة الجناحين كبيرة بالنسبة إلى وزن الجسم.

    ولكي يحوم الطائر لا بدَّ أن يكونَ هناك قدرٌ من الريح، فالحوم لا يشاهد أثناء ركود الهواء ركودًا تامًّا، وقد أجمع ثقات الباحثين على أن الطائر الذي يحوم بواسطة جناحيه المنبسطين يرسم في طيرانه منحنيات أو دوائر كاملة تساعده على الحركة فوق الريح أو تحتها في تبادل، وهو في قيامه بهذه الحركات يصعد إلى النقطة التي بدأ منها أو إلى أعلى منها مع قيامه بمجهود ضئيل يكاد يكون معدومًا.

ومن النظريات التي شرح بها الحوم نظريتان هامتان: الأولى، نظرية التيارات الهوائية الصاعدة؛ فهذه التيارات تحدث عندما تكون هناك ريح تهب على سفح جبل منحدر أو على منزل أو شراع سفينة، وقد شوهد النورس يحوم فوق صخور الشاطئ العمودية، فهو يترك نفسه للتيارات الهوائية التي يُحدثها هبوب الرياح على هذه الصخور فيظل معلقًا فيها، ولكن لا تتوفر هذه التيارات لدى الطيور الأخرى التي تحوم تحت ظروف أخرى مخالفة لهذه، فمثلًا شوهدت عقبان تحوم لمسافات طويلة جدًّا فوق سطح البحر أو الأرض، وهي في حومها ترتفع إلى أعلى باستمرار، فهذه النظرية لا تفسر الحوم في حالة تلك العقبان.

أما النظرية الثانية، فهي نظرية اختلاف سرعة الريح عند ارتفاعات مختلفة من الأرض أو البحر — سبب هذا الاختلاف هو أن احتكاك الريح بالأرض يُقلِّل سرعتها في طبقات الهواء السفلى عن التي تليها في الارتفاع، وهكذا مما يؤدي إلى اختلاف في سرعة الهواء في طبقاته المختلفة، ويستفيد الطائر الحوَّام من هذه الاختلافات، فإذا فرضنا أن طائرًا قد وصل في حومه إلى طبقة من الهواء تقع فوق الريح، ثم يحاول أن يهبط إلى طبقة أخرى تقع تحت الريح فهو يدور في نصف دائرة حتى يصل مع مهب الريح، ثم يهوي معها فيكتسب منها سرعة أفقية كبيرة، وعند هذه الطبقة السفلى يدور في نصف دائرة أخرى حتى يصل إلى نقطة ضد اتجاه الريح فيمر فيها، ففي هذه الحالة يكون التيار الداخلي للهواء المضاد للريح أشبه بقوة رافعة تدفعه إلى أعلى، ومما يؤيد هذه النظرية اتباع الطيور الحوامة في حومها هذه الدوائر فهي لا تقوم بها عبثًا، ولكن بعض هذه الطيور تحوم إلى طبقات عالية جدًّا من الجو لا يظن أن فيها سرعة الهواء تختلف كما هي الحال في الطبقات القريبة من سطح الأرض.

من كل هذا نستطيع أن نتبين إلى أي مدًى تلائم الطيور المعيشة في الهواء، كيف تتحرك فيه وكيف تتجول من منطقة إلى أخرى من مناطق العالم دون أن يُعيقَها عائق، ولكن ليست لكل الطيور هذه القدرة، فالنعام مثلًا طيور كبيرة لا تطير، وثمة أمثلة أخرى كثيرة لطيور لا تطير، فهناك مثلًا الأكتع أو البطريق الذي يقطن بالمناطق المتجمدة الجنوبية، له جناحان صغيران لا يعينان الطائر على الطيران أبدًا، وهناك أيضًا الشبم أو الكزوار٢ من غينيا الجديدة وأستراليا، والكيوي٣ من نيوزيلنده قد يضمر فيهما الجناحان ضمورًا كبيرًا جدًّا حتى أصبحا أثريين، وبالمثل كانت تقطن بجزيرة مدغشقر طيور ضخام (إيپيورنس)٤ لم تكن لها إلا أجنحة ضئيلة غاية الضآلة وقد بادت في عصرنا الحاضر الذي نعيش فيه، كما أن هناك طيورًا فقدت القدرة على الطيران كالديكة الرومية والدجاج المنزلي، وإن كانت لها أجنحة إلَّا أنها صغيرة بالنسبة لحجم الجسم ووزنه فلا تقوى على حمل هذه الطيور على الأرض إلَّا قليلًا.

وإن كانت الأغلبية العظمى للطيور تتحرك بحرية في الهواء إلَّا أنها وزَّعت نفسها توزيعًا حسنًا، فمن طيور تعيش على شواطئ البحار وعند جزره وتطلب غذاءها من الماء، إلى طيور تعيش في الصحراء، إلى أخرى تفضل قمم الأشجار، إلى غير ذلك من البيئات المختلفة، هذا إلى أنه إلى جوار هذا التوزيع، يوجد توزيع آخر بين مناطق العالم الجغرافية؛ فمن طيور تقطن بالمناطق الباردة إلى أخرى تدور حول خط الاستواء، وبين هذه وتلك نجد أنواعًا عدة منتشرة في مناطق العالم كله.

ولا شك أن رتبة من الحيوان هذه قدرتها على الحركة، وهذا توزيعها في مناطق العالم المختلفة، لا بد أن تصل الهجرة فيها إلى ذروتها، وإن كان البعض منها لا يهاجر من مكانه أبدًا، وعلى هذا الأساس تقسم الطيور من هذه الناحية إلى قسمين كبيرين؛ طيور أوابد أي لا تهاجر من مكانها، وطيور مهاجرة أو قواطع وهي التي ترحل من مواطنها، ثم ترجع إليها مرة في كل عام.

وتكثر الطيور الأوابد في المناطق الاستوائية والمعتدلة؛ وعلى ذلك نجد مثل هذه الأوابد متوفرة في السودان ومصر، ومن أمثلتها عصفور النيل والحدأة المصرية ويمام النخل المصري والغراب أبو برنس والبلبل وغيرها.

أما الطيور القواطع فأكثر عدًّا، ومن أمثلتها السماني (السمان) واللقلق (العَنَز) والوروار وكثير من أنواع البط البري. وأغلب ما تعيش هذه الطيور في المناطق الشمالية لنصف الكرة الأرضية الشمالي، وتتزاوج فيها في الربيع والصيف، ثم تنحدر من الشمال إلى الجنوب في فصل الخريف، وغالبًا ما تعبر خط الاستواء إلى الجنوب، ثم ترجع إلى مواطنها في نهاية الشتاء، ومن هنا يُفهم القصد من «الموطن» فهل هو الشمال أو الجنوب؟ والواقع أن الموطن الأصلي للطائر هو المكان الذي فقس فيه، فهو الشمال وليس الجنوب، فمثلًا يزورنا أبو فصادة أو الفتَّاح مع بداية الخريف ويقضي الشتاء كله في مصر ويغادرنا مع مقدم الربيع إلى الشمال ليتزاوج هناك، فموطن أبي فصادة إذن ليس مصر، وإن كان من طيورها الشتوية الظاهرة، وإنما هو شمال أوروبا وآسيا.

وليس حتمًا أن يعبر الطائر المهاجر خط الاستواء، وإنما قد يكتفي بالنزول في مناطق معتدلة تقع إلى الشمال من هذا الخط، فقد تكتفي بعض الطيور بالنزوح من المناطق القطبية وما تليها إلى الجزر البريطانية، وقد تمتد الهجرة إلى أبعد من ذلك، إلى جنوب أوروبا أو إلى شمال أفريقيا، أو تعبر الصحراء الكبرى إلى السودان، والواقع أن هذه التحركات فسرت على أن الطيور التي تعيش في المناطق الشمالية تخضع لعامل خارجي هام، ألا وهو طول النهار، فالطيور، كما عرفنا تحتاج إلى غذاء كثير لتقابل به الطاقة الكبيرة اللازمة لتدفئة الجسم وحركة الطيران، فهي تفتش عن هذا الغذاء في النهار، ومعظم هذا الغذاء، بالنسبة لطيور كثيرة، الحشرات.

إذن لا بدَّ أن تكون لدى تلك الطيور آكلة الحشرات فسحة من الوقت تجمع فيها هذه الحشرات، فكلما قصر النهار في الشمال مع الخريف انحدرت الطيور إلى الجنوب لتستبدل نهارًا طويلًا بنهارها الآخذ في القصر، أما إذا بقيت لا تقطع فإن الشتاء سوف يقبل عليها حيث لا يزيد طول النهار في الشمال البعيد عن بضع ساعات حتى نصل إلى القطب فيمتد الليل هناك ستة أشهر طوالًا، ولو فرضنا جدلًا أن الحشرات، غذاء تلك الطيور، تتحمل الحياة في تلك الأصقاع الشمالية النائية فإن الطيور لن تراها.

وقد أجرى العالم روان،٥ في هذا الصدد تجارب على طائر الجنكس،٦ وهو طائر رحَّال، بأن حجز منه عددًا قبل ارتحاله إلى الجنوب فعرض بعض أفراده لأشعة كهربائية وقتًا يساوي طول النهار في الجنوب (نهار صناعي)، ثم أخذ يزيد من طول الوقت تدريجيًّا حسبما يحدث في تلك البقاع، ثم أطلقها، فلما أحسَّت الفارق بين البيئتين لم تطق على المكث صبرًا فرحلت إلى الجنوب، أما تلك التي لم يعرضها لنهار صناعي فلم تشعر بتغيير ما في بيئتها التي تعودت عليها فلم ترحل؛ إذ قد فات أوان الرحيل ولو كان في ذلك هلاكها، وهذا دليل أخذ على أن اختلاف النهار والليل طولًا وقصرًا عامل خارجي مهم يُسيطر على هجرة الطيور.
figure
خريطة أوروبا وأفريقيا وغرب آسيا موضحة عليها مواطن اللقلق الأبيض وخطوط هجرته والبقاع التي يُشتِّي فيها.

وعندما تصل الطيور إلى مشتاها في الجنوب، يفضل الكثير منها أن يصل إلى حيث يكون هناك ربيع يقبل من بعده صيف، وهذا يفسر لماذا تعبر هذه الطيور خط الاستواء فكأنها تقضي عامها بين ربيع وصيف في الشمال وربيع وصيف في الجنوب، كأنما تختار لنفسها أطيب أجواء الدنيا.

مثال ذلك اللقلق الأبيض أو العنز، فهذا الطائر الكبير معروف في مصر يمر بها في رحلتيه بين الشمال والجنوب، طويل الساقين، لونه فيما بين أبيض وأسود، ومنقاره ورجلاه حمر قانية اللون، وهو يعيش في أوروبا والأناضول صيفًا، ثم ينحدر إلى أفريقيا فيصل إلى أقصى الجنوب فيها كما توضح الخريطة.

ولكن ما هو السبب الذي يحدو بتلك الطيور إلى الرجوع من الجنوب إلى الشمال؟ أو بالأحرى إلى أوطانها؟ الواقع أن الطيور وهي تقوم برحلتها من الجنوب إلى الشمال تكون تواقة إلى الهجرة أكثر مما تاقت إليها من الشمال إلى الجنوب، ذلك أن في رحلة الجنوب إلى الشمال يدفعها عامل فسيولوجي داخلي مهم، هذا العامل تسببه هرمونات تفرزها الغدد التناسلية، فالطيور في فصل التزاوج تنشط داخليًّا نشاطًا كبيرًا، إذ تكبر غددها التناسلية التي تُفرز كميات كبيرة من الهرمونات تدفع بها إلى التزاوج وبناء العش ووضع البيض والعناية بالصغار، وما ينقضي هذا الفصل حتى تضمر الغدد التناسلية، فتخمل الطيور من هذه الناحية كثيرًا، وقد قيست خصية العصفور المنزلي في فصل التزاوج فوجد أنها تصل إلى حبة الفول في الحجم، بينما في شهري ديسمبر ويناير تتضاءل إلى حجم حبة القمح! فكلما كبرت الغدد التناسلية زادت هرموناتها في الدم، فتقلق الطيور في الجنوب وتندفع مولية شطر الشمال تطلبه بكل قوة أوتيت لكي تصل إليه لتقوم بأعظم عمل في حياتها، ألا وهو التزاوج.

معنى هذا أننا لو استأصلنا الغدد التناسلية لطائر ما في وقت الهجرة لما هاجر لانعدام العامل الداخلي الذي يدفعه إليها، وقد برهنت التجارب على صحة هذا الاستنتاج، فقد خُصِي الذكر وجُبَّت الأنثى (أي استؤصل منها مبيضها) فلم يوليا مع الجموع بعد أن أذن الربيع بالقدوم، وقد يحدث هذا في الطبيعة لمرض يُصيب الغدد التناسلية فيعطلها عن إفراز الهرمونات فتعجز الطيور عن الهجرة، وقد شوهد عدد غير قليل من غربان أمريكا الشمالية الرحالة ولم تضرب مع عشيرتها عند الرحيل، ففحصها المختصُّون فوجدوا غددها التناسلية مُعطَّلة بمرضٍ أصابها.

وعندما تصل الطيور إلى مواطنها يمتلئ الجو بغنائها وشدوها، والغناء تقوم به ذكور الطيور دون الإناث، وهو من الناحية العلمية الصوت الذي يُحدِثه الطائر تحت تأثير الحب، ونحن لا يمكننا — تحت هذا التعريف — أن نضرب فاصلًا بين عجيج الأيمو العميق وعويل الزقزاق المحزن وصفير الصواي الرخيم وصوت الكوكو المتجول، وصراخ النسر ونعيق البوم وصوت البلبل المطرب ونعيق الغراب الأجش أو صوات الشنار الطبلي … إلخ فكل هذه الأصوات نغمات غنائية ناتجة عن أصل واحد ولها غاية واحدة، وكأن الطيور وقد وصلت إلى أوطانها تمرح فيها وتحتفل بإيابها فتملأ الجو بصيحاتها.

وقد يُراد بالغناء أن يعرف الطائر نفسه إلى طائر آخر من نفس نوعه أو أن يعرفه بحدود منطقته التي يعيش فيها ويسيطر عليها، وقد يُشير به إلى قوة الطائر الذكر وحيويته، أو أن يكون تحذيرًا لذكر آخر من نفس نوعه ليتجنب العراك أو أن يكون المراد منه أن يجتذب إليه أنثى إذا لم يكن قد تزوَّج بعد، فالغناء إذن ليس المراد منه أن يشدو الذكر في وقت فراغه لاهيًا كما يمكن أن يتصور البعض، وإنما هو عمل مضنٍ من ناحيته يؤدي به غرضًا معينًا ذا قيمة حيوية له ولعائلته وحينئذٍ لجنسه كله.

وعندما تصل الطيور إلى أوطانها في الشمال، تتجه إلى نفس الوطن أو إلى الأشجار التي تربت بينها، أو إلى الأغصان التي فقست عليها. فكيف وصلت هذه الطيور إليها بعد أن تركتها شهورًا طوالًا؟ الواقع أن سلوك هذه الطيور على هذه الصورة يحير الألباب، ويأخذنا العجب كل العجب عندما نعرف طيورًا تصل إلى نفس الغصن الذي تعهدها عليه أبواها من قبل؟

لا بدَّ أن تكون الغريزة، والغريزة وحدها، هي التي تدفع تلك الطيور إلى تلك البقعة بالذات، وإلا فكيف نفسِّر أمر هذا الطائر الذي يصل من حوض نهر الزمبيزي في جنوب أفريقيا لا إلى مقاطعة في النرويج أو بلدة منها أو شجرة من أشجار تلك البلدة، بل إلى نفس غصن الشجرة الذي فقس عليه! أهو على دراية بطبوغرافية الأرض تمكِّنه من التعرف على «منزله» في مناطق تتشابه فيها المنازل كل التشابه؟ ونحن نعرف من البشر أناسًا كثيرين لو نقلتهم إلى بلد جديد وأسكنتهم فيه لما عرفوا دورهم إلا بعد طول تردُّد عليها والسؤال عنها!

والطيور في مواطنها في فصل التزاوج لا تهدأ أبدًا، تبدأ بالغناء والغزل وبناء الأعشاش، ثم حضانة البيض وإطعام الفراخ، وتدريبها على الطيران، وهي تستنفد في ذلك مجهودًا كبيرًا، وقد تكرر العملية مرتين وقد تشترك الذكور مع الإناث في حضانة البيض وفي إطعام الفراخ.

وفي نهاية الفصل تكون الفراخ مكتنزة باللحم والشحم بعكس الطيور الكبار التي يضنيها السعي في إطعامها والذود عنها، فتولي عند مقدم الخريف، كأنما قد برمت بهذه الخدمة المتتالية وضاقت صدورها منها، فهي تريد أن تفرغ منها فترحل إلى الجنوب والفراخ في إثرها، ولو أن هناك من الطيور ما يشذ عن هذه القاعدة، وذلك بأن تبدأ الفراخ الهجرة تتبعها الطيور المسنة. وهنا ينبغي لنا أن نقرر بأنها كأنها مدفوعة بالغريزة وحدها، وإلا كيف نُفسر هجرة الفراخ التي لم تبلغ من العمر سوى ستة أسابيع أو ثمانية، وترك مواطنها لتقوم برحلة طويلة فوق مناطق لم تَرَها قط من قبل؟ رحلة تقطع فيها أرضًا وجبالًا عالية وبحارًا ممتدة وصحاري واسعة ما رأت منها شيئًا من قبل!

وقد قيل بصدد الغريزة إن الطيور قد أُجبِرت على الهجرة منذ الزمن الغابر البعيد بواسطة عوامل طبيعية ظهرت في مواطنها إبان العصر الجليدي، ثم تعودت الطيور على النزوح جنوبًا كل عام من الشمال إلى الجنوب، فأصبحت الهجرة لديها عادةً فرسخت فيها حتى أصبحت مقيدة بها لا تستطيع أن تتحرر منها. ونحن نطلق هنا كلمة «الغريزة» على أي فعل يقوم به الحيوان من تلقاء نفسه وبدون تجربة سابقة، ويؤدي إلى نتائج معلومة لا يستطيع الحيوان قبل القيام به أن يتكهن بها.

ومجمل القول عن الطيور أنها تلجأ إلى الهجرة هروبًا من الجو القارس في الشتاء وقصر النهار الذي يصحبه، فتهاجر إلى مناطق يطيب فيها الجو ويطول النهار كي تستطيع أن تجد الوقت الكافي لإطعام نفسها؛ حيث إنها تحتاج إلى وفرة من الغذاء نظرًا لما يتطلبه مجهودها في الطيران من طاقة عالية، وعندما يحل الربيع تدفع بالطيور إلى النزوح شمالًا إلى مواطنها إفرازاتٌ داخلية من الغدد التناسلية كي تتزاوج هنالك، وبطبيعة الحال يأتي حسن التوزيع مساعدًا على تفسير لهذه الهجرة، فلو أن الطيور بقيت في أماكنها في الجنوب وحل عليها فصل التزاوج هنالك لَشاركت حيوانات تلك المنطقة غذاءها، بينما هو متوفر لها في الشمال. ويُجمِع الثقات على أن هجرة الصغار التي لم ترحل من قبلُ وكونها تبدأ الرحلة قبل آبائها إنما مبعثها الغريزة وحدها التي تولَّدت فيها منذ قديم الزمان، ملايين السنين.

(١) مصر وهجرة الطيور

قبل أن نختتم هذا الفصل عن هجرة الطيور ينبغي لنا أن نُشير إلى موقف مصر من الطيور، فموقع مصر في العالم القديم جعلها، كما جعل غيرها من دول الشرق العربي، مسلكًا هامًّا لطيور الشمال، فكثير من طيور أوروبا الوسطى والجنوبية وآسيا الصغرى ولبنان وسوريا وإيران وأفغانستان وجنوب سيبيريا تتجه جنوبًا، غايتها حوض نهر الزمبيزي وأفريقيا الجنوبية الشرقية، فتمر بالجزيرة العربية ومصر والسودان والصومال وغيرها. وهي تظهر هنا مرتين في الخريف والربيع، وتُسمَّى تلك الطيور المهاجرة بالطيور العابرة (ترانسيت)، وقد لا يستمر بعض هذه الطيور في رحلته إلى الجنوب فيحطُّ رِحالَه في مصر ويقضي بها الشتاء، وتُسمَّى تلك الطيور بطيور الشتاء الزائرة، وقد تصل إليها طيور في بعض السنين لم تتعود أن تصل إليها، ويُعتبر هذا شرودًا من تلك الطيور، كما يُعتبر ظهورها في مصر نادرًا.

وهناك أيضًا طيور تصل إلى مصر لا من الشمال وإنما من الجنوب، وهي تفعل ذلك في فصل الصيف؛ ولذلك تسمى طيور الصيف الزائرة، فهي تقضي عندنا الصيف، ثم تولي في الخريف ناحية الجنوب لتقضي به فصل الشتاء، ففصل الشتاء عندنا بالنسبة لهذه الطيور بارد شديد البرودة فتُفضِّل أن تنزح إلى الجنوب قبل حلوله لتقضي هذا الفصل وسط الدفء الشديد الذي تمتاز به منطقة السودان الجنوبي.

وقد يتبادر إلى الذهن أن معظم الطيور المهاجرة التي تمر بمصر إنما تسلك طريق وادي النيل يجذبها إليه بخضرته ومائه ودفئه، وهذا صحيح إلى حدٍّ كبير، ولكن كثيرًا من الطيور تمر بمصر دون أن ترى من وادي النيل أثرًا، فبعضها يمر فوق سيناء، ثم ينحدر جنوبًا على طول ساحل البحر الأحمر، أو قد يعبر الصحراء الغربية بمفازاتها. والواقع أن الصحراء الغربية تُعتبر من هذه الناحية مسلكًا ملائمًا لهجرة الطيور، ذلك أن بها كثيرًا من الواحات، كالخارجة والداخلة والبحرية والفرافرة وسيوة وغيرها، كما أن الحرارة العالية بها أثناء النهار تسبِّب تيارات في الجو تستفيد منها الطيور، فقد لُوحِظ أن الطيور المحلِّقة أو الحوَّامة تدخل في هذه التيارات لتجرفها، أو الأصح أن تلك الطيور تترك نفسها للتيارات فتنقلها بسرعة تصل إلى خمسين ميلًا في الساعة دون أن تبذل الطيور مجهودًا يُذكر أو ضئيلًا للغاية، ومما يدل على صحة هذا الاستنتاج؛ أيْ أن الطيور الحوَّامة تستفيد من التيارات الهوائية الناتجة من تغير الحرارة، هو كثرة ظهور الطيور المهاجرة في العاشرة صباحًا والرابعة بعد الظهر.

ولقد اهتمت المعاهد العلمية المختصة بدراسة الهجرة، فأقامت مراكز كثيرة للمراقبة في مختلف أنحاء العالم لمراقبة سير الطيور في مسالكها المختلفة في فصلَي الهجرة، كما استعانوا على دراسة تلك المسالك بوضع حلقات في أرجل الطيور الصغيرة تُنقَش عليها أرقام معينة وأسماء المعاهد التي تُطلق منها هذه الطيور، ويحدث كثيرًا أن يقع أحد هذه الطيور المرقومة في أيدي المهتمين بهذا النوع من الدراسة فيخابر هؤلاء المعاهد بها. وفي [خريطة أوروبا وأفريقيا وغرب آسيا] تُبيِّن الخريطة مسلك اللقلق الأبيض التي استطاع المختصون الوصول إلى توضيحها نتيجة دراستهم بتلك الوسيلة.

وحيث إن مصر تهيئ منطقة من أكثر المناطق ملاءَمةً للطيور المهاجرة تسلكها أو تحطُّ فيها لتقضي بها فصلًا أو آخر، فإن دراستها هنا من ألزم ما ينبغي أن يقوم المختصون به، ولكن مع الأسف لا توجد بها نقط للمراقبة لتساعد في المساهمة على تقصِّي خطوط سير الطيور، كما ينبغي أن تلقى الطيور من العناية والدراسة في المدارس والمعاهد ما ينبغي من بلد تعيش بين ربوعه أصناف كثيرة من الطيور، كما تفد إليه أصناف كثيرة أخرى، وبخاصة أن كثيرًا من الطيور يلعب دورًا هامًّا في الزراعة؛ حيث إنها دون الإشارة إلى ما يجنيه الإنسان من زبلها وريشها ولحمها وبيضها، تساعد في القضاء على كثيرٍ من الحشرات التي قد تُصيب المحاصيل بأبلغ الأضرار.

هذا إلى أن الطيور المهاجرة بنوعٍ خاصٍّ تكون جزءًا من الثروة القومية في مصر، فهذا هو السماني (السمان) يفد إلى مصر في سبتمبر ومارس ويحترف كثير من الناس صيده حيًّا وتصديره إلى الأسواق الداخلية في أقفاص صغيرة، وتلك هي أصناف عديدة من البط البري، كالشرشير والبلبول والخضاري والكيش وغيرها وغيرها، تصاد بعشرات الألوف للاستهلاك المحلي أيضًا. والغر أيضًا ذلك الطائر المائي الأسود يكون غذاء لدى كثير من سُكَّان السواحل، ولا ننسى أيضًا اليمام الغيطي الذي يتجر فيه الباعة في المدن كما يفعلون بالسماني.

ولقد نبهت إلى الاهتمام بأمر الطيور وحمايتها في مصر، في المؤتمر الذي عُقِد في بيروت في يونيو ١٩٥٤ لمناقشة حماية الطبيعة،٧ وقد قلت: «تحتاج حماية الطيور إلى التشريع والثقافة، فبالقانون تصادر الطيور التي حُرِّم صيدها وتُسحَب رخصة السلاح، مع فرض الغرامة والحبس لمَن يخالف القانون. وقد كان أثر القانون في هذا السبيل ناجحًا في بعض الحالات، فأبو قردان والبياضي والهدهد طيور كادت تبيد من مصر في العشرة الأولى من هذا القرن لولا أن كفل لها القانون حماية، كما أن الحكومة تعمل على مراقبة صيد السمان، ومجهودُها في هذا السبيل مُثمِر. ونحن شعب يكره القتل ويفضِّل أن يرى المحيط به مليئًا بالطيور لا خاليًا منها، وهذا يفسِّر سبب نجاح حماية الطيور في مصر، غير أننا نود أن تدخل حماية الطيور في مصر مرحلة جديدة، فرجال البوليس والخفر ينبغي أن يعرفوا الطيور التي يُراد حمايتها، كما أن الجمهور ينبغي أن يُذكَّر بالقانون بين الحين والحين، وأن يتعرف على الطيور التي تميِّز البلاد؛ وذلك بأن نبدأ بالمدارس وبخاصة الثانوية منها، وبكليات الزراعة والعلوم، فتُنظم المحاضرات في تلك المعاهد، وأن تعقد مسابقات في الكتابة عن طيور المناطق المختلفة من الجمهورية، وأن تشجع المدارس على تكوين جمعيات التاريخ الطبيعي، وأن يُعلَّم النشء كيف يحب الطبيعة بما فيها من طيور فيُسمي الصغار الطيور ويراقبونها ولا يلحقون بها أذًى، كما ينبغي أن تُلقَى محاضرات عن طريق الإذاعة في البرنامج العام وركن الريف تُبيِّن فيها فائدة الطيور التي يحميها القانون، كما ينبغي أن تحدد بعض المناطق يُحرَّم الصيد فيها تحريمًا تامًّا، فتُترَك لتنمو فيها النباتات وترعى الحيوانات على سجيتها وطبيعتها.»

وهذا كشف ببعض الطيور المشهورة التي تظهر بمصر، مُقسَّمة فيه على حسب الهجرة:

طيور أوابد (أي لا تهاجر)

الغراب النوحي – الغراب أبو برنس – عصفور النيل – القبرة المتوجة – أبو فصادة أزرق الرأس المصري – البلبل المصري – الفصية – الفصية مروحية الذنب – الأبلق الحزين – عصفور الجنة – السمامة المصرية – الخضيري المصري – الهدهد المصري – طير السمك (أو صياد السمك الأبقع) – أم قويق – العوسق المصري (وهو الصقر المألوف) – الحدأة المصرية – الرخمة المصرية (أحد النسور) – أبو قردان – يمام النخل المصري – الكروان – الزقزاق البلدي – الإوَز المصري.

طيور مهاجرة عابرة

الصفير – أبو فصادة أزرق الرأس الأوروبي – الصرد – النهس – الدقناش الشامي – الشورب المخطط – أبو شيقونة المطوق – أبو قلنسوة – الزريقة الفيراني – النقشارة – أبو بليق – الحميراء – الخطاف – الوروار – السماني – اللقلق الأبيض – اليمام الغيطي.

طيور مهاجرة زائرة شتوية

الزرزور – العصفور الظالم – الجشنة الحمراوية الزور – الجشنة الصفراء – أبو فصادة الأشهب الرأس – أبو فصادة الأبيض (المعروف بالفتاح) – سكسكة الغرب – السمنة المطربة – القليعي المتطوق – الحسيني – أبو الحناء – الدراع – البلشون الرمادي – الشرشير الشتوي – الكيش – الطيطوي الكبير – أبو الرءوس الصغير – النورس الأحمر القدمين – الغر – الشهرمان – الحضاري – السماري – البلبول – الصواي – الحمراي – الزرقاي الأحمر – الزرقاي.

طيور مهاجرة زائرة صيفية

الخنشع الزيتوني – البلبل الأحمر – خطاف الشواطئ – الوروار الأزرق الخد – الشرشير الصيفي.

١  انظر كتاب طيور مصر مع نبذة عن حياة الطيور للمؤلف.
٢  Cassowary.
٣  Kiwi.
٤  Aepeornis.
٥  Rowan.
٦  Junccs.
٧  انظر: «حماية الطيور في مصر» للمؤلف (بالإنجليزية).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤