الفصل الثاني

في تاريخ الشعر

الشعر قالته العرب من قديم من عهد عاد وثمود والعمالقة كما يدل على ذلك رواية بعض أخبارهم، إلا أنه لمَّا كانت أحوال الأمم في هذه الأعصر الغابرة مُدرجة تحت طي الخفاء لم تصل إلينا أشعار شعرائهم، ولا أخبارهم مُفصَّلة حتى نتعرَّف منها سير الشِّعر وترَقِّيه، ولم يزل الأمر مستورًا إلى أن جاء عصر آل المنذر ملوك الحيرة قبل الإسلام بنحو مائة سنة فأكثر، فبرح الخفاء وأخذ الشعر في الظهور والنماء. وأولع العرب به حتى صار ديدنًا لهم وسجيَّة فيهم ومبلغ علمهم وحكمتهم وأدبهم، يقولونه رجالًا ونساءً في فنون مختلفة، كالحماسة والفخر والنسيب والحكم والآداب والأخلاق والمدح والهجاء والرثاء والاعتذار والوعيد والعقاب والشكوى وذكر المنازل والطلول، ووصف الظباء والغزلان وتاريخ الوقائع وأيام الحروب وغير ذلك؛ ولذا قيل: «الشعر ديوان العرب.» قال الخطيب التبريزي: «به يحفظون المكارم والمناسب، ويقيدون به الأيام والمناقب، ويُخَلِّدون به معالم الثناء، ويبقون به مواسم الهجاء، ويضمِّنونه ذكر وقائعهم في أعدائهم، ويستودعونه حفظ صنائعهم إلى أوليائهم.» ا.ﻫ.

وكان للعرب أسواق يقيمونها يعرضون فيها أشعارهم إما ارتجالًا وإما استحضارًا، رُوي أن النابغة الذبياني كانت تُضرب له قبة حمراء في سوق عكاظ، فيجلس لشعراء العرب على كرسي، وتأتيه الشعراء فتنشده أشعارها فيفضِّل من يرى تفضيله، فأنشده في بعض المواسم الأعشى، ثم حسان بن ثابت، ثم الخنساء فأعجبه شعرها، فقال لها: «اذهبي فأنتِ أشعر من كل ذات ثديين، ولولا أن أبا بصير (يريد الأعشى) أنشدني قبلكِ لفضلتكِ على شعراء هذا الموسم، فإنكِ أشعر الإنس والجن.» فلما أن سمع حسان ذلك غضِب، وقال: أنا أشعر منكَ ومنها. فقال له: يا ابن أخي، ليس الأمر كما ظننت. ثم التفتَ إلى الخنساء وقال: خاطبيه يا خناس. فالتفَتَتْ إليه الخنساء وقالت: ما أجود بيت في قصيدتك هذه التي عرضتها آنفًا؟ قال: قَوْلِي فيها:

لنا الجفنات الغرُّ يلمعن في الضحى
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

قالت: ضعَّفت افتخارك وأنزرته في ثمانية مواضع في بيتك هذا. قال: وكيف؟ قالت: قلت: «لنا الجفنات»، والجفنات ما دون العشر، ولو قلت: الجفان لكان أكثر. وقلت: «الغر»، والغرَّة بياض في الجبهة، ولو قلت: البيض لكان أكثر اتِّساعًا. وقلت: «يلمعن»، واللمعان شيء يأتي بعد شيء، ولو قلت: يشرقن لكان أكثر؛ لأن الإشراق أدوم من اللمعان. وقلت: «بالضحى»، ولو قلت: بالدُّجى لكان أكثر طرَّاقًا. وقلت: «أسياف»، والأسياف ما دون العشرة، ولو قلت: سيوف لكان أكثر. وقلت: «يقطرن»، ولو قلت: يسلن لكان أكثر. وقلت: «دمًا»، والدماء أكثر من الدم. فسكت حسَّان ولم يُحِر جوابًا.

(١) المعلَّقات السبع

ومن أشهر شعر العرب القصائد السبع المشهورة بالمعلقات؛ لأنها عُلِّقت على الكعبة احترامًا لها، وأصحابها: امرؤ القيس الكندي، وطَرَفة بن العبد، وزهير بن أبي سلمى المزني، ولبيد بن ربيعة العامري، وعمرو بن كلثوم، وعنترة بن شدَّاد العبسي، والحارث بن حلِّزة اليشكري.

ورأيت على هامش «شرح الزوزني» لهذه المعلقات ما نصه: «إنما سُميت المعلقات؛ لأن العرب في الجاهلية كان الرجل منهم يقول الشعر في أقصى الأرض فلا يُعبأ به ولا ينشده أحدًا، حتى يأتي مكة فيعرضه على أندية قريش، فإن استحسنوه رُوي وكان فخرًا لقائله، وإن لم يستحسنوه طُرِح ولم يُعبأ به. قال أبو عمرو بن العلاء: وكانت العرب تجتمع في كل عام بمكة، وكانت تعرض أشعارها على هذا الحي من قريش. قال ابن الكلبي: فأول شعر عُلِّق في الجاهلية شعر امرئ القيس، عُلِّق على ركن من أركان الكعبة أيام الموسم حتى نُظر إليه فعلقت الشعراء بعده، وكان ذلك فخرًا للعرب في الجاهلية. وعدد من عُلِّق شعره سبعة آلاف، إلا أن عبد الملك طرح شعر أربعة منهم وأثبت مكانهم أربعة. ورَوى آخرون أن بعض أمراء بني أمية أمر من اختار له سبعة أشعار فسمَّاها المعلقات الثواني.»

قال حماد الراوية: كانت العرب تعرض أشعارها على قريش فما قبلوا منه كان مقبولًا، وما ردوا منه كان مردودًا، فقدم عليهم علقمة الفحل، فأنشدهم قصيدته التي أولها:

هل ما علمت وما استودعت مكتوم
أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم

فقالوا: هذه سمط الدهر، ثم عاد إليهم العام المقبل فأنشدهم قصيدته التي أولها:

طحا بك قلب في الحسان طروب
بُعيد الشباب عصرَ حانَ مشيبُ

فقالوا: هاتان سمطا الدهر.

وكان للبداوة والحضارة تأثير على الشعر؛ فكان شعر البدوي يدور بين جبل وجمل وحط وترحال ورداء وخباء وصيال ونزال وقتام وغمام، وما أشبه ذلك من مشاهده التي هو فيها، وشعر الحضري بين قصور وحور وترف وطُرَف ولهو وطرب وخلاعة وما شاكل ذلك.

وكان الشعر ذا تأثير واعتبار في النفوس؛ فكان الشاعر يرفع قومًا ويخفض آخرين بشعره. مما يرشد إلى ذلك ما جاء في ترجمة الأعشى في «الأغاني» من أنه كان لأبي المحلق شرف فمات وقد أتلف ماله، وبقي المحلق وثلاث أخوات له ولم يترك لهم إلا ناقة واحدة وحُلَّتَي برود جيدة كان يسد بها الحقوق. فأقبل الأعشى من بعض أسفاره يريد منزله باليمامة، فنزل الماء الذي به المحلق، فقراه أهل الماء فأحسنوا قراه، فأقبلت عمة المحلق فقالت: يا ابن أخي هذا الأعشى قد نزل بمائنا وقد قراه أهل الماء، والعرب تزعم أنه لم يمدح قومًا إلا رفعهم، ولم يَهْجُ قومًا إلا وضعهم، فانظر ما أقول لك واحْتَلْ في زقٍّ من خمر من عند بعض التجار، فأرسِل إليه بهذه الناقة والزق وبردتي أبيك، فوالله لئن اعتلج الكبد والسنام والخمر في جوفه ونظر إلى عطفيه في البردتين لَيَقُولَنَّ فيك شعرًا يرفعك به. قال: ما أملك غير هذه الناقة وأنا أتوقع رَسلها! فأقبل يدخل ويخرج ويهمُّ ولا يفعل، فكلما دخل على عمته حضَّته حتى دخل عليها، فقال: قد ارتحل الرجل ومضى. قالت: الآن والله أحسن ما كان القِرى تُتبعه ذلك مع غلام أبيك مولًى له أسود شيخ، فحيثما لحقه أخبره عنك أنك كنت غائبًا عن الماء عند نزوله إياه، وأنت لمَّا وردت الماء فعلمت أنه كان به كرهت أن يفوتك قِراه، فإن هذا أحسن لموقعه عنده. فلم تزل تَحضُّه حتى أتى بعض التجار فكلمه أن يقرضه ثمن زق خمر، وأتاه بمن يضمن ذلك عنه فأعطاه، فوجَّه بالناقة والخمر والبُردين مع مولى أبيه، فخرج يتبعه فكلما مر بماء قيل: ارتحل أمس عنه، حتى صار إلى منزل الأعشى بمفتوحة اليمامة، فوجد عنده عدة من الفتيان قد غدَّاهم بغير لحم وصبَّ لهم فضيخًا فهم يشربون منه، إذ قُرع الباب، فقال: انظروا من هذا؟ فخرجوا فإذا رسول المحلق يقول كذا وكذا، فدخلوا عليه وقالوا: هذا رسول المحلق الكلابي أتاك بكيت وكيت. فقال: وَيْحكُم، أعرابي والذي أرسل إليَّ لا قدر له! والله لئن اعتلج الكبد والسنام والخمر في جوفي لأقولن فيه شعرًا لم أقل قط مثله. فواثبه الفتيان وقالوا: غبت عنا فأطلت الغيبة ثم أتيناك فلم تطعمنا لحمًا وسقيتنا الفضيخ واللحم والخمر ببابك لا نرضى بذا منك. فقال: ائذنوا له، فدخل فأدَّى الرسالة، وقد أناخ الجزور بالباب ووضع الزقَّ والبُردين بين يديه. قال: أقره السلام وقل له: وصلتك رحم سيأتيك ثناؤنا. وقام الفتيان إلى الجزور فنحروها وشقوا خاصرتها عن كبدها، وجلدها عن سنامها ثم جاءوا بهما، فأقبلوا يشوون وصبوا الخمر فشربوا، وأكل معهم وشرب ولبس البُردين ونظر إلى عطفيه فيهما فأنشأ يقول:

أَرِقتُ وما هذا السهاد المؤرق
وما بي من سقمٍ وما بي معشق
ولكني أراني لا أزال بحادثٍ
أغادي بما لم يمسِ عندي وأطرق

حتى انتهى إلى قوله:

أبا مسمع سار الذي قد فعلتم
فأنجدَ أقوام به ثم أعرقوا
به تعقد الأجمال في كل منزل
وتُعقد أطراف الحبال وتطلق

قال: فسار الشعر وشاع في العرب، فما أتت على المحلق سنة حتى زوَّج أخواته الثلاث كل واحدة على مائة ناقة، فأيسر وشرُف. وقال ابن رشيق: «وكانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها بذلك، وصنعت الأطعمة، واجتمعت النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعن في الأعراس، وتتباشر الرجال والولدان؛ لأنه حماية لأعراضهم، وذبٌّ عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشارة لذكرهم، وكانوا يُهنَّئون إما بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج.»

(٢) تأثير الإسلام على الشعر

وفي أول الإسلام انصرف العرب عن الشعر بما شغلهم من أمر الدين والنبوة والوحي، وما أدهشهم من أسلوب القرآن ونظمه، ولكنهم رجعوا إليه لما علموا أن لا حظر عليه فيما أتاهم به النبي، بل رأوه — عليه الصلاة والسلام — يسمعه ويثيب عليه، فقد أجاز كعب بن زهير بُرْدًا حين مدحه بقصيدته التي أولها:

بانت سعاد فقلبي اليوم مَتْبُولُ
متيَّمٌ إثرها لم يُفدَ مكبولُ

ويُروى أن كعبًا باع البردة إلى معاوية بعشرين ألف درهم. قال عمر بن الخطاب: «كان الشعر عِلم قوم لم يكن لهم علم أصحُّ منه.» فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب وتشاغلوا بالجهاد وغزو فارس والروم، ولَهَتْ عن الشعر وروايته، فلما كثُر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنَّت العرب بالأمصار راجعوا رواية الشعر، فلم يئولوا إلى ديوان مدوَّن ولا كتاب مكتوب وألفوا ذلك، وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل فحفظوا أقل ذلك وذهب عنهم كثير. وقد كان عند آل النعمان بن المنذر منه ديوان فيه أشعار الفحول وما مُدح به هو وأهل بيته، فصار ذلك إلى بني مروان أو ما صار منه. وبعد الإسلام بزمن لما كثُر تمدن العرب وتحضُّرهم واختلاطهم بأهل الأمصار أخذ الشعراء في التأنق في الشعر فرقَّ وحسُن ولبس صبغة غير صبغته التي كان عليها عصر الجاهلية. وبالإجمال حضارة الإسلام سلَّت عن الشعر رداء المعاظلة والحوشية، وألبسته حلل الرقة والملاحة، انظر إلى قول جرير:

إن العيون التي في طرْفها حورٌ
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
وهنَّ أضعف خلق الله إنسانا

ومما كان يساعد على ترقي الشعر أن الخلفاء والأمراء كان يثيبون الشعراء المُجيدين ويقربونهم من مجالسهم؛ فكان الشاعر ينفتق لسانه بالشعر المليح رغبةً في الجائزة أو طمعًا في الجاه، وقد ينتجع بشعره قاصدًا الممدوح مع بُعد المشقَّة طلبًا لنواله. وقد انتجع أبو نواس من بغداد قاصدًا الخصيب بن عبد الحميد، أمير مصر من قِبل الرشيد، ومدحه بقصيدته التي أولها:

أجارةَ بيتينا أبوكِ غيور
وميسور ما يُرجى لديك عسير

فغمره بإحسانه وردَّه إلى أوطانه.

(٣) اعتبار الشعر بعد الإسلام

ولم تزل درجة الشعر عالية واعتباره في النفوس باقيًا عصرَ الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أمية، فقد رُوي أن بني عبد المدان كانوا يفخرون بطول أجسامهم، حتى قال فيهم حسَّان:

لا بأس بالقوم من طولٍ ومن غلظٍ
جسم البغال وأحلام العصافير

فقالوا له: يا أبا الوليد، لقد تركتنا ونحن نستحيي من ذكر أجسامنا بعد أن كنا نفخر بها! فقال لهم: سأصلح منكم ما أفسدت، فقال فيهم:

وقد كنا نقول إذا رأينا
لذي جسمٍ يعد وذي بيان
كأنك أيها المُعطى لسانًا
وجسمًا من بني عبد المدان

ورُوي أن الزبرقان بن بدر لما هجاه الحطيئة بشعرٍ قال فيه:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

حطَّ من أمره، فرفع أمره إلى عمر بن الخطاب وأنشده البيت، فقال: ما أرى به بأسًا. قال الزبرقان: والله يا أمير المؤمنين ما هُجيت ببيت قط أشد عليَّ منه، فبعث إلى حسان بن ثابت وقال: انظر إن كان هجاه! فقال: ما هجاه ولكن سلح عليه. فأمر الأمير بحبس الحطيئة، فكتب إليه وهو في الحبس:

ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ
زُغب الحواصل لا ماء ولا شجر؟
ألقيت كاسبَهم في قعر مظلمة
فاغفر عليك سلام الله يا عمر!
أنت الإمام الذي مِن بعد صاحبه
ألقت إليك مقاليد النهى البشر
ما آثروك بها إذ قدَّموك لها
لكن لأنفسهم قد كانت الأثر

فأمر بإطلاقه وأخذ عليه أن لا يهجو أحدًا.

وكان بنو نمير أشراف قيس وذوائبها، فلما هجا جرير راعيهم بقوله:

فغُضَّ الطرف إنك من نميرٍ
فلا كعبًا بلغت ولا كلابًا

اتضع اسمهم وانحطَّ شأنهم.

ورُوي أن جريرًا دخل على عبد الملك بن مروان، فأنشده قصيدته التي أولها:

أتصحو أَمْ فؤادك غير صاحي
عشية همَّ صحبُك بالرواحِ؟
تقول العاذلات: علاك شيبٌ
أهذا الشيب يمنعني مزاحي؟!
تعزت أم حرزة ثم قالت:
رأيت الموردين ذوي لقاح
ثقي بالله ليس له شريك
ومن عند الخليفة بالنجاح
سأشكر أن رددت إليَّ ريشي
وأنبتَّ القوادم في جناحي
ألستم خير من ركِب المطايا
وأندى العالمين بطون راح؟

فلما انتهى جرير إلى هذا البيت كان عبد الملك متكئًا، فاستوى جالسًا وقال: مَن مدحنا منكم فليمدحنا بمثل هذا أو فليسكت، ثم أجاز جريرًا بمائة ناقة.

ثم أخذ اعتبار الشعر يتناقص في غضون دولة بني العباس لما كان يؤخذ به الشعراء من مس شرف ذوي المقامات.

فمن ذلك ما رُوي أن بشار بن برد في خلافة المهدي ثالث خلفاء بني العباس استنهض بني أمية في استرداد الخلافة إليهم، مدعيًا أن الخليفة مغمور في ملاهيه وأن القائم بأعباء الخلافة وزيره يعقوب بن داود، فقال في ذلك:

بني أمية هُبُّوا طال نومكم
إن الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا
خليفة الله بين الناي والعود

فضربه حتى مات. وقيل: إن بشار بن برد هجا صالح بن داود أخا يعقوب حين وُلِّيَ فقال:

همو حملوا فوق المنابر صالحًا
أخاك فضجَّت من أخيك المنابر

فبلغ يعقوب هجاؤه فدخل على المهدي فقال: إن هذا الأعمى المشرك قد هجا الخليفة، قال: وما قال؟ قال: يعفيني أمير المؤمنين من إنشاده، فأبى أن يعفيه، فأنشده:

خليفة يزني بعماته
يلعب بالدبوق والصولجان
أبدلنا الله به غيره
ودس موسى في حر الخيزران

فوجَّه في حمله فخاف يعقوب أن يقدم على المهدي فيمدحه فيعفو عنه، فوجَّه إليه من يُلقيه في البطيحة.

وفي القرون الأخيرة مالت الأنظار عن الشعر وقلَّتْ جوائزه.

(٤) تقسيم الشعر إلى أربع طبقات

وقد قُسم الشعر إلى أربع طبقات: شعر جاهلي؛ وهو شعر مَن جاء قبل الإسلام كشعر امرئ القيس وزُهير بن أبي سلمى المتوفَّى قبل الإسلام بنحو سنة، وشعر مخضرم؛ وهو شعر مَن أدرك عصر الجاهلية والإسلام، كشعر الأعشى والحُطيئة، وشعر إسلامي؛ كشعر شعراء الدولة الأموية مثل الفرزدق وجرير، وشِعْر مولَّد؛ كشعر شعراء الدولة العباسية مثل أبي نواس وأبي فراس الحمداني المتوفى سنة ٣٥٧. قالوا: إن الشعر خُتم بأبي فراس كما بُدئ بامرئ القيس الكندي.

(٥) الاستشهاد بالشعر في العلوم

وشعر الطبقة الأولى والثانية يُستشهد به في اللغة وغيرها، وأما شعر الثالثة فالصحيح أنه يُستشهد به أيضًا، وأما الرابعة فالصحيح أنه لا يُستشهد بشعرها إلا في علوم المعاني والبيان والبديع؛ فإنها راجعة إلى المعاني، ولا فرق في ذلك بين الجاهلي والمولَّد. وقد زيدت طبقة خامسة وهي: شعر المتأخرين، كابن مطروح، وصَفِيِّ الدين الحِلِّي المتوفى سنة ٧٥٠. ويلحق بهذه الطبقة شعر شعراء هذا العصر؛ أي القرن الرابع عشر الهجري وما قبله، مثل الشيخ علي الليثي، والشيخ علي أبي النصر من شعراء العائلة الخديوية. ولما توفي خديوي مصر محمد باشا توفيق سنة ١٣٠٩ من الهجرة رثاه بقصائد الشعر نحو ستين شاعرًا ترى أسماءهم وقصائدهم في كتاب «القول الحقيق في رثاء وتاريخ الخديوي المغفور له محمد باشا توفيق».

ولدرك تفاوت درجات الشعر مع تقلبات العصور نذكر أشعارًا لهذه الطبقات تتوارد على باب واحد، كالمدح والنسيب والرثاء.

(٦) أشعار متواردة على المدح

قال الشاعر الجاهلي، وهو زهير بن أبي سلمى، يمدح هرم بن سنان المري:

إن الخليط أجدَّ البين فانفرقا
وعُلِّق القلبُ من أسماء ما عَلِقا١
وأخلفتكَ ابنةُ البكريِّ ما وعدتْ
فأصْبَحَ الحَبْلُ مِنْها واهِنًا خَلَقَا٢
وفارقتك برهن لا فكاكَ له
يوم الوداع فأمسى الرهن قد غَلِقا٣
قامت تراءى بذي ضالٍ لتحزنني
ولا محالةَ أنْ يشتاقَ من عشقا
بِجِيدِ مُغْزِلَةٍ أدْماءَ خاذِلَة
من الظباءِ تراعِي شادنًا خرِقا٤
كأنَّ رِيقَتَها بعدَ الكرَى اغتُبِقَتْ
مِنْ طَيبِ الراحِ لمَّا يَعْدُ أن عَتُقَا٥
شجَّ السقاةُ على ناجودها شبمًا
مِنْ ماءِ لِينَةَ لا طَرْقًا وَلا رَنِقَا٦
ما زلتُ أرمقهم حتَّى إذا هبطتْ
أيدي الركابِ بهِمْ من راكِس فلقَا٧
دانيةً من شرورى أو قفا أدمٍ
تسْعَى الحُداةُ على آثارِهمْ حِزَقَا٨
كَأنَّ عَيْنيَّ في غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ
منَ النوَاضِحِ تسقي جَنةً سُحُقَا٩
تمطو الرشاءَ فتجري في ثنايتِها
مِنَ المَحالَةِ قبًّا رائِدًا قَلِقَا١٠
لها متاع وأعوانٌ غدونَ به
قتبٌ وغربٌ إذا ما أُفرغَ انسحقا
وخلفها سائقٌ يحدُو إذا خشيتْ
منهُ اللحاق تمدُّ الصُّلْبَ والعُنُقَا
وقابلٌ يتغنَّى كلَّما قدرتْ
على العَراقي يداهُ قائمًا دفقا١١
يُحيلُ في جَدْوَلٍ تَحْبُو ضَفادِعُهُ
حَبْوَ الجَواري تَرَى في مائِهِ نُطُقَا١٢
يخرجنَ من شرباتٍ ماؤها طحلٌ
على الجُذوعِ يَخَفْنَ الغَمَّ والغَرَقَا١٣
بلِ اذكُرَنْ خيرَ قَيسٍ كلها حَسَبًا
وخَيرَها نائِلًا وخَيرَها خُلُقَا
القائدُ الخيلَ منكوبًا دوابرها
قد أُحكمتْ حكماتِ القدِّ والأبقا١٤
غَزَتْ سِمانًا فآبَتْ ضُمَّرًا خُدُجًا
مِنْ بَعدِ ما جَنَبوها بُدَّنًا عُقُقَا١٥
حتى يئوب بها عوجًا معطَّلة
تشكو الدوابرَ والأنساءَ والصفُقُا١٦
يطلبُ شأوَ امرأَينِ قدَّما حسنًا
نالا الملوكَ وبذَّا هذهِ السوقا
هو الجواد فإن يلحق بشأوهما
على تَكاليفِهِ فمِثْلُهُ لَحِقَا
أو يسبقاهُ على ما كانَ من مهلٍ
فمثلُ ما قدَّما من صالحٍ سبقا
أشمُّ أبيضُ فياضٌ يفككُ عن
أيدي العُناةِ وعَنْ أعْناقِها الرَّبَقَا
وذاك أحزمهم رأيًا إذا نبأٌ
منَ الحوادِثِ غادى الناسَ أوْ طَرَقَا
فضلَ الجيادِ على الخيلِ البطاءِ فلا
يعطي بذلكَ ممنونًا ولا نزقا١٧
قد جَعَلَ المُبتَغونَ الخَيرَ في هَرمٍ
والسائلونَ إلى أبوابهِ طرُقا
إنْ تَلْقَ يَوْمًا على عِلَّاتِهِ هَرمًا
تلقَ السماحةَ منهُ والندَى خلُقا
وليسَ مانعَ ذي قربَى وذي رحمٍ
يومًا ولا معدمًا من خابطٍ ورقًا١٨
لَيْثٌ بعَثَّرَ يَصطادُ الرجالَ إذا
ما كَذَّبَ اللَّيْثُ عَنْ أقرانِهِ صَدقَا١٩
يَطعَنْهُمُ ما ارْتَموْا حتى إذا طَعَنوا
ضارَبَ حتى إذا ما ضارَبُوا اعتَنَقَا
هذا وَلَيسَ كمَنْ يَعْيَا بخُطبتِهِ
وَسْطَ النديَّ إذا ما ناطِقٌ نَطَقَا
لو نالَ حيٌّ منَ الدنيا بمنزلةٍ
وَسطَ السماءِ لَنالَتْ كَفُّه الأفُقَا

وقال الشاعر المخضرم وهو الحطيئة يمدح آل لأي:

ألا هبَّت أُمامةُ بعد هدْءٍ
تعاتبني وما قضَّت كرَاها
فقلت لها: أُمَامَ ذري عتابي
فإن النفس مبدية نثاها
وليس لها من الحدثان بدٌّ
إذا ما الدهر عن كثَبٍ رماها
فهل أبصرتِ أو خبَّرت نفسًا
أتاها في تمنِّيها مُناها
كأنِّي ساورتني ذات سمٍّ
نقيعٍ لا يلائمها رُقاها
لعمر الراقصات بكل فجٍّ
من الرُّكبان موعدها مِناها
لقد شدَّت حبائلُ آل لأيٍ
حِبَالِيَ بعدما ضعفت قواها
فما تَتَّامُ جارةُ آلِ لأيٍ
ولكن يضمنون لها قراها
لعمرك ما يضيِّعُ آل لأيٍ
وثيقاتِ الأمور إلى عراها
وما تركت حفائظها لأمرٍ
أَلمَّ بها وما صغرتْ لهاها
ومن يطلب مساعي آلِ لأيٍ
تصعِّدُهُ الأمورُ إلى علاها
كرام يفضلون قُروم سعد
أولي أحسابها وأولي نهاها
وهم فرع الذرى من آل سعد
إذا ما عُدَّ من سعد ذراها
وخطة ماجد في آل لأي
إذا ما قام صاحبها قضاها
إذا اعوجَّت قناة الأمر يومًا
أقاموها لتبلغ منتهاها
ويبني المجد راحل آل لأي
على العوجاء مضطمرًا حشاها
وتسعى للسياسة آل لأي
فتدركها وما اتصلت لحاها
لعمرك إن جارة آل لأي
لعفٌّ جَيْبُها حَسَنٌ ثناها

وقال الشاعر الإسلامي، وهو الأخطل، يمدح الحجاج بن يوسف:

صرمت حبالك زينب وقذورُ
وحبالهنَّ إذا عقدن غرورُ
يرمين بالحِدق المراض قلوبنا
فَغَوِيُّهن مكلف مضرورُ
وزعمن أني قد ذهلت عن الصبا
ومضى لذلك أعصرٌ ودهورُ
وإذا أقول: صحوت من أدوائها
هاج الفؤادَ دُمى أوانس حورُ
وإذا نَصبن قرونهنَّ لغدرة
فكأنَّما حلَّت لهنَّ نذورُ
ولقد أصيد الوحش في أوطانها
فيذل بعد شماسه اليَعفورُ
أحيا الإله لنا الإمام فإنه
خير البريَّة للذنوب غفورُ
نورٌ أضاء لنا البلاد وقد دجت
ظُلمٌ تكاد بها الهداة تجورُ
الفاخرون بكل يومٍ صالحٍ
وأخو المكارم بالفعال فخورُ
فعليك بالحجَّاج لا تعدل به
أحدًا إذا نزلت عليك أمورُ
ولقد علمت وأنت أعلمنا به
أن ابن يوسف حازم منصورُ
وأخو الصفاء فما تزال غنيمة
منه يجيء بها إليك بشيرُ
وترى الرواسم تختلفن وفوقها
ورق العراق سبائك وحريرُ
وبنات فارس كل يوم تُصطفى
يعلونهن وما لهن مهورُ
والخيل يتعبها على علَّاتها
لله منتصب الفؤادُ شكورُ
خوصًا أضرَّ بها ابن يوسف فانطوت
والحرب لاقحة لهن زجورُ
وترى المذكِّي في القياد كأنه
من طول ما جشم الغوار عقيرُ
هريت نطاف عيونهن فأدبرت
فكأنهن من الضرارة عورُ
وحوِلن من خلج الأعنة وانطوت
منها البطون وفي الفحول جفورُ
قطع الغزاة عجافهن فأصبحت
حُردًا صلادم قُرَّح وذكورُ
ولقد علمت بلاءه في معشرٍ
تغلي شناة صدورهم وتفورُ
والقوم زأرُهُمُ وأعلى صوتهم
تحت السيوف غماغم وهريرُ
وإذا اللقاح غلت فإنَّ قدوره
جُوف لهنَّ بما ضمنَّ هديرُ
طلبَ الأزارقَ بالكتائب إذ هوت
بشبيبَ غائلةُ النفوس غدورُ
يرجو البقيَّة بعدما حدَقت به
فرط المنيَّة يحصبٌ وحجورُ
فأباح جمعهم حميدًا وانثنى
وله لوقعة آخرين زئيرُ

وقال الشاعر المولَّد، وهو المتنبي، يمدح كافورًا الإخشيدي:

مَن الجآذِرُ في زيِّ الأعاريب
حمر الحلى والمطايا والجلابيبِ؟
إن كنتَ تسألُ شكًّا في معارفها
فمَن بَلاك بتسهيد وتعذيبِ
لا تجزني بضنًى لي بعدها بقرٌ
تجزي دموعي مسكوبًا بمسكوبِ
سوائرٌ ربما سارت هوادجها
منيعةً بين مطعونٍ ومضروب
وربما وخدت أيدي المطيِّ بها
على نجيع من الفُرسان مصبوب
كم زَوْرةٍ لك في الأعراب خافية
أدهى وقد رَقُدوا من زَوْرةِ الذيب
أزورهم وسواد الليل يشفع لي
وأنثني وبياض الصبح يُغري بي
قد وافقوا الوحش في سكنى مراتعها
وخالفوها بتقويض وتطنيب
جيرانها وهُمُ شرُّ الجوارِ لها
وصحبها وهمُ شرُّ الأصاحيب
فؤاد كل محب في بيوتهم
ومال كل أخيذِ المال محروب
ما أوجهُ الحضر المستحسنات به
كأوجه البدويَّات الرعابيب
حسن الحضارة مجلوب بتطرية
وفي البداوة حُسن غير مجلوب
أين المعيزُ من الآرام ناظرة
وغير ناظرة في الحسن والطيب؟!
أفدي ظباءَ فلاةٍ ما عرفن بها
مضغَ الكلامِ ولا صبغ الحواجيبِ
ولا برزن من الحمَّام مائلةً
أوراكهن صقيلات العراقيبِ
ومِن هوى كل من ليست مُمَوِّهة
تركت لون مشيبي غيرَ مخضوبِ
ومِن هوى الصدق في قولي وعادتهِ
رغبت عن شَعَر في الوجه مكذوب
ليت الحوادث باعتني الذي أخذت
منِّي بحلمي الذي أعطتْ وتجريبي
فما الحداثة من حِلْم بمانعة
قد يوجد الحِلم في الشبَّان والشيب
ترعرع الملك الأستاذ مكتهلًا
قبل اكتهالٍ أديبًا قبل تأديب
مُجرَّبًا فهمًا من قبل تجربة
مهذَّبًا كرَمًا من قبل تهذيب
حتى أصاب من الدنيا نهايتها
وهمُّه في ابتداءات وتشبيب
يدبِّر الملك من مصرٍ إلى عدنٍ
إلى العراق فأرض الروم فالنُّوب
إذا أتتها الرياح النكبُ من بلدٍ
فما تهبُّ بها إلَّا بترتيب
ولا تجاوزها شمس إذا شَرَقَتْ
إلا ومنه لها إذن بتغريب
يُصرِّف الأمر فيها طينُ خاتمه
ولو تَطَلَّسَ منه كلُّ مكتوب
يحُطُّ كلَّ طويل الرمح حاملهُ
من سرج كل طويل الباع يعبوب
كأن كلَّ سؤالٍ في مسامعه
قميصُ يوسفَ في أجفان يعقوب
إذا غزته أعاديه بمسألة
فقد غزته بجيش غير مغلوب
أو حاربته فما تنجو بتقدمة
ممَّا أراد ولا تنجو بتجبيب
أضْرَتْ شجاعتُهُ أقصى كتائبه
على الحِمام فما موت بمرهوب
قالوا: هجرتَ إليه الغيثَ! قلت لهم:
إلى غيوث يديه والشآبيب
إلى الذي تهبُ الدَّوْلاتِ راحتُهُ
ولا يمنُّ على آثار موهوب
ولا يروع بمغدور به أحدًا
ولا يُفزِّع موفورًا بمنكوب
بلى يروع بذي جيش يُجدِّله
ذا مثله في أحمِّ النقع غربيب
وجدتُ أنفع مال كنت أذخَرُهُ
ما في السوابق من جريٍ وتقريب
لمَّا رأيت صروف الدهر تغدر بي
وفيْن لي ووفت صُمُّ الأنابيب
فُتْنَ المهالك حتى قال قائلها:
ماذا لقينا من الجُرْدِ السَّراحيب؟!
تهوي بمنجرد ليست مذاهبه
للُبسِ ثوب ومأكول ومشروب
يرى النجومَ بعيني من يحاولها
كأنها سلبٌ في عين مسلوب
حتَّى وصلت إلى نفس مُحجَّبة
تلقى النفوسَ بفضل غير محجوب
في جسم أروعَ صافي العقل تُضحِكُهُ
خلائق الناس إضحاكَ الأعاجيب
فالحمد قبلُ له والحمد بعدُ لها
وللقنا ولإدلاجي وتأويبي
وكيف أكفر يا كافور نعمتها
وقد بلغنك بي يا خير مطلوب
يا أيُّها الملك الغاني بتسميةٍ
في الشرق والغرب عن وصفٍ وتلقيب
أنت الحبيب ولكني أعوذ به
من أن أكون مُحِبًّا غير محبوب

وقال شاعر العصر «حفني بك ناصف» القاضي بالمحاكم الأهلية يمدح خديوي مصر توفيق باشا، ويهنئه بالعام الجديد، ويذكر حريق قصر عابدين والخديوي في مصيفه بالإسكندرية:

وافى يُقبِّلُ راحتيك العامُ
وحَنَتْ إليك رءوسَها الأيامُ
والدهر أقسم لا يجيء بغير ما
ترضى وكم برَّت له أقسام
فاقبل معاذير الزمان فطالما
قبلت معاذير المنيب كرام
واغفر جنايته على القصر الذي
لم تحوِ مصرُ نظيرَهُ والشام
شبَّت به النيران فارتاعت لها
مُهَجُ الأنام وهالها استعظام
وَسَعَوْا إلى إطفائها فتزاحمَتْ
ثَمَّ السنابكُ والتقى الأقدام
زاغت لها الأبصار واحتشدت لها النـ
ـظَّار بل طاشت لها الأحلام
لولا الدخان أحاط حول لهيبها
ما شك فرد أنها أعلام
أمرٌ به نفذ القضاء وليس في
أحكامه نقضٌ ولا إبرام
لسنا نذكرك القضاء فأنت في
هذا المقام وفي سِواه إمام
بل حكمة شاء الإله بيانها
لعباده ليذيع الاستسلام
حتى يروا أن الملوك وإن عَلَوْا
قدرًا تسير عليهم الأحكام
فإذا اقتدى بهم الرَّعية أحسنوا
صبرًا وخفَّتْ عنهم الآلام
عين السماء لعابدين تطلعت
حسدًا عليك وللعيون سهام
وتشوَّف القصر الكريم لأهله
والشوق في قلب المحب ضرام
لم يستطع صبرًا على طول النوى
والصبر في شرع الغرام حرام
فتصعدت زفراته وتأجَّجت
جمراته والصبُّ كيف يُلام؟!
لولا الدموع من المطافئ ما انقضى
منه الهيام ولم يبلَّ أوام
خرقت طباق الجوِّ إلا أنها
برد قصارى أمرها وسلام
والنار من آي القبول فقد عفا
قربانَ هابيلٍ لها إضرام
هذا وكم من نعمةٍ في نقمةٍ
طُويت فلم تفطن لها الأفهام
عام بما فيه مضى ووفا أبا اﻟـ
ـعباس عام وجهه بسَّام
يفترُّ ثغر الدهر عن نفحاته
ويضيء من قسماته الإظلام
أيامه بك كلهن مسرَّة
وزمانه بك كله إنعام
مولاي أغرقت الأنام بأنعمٍ
ليست تفي ببيانها الأقلام
طوَّقتهم بمواهب سجعوا بها
كالروض تسجع في رباه حمام
عفو وإحسان وحط ضرائب
ومدارس ومجالس ونظام
ودوام إرسال الوفود لمنتدى
أهل العلوم وللعلوم ذمام
أكرمتهم حتى ملكت قلوبهم
والحُرُّ يملك قلبه الإكرام
دُم يا عزيز لمصر تُصلح شأنها
فدوام ملكك للصلاح دوام
واستقبل الأيام تكلؤك العُلا
ويحوطك التبجيل والإعظام
وانعم بعباس وطِب بمحمد
فهما لأوصاف الكمال مرام
واهنأ بعام قلت في تاريخهِ:
توفيقنا تسمو به الأعوام
سنة ١٣٠٩

وقال الشاعر المجيد أحمد بك شوقي، من موظفي المعية السَّنية، يهنِّئ الجناب العالي بعوده من دار الخلافة إلى مصر سنة ١٣١٦:

على قدر الهوى يأتي العتاب
ومن عاتبت تفديه الصحاب
ألوم مُعذِّبي فألوم نفسي
فأغضبها ويرضيها العذاب
ولو أني استطعت لتبتُ عنه
ولكن كيف عن روحي المتاب؟
ولي قلب بأن يهوى يُجازى
ومالكه بأن يجني يُثاب
ولو ساغ العقاب فعلت لكن
نفار الظبي ليس له عقاب
يلوم اللائمون وما رأوه
وقدمًا ضاع في الناس الصواب
صحوت فأنكر السلوان قلبي
عليَّ وراجع الطربَ الشبابُ
وللعيش الصبا فإذا تولَّى
فكل بقيَّة في الكأس صاب
وما رثَّت له عندي حبال
ولا ضاقت له عني ثياب
وشأني والصبابة منذ كنَّا
كما الصهباء يألفها الحباب
كأنَّ يد الغرام زمام قلبي
فليس عليه دون هوًى حجاب
كأنَّ جوانحي والحب فيها
فلاة التيه ما منها مآب
كأن الحب جوعة قوم موسى
فبُعدي عنه بالسلوى اقتراب
كأن رواية الأشواق عَوْدٌ
على بَدءٍ وما كمُل الكتاب
كأني والهوى أخوا مُدام
لنا عهد بها ولنا اصطحاب
إذا ما اعتَضْتُ عن عشق بعشقٍ
أُعيدَ الكأس وامتدَّ الشراب
وكل هوًى بلائمة مشوب
وحبك بالملامة لا يُشابُ
لأنك أنت للأوطان كهف
وأنت حقوق مصرك والطِّلاب
وأنت الرأس ما منه بديل
وأنت الروح ما عنها مناب
وأنت سلاحنا ما خان يومًا
وغيرك سهمنا وبه نُصاب
فأهلًا «بالأمير» وما رأينا
هلالًا تستقرُّ به الرِّكَاب
ولا شمسًا «برأس التين» حلَّت
وفي الدنيا ضحاها واللعاب
وأكرم قادم أنت المُفَدَّى
وأيمن مقدم هذا الإياب
تغيب عن البلاد وعن بنيها
ومالك عن قلوبهم غياب
تُقرِّبُكَ المنى آنًا وآنًا
تقربك الأحاديث العِذَاب
إذا ما سرت من قُطر لقُطر
أقام البحر وانتقل السحاب
إذا جاورت قومًا حلَّ فيهم
صميم المجد والشرف اللباب
إذا جعل الكرام لنا سماء
فإنك شمسها وهم الضباب
ولما جئت «دار الملك» حيَّت
بأحسن ما تعوَّد ذا الجناب
أظلَّتْكَ الخلافة في ذراها
وبرَّت سوحها بك والرِّحاب
وفتِّحَ للرعاية ألف باب
هناك وسُدَّ للواشين باب
ورَدْنَا الماء بينكما نميرًا
وأظمأ من يريبكما السراب
وما وجدوا لمفسدةٍ مجالًا
ولكن تنبح القمرَ الكلابُ
فعيشا فرقدين من الليالي
وعاش خلائق بكما وطابوا
نداء الخلف بينكما عقيم
وداعي الله بينكما مُجاب

(٧) أشعار متواردة على النَّسيب

قال امرؤ القيس، وهو جاهلي:

ألا عِمْ صباحًا أيها الطلل البالي
وَهل يَعِمنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي؟!
وَهَل يَنعِمَنْ إلا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ
قليل الهموم ما يَبيتُ بأوجالِ؟
وَهَل يَنعِمَنْ مَن كان أحدثُ عَهدِه
ثَلاثِينَ شهرًا في ثَلاثَةِ أحوَالِ
دِيارٌ لسَلمَى عَافِيَاتٌ بذِي الخَالِ
ألَحَّ عَلَيها كُلُّ أسْحَمَ هَطَّالِ
وتحسِبُ سلمى لا تزالُ كعهدنا
بوَادي الخُزَامى أوْ على رَأس أوْعالِ
وتحسب سلمى لا تزال ترى طلًّا
من الوَحشِ أوْ بَيضًا بمَيثاء مِحْلالِ
لَيَاليَ سَلَمى إذْ تُرِيكَ مُنَصَّبًا
وجِيدًا كجِيد الريم ليس بمعطال
ألا زعمتْ بسباسةُ اليوم أنني
كبرت وأن لا يشهد اللهو أمثالي!
بلى رُبَّ يَوْمٍ قَد لهَوْتُ وَلَيْلَةٍ
بِآنِسَةٍ كَأنَّهَا خَطُّ تِمْثَالِ
يُضيء الفراشَ وجهها لضجيعها
كمصباحٍ زيتٍ في قناديل ذبَّال
كأنَّ على لباتها جمرَ مُصطلٍ
أصاب غضًى جزلًا وكُفَّ بأجذال
وَهَبَّتْ لهُ رِيحٌ بمُخْتَلَفِ الصُّوَى
صبًا وشمالًا في منازلِ قفَّال
كذبت لقد أُصبي على المرء عِرسه
وأمنعُ عِرسي أن يزنَّ بها الخالي
ومثلك بَيضاء العوارِض طفْلة
لعوب تُنَسِّيني إذا قُمتُ سِربالي
لَطِيفَةُ طَي الكَشْح غيرُ مُفَاضَةٍ
إذَا انْفَتَلَتْ مُرْتجَّةً غَيرَ مِتفالِ
إذا ما الضجيعُ ابتزها من ثيابها
تَمِيلُ عَلَيهِ هونَةً غَيرَ مِجْبالِ
كحِقْفِ النَّقَا يَمشِي الوَليدَانِ فوْقَه
بما احتسبا من لين مس وتسهال
إذا ما استحمت كان فيض حميمها
على متنتيها كالجمان لدى الجالي
تنوَّرتها من أَذْرِعاتٍ وأهلها
بيَثْرِبَ أدْنى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِ
نظرت إليها والنجوم كأنها
مصابيح رهبان تُشَبُّ لقفال
سَمَوتُ إِلَيها بَعدَما نامَ أَهلُها
سُموَّ حَبابِ الماءِ حالًا عَلى حالِ
فَقالَت: سَباكَ اللهُ إِنَّكَ فاضِحي
أَلَستَ تَرى السُّمَّارَ وَالناسَ أَحوالي؟
فَقُلتُ: يَمينَ اللهِ أَبرَحُ قاعِدًا
وَلَو قَطَّعوا رَأسي لَدَيكِ وَأَوصالي
فَلَمَّا تَنازَعنا الحَديثَ وَأَسمَحَت
هَصَرتُ بِغُصنٍ ذي شَماريخَ مَيَّالِ
فَصِرنا إِلى الحُسنى وَرَقَّ كَلامُنا
وَرُضتُ فَذلَّت صَعبَةً أَيَّ إِذلالِ!
حَلَفتُ لَها بِاللهِ حِلفَةَ فاجِرٍ
لَناموا فَما إِن مِن حَديثٍ وَلا صالِ
فَأَصبَحتُ مَعشوقًا وَأَصبَحَ بَعلُها
عَلَيهِ القَتامُ كاسفَ الظَّنِّ وَالبالِ
يَغِطُّ غَطيطَ البَكرِ شُدَّ خِناقُهُ
لِيَقتُلَني وَالمَرءُ لَيسَ بِقَتَّالِ
أيَقْتُلُني وَالمَشْرَفيُّ مُضَاجِعِي
وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ؟!
وَلَيسَ بِذي سيفٍ فَيَقتلني بِهِ
وَلَيسَ بِذي رمحٍ وَلَيسَ بِنَبَّالِ
أَيَقتُلَني وَقَد قطرتُ فُؤادَها
كَما قطرَ المَهنؤةَ الرَّجُلُ الطالي؟!
وَقَد عَلِمَت سَلمى وَإِن كانَ بَعلها
بِأَنَّ الفَتى يَهذي وَلَيسَ بِفَعَّالِ
وَماذا عَلَيهِ إِن ذَكَرتُ أَوانِسًا
كَغِزلانِ رَملٍ في مَحاريبِ أَقوالِ؟
وَبَيتِ عَذارى يَومَ دَجنٍ دخلتهُ
يَطُفنَ بِجَمَّاءِ المَرافِقِ مِكسالِ
قليلة جرْس الليل إلا وساوسًا
وتبسم عن عذب المذاقة سلسال
طوال المتون وَالعَرانين كالقنا
لِطافَ الخُصورِ في تَمامٍ وَإِكمالِ
أوانس يُتبِعنَ الهَوى سُبُلَ المنى
يَقُلنَ لِأَهلِ الحِلمِ ضَلًّا بِتضلالِ
صَرَفتُ الهَوى عَنهُنَّ مِن خَشيَةِ الرَّدى
وَلَستُ بِمقليِّ الخِلالِ وَلا قالي
كَأَنِّيَ لَم أَركَب جَوادًا لِلَذَّةٍ
وَلَم أَتَبَطَّن كاعِبًا ذاتَ خلخالِ
وَلَم أَسبَأِ الزقَّ الرَّويَّ وَلَم أَقُل
لِخَيلِيَ كُرِّي كَرَّةً بَعدَ إِجفالِ
وَلَم أَشهَدِ الخَيلَ المُغيرَةَ بِالضُّحى
عَلى هَيكَلٍ نهد الجُزارَةِ جَوَّالِ
سَليمَ الشَّظى عَبلَ الشَّوى شَنَجَ النَّسا
لَهُ حَجَباتٌ مُشرِفاتٌ عَلى الفالِ
وَصُمٌّ صِلابٌ ما يَقينَ مِنَ الوَجى
كَأَنَّ مَكانَ الرِّدفِ مِنهُ عَلى رَالِ
وَقَد أَغتَدي وَالطَّيرُ في وُكناتِها
لِغَيثٍ مِنَ الوَسمِيِّ رائِدُهُ خالِ
تَحاماهُ أَطرافُ الرِّماحِ تَحامِيًا
وَجادَ عَلَيهِ كُلُّ أَسحَمَ هَطَّالِ
بِعَجلَزَةٍ قَد أترَزَ الجَريُ لَحمَها
كَميتٍ كَأَنَّها هِراوَةُ مِنوالِ
ذَعَرتُ بِها سِربًا نَقِيًّا جُلودُهُ
وَأَكرُعُهُ وَشي البُرودِ مِنَ الخالِ
كَأَنَّ الصُّوارَ إِذ يجاهدن غدوة
عَلى جُمُد خبلٍ تَجولُ بِأَجلالِ
فَجالَ الصُّوارُ واتَّقَينَ بِقَرهَبٍ
طَويلِ القِرا وَالرَّوقِ أَخنَسَ ذَيَّالِ
فَعادى عِداءً بَينَ ثَورٍ وَنَعجَةٍ
وَكانَ عِداءُ الوَحشِ مِنِّي عَلى بالِ
كَأَنِّي بِفَتخاءِ الجَناحَينِ لَقوَةٍ
صَيودٍ مِنَ العِقبانِ طَأطَأتُ شِملالي
تَخَطَّفُ خِزَّانَ الشُّرَبَّةِ بِالضُّحى
وَقَد حَجَرَت مِنها ثَعالِبُ أَورالِ
كَأَنَّ قُلوبَ الطَّيرِ رَطبًا وَيابِسًا
لَدى وَكرِها العُنَّابُ وَالحَشَفُ البالي
فَلَو أَنَّما أَسعى لِأَدنى مَعيشَةٍ
كَفاني وَلَم أَطلُب قَليلٌ مِنَ المالِ
وَلَكِنَّما أَسعى لِمَجدٍ مُؤَثَّلٍ
وَقَد يُدرِكُ المَجدَ المُؤَثَّلَ أَمثالي
وَما المَرءُ ما دامَت حُشاشَةُ نَفسِهِ
بِمُدرِكِ أَطرافِ الخُطوبِ وَلا آلي

وقال النابغة الذبياني، وهو جاهلي، يصف المتجردة، وقد دخل على النعمان، ففاجأته، فسقط نصيفها عنها، فغطَّت وجهها بمعصمها:

أمِنَ آلِ مَيَّةَ رائحٌ أو مُغْتَدِي
عَجلانَ ذا زادٍ وغيرَ مزودِ؟
أَفِد التَّرحُّلُ غير أن ركابنا
لما تزلْ برحالنا وكأنْ قدِ
زَعَمَ الغداف بأنَّ رِحْلَتَنا غَدًا
وبذاكَ خبرنا الغداف الأسود
لا مرحبًا بغدٍ ولا أهلًا بهِ
إن كانَ تَفريقُ الأحبَّةِ في غَدِ
حانَ الرَّحيلُ ولم تُوَدِّعْ مهدَرًا
والصُّبْحُ والإمساءُ منها مَوْعِدي
في إثْرِ غانِيَةٍ رَمَتْكَ بسَهَمِها
فأصابَ قلبَك غير أنْ لم تُقْصِدِ
غنيتْ بذلك إذ هُمُ لكَ جيرةٌ
منها بعَطْفِ رسالَةٍ وتَوَدُّدِ
ولقد أصابَ فؤادهُ مِنْ حبِّهَا
عن ظَهْرِ مِرْنانٍ بسَهمٍ مُصردِ
نَظَرَتْ بمُقْلَةِ شادِنٍ مُتَرَبِّبٍ
أحوى أحمَّ المقلتينِ مقلدِ
والنظمُ في سِلكٍ يُزيِّنُ نحرها
ذهبٌ توقَّدُ، كالشِّهابِ المُوقَدِ
صَفراءُ كالسِّيرَاءِ أُكْمِلَ خَلقُها
كالغُصنِ في غُلَوائِهِ المتأوِّدِ
والبَطنُ ذو عُكَنٍ لطيفٌ طَيُّهُ
والنحر تَنْفُجُهُ بثَدْيٍ مُقْعَدِ
محطُوطَةُ المتنَينِ غيرُ مُفاضَةٍ
ريَّا الرَّوادِفِ بَضَّةُ المتَجرَّدِ
قامتْ تراءى بينَ سجفيْ كلةٍ
كالشَّمسِ يومَ طُلُوعِها بالأسعُدِ
أو دُرَّةٍ صَدَفِيَّةٍ غوَّاصُها
بهجٌ متى يرها يُهلَّ ويسجدِ
أو دُميَةٍ مِنْ مَرْمَرٍ مرفوعةٍ
بنيتْ بآجُرٍّ يشادُ وقرمدِ
سَقَطَ النَّصيفُ ولم تُرِدْ إسقاطَهُ
فتناوَلَتْهُ واتَّقَتْنَا باليدِ
بمُخَضَّبٍ رَخْصٍ كأنَّ بنانَهُ
عنم يكاد من اللطافة يعقد
نظرَتْ إليك بحاجةٍ لم تَقْضِها
نظرَ السقيمِ إلى وجوهِ العُوَّدِ
تَجْلُو بقادِمَتَيْ حَمامة أيكَةٍ
بردًا أُسفَّ لثاتُهُ بالإثمدِ
كالأقحوانِ غَداةَ غِب سَمائِه
جفَّتْ أعاليهِ وأسفلهُ ندِي
زَعَمَ الهُمامُ بأنَّ فاها بارِدٌ
عذبٌ مقبلهُ شهيُّ الموردِ
زَعَمَ الهُمامُ — ولم أذُقْهُ — أنَّهُ
عذبٌ إذا ما ذقتهُ قلتَ: ازددِ
زَعَمَ الهُمامُ — ولم أذُقْهُ — أنَّهُ
يشفى برَيَّا ريقها العطِشُ الصدي
أخذ العذارى عِقدَها فنَظَمْنَهُ
مِن لُؤلُؤٍ مُتتابِعٍ مُتَسَرِّدِ
لو أنَّها عرضتْ لأشمطَ راهبٍ
عبدَ الإِلَهَ صرورةٍ متعبدِ
لَرَنَا لرُؤيتها وحُسنِ حديثها
ولخالهُ رشدًا وإنْ لم يرشدِ
بتَكَلُّمٍ لو تَستَطيعُ كلامهُ
لَدَنَتْ لَهُ أروى الهضابِ الصُّخَّدِ
وبفاحمٍ رَجِلٍ أثيثٍ نبتهُ
كالكرمِ مالَ على الدعامِ المسندِ
وإذا لَمستَ لمستَ أجثَمَ جاثِيًا
مُتحيزًا بمكانهِ ملءَ اليدِ
وإذا طَعَنتَ طعنتَ في مستهدفٍ
رابي الَمجَسَّةِ بالعَبيرِ مُقَرْمَدِ
وإذا نزعتَ نزعتَ عن مستحصفٍ
نزعَ الحَزَوَّرِ بالرِّشاءِ المُحْصَدِ
وإذا يَعضُّ تشدُّهُ أعضاؤها
عضَّ الكَبيرِ مِنَ الرِّجالِ الأدردِ
ويكادُ ينزِعُ جِلدَ مَنْ يَصْلى به
بلوافحٍ مثلِ السَّعيرِ المُوقَدِ
لا واردٌ منها يحورُ لمصدرٍ
عنها، ولا صدِرٌ يحورُ لموردِ

وقال الأعشى، وهو مخضرم:

ودِّعْ هريرةَ إنَّ الرَّكبَ مُرتحلُ
وهلْ تُطيقُ وداعًا أيُّها الرَّجلُ؟
غَرَّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها
تَمشِي الهُوَينا كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ
كَأنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا
مرُّ السَّحابةِ لا ريثٌ ولا عجلُ
تَسمَعُ للحَليِ وَسْوَاسًا إذا انصَرَفَتْ
كمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
ليستْ كمنْ يكره الجيرانُ طلعتها
ولا تراها لسرِّ الجارِ تختتلُ
يَكادُ يَصرَعُها لَوْلا تَشَدُّدُهَا
إذا تَقُومُ إلى جَارَاتِهَا الكَسَلُ
هركولةٌ فُنُقٌ درمٌ مرافقها
كأنَّ أخمصها بالشَّوكِ منتعلُ
إذا تَقُومُ يَضُوعُ المِسْكُ أصْوِرَةً
والزنبقُ الوردُ من أردانها شمل
ما رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الحَزْنِ مُعشبةٌ
خَضرَاءُ جادَ عَلَيها مُسْبِلٌ هَطِلُ
يُضاحكُ الشمسَ منها كوكبٌ شرقٌ
مُؤزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبْتِ مُكْتَهِلُ
يَوْمًا بِأطْيَب مِنْهَا نَشْرَ رَائِحَةٍ
ولا بأحسن منها إذْ دنا الأُصلُ

ومنها:

صدَّتْ هُريرةُ عنَّا ما تكلِّمنا
جهلًا بأمِّ خليدٍ حبلَ من تصلُ
أأنْ رأتْ رجلًا أعشى أضرَّ بهِ
ريب المنون ودهر مفند خبل
قالتْ هريرةُ لمَّا جئتُ زائرها:
وَيْلي عَلَيكَ وَوَيلي منكَ يا رَجُلُ!
أما تَرَانَا حُفَاةً لا نِعَالَ لَنَا
إنَّا كَذَلِكَ مَا نَحْفَى وَنَنْتَعِلُ
وقدْ أُخَالِسُ ربَّ البيتِ غفلتهُ
وقدْ يُحاذِرُ مِنِّي ثُمَّ ما يئلُ
وَقَدْ أقُودُ الصِّبا يَوْمًا فيَتْبَعُني
وقدْ يُصاحبني ذو الشِّرَّةِ الغزلُ
وَقَدْ غَدَوْتُ إلى الحَانُوتِ يَتْبَعُني
شَاوٍ مِشَلٌّ شَلُولٌ شُلشُلٌ شَوِلُ
في فِتيَةٍ كَسُيُوفِ الهِندِ قد عَلِمُوا
أنْ لَيسَ يَدفعُ عن ذي الحيلةِ الحِيَلُ
نازعتهمْ قُضُبَ الرَّيحانِ متكئًا
وقهوةً مزةً راووقها خضلُ
لا يستفيقونَ منها وهيَ راهنةٌ
إلَّا بِهَاتِ وَإنْ عَلُّوا وَإنْ نَهِلُوا
يسعى بها ذو زجاجاتٍ لهُ نطفٌ
مُقَلِّصٌ أسفَلَ السِّربالِ مُعتَمِلُ
وَمُستَجيبٍ تَخالُ الصَّنجَ تسمَعُهُ
إِذا تُرَجِّعُ فيهِ القَينَةُ الفُضُلُ
والسَّاحباتُ ذيولَ الريط آونةً
والرَّافلاتُ على أعجازها العجلُ
منْ كلِّ ذلكَ يومٌ قدْ لهوتُ به
وَفي التَّجاربِ طُولُ اللهوِ وَالغَزَلُ

وقال عمر بن أبي ربيعة، وهو إسلامي:

أَمِن آلِ نُعمٍ أَنتَ غادٍ فَمُبكِر
غَداةَ غَدٍ أَم رائِحٌ فَمُهَجِّرُ؟
لِحاجَةِ نَفسٍ لَم تَقُل في جَوابِها
فَتُبلِغ عُذرًا وَالمَقالَةُ تُعذِرُ
أهيمُ إِلى نُعمٍ فَلا الشملُ جامِعٌ
وَلا الحَبلُ مَوصولٌ وَلا القَلبُ مُقصِرُ
وَلا قُربُ نُعْمٍ إِن دَنَت لك نافع
وَلا نَأيُها يُسلي وَلا أَنتَ تَصبِرُ
وَأُخرى أَتَت مِن دونِ نُعْمٍ وَمِثلُها
نَهى ذا النُّهى لَو يَرعَوي أَو يُفَكِّرُ
إِذا زُرتُ نُعْمًا لَم يَزَل ذو قَرابَةٍ
لَها كُلَّما لاقَيتُها يَتَنَمَّرُ
عَزيزٌ عَلَيهِ أَن أُلِمَّ بِبَيتِها
يُسِرُّ لِيَ الشَّحناءَ وَالبُغضُ مُظهَرُ
أَلِكني إِلَيها بِالسَّلامِ فَإِنَّهُ
يُشَهَّرُ إِلمامي بِها وَيُنَكَّرُ
بِآيَةِ ما قالَت غَداةَ لَقيتُها
بِمَدفَعِ أَكنانٍ: أَهَذا المُشَهَّرُ؟
قِفِي فَانْظُري أَسماءُ هَل تَعرِفينَهُ؟
أَهَذا المُغيريُّ الَّذي كانَ يذكرُ؟
أَهَذا الَّذي أَطرَيتِ نَعتًا فَلَم أَكُن
— رعيتكِ — أَنساهُ إِلى يَومِ أُقبَرُ؟
فَقالَت: نَعَم لا شَكَّ غَيَّرَ لَونَهُ
سرى اللَّيلِ يُحيِي نَصَّهُ وَالتَّهَجُّرُ
لَئِن كانَ إِيَّاهُ لَقَد حالَ بَعدَنا
عَنِ العَهدِ وَالإِنسانُ قَد يَتَغَيَّرُ
رَأَتْ رَجُلًا أَمَّا إِذا الشَّمسُ عارَضَت
فَيَضحى وَأَمَّا بِالعَشيِّ فَيَخصَرُ
أَخا سَفَرٍ جَوَّابَ أَرضٍ تَقاذَفَت
بِهِ فَلَواتٌ فَهوَ أَشعَثُ أَغبَرُ
قَليل عَلى ظَهرِ المَطِيَّةِ ظِلُّهُ
سِوى ما نَفى عَنهُ الرِّداءُ المُحَبَّرُ
وَأَعجَبَها مِن عَيشِها ظِلُّ غُرفَةٍ
وَرَيَّانُ مُلتَفُّ الحَدائِقِ أَخضَرُ
وَوالٍ كَفاها كُلَّ شَيءٍ يَهُمُّها
فَلَيسَت لِشَيءٍ آخِرَ الليلِ تَسهَرُ
وَلَيلَةَ ذي دَورانَ جَشَّمني السرى
وَقَد يَجشَمُ الهَولَ المُحِبُّ المُغَرَّرُ
فَبِتُّ رَقيبًا لِلرِّفاقِ عَلى شَفا
أُحاذِرُ مِنهُم مَن يَطوفُ وَأَنظُرُ
إِلَيهِم مَتى يَستَمكِنُ النَّومُ مِنهُمُ
وَلى مَجلِسٌ لَولا اللُّبانَةُ أَوعَرُ
وَباتَت قَلوصي بِالعَراءِ وَرَحلُها
لِطارِقِ لَيلٍ أَو لِمَن جاءَ مُعوِرُ
وَبِتُّ أُناجي النَّفسَ أَينَ خِباؤُها
وَكَيفَ لِما آتي مِنَ الأَمرِ مَصدَرُ؟
فَدَلَّ عَلَيها القَلب رَيَّا عَرَفتُها
لَها وَهَوى النَّفسِ الَّذي كادَ يَظهَرُ
فَلَمَّا فَقَدتُ الصَّوتَ مِنهُم وَأُطفِئَت
مَصابيحُ شُبَّت بالعِشاءِ وَأَنورُ
وَغابَ قُمَيرٌ كُنتُ أَهوى غُيوبَهُ
وَرَوَّحَ رُعيانٌ وَنَوَّمَ سُمَّرُ
وَخُفِّضَ عَنِّي الصوت أَقبَلتُ مِشيَةَ اﻟـ
ـحُبابِ وَشخصي خَشيَةَ الحَيِّ أَزوَرُ
فَحَييت إِذ فاجَأتُها فَتَوَلَّهَت
وَكادَت بِمَخفوضِ التَّحِيَّةِ تَجهَرُ
وَقالَت وَعَضَّت بِالبَنانِ: فَضَحتَني
وَأَنتَ امرُؤٌ مَيسورُ أَمرِكَ أَعسَرُ
أَرَيتَكَ إِذ هُنَّا عَلَيكَ أَلَم تَخَف
— وُقيتَ — وَحَولي مِن عَدُوِّكَ حُضَّرُ؟!
فَوَ اللهِ ما أَدري أَتَعجيلُ حاجَةٍ
سَرَت بِكَ أَم قَد نامَ مَن كُنتَ تَحذَرُ؟
فَقُلتُ لَها: بَل قادَني الشَّوقُ وَالهَوى
إِلَيكِ وَما نفسٌ مِنَ الناسِ تشعرُ
«فقلت: كذاك الحب قد يحمل الفتى
من الهول حتى يُستقاد فيُنحر»
فَقالَت وَقَد لانَت وَأَفرَخَ رَوعُها:
كَلاكَ بِحِفظٍ رَبُّكَ المُتَكَبِّرُ
فَأَنتَ أَبا الخَطَّابِ غَيرُ مُدافعٍ
عَلَيَّ أَميرٌ ما مَكثتَ مُؤَمَّرُ
فَبِتُّ قَريرَ العَينِ أُعطيتُ حاجَتي
أُقَبِّلُ فاها في الخَلاءِ فَأُكثِرُ
فَيا لَكَ مِن لَيلٍ تَقاصَرَ طولُهُ
وَما كانَ لَيلى قَبلَ ذَلِكَ يَقصُرُ
وَيا لَكَ مِن مَلهًى هُناكَ وَمَجلِس
لَنا لَم يُكَدِّرُهُ عَلَينا مُكَدِّرُ
يَمُجُّ ذَكِيَّ المِسكِ مِنها مُقبَّلٌ
نقيُّ الثنايا ذو غُروبٍ مُؤَشَّرُ
تَراهُ إِذا ما افتَرُّ عَنهُ كَأَنَّهُ
حَصا بَرَدٍ أَو أُقحُوانٌ مُنَوِّرُ
وَتَرنو بِعَينَيها إِلَيَّ كَما رَنا
إِلى ظبيةٍ وَسطَ الخَميلَةِ جُؤذَرُ
فَلَمَّا تَقَضَّى الليلُ إِلَّا أَقَلَّهُ
وَكادَت تَوالي نَجمِهِ تَتَغَوَّرُ
أَشارَت بِأَنَّ الحَيَّ قَد حانَ مِنهُمُ
هُبوبٌ وَلَكِن مَوعِدٌ مِنكَ عَزوَرُ
فَما راعَني إِلَّا مُنادٍ: تَرَحَّلوا!
وَقَد لاحَ مَعروفٌ مِنَ الصُّبحِ أَشقَرُ
فَلَمَّا رَأَت مَن قَد تَنَبَّهَ مِنهُمو
وَأَيقاظَهُم قالَت: أَشِر كَيفَ تَأمُرُ؟
فَقُلتُ: أُباديهِم فَإِمَّا أَفوتُهُم
وَإِمَّا ينالُ السيفُ ثَأرًا فَيَثأَرُ
فَقلَت: أَتَحقيقًا لِما قالَ كاشِحٌ
عَلَينا وَتَصديقًا لِما كانَ يُؤثَرُ؟
فَإِن كانَ ما لا بُدَّ مِنهُ فَغَيرُهُ
مِنَ الأَمرِ أَدنى لِلخَفاءِ وَأَستَرُ
أَقُصُّ عَلى أُختَيَّ بدءَ حَديثِنا
وَما لِيَ مِن أَن يعلَما مُتَأَخِّرُ
لَعَلَّهُما أَن يطلُبا لَكَ مَخرَجًا
وَأَن يرحُبا سربًا بِما كُنتُ أَحصُرُ
فَقامَت كَئيبًا لَيسَ في وَجهِها دَمٌ
مِنَ الحُزنِ تُذري عَبرَةً تَتَحَدَّرُ
فَقامَت إِلَيها حُرَّتانِ عَلَيهِما
كِساءانِ مِن خَزٍّ؛ دِمَقسٌ وَأَخضَرُ
فَقالَت لِأُختَيها: أَعينا عَلى فَتًى
أَتى زائِرًا وَالأَمرُ لِلأَمرِ يُقدَرُ
فَأَقبَلَتا فَارْتَاعَتا ثُمَّ قالَتا:
أَقِلِّي عَلَيكِ اللومَ فَالخَطبُ أَيسَرُ
فَقالَت لَها الصُّغرى: سَأُعطيهِ مِطرَفي
وَدرعي وَهَذا البُردَ إِن كانَ يَحذَر
يَقومُ فَيَمشي بَينَنا مُتَنَكِّرًا
فَلا سِرُّنا يَفشو وَلا هُوَ يَظهَرُ
فَكانَ مِجَنِّي دونَ مَن كُنتُ أَتَّقي
ثَلاثُ شُخوصٍ؛ كاعِبانِ وَمُعصِرُ
فَلَمَّا أَجَزنا ساحَةَ الحَيِّ قلنَ لي:
أَمَّا تَتَّقي الأَعداءَ وَالليلُ مُقمِرُ؟
وَقُلنَ: أَهَذا دَأبُكَ الدَّهرَ سادِرًا
أَمَّا تَستَحي أَو تَرعَوي أَو تُفَكِّرُ؟!
إِذا جِئتَ فَامنَح طَرفَ عَينَيكَ غَيرَنا
لِكَي يَحسِبوا أَنَّ الهَوى حَيثُ تَنظُرُ
فَآخِرُ عَهدٍ لي بِها حيث أَعرَضَت
وَلاحَ لَها خَدٌّ نَقِيٌّ وَمَحجَرُ
سِوى أَنَّني قَد قُلتُ يا نُعمُ قَولَةً
لَها وَالعِتاقُ الأَرحَبيَّاتُ تُزجَرُ
هَنيئًا لِأَهلِ العامِرِيَّةِ نَشرُها اﻟـ
ـذيذُ وَرَيَّاها الذي أَتَذَكَّرُ
وَقُمتُ إِلى عَنسٍ تَخَوَّنَ نَيَّها
سرى الليلِ حَتى لَحمُها مُتَحَسِّرُ
وَحَبسي عَلى الحاجاتِ حَتى كَأَنَّها
بَقِيَّةُ لَوحٍ أَو شِجارٌ مُؤَسَّرُ
وَماءٍ بِمَوماةٍ قَليلٍ أَنيسُهُ
بَسابِسَ لَم يَحدُث بِهِ الصيفَ مَحضَرُ
بِهِ مُبتَنًى لِلعَنكَبوتِ كَأَنَّهُ
عَلى طَرَفِ الأَرجاءِ خامٌ مُنَشَّرُ
وَرِدتُ وَما أَدري أَما بَعدَ مَورِدي
مِنَ الليلِ أَم ما قَد مَضى مِنهُ أَكثَرُ
فَقُمتُ إِلى مِفلاةِ أَرضٍ كَأَنَّها
إِذا التَفَتَت مَجنونَةٌ حينَ تَنظُرُ
تُنازِعُني حِرصًا عَلى الماءِ رَأسها
وَمِن دونِ ما تَهوى قَليبٌ مُعَوَّرُ
مُحاوِلَةً لِلماءِ لَولا زِمامُها
وَجَذبي لَها كادَت مِرارًا تَكَسَّرُ
فَلَمَّا رَأَيتُ الضرَّ مِنها وَأَنَّني
بِبَلدَةِ أَرضٍ لَيسَ فيها مُعَصَّرُ
قَصَرتُ لَها مِن جانِبِ الحَوضِ مُنشأً
جَديدًا كَقابِ الشِّبرِ أَو هُوَ أَصغَرُ
إِذا شَرَعَت فيهِ فَلَيسَ لِمُلتَقى
مَشافِرِها مِنهُ قِدى الكَفِّ مُسأَرُ
وَلا دَلوَ إِلَّا الَعقبُ كانَ رِشاءَهُ
إِلى الماءِ نِسعٌ وَالأَديمُ المُضفَّرُ
فَسافَت وَما عافَت وَما رَدَّ شُربَها
عَنِ الريِّ مَطروقٌ مِنَ الماءِ أَكدَرُ

وقال ابن زيدون الأندلسي، وهو مولَّد:

أضحى التنائي بديلًا من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
بِنْتُم وبِنَّا فما ابتلت جوانحنا
شَوْقًا إلَيكُم وَلا جَفَّت مآقِينَا
يكادُ حين تُناجيكم ضمائرنا
يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسِّينَا
حَالَت لفقدكم أيامنا فغدت
سُودًا وكانتْ بكُمْ بِيضًا لَيَالِينَا
إذ جانب العيش طلق من تألفنا
وَمورد اللَّهْوِ صَافٍ مِنْ تَصَافِينَا
وإذ هصرنا فنون الوصل دانية
قطوفُها فَجَنَيْنَا مِنْهُ ما شِينَا
ليُسقَ عهدكمو عهد السرور فما
كُنْتُمْ لأروَاحِنَ‍ا إلَّا رَياحينَ‍ا
مَن مبلغُ الملبسينا بانتزاحهم
حزنًا مع الدهر لا يبلى ويبلينا؟
أنَّ الزمان الذي ما زال يُضحكنا
أُنسًا بقربهمُ قد عاد يُبكينا
غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا
بأن نغصَّ فقال الدهر آمينًا
فانحلَّ ما كان معقودًا بأنفسنا
وانبتَّ ما كان موصولًا بأيدينا
وقد نكون وما يُخشى تفرُّقنا
فاليوم نحن وما يُرجى تلاقينا
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم
رأيًا ولم نتقلَّد غيره دِينًا
لا تحسبوا نأيَكم عنَّا يغيِّرُنا
أنْ طالَما غَيَّرَ النَّأيُ المُحِبِّينَا
والله ما طلبت أهواؤنا بدلًا
مِنْكُمْ وَلا انصرَفتْ عنكمْ أمانينَا
ولا استفدنا خَليلًا عنك يشغلنا
ولا اتَّخَذنَا بديلًا منك يُسلينا
يا ساري البرق غاد القصر فاسْقِ به
مَن كانَ صِرْف الهَوى وَالوُدَّ يَسقينَا
ويا نسيم الصبا بلِّغ تحيتنا
مَنْ لَوْ على البُعْدِ حَيًّا كان يُحيِينا
يا روضة طالما أجنت لواحظنا
وردًا جلاهُ الصبا غضًّا ونسرينا
ويا حياة تملَّينا بزهرتها
مُنًى ضروبًا ولذات أفانينا
ويا نعيمًا رفلنا من غضارته
في وشي نعمى سحبنا ذيله حينا
لسنا نسمِّيك إجلالًا وتكرمة
وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا
إذا انفردت وما شوركت في صفةٍ
فحسبنا الوصف إيضاحًا وتبيينا
يا جنة الخلد أُبدلنا بسلسها
والكوثر العذب زَقُّومًا وغسلينا
كأنَّنا لم نبِتْ والوصل ثالثنا
والسَّعد قد غضَّ من أجفان واشينا
سرَّان في خاطر الظلماء يكتمنا
حتى يكاد لسان الصبح يُفشينا
لا غرو أنَّا ذكرنا الحزن حين نهت
عنه النهى وتركنا الصبر ناسينا
إنَّا قرأنا الأسى يوم النَّوى سُوَرًا
مكتوبة وأخذنا الصبر تلقينا
أما هواك فلم نعدل بمنهله
شربًا وإن كان يروينا فيُظمينا
لم نجفُ أفق جمال أنت كوكبه
سالين عنه ولم نهجره قالينا
ولا اختيارًا تجنبناك عن كثبٍ
لكن عدتنا على كُره عوادينا
نأسى عليك إذا حثَّت مشعشعة
فينا الشمول وغنَّانا مُغنينا
لا أكؤس الرَّاح تبدي من شمائلنا
سيما ارتياح ولا الأوتار تُلهينا
دومي على العهد ما دمنا محافظة
فالحر مَن دانَ إنصافًا كما دينا
فما ابتغينا خليلًا منك يحسبنا
ولا استفدنا حبيبًا منك يُغنينا
ولو صبا نحونا مِن عُلْوِ مطلعه
بدرُ الدُّجى لم يكن حاشاك يصبينا
أوْلى وفاءً وإن لم تبذُلي صلة
فالذِّكر يُقنعنا والطيف يَكفينا
وفي الجواب قناع لو شفعتِ به
بيضَ الأيادي التي ما زِلتِ تولينا
عليكِ منِّي سلام الله ما بقيتْ
صبابة منك نخفيها فتخفينا

وقال محمود باشا سامي المصري، نزيل جزيرة سيلان الآن:

ظنَّ الظنون فبات غير موسَّدِ
حيران يكلأ مستنيرَ الفرقد
تلوي به الذُّكرات٢٠ حتى إنه
ليظل ملقًى بين أيدي العوَّد
طورًا يهم بأن يزل بنفسه
سرَفًا وتارات يميل على اليد
فكأنما افترست بطائر حِلْمه
مشمولةٌ أو ساغ سُمَّ الأسود
قالوا: غدًا يوم الرحيل ومَن لهم
خوفَ التفرق أن أعيش إلى غد؟!
هي مهجة ذهب الهوى بشغافها
معمودة إن لم تمت فكأن قَدِ
يا أهل ذا البيت الرفيع مناره
أدعوكمُ يا قوم دعوة مُقْصَد٢١
إني فقدت العام بين بيوتكم
عقلي فردُّوه عليَّ لأهتدي
أو فاستقيدونى٢٢ ببعض قيانكم
حتى تُردَّ إليَّ نفسي أو تدي
بل يا أخا السيف الطويل نجاده
إن أنت لم تحمِ النزيلَ فأغمِدِ
هذي لحاظ الغيد بين شعابكم
فتكت بنا خُلْسًا بغير مهند
من كل ناعمة الصبا بدوية
ريَّا الشباب سليمة المتجرد٢٣
هيفاء إن خطرت سَبَتْ وإذا رَنَتْ
سلبتْ فؤاد العابد المتشدد
يخفضن من أبصارهن تختلًا
للنفس فِعل القانتات العُبَّدِ
فإذا أصبن أخا الشباب سلبنه
ورمين مهجته بطرفٍ أصيد
وإذا لمحن أخا المشيب قَلينه
وسترن ضاحية المحاسن باليد
فلئن غدوت دريئة لعيونها
فلقد أفُلُّ زَعارة٢٤ المتمرِّد
ولقد شهدت الحرب في إبَّانها
ولبئس راعي الحي إن لم أشهد
تتقصف المران في حَجَراتها
ويعود فيها السيف مثل الأدرد
عصفت بها ريح الرَّدى فتدفَّقَت
بدم الفوارس كالأتيِّ المزبد
ما زلت أطعن بينها حتى انثنت
عن مثل حاشيةِ الرداء المجسد
ولقد هبطت الغيث يلمع نوره
فى كل وضَّاح الأسرَّة أغيد
تجرى به الآرام بين مناهل
طابت مشاربها وظلٍّ أبرد
بمضمَّر أرن كأن سراته٢٥
بعد الحميم سبيكة من عسجد
خلصت له اليمنى وعمَّ ثلاثةً
منه البياض إلى وظيفٍ أجرد
فكأنما انتزع الأصيل رداءه
سلبًا وخاض من الضحى في مورد
زَجِل يردد في اللهاة صهيله
دفعًا كزمزمة الحبيِّ المرعد٢٦
متلفتًا عن جانبيه يهزه
مَرَحُ الصبا كالشارب المتفرد
فإذا ثنيت له العِنان وجدته
يمطو كسيد الردهة المتورد٢٧
وإذا أطعت له العِنان رأيته
يطوي المهامِهَ فدفدًا في فدفد
يكفيك منه إذا استحسَّ بنبأةٍ
شدًّا كألهوب الإباء المُوقَدِ
صلب السنابك لا يمر بجلمدٍ
فى الشَّد إلا رضَّ فيه بجلمد
نعم العتاد إذا الشفاه تقلصت
يوم الكريهة في العجاج الأربد٢٨
ولقد شربت الخمر بين غطارف
شُمِّ المعاطس كالغصون الميَّد
يتلاعبون على الكئوس إذا جرت
لعبًا يروح الجِد فيه ويغتدي
لا ينطقون بغير ما أمر الهوى
فكلامهم كالروض مصقول ندِي
من كل وضَّاح الجبين كأنَّه
قمرٌ توسَّط جنح ليلٍ أسود
بل رُبَّ غانية طرقت خباءها
والنجم يطرِف عن لواحظ أرمد
قالت وقد نظرت إليَّ: فضحتني
فارجع لشأنك فالرجال بمرصد
فخلبتها بالقول حتى رُضتُها
وطويتها طيَّ الحبيرة٢٩ باليد
ما زلتُ أمنعها المنام غواية
حتَّى لقد بِتنا بليل الأنقدِ٣٠
روعاء تفزع من عصافير الضحى
ترفًا وتجزع من صياح الهدهدِ
حتى إذا نمَّ الصَّبا وتتابعت
زيم٣١ الكواكب كالمها المتبدِّدِ
قالت: دخلت وما إخالك بارحًا
إلا وقد أبقيت عار المسندِ٣٢
فمسحتها حتى اطمأنَّ فؤادها
ونفيت روعتها برأي محصد
وخرجت أخترق الصفوف من العدا
متلثمًا والسيف يلمع في يدي
فلنعم ذاك العيش لو لم ينقضي
ولنعم هذا العيش إن لم ينفد
يرجو الفتى في الدهر طول حياته
ونعيمه والمرء غير مخلَّدِ

(٨) أشعار متواردة على الرثاء

قال المهلهل يرثي أخاه كُليبًا، وهو جاهلي:

أهاج قذاء عينيَ الاذِّكار
هُدُوَّا فالدموع لها انحدار
وصار الليل مشتملًا علينا
كأن الليل ليس له نهار
وبتُّ أراقب الجوزاء حتى
تقارب من أوائلها انحدار
أصرِّف مقلتي في إثر قوم
تباينت البلاد بهم فغاروا
وأبكي والنجوم مطلَّعات
كأنْ لم تحوها عني البحار
على من لو نُعِيتُ وكان حيًّا
لقاد الخيل يحجبها الغبار
دعوتك يا كُليبُ فلم تُجبني
وكيف يُجيبني البلد القفار
أجبني يا كُليب خلاك ذمٌّ
ضنينات النفوس لها مزار
أجبني يا كُليب خلاك ذمٌ
لقد فجعت بفارسها نزار
سقاك الغيث إنك كنت غيثًا
ويُسرًا حين يُلتمس اليسار
أبت عيناي بعدك أن تكفَّا
كأنَّ غضا القتاد لها شِفار
وإنك كنت تحلم عن رجال
وتعفو عنهم ولك اقتدار
وتمنع أن يمسَّهم لسان
مخافة من يُجيرُ ولا يُجارُ
وكنتُ أعدُّ قُربي منك رِبحًا
إذا ما عدَّت الربح التِّجار
فلا تبعَد فكلٌّ سوف يلقى
شعوبًا يستدير بها المدار
يعيش المرء عند بني أبيه
ويُوشك أن يصير بحيث صاروا
أرى طول الحياة وقد تولى
كما قد يُسلب الشيء المُعار
كأنِّي إذ نعى الناعي كُليبًا
تطاير بين جنبيَّ الشرار
فدرت وقد عشى بصري عليه
كما دارت بشاربها العُقار
سألت الحي: أين دفنتموه؟
فقالوا لي: بسفح الحي دار
فسرت إليه من بلدي حثيثًا
وطار النوم وامتنع القرار
وحادت ناقتي عن ظل قبرٍ
ثوى فيه المكارم والفخار
لدى أوطان أردعَ لم يشنه
ولم يحدث له في الناس عار
أتغدوا يا كُليب معي إذا ما
جبان القوم أنجاه الفرار؟
أتغدوا يا كُليب معي إذا ما
حلوق القوم يشحذها الشفار؟
أقول لتغلب والعز فيها:
أثيروها لذلِّكم انتصار
تتابع إخوتي ومضوا لأمرٍ
عليه تتابع القوم الحِسار
خذِ العهد الأكيد عليَّ عمري
بتركيَ كل ما حوت الديار
وهجري الغانيات وشرب كأس
ولبسي جبة لا تُستعار
ولست بخالعٍ درعي وسيفي
إلى أن يخلع الليلَ النهار
وإلا أن تبيد سراة بكر
فلا يبقى لها أبدًا أثار

وقالت الخنساء، وهي مخضرمة:

قذًى بعينك أَم بالعين عُوَّار؟
أم ذرَّفَت إذ خَلَتْ من أهلها الدَّار؟
كأنَّ عيني لذكراه إذا خطرت
فيضٌ يسيل على الخدَّين مدرار
تبكي لصخر هي العبرى وقد ولهت
ودونه من جديد التُّرب أستار
تبكي خناسٌ فما تنفك ما عمرت
لها عليه رنين وهي مفتار
تبكي خناسٌ على صخر وحُقَّ لها
إذ رابها الدَّهر إنَّ الدَّهر ضرار
لا بدَّ من ميتةٍ في صرفها عبرٌ
والدهر في صرفه حَولٌ وأطوار
قد كان فيكم أبو عمرو يسودكم
نِعم المعمم للدَّاعين نصَّار
صلب النحيزة وهَّاب إذا منعوا
وفي الحروب جريء الصدر مهصار
يا صخر وَرَّادَ ماءٍ قد تناذره
أهل الموارد ما في وِرْدِهِ عار
مشى السبَنْتى إلى هيجاء معضلةٍ
له سلاحان؛ أنيابٌ وأظفار
وما عجول على بوٍّ تُطيف به
لها حنينان؛ إعلانٌ وإسرار
ترتع ما رتعت حتى إذا ادَّكرت
فإنما هي إقبالٌ وإدبارُ
لا تسمنُ الدهرَ في أرضٍ وإن رتعت
فإنما هي تحنان وتسجار
يومًا بأوجد مني يوم فارقني
صخر وللدهر إحلاء وإمرار
وإنَّ صخرًا لوالينا وسيدنا
وإنَّ صخرًا إذا نشتو لنحَّار
وإنَّ صخرًا لمقدام إذا رَكبوا
وإنَّ صخرًا إذا جَاعوا لعَقَّار
وإنَّ صخرًا لتأتمُّ الهداة به
كأنَّه علمٌ في رأسه نار
جَلْدٌ جميل المحيَّا كاملٌ وَرِعٌ
وللحروب غداة الروْع مسعار
حمَّال ألوية هبَّاط أودية
شهَّاد أندية للجيش جرَّار
فقلت لما رأيت الدهرَ ليس له
مُعاتبٌ وحده يُسدي ونيَّار
لقد نعى ابن نهيكٍ لي أخًا ثقةٍ
كانت تُرَجَّمُ عنه قبلُ أخبار
فبتُّ ساهرةً للنَّجم أرقُبُهُ
حتى أتى دون غورِ النجمِ أستار
لم تَرَهُ جارةٌ يمشي بساحتها
لريبة حين يُخلي بيتَه الجارُ
ولا تراه وما في البيت يأكله
لكنه بارزٌ بالصحن مهمار
ومُطعم القوم شحمًا عند مسغبهم
وفي الجُدوب كريم الجد ميسار
قد كان خالصتي من كل ذي نسبٍ
فقد أصيب فما للعيش أوطار
مثل الرُّدَينِيِّ لم تنفد شبيبته
كأنه تحت طيِّ البُردِ أسوار
جهم المحيَّا تضيء الليلَ صُورته
آباؤه من طوال السمك أحرار
موَرَّث المجد ميمون نقيبته
ضخم الدَّسيعة في العزَّاء مغوار
فرعٌ لفرعٍ كريمٍ غير مُؤتشبٍ
جَلْدُ المريرة عند الجمع فخَّار
في جوف لحدٍ مُقيمٌ قد تَضَمَّنَهُ
في رَمسهِ مقمطرات وأحجار
طلق اليدين لفعل الخير ذو فَجَر
ضخم الدسيعة بالخيرات أمَّار
ليبكهِ مقتر أفنى حريبته
دهرٌ وحالفه بُؤسٌ وإقتار
ورفقة حار حاديهم بمهلكةٍ
كأن ظلمتها في الطخية القار
لا يمنع القوم إن سألوه خُلْعته
ولا يُجاوزه بالليل مرَّار

وقال كعب بن سعد الغنوي، وهو إسلامي:

تقول ابنة العبسي: قد شبت بعدنا
وكل امرئ بعد الشباب يشيب
وما الشيب إلا غائب كان جائيًا
وما القول إلا مُخطئٌ ومصيب
تقول سليمى: ما لجسمك شاحبًا
كأنَّك يحميك الشرابَ طبيبُ؟!
فقلت ولم أعيَ الجواب ولم أنح
وللدهر في الصم الصلاب نصيب:
تتابع أحداث تخرَّمن إخوتي
فشيَّبن رأسي والخطوب تُشيب
لعمري لئن كانت أصابت منية
أخي والمنايا للرجال شعوب
لقد عجمت مني الحوادث ماجدًا
عروفًا لريب الدهر حين يريب
لقد كان أمَّا حِلمُه فمروِّح
عليه وأما جهله فعزيب
أخي ما أخي لا فاحش عند بيته
ولا ورِعٌ عند اللقاء هيوب
أخي كان يكفيني وكان يعينني
على نائبات الدهر حين تنوب
حليم إذا ما سَورةُ الجهل أطلقت
حُبَى الشيب للنفس اللجوج غلوب
هو العسل الماذي لينًا ونائلًا
وليثٌ إذا يَلقى العِداة غضوب
هوت أمُّه ما يبعث الصبح غاديًا
وماذا يؤَدي الليل حين يئوب؟
هوت أُمُّه ماذا تَضَمَّن قبرُه
من المجد والمعروف حين يُثيب؟
أخو شتوات يعلم الضيف أنَّه
سيكثر ما في قدره ويطيب
حبيبٌ إلى الزوَّار غشيان بيته
جميلُ المُحيَّا شبَّ وهو أديب
كأن بيوت الحي ما لم يكن بها
بسابس قفرٍ ما بهنَّ عريب
كعالية الرمح الرُّدينيِّ لم يكن
إذا ابتدر الخيلَ الرجالُ يخيب
إذا قصرت أيدي الرجال عن العُلا
تناول أقصى المكرمات شبيب
جَموعٌ خِلال الخير من كل جانب
إذا حال مكروه بهن ذهوب
مُغيثٌ مُفيد الفائدات مُعوَّد
لفعل الندى والمكرمات كسوب
وداعٍ دعا: يا مَن يجيب إلى النِّدا؟
فلم يستجب عند النداء مُجيب
فقلت: ادعُ أُخرى وارفعِ الصَّوتَ ثانيًا
لعلَّ أبا المغوار منك قريب
يُجِبْك كما قد كان يفعل إنه
بأمثالها رحب الذراع أريب
أتاك سريعًا واستجاب إلى الندى
كذلك قبل اليوم كان يُجيبُ
كأن لم يكن يدعو السوابح مرَّة
بذي لجب تحت الرماح مهيب
فتًى أريحيٌّ كان يهتزُّ للندى
كما اهتزَّ من ماء الحديد قضيب
فتًى ما يُبالي أن يكون بجسمه
إذا نال خَلَّات الكرام شحوب
إذا ما تراءاه الرِّجالُ تحفَّظُوا
فلم ينطقوا العوراء وهو قريب
على خير ما كان الرجال خلاله
وما الخير إلا قسمةٌ ونصيبُ
حليف النَّدى يدعو الندى فيجيبه
سريعًا ويدعوه النَّدى فيُجيب
غَيَاثٌ لِعَانٍ لم يجد مَن يعينه
ومختبط يغشى الدُّخَان غريب
عظيم رماد النَّار رحبٌ فناؤه
إلى سند لم تجتنحه عيوب
يبيت النَّدى يا أم عمروٍ ضجيعه
إذا لم يكن في المنقيات حلوب
حليمٌ إذا ما الحلم زيَّن أهله
مع الحلم في عين العدو مهيب
معنًّى إذا عادى الرجال عداوة
بعيد إذا عادى الرجال قريب
غنينا بخير حقبة ثم جلحت
علينا التي كل الأنام تصيب
فأبقت قليلًا ذاهبًا وتجهزَّت
لآخر والراجي الحياةَ كذوب
وأعلمُ أن الباقي الحي منهم
إلى أجل أقصى مداه قريب
لقد أفسد الموتُ الحياةَ وقد أتى
على يومه عِلْق عليَّ حبيب
فإن تكنِ الأيام أَحْسَنَّ مرةً
إليَّ فقد عادت لهنَّ ذنوب
جمعن النَّوى حتى إذا اجتمع الهوى
صدعن العصا حتى القناة شعوب
أتى دون حلو العيش حتى أمرَّه
نكوب على آثارهن نكوب
كأنَّ أبا المغوار لم يوفَ مرقبًا
إذا ربأ القوم الغزاة رقيب
ولم يدعُ فتيانًا كرامًا لميسر
إذا اشتدَّ من ريح الشتاء هبوب
فإن غاب منهم غائبٌ أو تخاذلوا
كفى ذاك منهم والجنابُ خصيب
كأنَّ أبا المغوار ذا المجد لم تَجُب
به البيدَ عنسٌ بالفلاة خبوب
علاة ترى فيها إذا حطَّ رحلها
نُدوبًا على آثارهن نُدوب
وإنِّي لباكيهِ وإني لصادقٌ
عليه وبعض القائلين كذوبُ
فتى الحرب إن حاربت كان سمامها
وفي السلم مفضال اليدين وهوب
وحدثتماني أنما الموت في القرى
فكيف وهذا روضة وقليب
وماء سماء كان غير محمة
بداوية تجري عليه جنوب
ومنزله في دار صدقٍ وغبطةٍ
وما اقتال من حكم عليه طبيب
فلو كانت الدنيا تُباع اشتريته
بما لم تكن عنه النفوس تطيب
بعيني أو يُمنى يدي وقيل لي:
هو الغانم الجذلان يوم يئوب
لعمركما إنَّ البعيد لما مضى
وإنَّ الذي يأتي غدًا لقريب
وإنِّي وتأميلي لقاءَ مُؤمَّلٍ
وقد شعَّبته عن لقاي شعوب
كداعي هُذيل لا يزالُ مكلفًا
ولا يناله حتى الممات مُجيبُ
سقى كلَّ ذكر جاءنا من مؤمَّل
على النأي زحَّافُ السحاب سكوب

وقال ابن الأنباري، وهو مولَّد، يرثي ابن بقية وزير عز الدولة بُوَيه لما صلبه عضد الدولة ببغداد بعد قتل عز الدولة:

علوٌّ في الحياة وفي المماتِ
لَحَقٌّ تلك إحدى المعجزات
كأنَّ الناسَ حولك حين قاموا
وفودُ نَداك أيام الصِّلاتِ
كأنَّك قائمٌ فيهم خطيبًا
وكلهم قيامٌ للصلاةِ
مددت يديك نحوهم احتفاءً
كمدهما إليهم بالهبات
ولما ضاق بطن الأرض عن أن
يضم عُلاك من بعد الوفاة
أصاروا الجو قبرك واستعاضوا
عن الأكفان ثوب السَّافيات
لِعُظْمك في النفوس بقيت تُرعى
بِحُرَّاسٍ وحُفَّاظٍ ثقاتِ
وتوقَد حولك النيران ليلًا
كذلك كنت أيام الحياة
ركبت مطيَّةً من قبل زيد
علاها في السنين الماضيات
وتلك فضيلة فيها تأسٍّ
تُباعد عنك تعيير العُداة
ولم أرَ قبل جِذعك قطُّ جِذعًا
تمكَّن من عناق المكرمات
أسأت إلى النوائب فاستثارت
فأنت قتيل ثأر النائبات
وصيَّر دهرك الإحسان فيه
إلينا من عظيم السيئات
وكنت لمعشرٍ سعدًا فلما
مضيت تفرقوا بالمنحسات
غليل باطن لك في فؤادي
يخفَّف بالدُّموع الجاريات
وكنت تُجير من صرف الليالي
فعاد مُطالبًا لك بالتِّرَات
ولو أنِّي قدرت على قيام
بفرضك والحقوق الواجبات
ملأت الأرض من نظم القوافي
ونُحْتُ بها خلاف النَّائحات
ولكني أُصبِّر عنك نفسي
مخافة أن أُعدَّ مِن الجناة
وما لك تربة فأقول تُسقى
لأنك نصب هطل الهاطلات
عليك تحية الرحمن تترى
برحماتٍ غوادٍ رائحات

وقال الفاضل إسماعيل باشا صبري مُحافظ ثغر الإسكندرية الآن يرثي خديوِ مصر محمد توفيق باشا، المتوفَّى في أوائل جمادى الثانية سنة ١٣٠٩:

نحن لله ما لحيٍّ بقاء
وقُصارى سوى الإله فناء
نحن لله راجعون فمن ما
ت ومن عاش ألف عام سواء
يفرح المرءُ في الصباح وما يعـ
ـلم ماذا يكنُّه الإمساء
ومتاع الدنيا قليل وما يلـ
ـهو به المرء من حطام هباء
زهد الناس في الحياةِ ملمٌّ
روعتنا بهوله الأنباء
قصر حلوان كنت أنضر قصر
فيه يحلو ويُستطاب الهواء
كنتَ ذا هيبة يحاذرها الدهـ
ـر وتكبو أمامها البأساءُ
كيف أصبحت مُستضامًا وللخطـ
ـب إلى ركنك المنيع ارتقاء؟
ما كذا عهدنا بعزِّكَ ترميـ
ـه الليالي أو يعتريهِ انقضاء
كان بالأمس في ذُراك أبو العـ
ـباس تحيا ببشره الأحياءُ
فطوت برده الخطوب وكانت
قبلُ تشقى بسعدِهِ وتُساء
وَيْحَ مَنْ شيَّعوهُ قد أودعوا القبـ
ـر كريمًا يبكي عليه العلاء
وارتَضَوْا بالبكا وما الحزن إلَّا
أن تسيل القلوب والأحشاءُ
عاش فينا عذب البشاشة والأخـ
ـلاق تُروَى به النفوس الظِّمَاءُ
وتولَّى وفي الصدور من الوجـ
ـدِ عليه ما ليس يرويه ماء
عطلت مصر من سناه كما قد
عطلت من حُليِّها الحسناء
كلُّ خطبٍ في جنب خطبكِ يا مصـ
ـر يُرجى للناس فيه عزاء
ما يقول الراثون في فقد توفيـ
ـق وماذا تحاول الشعراء؟!
والرزايا في بعضها يطلق القو
ل وتعيا في بعضها البُلَغَاءُ
إنَّ مولاك كان أحسن مَن تز
هى بأنوار وجهه البطحاء
كان للتاج فوق مفرقه ضو
ء لديه تحقر الأضواء
كان يجلو دُجى الكوارث إن جلَّـ
ـت برأي تعنو له الآراء
كان أدرى الملا بكسب ثناء
آه لو خلَّد النُّفوس ثناء!
آل توفيق الكرام الْبَسوا الصـ
ـبر رداء فالصبر نِعْمَ الرداء!
أنتم الرَّاسخون في علم ما كا
ن فقولوا من ذا عداه الفناء؟
أين قوم شادوا البلاد وسادو
ها وكانت تهواهم العلياء؟
ملكوا الأرض حقبة ثم أمسوا
وهمو في بُطونها نُزَلاء
سُنَّة الله في البريَّةِ لم يُسـ
ـتثنَ منها الملوك والأنبياء
لا أُعَزِّيكمُ وأنَّى لقولي
أن تُعَزَّى بمثله الحُكماء!
أحمدُ الله في العشية والإصـ
ـباح فالبؤس قد تلاه هناء
إن يكن خرَّ من سمائكمُ بد
رٌ فعبَّاسكم به يُستضاءُ
ورث الملك عن أبيه فلمَّا
قام بالأمر دبَّ فينا الرَّجاءُ
واجتنيناهُ طود مجد وسورًا
دار منه حول البلاد بناءُ
حبَّذا منه همة تترك الصعـ
ـب ذلولًا وعزَّة قعساءُ
وثبات في طيِّه وثبات
للمعالي وحكمة وإباءُ
وصفات عن كنهها يعجز الوصـ
ـف وفيها يستغرق الإحصاء
دام يكسو الزَّمان حُسنًا ويسدي
أنعُمًا لا يشوبهن انتهاءُ

وقالت عائشة هانم التيمورية ترثي ابن تها، وهو من الشعر الجزل الرَّصين المزري بشعر الخنساء:

إن سال من غرب العيون بحور
فالدَّهر باغٍ والزَّمان غَدور
فلكلِّ عينٍ حق مدرار الدما
ولكل قلب لوعةٌ وثبورُ
سُتر السنا وتحجبت شمس الضحى
وتغيَّبَت بعد الشروق بدور
ومضى الذي أهوى وجرَّعني الأسا
وغدت بقلبي جذوة وسعير
يا ليته لما نوى عهد النوى
وافَى العيون من الظلام نذير
ناهيك ما فعلت بماء حشاشتي
نار لها بين الضلوع زفير
لو بُثَّ حزني في الورى لم يلتفت
لمُصَابِ قيس والمصاب كثير
طافت بشهر الصوم كاسات الرَّدَى
سحرًا وأكواب الدموع تدور
فتناولت منها ابن تي فتغيَّرَت
وَجْنَات خدٍّ شانها التغيير
فذوت أزاهير الحياة بروضها
وانقدَّ منها مائس ونضير
لبست ثيابَ السقم في صغر وقد
ذاقت شراب الموت وهو مرير
جاء الطبيب ضُحًى وبشَّرَ بالشِّفا
إنَّ الطبيب بطبِّهِ مغرور
وصف التجرُّع وهو يزعم أنه
بالبُرء من كل السِّقام بشير
فتَنَفَّسَت للحزن قائلة له:
عجِّل ببرئِي حيث أنت خبير
وارحم شبابي إنَّ والدتي غَدَتْ
ثَكلى يُشِيرُ لها الجوى وتُشير
وارأف بعين حُرمَت طيب الكَرَى
تشكو السُّهَاد وفي الجفون فتور
لمَّا رَأَتْ يأس الطبيب وعجزه
قالت ودمع المقلتين غزير:
أُمَّاهُ قد كَلَّ الطبيب وفاتني
مما أؤمِّلُ في الحياة نصير
لو جاء عرَّاف اليمامة يبتغِي
بُرئي لردَّ الطَّرْفَ وهو حسيرُ
يا رَوع روحي حلَّهَا نَزْعُ الضنا
عمَّا قليلٍ وُرْقُهَا ستطير
أُمَّاهُ قد عزَّ اللقاء وفي غدٍ
سترين نعشي كالعروس يسير
وسينتهي المسعى إلى اللحد الذي
هو منزلي وله الجموع تصيرُ
قولي لربِّ اللَّحد رِفْقًا بابنتي
جاءت عروسًا ساقها التقدير
وتَجَلَّدِي بإزاء لحدي بُرهة
فتراك روح راعها المقدور
أُمَّاهُ قد سلفت لنا أمنية
يا حُسنها لو ساقها التيسير
كانت كأحلامٍ مَضَتْ وتَخَلَّفَتْ
مُذ بانَ يوم البَيْنِ وهو عسيرُ
عُودِي إلى رَبْعٍ خلا ومآثرٍ
قد خلَّفت عني لها تأثير
صُوني جهاز العُرس تذكارًا فلي
قد كان منه إلى الزفاف سرور
جرت مصائب فرقتي لك بعد ذا
لبس السواد ونفذ المسطور
والقبر صار لغصن قدي روضة
ريحانها عند المزار زهور
أُمَّاهُ لا تنسي بحق بنوَّتي
قبري لئلَّا يحزن المقبور
ورجاء عفو أو تلاوة منزل
فَسِوَاكِ مَن لي بالحنين يزور
فلعلَّمَا أحظى برحمةِ خالقٍ
هو راحمٌ بَرٌّ بِنَا وغفور
فأجبتُهَا والدمع يحبس منطقي
والدهر من بعد الجوار يجور
بنتاهُ يا كبدي ولوعة مُهجتي
قد زال صفوٌ شأنه التكدير
لا تُوصي ثَكْلَى قد أذابَ وتينَها
حُزنٌ عليكِ وحسرةٌ وزفير
قَسَمًا بغضِّ نواظري وتَلَهُّفِي
مُذ غاب إنسان وفارق نور
وبقبلَتِي ثغرًا تقضَّى نحبه
فحرمت طِيب شذاه وهو عطير
والله لا أسلو التلاوة والدُّعا
ما غرَّدَت فوق الغصون طيور
كلَّا ولا أنسى زفيرَ تَوَجُّعِي
والقدُّ منكِ لدى الثرى مدثور
إنِّي ألِفْتُ الحزن حتى إنني
لو غاب عني ساءني التأخير
قد كنت لا أرضى التباعد برهة
كيف التَّصَبُّر والبعاد دهور؟
أبكيكِ حتى نلتقي في جنَّةٍ
برياضِ خلدٍ زيَّنَتْهَا الحور
إن قيل: عائشة أقول: لقد فَنَى
عَيشِي وصبري والإله خبيرُ
وَلَهي على توحيدة الحسن التي
قد غاب بدر جمالها المستور
قلبي وجفني واللِّسَان وخالقي
راضٍ وباكٍ شاكر وغفور
مُتِّعْتِ بالرضوان في خُلد الرضا
ما ازُّيِّنَتْ لكِ غرفة وقصور
وسمعت قول الحق للقوم ادخلوا
دار السلام فسعيكم مشكور
هذا النعيم به الأحبة تلتقي
لا عيش إلا عيشه المبرور
ولكِ الهناء فصدق تاريخي بدا
توحيدة زُفَّتْ ومعها الحور

[بدا = ٧، توحيدة = ٤٣٣، زُفَّتْ = ٤٨٧، ومعها = ١٢٢، الحور = ٢٤٥]

سنة ١٢٩٤
  • (أ)

    فترى من قصائد المدح أنَّ أغلبها مبدوءٌ بالنَّسيب وهو أسلوب غريب؛ ولعلَّ سببه أنَّ شُعراء العرب كانت أشعارهم في الغالب حكاية عن واقع، فكان الشَّاعر يقصُّ على الممدُوح في مدحته ما انتابه من فراق امرأته أو ابن ته ذات المكانة في فؤاده لِما لها من الصِّفات الحسان، ولا يأنف من ذكر اسمها ولا صفاتها، ويقص عليه أيضًا ما اعتراه وراحلته من عناء السَّفر وركوب الخطر حتى وصل إليه، ثم يمدحه فيستعظم الممدوح حال الشاعر ويُجزل له العطاء استعاضةً لما نابهُ، فلما جاء الشعراء المتأخرون أرادوا أن ينسجوا على منوال شعر العرب، فافتتحوا مدائحهم بالتشبُّب بمحبوب اخترعه وهمهم وخيالهم، وصار هذا الأمر عادة مألوفة لهم. وقال الدسوقي: إنَّ السبب في ذلك تهييج القريحة وتحريك النفس للشعر والمبالغة في الوصف وترويح النفس ورياضتها. وقال أحمد فارس إنه لا شيء أفظع عند الإفرنج من أن يروا في قصائد المدح تغزُّلًا بامرأة ووصفها بكونها رقيقة الخصر ثقيلة الكفل نجلاء العينين سوداء الفرع وما أشبه ذلك، وأفظع منه التشبُّب بغلام، وأقبح من هذا وذاك نسبة شيء من صفات المؤنث إلى المذكر؛ كقول الشاعر: «كأن ثدياه حقَّان»، فإنهم أول ما يبتدئون المدح يوجهونه إلى المخاطب ويجعلونه ضربًا من التاريخ، فيذكرون فيه مساعي الممدوح ومقاصده وفضله على من تقدمه من الملوك، وأنَّه لما مدح أحمد باشا والي تونس بقصيدته التي مطلعها: «زارت سعادُ وثوب الليل مسدولُ»، سُئل: هل اسم الباشا «سعاد»؟ فقال: لا، بل هو اسم امرأة. فقال السائل: وما دخل المرأة بينك وبين الباشا؟!

    وأقول: إنَّ العرب ما كانت تشبب بالغلمان قط، وإنَّ هذا ما جاء إلا في شعر المتأخرين، ولم نرَ في أشعار هؤلاء وأولئك نسبة شيء من صفات المؤنث إلى المذكر، واستشهاد أحمد فارس على هذا بقول الشَّاعر: «كأنَّ ثدياه حقَّان» وهمٌ؛ فإنَّ الضَّمير في «ثدياه» لا يعود لمحبوبٍ مُذكَّر أن توهمه، بل يرجع إلى الصدر في الشطر الأول من البيت، وهو: «وصدرٌ مُشرق النَّحر كأنَّ ثدياه حقَّانِ»، ومن أنَّى جاءه أنَّ هذا الصدر صدر غلام وليس صدر فتاة ولم يُرْوَ ما قبل هذا البيت ولا ما بعده من الأبيات، وهو من شواهد سيبويه التي لا يُعلم قائلها. وكونه صدر فتاة أحقُّ وألزمُ. وقد قال الشَّيخ جمال الدِّين بن هشام: «وصدر» مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره: ولها صدر. ولم يقل: وله صدر.

    هذا وقد هجر كثير من شعراء العصر الأسلوب العربي القديم كما ترى في قصيدة حفني بك وغيره.

  • (ب)

    وترى من قصائد النسيب أنهم يذكرون رحيل النساء ونأيَهن، ويخاطبون أطلالهن ويصفون محاسنهن، ويذكرون أيام شباب ولهو ولذَّات قضوها معهن، قال بعضٌ: والنَّسيب نوع من التشبَّب، وهو المعبَّر عنه بالغزل، وهو عند المحققين من أهل الأدب يشتمل على أربعة أنواع: (١) ذكر ما في المُحِبِّ من الصفات؛ كالشغف والنحول والذبول والحزن والأرق. (٢) وذكر ما في المحبوب من الصفات؛ كحُمرة الخدِّ، ورشاقة القدِّ، والملاحة والخفَر. (٣) وذكر ما يتعلق بهما من هجرٍ وصدٍّ ووصلٍ وسلُوٍّ واعتذار ووفاء وإخلاف ونحو ذلك. (٤) وذكر ما يتعلق بغيرهما بسببهما من الوشاة والرقباء ونحوهما.

  • (جـ)

    وترى من قصائد الرثاء أنَّها دائرة حول الجزع على الفقيد، وفيض العبرات، والحزن والأسف عليه، ووصف مآثره ونحو ذلك.

  • (د)

    وبالإجمال ترى أن كل نوع من الشعر يُناسب زمانه ومكانه، كما يعلم ذلك من التتبع.

١  الخليط: الشريك والزوج وابن العم والقوم الذين أمرهم واحد.
٢  الحبل: العهد.
٣  برهنٍ: أي بقلبٍ. وغلق الرهن: كَفَرِحَ؛ استحقه المرتهِن إذا لم يُفتكك في الوقت المشروط.
٤  مغزلة: ظبية ذات غزال. وأدماء: من الأدمة في الظباء، وهو لون مشرَّب بياضًا. وخاذلة: من خذلت الظبية؛ إذا تخلفت عن صواحبها أو أقامت على ولدها.
٥  اغتبق: شرب الغبوق. لما يعد: لم يجز إن صار عتيقًا.
٦  شج الشراب: مزجه. والناجود: الخمر وإناؤها. والشبم: الماء البارد. ولِينة: موضع. والطَّرْق: الماء الذي طرقته الإبل وبالت فيه وبعرت. والرنق: الكدر.
٧  الراكس: واد. والفلق: المطمئن من الأرض.
٨  شرورى وأدم: موضعان. والحزق: الجماعات، واحدتها: حزقة.
٩  الغرب: الدلو العظيمة. والمُقتَّلة: المجربة. والنواضح من الإبل: التي يُستقى عليها، واحدها ناضح. والجنة: البستان. والسحق: النخل الطويل، واحدته: سحوق.
١٠  الرشاء: الحبل. والثناية: حبل يُشد طرفاه في قتب الناضح ويشد طرف الرشاء في مثناته. ومعنى «في ثنايتها»: أي وعليها حبلها. والمحالة: البكرة. والقب: الثقب يجري فيه المحور من المحالة.
١١  العراقي: يريد العرقوتين؛ وهما خشبتان يعرضان على الدلو كالصليب.
١٢  النطق: جمع نطاق، والمراد بها هنا: نفاخات ودارات على الماء.
١٣  الشربات: جمع شربة بالتحريك؛ وهي حويض حول النخلة يسع ريها.
١٤  الدوابر: جمع دابرة، وهي في الخيل مؤخر الحافر. والقد: السير يُقدُّ من جِلد غير مدبوغ. والأبق: القنب.
١٥  الخدج: التي تلقي أولادها لغير تمام، جمع خدوج. والبدن: جامع بادن، وهي الضخمة السمينة. والعقق: جمع عقوق، وهي التي استبان حملها. جنبوها: قادوها.
١٦  الأنساء: عروق الفخذين، جمع نسا. والصفق: جمع صفاق، وهو الجلد الذي دون الجلد الأعلى مما يلي البطن.
١٧  أي: فضل الناس فضل الجياد على البطاء من الخيل. والممنون: المقطوع. والنزق: السريع في أول ما يجري ثم ينقطع مثل البرذون؛ أي الممدوح في الناس مثل الجواد في الخيل يعطيك ما عنده من الجري دون أن يقطع جريه أو يبطئ بعد السرعة.
١٨  خابط ورقًا: أي: سائل معروفًا، وهو مستعار من خبط ورق الشجر ليتناثر وتأكله الماشية.
١٩  عثَّر: اسم وموضع.
٢٠  الذكرات: جمع ذكرة، وهي الحدة.
٢١  المقصد: الذي يمرض ويموت سريعًا.
٢٢  لعلَّها «فاستقيدوا لي»، يقال: استقدت الأمير من القاتل فأقادني منه، وعلى هذا تكون الباء بمعنى من.
٢٣  المتجرد بالكسر: الجسم، وبالفتح: المصدر.
٢٤  الزعارة: الشراسة.
٢٥  الأرن: النشيط، مأخوذ من أرن كفرح. والسراة: الظهر. والحميم هنا العرق. والوظيف: مستدق الساق.
٢٦  الزجل: ذو الصوت والجلبة. والحبيُّ: السحاب.
٢٧  يمطو: يسرع. والسيد المتورد: الأسد الجريء.
٢٨  الأربد: الأغبر.
٢٩  الحُبَيرة: تصغير حبرة كعنبة؛ وهي ثوب يماني.
٣٠  الأنقد: القنفذ؛ لأنه لا ينام الليل كله.
٣١  الزيم: المتفرق من الدواب.
٣٢  عار الدهر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤