الفصل الرابع

فيما اشتُهر من كتب الإنشاء

من أقدم ما كُتِب في صناعة الإنشاء كتاب «الصناعتين»؛ أي صِناعتَي النثر والنظم لأبي هلال العسكري المتوفى سنة ٣٩٥، وقد رتَّبه على عشرة أبواب؛ الأول: في البلاغة، والثاني: في تمييز جيد الكلام من رديئه، والثالث: في معرفة صنعة الكلام، والرابع: في البيان مع حسن السبك وجودة الوصف، والخامس: في الإيجاز والإطناب، والسادس: في حسن الأخذ وقبحه وجودته ورداءته، والسابع: في التشبيه، والثامن: في السجع والازدواج، والتاسع: في البديع، والعاشر: في مقاطع الكلام ومباديه.

وألَّفَ ضياء الدين أبو الفتح نصر الله الموصلي المتوفى سنة ٦٣٧ كتاب «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» قال في خطبته: «إن علم البيان لتأليف النظم والنثر بمنزلة أصول الفقه للأحكام، وقد ألَّف الناس فيه كتبًا، وجلبوا ذهبًا وحطبًا، وما من تأليف إلا وقد تصفَّحتُ شينه وسينه، وعلمتُ غثَّه وسمينه، فلم أجد ما ينتفع به في ذلك إلا كتاب «الموازنة» لأبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي، وكتاب «سر الفصاحة» لأبي محمد عبد الله بن سنان الخفاجي، إلا أن كِلا الكتابين قد أهملا من هذا العلم أبوابًا، ولربما ذكرا في بعض المواضع قشورًا وتركا لُبَابًا … وهداني الله لابتداع أشياء لم تكن من قبلي مبتدعة، وقد بنيتُهُ على مقدمة ومقالتين؛ فالمقدمة تشتمل على أصول علم البيان، والمقالتان تشتملان على فروعه. فالأولى في الصناعة اللفظية، والثانية في الصناعة المعنوية.» ا.ﻫ. بحذف. وقد طُبع سنة ١٢٨٢ بمطبعة بولاق. وقد اختصره في كتاب أضاف إليه الرسائل والتقليدات والمكاتبات والمقاطيع المستحسنة، ويُوجد هذا المختصر في المكتبة الخديوية.

وشرح «المثل» أبو منصور الجواليقي، وابن أبي الحديد، وسمى شرحه «الفلك الدائر على المثل السائر»، وردَّ عليه أبو القاسم محمود السنجاري المتوفى سنة ٦٤٠ في كتاب سماه «نشر المثل السائر وطي الفلك الدائر». وصنَّف خليل بن أيبك الصفدي كتابًا سمَّاه «نصرة الثائر على المثل السائر»، قال في خطبته إنَّ ابن أبي الحديد أورد مُؤاخذات على صاحب «المثل»، ووجدته قد أغفل كثيرًا وأخذ قليلًا، فأحببتُ أن أتتبَّع مواضع المؤاخذات التي تركها.

وألَّف محمود بن سليمان الحلبي المتوفى سنة ٧٢٥ كتاب «حسن التوسُّل إلى صناعة الترسُّل» قال في خطبته: «لما جعل الله لي في كتابة الإنشاء رزقًا باشرت بسببه من وظائفها ما باشرت، وعاشرتُ من أجله من أكابر أهلها وأئمتها مَن عاشرت، ورأيت من مذاهبهم في أساليبها ما رأيت، ورويت عنهم من قواعدها بالمجاورة والمحاورة ما رويت، واطَّلعت بكثرة المباشرة على طرائق، وألجئت فيها باختلاف الوقائع إلى مضائق أيِّ مضائق، ونشأ لي من الولد وولد الولد من عاناها، وترشح لها من بَنِيَّ من لم أرضَ له بالتلبُّس بصورتها دون التحلي بمعناها، فأحببت أن أضع لهم ولمن يرغب في ذلك في هذه الأوراق من فصولها قواعد، وأقيم لهم فيها على ما لم يسع الجهل به من أصولها وفروعها شواهد ليأتوا هذه الصناعة من أبوابها، ويعلموا من طرقها ما هو الأخص بأوضاعها والأولَى بها.»

وألَّفَ أبو العباس أحمد القَلقَشَنْدِي نزيل القاهرة المتوفى سنة ٨٢١ كتاب «صبح الأعشى في كتابة الإنشا»، وهو كتاب جليل في بابه إلا أنه لم يُطبع، والنسخة التي بالمكتبة الخديوية ناقصة بعض أجزاء، وفي الجزء الرابع منه مكاتبات عن ملوك مصر، وفي الخامس مقاصد المكاتبات الإخوانيات، وما يكتب به الرئيس إلى المرءوس، والمرءوس إلى الرئيس، والنظير إلى النظير، وفي السادس ما يكتب من الولايات عن الملوك، وقد اختصره في كتاب سماه «ضوء الصبح المسفِر وجني الدوح المثمر».

وقد ألَّف الفاضل سعيد أفندي الخوري الشرتوني كتابًا مفيدًا سمَّاه «الشهاب الثاقب في صناعة الكاتب»، طُبع في بيروت سنة ١٨٨٤.

وقد ألَّفتُ سنة ١٣٠٦ كتابًا في الإنشاء النظري، تكلَّمتُ فيه على التفكر في الموضوع والكتابة فيه، وأدرجتُ في هذه ستة فصول؛ الأول: في صحة الألفاظ، والثاني: في تخيُّر الألفاظ، والثالث: في موافقة اللفظ موضعه، والرابع: في بلاغة الكلام، والخامس: في متانة السياق، والسادس: في عيوب الكلام. وبعد هذه الفصول ذكرتُ طرق تعليم الإنشاء في المدارس الابتدائية والتجهيزية والعالية، وقد طُبِعَ هذا الكتاب سنة ١٣٠٦ بمطبعة بولاق الأميرية، وقرَّظَهُ عدة من الأفاضل، منها ما كتبه صديقنا الفاضل «حفني بك ناصف»، فقال:

أيُّ عذرٍ بعد هذا الكتاب
لعَرِيٍّ عن حلية الكُتَّاب
بَانَ وجهُ الإنشاء فيه ولم يبـ
ـق عسيرًا سلوك نهج الصواب
حلَّ بيت الأسماع من غير إذن
وأتى للقلوب من كل باب
ليت شِعرِي هل يبتغي بعد هذا
بينات على انتصار دياب

إلى هنا انتهى ما أردنا إيراده في هذا الكتاب، والحمد لله على التمام، وكان ذلك في ١٩ شوال سنة ١٣١٤ للهجرة.

محمد دياب
المفتِّش بنظارة المعارف العموميَّة

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤