مارك يعثُر على كهف
بعد تناوُل الشاي والطعام، صَحِب مارك فرقتَه، وسار بها يتجوَّلون فوق التل، قائلًا: «هذه فرصةٌ طيبة للتمرين على اقتفاء الأثَر، أيها الرفاق! سنذهب إلى حيث وجدنا النمر، ونُحاوِل اقتفاء آثار أقدامه لمعرفة المكان الذي جاء منه، والطريق التي سار فيها.»
يمَّمَت الفرقة شطر الأحراج التي كان النمر مختبئًا فيها، وشَرَعوا يبحثون حولها عن آثار أقدامه، فانتشَر الغلمان كلٌّ يبحث في منطقةٍ حول الشجيرات. ولمَّا كان محمد يتوق إلى الحصول على شارة اقتفاء الأثَر، فقد فحَص منطقتَه بعنايةٍ فائقة، حتى إنه كان يجثو على ركبتَيه أحيانًا، ويحبو على يدَيه ورجلَيه أحيانًا أخرى، وهو يُمعِن النظر في الأرض. وسرعان ما كلل مجهوده بالنجاح؛ إذ عثَر على آثار أقدام النمر متجهةً نحو الأعشاب، فاقتفاها عائدًا بضعة أمتارٍ بعيدًا عن الشُّجيرات.
وعندما تأكَّد من أنه وجَد الأثَر الحقيقي لأقدام ذلك النمر، نادى مارك، قائلًا: «أقبِل يا مارك! لقد عثرتُ على آثار الأقدام هنا، ويبدو أنها آتيةٌ من أعلى التل.»
فأسرع إليه مارك، وأمعَن النظر في الآثار، وأماراتُ الرضى ترتسم على مُحيَّاه: «هذا عملٌ رائع حقًّا، يا محمد! إنها بالتأكيد آثار أقدام النمر. هلُموا أيها الرفاق. هيا بنا نبحث عن المكان الذي جاء منه.»
انكبَّت الفرقة كلها تتبع الأثر. وكانت تفقد الأثر كلما وصلَت إلى أرضٍ صُلبة. غير أن الصبيان كانوا يعثرون عليه ثانيةً بعد البحث الطويل في المنطقة المحيطة. وأخيرًا فقَدوه عند حافة رابيةٍ صخرية.
فقال مارك: «لا يزال أمامنا متسع من الوقت للقيام ببحثٍ أخير. ربما يكون هناك كهفٌ ما بقرب هذه المنطقة، كان النمر يتخذه مخبأً له.»
انتشر الأولاد حول المنطقة يبحثون عن الكهف المزعوم. وكان مارك نفسه يبحث معهم بين كُتل الصخور الضخمة في وادٍ صغير، فإذا به يسمع صوت صَفَّارة الأستاذ جون يستدعيهم إلى المعسكر؛ إذ كانت الشمس قد آذنَت بالمغيب ويخشى على الأولاد خروج الوحوش من مخابئها تسعى إلى رزقها إذا ما حَلَّ الظلام.
ما إن استدار مارك ليعود أدراجه إلى المعسكر هو وفرقته، حتى لاحظ فجوةً سوداء بين الصخور عند قاع الأخدود، فجرى مسرعًا نحوها ليراها عن كثَب.
لقد كانت كهفًا، يختفي مدخلُه وراء الصخور العالية والأشجار النامية أمامه. وكان صغيرًا نوعًا ما، فدخل مارك ذلك الكهف. ولمَّا توغل داخله وقد شمله ظلامٌ دامس، أوقَد عود ثقاب. ولشدَّ ما كانت دهشتُه عندما رأى الكهف أوسَع مما كان يتصوَّر. وقبل أن يخبو ضوء الثقاب، لمَح شيئًا أبيضَ مُربَّعًا في أحد جوانب الكهف، فأوقَد عودَ ثقابٍ آخر، واقترب من ذلك الشيء، فوجده صندوقًا خشبيًّا، وحاول زَحزحتَه فإذا به ثقيلٌ جدًّا … تمعَّن مارك في أرض الكهف فرأى آثار صناديقَ أخرى مماثلة له، بجانبه تمامًا.
ولكنه لم يجد الوقت الكافي ليفحص المكان بدقة ومعرفة ما بداخل ذلك الصندوق، فقد سمع الصَّفَّارة ثانية؛ ولذلك خرج في الحال، وجمع أفراد فرقته وكانوا على مقربة منه، ثم قادهم إلى المعسكر.
بات أعضاء الكشافة ليلتَهُم على جانب تل لونجوي داخل خيامهم الصغيرة. ولمَّا طلَع النهار وأشرقَت الشمس بأشعَّتها الذهبية ونشَرَت تِبْرها في المكان، كان الأولاد قد أعدُّوا الشاي والطعام بعد القيام بتمارين الصباح. ولمَّا تناولوا طعام الإفطار، أخذوا يجولون في الأماكن المحيطة بالمعسكر، ليُلقوا نظرةً أخيرة على التل وعلى الأودية والسهول أسفله والبحر الممتد بعيدًا، ثم جمعَهم الأستاذ جون بصَفَّارته، فوقفَت كل فرفةٍ في مكانها الخاص، وأمَرَهم بالرحيل، فساروا عائدين إلى المدرسة.
في أثناء العودة إلى المدرسة، كان بال صاحبنا مارك مشغولًا بالتفكير فيما رأى داخل الكهف. لم يُخبِر أحدًا بما اكتشفه — لأنه كان يرغب في الوقوف على سِر ذلك الصندوق الذي وجده. لماذا وُضِع هذا الصندوق هناك في ذلك الكهف … وهو مكانٌ بعيدٌ بعيد عن العمران … ومن الذي أتى به إلى ذلك المكان؟ وماذا بداخله؟ هل هو شيءٌ ثمين جعل صاحبه يُخفيه هناك؟ ثم هناك آثارُ صناديقَ أخرى، فأين اختفت، ومَن الذي أخذها؟ كل هذه الأسئلة دارت برأس مارك، وجعلَته يَسْرح بفكره وهو في طريق العودة … ولمَّا لم يجد إجابةً تشفي غليله، قرَّر أن يعود إلى الكهف مرةً أخرى وحده … علَّه يعرف السر.