الفصل الرابع عشر

مستقبل الكون الرقمي

يستهويني التفكير
(في التو واللحظة، من فضلك!)
في غابة سيبرانية
حافلة بأشجار الصنوبر والأجهزة الإلكترونية
حيث تطوف الغزلان لا يعترض سبيلها معترض
إلى جانب أجهزة الكمبيوتر
كما لو كانت ورودًا
تتمايل زهراتها مع النسيم.
ريتشارد بروتيجان، ١٩٦٧1
أثناء ما كنت طالبًا بالجامعة في سان فرانسيسكو في سبعينيات القرن العشرين، كان ريتشارد بروتيجان (١٩٣٥–١٩٨٤) — الكاتب المحلي والمغرد خارج السرب — من شعرائي المفضَّلين.2 وكما هو الحال مع كثيرين ممَّن أبهرهم الوعدُ بالكيفية التي ستعزِّز بها التكنولوجيات الرقمية من ذكاء الإنسان، استمتعتُ بالصور الجمالية بقصيدة بروتيجان. قد لا يكتفي البشر بالتعايش السلمي مع تكنولوجيا الكمبيوتر، بل ربما سيوجد تكافل بينهما، أشبه بما وصفه ليكلايدر عام ١٩٦٠. هل أخطأ هنري ديفيد ثورو فيما ذهب إليه؟ ربما كان مقدَّرًا لنا أن نعيش جنبًا إلى جنب مع آلاتنا وكمبيوتراتنا في غابات سيبرانية افتراضية (وليس في غابات حقيقية مثل غابات كتاب والدن لصاحبه ثورو) كما كتب ريتشارد بروتيجان: «والآلات المُحِبة تسهر على راحتنا.» وأنا أراقب الطلاب يتدفقون خارج بنايات حجرات الدراسة بالحرم الجامعي ليشغِّلوا من فورهم هواتفهم المحمولة، يدهشني مقدارُ التكافل الذي اكتسبناه مؤخرًا مع كمبيوتراتنا المتنقلة. والمفارقة تكمن في أن استخدامها بالفصول الدراسية بحرم الجامعة محظورٌ عامةً بسبب إزعاج نغمات الرنين. وعندما يُطفِئ الطلابُ هواتفَهم المحمولة بالفصل يستخدمون الكمبيوترات اللوحية أو المحمولة لتدوين الملاحظات، أو حتى لتأكيد محتوى المحاضرة في الزمن الحقيقي.3 عدد ليس بالقليل من الأساتذة (أنا من بينهم) مرَّ بتلك التجربة المزعجة عندما يرفع طالبٌ يده لإضافة تحديث في الزمن الحقيقي إلى موضوع تجري مناقشته، أو حتى لتصحيح خطأ جوهري بمحاضرة.

كثيرًا ما يُصوَّر أصحابُ الرؤى المستقبلية كأشخاصٍ يسيرون «وعقولهم في عالم آخر». سيكون هذا حقيقة واقعة في المستقبل حيث يُجري الشخص السائر بالشارع (وآمل ألا يكون الشخص الجالس إلى جوارك بصالة السينما) طلباتِ بحثٍ مشافَهةً على الإنترنت عبر سماعة البلوتوث التي يرتديها (أو ساعة اليد أو النظارات). ومع ذيوع انتشار أجهزة النفاذ إلى المعلومات القابلة للارتداء والمزوَّدة بالاتصال بالإنترنت، سيغير استخدامُها كلَّ جانب من جوانب الحياة البشرية بكل الدول، وليس في الدول المتقدمة فحسب. هل سيكون تعايُشنا المستقبلي مع هذه الكمبيوترات الشخصية المحمولة على تلك الدرجة من الرومانسية التي وصفها بروتيجان في قصيدته؟ أعتقد أن هذا من أهم الأسئلة الوجودية في القرن الحادي والعشرين.

تناولتُ في الفصول الأولى من هذا الكتاب الاتجاهاتِ التكنولوجيةَ التي تقود تطوُّرَ الاتصالات عن بُعْد والتكافل بين الإنسان والكمبيوتر؛ لكنَّ موجزًا خاطفًا لها لن يضير في شيء. أغلب أجهزة الكمبيوتر بالعالم اليومَ مرتبطٌ بعضها ببعض عبر شبكة الإنترنت العالمية، والهواتف المحمولة المتصلة بالإنترنت هي أسرع الأجزاء نموًّا في شبكة الشبكات هذه. وينبغي اعتبار عقول مستخدميها وإبداعهم الشخصي جزءًا من الشبكة العالمية في عالم متصل حيث ستكون المشاركة على الإنترنت هي المعيار السائد. إن التكافل بين الإنسان والكمبيوتر الذي تنبَّأ به ليكلايدر يعني تحديدًا: علاقة تبادلية المنفعة (حاليًّا) بين عقل الإنسان وقدرة الكمبيوتر على معالجة المعلومات وتخزينها. تظهر مشاركة الإنسان من فورها في صورة مواقع الإنترنت ورسائل البريد الإلكتروني والبرامج التجريبية وشبكات التواصل الاجتماعي والتغريدات والوسائط المتعددة المنشورة. لكن تلك المشاركة خفيةٌ غالبًا فيما يتعلَّق بخوارزميات البحث، وسياسات حوكمة الإنترنت، والقيود المؤسسية على عرض النطاق التردُّدي، وتتبُّع المستخدمين، وسياسات الرقابة الوطنية المتنوعة على الشبكات. كما أن أنظمة الكوكب الطبيعية بصدد الاتصال بالشبكة بوقعٍ متسارِعٍ في هيئة أنظمة الاستشعار عن بُعْد في الفضاء وفي المحيطات، بل ومطمورة في الأرض نفسها كمستشعرات الزلازل. وترتبط شبكاتُ بثِّ الراديو والتليفزيون كافة في العالَم عبر آليات الربط على الويب مثل نظام تليفزيون بروتوكول الإنترنت؛ فالشبكة العالمية هي مزيج من كابلات الألياف البصرية والكابلات النحاسية ممدودة في الأرض وتحت سطح محيطات العالم، ومتصلة بعدد ضخم من شبكات الواي ماكس والواي فاي وشبكات المحمول اللاسلكية المحلية. إنها ما يُطلِق عليه نيكولاس كار «الكمبيوتر العنكبوتي العالمي»، بالصيغة المفردة.4
كتب كيفين كيلي، محرِّر مجلة وايرد، في ٢٠٠٥ مقالًا يُستشهَد به على نطاق واسع حول تداعيات نمو المحتوى الإلكتروني المُنشأ عن طريق المستخدِم، بوصفه السمة المميزة لإصدار الويب ٢٫٠.5 كتب كيفين مقاله قبل النمو المتعاظم لمواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، وتناول فيه التداول المجاني لمحتوى مواقع الويب من الإصدار ٢٫٠ مثل فليكر وويكيبيديا ويوتيوب، ووصف تلك المواقع بأنها «تراكم لأعاجيب بسيطة» جعل مواطني النت لا يشعرون ﺑ «مجيء المعجزة المذهلة». وإجمالًا، قدَّمَ مليارات المشاركين في شبكة الويب الجديدة رؤًى متعدِّدةً للعالم «تفوق إسهامَ البشر التقليدي على نحوٍ لا يمكن التنبُّؤ به». وانتهى بالخلوص إلى أننا «سنحيا داخل هذا الشيء».6 بالنسبة إلى أي مواطن من مواطني النت قضى مؤخرًا ساعاتٍ يلعب لُعبةً على الإنترنت، أو يتفاعل على موقعٍ من مواقع التواصل الاجتماعي؛ فإن هذه الرؤية للكون الرقمي لا تبدو له بعيدة عن واقعه.
fig72
شكل ١٤-١: مركز بيانات جوجل المهول في دالز بأوريجون الذي بدأ العمل عام ٢٠٠٦. يبلغ حجم كلٍّ من مركزَيِ البيانات حجمَ ملعب كرة قدم، ويستهلكان كمياتٍ ضخمةً من الكهرباء في تشغيل الآلاف من أجهزة الكمبيوتر المجمَّعة، ويستعينان بكميات هائلة من مياه نهر كولومبيا في التبريد. الصورة: جاري ماكفادن.

إنْ كان أحدُ الأفراد من أتباع فلسفة هنري ديفيد ثورو الطبيعية الجدد الداعين إلى العودة إلى الطبيعة، أو من اللوديين الجدد الرافضين للتكنولوجيا؛ فهل يتسنَّى له خيار «الانفصال عن الكون الرقمي» من حيث قَطْع اتصاله بالشبكة؟ بالطبع هذا خيار متاح، بل هو خيار موصًى به جدًّا لمَن يقضون إجازةً ترفيهيةً أو دراسيةً من العمل، لكنْ بالنسبة إلى أغلب العاملين في مجال المعلومات أو التكنولوجيا المتقدِّمة سيكون قَطْع الاتصال بالشبكة مهمةً مستحيلة في المعتاد، حتى لفترات زمنية وجيزة. وعلى الرغم من أن الحاجة إلى الاتصال بالشبكة تقوم عادةً في الوقت الراهن على الاتصالات بين الأشخاص؛ فإن النفاذ إلى معارفها الجمعية سيكون ضروريًّا من منظور تنافسي في المستقبل. إنْ كان بوسع المتنافسين على المستويات الشخصية والمؤسسية والوطنية النفاذُ إلى المعلومات على الشبكة، التي لا تملك أنت النفاذ إليها؛ فحينها ستكون أنت في موضع الطرف الضعيف. يستوعب الشباب هذا الاعتمادَ على شبكات الهواتف والبيانات اليومَ (يُصاب أحدهم بالهلع لفقدانه سجلَّ الهاتف على هاتفه الرقمي إنْ فقده أو سُرِق منه؛ حيث لم يَعُدْ أحدٌ يتذكَّر أرقامَ الهواتف اليومَ). لكنهم ربما لا يُدرِكون أن حمْلَ الهاتف المحمول إلى كل مكانٍ في المستقبل القريب قد لا يكون خيارًا شخصيًّا، بل مسألة يفرضها عليه رئيسُه بالعمل أو اختياره لحياته المهنية أو رغبته في النجاح في عالَم متصل.

ومن حيث التكنولوجيات المعينة التي تمكِّن هذا التقارب بين الشبكات (لا تَنْسَ أن كلمة إنترنت internet هي اختصار لمصطلح interconnected networks بمعنى «الشبكات المتصلة بَيْنيًّا»)، يلعب الذكاءُ الاصطناعي والحوسبةُ واسعة الانتشار وتعزيزُ الذكاء والحوسبة السحابية دورًا مركزيًّا. لعل المصطلح الأخير غير مألوف للعلماء في غير حقول الكمبيوتر، لكن في حالِ استخدَمَ أحد مواطني النت محركات البحث الإلكترونية، وبحث عن معلومات على ويكيبيديا، وحمَّل صورًا على موقع فيسبوك أو مواقع التواصل الاجتماعي الشبيهة؛ فإنه يؤدي ذلك في «السحابة».

مستقبل السحابة

عام ٢٠٠٥ اشترَتْ شركةُ جوجل ٣٠ فدانًا من الأرض إلى جانب نهر كولومبيا في دالز بأوريجون.7 في البداية، لم يعلم سكان المنطقة سوى أن كيانًا يُدعَى شركة ديزاين ذات المسئولية المحدودة تتفاوض من أجل الحصول على موقع قبالة النهر، بالقرب من مصهر ألومنيوم مارتن مارييتا المتوقف عن العمل. لكن سرعان ما تسرَّبَ خبر أنَّ جوجل وراء عملية الشراء، وأنها تخطط لبناء مركز من أكبر مراكز البيانات في العالم بالموقع. وقع الاختيار على الموقع — لسببٍ من الأسباب — لأنه كان على مقربة من النهر المار بمحطة طاقة دالز الكهرومائية بطاقة ١٧٨٠ ميجا واط التي يشغِّلها سلاحُ المهندسين بالجيش الأمريكي. عندما افتُتِح المركز عام ٢٠٠٦ قُدِّر عدد أجهزة الكمبيوتر المتصلة التي ركَّبتها جوجل بمئات الآلاف في المبنيَيْن الرئيسيين؛ مما يعني وجود عددٍ مهولٍ من الخوادم يستدعى الاستعانة بالمياه الباردة من النهر لأغراض تكييف الهواء لتبريد هذه المنظومة الضخمة. ويقدِّر الصحافي روبن هاريس أن كلا المركزين يحوي ١٫٢٥ مليون من أنوية المعالجات. قارِنْ هذا العدد بالأنوية الأربعة في الكمبيوتر الشخصي التقليدي وستكتشف كيف يمكن إنجاز البحث على جوجل عن النصوص أو الوسائط المتعددة في جزءٍ من الثانية من أي بقعةٍ تقريبًا على ظهر الأرض.8
مراكز بيانات جوجل بالولايات المتحدة التي يزيد عددها على ١٥ مركزًا (إضافةً إلى ١٦ مركزًا آخَر خارج الولايات المتحدة)؛ ما هي إلا مثال على تنامي الحوسبة السحابية منذ عام ٢٠٠٠.9 استثمرت ميكروسوفت مبلغًا إضافيًّا قدره ٢ مليار دولار في جهودها لتُضاهِي نجاحَ جوجل في توفير خدمات الحوسبة السحابية.10 كما أن أمازون ويب سيرفيسز (قسم من أقسام شركة أمازون) من كبار مقدِّمي الخدمات المعتمدة على السحابة انضم كذلك إلى قائمة طويلة من العملاء من المؤسسات، والتي تضم نتفليكس وتويتر والنُّسَخ الإلكترونية من جريدة نيويورك تايمز. وتقدِّر مؤسسة ميريل لينش أن العائدات السنوية لخدمات الحوسبة السحابية ستبلغ ١٦٠ مليارَ دولارٍ في المستقبل.11 ويرى نيكولاس كار نموَّ الحوسبة السحابية جزءًا من تطور الحوسبة من الكمبيوترات المركزية إلى الكمبيوترات الشخصية حتى الكمبيوترات المتصلة بالإنترنت، وحاليًّا الأجهزة المتصلة بالإنترنت مثل الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية. ويعقد مقارَنة بين التطوُّرِ التاريخي للمرافق الكهربية في الولايات المتحدة على يد توماس إديسون وصامويل إنسول، وبين نشوءِ الحوسبة من خدمات تكنولوجيا المعلومات المؤسسية الخاصة بالشركات حتى تطوُّر خدمات المعلومات السحابية منذ عام ٢٠٠٠.

الذكاء البشري المُعزَّز

إن الإبداعات والمعارف البشرية المتكدسة عبر العصور متاحة لكل مواطني النت؛ فما على المرء سوى أن يطلبها. يتمتع آي فون من آبل بتطبيقٍ للبحث الصوتي يستجيب للاستعلامات الشفهية. كان ذلك حلم ليكلايدر عام ١٩٦٠؛ أن يمكن الجمع بين الذكاء الاصطناعي والتعرف على الصوت كواجهةٍ لتعزيز قدرةِ معالجةِ المعلومات لدى البشر. يلفظ مستخدِمُ الهاتف المحمول سؤالَ البحث مثل: «مَن مؤلف رواية «ماء للفيلة»؟» عبر سماعة البلوتوث التي يرتديها، ويحصل على إجابة آنية تقريبًا: «سارة جروين» من محرك البحث جوجل أو بينج، على سماعة يد أو عبر سماعة تُرتدَى على الرأس. في غضون ثوانٍ حقَّقْنا قرنًا من أحلام تعزيز المعلومات الجمعي، لا حلم ليكلايدر وحده، بل كذلك أحلام بول أوتليه وفانيفار بوش ودوجلاس إنجلبارت وتيد نيلسون وتيم بيرنرز-لي. وبالنسبة إليهم جميعًا، عدا بيرنرز-لي، فاقَتْ سرعةُ ودقةُ الاستجابة أكثر أحلامهم جموحًا بشأن البحث عن المعلومات وتوصيلها.

على ذِكْر بول أوتليه في بلجيكا، كان هدف مشروع مندانيوم إعداد ببليوجرافيا، يمكن الاطِّلاع عليها إلكترونيًّا، بكل أعمال البشر الإبداعية، بما في ذلك النصوص والأعمال الفنية والموسيقية (راجع الفصل السادس). وباستخدام أداة البحث (فهرس بطاقات ضخم) وأجهزة الاتصال (الهاتف والتلغراف) التي تعود لمطلع القرن العشرين، استغرقت العملية يومًا على الأقل لإنجازها والعودة بالرد إلى طالب المعلومات. سبقت أفكار أوتليه ابتكار الشبكات الرقمية التي من شأنها أتمتة عملية البحث بخمسين عامًا. كان حلم فانيفار بوش أن تيسِّر منظومةُ ميمكس التي ابتكرها إنشاءَ «سجلات ترابطية» تربط المعلومات المتصلة معًا. وكان يجري تخزين المعلومات على ميكروفيلم، وسجَّلَتْ سلسلةٌ من المفاتيح الإلكترونية الارتباطاتِ التي يُجْرِيها المستخدِم. لم تتحقَّق منظومتُه على أرض الواقع، لكن نشره أفكاره عام ١٩٤٥ حول البحث عن المعلومات وربطها حفَّزَ جيلًا من علماء الكمبيوتر، من أبناء هذا الجيل دوجلاس إنجلبارت وتيد تيلسون. أنشأ إنجلبارت مختبرَ التعزيز في ستانفورد ودرَّبَ جيلًا جديدًا من العلماء الذين ابتكروا لاحقًا أول أجهزة الكمبيوتر الشخصية في مركز أبحاث بالو ألتو التابع لزيروكس. طوَّرَ تيد نيلسون من مفاهيم المعلومات المرتبطة لتتجاوز فكرة «السجلات الترابطية» التي طرحها فانيفار بوش، وأطلق عليها النص الفائق والوسائط الفائقة. جمع تيم بيرنرز-لي النصَّ الفائق مع شبكةِ الإنترنت السريعة الازدهار ونظامِ تكويدٍ بسيط يستخدم لغة HTML لإنشاء الشبكة العنكبوتية العالمية، التي توفِّر آليةَ التوجيه الفوري لطلبات البحث من عميل المعلومات إلى خادم المعلومات. وابتكر لاري بيدج وسيرجي برين نظامًا غير مسبوق لتصنيف نتائج البحث بناءً على الزيارات السابقة، وأطلقا على شركتهما الجديدة جوجل. وإجماليُّ الوقت المنقضي من بدء طاقم عمل مندانيوم في إرسال نتائج البحث عبر التلغراف عام ١٩٣٠، إلى أداء محرك البحث جوجل العملية نفسها على الإنترنت عام ١٩٩٨؛ يبلغ أقل من جيل بشري واحد؛ ٦٨ سنة. والنتيجة، كما أراها، حدثٌ فاصل في تاريخ التطور البشري؛ أَلَا وهو إنشاءُ شبكةٍ معززة للذكاء في الزمن الحقيقي متاحةٍ لكلِّ مواطني الكوكب المتصلين بالإنترنت.
نشأ الذكاء الاصطناعي كمجالِ دراسةٍ منفصل في علوم الكمبيوتر بالولايات المتحدة في منتصف خمسينيات القرن العشرين على يد الباحِثِين الذائعِي الصيت مارفن مينسكي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وكلود شانون من مختبرات بيل، وجون مكارثي من جامعة دارتموث.12 سكَّ العالِم الأخير المصطلحَ الذي عرَّفه بأنه «عِلْم وهندسة صنع الآلات الذكية، لا سيما برامج الكمبيوتر الذكية».13 يلفت ستيفن ليفي، الكاتب بمجلة وايرد، الانتباهَ إلى أن الوعد المبكر بالتوصُّل إلى الذكاء الاصطناعي لم يتحقَّق لأن علماء الكمبيوتر حاولوا استنساخ التفكير البشري القائم على المنطق في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. لم يُكتَب النجاحُ لهذه المحاولات؛ حيث إنهم كانوا يحاولون تقليد عمليات التفكير بالمخ البشري التي لا تزال لغزًا بشكل عام. وتكمن المفارقة في أن الطفرات المتحققة في مجال الذكاء الاصطناعي اكتنفت ما أطلق عليه ستيفن ليفي خلق «تكنولوجيات جديدة لا تتأسَّى بأي حالٍ من الأحوال بالذكاء البشري».14 وابتكر الباحثون خوارزميات بمقدورها مضاهاة كيفية استخلاص الإنسانِ مضمونًا من كميات ضخمة من البيانات؛ وهذه هي عملية التعرف على الأنماط التي يتفوق فيها البشر، كما أشار ليكلايدر. أعطى العلماءُ تعليمات لأجهزة الكمبيوتر بمضاهاة هذه العملية في إطار عملية محاولة وخطأ تلقائية، استعانت بالكود الذي أثبَتَ فاعليةً أكبر، ورفضَتِ الكودَ الذي لم يَرُقْ لذلك. والنتيجةُ كانت عمليةَ محاكاةٍ آلية تقلِّد كيفيةَ تعلُّم البشرِ مهمةً جديدةً ثم إتقانها. بهذه الطريقة برمَجَ علماء شركة آي بي إم الكمبيوتر الفائق «واطسون» الذي أنتجته الشركة للفوز بلعبة جوباردي التليفزيونية عام ٢٠١١، متفوقًا على بطلين بشريين في طريقه للفوز. كان على علماء الكمبيوتر تعليم واطسون كيف يفهم السياق عند تفسير التلاعب بالألفاظ الذي تنطوي عليه اللعبة. كان واطسون مزوَّدًا ﺑ ٢٨٨٠ نواة معالج، وذاكرة وصول عشوائي بقدرة ١٦ تيرا بايت.15 أنظمةُ الكمبيوتر المتصلة على التوازي بأعداد ضخمة (مثل الأنظمة التي يستعين بها كمبيوتر واطسون وأجهزة الكمبيوتر في مراكز معلومات جوجل) تتيح إجراءَ هذه الخوارزميات بسرعات غير مسبوقة؛ ما يمكن أن يسبِّب مشكلات لنا نحن البشر أصحاب الإدراك الأبطأ نسبيًّا.

الانهيار الخاطف وغيره من القصص الديستوبية

في ربيع عام ٢٠١٠ أطلقَتْ شركة داو جونز خدمةً لكسيكون، وهي خدمة قائمة على الإنترنت تُجرِي مسحًا للآلاف من مصادر أخبار الأعمال يوميًّا، وتُعِيد إرسالَ النتائج إلى عملائها. وهذا النوع من تجميع الأخبار مألوفٌ لأيِّ شخص يستخدم تلقيمات الملخص المكثَّف للمواقع لانتقاء المقالات التي تلفت انتباهَه وإعادة إرسالها. الأمرُ غير التقليدي في لكسيكون هو أنَّ كثيرًا من عملائها كانوا أجهزة كمبيوتر أخرى تقوم سريعًا بالبحث في آلاف المقالات المنتقاة عن كلماتٍ مفتاحيةٍ وعباراتٍ مُبرمَجةٍ في خوارزميات البحث الخاصة بها.16 ثم تقوم أجهزة الكمبيوتر تلك، التابعة لشركات وول ستريت، بالبحث عن أنماط في الكمِّ المهول من البيانات الإخبارية، التي قد تعود بمعلومات مفيدة في التداول؛ ثم تنفِّذ أجهزة الكمبيوتر هذه أوامرَ بالبيع والشراء بسرعةٍ تتجاوز كثيرًا قدرةَ الإنسان. ومع أن هذا النوع من التداوُل التلقائي موجودٌ في سوق الأوراق المالية منذ سنوات؛ فإن خدمات مسح الأخبار مثل لكسيكون قد زادت كثيرًا من مقدار البيانات التي يمكن مسحها عند اتخاذ قرارات التداول بناءً على الخوارزميات الناجحة. ومن المُقدَّر أن التداوُل الكثيف بمساعدة الكمبيوتر يشكِّل الآن ٧٠ بالمائة تقريبًا من إجمالي حجم التداول في وول ستريت.17
وفي إطار عملية إسناد معظم قرارات التداول إلى أجهزة الكمبيوتر الفائقة السرعة، يحدث بعض حوادث الخلل العشوائي أثناء ذلك؛ ففي ٦ من مايو عام ٢٠١٠ أدَّتْ إحدى حوادث الخلل هذه إلى عقد الكونجرس الأمريكي جلساتٍ بشأنها، وإجراء هيئة الأوراق المالية والبورصات تحقيقًا حولها. كان مؤشر داو جونز الصناعي (الذي يتتبع الحركةَ اليومية لثلاثين سهمًا رئيسيًّا في سوق نيويورك) قد سبق أن انخفض ٣٠٠ نقطة ذاك اليوم بسبب المخاوف من التزعزع المالي في اليونان. في الساعة ٢:٤٢ مساءً هوى مؤشرُ داو جونز الصناعي؛ إذ فقَدَ ٥٧٣ نقطة في خمس دقائق. صُدِم الخبراء الماليون حول العالم من جرَّاء سرعةِ انهيارِ السوق وغيابِ أيِّ سببٍ منطقي واضح لجسامة الانهيار. إلا أن السوق سرعان ما نهضَتْ من عثرتها في الثماني والسبعين دقيقة المتبقية من يومِ التداول، واستعاد مؤشرُ داو جونز الصناعي ٦٠٠ نقطة بنفس السرعة تقريبًا التي انهار بها. بعد تحقيقٍ مكثَّفٍ دام شهورًا أجرَتْه هيئةُ الأوراق المالية والبورصات، اكتُشِف أنه في ٢:٣٢ مساءً (بتوقيت نيويورك) أصدرَتْ شركةُ صناديق استثمارية مشتركة في مدينة كانساس أمرَ بيعٍ بقيمة ٤٫١ ملايين دولار في صورة عقودٍ آجلةٍ، باستخدام برنامج تداول تلقائي.18 أدَّى حجمُ عملية البيع والسرعةُ التي نُفِّذت بها إلى تفعيل البرامج التلقائية الأخرى في مئات أجهزة الكمبيوتر بوول ستريت؛ ما نجم عنه عملياتُ بيعٍ جماعية ضخمة بثمن منخفض. جهازُ كمبيوتر واحدٌ ينفِّذ عمليةَ بيع بالغة السرعة لعددٍ ضخمٍ من الأسهم في سوق من البرامج التلقائية؛ كان السببَ في «الانهيار الخاطف». في وقتٍ لاحقٍ من عام ٢٠١٠ وقعَتْ حوادثُ خللٍ أصغر أخرى، لكنها كانت على القدر نفسه من العشوائية؛ ففي شهر سبتمبر، شهِدَتْ شركةُ مرافِق أمريكية أَسْهُمَها تهوي ٩٠ بالمائة فجأةً قبل أن تستعيد عافيتها فجأةً وبسرعةٍ، كما شهِدَ الشهرُ نفسه انخفاضَ أسهم شركة أبل ٤ بالمائة تقريبًا دون أي تبرير منطقي. اتخذت هيئةُ الأوراق المالية والبورصات إجراءاتٍ للحد من حوادث الخلل العشوائية هذه التي تقوِّض ثقةَ المستثمرين في سوق الأوراق المالية التي تستعين بالتداول التلقائي. تكمن المشكلة الجوهرية في أن برامج حاسوبية تتَّخِذ قراراتِ البيع والشراء الأساسية، وأن هذه البرامج تستعين بخوارزميات معقَّدة مصمَّمة بالذكاء الاصطناعي. ولا يتسنَّى للبشر بأي حالٍ مضاهاةُ سرعةِ هذه البرامج؛ ما يضطرهم في النهاية إلى علاج تبعات انهيارٍ وقَعَ تلقائيًّا بالأسواق. وهذا هو الجانب المظلم من التخلِّي عن السيطرة لصالح أنظمةٍ تستخدِمُ الذكاءَ الاصطناعي في الشبكات؛ حيث يمكن لحدثٍ غير متوقَّع، مثل عملية البيع الخاطفة في شهر مايو، أن يطلق سلسلةً لا يمكن التنبُّؤ بها من الأحداث. ومثلما تنبَّأ إيلول بالضبط في مقالته حول «التقنية»، الحلُّ الواضح لهذه المشكلة التي تتسبَّب فيها التكنولوجيا هو نفسُه حلٌّ تكنولوجيٌّ له عيوبه الخاصة.
في حين أن الانهيار الخاطف ربما تسبَّب في خسائر لبعض المستثمرين في الفترة الزمنية الوجيزة التي انقضَتْ قبل استعادة القِيَم الطبيعية؛ فإن تبعات إسناد التحكُّم إلى خوارزميات صنع القرار قد يكون أكثر خطورةً بكثيرٍ في منظومات المرافق والدفاع. كانت هذه حبكةَ فيلمِ الخيال العلمي «مناورات» (وور جايمز) عام ١٩٨٣؛ في هذا الفيلم يتحكَّم كمبيوتر فائق في قيادة الدفاع الأمريكية الشمالية — يُطلَق عليه جوشوا — في ترسانة الولايات المتحدة النووية الدفاعية. يشترك الكمبيوتر فيما يظنه لعبة هازلة اسمها «حرب نووية عالمية» مع متسلِّل مراهق (جسَّدَ الدور ماثيو برودريك في صِغَره)، في الوقت الذي يقود العالَمَ فيه إلى حربٍ ستتسبَّب في فنائه لم يطلق أحدٌ طلقةً ليشنَّها. كان الفيلم قصة خيالية تحذيرية بشأن وجوب حذر البشر إلى أبعد الحدود في كتابتهم لخوارزميات الكمبيوتر المصيرية المُصمَّمة لتشغيل طيار آلي، لا سيما الخوارزميات التي لها تبعات حياة أو موت على أجناس كثيرة على وجه الأرض. وفي حين أن فيلم «مناورات» كان من ثمرات الخيال، لا ينفكُّ اعتمادُ الدول في كلِّ أنحاء العالم على الأنظمة التلقائية يزداد لتوفير الطاقة الكهربية، ولتشغيل شبكة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تشمل أقمار الاتصالات الصناعية. والشاغل الرئيسي لدى مخططي منظومات الدفاع هو أن الهجوم الأول في حرب سيبرانية مشتعلة سيكون محاولاتٍ للقضاء على قدرات القيادة والتحكُّم الرقمية للعدو. يمكن أن يتحقَّق ذلك بالتسلُّل إلى أنظمة كمبيوتر العدو التي تتحكَّم في الوظائف الرئيسية مثل شبكة الطاقة لديه، وشنِّ هجمات مكثفة من هجمات الحرمان من الخدمة على أنظمته المرتبطة بشبكات، والقضاء على أقماره الصناعية — كما ينظِّر البعض — التي توفر معلوماتٍ عالميةً في الزمن الحقيقي.19
أغلبُ الهجمات الحربية السبيرانية يقع بعيدًا عن الأعين، ولا يُكشَف عنه للجمهور إلا بعد وقوعه بزمن بعيد. أُصِيبت أجهزة الكمبيوتر المتحكمة بأجهزة الطرد المركزي المسئولة عن تنقية اليورانيوم في البرنامج الإيراني لصنع القنبلة النووية بدودة رقمية غامضة اسمها ستوكسنت.20 نفَذَتِ الدودةُ إلى شبكة الكمبيوتر عن طريق محرك أقراص محمول، وانتشرت إلى أجهزة التحكم المتصلة بالشبكة البالغ عددها ٩٨٤ جهازًا انتجتها شركة سيمنز، وتسبَّبَتْ في دوران أجهزة الطرد المركزي بسرعةٍ بالغةٍ؛ ما أدَّى إلى تدميرها ذاتيًّا. كما اشتملَتِ الدودةُ على برنامجٍ أرسَلَ بياناتٍ تفيد بأن كل شيء على ما يرام من أجهزة الطرد المركزي الآخذة في الانهيار لإحباط آليات الضبط الذاتي. كُشِف في وقتٍ لاحق أن جهازَي المخابرات الأمريكي والإسرائيلي صمَّمَا دودة ستوكسنت لتأخير برنامج إيران لصنع القنبلة النووية. إلى جانب قصة إحباط الطموح النووي الإيراني، ينبغي أن تكون قصة ستوكسنت تحذيريةً لأيِّ بلدٍ يستخدم أجهزةَ التحكم الحاسوبية للأنظمة الحيوية مثل توليد الطاقة والدفاع. وينبغي لمواطني الدول المُعرَّضة للهجوم، والقائم هيكلها على بنًى رقميةٍ متصلة بشبكاتٍ، أن يتوخوا الحذرَ قبل تصديرهم برمجياتٍ خبيثةً إلى الآخرين.

تنبؤات بالذكاء الفائق للبشر

«الأحادية» مصطلح سكَّه أستاذ الرياضيات وروائي الخيال العلمي فيرنر فينج.21 كان فيرنر يضيف إلى فكرةٍ أولُ مَن اقترحها هو الرياضياتي آي جيه جود عام ١٩٦٥؛ حيث تنبأ بأن تطوُّرَ التعايش بين الإنسان والكمبيوتر سيؤدي إلى «انفجار ذكاءاتي» للآلات التي ستفوق العقل البشري بأشواط.22 يصف مصطلح الأحادية الذي سكَّه فيرنر «ابتكارَ التكنولوجيا الوشيك لكيانات تتمتَّع بذكاءٍ يفوق ذكاء البشر»، من أمثلتها:
  • ابتكار أجهزة كمبيوتر «واعية» وتتمتع بذكاءٍ يفوق ذكاءَ البشر.

  • ربما تكتسب شبكات الكمبيوتر الضخمة «وعيًا» لتكون كيانات ذكية ذكاءً يفوق البشر.

  • قد تبلغ واجهات التفاعل بين الكمبيوتر والبشر من الحميمية أنه ربما يُعتبر المستخدمون أذكياء بما يفوق ذكاءَ البشر لأسباب وجيهة.

  • ربما تجد العلوم الحيوية سُبلًا لإدخال تحسينات على العقل البشري الطبيعي.23
تنبَّأ فيرنر عام ١٩٩٣ بأن الأحادية لن تحدث «قبل عام ٢٠٠٥، ولن تتأخر عن عام ٢٠٣٠».24 في وقتِ حدوثِ الأحادية سيُصبح وقْعُ التغيُّر التكنولوجي بالغَ السرعة، والتطوراتُ في مجال الذكاء الاصطناعي التي ربما استغرقَتْ قرونًا قبل طرحه ستحدثُ في غضون أشهرٍ أو سنواتٍ، مدعومةً بالذكاء الفائق للبشر. إن رؤيته المركزة على الذكاء الاصطناعي هي رؤية ديستوبية في جوهرها، وتصف عالَمًا سيفضي فيه التطورُ التكنولوجي المتصل بالميزة التنافسية البشرية إلى الفناء الممكن للبشرية على يد الآلات الفائقة الذكاء التي ابتكرناها. فخوارزميةٌ مُصمَّمةٌ لتعزيز محافظة الآلة على أبديتها والنمو المتواصل لذكائها قد تؤدِّي إلى إدراك الآلة (تذكَّرْ أنها ستكون واعيةً بطبيعتها) أن البشر سيعتبرون هذا النمو تهديدًا، وستتخذ الآلة إجراءً متطرفًا ضد الحياة البشرية. إنْ بَدَا لك هذا السيناريو أشبهَ بحبكة أفلام «المبيد»، فهذا ليس من قبيل المصادفة. ثمة سيناريو ديستوبي آخَر يفترض أن ملايين من أجهزة الاستشعار عن بُعْد الموزَّعة حول الكوكب تزوِّد شبكةَ الويب الواعية بالبيانات، وقد تفهم الشبكة بشكل منطقي أن البشر يُنزِلون ضررًا بيئيًّا بالكوكب لا سبيلَ لإصلاحه، ثم تستغل سيطرتها على الأنظمة الحيوية لتقلِّل سريعًا من أعداد البشر كشكلٍ من أشكال التخفيف من الضرر.
هل هذه السيناريوهات المستقبلية التي تبدو مستبعَدةً هي مجرد نتاج خيالِ روائيِّي الخيال العلمي وكاتِبِي أفلام هوليوود الخصبِ؟ لا ليست كذلك25
في اجتماعٍ عقدَتْه عام ٢٠٠٩ رابطةُ النهوض بالذكاء الاصطناعي، ناقشَتْ زمرةٌ من باحثي الذكاء الاصطناعي فكرة إنْ كان ينبغي فرْضُ قيودٍ ذاتية على تصميم وتصنيع الأنظمة الذاتية التحكم التي تستعين بالذكاء الاصطناعي أم لا.26 واتفقوا على أنه ليس من المرجح أن يحل عصرُ شبكة الإنترنت الواعية في أي وقت قريب، لكنهم كانوا قَلِقين من صنع روبوتات تتمتَّع بالقدرة على قتل البشر. تطلق الولايات المتحدة طائراتٍ من دون طيار في إيران وأفغانستان واليمن هاجمَتْ قوات معادية، لكن من يوجِّهها طيارون بشريون في ولاية نيفادا وليست ذاتية التحكم.27 وربما يصنِّع مجرمون أو قوى أجنبية روبوتاتٍ متمردةً ستتجاهل قوانين الروبوتات الثلاثة التي وضعها إسحاق عظيموف، والتي تحظر إلحاق الأذى بالإنسان. وقد صرَّحَ الدكتور إريك هورفيتس، بجامعة هارفرد، رئيس رابطة النهوض بالذكاء الاصطناعي، أن «شيئًا جديدًا قد حدث في الخمس إلى الثماني سنوات الماضية؛ وخبراءُ التكنولوجيا يحلُّون محلَّ الأديان، وتتَّفِق أفكارُهم من بعض المناحي مع فكرة الفوز بالجنة كما تبشِّر بها الأديان.»28 مثل هذا النقد الموجَّه للتكنولوجيا باعتبارها دينًا مُتوقَّعٌ من جاك إيلول أو نيل بوستمان، لكنْ تأتي الصدمة عند سماع مثل هذا التصريح من باحثٍ رائدٍ في مجال الذكاء الاصطناعي.
من ناحية أخرى، زعَمَ فيرنر عام ١٩٩٣ وجود مسارين ممكنين للأحادية. وفي حين أن مسار الذكاء الاصطناعي قد يُفضِي إلى نتائج سلبية على البشر؛ فإن مسار تعزيز الذكاء ربما يكون أكثر إيجابيةً، ووصفه فيرنر بأنه «سبيلٌ أيسر كثيرًا لتحقيق الإنسانية الفائقة من طريق الذكاء الاصطناعي الخالص.»29 ودعا إلى تنفيذ المشروعات التي تجمع قوة الحدس البشري مع ذكاء الآلة، والتي تجمع الإبداع الفني البشري مع برامج الكمبيوتر الرسومية. وهذه النقطةُ الأخيرة موجودةٌ في كل أفلام الكرتون المُعَدَّة رقميًّا منذ أول فيلم مُنتَج بتقنية الصور المنشأة بمساعدة الحاسوب، «حكاية لُعبة» (توي ستوري)، عام ١٩٩٥. ومثل جيه سي آر ليكلايدر ورائد التعزيز دوجلاس إنجلبارت، يَعتبر فيرنر الذكاءَ الاصطناعي تكنولوجيا واعدةً تضيف إلى مهارات التعرُّف على الأنماط والإبداع لدى البشر في إيجاد حلولٍ مبتكرة للمشكلات العالمية.
زاد المخترع ريموند كرزويل على أطروحة فيرنر حول الأحادية باستنباطه إضافةً إلى قانون مور لما بعد عام ٢٠١٠، وبإدماجه التطورات الأخيرة في مجالَي الذكاء الاصطناعي وتعزيز الذكاء.30 ورؤيتُه للأحادية أكثرُ تفاؤلًا وأقلُّ في نظرتها الديستوبية من رؤية فيرنر. وتفيد رؤية كرزويل اليوتوبية بأن:

الأحادية ستمثِّل المحصلةَ النهائية لاندماج تفكيرنا ووجودنا البيولوجي مع التكنولوجيا التي ابتكرناها، لتتمخض عن عالمٍ لا يزال بشريًّا لكنه يسمو فوق جذورنا البيولوجية. لن يكون هناك أي اختلاف، في عالَم ما بعد الأحادية، بين الإنسان والآلة، أو بين الواقع المادي والافتراضي.

وبالنظر إلى التطورات الأخيرة في الإضافة إلى قانون مور، يتنبَّأ كرزويل بأن الأحادية ستحدث في عام ٢٠٤٥ تقريبًا. ويقول عند هذه المرحلة سيكون بوسع الأفراد تحميل وعيهم على الآلة، والتمتع نظريًّا بحياة أبدية. البُشرى لمَن سيعيشون عام ٢٠٤٥ هي أن وعيهم ربما يحيا للأبد، أما الخبر السيئ فهو أن الجسد الجديد الذي سيتخذونه ربما يشبه جسد الروبوت سي-ثري بيو من فيلم «حرب النجوم» (ستار وور)، أو أنهم ربما سيعيشون في الرقاقة ٢٤٨ بالكمبيوتر ١٦ بالصف ٥٧٢ بمركز جوجل للبيانات في دالز. تعرَّضَتْ رؤى كرزويل حول طبيعة الأحادية وتوقيتها إلى انتقاداتٍ من كثيرٍ من علماء تكنولوجيا الكمبيوتر، واعتبروها غير محتملة الوقوع، ومن بينهم جوردون مور، وجون هولاند، وجارون لانير.31

آراء نقدية

يعتقد جارون لانير، الذائعُ الصيت بين دوائر علماء الكمبيوتر بوصفه رائدًا في ابتكار الواقع الافتراضي، أنَّ فكرة الأحادية ممكنة على مقياس زمني بعيد، لكنها ليست مرجحة على المدى القريب. وشاغله الهام الأحدث هو نشوء التكنولوجيات التشاركية القائمة على إصدار الويب ٢٫٠ مثل ويكيبيديا، بوصفها مثالًا سلبيًّا على «العقل الجمعي»، وهو ما اعتبره كيفين كيلي سمةً إيجابية في مقاله المنشور بمجلة «وايرد» عام ١٩٩٥. إن شاغل لانير هو أنه أثناء إثخاننا السحابة بمعلوماتٍ شخصية في هيئة صور أو مقاطع فيديو أو بيانات شخصية، يزداد اعتبارنا للآلة كائنًا تدبُّ فيه الحياة. ومع زيادة قدرة الآلات سريعًا على معالجة المعلومات في هذا العصر (كما تنبَّأ علماء الذكاء الاصطناعي)، واكتسابها القدرة على التعلم من كل البيانات التي حمَّلناها عليها، ربما ينسب البشرُ صفةً أشبه بصفات الآلهة إلى شبكة الشبكات التي أصبحوا يعتمدون عليها في التثقيف والاتصالات والترفيه. يرثو لانير في نقده الروح الإسهامية التي خسرناها، التي تمتعت بها النسخة المبكرة من الويب، والتي استُبدِلت ﺑ «إيمان مختلف بمركزية كيانات تخيُّلية توجزه فكرة أن شبكة الإنترنت ككلٍّ تدبُّ فيها الروح، وهي آخِذة في التحول إلى مخلوق فائق للبشر».32 ويعقد لانير مقارَنةً بين الأحادية والطرح الديني عن نهاية الكون وارتقاء الأرواح المُنقذة فقط إلى الجنة، ويلفت الانتباه ساخرًا إلى أنهما «يشتركان في أمرٍ واحدٍ؛ أنه لا يمكن للأحياء أبدًا التحقُّق منهما.»33
وهذا الرأي المنتقد ليس بجديدٍ، ويعود إلى قلق إيلول من أن تطوير تكنولوجيات جديدة قوية من شأنه أن يؤدي إلى أن يؤلِّهَها البشرُ الذين يعتمدون عليها تأليهًا. ويضيف نيل بوستمان إلى هذا الموضوع في وصفه للاحتكار التكنولوجي الذي أطللنا عليه في الفصل الثالث؛ فيصفه بأنه منظومة تحافظ على أبديتها حيث تكتسب «التكنولوجيا المُؤلَّهة سلطانًا على المؤسسات الاجتماعية والروح الوطنية».34 ويزيد نيل بوستمان على ذلك ويقول إن التكنولوجيا «لا تستدعي تحريًا عن كثب لتبعاتها»، وهذه نقطة حيوية في أن تكنولوجيات المعلومات والاتصالات الجديدة يجري تسويقها للمجتمع بالتأكيد على سماتها الإيجابية. ولا تتضح الآثار السلبية إلا بعد أن تستخدمها أعدادٌ معتبرة من أفراد المجتمع، كما هو الحال مع استخدام كبرى الشركات المالية لبرامج التداول التلقائية.

في النصف الثاني من القرن العشرين، برَزَ سؤالٌ مصيري ووجوبي بالنسبة إلى دول العالم، وهو: هل يمكن لحضارةٍ تنشأ على الكوكب أن يُكتَب لها البقاء بعد توصُّلها للأسلحة النووية الحرارية؟ الإجابة حتى تاريخه — لحسن الحظ — نَعَمْ بحسب أغلب الآراء، لكنْ لا تزال هناك آلاف الرءوس الحربية النووية محمَّلةً على الصواريخ في صوامع تحت الأرض وتحت أسطح بحار العالم، وتتحكَّم فيها شبكاتُ القيادة والتحكُّم الحاسوبية دون وقوع أي حوادث حتى الآن. والسؤالُ الجديد المتعلق ببقائنا هو: هل بمقدور مجتمع البشر التطور جنبًا إلى جنبٍ مع آلاته التي لا تنفكُّ تزداد ذكاءً على نحوٍ لا يشكِّل خطورةً؟ ويمتد القلق ليتجاوز إحلال الآلات التدريجي للعمالة والإبداع البشريَّيْن. يكمن الخطر في أن قرارات التخلي عن السيطرة على حياتنا إلى الأنظمة الرقمية لن تُتَّخذ بشكل ديموقراطي؛ بل ستُتَّخذ في صورة مئات الآلاف من القرارات البسيطة، التي ستمنح السيطرةَ بشكلٍ متدرِّجٍ على فترةٍ زمنيةٍ طويلة إلى الأنظمة المستقلة التي تتحكم بها خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تؤثِّر على حياة البشر.

آمل أننا كبشرٍ نستطيع استغلالَ عقولنا المعزَّزة الجمعية لتصميم ذكاءات اصطناعية نافعة وواقية لكل أشكال الحياة الحيوية. يحدوني التفاؤل حول قدرتنا على صنع هذا العالم إلى جانب «الآلات المحبة» كما وصفها ريتشارد بروتيجان. إنْ تمتَّعْنا بحكمة مكافئة لذكائنا، فسنصمِّم أنظمةً ذكية تعزِّز العافية الطويلة المدى لكلِّ صور الحياة على الكوكب. وثمة قراراتٌ أخلاقياتية حيوية لتُتَّخذ على السبيل لتحقيق ذلك، وآمل أننا سنتحلَّى بالحكمة الجمعية كمجتمع عالمي لاتخاذ قرارات واعية. وستكون الويب تقنية مهمة للتواصل على مستوى الكوكب حول تصميم هذه الأنظمة واتخاذ قرارات ذكية بشأن تنفيذها؛ وفي إعادة صياغةٍ لتعبير مارشال ماكلوان «الوسيط هو الرسالة»، سيكون الوسيطُ في الوضع المثالي داعيًا للسلام.

رأي إنسانوي

أكبر تحدٍّ سيواجهنا في المستقبل — مع ازدياد اعتمادنا على الذكاء المعزَّز — سيكون الاحتفاظ بصفات فريدة من نوعها تميِّزنا كبشر. بعضها مثير للإعجاب مثل الإحسان والحنو على الآخرين، وبعضها أقل إثارةً للإعجاب من سابقاتها، مثل العدوانية المتأصلة في البشر وغرائز الصيد والقتل التي أدَّتْ إلى نجاة جنسنا لآلاف السنين. وكي لا تظن أن الحضارة والتنشئة الاجتماعية قد هذَّبَتْ من هذه الغرائز، راقِبْ مراهِقًا يلعب لعبةً من ألعاب التصويب من منظور اللاعب مثل هالو على جهاز كمبيوتر للألعاب.

البشرُ كائناتٌ ذات قدراتِ إدخالٍ وإخراجٍ محدودةِ النطاق الترددي مقارَنةً بأجهزة الكمبيوتر المتصلة بشبكات. ويتمتَّع كلٌّ منا بقدرات عقلية مذهلة لمعالجة المعلومات بإبداعٍ، لكنْ سيتعيَّن علينا تعلُّم التعامل مع الملهيات المتعددة في عالَم يزداد احتواؤه على الشاشات والضوضاء ودعوات الترفيه المغرية. سيحتاج البشرُ عن وعي إلى تجنُّب فرْطِ التنبيه في مستقبل مشبَّع بالوسائط المتعددة، يمكننا أن نتخيَّله بصعوبةٍ عن طريقةِ مضاعَفةِ الضوضاء الصادرة عن البيئات المزعجة المعاصرة. سيتعيَّن علينا التأقلم عن طريقِ تدريبِ أنفسنا تدريبًا واعيًا على الانفصال عن الشبكة بشكل انتقائي؛ بالتماسِ الوقتِ للتفكير مليًّا عن طريق التأمُّل، وبتجاذُبِ أطراف الحديث مع الأهل والأصدقاء، وبعزْفِ الموسيقى، وبطلَبِ السَّكِينة في الأماكن الهادئة. حقيقةً، تُبدِي الأبحاثُ الأخيرة أن التأمُّلَ اليومي قد يُحسِّن من أداء المخ البشري وظائفَه بطرقٍ متمِّمة للذكاء المعزَّز.35 لعلَّ من أمثلة البحث عن تحسينِ جودةِ الحياة في عصر التشبُّع بالمعلومات؛ قضاءَ ساعةٍ من الزمن مع الأصدقاء نتضاحك فيها أثناء تناوُل الوجبة. واستقبالُ مكالمةٍ هاتفية في وسط هذه الخبرة يجب أن يُعتبَر عملًا من الأعمال الفظَّة. سنمضي وقتًا طويلًا جدًّا من كلِّ يومِ عملٍ عاكِفين على الشبكة، ولعلنا سنحتاج إلى تخصيصِ وقتٍ كلَّ يومٍ للانفصال عن الشبكة. ولعلنا سنحتاج إلى تحرير عقودِ عملٍ توضِّح بجلاءٍ مقدارَ الوقت الذي يُنتظَر منَّا أن نقضيه متصلين بالشبكة لأغراض العمل (كما يفعل بعض الأفراد العاملين بمِهَن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حاليًّا).
في عالَمٍ متصل حيث يجلس مواطنو النت إلى شاشات الكمبيوتر والتليفزيون لمدة ٨ أو ١٠ أو ١٢ أو ١٥ ساعة يوميًّا، سنُضطر إلى إيجاد سُبُلٍ للتفاعل مع المعلومات دون التقيُّد بنمطِ حياةٍ كسول. وقد أظهرت الدراساتُ الحديثة أن هذا الانغماس الذي يتصف به العالَم المنقول ربما يكون تأثيرُه أكثرَ إهلاكًا على المجتمع بوقْعٍ أسرع من أي أحادية ديستوبية. نشرَتْ مجموعةٌ من الباحثين الإنجليز تقريرًا عام ٢٠١١، يفيد بأنهم اكتشفوا أن الرجال الذين في منتصف العمر ويقضون أكثر من ٤ ساعات يوميًّا جالسين أمام شاشة؛ تزيد احتمالات وفاتهم المبكرة من جرَّاء اعتلالِ القلب والأوعية الدموية، بنسبة ٥٠ بالمائة عن الرجال بالمجموعة الضابطة.36 وأحد الاكتشافات الخطيرة أن ممارسة المجموعة صاحبة نمط الحياة الكسول نشاطًا بدنيًّا قليلًا، لم تحسِّن من صحتهم بصورة ملحوظة. استغرقَتْ هذه الدراسة ٤ سنوات، وأُجرِيت على ٤٥١٢ رجلًا، وما هي إلا الدراسة الأخيرة في سلسلةٍ من التقارير التي تُقِيم علاقةً مباشِرة بين الجلوسِ دون نشاطٍ أمام الشاشة والآثارِ الصحية المؤذية. يتحتَّم علينا ممارسة التمرينات الرياضية كلَّ يوم للمحافظة على يقظة الذهن واللياقة البدنية، على اعتبار الوقت المتزايد الذي نقضيه متصلين بالشبكة. ربما سينبغي تزويد المزيد من واجهات التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر بأجهزة وي التي تستشعر الحركة؛ لتستلزم نشاطًا بدنيًّا خلال الساعات التي نقضيها أمام الشاشة يوميًّا.

يجب أن يتحرى البشر رصد الآثار الاجتماعية السلبية لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات المتغلغلة أكثر من أي وقتٍ مضى في حياتهم. ويصف مصطلح «الازدواجية المدروسة» الصورةَ التي آمل أن تروا بها هذه التكنولوجيات في المستقبل. أقصد بالصفة «مدروسة» أن القرَّاء ينبغي أن يدركوا الإمكانيات التي يمكن للتكنولوجيات أن تحقِّقَها في الوقت الراهن، إضافةً إلى ضرورةِ معرفةِ التاريخ التكنولوجي (أحد أغراض هذا الكتاب)، والتفكيرِ في التطبيقات المستقبلية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. توفِّر الازدواجيةُ المنظورَ اللازم للتفكير الناقد في الآثار الراهنة والمستقبلية لاستخدام هذه التكنولوجيات. دائمًا ما يجري تسويقُ التكنولوجيات الجديدة بمنظورٍ غيرِ واقعي يركِّز على الآثار الاجتماعية النافعة، ولا نَعِي آثارَها السلبية إلا بعد استخدامها. وأَمَلي معقودٌ على أن كلَّ قارئ لهذا الكتاب سينظر إلى مستقبل جنسنا البشري متحمِّسًا لقدراتنا المعزَّزة على الملاحظة والتواصُل. لقد تحرَّيْنا في هذا الكتاب التقدُّمَ المُحرَز في الخمسين عامًا المنصرمة في مجال تحسين الذكاء البشري، ولا يسعنا سوى تخيُّل مقدارِ تقدُّمِ حقلِ تعزيزِ الذكاء الصناعي في الخمسين عامًا القادمة. وستكتسب هذه الرؤيةُ أرضًا صلبةً بضرورة التحرِّي الناقد لتداعيات التكافُل الوشيك بين ذكاء الآلة والإنسان، والسعي للتخفيف من آثار الآلات المُمرِضة ونحن نتطوَّر جنبًا إلى جنبٍ في هذا القرن من الزمان.

هوامش

(1) R. Brautigan, All Watched Over by Machines of Loving Grace (San Francisco: The Communication Company, 1967). This was first published in a limited edition of hand-distributed copies. The poem was reprinted in Richard Brautigan’s Trout Fishing in America; The Pill Versus the Spring Hill Mine Disaster; and, In Watermelon Sugar anthology (Boston: Houghton Mifflin/Seymour Lawrence, 1968). Excerpt copyright 1968 by Richard Brautigan, reprinted by permission of Houghton Mifflin Harcourt. All rights reserved.
(2) I enrolled in the fall of 1972 as a photography student at the San Francisco Art Institute on Russian Hill near North Beach.
(3) There is a mordant joke circulating online that states that a college education is now a process of transferring information (via PowerPoint) from the professor’s laptop computer to the student’s notebook PC, without passing through the mind of either person.
(4) N. Carr, The Big Switch: Rewiring the World from Edison to Google (New York. W. W. Norton, 2008), 113.
(5) K. Kelly, “We Are the Web,” Wired (August 2005). Retrieved January 15, 2011, from http://www.wired.com/wired/archive/13.08/tech.html. This is a very interesting article about the evolution of Web 2.0 as the era began.
(6) Ibid.
(7) Carr, The Big Switch, 64.
(8) R. Harris, “Google’s 650,000-Core Warehouse-Size Computer,”ZDNet (October 23, 2007). Retrieved December 22, 2010, from http://www.zdnet.com/blog/storage/googles-650000-core-warehouse-size-computer/213#.
(9) R. Miller, “Google Data Center FAQ,” DataCenter Knowledge (March 23, 2008). Retrieved December 24, 2010, from http://www.datacenterknowledge.com/archives/2008/03/27/google-data-center-faq/. These figures are estimates by Miller as Google keeps the actual number of its worldwide data centers confidential as a trade secret.
(10) Carr, The Big Switch, 82.
(11) M. Harris, “You Can Fire Us on a Minute’s Notice,” The Guardian (March 26, 2009). Retrieved January 15, 2011, from http://www.guardian.co.uk/technology/2009/mar/26/amazon-adam-selipsky#.
(12) J. Skillings, “Getting Machines to Think Like Us,” CNet News (July 3, 2006). Retrieved December 23, 2010, from http://news.cnet.com/Getting-machines-to-think-like-us/2008-11394_3-6090207.html.
(13) J. McCarthy, What Is Artificial Intelligence? (November 12, 2007). Retrieved December 23, 2010, from http://www-formal.stanford.edu/jmc/whatisai/whatisai.html. This website is a useful primer on AI for the interested layperson.
(14) S. Levy, “The A.I. Revolution,” Wired (January 2011). Retrieved August 30, 2011, from http://www.wired.com/magazine/2010/12/ff_ai_essay_airevolution/.
(15) M. P. Mills, “IBM’s Watson Jeopardy Stunt Unleashes a Third Great Cycle in Computing,” Forbes (February 21, 2011). Retrieved February 21, 2011, from http://blogs.forbes.com/markpmills/2011/02/21/ibms-watson-jeopardystunt-unleashes-a-third-great-cycle-in-computing/.
(16) F. Salmon and J. Stokes, “Algorithms Take Control of Wall Street,” Wired (January 2011). Retrieved August 30, 2011, from http://www.wired.com/magazine/2010/12/ff_ai_flashtrading/all/1.
(17) Ibid.
(18) G. Bowley, “Lone $4.1 Billion Sale Led to ‘Flash Crash’ in May,” New York Times (October 1, 2010). Retrieved December 26, 2010, from http://www.nytimes.com/2010/10/02/business/02flash.html?_r=2&scp=1&sq=flash +crash&st=nyt.
(19) W. Scott, M. Coumatos, W. Birns, and G. Noory, Space Wars: The First Six Hours of World War III (New York: Forge Books, 2007).
(20) W. J. Broad, J. Markoff, and D. E. Sanger, “Israel Tests on Worm Called Crucial in Iran Nuclear Delay,” New York Times (January 15, 2011). Retrieved January 16, 2011, from http://www.nytimes.com/2011/01/16/world/middleeast/16stuxnet.html?hp.
(21) V. Vinge, The Coming Technological Singularity: How to Survive in the Post-Human Era. Paper presented to the VISION-21 Symposium, NASA Lewis Research Center and the Ohio Aerospace Institute (1993). Retrieved December 22, 2010, from http://www-rohan.sdsu.edu/faculty/vinge/misc/singularity.html. An interesting annotated version is online at http:// www-rohan.sdsu.edu/faculty/vinge/misc/WER2.html.
(22) I. J. Good, “Speculations Concerning the First Ultra-Intelligent Machine,” in F. L. Alt and M. Rubinoff (eds.), Advances in Computers, 6 (1965), 31–88.
(23) Vinge, The Coming Technological Singularity.
(24) Ibid.
(25) G. Zorpette, ”Waiting for the Rapture,” IEEE Spectrum (June 2008). Retrieved January 15, 2011, from http://spectrum.ieee.org/biomedical/ethics/waiting-for-the-rapture/2. The complete June 2008 IEEE Spectrum issue on Singularity: http://spectrum.ieee.org/static/singularity.
(26) J. Markoff, “Scientists Worry Machines May Outsmart Man,” New York Times (July 26, 2009). Retrieved January 12, 2011, from http://www.nytimes.com/2009/07/26/science/26robot.html.
(27) In fact, after a series of drone missions that killed non-combatant civilians in Afghanistan, the rules of engagement now require that a soldier on the ground confirm the target as hostile prior to an air attack.
(28) Zorpette, ”Waiting for the Rapture.”
(29) Vinge, The Coming Technological Singularity.
(30) R. Kurzweil, The Singularity Is Near (New York: Viking, 2005).
(31) “Tech Luminaries Address Singularity,” IEEE Spectrum (June 2008). Retrieved January 15, 2011, from http://spectrum.ieee.org/computing/hardware/tech-luminaries-address-singularity. This is an enlightening pro and con survey of ten informed experts on the subject, including Gordon Moore.
(32) J. Lanier, You Are Not a Gadget (New York: Knopf, 2010), 14. Lanier also makes a convincing case that one of the fundamental flaws of the Internet is the ability to post content anonymously-which has promoted harmful online behavior such as cyber-bullying.
(33) Ibid., 26.
(34) N. Postman, Technopoly: The Surrender of Culture to Technology (New York: Vintage, 1992), 71.
(35) S. N. Bahnoo, “How Meditation May Change the Brain,” New York Times (January 28, 2011). Retrieved January 30, 2011, from http://well.blogs.nytimes.com/2011/01/28/how-meditation-may-change-the-brain/?src=me&ref=general#.
(36) E. Stamatakis, M. Hamer, and D. W. Dunstan, “Screen-Based Entertainment Time, All-Cause Mortality, and Cardiovascular Events,” Journal of the American College of Cardiology 57 (2011), 292–9. Retrieved January 16, 2011, from http://content.onlinejacc.org/cgi/content/abstract/57/3/292.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤