المحور السابع

التناصُّ بين الكتب المقدَّسة

(٣) القرآن والتوراة
(س): من المتوقع أن يكون حجم التناص بين القرآن والتوراة أكبر بكثير من حجمه بين القرآن والإنجيل، نظرًا لغزارة المادة التوراتية مقارنةً بالمادة الإنجيلية.
(ج): بكل تأكيد؛ فالأناجيل الأربعة لا تشغل من الكتاب المقدَّس حيِّزًا يزيد بكثير عن سِفرَي التكوين والخروج، يُضاف إلى ذلك أن الأنبياء المذكورين في القرآن هم شخصياتٌ توراتيةٌ عدا خمسة هم: صالحٌ نبي قوم ثمود، وهودٌ نبي قوم عاد، وشعيبٌ نبي قوم مدْيَن، وإدريس وذو الكفل اللذان لم يذكُر لنا النص اسم قومهما، على أنه من المرجَّح أن يكون شعيبٌ نبيُّ قومِ مدين هو كاهن مدين المدعو يثرون الذي تزوَّج موسى من ابنته في سِفر الخروج التوراتي، وأن يكون إدريس هو أخنوخ الأب السادس بعد آدم على ما يقول بعض مُفسِّري القرآن. وبذلك تتقلَّص قائمة الشخصيات الدينية القرآنية غير التوراتية إلى ثلاث فقط. أما الشخصيات القرآنية/التوراتية فتغدو ثمانيةً وعشرين شخصية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الأسباط من أولاد يعقوب هم أحدَ عشَر. وهذه أسماؤهم:

نوح، إدريس، إبراهيم، إسماعيل، لوط، إسحق، يعقوب، الأسباط (= ١٢)، يوسف، موسى، هارون، شعيب، داود، سليمان، الياس، اليسع، أيوب، يونس.

وهؤلاء جميعًا أنبياء في القرآن تلقوا وحيًا من ربهم: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا – النساء: ١٦٣. أما في التوراة فأدوار هؤلاء تتنوع؛ فالأسباط لم يكونوا أنبياء بل الجدود الأعلون للقبائل العبرانية التي تسلسلت منهم، ومنهم يوسف الذي لم يكن نبيًّا ولم يكلِّمه الله طيلة قصته الطويلة في سِفر التكوين، وكذلك أيوب الذي لم يكن سوى رجلٍ صالح اختبره الله بالمصائب والبلايا، وكذلك لوط. وعلى الرغم من أن الله كلم داود وسليمان، إلا أنهما كانا ملكَين مقرَّبَين من الله، ولم يكونا نبيَّين بالمعنى التوراتي للكلمة.

(س): كيف لا يكون داود نبيًّا وقد تلقَّى من الله كتابًا يُدعى الزبور؟ هل للزبور ذِكرٌ في القرآن؟
(ج): لقد ورد في القرآن ما يشير إلى أن داود قد تلقى من ربه كتابًا موحى يُدعى بالزبور: وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (الإسراء: ٥٥). وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (الأنبياء: ١٠٥). ومن المفترض أن كتاب الزبور هذا هو سفر المزامير التوراتي، ولكن سفر المزامير ليس كتابًا مستقلًّا، وإنما هو جزء من كتاب التوراة. ويحتوي على تراتيلَ دينيةٍ وأدعيةٍ وصلواتٍ كانت تُنشد على أنغام الموسيقى في الهيكل، ومعظم هذه المزامير ومفردها (مزمور) منسوب لداود والبقية لغيره، ولكن لا شيء فيها يدل على وحيٍ إلهي. وعلى كلٍّ فإن سلوك داودَ وسليمانَ في التوراة كان بعيدًا عن صلاح وتقوى الأنبياء.
(س): هل تعني ما فعلَه داود عندما قتل أحد محاربيه الشجعان لكي يستولي على امرأته؟
(ج): نعم؛ فقد رأى الملك داود، وهو على سطح منزله يتمشَّى، امرأةً في البيت المقابل تستحم، ففتَنه جمالُها وسأل في اليوم التالي أعوانه فقالوا إنها بتشبع زوجة أوريا الحثِّي الذي يقاتل في عَبْر الأردن مع الجيش الذي يحارب الآراميين. فأرسل داودُ غلمانه فجاءوا بها ودخل عليها ثم رجعَت إلى بيتها. وبعد مدة أرسلَت إلى داود وأخبرَتْه بأنها حاملٌ منه. فكتب داود إلى يوآب قائد جيشه يقول له: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة ثم ارجعوا من ورائه فيُضرب ويموت، وهكذا كان. وعندما وصل داودَ خبرُ موتِ أوريا أتى بالمرأة الحامل إلى بيته وصارت له زوجة وولدَت له سليمان. وعندما سمع النبي ناثان بالخبر دخل على داود وقال له: كان رجلان في مدينةٍ واحدة؛ واحدٌ منهما غني والآخر فقير، وكان للغنيِّ بقرٌ وغنمٌ كثيرة جدًّا، وأما الفقير فلم يكن له شيء إلا نعجةً واحدةً وكانت له مثل ابنة، فجاء ضيف إلى الرجل الغني وأراد أن يهيِّئ له ضيافة، وبدلًا من أن يذبح له غنمه، جاء إلى الرجل الفقير فأخذ نعجته وهيأ للضيف طعامه، فماذا تقول في ذلك؟ قال داود: إنه يُقتل. فقال ناثان لداود: أنت هو الرجل (سفر صموئيل الثاني، ١١: ٢–٢٩).

أما سليمان الذي قال عنه الرب: «هو يبني بيتًا لاسمي، وأنا أثبت كرسي ملكه إلى الأبد، أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا» (سفر صموئيل الأول، ٧: ١٣-١٤)، فقد تخلَّى عن الرب الذي بنى له هيكل أورشليم وعبد الآلهة الكنعانية وبنى لها المعابد: «ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه، فذهب سليمان وراء عشتروت إلهة الصيدونيين، ووراء ملكوم إله العمونيين وعَمِل سليمان الشر في عينَي الرب» (سفر الملوك الأول، ١١: ٤-٥).

(س): أعتقد أن ما فعلَه داود قد وردَت الإشارة إليه في القرآن في قصة الرجل الذي عنده تسع وتسعون نعجةً وأخيه الذي عنده نعجةٌ واحدة.
(ج): نعم، وإن كان العديد من مُفسِّري القرآن يُمارون في ذلك دفاعًا عن نبوة داود، ولكن مقارنة القصة القرآنية مع القصة التوراتية تؤكِّد وحدة الموضوع بينهما. نقرأ في سورة ص: وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (سورة ص: ١٧–٢٦).

في القصة القرآنية يقوم ملاكان مقام النبي ناثان في القصة التوراتية في الدخول على داود وتنبيهه إلى خطيئته من خلال عرض قصةٍ رمزية؛ فقد اجتاز هذان الملاكان الأبواب والأسوار ودخلا فجأةً على داودَ فخاف منهما. وبعد أن عرضا عليه قضيتَهما وأفتى لهما فيها، انتبَه إلى أنه هو المقصود وعرف هُويتهما فخرَّ راكعًا على الأرض طالبًا العفو من الله.

(س): هذا يضعنا في لُبِّ عملية التناصِّ بين الكتابَين؟
(ج): التناصُّ بين الكتابَين أغزرُ من أن نُوفيَه حقَّه هنا، وهو يتراوح بين التناصِّ التام حيث يبدو النص القرآني أشبه بترجمة للنص التوراتي، كما هو الحال في قصة يوسف، والتناصِّ شبه التام حيث يبدو النص القرآني ترجمةً حرة ومختصرةً بعض الشيء للنص التوراتي، كما هو الحال في قصص موسى وإبراهيم، والتناصِّ المجتزأ كما هو الحال في قصص بعض الأنبياء مثل إلياس.
(س): لقد أُفردَت في القرآن سورةٌ كاملةٌ لقصة يوسف على الرغم من أنه ليس شخصيةً نبويةً في التوراة على ما ذكرتَ منذ قليل. دعنا نبدأ به.
(ج): القصة طويلة لذلك سأكتفي بإيراد ملخصاتٍ من النص التوراتي من أول القصة إلى أواسطها، مع ما يقابلها من النص القرآني.

يوسف وإخوته:

  • سِفر التكوين: كان يوسف ابن سبع عشرة سنة، وكان يرعى الغنم مع إخوته، وقد أحبَّه أبوه يعقوب أكثر من جميع بَنِيه، فأبغضه إخوته ولم يستطيعوا أن يكلِّموه بسلام (سِفر التكوين، ١: ٣٧–٥).

  • سورة يوسف: لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (يوسف: ٧-٨).

حُلْم يوسف:

  • سِفر التكوين: وحَلَم يوسفُ حُلمًا أخبر به أباه وإخوته قال: إني حلَمتُ حُلمًا، وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا ساجدة لي. فازداد إخوته له بُغضًا (التكوين، ٣٧: ٩–١١).

  • سورة يوسف: إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا (يوسف: ٤-٥).

مؤامرة الإخوة:

  • سِفر التكوين: طلب يعقوبُ من يوسفَ أن يذهب إلى إخوته في المرعى، فلما رأوه من بعيد قال بعضهم لبعض: هو ذا صاحب الأحلام قادم، فالآن لنقتله ونطرحه في إحدى الآبار، ونقول وحشٌ رديء أكله. فسمع أخوهم رءوبين مقالتهم وأراد إنقاذه فقال لهم: لا تسفكوا دمًا، اطرحوه في هذه البئر في البرِّية ولا تمدُّوا إليه يدًا. فكان لما جاء يوسف أن خلعوا عنه قميصه وطرحوه في البئر وكانت جافةً ليس فيها ماء، ثم أخذوا القميص وذبحوا تيْسًا من المعزى، وغمسوا القميص بالدم، وعادوا إلى أبيهم فقالوا: حقِّق، أقميص ابنك هذا؟ فتحقَّق وقال: قميص ابني، وحشٌ رديء أكل يوسف. ثم مزَّق ثيابه ولبِس الحداد وناح على ابنه أيامًا كثيرة. أما يوسف فقد انتشلَته قافلة تجارٍ مديانيين وباعوه للإسماعيليين بعشرين من الفضَّة فأتَوا به إلى مصر (التكوين: ١٨–٣٨).

  • سورة يوسف: (طلب الإخوة من أبيهم أن يرسل يوسف معهم إلى البرِّية فوافق بعد تمنُّع خشية من أن يأكله الذئب، وعندما صاروا في المرعى قال بعضهم): اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * … فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ * وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (سورة يوسف: ٩–٢٠).

يوسفُ في مصر:

  • سِفر التكوين: فأخذوه إلى مصر واشتراه رئيس شرطة الفرعون المدعو فوطيفار (ولقبه في القرآن العزيز). وكان الرب مع يوسف، فكان رجلًا ناجحًا، ووجد نعمة في عينَي سيده الذي أوكلَه بجميع شئون بيته، فبارك الرب بيت فوطيفار وحقله. وكان يوسف حَسَن الصورة وحَسَن المنظر (التكوين، ٣٩: ١–٦).

  • سورة يوسف: وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ (يوسف: ٢١-٢٢).

الإغواء:

  • سِفر التكوين: وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده رفعَت عينَيها إلى يوسف وقالت: اضطَجِع معي. فقال لها: كيف أصنع هذا الشيء العظيم وأخطئ إلى الله؟ ثم تركها ومضى، إلى أن جاء يومٌ دخل فيه يوسف إلى المنزل ولم يكن هناك غيرهما، فأمسكَت بثوبه قائلة: اضطَجِع معي. فتَرك ثوبه في يدها وخرج من البيت، أما هي فوضعَت ثوبه بجانبها حتى جاء سيدُها، فقالت له: لقد دخل عليَّ هذا الرجل ليضطجع معي فصرختُ فترك ثوبه بجانبي وهرب. فحمي غضب فوطيفار على يوسف ووضعه في السجن الذي كان أسرى الملك محبوسين فيه (التكوين، ٣٩: ١–٢٣).

  • سورة يوسف: وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ (يوسف) هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * … ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (يوسف: ٢٣–٣٥).

في السجن:

  • سِفر التكوين: وحدَث بعد هذه الأمور أن فرعون غضب على رئيس السُّقاة في قصره ورئيس الخبَّازين، وأمر بحبسهما في السجن نفسه، ثم إن كليهما حلَما حُلمًا وقصَّاه في الصباح على يوسف. قال رئيس السُّقاة: رأيتُ كرمةً فيها ثلاثة قضبان نضجَت عناقيدها فأخذتُ العنب وعصرتُه في كأسٍ قدَّمتُها لفرعون. فقال له يوسف: الثلاثة قضبان هي ثلاثة أيام، في ثلاثة أيام تخرج من السجن وتُرد إلى مقامك، وتسكُب الخمرة لفرعون كما كنتَ تفعل، فهلا صنعتَ لي معروفًا وذكَرتَني له فيُخرجني من السجن. ثم قص عليه رئيس الخبازين حُلمه قال: رأيتُ ثلاث سلالٍ على رأسي والعليا فيها خبز والطيور تأكُل منه. فقال يوسف: السلال هي ثلاثة أيام. في ثلاثة أيامٍ يقطع فرعونُ رأسَكَ ويعلِّقك على خشبة وتأكل الطيور من لحمك. ثم مضت الثلاثة أيام وحدَث ما توقَّعه يوسف، ولكن رئيس السُّقاة نسِيه ولم يذكُره لفرعون مدة سنتَين (سِفر التكوين، ٤٠: ١–٢٢).

  • سورة يوسف: وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ … يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ * وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (يوسف: ٣٦–٤٢).

هذا ما لديَّ فيما يتعلق بالتناصِّ في قصة يوسف، ولا داعي للمُضي أكثر من ذلك؛ لأن بقية القصة تسير على المنوال نفسه.

(س): هناك شيء لم أفهمه في عنصر انتشال يوسف من البئر في الرواية القرآنية؛ فعندما جاء السيارة إلى البئر ليستقوا منها الماء ودلَّى ساقيهم بدلوه فوجد يوسف، فقال: يا بشرى هذا غلام وأسرُّوه بضاعة. ما معنى كلمة أسرُّوه؟
(ج): معظم المفسرين يقرءون كلمة أسرُّوه بتشديد الراء (من فعل أسرَّ أي أخفى)، ويقولون إن الذين انتشَلوه أخفَوه عن الآخرين حتى لا يشاركوهم فيه. ولكن هذا المعنى لا يستقيم لأنهم بعد ذلك شرَوْه؛ أي باعوه لأن الكلمة تحتمل المعنيَين، بثمنٍ بخس وكانوا فيه من الزاهدين. وهذا يعني أن يوسف لم يكن بضاعةً غالية الثمن حتى يُخفيَه من انتشله عن الآخرين. يُضاف إلى ذلك استحالةُ إخفاء شاب في القافلة عن عيون الآخرين.
(س): وما المعنى إذن؟
(ج): ربما كان علينا أن نقرأ الكلمة دون تشديد السين، عندها يستقيم المعنى؛ فالذين انتشلوه أسَروه؛ أي أمسكوا به ولم يُطلِقوا سراحه ليجعلوه بضاعةً يتاجرون فيها.
(س): وهل يجوز لنا أن نغيِّر في قراءة القرآن؟
(ج): هنالك فرق بين القرآن الكريم وبين المصحف الشريف. القرآن الكريم مقدَّس ولا يتغير أو يُغيَّر، أما المصحف فنتاجٌ بشريٌّ صنعَته أيادي النساخ الذين كانوا ينقلون ما دونه كُتاب الوحي متفرقًا على رقاع الجلد أو عظم الأكتاف أو الخشب، أو ما حفظه حُفَّاظ القرآن وفُقدَت أصوله. وقد تم ذلك على مرحلتَين؛ الأُولى في عهد الخليفة عمر، والثانية في عهد الخليفة عثمان.
(س): هل تقصد بقَولكَ أنَّ من جمع القرآن في مصحفٍ قد ارتكَب بعض الأخطاء في النَّسخ؟
(ج): هذا ممكن؛ فهؤلاء ليسوا ملائكة، والإنسان خطَّاء بطبيعته، ولكن تلك الأخطاء كانت شكلية ولا تؤثِّر على المعنى لا من قريبٍ ولا من بعيد. وقد أورد السيوطي في كتابه «الإتقان في علوم القرآن» خبرًا عن السيدة عائشة مفاده أن البعض استفتاها في بعض الشذوذات النحوية في المصحف، فقالت: لقد أخطأ النُّسَّاخ.
(س): ما نوع هذه الشذوذات؟
(ج): ما أتذكَّره منها عشرة، وربما كان العدد أكبر من ذلك؛ فقد ورد على سبيل المثال، في سورة طه: ٦٣: قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، والشذوذ هنا هو رفعُ اسمِ إن بدلًا من نصبه. وورَد في سورة المائدة: ٦٩: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى …، والشذوذ هنا هو أن كلمة الصابئون مرفوعةٌ رغم أنها معطوفة على منصوب.
(س): لفتَ نظري ما قلتَه منذ قليلٍ عن فقدان بعض الأصول المكتوبة للقرآن، ما الدليل على ذلك؟
(ج): هنالك دلائلُ عدةٌ تأتينا من أخبار عملية جمع القرآن، ومنها أنه عندما أراد عمر أن يجمع القرآن قام في الناس، فقال: من كان تلقَّى من رسول الله شيئًا من القرآن فليأتنا به، وكان لا يقبل شيئًا من ذلك حتى يشهد عليه شاهدان. ولو كان القرآن مدوَّنًا كله بشكلٍ متفرق، لما كان من الضرورة أن يتم طلبه ممن يحفظ منه شيئًا، أو إشهاد شاهدَين على ما يأتي به هؤلاء. لأن ما دُوِّن في عهد الرسول من قِبَل كتبَة الوحي لا يحتاج إلى شهادة أحدٍ عليه. ويبدو أن المحفوظ في صدور الرجال ولا أصل له في المدوَّنات كان كثيرًا، لأن ما دفع عمر للإسراع في جمع القرآن هو استشهادُ الكثيرينَ من حفظَته في حرب اليمامة ضد مسيلمة الكذاب أيام الخليفة أبي بكر، على ما يُورِد لنا السجستاني في مؤلَّفه المعروف «كتاب المصاحف».

على كلٍّ، فإن المقطع من سورة يوسف الذي أثار لديك التساؤل بخصوص كلمة «أسرُّوه» يحتوي كلمةً أخرى اختلف القدماء في قراءتها، وهي قول الوارد الذي دلَّى بدَلْوه في البئر «يا بشرى» عندما وجد يوسف، فقد قرأها البعض «يا بشرايَ» وبإمكانكَ أن تجد هذه المعلومة في كتب التفسير. إن الاختلاف بين القراءتَين لا قيمة له في الحقيقة، ولكنه اختلافٌ على أية حال.

(س): تُقدِّم لنا سورة يوسف نموذجًا عن الأسلوب القرآني البليغ المختزل الذي يؤدي المعنى بكفاءة وبأقل الكلمات، في مقابل الأسلوب التوراتي المُسترسِل وذي النَّفَس الطويل. أليس كذلك؟
(ج): هذا صحيح؛ فالإيجاز في الأسلوب القرآني يمثِّل ذروة إعجازه اللغوي. ولكنه في أحيانٍ قليلةٍ يترك القصة سابحة في جوٍّ من الغموض، ربما كان مقصودًا، كما هو الحال في قصة يونس التي تُقدِّم لنا نموذجًا عن التناصِّ التام مع مُقابِلها قصة يونان التوراتية.

تَرِد قصة يونس، أو قصة يونان كما يُدعى في التوراة موزَّعةً في القرآن على عدة سور:

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (سورة القلم: ٤٨-٤٩).

فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (سورة يونس: ٩٨).

وَذَا النُّونِ (= صاحب الحوت) إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (سورة الأنبياء: ٨٧-٨٨).

وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ (= هرب ولجأ) إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (= المثقل بالركاب والبضائع) فَسَاهَمَ (= شارك في القرعة) فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (= الخاسرين) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (= فعل ما يُلام عليه) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (= متعب ومريض) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (سورة الصافات: ١٣٩–١٤٨).

إن من يقرأ هذه المقاطع المتفرِّقة سيجد صعوبةً في إعادة تجميع عناصر القصة في سرديةٍ متصلة، كما أن العديد من هذه العناصر يبقى بحاجة إلى الإيضاح؛ فلماذا ذهب يونُس مغاضِبًا ومن الذي غاضَبه؟ ولماذا لجأ إلى تلك السفينة المحمَّلة بالناس والبضائع؟ ما هو موضوع القرعة التي خَسِر فيها؟ كيف وجد نفسه في الماء فالتقمه الحوت؟ من هم أولئك القومُ الذين أُرسل إليهم والذين يزيد تعدادُهم عن المائة ألف؟ ولماذا نبتَت فوقه شجرةٌ من يقطين؟

إن المقارنة التي سنُجريها مع مقاطعَ مختصرةٍ من سِفر يونان هي التي ستُجلِّي تلك الغوامض:

تكليف يونس بالرسالة:

  • سِفر يونان: كانت كلمة الرب إلى يونان بن أمتاي قائلًا: قُم انطلِق إلى نينوى، المدينة العظيمة، ونادِ عليها؛ فإن شرَّها قد كثُر أمامي.

  • سورة الصافات: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.

يونس يحاول التهرُّب من حمل الرسالة:

  • سِفر يونان: فقام يونان ليهرب من وجه الرب إلى ترشيش (= إسبانيا).

  • سورة الأنبياء: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ.

يونس يركب السفينة:

  • سِفر يونان: فنزل إلى يافا، فوجد سفينة، فأدَّى أجرتها، ونزل فيها.

  • سورة الصافات: إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ.

زوبعة في البحر:

  • سِفر يونان: وبعد أن أبحرَت السفينة، أرسل الرب ريحًا عظيمة وأوشكَت السفينة على الغرق، فألقى الملَّاحون البضاعة التي فيها إلى البحر، وقال كلٌّ منهم إلى صاحبه هلُمَّ نُلقِ قُرعًا لنعلم بسبب مَن أصابنا هذا الشر. فألقَوا قُرعًا فوقعَت القرعة على يونان، فقالوا له: أخبرنا لأي سببٍ أصابنا هذا الشر، وماذا صنعت؟ فقال لهم: أنا عبرانيٌّ هارب من وجه الرب إله السماوات الذي صنع البحر. قالوا: ماذا نفعل بكَ حتى يسكُن البحر عنا؟ فقال: خذوني فألقوني إلى البحر فيسكُن عنكم. فأخذوا يونان وألقَوه في البحر.

  • سورة الصافات: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ.

الحوت يبتلع يونس:

  • سِفر يونان: فأعدَّ الرب حوتًا عظيمًا لابتلاع يونان، فكان في جوف الحوت ثلاثة أيام.

  • سورة الصافات: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ.

صلاة يونس في جوف الحوت:

  • سِفر يونان: فصلَّى يونان إلى الرب إلهه من جوف الحوت وقال: إلى الرب صرختُ في ضيقي فاستجاب لي … إلخ (صلاة طويلة).

  • سورة الأنبياء: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.

خروج يونس إلى البر:

  • سِفر يونان: فأمر الربُّ الحوتَ فقذف يونان إلى اليبَس.

  • سورة الصافات: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ.

تكليف يونس ثانية:

  • سفر يونان: وكانت كلمة الرب إلى يونان ثانيةً وأمره بالانطلاق إلى نينَوى، المدينة التي تضم أكثر من ١٢ ربوة من الناس (والربوة الواحدة عبارة عن عشرة آلاف؛ أي إن عدد سكان المدينة كان ١٢٠ ألف نسمة)، وتحذير أهلها من الاستمرار في غيِّهم، فوصل يونان وراح يُنادي في الأسواق قائلًا: إن نينوى ستنقلب بعد أربعين يومًا. فآمن أهل المدينة.

  • سورة الصافات: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ.

أما عن عنصر شجرة اليقطين التي أنبتَها الله فوق يونس، وهو العنصر الأكثر غموضًا في الرواية القرآنية، فإن بقية القصة في الرواية التوراتية تُزيل عنها الغموض؛ فبعد أن أنذر يونان أهل نينوى خرج وجلس ينظُر من بعيد، وعندما عرف أن الرب عفا عن المدينة بعد توبةِ أهلها، غضِب يونان غضبًا شديدًا، فقال له الرب: أبحقٍّ غضبُك؟ وكانت حرارة الشمس تضرب رأس يونان بشدة، فأنبت الرب عليه يقطينةً فارتفعَت فوق يونان وظلَّلَته من الشمس ففرِح فرحًا شديدًا، وقضى بقية يومه في فيئها، ولكن الله أعدَّ دودةً فضربَت اليقطينة فجفَّت عند طلوع الشمس، ثم أعدَّ ريحًا حارَّة فضربَت رأس يونان فتمنى الموت لنفسه، فقال الله ليونان: أبحقٍّ غضبُك لأجل اليقطينة؟ فقال: نعم. فقال الرب: لقد أشفقتَ أنت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولم تُربِّها، التي نشأَت بنت ليلة وهلكَت بنت ليلة، أفلا أُشفِق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي فيها أكثر من ١٢ ربوة من أناسٍ لا يعرفون يمينهم من شمالهم، عدا ما بها من بهائم؟

(س): ولكن اليقطين ليس شجرًا يُستظل بفيئه؟
(ج): الترجمة البروتستانتية للعهد القديم تقول يقطينة، وهي ليست شجرة ولا فيء لها، أما في الترجمة الكاثوليكية فتقول خَرُوعة، والخروع نباتٌ عشبي أوراقه عريضة يُستخرج من بذوره زيت الخرُوع، أو الخِروَع باللفظ العامي السوري، وهو ليس شجرًا أيضًا. والتفسير الوحيد لذلك هو أن الله أرادها معجزةً ليونان.
(س): في حديثك عن عيسى المسيح، قلتَ إنه ذُكر في القرآن نحو ٣٧ مرة، ولم يتفوَّق عليه في تكرار ورود الاسم سوى إبراهيم وموسى، وهذا يعني أن هاتَين الشخصيتَين هما أبرز الشخصيات التوراتية التي أتى القرآن على ذكرها، فهل سيكون التناصُّ بين الكتابَين هو الأوضح فيما يتعلق بأخبارهما؟
(ج): لعل الأمر كذلك، وسأبدأ بإبراهيم وما حصل له في موطنه الأصلي قبل الهجرة إلى كنعان، ثم قصة زيارة الضيوف السماويين له. وبعدها قصة لوط وتدمير سدوم من قِبَل الضيوف السماويين.

اهتداء إبراهيم:

لا يوجد في الرواية التوراتية أخبار عن حياة إبراهيم في موطنه الأصلي الذي يدعوه النص أور الكلدان، ولكننا نجد مثل هذه الأخبار في الأسفار المنحولة خارج التوراة ومنها كتاب اليوبيليات الذي أقتبس منه هذه المُلَخصات:

  • كتاب اليوبيليات: ذات مساء جلس إبراهيم الشاب يراقب النجوم من المساء إلى الفجر ليستخيرها فيما ستأتي به السنة الجديدة من خير ومطر. ولكن قلبه نبض بكلمات، وحدَّث نفسه قائلًا: إن كل شارات السماء وشارات النجوم والشمس والقمر هي في يد الرب، فما الذي أنا باحثٌ عنه فيه؟ إن شاء الرب جعل السماء تمطر من الصباح إلى المساء، وإن شاء أغلقها؛ لأن كل شيء ملكُ يدَيه. ثم قام فصلى قائلًا: أيها الإله العلي أنت وحدك إلهي، لقد خلقتَ كل شيء، وكل ما في الوجود صنعة يدَيك، لقد اخترتُك واخترتُ ملكوتك، فأنقِذني من الأرواح الشرِّيرة، ولا تجعلهم يُضلُّوني عنك.

  • سورة الأنعام: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام: ٧٤–٧٩).

إبراهيم يحاول هداية أبيه وقومه:

  • كتاب اليوبيليات: اعتزل إبراهيم أهله وملَّته الأُولى وقال لأبيه: ما نفع هذه الأصنام التي نسجُد لها ونطلُب عونها؟ إنها خرساءُ ولا رُوح فيها، إنها ضلالة للقلب فلا تعبدها، بل اعبد رب السماء الذي يرسل المطر والندى، الذي صنع كل شيء وخلق كل شيء ومنه تُستمد كل حياة. لماذا تعبُد هذه الأصنام التي يصنعها الناس بأيديهم ويضل قلبُ من يعبُدُها؟ فقال له أبوه: الزم الصمت يا بني لكيلا تجلب على نفسك الأذى. ثم إن إبراهيم حدَّث أخوَيه بما حدَّث به أباه فاستعَر غضبُهما عليه.

  • سورة مريم، وسور أخرى:

    وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (سورة مريم: ٤١–٤٣). إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ (سورة العنكبوت: ١٦-١٧). أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (الصافات: ٩٥-٩٦).

إبراهيم يحرق بيت الأصنام:

  • كتاب اليوبيليات: وعندما لم يُفلِح إبراهيمُ في هداية قومه تسلَّل ليلًا إلى بيت الأصنام وأشعل فيه النار وأحرق كل ما في البيت، فهبَّ القوم لإنقاذ آلهتهم وكان هاران أخو إبراهيم معهم فاحترق ومات ودُفن في أور، فقام تارح أبو إبراهيم وارتحل من أور قاصدًا بلاد كنعان وأخذ معه إبراهيم ولوط بن هاران المتوفَّى، ولكن تارح تُوفِّي في حاران ودُفن هناك. أما إبراهيم فقد تابع طريقه إلى كنعان بعد أن تلقَّى وحيًا من الرب بذلك وأخذ معه لوطًا.

  • سورة الأنبياء: في الرواية القرآنية، إبراهيم لا يحرق بيت الأصنام بل يُحطِّمها ويجعلها قطعًا متناثرة، أما النار فيشعلها قومُه ليُحرِقوه فيها. نقرأ في سورة الأنبياء بعد جدالٍ جرى بينه وبين قومه: قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * … قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * … قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (الأنبياء: ٥٥–٧١).

إلى هنا وتنتهي قصة إبراهيم الشاب في سِفر اليوبيليات، وننتقل إلى الرواية الرسمية في سِفر التكوين.

الضيوف السماويون:

في الأرض التي نجَّاه الرب إليها ووعدَه أن يُعطيَها لذريته ملكًا أبديًّا، عاش إبراهيم ولوط عيشةً رغدًا، فأقام إبراهيم في حبرون (= الخليل). أما لوط فقد استقل عنه وأقام في شرقي الأردن في مدينة سدوم لأن رعاة مواشيه الكثيرة تخاصموا مع رعاة مواشي إبراهيم الكثيرة أيضًا. وكانت سارة زوجة إبراهيم عاقرًا ولم يُرزَق منها بولد على الرغم من تكرار الوعد الإلهي له بالإنجاب. فقالت لإبراهيم أن يدخل على جاريتها هاجر ليكون لهما منها ولد، ففعل وحبلَت هاجر ووضعَت ولدًا لإبراهيم دعاه إسماعيل. ولكن سارة بقيَت تأمل في أن تُرزق بولدٍ إلى أن شاخت هي وزوجها. وأخيرًا جاءهما الضيوف السماويون ببشرى الحَمْل. وهؤلاء الضيوف لم يكونوا سوى الرب يهوه نفسه ومعه اثنان من الملائكة:

  • سِفر التكوين: «وظهر له الرب عند بلوطات ممرا (= اسم مكان فيه شجر بلوط)، وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار، فرفع عينَيه وإذا ثلاثة رجال واقفون لدَيه، فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض، وقال: يا سيد، إن كنتُ قد وجدت نعمة في عينَيك فلا تتجاوز عبدك، ليؤخذ قليلُ ماء واغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة، فآخذ كسرة خبز فتسندون قلوبكم ثم تجتازون. فقالوا هكذا نفعل كما تكلَّمت. فأسرع إبراهيم إلى الخيمة إلى سارة وقال: أسرعي بثلاث كيلات دقيقًا سميذًا، واعجني واصنعي خبز ملَّةٍ، ثم ركض إبراهيم إلى البقر وأخذ عِجلًا رخصًا وجيِّدًا وأعطاه لغلامه فأسرع ليعمله، ثم أخذ زبدًا ولبنًا والعِجل الذي عمله ووضعَه قُدَّامهم. وإذ هو واقفٌ لديهم تحت الشجرة أكلوا وقالوا له: أين سارة امرأتك؟ فقال: هي في الخيمة. فقال: إني أرجع إليك نحو زمان الحياة (أي بعد الوقت اللازم لإتمام شهور الحمل)، ويكون لسارة امرأتك ابن. وكانت سارة تستمع من وراء باب الخيمة، وكان إبراهيم وسارة متقدِّمَين في الأيام وقد انقطع أن يكون لسارة عادة كالنساء، فضحكَت سارة في باطنها قائلة: أبعد فنائي يكون لي تنعُّم وسيدي قد شاخ؟ فقال الرب لإبراهيم: لماذا ضحكَت سارة؟ هل يستحيل على الرب شيء؟ في الميعاد أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة ابن. فأنكرَت سارة قائلة: لم أضحك، فقال: لا بل ضحكتِ» (سِفر التكوين، ١٨: ١–١٥). بعد ذلك يمشي إبراهيم مع ضيوفه ليُشيِّعهم فيقول له الرب إنه عازم على إهلاك مدينتَي سدوم وعمورة لأن خطيئتهم قد عظمَت جدًّا، فراح إبراهيم يتوسَّط لدى الرب لكيلا يهلك البارُّ مع الأثيم، ولكن جهوده راحت أدراج الرياح.

  • سورة هود وسورة الذاريات: تَرِد هذه القصة بجميع عناصرها ولكن بالأسلوب القرآني المختزل، وذلك في سورتَي هود والذاريات. ولكن زُوَّار إبراهيم كانوا ملائكة وعندما قدَّم إليهم الطعام رأى أن أيديَهُم تمتد إليه ولكنها لا تصل، فخاف منهم ولكنَّهم طمأنوه وكشَفوا له عن هُويتهم، وعن السبب الذي من أجله أتَوا:

    وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (= مشوي على الحجارة الحارة) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ (= سارة) قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ * فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى (راح) يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ * يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (سورة هود: ٦٩–٧٦).
(س): نلاحظ هنا أن امرأة إبراهيم قد ضحكَت قبل أن تسمع البشارة بالحمل، في الوقت الذي كان عليها أن تضحك بعد سماعها!
(ج): نعم، ولا تفسير عندي لذلك. وقد انتبه المفسِّرون لهذه النقطة وقال بعضهم إنها شَعرَت بالسعادة لسماعها بأنهم أُرسِلوا لقوم لوطٍ لعقابهم. على أننا نراها في سورة الذاريات تلطمُ وجهَها بكفَّيها دون أن تضحك: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (= لا نعرفهم) فَرَاغَ (= مال) إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ (في جلَبة) فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (الذاريات: ٢٤–٣٢).
(س): لماذا قال في سورة هود: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ؟ البشارة تكون بالابن وليس بابن الابن. أم هل المقصود هنا أن إسحاق ويعقوب هما ولدا إبراهيم رُزق بهما على التوالي؟ بينما تقول المعلومة التوراتية إن يعقوب هو ابن إسحاق.
(ج): هذه نقطة غامضة في النص، والآيات الأخرى التي يَرِد فيها ذِكر إسحاق ويعقوب لا تُزيل الغموض ومنها: وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (سورة مريم: ٤٩). وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ (سورة العنكبوت: ٢٧). وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (سورة الأنبياء: ٧٢). وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا (سورة الأنعام: ٨٤). إن الصيغة التي ورد فيها ذكر الاسمَين يمكن أن يُفهَم منها بقوة أن إسحاق ويعقوب هما ابنان لإبراهيم رُزق بهما على التوالي؛ بحيث يكون إسحاق هو الابن الأكبر ومن ورائه يعقوب الأصغر. وقد قال بذلك بعض المفسِّرين؛ فمثلًا نقرأ في تفسير الجلالين للآية ٨٤ من سورة الأنعام: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا … إلخ. وهنا لا بد من القول بأن سلسلة نسب الأنبياء في القرآن لا تتطابق تمامًا مع سلسلة نسب الأنبياء في التوراة. نقرأ على سبيل المثال في سورة الأنعام بقية ما أوردناه منها في الأعلى: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ (أي إبراهيم) دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (الأنعام: ٨٤). هذه الآية تجعل أيوب من نسل إبراهيم عن طريق يعقوب، ولكن أصل أيوب في التوراة مجهولٌ تمامًا، ومؤلِّف سِفر أيوب لا يربطه بأحدٍ من أولاد يعقوب، ويقول في مطلع نصه: «كان رجل في أرض عوص اسمه أيوب، وكان الرجل كاملًا ومستقيمًا يتقي الله ويحيد عن الشر» (أيوب، ١: ١). وأرض عوص تقع في صحراء أدوم الصخرية الممتدة من جنوب البحر الميت إلى خليج العقبة؛ فهي أقرب إلى جزيرة العرب منها إلى فلسطين، يُضاف إلى ذلك أن أيوب لم يُذكر خارج السِّفر المعروف باسمه إلا مرةً واحدةً وبشكلٍ عابرٍ في سِفر حزقيال، (١٤: ١٤). كرجلٍ بارٍّ إلى جانب دانيال ونوح.
(س): بعد أن أخفقَت وساطة إبراهيم في إنقاذ مدينة سدوم، ماذا فعل الضيوف السماويون؟
(ج): بعد أن شيَّع إبراهيم ضيوفه وَفْق الرواية التوراتية، يختفي الرب من بقية القصة بينما يتابع الملاكان اللذان كانا برفقته مسيرتهما إلى سدوم. وهنا يُستأنف التناصُّ بين الروايتَين القرآنية والتوراتية:

سِفر التكوين:

جاء الملاكان إلى سدوم مساءً وكان لوط جالسًا في باب سدوم، فلما رآهما قام لاستقبالهما وسجد إلى الأرض بوجهه، وقال: يا سيديَّ، ميلا إلى عبدكما واغسلا أرجلكما ثم تُبكران وتذهبان في طريقكما. فقالا: لا، بل في الساحة نبيت. فألحَّ عليهما جدًّا فمالا إليه ودخلا بيته، فصنع لهما ضيافة وخبزًا وفطيرًا فأكلا (التكوين، ١٩: ١–٣).

سورة هود:

وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ (= أصابه منهم سوءٌ وضجَر) وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (سورة هود: ٧٧).

فلقد جاء الملاكان في أحسن صورةٍ بشرية؛ ولذلك فقد توقَّع لوط أن رجال المدينة اللوطيين سوف يطلبونهما منه إذا حلَّا في بيته.

سِفر التكوين:

وقبلما اضطجعا أحاط بالبيت رجال المدينة، فنادَوا لوطًا وقالوا له: أين الرجلان اللذان دخلا إليكَ الليلة؟ أخرِجْهما إلينا لنعرفهما (= فعل الفاحشة) (التكوين، ١٩: ٤-٥).

سورة هود:

وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ (هود: ٧٨).

سِفر التكوين:

فخرج إليهم لوط وقال: لا تفعلوا شرًّا يا إخوتي. هو ذا لي ابنتان لم تعرفا رجلًا، أُخرجهما إليكم فافعلوا بهما كما يحسُن في عيونكم، وأما هذان الرجلان فلا تفعلوا بهما شيئًا لأنهما دخلا تحت سقف بيتي.

سورة هود:

قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (هود: ٧٨).

سِفر التكوين:

قال الرجلان لِلُوط … إننا مُهلِكان هذا المكان … قُم خُذ امرأتك وابنتَيك الموجودتَين لئلا تُهلَك بإثم المدينة … ولا تنظُر إلى ورائك ولا تقف في كل الدائرة (التكوين، ١٩: ١٢–١٧).

سورة هود:

قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ (هود: ٨١).

سِفر التكوين:

وإذا أشرقَت الشمس على الأرض دخل لوط إلى بلدة صوغر فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب، ونظرَت امرأتُه من ورائه فصارت عمودَ ملح (التكوين، ١٩: ٢٣–٢٦).

سورة هود:

إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (هود: ٨١-٨٢).

وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ. إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (سورة العنكبوت: ٣٣).

(س): موسى، الشخصية الرابعة التي اخترتَها لعرض التناص، يُدعى في التقاليد الإسلامية كليم الله؛ أي الذي كلَّمه ربه دون واسطة ملاك. هل يُوجد في التوراة والقرآن ما يدُل على أصل هذا اللقب؟
(ج): لقد كلَّم الله في التوراة شخصياتٍ عديدة دون حجاب، كما رأينا في زيارة الضيوف لإبراهيم، كما كلَّم يعقوب عند مخاضة نهر يبوق ورآه رؤية العين؛ ولذلك عندما غادره: «دعا يعقوبُ اسم المكان فنيئيل، قائلًا لأني نظرتُ الله وجهًا لوجه ونجَّيتُ نفسي» (سِفر التكوين، ٣٢: ٣٠). أما في القرآن فإن رؤية الله مستحيلةٌ على الأنبياء: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ (سورة الشورى: ٥١). أي إن الله إما أن يضع الكلام في قلب النبي دون صوت، أو يكلِّمه من حيث لا يراه فيسمع صوتَه كما حدَث لموسى، أو يُرسل الملاك جبريل كوسيط للوحي. وقد أكَّدَت الآية الكريمة ١٦٤ من سورة النساء ذلك: وَكَلَّمَ اللهَ مُوسَى تَكْلِيمًا.
(س): موسى هو النبي الأكثر حضورًا في القرآن الكريم؛ ولذلك فمن المتوقع أن يبلُغ التناصُّ ذروتَه فيما يتعلق بأخباره.
(ج): موسى هو النبي الأكثر حضورًا في التوراة أيضًا، ومعه يبتدئ تاريخ الإله يهوه الذي تحوَّل من إلهٍ بركانيٍّ معتزل في صحرائه، إلى إلهٍ لشعبٍ اختاره ليكون إلهًا له من بين كل الشعوب، ووعدَه بالمقابل أن يقوده إلى أرض كنعان ليعطيها لهم ميراثًا أبديًّا. وفي أول تجلٍّ له إلى موسى أعلن عن اسمه الجديد يهوه، وقال له إن الأولين من آباء بني إسرائيل لم يعرفوه بهذا الاسم ولا بغيره؛ فلقد كان إله أولئك الآباء الأولين إله مجموعةٍ رعويةٍ بسيطة يحرص على أمنها ورخائها، ويدخُل في علاقةٍ حميمةٍ مع أفرادها، يظهر لهم ويكلِّمهم ولا يستنكف عن تأدية أصغر المهامِّ لهم. أما هذا الإله فعلى الرغم من قُربه المكاني من قوم موسى، إلا أن ذلك القُرب لم يخلُق لديهم إحساسًا بالحميمية معه كما كان حال الآباء مع إلههم، وإنما ولَّد لديهم إحساسًا طاغيًا بحضورٍ قدسيٍّ ينطوي على تهديدٍ دائم، حضور لا يمكن الاطمئنان إليه وإنما الخوف منه، وهذا الخوف لا يقتصر على كونه رهبةً من هويةٍ ماورائيةٍ غامضة، وإنما يتعدَّى ذلك إلى توقُّع انبثاقها في عالم الواقع بأكثر الأشكال انفلاتًا، وإحداثها أكثر أشكال الرعب هولًا.

وعلى الرغم من أن يهوه اختار إسرائيل شعبًا له ووعدَه بإخراجه من مصر حيث كان مستعبدًا لفرعون، إلا أن هذا الشعب لم يقبل هذه الألوهة التي فَرضَت عليه عبوديةً أقسى من العبودية لفرعون. وقد أعلن هؤلاء عن عدم رغبتهم في ذلك التحرير المزعوم منذ اليوم الأول لهروبهم من مصر، فعندما أدركَهم فرعون وجنوده عند البحر صرخوا وقالوا لموسى: «أمِن عتم القبور في مصر أخرجتَنا لنموت في البرِّية؟ ماذا صنعتَ بنا حتى أخرجتَنا من مصر؟ أليس هذا ما كلَّمناكَ به في مصر قائلين دعنا نخدُم المصريين فإن خدمتنا لهم خيرٌ من أن نموت في البرِّية؟» (سفر الخروج، ١٤: ١٠–١٢). ولكن يهوه كان مُصرًّا على الالتصاق بهذه الجماعة، وقصة الخروج، بل القصة التوراتية برُمَّتها، لم تكن إلا وصفًا للعلاقة المتوتِّرة بين يهوه وشعبه؛ فلقد كانت إسرائيل في عيون يهوه مثل الزوجة الخائنة الزانية، وكان هو بالنسبة إليها مثل الزوج المخدوع على ما ورد في سفر هوشع: ٢. أما موسى فقد كان واقعًا بين مطرقة يهوه وسندان إسرائيل، وكان يتذمَّر إلى ربه من هذه المهمة الثقيلة التي ألقاها على عاتقه: «لماذا ابتليتَ عبدك؟ ولم أنَلْ حظوةً في عينَيك حتى وضعتَ أثقال جميع هؤلاء الشعب عليَّ؟» (سفر العدد، ١١: ١٤–١٢). وبنو إسرائيل كانوا في حالة تذمُّرٍ دائمٍ على موسى وهارون: «ليتنا متنا في أرض مصر إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل لنشبع، فإنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تُميتا كل هذا الجمهور بالجوع» (سفر الخروج، ١٦: ٣). كما أن يهوه بدوره يتذمَّر على الشعب لدى موسى: «حتى متى يُهينني هذا الشعب، وحتى متى لا يصدِّقون بجميع الآيات التي عَمِلتُ في وسطهم؟ إني أضربهم بالوبأ وأُبيدهم» (سِفر العدد، ١٤: ١١-١٢).

هذا المأزق الذي وجد موسى فيه نفسه، جعل منه «بطلًا تراجيديًّا» بمصطلح الدراما الإغريقية، بطلًا يصارع قَدَره ليُخفِق في النهاية؛ فقد حكم الرب عليه وعلى أخيه هارون بالموت قبل الوصول إلى الأرض الموعودة بسبب خطيئةٍ طقسيةٍ ارتكبها، ولم يشفع له كلُّ عمله الذي عمل في خدمة الرب. وهكذا مات هارون قبل الوصول إلى شرقي الأردن: «وكلم الربُّ موسى وهارون في جبل هور على تخم أدوم قائلًا: خذ هارون وأليعازر ابنه واصعَد بهما إلى جبل هور، واخلع عن هارون ثيابه والبس أليعازر إياها، فيُضم هارون ويموت هناك، فمات هارون هناك على رأس الجبل» (سفر العدد، ٢٠). أما موسى فقد أمهلَه الرب حتى وصل بجماعته إلى ضفة نهر الأردن، وهناك أصعدَه إلى جبل نبو وأراه الأرض الموعودة على الضفة الغربية للنهر وقال له: «هذه هي الأرض التي أقسمتُ لإبراهيم وإسحاق ويعقوب قائلًا لنسلِك أُعطيها، قد أريتُك إياها بعينَيك، ولكن إلى هناك لا تعبُر. فمات هناك موسى عبدُ الرب في أرض مؤاب بأمر الرب ودفنَه في الوادي في أرض مؤاب ولم يعرف أحدٌ قبره إلى هذا اليوم» (سفر التثنية، ٣٤: ١–٩).

(س): لم أفهم جملة «ودفنه في الوادي» من الذي دفن موسى؟
(ج): صَعِد موسى إلى الجبل وحده، ولم يكن هناك غيره؛ ولذلك فإن الرب هو الذي قتلَه وهو الذي دفَنه؛ ولذلك لم يعرف أحدٌ قبره.
(س): هذا الحِيِّز الذي شغلَته أخبار موسى في التوراة وفي القرآن الكريم ربما يَعِدنا بحيزٍ واسعٍ من التناصِّ بين الكتابَين!
(ج): قصة موسى في التوراة طويلةٌ جدًّا وتستغرق أربعة أسفار هي: الخروج واللاويين والعدد والتثنية، ولكن القرآن بأسلوبه الموجز حافظ على التناصِّ معها في عناصرها الرئيسة جميعًا، وذلك من ميلاد موسى وحتى وصوله إلى أطراف كنعان، عندما رفض بنو إسرائيل القتال وقالوا له: «اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ها هنا قاعدون.» وسنُتابِع فيما يأتي القصة في النصَّين حتى منتصفها تقريبًا.

مولد موسى:

  • الرواية التوراتية:

    «ومات يوسف وكل إخوته وجميع ذلك الجيل، وأما بنو إسرائيل فقد أثمروا وتوالَدوا وكثروا جدًّا. ثم قام ملِكٌ لم يكن يعرف يوسف فقال لشعبه: هلم نحتال لئلا ينمو هؤلاء فيكون إذا حدثَت حرب أنهم ينضمُّون إلى أعدائنا ويُحارِبوننا ويصعدون من الأرض. فجعلوا عليهم رؤساء تسخير لكي يُذلُّوهم بأثقالهم فاستعبد المصريون بني إسرائيل … ونما الشعب وكثر جدًّا … ثم أمر فرعون جميع شعبه قائلًا: كل ابنٍ يُولد لهم تطرحونه في النهر، لكن كل بنتٍ تستَحْيونها. وذهب رجلٌ من بيت لاوي وأخذ بنت لاوي، فحبلَت المرأة وولدَت ابنًا، ولما رأت أنه حَسَنٌ خبَّأَته ثلاثة أشهر، ولما لم يمكنها أن تخبِّئه بعدُ أخذَت له سَفطًا من البردي وطلَته بالحُمَر والزفت ووضعَتْه بين الحَلْفاء على حافَة النهر، ووقفَت أخته من بعيدٍ لتعرف ماذا يُفعل به. فنزلَت ابنة فرعون إلى النهر لتغتسل وكانت جواريها ماشياتٍ على جانب النهر، فرأَت السَّفْط بين الحَلْفاء فأرسلَت أَمَتَها وأخذَته، ولما فتحَته رأت الولد وإذا هو صبيٌّ يبكي، فرقَّت له وقالت هذا من أولاد العبرانيين. فقالت أخته لابنة فرعون: هل أذهب وأدعو لك امرأةً من العبرانيات لتُرضِع لكِ الولد؟ فقالت لها ابنة فرعون: اذهبي. فذهبَت ودعَت أم الولد. فقالت لها ابنة فرعون اذهبي بهذا الولد وأرضعيه لي وأنا أُعطيكِ أُجرتَك، فأخذَت المرأة الولد وأرضعَته، ولما كبر جاءت به إلى ابنة فرعون فصار لها ابنًا» (سفر الخروج، ٢: ١–١٠).

  • سورة القصص:

    طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ (= العبرانيين) يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ (= يدعهن أحياء) إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ (= العبرانيين) وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ (= تتبَّعي أثَره) فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ (= أخته) هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (القصص: ١–١٤).

يلي ذلك في الروايتَين قصةُ قتلِ موسى للمصري ثم هربه إلى صحراء مديان عند خليج العقبة حيث أقام عند كاهن مديان وتزوَّج من ابنته وأنجب منها. وعندما شَعَر بأن عودتَه إلى مصر ستكون آمنةً أخذ أهلَه وعاد عَبْر صحراء سيناء. وفي الطريق تجلَّى له الرب.

التجلي في الوادي المقدس:

  • الرواية التوراتية:

    التجلِّي في الرواية التوراتية يحدُث قبل أن يتخذ موسى قراره بالعودة: «وأما موسى فقد كان يرعى غنم حَمِيه يثرون كاهن مديان، فساق الغنم إلى وراء البرَّية وجاء إلى جبل الله حوريب، وظهر له ملاك الرب (= شبح الرب) بلهيب نار من وسط عُليقة (= شجرة شوكية) فنظر إلى العليقة تتوقَّد بالنار والعُليقة لا تحترق، فقال موسى أميل الآن وأنظر هذا المنظر العظيم، لماذا لا تحترق العُليقة؟ فلما رأى الربُّ أنه مال لينظر ناداه من وسط العُليقة وقال: موسى، موسى. فقال: ها أنا ذا. فقال: لا تقترب إلى ها هنا، اخلع حذاءك من رجلَيك لأن الموضع الذي أنت فيه أرضٌ مقدَّسة. ثم قال: أنا إله أبيك، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب. فغطَّى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله. فقال الرب: إني رأيتُ مذلَّة شعبي الذي في مصر، فنزلتُ لأُنقذَهم من أيدي المصريين وأُصعدَهم من تلك الأرض إلى أرضٍ جيدةٍ وواسعة» (الخروج، ٣: ١–٨).

  • سورة القصص وسورة طه:

    فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ (= مدة إقامته في مديان) وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ (جبل) الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (سورة القصص: ٢٩-٣٠).
    وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (= اسم الوادي) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (سورة طه: ٩–١٤).

التكليف بالرسالة:

  • الرواية التوراتية:

    «اذهب واجمع شيوخ إسرائيل وقل لهم: الرب إله آبائكم ظهر لي قائلًا: إني افتقدتُكُم وما صُنع بكم في مصر، فقلتُ أُصعِدكُم من مذلَّة مصر إلى أرض الكنعانيين، إلى أرضٍ تفيض لبنًا وعسلًا. فإذا سمعوا لك تدخُل أنت وشيوخ بني إسرائيل إلى مَلِك مصر وتقولون له: الرب إله العبرانيين التقانا، فالآن نمضي سَفَر ثلاثة أيام في البرِّية ونذبح للرب إلهنا. ولكني أعلم أن ملِك مصر لا يدعُكُم تمضون» (سفر الخروج، ٣: ١٦–١٩).

    «فأجاب موسى وقال: ولكن ها هم لا يصدقونني ولا يسمعون لقولي، بل يقولون لي لم يظهر لك الرب. فقال له الرب: ما هذه في يدك؟ فقال: عصًا. فقال: اطرحها إلى الأرض. فطرحها إلى الأرض فصارت حية، فهرب موسى منها. ثم قال الرب لموسى مُد يدك وأمسك بذنَبها، فمَد يده وأمسَك به فصارت عصًا في يده. ثم قال له الرب أيضًا: أدخل يدك في عُبِّك. فأدخل يده في عُبِّه ثم أخرجها وإذا يده برصاءُ مثل الثلج. ثم قال له: ردَّ يدك إلى عُبَّك. فرد يده إلى عبه ثم أخرجَها من عُبِّه وإذا هي قد عادت مثل جسده. (فقال الرب) فيكون إذا لم يُصدِّقوك ولم يسمعوا لصوت الآية الأُولى أنهم يُصدِّقون صوت الآية الأخيرة» (سفر الخروج، ٤: ١–٨).

  • سورة طه:

    إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى * وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (سورة طه: ١٥–٢٢).

هارون:

  • الرواية التوراتية:

    «فقال موسى للرب: استمع أيها السيد، أنا لستُ صاحب كلامٍ منذ أمسِ ولا أوَّل أمس، بل أنا ثقيل الفم واللسان. فقال له الرب: … أليس هارون اللاوي أخاك؟ أنا أعلم أنه هو يتكلَّم، وأيضًا ها هو خارجٌ لاستقبالك فحينما يراك يفرح قلبه فتُكلِّمه وتضع الكلمات في فمه، وأنا أكون مع فمك ومع فمه وأُعلمُكما ماذا تصنعان، وهو يكلِّم الشعب عنك وأنت تكون له إلهًا. وتأخذ في يدك هذه العصا التي تصنع بها الآيات» (سفر الخروج، ٤: ١٠–١٧).

  • سورة طه:

    قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * … قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى * وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * … اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (سورة طه: ٢٥–٤٣). وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا (سورة القصص: ٣٤-٣٥).

بعد ذلك تسير القصة على التوازي في الروايتَين، فيما يتعلَّق بدخول موسى وهارون على فرعون عدة مراتٍ ورفضِه إطلاق بني إسرائيل في كل مرة، ثم المصائب التي كان الرب يُرسِلها على المصريين في كل مرة كان فيها فرعونُ يرفض إطلاق بني إسرائيل. وأخيرًا خروج بني إسرائيل ووصولهم إلى الحدود الشرقية لمصر عند خليج السويس.

عبورُ البحر وغرقُ فرعون:

  • الرواية التوراتية:

    «فشَدَّد الرب قلبَ فرعونَ ملِك مصر حتى سعى وراء بني إسرائيل، وبنو إسرائيل خارجون بيدٍ رفيعة، فسعى المصريون وراءهم وأدركوهم، جميع خيل مركبات فرعون وفرسانه وجيشه، وهم نازلون عند البحر … فلما اقترب فرعونُ رفع بنو إسرائيل عيونهم وإذا المصريون راحلون وراءهم ففزعوا جدًّا … فقال الرب لموسى: ارفع عصاك ومُد يدك على البحر وشُقَّه فيدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة … فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة والماء سُورٌ لهم عن يمينهم وعن يسارهم، وتَبِعَهم المصريون ودخلوا وراءهم … فقال الرب لموسى: مُدَّ يدك على البحر ليرجع الماء على المصريين على مركباتهم وفرسانهم. فمَدَّ موسى يده على البحر فرجع الماء وغطَّى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل وراءهم في البحر، ولم يَبقَ منهم ولا واحد» (سفر الخروج، ١٤: ٨–٢٩).

  • سورة طه وسورة الشعراء:

    وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (سورة طه: ٧٧–٧٩).
    فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (سورة الشعراء: ٦٣–٦٥).

هذه نماذجُ من التناصِّ بين الروايتَين فيما يتعلَّق بقصص موسى لا يسمح المجال لعرض المزيد منها.

(س): يتردَّد في النص القرآني اسم هامان بالترافُق مع اسم فرعون، فمن هو؟ وماذا كانت وظيفته؟ وهل له ذِكرٌ في التوراة؟
(ج): ورَد اسم هامان مع اسم فرعون ست مراتٍ في سياق قصة موسى القرآنية. ويبدو أنه كان وزيرًا أول للفرعون أو قائدًا عامًّا لجيوشه، على ما نفهم من قوله: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا (سورة غافر: ٣٦-٣٧). ولكن شخصية الوزير القوي المدعو هامان في التوراة لا تظهر في سيرة موسى وفرعون، وإنما في مكانٍ آخر وزمانٍ آخر؛ ففي سفر إستير التوراتي نجده وزيرًا للملك الفارسي زركسيس، أو إحشويرش كما يُدعى في التوراة، الذي حكم خلال النصف الأول من القرن الخامس قبل الميلاد؛ أي بعد أكثر من ٧٠٠ سنة على العصر المُفترَض لموسى. وقصَّته طويلةٌ وتستغرق كاملَ سِفرِ إستير، ولا أجد داعيًا لعرضها هنا.
(س): هل كان موسى من السلالة النبوية التي ترجع إلى إبراهيم وإسحق ويعقوب؟
(ج): تقول قصة موسى التوراتية في بدايتها إن أباه وأمه ينتميان إلى قبيلة لاوي. وهو أحد أولاد يعقوب الاثنَي عشر الذين أنجبوا في مصر القبائل الإسرائيلية الاثنتَي عشرة.
(س): ومن المفترَض أن لاوي كان نبيًّا لأنه من الأسباط!
(ج): نعم، ولكن الأسباط في التوراة لم يكونوا أنبياء، على ما أشرتُ إلى ذلك سابقًا، وبعضهم قام بارتكاب الفواحش مثل يهوذا سلف السبط الأكثر عددًا بين العبرانيين، ورءوبين الابن البكر ليعقوب؛ فرءوبين قام باغتصاب سُرِّيَّة أبيه يعقوب المدعوَّة بلهة (سِفر التكوين، ٣٥: ٢١-٢٢). ولكي نعرف فداحة هذه الخطيئة علينا أن نذكُر أن بلهة كانت قد ولدَت ليعقوب ابنَين هما دان ونفتالي، وهذا يعني أن رءوبين ضاجَع أم أخوَيه غيرِ الشقيقَين، وهما من الأسباط أيضًا. أما يهوذا فقد زنى بكنَّته تامار التي كان قد زَوَّجها لاثنَين تُوفِّيا من أولاده، فأنجبَت له ولدَين؛ الأول دعاه فارص، والثاني دعاه زارح (سِفر التكوين: ٣٨). وإلى سلسلة نسب فارص ابن الزنا بالكنَّة ينتمي الملك داود وَفْق سلسلة نسب يسوع المسيح في الإصحاح الأول من إنجيل متَّى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤