تصدير

لما عهد إليَّ مدير (شركة ترقية التمثيل العربي) في مصر بوضع قصة تلحينية تمثيلية من نوع الأوبرا مُستمدة الموضوع من (ألف ليلة وليلة) ترددت في بادئ الأمر، ثم قبلت أخيرًا لا اعتقادًا مني بأن موضوعات (ألف ليلة وليلة) هي أنسب الموضوعات للأوبرا المصرية، ولا ولوعًا بالاقتباس، ولا خوفًا من التأليف الأصيل، وإنما لمحض رغبتي في اكتساب ثقة رجال التمثيل بدعوتي إياهم إلى السمو بموضوعنا كيفما كان نوع التمثيل، فأردت أن أبرهن بإعداد هذه القصة التمثيلية في نيف وستين وخمسمائة من الأبيات المنوعة، كما طُلِبَ إليَّ — بعد اقتباسها من روايتها الطويلة الواقعة في نحو خمس وثلاثين صفحة من الجزء الثالث لكتاب (ألف ليلة وليلة) — بأن عُزُوفي عن هذا المصدر لا يرجع لعامل العجز في التصنيف وإنما لدافعٍ قوميٍّ تهذيبيٍّ.

وحرصًا على مبدئي هذا وحبًّا في خدمة الفن الخدمة الواجبة حرصت في تأليفي: أولًا؛ على أن أجعل للقصة مغزًى أدبيًّا أجَلَّ من مغزاها الأصلي بما بَثَثْتُهُ فيها من شرح وآراء نفسية. ثانيًا؛ أن أخدم الشعر القصصي التمثيلي الخدمة المُستطاعة في الحدود المعينة لي. ثالثًا؛ أن أُؤَدِّيَ كل ما في هذه القصة الطويلة من حوادث هامة إشارة أو تمثيلًا بحيث أدل بذلك على إمكان تأليف القصة مهما طال أصلها في القوالب الشعرية العربية في أي مجال يُستحسن ويُحدد. رابعًا؛ أن أخدم تمثيل الأوبرا ذاته باختيار الفصول وتنظيمها وبنمط القصة وبيانها الشعري الموسيقي، فضلًا عن اختيار موضوع القصة الذي لم يطرقه مؤلف مسرحي من قبل، منعًا للتكرار والنقل المتفشِّي للأسف بيننا.

في هذا الوقت الذي نحن أحوج ما نكون إلى تأصيل الشعور الوطني والاعتداد به أعتقد أن الأولى بنا والأَحْجَى أن لا ندع الأقلام تشط في التأليف المسرحي مستمدة وحيها من الخرافات الفارسية والهندية ونوادر العامة ونحوها التي يتألف منها كتاب (ألف ليلة وليلة) وأشباهه، بينما لدينا مادة خيالية وتاريخية وقصصية أدبية لا تفنى في تاريخ مصر قديمًا وحديثًا، وهكذا نستطيع أن نخدم الفن والروح القومي والأدب في وقت معًا. وبديهي أني لا أحرِّمُ ذلك الاقتباس وإنما أنتقد التهالك عليه، والولوع بالموضوعات الأجنبية، بينما لدينا في قصص البردي وفي تاريخنا القديم الكثير من العجيب المُستملَح الجدير بالإحياء المسرحي.

بهذا الروح نظمت هذه القصة وقد أنظم غيرها من نوعها في هذا الدور — دور الانتقال من المحافظة البالية إلى التفنن الجديد — باذلًا جهدي للجمع بين الخدمة الأدبية التهذيبية وبين الخدمة المسرحية الفنية، ولكن أحبَّ الآمال لدي إنما هو خدمة المسرح من الوجهة القومية أيضًا كيفما كان نوع التأليف، وهو ما أعاهد الأدباء عليه فيما سينشر من تآليفي المسرحية إذا سمحت الصحة والأجل.

الإسكندرية في ٢٥ مايو ١٩٢٧
أحمد زكي أبو شادي

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤