تعديدة

خديجة تُوفيت …

كتب أبي البرقية ذات الكلمتين. بعثتُ بها من مكتب التليفونات بشارع فرنسا، إلى جدتي وأخوالي في دمنهور.

سبق صُوات جدتي صعودها — في مساء اليوم نفسه — على سلم البيت. وصل أخوالي في اليوم التالي . أصر أبي أن نذهب إلى مدارسنا، فلا نقعد في البيت. لم تكن الجنازة — بعد عودتنا من المدارس — قد شُيعت بعد. استضافنا عم عبد السلام الحلاق، في دكانه أسفل بيتنا، حتى مضت الجنازة إلى مقابر العامود.

العادة أن يقتصر العزاء على ثلاثة أيام، ثم تذهب الأسرة — في الخميس الأول، وفي أيام الخميس التالية — إلى العامود لزيارة الميت، حتى ذكرى الأربعين، ثم الذكرى السنوية. ذلك هو الطقس الذي تحياه الأسر المصرية في أعقاب وفاة أحبائها.

حين عرضت جدتي أن تودع المعدِّدات أمي بكلماتهن الباكية، امتزجت على وجه أبي مشاعر الضيق والرفض والغضب.

كيف يقبل إنسان مثقف ذلك التصرف السخيف؟

طال اللَّجاج، والأخذ والرد … لكن رأْي السيدة الريفية انتصر لتقاليدها.

افترشت المعدِّدات — لا أدري من أحضرهن! — غرفة القعاد المطلة على المينا الشرقية، والتصقت أردية السواد بالجدران، وبين الأثاث. اختلط النحيب والصُّوات ودقات الدفوف. لا أتابع الكلمات، ولا أعي معانيها، لكنها تفرض فكرة الموت — في داخلي — بتصورات قاسية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤