طقس

ليلة العيد …

تصنعها الأضواء على مئذنة سيدي علي تمراز، وعلى واجهات الدكاكين، والأبواب المفتوحة، والصيحات، والنداءات، والزحام، وغياب شخطة أمي: «يا مقصوف الرقبة»، وسهر الأولاد إلى موعد الصلاة، وترديدهم للأغنية التي تسبق عيد الفطر:

يا برتقال أحمر وجديد،
بكرة الوقفة وبعده العيد.

أو الأغنية التي تسبق عيد الأضحى:

بكرة العيد ونعيد،
وندبحك يا شيخ سيد.

الشيخ سيد — كما تعلم، أو لا تعلم — كناية عن خروف العيد.

أَمْيز ما في الليلة كلها أغنية أم كلثوم التي تدعو بطول العمر للملك فاروق. لما قامت الثورة استُبدل باسمه اسم محمد نجيب، فلما مضى نجيب آثرَت الدعاء للنيل.

نُعِد أنفسنا للذهاب إلى تياترو أحمد المسيري. في سوق البطيخ الملاصقة للمحكمة الكلية، أو في أرضٍ خلاء بشارع التتويج (محمد كريم)، لا أذكر موقعها الآن، وإن أذكر السرادق الضخم، يقف على مسرحه الخشبي — في بداية العرض — مجموعة المغنين، يرددون في صوت واحد:

يا للي زرعتوا البرتقان … ياللا اجمعوه … آن الأوان … ياللا ياللا.

تعيد المجموعة أداء الكلمات نفسها في نهاية العرض، بعد فقرات من الغناء والرقص وأفعال السحر والديالوجات القصيرة والتهريج.

عقب صلاة العيد، يخلو ميدان الخَمَس فوانيس المواجه للجامع من المصلين والحُصْر. يتسع سوق العيد فيملأ الساحة والميدان والشوارع والحواري المتفرعة.

نسلم أنفسنا إلى يدي أمي، تلبسنا زي العيد. ثم ننزل — أخي وأنا — إلى سوق العيد.

ألمح سيارة التاكسي على تقاطع إسماعيل صبري ورأس التين. أستحث أخي والأجساد والأيدي والأقدام، يجد السائق صعوبة في إغلاق الأبواب، يهمل صراخ الأولاد من الزحمة الخانقة، يحاول أن يجد لنفسه موضعًا أمام عجلة القيادة، يمضي من رأس التين إلى سراي الملك، ومنها إلى طريق الكورنيش بمحاذاة شاطئ الأنفوشي، فالمينا الشرقية. يميل من شارع إسماعيل صبري، حتى الناصية التي بدأ منها. مجرد ومضات وملامح سريعة، يتاح لي أن ألتقطها، وربما لا يتاح لي رؤية أي شيء، إنما هو ما يَنتزع قوله الأولاد الذين يُطلون — بالضرورة — من النوافذ.

يفتح السائق الأبواب. يتفكك الأولاد الذين تحولوا إلى كتلة بشرية واحدة. يركب — بدلًا منهم — أولاد آخرون، وهكذا، إلى ما بعد منتصف الليل.

في اليوم التالي، أنسى الزحمة، وكتمة النفس، وأسابق أخي والأولاد إلى السيارة الواقفة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤