البكاء

كانت عمتي «وديدة» تحب البكاء، تحزن فتبكي، وتفرح فتبكي. وكان زوجها — عم سعيد — ينصحها بأن تترفق بصحتها في زياراتها الدائمة للمآتم وأيام العزاء، فهي تبكي أكثر من أهل الميت. ربما تحول البكاء الصامت إلى نشيج. تُصَارحنا — بعد عودتها — أنها لم تكن تبكي الراحل الذي حضرت عزاءه، ولم تكن تبكي راحلًا بالذات، إنما هي تبكي كل الراحلين، وأحيانًا تبكي المناسبات الجميلة، الفائتة.

غنى فريد الأطرش — للمرة الأولى — أغنيته:

بتبكي يا عين على الغايبين،
ودمعك ع الخدود سطرين.

بدا كأن عمتي قد وجدت ما يعينها على ممارسة عادتها الأثيرة؛ تسند رأسها إلى راحة يدها، وتشرد فيما لا نتبينه، ويتواصل بكاؤها حتى بعد أن تنتهي الأغنية. تستعيد الكلمات، وتربط بينها وبين رحيل أعزاء: عمتي تفيدة التي قتلها السرطان في سن باكرة … جارة ارتفعت علاقتها بها إلى مستوى الأخوة … أخوال وأعمام لها مضى على رحيلهم عشرات السنين … أسماء كانت ترددها فلا أعرف أصحابها، وإن كنت على ثقة أن عمتي أدرجتهم في قائمة الأعزاء الذين تحرص، في كل مناسبة، وأحيانًا بلا مناسبة، أن تذرف الدمع على رحيلهم.

ما كان يثير عجبي، قدرة عمتي المذهلة على التحول من البكاء إلى الضحك. تعجبها النكتة التي تريد انتزاعها من إطار الحزن، فتضحك. لا تمهيد للتحول من حال إلى حال مغاير. ربما تذكرت هي نفسها ما يدفع بالابتسامة، فالضحكة، إلى شفتيها، ثم تروي ما تذكرته، وتوشيه بالألوان والظلال، فتجتذب اهتمامنا.

كانت عمتي سيدة مصرية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤