السراي

كنا دائمي التردد على سراي رأس التين. نكتفي بالتطلع — من أمام الأبواب التي تُفتح وتُغلق — إلى البنايات والحدائق والجنود، في المساحة الممتدة إلى البحر. كانت الحديقة الهائلة المواجهة للسراي هي المكان الذي نقضي فيه أوقاتنا؛ نذاكر، ونتبادل الأحاديث، ونلعب، ونغني.

كانت ليلى مراد مطربتي المفضلة، وكنت أقلدها، بالذات في أغنيات فيلم «شاطئ الغرام».

أعدت النظر إلى ما بدا لي مفاجئًا، وغريبًا، وقاسيًا. كان جنود الحرس الملكي يتدربون على إطلاق النار. مجرد أخذ أوضاع التصويب دون إطلاق الرصاص.

ربما أحد الجنود تصرف بالطريقة نفسها التي جرَّت على إسماعيل يس غضب الشاويش عطية، جاوز الشاويش المدرب تعبيرات الغيظ، وانهال — بكعب حذائه — على ظهر الجندي الذي تمدد على الأرض، واحتضن البندقية، ضربات متوالية، قاسية، انتفض لها جسد الجندي دون أن يغادر موضعه.

رنوت إلى زملائي أتأمل مشاعرهم.

انعكست رؤيتهم لما رأيت، حزنًا يقطر من الوجوه الصامتة.

حاولنا أن نستعيد اللحظة التي كنا فيها نذاكر، نتكلم، نلعب، نغني. لكن الخرس أسكت أفواهنا.

لملمنا الكتب والكراريس، ومضينا — صامتين — خارج الحديقة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤