الحب

تبينت عمق السكون من حولي، حين صدرت خشخشة، وأنا أقلب الورقة التي سوَّدْت سطورها لأكتب ورقة أخرى.

كان قد مضى على قدومي إلى القاهرة ثلاثة أيام.

صدمت خالتي المقيمة في مصر الجديدة تصوري بأن أقيم ضيفًا عليها حوالي الشهر. اعتذرت بالحرج من زوجها، فبدأتُ البحث عن شقة بالقرب من دور الصحف، في وسط البلد. رحب خالي كمال باستضافتي حتى أعثر على الشقة — أو الحجرة — المناسبة.

لم أوفَّق في مقابلة سعد الدين وهبة في مكتبه بمجلة «البوليس». تذكرت اسم أحمد عباس صالح. كنت أحب كتاباته النقدية. منحني إصغاءه، وقرأ لي. توسط ببطاقة زرت بها عددًا من أصدقائه. أزمعت ألا أضيع وقتًا، فانشغلت بالكتابة.

ترك لي خالي شقته في حدائق القبة. طابق أول من بناية عالية. تركت الباب مفتوحًا، استجلابًا لنسمة هواء تلطِّف حرارة أغسطس. ترامى من نافذة تطل على المنور الخلفي صوت نجاة:

العواذل ياما قالوا … ليه تحبوا ليه؟

رد قلبي وقال وماله … لما احبه إيه؟

كنت أحب الأغنية. أجد في كلماتها تحديًا للمثبطات، وإصرارًا على مشاعر الحب. استدعت ذاكرتي — بلا رابط — مكتبة أبي، والكلمات المشجعة لصديقي عبد الله أبو رواش، وقراءة الفاتحة في القطار، وأبواب دور الصحف الموصدة، وعناد أمواج البحر في توالي ارتطامها بصخور الشاطئ.

جففت عرق وجهي بجاكتة البيجامة التي كنت ألقيتها على الكرسي المجاور.

واستأنفت الكتابة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤