بسيمة

لمحت في عينيها نظرة داعية.

خلفت شارع نجيب الريحاني ورائي، واتجهت ناحية الدرجات الحجرية. تفضي إلى شارع فيه بيوت ودكاكين ونوافذ مفتوحة ومغلقة ومناشر غسيل.

أهملت الانشغال بنهاية الشارع لما دخلت البنت — بجسدها الأنثوي — بيتًا من طابقين.

– تعال.

فاجأني النداء من سيدة جاوزت الستين، فاض الكرسي الذي جلسَتْ عليه برِدْفيها الممتلئين، زجَّجتْ حاجبيها، وسدت فجوات التجاعيد في وجهها بأصباغ وألوان. المقهى الذي تجلس أمامه أقرب إلى دكان من ضلفتين، خلا إلا من نصبة، انشغل وراءها رجل بدس كنكة القهوة في الرمَّالة، وثلاث طاولات، وكراسي فارغة، وتناهى من الراديو — فوق الحامل الخشبي — صوت عبد الوهاب: مين عذِّبك بتخلَّصه منِّي.

قاومت التردد لحظات، قبل أن تومئ لي بنظرة محرضة: ماذا تريد؟

انتزعت الكلمات بصعوبة: هذه البنت.

– أي بنت؟

– التي طلعت فوق.

– بسيمة؟

وربتت فخذي: ذوقك حلو.

وأردفت: معك جنيه؟

دسست في يدها خمسين قرشًا: كل ما معي.

استعادت يدها فارغة: ما نعطلكش!

وأنا أهبط الدرجات، تلفَّتُّ — بعفوية — ورائي. وضعت السيدة في صدرها ما أخذته من الشابين اللذين ربما قدما من الناحية المقابلة، وعلا صوتها وهي ترنو إلى شرفة الطابق الأول: بسيمة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤