تحسين الناتج النهائي بالقيمة الاقتصادية المضافة
إلى أن تدرَّ شركةٌ ما ربحًا أكبر من تكلفة رأس مالها، فإنها تخسر.
علَّق كاتب المقال (والاقتصادي) الإنجليزي والتر بيجهوت ذات مرةٍ قائلًا: «ما من رجلٍ إنجليزيٍّ حقيقيٍّ في قرارة نفسه شعر بالأسى لموت رجلِ اقتصادٍ مطلقًا.»
قليل من محللي الأوراق المالية ومديري الصناديق على السواحل الأمريكية ربما يشعرون هذا الشعورَ حيال الاقتصاديين الذين توصَّلوا إلى فرضية السوق الكفء وأثبتوا أن ٩٥ بالمائة من المتخصصين لا يمكنهم التفوُّق على قردٍ معصوب العينين في اختيار الأسهم. لا يحب محللو وول ستريت ذوو الأجور المرتفعة مقارنتهم بقرودٍ عمياء، ولكن بعد عقودٍ من التراشق المحموم بين وول ستريت وأهل العلم، نجد أن أرباب الثقافة والعلم الواسع بصدد الفوز في النزاع؛ فقد صارت صناديق المؤشرات اليوم — وهي الآلية الاستثمارية المفضلة للأساتذة الجامعيين — القطاعَ الأسرعَ نموًّا في وول ستريت، برغم ما أشرنا إليه في الفصول السابقة من أن بعض الاقتصاديين قد أدخلوا تعديلاتٍ على نظرية السوق الكفء.
ولعل أحدث المجموعات التي تعاطفت مع كلمات والتر بيجهوت هم المحاسبون؛ فعلى مدى العقد الماضي، أخذ الاقتصاديون القابعون في البرج العاجي (تحديدًا الأساتذة الذين يُدرِّسون نظرية الماليات الحديثة) في الهجوم على أقسام المحاسبة، منتقدين إياها لعدم وضعها في الاعتبار التكلفةَ الكاملةَ للفرصة البديلة لرأس المال؛ أي المبلغ الذي يستطيع حَملةُ الأسهم كسبَه ببساطةٍ باستثمار أموالهم في مكانٍ آخر.
هل الأرباح المحاسبية حقيقية؟
ما المقصود بالقيمة الاقتصادية المضافة؟ القيمة الاقتصادية المضافة (وتسمَّى أيضًا الربح الاقتصادي، أو الدخل المتبقي)، بشكلٍ أساسي، هي مقياس دقيق لتكلفة الفرصة البديلة لرأس المال. كانت تكلفة الفرصة البديلة لسنواتٍ مفهومًا غامضًا لا يعرفه سوى أساتذة الجامعة. ويشير مصطلح «تكلفة الفرصة»، الذي صاغه الاقتصادي النمساوي فريدريش فايزر في مطلع القرن العشرين، إلى المبدأ العام القائل بأن أي فعلٍ بشريٍّ يتضمن تخليًا عن فرصٍ أخرى؛ فحين تستثمر في سهم، أو تقرض مالًا، أو تصدر منتجًا جديدًا، تتخلى عن فرصة الاستثمار في مكانٍ آخر. فإذا استثمرت في سهمٍ من أسهم شركات الكمبيوتر المحلقة في السماء، لا يمكنك أن تشتريَ أذون خزانة. وإذا بنيت مبنًى خاصًّا للمكاتب، فإن أموالك تظل مقيدةً لسنواتٍ في الإنشاءات ولا يمكن استثمارها في شركة إيه تي آند تي.
تُعَدُّ القيمة الاقتصادية المضافة تطبيقًا عمليًّا للاقتصاد القديم ونظرية الماليات الحديثة؛ فقد قدَّم أتباع المدرسة النمساوية مفهوم تكلفة الفرصة، وقام ميرتون إتش ميلر وفرانكو موديجلياني، الحاصلان على نوبل، بتطبيقه في نموذجهما للشركات لتحديد القيمة الحقيقية لرأس المال. وفي ثمانينيات القرن العشرين، ابتكر جي بينيت ستيوارت الثالث مفهوم القيمة الاقتصادية المضافة كمعيارٍ ماليٍّ لقياس تكاليف الفرص في الشركات الخاصة.
وتحديد القيمة الاقتصادية المضافة أمر بسيط للغاية؛ وذلك بطرح أرباح التشغيل بعد الضرائب من تكلفة رأس المال الملائمة لكلٍّ من الدَّين والأسهم العادية. فإذا أصدرت إحدى الشركات دَيْنًا، فإن تكلفة الفرصة ترتبط بمعدل فائدة سندات الخزانة (الذي يبلغ الآن ٤ إلى ٥ بالمائة تقريبًا)، إلى جانب المخاطرة الائتمانية لجهة الإصدار. وإذا أصدرت الشركة سهمًا، فإن تكلفة الفرصة تُقاس بالعائد السنوي على المدى الطويل على سوق الأسهم، الذي يبلغ نحو ١٠ إلى ١٢ بالمائة. بإيجاز، تدرك القيمة الاقتصادية المضافة أن المستثمرين لا بد أن يربحوا ما يكفي لتعويض مخاطرة رأس المال الاستثماري.
حسنًا، ما النفع الذي تسديه القيمة الاقتصادية المضافة لمديري الشركات إذن؟ يساعد تحليل القيمة الاقتصادية المضافة على تقييم عمليات الاستحواذ المحتملة، وخطط التوسع، والأصول غير العاملة، ويساعد على التخلص من عمليات التشغيل ذات الهامش الربحي المنخفض التي لا تُدرُّ أرباحًا بشكلٍ واضحٍ حين توضع جميع التكاليف في الاعتبار. كذلك تُستخدم القيمة الاقتصادية المضافة كنظامٍ تحفيزيٍّ للمديرين والموظفين؛ إذ يتم ربط المكافآت بالمكاسب الاقتصادية المتحققة، وليس فقط بالمكاسب المحاسبية، وقد أثبتت القيمة الاقتصادية المضافة فعاليتها في تعزيز الإنتاجية.
حقَّقَتِ القيمة الاقتصادية المضافة تطوراتٍ هائلةً في عالم الشركات؛ فهناك ما يزيد على ٣٠٠ شركة كبرى، من بينها كوكاكولا، وإيلي ليلي، وهول فودز ماركت، تستخدم القيمة الاقتصادية المضافة كأداةٍ من أدوات مسئولية رأس المال لتعزيز فكرة أن الأرباح لا تبدأ حتى تكون الشركات قد غطَّت عائدها الطبيعي. ويستخدم محللو وول ستريت في جولدمان ساكس وفرست بوسطن، من بين جهاتٍ أخرى، القيمةَ الاقتصاديةَ المضافةَ لتقييم الأسهم؛ فوفقًا لإربار، تتنبَّأ القيمة الاقتصادية المضافة بأداء الأسهم وقيمتها السوقية أفضل من أي مقياسٍ محاسبيٍّ آخر، وفي ذلك العائد على الأسهم العادية، والتدفُّق النقدي، والمكاسب عن كل سهم، أو المبيعات. كما تعمل القيمة الاقتصادية المضافة على جعْل مسئولي الشركات يُركزون بشكلٍ أوضحَ على خلق قيمةٍ للمساهم، وسعرٍ أعلى للسهم. وتُصدر شركة ستيرن ستيوارت، وهي شركة متخصصة في تطبيق القيمة الاقتصادية المضافة، تقريرًا سنويًّا عن القيمة الاقتصادية المضافة لأكبر ١٠٠٠ شركةٍ أمريكية. ولسنواتٍ عديدةٍ تصدرت إنتل المرتبة العليا في تصنيف القيمة الاقتصادية المضافة فيما تذيلت جنرال موتورز التصنيف.
القيمة الاقتصادية المضافة تفوز بالمعركة
لا يزال المحاسبون يملكون قبضةً مهيمنةً على الطريقة التي تُقدَّم بها البيانات المالية للشركات، ولكن نجاح مؤشر القيمة الاقتصادية المضافة أرغمهم على الانتباه. فصارت خمس شركات محاسبةٍ تُقدِّم إحصاءً قائمًا على القيمة الاقتصادية المضافة لعملائها. وتضم معظم كتب المحاسبة الدراسية قسمًا مهمًّا عن القيمة الاقتصادية المضافة، أو الربح الاقتصادي، أو الدخل المتبقي، فيما لم تكن الطبعات السابقة تورد أي ذكرٍ للقيمة الاقتصادية المضافة أو تكلفة الفرصة.
إنني أحب القيمة الاقتصادية المضافة. والشركات المستخدمة لها تبدو أفضلَ أداءً في صنع الثروات والقيمة للمساهم. ولكن ربما يكون لها مثالب؛ فالقيمة الاقتصادية المضافة تضع ضغطًا هائلًا على مديري الشركات من أجل الإنجاز الفائق وخلق مراكزَ ربحيةٍ دائمةٍ فوق المتوسط. تخيلْ عدم تحقيق ربحٍ حقيقيٍّ ما لم تتفوق شركتك أو قسمك على مؤشر داو جونز الصناعي للعام الماضي. قد يكون أمرًا محبطًا. تُرى كيف ستبدو القيمة الاقتصادية المضافة لشركتك خلال فترة الركود القادمة؟ أمر قد يحير العقول! قد يرغب بعض المديرين في الانضمام إلى محللي ومحاسبي وول ستريت في إطلاق النار على هؤلاء العلماء الكئيبين.