حُمَّى المزادات تصيب الاقتصاديين
نظرية المزادات هي واحدة من قصص نجاح علم الاقتصاد.
كانت أفكار عالم الاقتصاد بول ميلجروم بالغةَ الأهمية في مساعدة لجنة الاتصالات الفيدرالية على تصميم مزادات الطيف المقدرة بعدة ملياراتٍ من الدولارات. لقد كان تفكيره الاقتصادي المدروس وانتباهه للتفاصيل العملية يسهمان في نجاح المزادات.
في ١٩ أغسطس ٢٠٠٤، طرحت شركة جوجل، أشهر محرك بحثٍ للإنترنت في العالم، أسهُمها للتداول والاكتتاب، بإصدار ١٩٫٦ مليون سهمٍ بسعر ٨٥ دولارًا للسهم. كان الشيء غير التقليدي بشأن الطرح الأوَّلي للاكتتاب لشركة جوجل يكمن في طريقتها في الطرح: مزاد علني بنظام المظاريف المغلقة مفتوح لأي شخصٍ يرغب في تقديم عطاء. وباستخدام تلك الوسيلة المثيرة للجدل، تجعل جوجل مسألة تحديد سعر المقاصة بيد جمهور المستثمرين، وليس مصرفيي وول ستريت الاستثماريين.
لم تُجْدِ هذه الخطوة الخلافية التي تميل إلى العدل والمساواة مع خبراء المال بوول ستريت؛ ففي أي طرحٍ عامٍّ تقليدي، يتعهَّد المصرفيون الاستثماريون بتغطية عملية الاكتتاب، ويقررون سعرَ فتحٍ محدَّدًا سابقًا أقل من القيمة السوقية المتوقَّعة. ومن خلال إنشاء إصدارٍ نشط، يمكن لشركات الوساطة تخصيص أسهمٍ لعملائها المميزين. ويفضِّل هذا النظامَ مسئولو الشركات، والمضاربون من الداخل، والمستثمرون الاعتباريون، والعملاء ذوو الرصيد المالي الضخم. وبمجرد عرض السهم للاكتتاب، يستطيع المضاربون من الداخل والعملاء المميزون، الذين يحالفهم الحظُّ كفايةً لشراء الأسهم التي تغلق على ارتفاعٍ، مضاعفةَ أموالهم مرتين أو ثلاثًا من خلال بيع الأسهم سريعًا بمجرد شروع العامة في المزايدة ورفع السعر في السوق الثانوية الموازية.
لم تكن جوجل أُولى الشركات استخدامًا لمزاد الطرح العام الأوَّلي، ولكنها كانت صدمةً لوول ستريت، بالنظر إلى حجم جوجل، وقيمتها السوقية التي تتجاوز جنرال موتورز. لم يكن مُلَّاك جوجل الصغار بحاجةٍ إلى النقد، ولم يكونوا مدينين لخبراء وول ستريت الماليين. لقد أرادوا طرحًا أوَّليًّا يعوِّض موظفيهم المخلصين، ويظل يوفر وسيلةً لجمهور المستثمرين للمشاركة؛ شكلًا من أشكال الرأسمالية الديمقراطية.
اختارت جوجل تصميم مزادٍ يُعرف ﺑ «المزاد الهولندي الموحد السعر»، وهو نفس التصميم الذي تستخدمه وزارة الخزانة الأمريكية لإدارة مديونيتها. وإليك كيف آتى المزاد الهولندي ثمارَه مع جوجل: قامت الشركة بجمع العطاءات من كل مستثمرٍ قام بتحديد عدد الأسهم المطلوبة والسعر الذي يرغب المستثمر في دفعه مقابلها. وفي يوم الطرح العام الأوَّلي، قامت الشركة بتخصيص أسهمٍ للمزايدين بترتيبٍ تنازليٍّ للسعر حتى استنزاف الأسهم المتاحة (البالغة ١٩٫٦ مليونًا). وكان السعر المحدد في آخر عطاءٍ تم ملؤه — والمعروف ﺑ «سعر المقاصة للسوق» — هو السعرَ الذي دفعه جميع المزايدين الرابحين لأسهُمهم (٨٥ دولارًا للسهم).
نظريًّا، يحبط المزاد الهولندي احتمالية حدوث ارتفاعٍ سريعٍ وقصيرِ الأجل في سعر السهم بالطرح العام الأوَّلي في أول أيام التداول؛ لأن سعر المقاصة للسوق ينبغي أن يُمثِّل الحكمة الجمعية للجمهور وسعرًا يتساوى عنده الطلب مع المعروض. غير أنه حين طُرح السهم للاكتتاب في ١٩ أغسطس ٢٠٠٤، حقق السهم قفزةً بنسبة ٢٨ بالمائة ليغلق على ١٠٠ دولارٍ للسهم. وقد جاء هذا الارتفاع لسببين، هما: تقليص الكثير من شركات الوساطة المشاركة في الطرح العام الأوَّلي لجوجل لعدد العطاءات التي يستطيع المستثمر تقديمها؛ واحتفاظ جوجل بخيار تحديد سعرٍ أقل من سعر المقاصة للسوق إذا أرادوا. ولكن هذا الارتفاع السريع كان أقلَّ كثيرًا من قفزة اليوم الأول التي شهدتها معظم أسهم شركات التكنولوجيا في أواخر التسعينيات (التي بلغت ١٠٠ إلى ٢٠٠ بالمائة).
الاقتصاديون وراء الطرح العام الأوَّلي لجوجل
يمكن أن نُرجع الفضل في نجاح الطرح الأوَّلي العام لجوجل إلى العديد من الاقتصاديين المتخصصين في تصميم المزادات، ومن بينهم عالم الاقتصاد بجامعة ستانفورد، بول ميلجروم، الذي أسس سمعته من خلال المساعدة في تصميم مزادات الطيف الخاصة بلجنة الاتصالات الفيدرالية. ومنذ ذلك الحين تم استنساخ وتعديل مزادات لجنة الاتصالات الفيدرالية لعشرات المزادات في أسواق الكهرباء وصناعاتٍ أخرى تشتمل على أكثر من ١٠٠ مليار دولارٍ حول العالم.
ويُعَدُّ مزاد الطرح العام الأوَّلي لشركة جوجل مثالًا ممتازًا لمدى التقدُّم التكنولوجي الذي صارت عليه التجارة عبر المزادات. ويمكن أن نَعزيَ النجاح الأخير للمزادات في مجموعةٍ كبيرةٍ من الأسواق الجديدة إلى صفوةٍ من الاقتصاديين المتخصصين في نظرية الألعاب. فإلى جانب طرح أسهم جوجل للاكتتاب، قام هؤلاء المستشارون الخبراء بتطبيق تقنياتهم من أجل تصميم مزاداتٍ ناجحةٍ لتَذاكِر مباريات البيسبول وغرف الفنادق على شبكة الإنترنت، والمنتجات والمقتنيات على موقع إي باي، وأذون الخزانة والأوراق المالية الحكومية الأخرى، والصرف الأجنبي، والماشية والأسماك والخشب وحقول البترول، وغيرها من السلع الأخرى، والحجوزات العقارية على العقارات التجارية والسكنية، وتصاريح التلوث الخاصة بنظام الحد الأقصى للانبعاثات والاتجار بها، وعرض النطاق الترددي لموجات الراديو وتراخيص الهواتف الخلوية، والأصول والشركات والأراضي التي تسعى الحكومة لخصخصتها. وفي هذه الأيام، عندما تقرر الحكومات بيعَ مواردَ مملوكةٍ للدولة بالمزاد العلني، فإنها عادةً تستعين برجال اقتصادٍ لمشاورتهم حول كيفية تصميم المزاد. في الوقت ذاته، يستعين المزايدون أيضًا بالاقتصاديين لمعرفة كيفية التغلب على النظام. والنتيجة سوق قائمة على سعة المعرفة يشعر فيها كلٌّ من البائع والمشتري بالرضا.
ويليام فيكري، رائد نظرية المزادات
ولاستيعاب مزاد فيكري، كما يُسمَّى بمزاد المظاريف المغلقة على أساس السعر الثاني على الطريقة الهولندية، نحتاج إلى تقديم بعض المعلومات الأساسية عن المزادات. إن أشهر طرق بيع الأغراض الفردية هي طريقة المزاد التقليدي، مثلما تفعل صالات المزادات الفنية الإنجليزية مثل سوثبي وكريستي. وبمقتضى النظام الإنجليزي، يبدأ المزايدون بسعرٍ منخفض، أعلى من السعر الاحتياطي المحدد من قِبل المالك، ويشرعون في المزايدة حتى لا يتبقى سوى مُزايدٍ واحد. ويفوز المزايد النهائي بالجائزة مقابل السعر النهائي الذي يُقدِّمه.
المزادات الإنجليزية ولعنة الرابح
غير أن هناك العديد من السلبيات المحتملة للمزاد الإنجليزي؛ أولًا: في حرب المزايدة العلنية المفتوحة، قد تعاني من حمَّى المزادات، وفي وجود مزايدين منافسين، قد تُقدِّم عطاءً متسرعًا، وهو ما يُطلِق عليه الاقتصاديون «لعنة الرابح». هل تذكر المزاد الشهير الذي بِيع فيه منزل جاكلين كينيدي؟ لقد دفع المزايدون العاطفيون، الذين كانوا متلهفين لامتلاك قطعةٍ من «الكاميلوت»، ثلاثةَ أضعاف الأسعار المتوقَّعة. وهل تذكر مشجِّع البيسبول الذي دفع أكثر من مليونَي دولارٍ مقابل الكرة التي أحرز بها باري بوندز ضربته الآمنة رقم ٧٣ في عام ٢٠٠١، ليرى قيمتها تهبط لأقل من ١٠٠ ألف دولارٍ بعد ذلك ببضع سنوات. وتضم الأمثلة الأخرى سهمًا في طرحٍ أوَّليٍّ عامٍّ هبط لاحقًا إلى النصف في السوق الموازية؛ مزادًا لسوق الهواتف الخلوية في سوقٍ صغيرةٍ يتضح أنه باهظ الثمن للغاية؛ حقلَ بترولٍ يساوي أقلَّ بكثيرٍ مما دفعه منتج البترول؛ مقاولَ مبانٍ يفوز بمزادٍ متفوقًا على جميع منافسيه، ولكن تنتهي به الحال بخسارة أمواله لأنه لم يُقدِّر تكاليفه على نحوٍ دقيق.
يشرح بول كليمبرر، أستاذ الاقتصاد بجامعة أكسفورد المتخصص في اقتصاد المزادات، لعنةَ الرابح لطلابه بعرض برطمان به عدد غير معلنٍ من العملات الصغيرة في مزاد. يُقدِّر الطلاب محتويات البرطمان ثم يعرضون سعرًا أقل قليلًا من تقديرهم لترك هامش ربح. ولكن، في كل مرةٍ يكون الفائز التعيس الحظ بالبرطمان هو الطالبَ الأكثر مبالغةً في تقدير عدد العملات؛ ومن ثَمَّ تكون الزيادة المدفوعة من جانبه هي الأكبر. وكما سنرى، هناك طرق لتجنُّب لعنة الرابح.
ثانيًا: قد يعاني المزاد من تواطؤٍ بين المزايدين لإبقاء السعر منخفضًا بشكلٍ مصطنع؛ مما ينتج عنه عطاء منخفض للبائع. ويسري هذا بشكلٍ خاصٍّ في حالة المزادات بين الشركات؛ حيث يزايد عدد صغير من الشركات على راديو، أو هاتفٍ خلوي، أو رخصة اتصالات، أو عقد إيجار استثمار معادن مهم. لا حاجة حتى للشركات لمخالفة القانون، فلو أن بضع شركاتٍ فقط تتنافس على عمليةٍ تجاريةٍ لأحد العملاء، فبإمكانهم أن يعقدوا اتفاقًا ضمنيًّا سابقًا على أن المصلحة المشتركة تقتضي عرض نفس السعر المرتفع واقتسام العملية. وإذا انشق أحد الموردين عن المجموعة بخفض سعره، فبإمكان خصومه معاقبته بخفض أسعارهم.
ابتكر فيكري وآخرون من واضعي نظرية الألعاب طريقتين جديدتين لتعظيم العائدات بالنسبة إلى البائعين مع تحسين درجة رضا المشترين في المزادات. في مزاد فيكري، يدخل المزايدون مزادًا بنظام المظاريف المغلقة، ويفوز صاحب العطاء الأعلى، ولكنه يدفع سعر ثاني أكبر عطاءٍ إلى جانب رسومٍ صغيرة. قد يبدو الأمر غير منطقي، ولكنه منطقي بالفعل؛ إذ يتأكَّد البائعون من أن المشترين سوف يقدمون عطاءاتٍ واقعية، ولا يجد المشترون داعيًا للقلق بشأن تقديم عرضٍ أكبر مما قدموه في اللحظة الأخيرة كما في أنواعٍ أخرى من المزادات.
طريقة مزاد فيكري
قبل حضور مزادٍ مباشر، عادةً ما يقوم المشترون المحتملون ببعض الدراسة، وسوف يقرءون قائمة الأشياء المعروضة للمزايدة، ومعاينة هذه الأشياء إن أمكن، وإجراء بعض الأبحاث لتحديد السعر العادل. يضاف إلى هذا السعر عامل المرغوبية؛ أي شعور المشتري المحتمَل بضرورة الحصول على الشيء. والمشتري الحكيم يصل إلى المزاد بسعرٍ أقصى محددٍ سابقًا، وينسحب من المزايدة حين يتخطَّى المزايدون الآخرون هذا السعر. في بعض الأحيان تحلُّ حمَّى المزادات، ويتصاعد السعر متجاوزًا الحدودَ المحددة سلفًا من قِبل المشترين، ولكن في معظم الأحيان يعود الشخص صاحب السعر السابق الأعلى إلى منزله بالشيء محل المزايدة. غير أن المُزايد صاحب أعلى عطاءٍ نادرًا ما يدفع السعر الأقصى الذي يرغب في دفعه. لمَ لا؟ لأنه في أيِّ مزادٍ حيٍّ، دائمًا ما يعرف المزايدون السعر السابق. وحين ينسحب المزايد قبل الأخير، لا يكون على المزايد الأخير سوى عرض سعرٍ أكبر قليلًا من ثاني أعلى سعرٍ للمزايد المنسحب؛ ومن ثَمَّ إذا الْتزم المزايدون الهدوء ولم يتجاوزوا الحدَّ الأقصى المحدَّد سلفًا، فإنهم دائمًا ما يعودون إلى المنزل وقد دفعوا أقل مما كانوا على استعدادٍ لدفعه.
أما مزاد المظاريف المغلقة، فهو أمر مختلف؛ إذ يكون التواطؤ أكثر صعوبة؛ فالسعر لا يتصاعد تدريجيًّا مع دخول المشترين المحتملين عملية المزايدة وخروجهم منها. فلا بد أن يقدم المشترون الواعدون عطاءً واحدًا، مقدمًا، بعد حسابٍ دقيقٍ ليس فقط للمبلغ الذي لديهم الاستعداد لإنفاقه، بل أيضًا لقيمة العطاء المحتمل من جانب المنافسين. ولكن ماذا لو كانت حساباتهم خاطئة؟ ماذا لو حددوا مبلغ ١٠ آلاف دولار، بينما يُزايد الآخرون في نطاق مئات الدولارات؟ في مزادٍ مباشرٍ كانوا سيتوقفون عند ١٠٠٠ دولار، ولكنهم الآن متورطون في دفع ١٠ أضعاف قيمة الشيء. وعادةً ما يكون المستثمرون حذرين من الدفع أكثر مما ينبغي أكثر من حذرهم من خسارة الصفقة؛ ولذا إن لم يكن بوسعهم معرفة ما يرغب الآخرون في إنفاقه، يكونوا أكثر ميلًا إلى تقديم عطاءٍ أقل من تقديم عطاءٍ أعلى، ويقل ربح البائعين. ولتهدئة مخاوف المشترين من المزايدة المبالغة، يتعهَّد البائع بمنح المزايد الرابح سعرًا أعلى قليلًا من سعر ثاني أعلى مزايد. وهذه السياسة تشجِّع المزايدون على المزايدة أكثر؛ لأنهم يعرفون أنهم لن يتورطوا إن تجاوزوا سعر ثاني أعلى مزايد. بإيجاز، إذا فاز المشتري بالجائزة، فإنه دائمًا ما يحصل على سعرٍ أقلَّ مما عرضه. وباستخدام طريقة فيكري، يحظى البائع بمشاركةٍ أعلى في المزاد.
مزادات الطوابع ومخاوف الغش
بالنسبة إلى من لم يشاركوا مطلقًا في عمليات البيع بالمزاد من قبلُ، نود أن نقول إن هذه واحدة من أفضل الطرق للإضافة إلى مجموعتك من الطوابع التي لم تكن لتستطيع شراءها بهذا السعر بطريقٍ آخر. عليك فقط أن تُحدِّد السعر الذي ترغب في دفعه مقابل مجموعةٍ ما، وإذا لم يُقدِّم أحد سعرًا أعلى، فسوف تحصل على الطوابع. وإذا كان عطاؤك أعلى كثيرًا، فإننا نشتري لك بزيادةٍ طفيفةٍ على ثاني أعلى عطاء؛ لذا فأنت محميٌّ في كل الحالات.
وزارة الخزانة الأمريكية توفر ملايين
لحسن الحظ أن المستثمرين، على الأرجح، ليسوا بحاجةٍ إلى القلق بشأن مثل تلك الأخلاقيات عند المزايدة من خلال الشركات الكبرى مثل إي باي وجوجل، أو الحكومة الأمريكية، الذين كانوا جميعًا يتبنَّوْن مزادَ فيكري على الطريقة الهولندية عند شراء كمياتٍ كبيرةٍ من السلع والأوراق المالية الموحدة. ويتناقض المزاد الهولندي مع المزاد الإنجليزي، حيث تبدأ الأسعار منخفضةً وتأخذ في الارتفاع. أما في المزاد الهولندي، فيعلن البائع سعرًا عاليًا، ثم يستمر في خفضه إلى أن يصبح هناك مشترٍ. على سبيل المثال، حين تقوم وزارة الخزانة الأمريكية ببيع صكوك دَين، تقبل الحكومة عطاءاتٍ أقل وأقل حتى بيع مبلغ الدَّين بأكمله. بعد ذلك يُقدِّم كلُّ مَن يقدِّم أسعارًا أعلى أقلَّ سعرٍ مقبول.
لجنة الاتصالات الفيدرالية ورُخص الطيف الخلوي
في ثمانينيات القرن الماضي، بدأت لجنة الاتصالات الفيدرالية إجراءَ مسابقات اليانصيب لتخصيص رخص الطيف الخلوي في المدن عبر الولايات المتحدة. ولكن في مطلع التسعينيات أدركت الحكومة أنها كانت تخسر ملايين الدولارات في العائدات المحتملة. ومنذ عام ١٩٩٤، أقامت لجنة الاتصالات الفيدرالية مزاداتٍ ذات عطاءاتٍ تنافسيةٍ لرخص الطيف الخلوي والراديوي. تُدار هذه المزادات إلكترونيًّا ويمكن الدخول إليها عبر الإنترنت. وهكذا يمكن للمزايدين المؤهلين وضع عطاءاتٍ وهم في منازلهم أو مكاتبهم. علاوةً على ذلك، يمكن لأي شخصٍ يتوافر لديه كمبيوتر مزوَّد بمتصفحٍ للشبكة أن يتابع سير أي مزادٍ ويشاهد نتائج كل جولة. وقد وجدت لجنة الاتصالات الفيدرالية أن مزادات الطيف أكثر فاعلية في تخصيص الرخص من جلسات الاستماع المقارنة أو اليانصيب.
كان شهر فبراير من عام ٢٠٠٠ شهرًا مرهقًا لي؛ فقد كان مزاد المملكة المتحدة للجيل الثالث على وشك البدء. ظللت لعامين أعمل مع الحكومة البريطانية لتصميم أول مزاد طيف في العالم لخدمات «الجيل الثالث» للهواتف الخلوية. كان هناك الكثير على المحك. ولو سار مزادنا على ما يرام، فسيتم تخصيص الطيف بفعاليةٍ وسيجمع الكثير من الأموال، ولكن الكثير من المزادات السابقة واجه إخفاقاتٍ مخجلةً وفشل في جلب المبالغ المتوقعة. وهذه المرة كان السياسيون يأملون في جلب ملايين الدولارات …
والشركات ليست المكان الوحيد الذي تكتسب فيه المزادات شعبية؛ فالأفراد يشترون ويبيعون كلًّا من أسطوانات الدي في دي المستعملة، حتى بطاقات البيسبول عبر إي باي، وياهو، وأمازون، ومواقع الإنترنت الأخرى؛ فالتجارة الإلكترونية هي النشاط الأكبر. ويحظى موقع إي باي وحده ﺑ ١٠ ملايين عميلٍ وقيمةٍ سوقيةٍ تُقدَّر ﺑ ٢١ مليار دولار.
وقد تعلَّم مؤسسو إي باي من ويليام فيكري وغيره من الاقتصاديين؛ فيستعين هذا الموقع التجاري البارز عبر الإنترنت بقواعد مزاد السعر الثاني؛ حيث لا يلزم صاحب العطاء الأعلى إلا بدفع قيمة ثاني أعلى عطاءٍ إلى جانب رسمٍ إضافي. وهكذا تساعد قاعدة السعر الثاني المتبعة لدى إي باي في تجنُّب لعنة الرابح. ثَمَّةَ ميزة أخرى هي أنه بإمكان المزايدين دراسة المزادات السابقة لسلعٍ مماثلة. ويمكنهم أيضًا معرفة المزيد عن مدى أمانة وموثوقية البائعين عن طريق قراءة ردود أفعال العملاء عنهم. وإذا ظلوا في ريبةٍ من أمرهم، فغالبًا ما يراقب المزايدون سلوك مزايدين آخرين.
وختامًا، لقد استفاد الجميع من التحسُّن الذي أدخله الاقتصاديون على تصميم المزادات؛ المشترون الذين تقل لديهم احتمالات الدفع أكثر مما ينبغي دفعه، والبائعون الذين تزداد احتمالات حصولهم على سعرٍ أفضل لبضائعهم، وصالات المزادات التي تكتظ بمزيدٍ من الجمهور.