مخطط بياني مدهش
تزداد الجماعات الليبرالية والجماعات الدينية المتشددة على حدٍّ سواءٍ نشاطًا وحركةً حين يُضطرون إلى التنافس على أعضاءٍ على أرضٍ محايدة.
بعد فترةٍ وجيزةٍ من انتهاء دراسة إيناكون، قام اثنان من علماء الاجتماع بتطبيق مبادئ السوق على التاريخ الديني الأمريكي وتوصَّلا إلى نفس الاستنتاج: يزدهر الدين في بيئة السوق الحرة؛ فقد وجد روجر فينكي (بجامعة بوردو) ورودني ستارك (بجامعة واشنطن) أن الولايات المتحدة بمنزلة تجربةٍ شبه مثاليةٍ فيما سمَّياه الاقتصاد الديني غير المنظم القائم على السوق الحرة. فمع بداية الثورة الأمريكية، كان الاضطهاد الديني قد انتهى إلى حدٍّ كبير، ومهَّد التسامح تدريجيًّا للحرية الدينية. وسَعَتِ الطوائف الدينية الكبرى إلى أن تصبح ديانة معترفًا بها رسميًّا ومدعومة بالضرائب، بل وقامت بتشكيل اتحادات منتجين بهدف منع المنافسة، ولكن خابت كل محاولاتهم. وحَذَت معظم الولايات حذو فيرجينيا في معارضة قيام أي كنيسةٍ معترفٍ بها رسميًّا.
وقد توصَّل فينكي وستارك إلى النتائج المهمة التالية باستخدام نموذجهم الصريح للسوق في دراسة الدِّين في أمريكا.
حلم العقيدة الواحدة المستحيل
ثانيًا: وجد علماء الاجتماع الاقتصادي أنه من المستحيل لعقيدةٍ واحدةٍ أن تسود الدولة في بيئةٍ من المنافسة الشرسة. في فترات الاستعمار، كان الأبرشيون والأسقفيون مهيمنين، ولكنهم لم يستطيعوا التغلب على المنافسة القادمة من المنهجيين، والكاثوليك، والمعمدانيين خلال فترات النهضة المتعددة في التاريخ الأمريكي. ومثلما لا يستمر احتكار الشركات للأبد، يبدو شبه مستحيل أيضًا بالنسبة إلى دِينٍ سائدٍ أن يبقى على القمة طويلًا. ويخلص فينكي وستارك إلى أنه لا يوجد دِين، مهما كان ما يحققه من نجاحٍ على المدى القصير، يمكن أن يغير العالم بأسره؛ فالمسيحيون لا يبدون راضين بكنيسةٍ واحدة، مثلما لا يمكن أن يتفق المستهلكون على طراز سيارةٍ واحدٍ أو نوعٍ واحدٍ من أحذية التنس. وعلى مرِّ الزمن، تميل جميع الأسواق — سواءٌ الخاصة بالسيارات، أو الأحذية، أو الديانات — إلى إظهار زيادةٍ في الكم، والجودة، والتنوع. وكما يوضح فينكي وستارك، على الرغم من المطالبة المستمرة بأن تتحد جميع الجماعات والطوائف المسيحية في كيانٍ واحد، فقد باءت محاولات التوحيد مرارًا بالفشل. إن الحكمة السائدة القائلة بأن «جميع الكنائس متشابهة» غير دقيقة. فالتنوع هو روح الحياة الدينية في أمريكا.
بإيجاز، يمكننا أن نرى أن مبادئ علم الاقتصاد عامة وشاملة؛ فالحوافز والمنافسة والجودة والاختيار لا تنطبق فقط على العالم المادي، ولكن أيضًا على المجال الروحاني. وربما يمكن إرساء السلام والرخاء في الشرق الأوسط بتطبيق مبادئ المنافسة والاختيار والأسواق الحرة في مجال الأعمال وفي الدِّين.