المطالبة بإصلاح الضمان الاجتماعي
هناك منطق قوي وراء المطالبة بتقليص دور الموازنة الحكومية في توفير الخدمات الصحية لأدنى حد.
في مؤتمرٍ ماليٍّ عُقد مؤخرًا، سألتُ جمهورًا من عدة مئاتٍ من المستثمرين: «برفع الأيدي، كم منكم يحصل على برنامج الإعانات الغذائية؟» لم تُرفع يدٌ واحدة. بعدها تساءلت: «كم منكم يحصل على الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية؟» فرفع نصف الحضور أيديَهم (مع العلم بأن معظم المستثمرين في المؤتمرات المالية يتجاوزون ٦٥ عامًا).
بعد ذلك تساءلت: «كم منكم سوف يحصل في النهاية على الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية؟» فارتفعت جميع الأيدي. وأخيرًا تساءلت: «كم منكم يعتقد أنه سيُدرج في برنامج الإعانات الغذائية الفيدرالي خلال حياته؟» فجأةً انخفضتْ جميع الأيدي!
كانت لحظةً درامية، وأخذتُ أفكِّر فيها عدة مرات. لقد كان كل الموجودين في القاعة إما يتلقَّوْن الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، وإما من المتوقع أن يحصلوا عليهما خلال حياتهم. ولكن ما من أحدٍ منهم كان يعتقد أنه سيُقيَّد للحصول على إعاناتٍ غذائية.
البرنامج | التغطية الإجمالية (بالملايين) | المتلقون الحاليون (بالملايين) | إجمالي المصروفات السنوية |
---|---|---|---|
الضمان الاجتماعي | ١٥٣٫٨ | ٥٢٫٢ | ٤٩١٫٥ مليار دولار |
الرعاية الطبية | ١٥٧٫٥ | ٤٠ | ٢٩٧٫٤ مليار دولار |
برنامج الإعانات الغذائية الفيدرالي | ٢٣٫٩ | ٢٣٫٩ | ٢٧ مليار دولار |
لمَ لا؟ الحقيقة هي أن هؤلاء المستثمرين الموسرين غير مستحقين للإعانات الغذائية؛ فبرنامج الإعانات الغذائية الفيدرالي هو أحد برامج الرعاية الاجتماعية ويقتصر على الأشد فقرًا؛ وهناك بحث اجتماعي لتحديد المستحقين (وتقدر القيمة حاليًّا بنحو ٢٥ ألف دولارٍ لأسرةٍ من أربعة أفراد)، ومعظم الأمريكيين الذين يحضرون المؤتمرات الاستثمارية ليسوا بحاجةٍ إلى إعاناتٍ غذائية. أما الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، على الجانب الآخر، فهما خطط للتأمين الاجتماعي العام. وكل الناس يدفعون ضرائب لهذه البرامج، وفي سن ٦٥ عامًا (وأحيانًا قبل ذلك) يستفيدون من مزايا البرامج، على الرغم من أن معظم الأمريكيين يستطيعون تحمُّل تكاليف برنامج التقاعد والتأمين الصحي الخاص بهم؛ فهل هناك أي غرابةٍ في أن الناخبين يشعرون بالقلق حيال الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية أكثر من قلقهم بشأن الإعانات الغذائية؟
لمَ لا يُطبق برنامج «رعاية غذائية»؟
هَبْ أن رئيس الولايات المتحدة تَقدَّم بمقترحٍ لبرنامجٍ جديدٍ للرعاية الاجتماعية يُسمَّى «الرعاية الغذائية»! حيث يذهب بشكلٍ نظريٍّ إلى أنه بما أن الطعام أكثر أهميةً لكل مواطنٍ أمريكيٍّ من الرعاية الصحية أو أموال التقاعد، يجب إذنْ توسيع نطاق برنامج الإعانات الغذائية وتعميمه، شأنه شأن الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، حتى يكون جميع المواطنين مستحقين للإعانات الغذائية ويدفعون للبرنامج من خلال ضريبةٍ خاصةٍ بالإعانات الغذائية. وهَبْ أن الكونجرس قد وافق وأقرَّ تشريعًا جديدًا للرعاية الاجتماعية؛ بِناءً عليه، بدلًا من ٢٤ مليون أمريكي يحصلون على إعاناتٍ غذائية، من الممكن أن يبدأ ١٥٨ مليون مواطن أو أكثر فجأةً في دفع ضريبةٍ لبرنامج الإعانات الغذائية والحصول على تلك الإعانات، بما قد يُمثِّل نحو ١٠ بالمائة من الميزانيات العائلية.
لحسن الحظ لا يوجد هذا البرنامج المرعب للرعاية الغذائية. فمن المسلَّم به أنه كان هناك استغلال وهدر في برنامج الإعانات الغذائية الفيدرالي، ولكن مشكلات الكفاءة قليلة مقارنةً ببرنامج الرعاية الطبية مثلًا، المعروف بما يشوبه من احتيالٍ وهدرٍ باهظ التكاليف. والمثير في الأمر أنه منذ عام ١٩٩٥ انخفض عدد الأمريكيين المقيدين ببرنامج الإعانات الغذائية الفيدرالي من نحو ٢٧ مليونًا إلى أقل من ٢٤ مليونًا، فيما ارتفعت التكاليف بنسبة ضئيلة من ٢٢٫٨ مليار دولارٍ إلى ٢٧ مليار دولار. ولكن هل انخفضت تكلفة الضمان الاجتماعي ونطاقه أو الرعاية الطبية؟ إطلاقًا.
شبكة أمان أم شبكة صيد؟
إن استنتاجنا واضح. يجب أن تقتصر نُظم الرعاية الاجتماعية الحكومية — إن كان يجب أن يكون لها وجود من الأساس — على مساعدة مَن هم بحاجةٍ فعليةٍ إلى المساعدة. يجب أن تكون شبكات أمان، لا شبكات صيدٍ تأسر الجميع. لقد كان إنشاء نظامٍ للضمان الاجتماعي والرعاية الطبية خطأً فادحًا؛ إذ جعل الجميع في مرحلةٍ ما يصبحون تحت وصاية الدولة. أنا على قناعةٍ بأن الرئيس روزفلت لو كان قد وضع برنامج الضمان الاجتماعي في عام ١٩٣٥ كخُطةِ تقاعدٍ موجهةٍ فقط إلى الأقل حظًّا الذين لا يستطيعون التخطيطَ للمستقبل على المستوى المادي، لأصبح برنامجًا للرعاية الاجتماعية اقتصاديًّا نسبيًّا يُلزم دافعي الضرائب بدفع ٢ إلى ٣ بالمائة على أقصى تقديرٍ من أجورهم ورواتبهم في «اشتراكات» ضرائب المساهمة في التأمين الفيدرالية، وليس ١٢٫٤ بالمائة كما يفعلون اليوم. ولو كان الرئيس جونسون قد اقترح برنامج المساعدة الطبية للفقراء في عام ١٩٦٥ ببساطةٍ كخطةٍ طبيةٍ/استشفائيةٍ تكميليةٍ تقتصر على المعوزين، لصار دافعو الضرائب اليوم يدفعون ٠٫٥ بالمائة من أجورهم ورواتبهم للرعاية الطبية، وليس ٢٫٩ بالمائة كما يفعلون اليوم. بدلًا من ذلك، تمَّ تعميم النظم؛ ما يُعَدُّ انتهاكًا واضحًا لمبدأ الرعاية الاجتماعية المحدَّد في الفصل الأول.
ولأننا جميعًا ندفع وكلنا يستفيد في النهاية (حتى ينقضيَ أجلنا)، لا نفكر دائمًا بوضوحٍ بشأن هذه الاستحقاقات. على سبيل المثال: أخبرني سمسار بورصةٍ مؤخرًا عن عميلٍ اتصل به وشكا شكوى مريرةً من محاولات الكونجرس تجديد وإصلاح برنامج الرعاية الطبية؛ فقال في غضب: «بإمكانهم خفض الإنفاق كما يشاءون، ولكن عليهم ألا يقربوا تأميني الصحي!» وبينما كان سمسار البورصة يُنصت في صبرٍ لخُطب هذا الرجل المطوَّلة، إذا به يُخرج حسابَ العميل على شاشة الكمبيوتر. لقد كان لدى العميل حساباتٌ تَفُوق قيمتها مليون دولار! لو أن بإمكان شخصٍ ما تحمُّلَ نفقات خطة التأمين الطبي الخاصة به، لكان هذا الرجل. إنه لم يكن بحاجةٍ إلى الرعاية الطبية، ولكنه كان ينظر إلى الرعاية الطبية كحقٍّ له؛ فقد ظل يضع أمواله فيها طيلة حياته، وكان يستحق الانتفاع بفوائدها.
تخيل ماذا كان يقول هذا الرجل عن الكونجرس وأسعار الغذاء لو كان لدينا برنامج للرعاية الغذائية؟