٤ آلاف دولارٍ شهريًّا من الضمان الاجتماعي؟
سوف يظل الضمان الاجتماعي متوازنًا توازنًا جيدًا على مدى الأعوام العشرين القادمة على الأقل … ما دامت الأمور تسير على نحوٍ جيد، فلا تتدخل!
إن روبرت كوتنر، وهو معلِّق سياسي وأستاذ سابق بجامعة هارفارد، يُمثِّل أقلية؛ حيث إن الضمان الاجتماعي، وفقًا لمعظم الخبراء، مُتَّجهٌ نحو مأزقٍ خلال الأعوام العشرين القادمة. وكانت الأموال التي ينبغي إيداعها في الصندوق الائتماني للضمان الاجتماعي تدار بشكلٍ سيئ. ولأن المتقاعدين يعيشون أطول؛ تُشَنُّ غارة على الصندوق كلَّ عامٍ لدفع شيكات الضمان الاجتماعي الشهرية لمتلقيه الحاليين. وفي ظل الزيادة غير الكافية لاحتياطيات الصندوق من أجل المتقاعدين المستقبليين، فمن المحتمل أن تفلس المنظومة في مرحلةٍ ما خلال الأعوام العشرين إلى الثلاثين المقبلة.
يسير نظام الضمان الاجتماعي على النحو التالي: يموَّل النظام من خلال ضرائب المساهمة في التأمين الفيدرالية، وهي ضريبة كسبِ عملٍ يدفعها الموظف (٦٫٢ بالمائة)، وصاحب العمل (٦٫٢ بالمائة) بالتساوي. غير أن الضمان الاجتماعي ليس خطةَ ادخار، فهو معروف بوصفه نظامًا «محدد الاستحقاقات»؛ حيث تُستخدم الواردات الحالية لدفع الاستحقاقات الحالية. وفي كل عامٍ منذ عام ١٩٨٣ كانت العائدات الضريبية ومصادر الدخل الأخرى تفوق الاستحقاقات، وكانت تُستثمر في الصندوق الائتماني للضمان الاجتماعي (وتبلغ قيمتها الآن نحو ٢٫١ تريليون دولار). وتُستثمر الزيادات المتراكمة في سندات الخزانة الأمريكية. ولما كانت الزيادات تُستثمر في سندات الخزانة الأمريكية، ساهم هذا في تمويل العجز كلَّ عام، وإخفاء المستوى الفعلي للعجز. وتتم تغطية العاملين المستحقين فيما يتعلَّق بالدخل التقاعدي وإعانات العجز؛ فإذا تُوفِّي عاملٌ مؤمَّنٌ عليه، فقد يحصل شريك الحياة والأطفال المعالون على استحقاقات الباقين على قيد الحياة. ولكن إذا تُوفِّي أحد الأفراد دون أن يكون له زوجة أو أطفال دون سن ٢١ عامًا، تتوقف جميع شيكات الضمان الاجتماعي؛ أي إن الأفراد العُزَّابَ أو الأرامل الذين يضعون أموالهم في المنظومة طيلة حياتهم لن يتلقَّوْا أي شيءٍ من مدفوعات الضمان الاجتماعي إذا تُوفُّوا قبل سن ٦٥ عامًا.
هناك أوقات عصيبة في انتظار الضمان الاجتماعي؛ فيقدَّر أنه بحلول عام ٢٠١٨، سوف يدفع الضمان الاجتماعي في الاستحقاقات أكثر مما يُحصِّله. وسوف نحتاج إلى نحو تريليون دولارٍ في البنك اليوم، تستحق فوائد، لسداد جميع الالتزامات المقدَّرة للبرنامج. وقد اقترح الاقتصاديون حلولًا عديدة، منها: رفع الضرائب، وإلغاء سقف الرواتب، وخفض الاستحقاقات، وزيادة الدَّين القومي، وإنهاء البرامج الحكومية الأخرى، وتطبيق حسابات التقاعد الشخصية (كما ناقشنا في الفصل الخامس).
يعارض البروفيسور روبرت كوتنر والجمعية الأمريكية للمتقاعدين، وغيرهما من المدافعين عن نظام الضمان الاجتماعي الحالي، إجراءَ أي إصلاحٍ على منظومة الضمان الاجتماعي. ولكنَّ القضية الحقيقية لا تتمثَّل في كون البرنامج القومي للمعاشات قادرًا على الوفاء بالتزاماته أم لا. إنها ليست مسألة خفض استحقاقات الضمان الاجتماعي، أو إرجاء التقاعدات، أو تقييم البحث الاجتماعي، أو رفع ضرائب المساهمة في التأمين الفيدرالية مرةً أخرى؛ فقد جرَّب الكونجرس كلَّ هذه الأمور، ولا تزال المنظومة غير سليمةٍ بشكلٍ جوهري.
إن المشكلة الحقيقية بسيطة، وهي أن الضمان الاجتماعي برنامج رديء؛ ونتيجةً لذلك يفرض عبئًا ماليًّا ضخمًا على الاقتصاد الأمريكي وكل دولةٍ لديها برنامج مماثل؛ فضرائب المساهمة في التأمين الفيدرالية تستنزف جيوب كل عاملٍ وكل شركة. وضرائب الرواتب زادت ١٧ مرة، من ٢ بالمائة من الأجور بحدٍّ أقصى ٦٠ دولارًا في عام ١٩٣٧، إلى ١٢٫٤ بالمائة بما يعادل ١٢ ألف دولارٍ كحدٍّ أقصى اليوم. ومن أجل تغطية الاستحقاقات المستقبلية لما بعد عام ٢٠١٥، يتوقع الخبراء أن يكون هناك اضطرار إلى رفع الضرائب إلى ١٧ بالمائة من إجمالي الدخل؛ ما يعني مزيدًا من التآكل لقدرة العامل على المساهمة في المدخرات الشخصية وحسابات الاستثمار. متى سيتوقف هذا الجنون؟
إن المفارقة المأساوية للضمان الاجتماعي تتمثَّل في أنه خطة ادخارٍ مفروضةٌ لا تساهم بِسِنتٍ واحدٍ في المدخرات الحقيقية، وهذا يُعزى إلى كون الضمان الاجتماعي نظامًا لدفع الاستحقاقات أولًا بأول؛ فالاشتراكات تُصرف في الحال في سداد الاستحقاقات. وضرائب المساهمة في التأمين الفيدرالية تذهب إما (أ) لصرف مستحقات متقاعدي الضمان الاجتماعي الحاليين الذين يستخدمون هذه الأموال في سداد التزاماتهم، وإما (ب) للصندوق الائتماني للضمان الاجتماعي، الذي يستثمر أمواله في سندات الخزانة بالكامل. بعبارةٍ أخرى، الإنفاق الحكومي. بإيجاز، ضرائب الرواتب تُستهلَك، لا تُدَّخر. وكما يقول البروفيسور جوزيف ستيجليتز: «برنامج الضمان الاجتماعي برنامج ضريبي، وليس حساب ادخار.»
الضمان الاجتماعي في مقابل حسابات التقاعد الفردية
تخيل ما سيحدث لو استُثمرت ضرائب الضمان الاجتماعي في حسابات التقاعد الفردية، بحيث يستطيع أصحابُ الأجر الاستثمارَ في الأسهم والسندات. بعبارةٍ أخرى، ماذا ستكون النتيجة لو استُثمرت أموال الضمان الاجتماعي في رأسمالية الاقتصاد الحر؛ أي صندوق لمؤشرات الأسهم، بدلًا من برامج المدفوعات التحويلية الحكومية؟
أما العامل صاحب الدخل الأكبر، فقد كانت حاله ستصبح أفضل من ذلك؛ فلو أنه تقاعد اليوم، لحصل على ١٢٠٠ دولارٍ من الضمان الاجتماعي، ولو كان قد استثمر الأموال على المدى الطويل في الأسهم، لحصل على دخلٍ قيمتُه ٤ آلاف دولارٍ شهريًّا.
علاوةً على ذلك، ووفقًا لشيبمان، لو أنه سُمح للأفراد مواليد عام ١٩٧٠ بأن يستثمروا في الأسهمِ المبلغَ الذي يدفعونه حاليًّا في ضرائب الضمان الاجتماعي، لاستطاعوا الحصول على نحو ستة أضعاف الاستحقاقات المقرر الحصول عليها تحت مظلة الضمان الاجتماعي؛ أي ما يعادل ١١٧٢٩ دولارًا شهريًّا. حتى العامل ذو الأجر المنخفض الذي يدَّخر ١٢ بالمائة من دخله كان سيحصل على نحو ثلاثة أضعاف العائد على الدخل الاجتماعي (افترضت هذه الدراسة عائدًا تاريخيًّا يبلغ نحو ١٠ بالمائة على صناديق مؤشرات الأسهم). باختصار، يخلص شيبمان إلى أن الضمان الاجتماعي برنامجُ تقاعدٍ رديءٌ ومضيعةٌ مأساويةٌ للموارد.
الأمر الأفظع هو أنه لا العامل ذو الدخل المنخفض ولا العامل ذو الدخل المرتفع يتمتع بملكيةٍ حقيقيةٍ لاستحقاقاته من الضمان الاجتماعي. إن المدخرات الحقيقية يمكن تمريرها إلى الورثة، ولكن إذا تُوفِّي أحد الأشخاص في سنٍّ صغيرة، فإن «المستفيد» المحدد سلفًا هو الحكومة. إن نظام الضمان الاجتماعي يوصف بأنه عادل ومتكافئ، ولكن كيف يمكن اعتباره عادلًا إذا كان هناك عامل يحصل على مبالغ لمدة ٣٠ عامًا بينما آخر يحصل على القليل أو لا يحصل على شيءٍ لوفاته صغيرًا؟
هذا العام سوف يُضَخ ما يزيد على ٥٠٠ مليار دولار في الضمان الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، تُقدَّر قيمة الصندوق الائتماني للضمان الاجتماعي، المودع لسداد الاستحقاقات المستقبلية، ﺑ ٢٫١ تريليون دولار، وهي في ارتفاع. تخيَّل لو أمكن إدارة الصندوق الائتماني للضمان الاجتماعي من قِبل بيتر لينش، أو وارين بافيت، أو حتى صندوق مؤشر!
لقد واجَهَ القطاع الخاص بالفعل مشكلةً مشابهةً للغاية لما يواجهه الضمان الاجتماعي اليوم: مليارات في ديونٍ عائمةٍ نظرًا لحقيقة أن متوسط أعمار الناس ارتفع وأن صناديقهم الائتمانية تستثمر بشكلٍ محافظٍ للغاية. في الفصل القادم، سنرى كيف قامت الشركات الخاصة الكبرى بحل هذه المشكلة.