زحلة بعد سنة ١٨٦٠
أفضنا في تاريخ زحلة مطولًا إلى هذا العهد القريب منا، ولهذا نجتزئ الآن مقتضبين الكلام في ما هي عليه الآن زحلة التي لقَّبها فؤاد باشا العثماني «مدينة» كما مرَّ لأسباب كثيرة أهمها حسن موقعها وعمرانها وكثرة عدد سكانها ونشاطهم، فزحلة هي مدينة لبنان الوحيدة فيه في كبرها وعدد سكانها وموافقة موقعها، وهي الآن مقر قائمية مقام منتسبة إليها مشهورة بنهرها البردوني (البارد)، الذي يَقسمها إلى شطرين وعلى ضفتيه المدينة بأبنيتها وقصورها الفخيمة والأنزال (اللوكندات) البديعة والحدائق الغنَّاء والمتنزهات الفيحاء، التي تجمع في الصيف نخبة المصطافين من القطرين المصري والسوري يتخطرون في طرقها زرافات ووحدانًا، وممتازة بهوائها الجاف ونسيمها المنعش وعنبها اللذيذ ومعيشتها الهنيئة إلى غير ذلك مما تقدم تفصيله في أوائل هذا التاريخ.
(١) حالتها الإدارية
لما نظمت متصرفية لبنان وأسند حكمها إلى داود باشا الأرمني أول متصرفيها، وذلك في ١٠ حزيران سنة ١٨٦١ صارت زحلة مقرًّا للمدير الذي كان إذ ذاك بمثابة قائم مقام، وكان يتبعها البقاع الغربي والشرقي على نحو ما كانت في عهد قائميتي المقام (قاعدة الشوف البياضي).
وفي شهر أيار صار ثمن مد الحنطة ثلاثة وثلاثين غرشًا، والذرة خمسة وعشرين، والشعير خمسة عشر غرشًا. وسنة ١٨٧٩ نظم رستم باشا فيها المفوض البلدي (المجلس البلدي)، وخصص له ثلث دخل الحسبة ودخلًا آخر وافرًا، ورتب الذبحية غرشًا على كل ذبيح. وسنة ١٨٨٠ كثر الغلاء والثلج والبرد وضويق الزحليون. وسنة ١٨٨٢ نشبت الحوادث العرابية في القطر المصري، فجاء زحلة كثير من سكانه فلاقوا من كرم الوفادة وحسن الحفاوة ما حملهم على قصد ربوعها في كل عام للاصطياف، وكان ذلك بدء قدوم المصريين إلى زحلة ولا سيما في السنة التالية، إذ تفشى الهواء الأصفر في مصر وسورية. وفي شتاء هذه السنة كان صاحب الدولة فوزي باشا السر عسكر العثماني مسافرًا من دمشق إلى بيروت فأوقفته الثلوج الكثيرة في شتوره، فأمر رستم باشا الزحليين أن يرسلوا فعلة لجرف الثلج من أمامه ويدعوه إلى زحلة فنزل فيها ضيفًا كريم المثوى، وحضر الامتحان الانتصافي في المدارس الأسقفية الكاثوليكية، فسرَّ جدًّا من نجاح الطلبة وخطب فيهم محرِّضًا إياهم على الاجتهاد.
وسنة ١٨٩٨ كثر الثلج والجمَد، ووقف القطار الحديدي ثلاث مرات عن مسيره بين بيروت ودمشق، وبقي الثلج إلى أواخر شباط وتضايق الزحليون. وفيها بُني جسر الدباغة (قرب حارة التحتا) وذلك في زمن متصرفية نعوم باشا. وسنة ١٨٩٨ كان بدء نهضتها العلمية والفضل بذلك للكلية الشرقية التي أنجزت تشييدها في هذه السنة الرهبنة الحناوية، وفتحت أبوابها للطلبة كما سنذكر في بحثنا عن المدارس. وكانت قد أسست صحافتها في المهجر كما سترى في باب الصحافة.
وفي أول آب سنة ١٩٠٩ أنشأ فارس أفندي مشرق الشويري اللباني مع لجنة زحلية وطنية معرضًا عامًّا في زحلة إلى جنوبي نزل (لوكندة) عين الدوق، وقد جمع نفائس الصناعات الوطنية من فلسطين وسورية ولبنان، وتقاطر الناس إلى زحلة في ذلك الصيف وأقفلت أبوابه في أول تشرين الأول. وفي ٢٠ تشرين الأول سن ١٩٠٩ طاف نهر البردوني وأضر بالعقارات والأبنية وهدم بعض الجسور، وعاد السيل طاميًا في أواسط تشرين الثاني حتى خرَّت منه مرافض الأودية، وكثرت الخسارة في الأراضي التي جرفتها المياه والسيول. وفي صيف سنة ١٩١٠ أسس محفل «الحرية والاعتدال» العثماني الماسوني (نمرو ١٣)، وشاعت في زحلة المبادئ الماسونية.
وفي أواخر سنة ١٩١٠ وأوائل سنة ١٩١١ سقط ثلج كبير في أثناء أربعين يومًا متواصلة وتراكم على الأرض زمنًا طويلًا، وأوقف القطار كل تلك المدة بين بيروت ودمشق وضويقت زحلة، ولكن لم يحدث فيها غلاء مثل غيرها كحلب ودمشق وبعض المدن الأخرى. وفيها أنجزت الدار الأسقفية الكاثوليكية بعناية السيد كيرللس مغبغب، وفيها أنجز سيادة المطران جرمانوس شحاده أسقف زحلة الأرثوذكسي بناء الدار الأسقفية على طرز جميل متقن. وفي ربيع هذه السنة ١٩١٢ وصلت من نيويورك الساعة الدقاقة الكبيرة التي أهدتها السيدة نجلاء المطران الزحلية عقيلة قيصر أفندي الصباغ إلى الدار الأسقفية الكاثوليكية، وستنصب فيها قريبًا. وفيها باع الرهبان الحناويون الأرض الواقعة بين جسر عين الدويليبي وجسر الصلح، فابتاع المفوض البلدي منها محل الحديقة (المنشية)، وسيبدأ بترتيبها قريبًا. وفيها ابتدأ الرهبان المذكورون بتشييد نزل (لوكندة) من أفخم أنزال المدينة عظمًا وهندسةً وإتقانًا، وهو على ضفة النهر الجنوبية إلى غربي جسر عين الدويليبي ومقابل الأنزال الجديدة.
وفي أواخر نيسان وأوائل أيار منها حدثت عواصف وأنواء شديدة في كثير من جهات سورية وسقط ثلج وبرد؛ فأتلف الكروم والتوت، ولا سيما في زحلة والصرود و(الجرود) العالية وأضر بالزروع. وغرقت الباخرة تيتانيك الإنكليزية بصدمة جبل جمدي من القطب الشمالي، وغرق من ركابها نحو ألف وستمائة بينهم نقولا نصر الله من زحلة وسلم نحو ثمانيمائة بينهم السيدة أدال أرملة نقولا المذكور. وتيتانيك أعظم باخرة ونكبتها أعظم نكبة.
وقد تولَّى إدارة قائمية مقام زحلة منذ تنظيم المتصرفية إلى الآن كل من الأمير عبد الله أبي اللمع من فالوغة، وسليم الصوصه من دير القمر، وحنا زلزل من بكفيه بمدة متصرفية داود باشا الأرمني، وكان قائم المقام يسمَّى مديرًا إلى زمن ثالثهم حنا زلزل، فسمِّي قائم مقام وبقي ذلك إلى يومنا، ثم تولى فارس زلزل من بكفيه، وخليل الجاويش من دير القمر، والأمير مجيد شهاب من كفر شيمه بزمن فرنكو باشا، وحبيب العكاوي من دير القمر، وملحم الشميل من كفر شيمه بزمن رستم باشا، وإسكندر الحداد من جزين، والشيخ حبيب لطف الله من بطشيه، وإلياس بك الباشا من دير القمر بزمن واصه باشا، والشيخ حبيب لطف الله (ثانيةً)، وإلياس بك الباشا (ثانيةً)، وسليمان أفندي الجاهل من دير القمر بزمن نعوم باشا، والشيخ حبيب لطف الله (ثالثةً)، وإبراهيم بك أبي خاطر من زحلة، ثم سليمان أفندي الجاهل (ثانيةً) بزمن مظفر باشا، ثم إلياس بك الباشا (ثالثة)، وبطرس بك كرامة من دير القمر، وخليل بك مراد مسلم قائم المقام الحالي من زحلة بزمن صاحب الدولة يوسف باشا فرنكو المتصرف الحالي.
وكان في مديرية زحلة بمدة داود باشا مجلس مؤلف من حبيب بك العن من الروم الكاثوليك، وإبراهيم البحمدوني من الأرثوذكس، وناصيف جدعون من الموارنة، وعبد الوارث من المسلمين، وجميعهم من زحلة. وكان رئيس المجلس سليم الصوصه قائم المقام. ثم بعد أن صارت المديرية قائمية مقام صار القاضي في محكمتها جبران مشاقة من دير القمر، ثم نخله (مخايل) زلزل من بكفيه وجبران مشاقة (ثانيةً)، وملحم زلزل من بكفيه، ونخلة زلزل (ثانيةً)، وأسعد جبور المعلوف من كفر عقاب، والأمير مجيد شهاب (الذي كان قائم مقام)، وأسعد بك زلزل من بكفيه، وداود أفندي عيسى من دير القمر، والأمير مجيد شهاب (ثانيةً)، وإسكندر أفندي الجاويش من دير القمر، وسليم بك أسعد المعلوف من كفر عقاب أيضًا، ثم سليمان أفندي أبو خالد من زحلة وهو الرئيس الحالي.
(٢) شئونها الدينية
وأُسس فيها كثير من الأخويات والجمعيات الخيرية للطوائف الثلاث، مثل جمعية «بزوغ شمس الإحسان» الأرثوذكسية المؤَسسة سنة ١٨٨٤، وجمعية «شركة الإحسان» الكاثوليكية سنة ١٨٨٥. وجمعية «القديس منصور دي بول» في تلك الأثناء، وجمعية «الاتحاد الروحي» الأميركانية للشبان وجمعية «الخياطة»، التي أسستها المرحومة عقيلة وليم جسب لإعداد ثياب للفقراء وكلتاهما سنة ١٩٠٠، وجمعية المحبة «دفن الموتى» الكاثوليكية سنة ١٩٠٢، وجمعية «نصرة الفقير» الأرثوذكسية سنة ١٩٠٥، وجمعية «دفن الموتى» المارونية، وجمعية «بنات الشففة» الأرثوذكسية سنة ١٩٠٧، و«الجمعية الخيرية الإنجيلية» في تلك السنة أيضًا. وجمعية «جان درك» لراهبات قلبي يسوع ومريم اليسوعيات لإغاثة الفقراء منذ بضع سنوات، وقد أقامت هذه الجمعيات حفلات تمثيلية وخطابية في أوقات مختلفة، فضلًا عن بعض الجمعيات للنساء والذكور من جميع الطوائف مما لم يطل عهدها.
(٣) نهضتها الأدبية والعلمية
مدارسها
كانت زحلة في النصف الأول من القرن التاسع عشر الماضي تتنازع سكانها الحروب الأهلية والتحزبات، فشغلهم ذلك عن الميل إلى العلوم، وكانوا يتلقون مبادئها على بعض الرهبان ولا سيما الآباء اليسوعيين، ولكن لما أسس أحد أبنائها الخوري جرجس عيسى السكاف الراهب الحناوي المدرسة البطريركية في بيروت، وترأسها سنة ١٨٦٦، تنبه الزحليون بواسطة وطنيهم هذا إلى وجوب تلقن المعارف والعلوم، ثم ترأسها من الزحليين الخوري فيلبس النمير، وأدارها الخوري بطرس الجريجيري «البطريرك»، فشاع التعلم بين نفر قليل من سكانها، إلى أن أنشأ الخوري بطرس الجريجيري في ٢ كانون الأول سنة ١٨٦٧ المدرسة الفرنسية في زحلة، فتخرج على يده كثير من الشبان الذين كانوا يتمون علومهم في مدارس بيروت ولا سيما البطريركية منها، فكثر المتأدبون والمتخرجون باللغتين العربية والفرنسية وببعض العلوم. وسنة ١٨٨٧ أنشأ القس دال المرسل الأميركي بمساعدة رفيقه غرينلي مدرسة داخلية في زحلة بقيت سنة واحدة، وأهملت على أثر وفاة منشئها.
ومن مدارس زحلة مدرسة الدار الأسقفية الكاثوليكية للذكور وهي قديمة، خرَّجت كثيرين من الأدباء ولا سيما في رئاسة الجريجيري والأرشمندريت مخايل الوف، وهي اليوم راقية بعناية السيد كيرللس المغبغب الذي وسع نطاقها. ومنها مدارس الطائفة المارونية، ولا سيما مدرسة مار يوسف الأنطونية التي سعى بترقيتها الأب ملاتيوس نكد الزحلي المار ذكره، وقد سافر بالرخصة إلى أميركة لجمع الإحسان لتعزيزها، وكذلك مدرسة الآباء اليسوعيين من أقدم المدارس التي أفادت المدينة، وقد حولت منذ أعوام إلى نصف داخلية، ومدرسة الراهبات الداخلية للإناث، ومدرسة الإناث الأسقفية الخارجية الكاثوليكية ومدارس الأرثوذكس للذكور والإناث، وهي الآن بإدارة جمعية فلسطين الروسية، وكذلك مدارس الأميركان للذكور والإناث وأقدمها مدرسة البنات التي أسستها المس بوين طمسن في بيروت سنة ١٨٦٠، ونقلتها إلى زحلة سنة ١٨٦٥ وجميعها راقية مزهرة.
مكاتبها
- (١)
مكتبة الدار الأسقفية الكاثوليكية، وفيها نحو ألفي مجلد جددها السيد كيرللس مغبغب، ومعظمها في التاريخ الكنسي واللاهوت والعقائد باللغات اللاتينية والفرنسية والعربية وفيها بعض المخطوطات الدينية.
- (٢)
مكتبة الدار الأسقفية الأرثوذكسية، فيها نحو ألف مجلد بينها كثير باللغة الروسية، والباقي بالعربية واليونانية وفيها بعض المخطوطات الدينية.
- (٣)
مكتبة دير الآباء اليسوعيين، فيها نحو أربعة آلاف مجلد من المطبوعات في اللغات اللاتينية والفرنسية والعربية، ومخطوطاتها نُقلت إلى ديرهم في بيروت.
- (٤)
مكتبة دير النبي إلياس (الطوق)، فيها نحو ستمائة مجلد بينها كثير من المخطوطات الدينية، وفيها بعض شروح الأجرومية والتفتازاني ونحو ذلك.
- (٥)
مكتبة دير النبي إلياس المخلصي، ليست بذات شأن الآن؛ لأنها نُقلت إلى ديرهم الكبير.
- (٦)
مكتبة الكلية الشرقية، فيها نحو خمسمائة مجلد باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، بينها مخطوطات قليلة، ومن أهم مطبوعاتها «مجموعة الفنون العربية» مصورة ملونة في ثلاثة مجلدات ضخمة، ولها شرح إفرنسي بمجلد واحد.
- (٧)
مكتبة الموارنة في ديريهم مار أنطونيوس البلدي ومار يوسف الأنطونياني، وهي مطبوعات حديثة دينية.
- (٨)
مكتبة المرسلين الأميركان، فيها أكثر من ألفي مجلد معظمها بالإنكليزية والعربية، ولكن في مكتبة القس وليم جسب نزيل زحلة الآن قسم ذو شأن من مكتبة المرحوم والده هنري جسب، فيه مطبوعات عربية نادرة وبعض المخطوطات.
- (٩)
مكتبة الخوري فيلبس النمير الزحلي نحو خمسمائة مجلد معظمها باللغة النمسوية، وبينها بعض المخطوطات الدينية ومنها رحلته إلى النمسة في أربعة مجلدات، ولكنها فُقدت بفقده؟
- (١٠)
مكتبة فدعا المعلوف نحو ألف مجلد معظمها كتب تاريخية عربية من نوادر المطبوعات، وقد فُقدت أيضًا بفقده.
- (١١)
مكتبة عيسى إسكندر المعلوف مؤلف هذا التاريخ فيها نحو ألفي مجلد باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، وبينها كثير من نفائس المطبوعات. أما مخطوطاتها فنحو ثلاثمائة بينها كثير من النوادر مثل كتاب «جامع الفنون وسلوة المحزون» على نمط دائرة معارف عربية لابن شبيب الحرَّاني، و«الحكم» لأبي الليث السمرقندي، و«شرح قاضي زاده على الجغمين» في علم الفلك، وهي نسخة متقنة الخط والتصوير والحواشي، و«نزهة المحبين» لابن قيم الجوزية، و«مقالات القديس يوحنا الدمشقي» مصورة بالزيت و«ديوان ابن سنان الخفاجي» الحلبي إلى غير ذلك.
جمعياتها العلمية
«جمعية طلب المعارف» أسسها وترأسها الخوري بطرس الجريجيري (البطريرك) سنة ١٨٨٤ في الدار الأسقفية، وبقيت بضع سنوات وكانت تلقى فيها الخطب والمحاورات في مواضيع شتى. و«جمعية النهضة العلمية» أنشأها وترأسها مؤلف هذا التاريخ في «الكلية الشرقية» في ٦ آذار سنة ١٩٠٣ ولا يزال مترئسًا إياها إلى الآن، وهي تمرن الطلبة على الخطابة والمحاورات والإنشاء، وتبحث في جميع المواضيع متحاشية الدينية والسياسية منها، وقد ظهرت فائدتها في طلبة الكلية، ولها سجل يحتوي على قوانينها وجلساتها وجميع الخطب التي تتلى فيها في كل سنة، فُقد بعض أجزائه الأولى، ولهذه الجمعية فرع إفرنسي أيضًا.
صحافتها الأميركية
بدأت الصحافة الزحلية في المهجر، فأنشأ يوسف أفندي نعمان المعلوف جريدة «الأيام» السياسية الحرة نصف أسبوعية في تموز سنة ١٨٩٧م، وكان يعاونه بإنشائها ابن شقيقه جميل بك المعلوف وذلك في مدينة نيويورك، واقتنى لها مطبعة باسمها أيضًا، وكانت أول صحيفة انتقدت أعمال رجال حكومة عبد الحميد بجرأة وبقيت ثماني سنوات وعطلت، ونشرت إدارتها كتابي «خزانة الأيام في تراجم العظام»، و«العقد الثمين في أخبار أربعة سلاطين»، وهو المعروف بأسرار يلدز وهما مشهوران، وفي مطبعة الأيام نشرت جريدة «الإصلاح» لشبل أفندي دموس سنة ١٨٩٩، وعطلت بعد سنة ونصف، وكانت خطتها أشبه بالأيام. وسنة ١٨٩٩ نشر قيصر بك المعلوف جريدة «البرازيل» السياسية الأسبوعية في مدينة سان باولو (البرازيل)، فبقيت أربع سنوات تخدم المهاجرين والحكومة العثمانية وعطلت. وسنة ١٩٠٧ أنشأت «جمعية الشبان الزحليين» في لورنس ماس من أميركة الشمالية جريدة «الوفاء» أسبوعية، وحررها يوسف أفندي مراد الخوري من عبيه (لبنان)، وعطلت بعد نحو سنتين.
صحافتها المصرية
أنشأ نقولا أفندي شحاده الزحلي جريدة «الرائد المصري» السياسية سنة ١٨٩٦، وهي نصف أسبوعية خدمت المصالح العثمانية والمصرية نحو تسع سنوات وأوقفت مؤقتًا. وأنشأ حضرة الأرشمندريت باسيليوس الحاج نقولا الراهب الشويري مجلة «الكائنات» نحو سنة ١٩٠٨، وهي شهرية فلسفية.
صحافتها الوطنية
-
(١)
المهذب: أنشأ مؤلف هذا التاريخ جريدة «المهذب» لطلبة آداب العربية والبيان في الكلية «الشرقية» تمرينًا لهم على صناعة الإنشاء، وطبعت على الهلام (الجلاتين) فوصلت أجزاؤها إلى أميركة، ورأى بعضها سليم أفندي سركيس في نيويورك، فأعجبته مواضيعها واستفزته الحمية العربية، ففتح اكتتابًا لمشتري مطبعة لها، ثم تبرعت السيدة نجلا المطران الزحلية عقيلة قيصر أفندي الصباغ بمطبعة يدوية صغيرة أرسلت إلى الكلية الشرقية، فسعى الأب بولس الكفوري رئيسها إذ ذاك بتحصيل امتياز «المهذب» سنة ١٩٠٧، وتولى تحريرها منشئها مؤلف هذا التاريخ، ثم استقل الأب بولس الكفوري بالجريدة والمطبعة، وحرر جريدة المهذب كثير من أدبائنا، ولا تزال إلى الآن تُنشر في زحلة. وقد أصدر لها ملحقًا مدة ونشرها مؤخرًا نصف أسبوعية.
-
(٢)
زحلة: نال امتياز هذه الجريدة سعيد بك حجي سنة ١٩٠٧ ولم ينشرها.
-
(٣)
العصر: نال امتيازه نجيب أفندي ملحم المشعلاني ولم ينشره.
-
(٤)
الرأي العام: نال امتيازه إبراهيم بك أبو خاطر ولم ينشره.
-
(٥)
البردوني: لإسكندر أفندي الرياشي، وهو جريدة أسبوعية نُشرت في ٢٣ حزيران سنة ١٩١٠، ثم عُطلت في آخر سنة ١٩١١.
-
(٦)
زحلة الفتاة: نال امتيازها إبراهيم أفندي الراعي بشركة بشاره أفندي خليل قريطم المدير المسئول ومدير المطبعة وشكري أفندي البخاش المحرر، فظهر أول عدد منها في ٣ كانون الأول سنة ١٩١٠، وهي الآن نصف أسبوعية، ولا تزال سائرة على قدم النجاح.
-
(٧)
مجلة الآثار: وهي أول مجلة علمية في زحلة لمنشئها عيسى إسكندر المعلوف مؤلف «تاريخ زحلة» نال امتيازها مع مطبعة باسمها في شهر حزيران سنة ١٩١٠، ونشر أول جزء منها في تموز؛ أي بعد شهر.
-
(٨)
الخواطر الزحلية: لصاحب امتيازها إبراهيم بك أبي خاطر ظهر أول جزء أسبوعي منها في أواخر كانون الثاني سنة ١٩١٢، وفي شهر نيسان الماضي صارت نصف أسبوعية. وجميعها راقية.
مطابعها
في زحلة مطبعة «المهذب» ومطبعة «زحلة الفتاة» ومطبعة «الخواطر»، وجميعها مجهزة بالمعدات اللازمة، تطبع جميع ما يطلب منها من المؤلفات والمجلات والجرائد والأدوات التجارية. أما المطابع التي لم تفتح حتى الآن، فهي مطبعة «زحلة» ومطبعة «العصر» ومطبعة «الآثار».
أطباؤها وصيدليوها
حصرت الطبابة قديمًا بالكهنة كما أشرنا إلى ذلك في ما مضى، وأقدم طبيب جاء زحلة أبو سليمان خليل الصليبي، ثم المعلم جرجس والسنيور الإيطالي، وتخرج على هؤلاء بعض الزحليين مثل أبي فرح يوسف المعلوف وأخيه عبد الله، وإبراهيم أبي سليمان، وجرجس الخوري، وعبد الله قادري، وأسعد أفندي فاضل ويوسف أفندي الزمار، وعرف بيت الصفدي الزحليون بمداواة الجراح والقروح. ثم كان أول من درس الطب قانونيًّا يوسف القطيني المعلوف وإلياس الزمار في مدرسة قصر العيني بمصر، ثم سليم أفندي فرح المعلوف في الكلية الأميركية في بيروت وجاء زحلة سنة ١٨٧١، ثم توالى بعده الأطباء مثل أمين بك أبي خاطر من كلية الأمير كان نزيل القاهرة وحبيب أفندي جبور وأمين يوسف عطا في قصر العيني، ثم مخايل مسلم ويوسف أفندي أبو سليمان وإسكندر أفندي الزين ويوسف أفندي جريصاتي وعزيز أفندي شحاده من طلبة الكلية الأميركانية، وميشال بك بريدي وميشال أفندي حجي ونجيب أفندي السكاف من طلبة المكتب الطبي الإفرنسي في بيروت، وهم مشهورون ببراعتهم، وفي أميركة أطباء زحليون منهم إبراهيم القطيني المعلوف.
أما الصيدلية فكان قدماء الأطباء يركبون الأدوية بيدهم، وأقدم صيدلية أنشأها الدكتور يوسف القطيني المعلوف، ثم موسى الجريصاتي وهي بإدارة ولده ملحم أفندي الآن وجرجس أفندي الخوري المعلوف، ويوسف أفندي قادري وهذه وقفت، ومخايل أبو سليمان وهي بإدارة أخيه جبران أفندي الآن، ونجيب أفندي مسلم وهي الآن بإدارة يوسف أفندي أبي حاتم، وصيدلية نجيب أفندي نكد ووديع أفندي بريدي ويوسف أفندي حريز.
(٤) عمرانها
معلوم أنَّ أخص أسباب العمران الزراعة والصناعة والتجارة، فزراعة زحلة ضيقة النطاق محصورة «بالكروم» يعصرون منها الخمر ويستقطرون الكحول (العرق)، وعنبها ممتاز وزبيبها فاخر أيضًا و«بالتوت» الذي يربى عليه دود الحرير، ومعظمه في البساتين قرب حوش الأمراء وضواحيه. أما بعض أغنيائها فلهم عقارات واسعة في بلاد بعلبك والبقاع وهي ذات ريع وافر.
وصناعتها القديمة «النسج» حتى كان جميع سكانها يشتغلون به. وقد أميتت هذه الصناعة على عهد إبراهيم باشا المصري، و«الحدادة» ويتبعها سبك الحديد أيضًا، وقد اشتهر بهما بنو الجريصاتي، ولا سيما أحدهم عازار الذي تفوق بعمل المسنونات كالفئوس والسكك للحراثة وبالأجراس الحديدية التي تنسب الأسرة إليها، واشتهر ولداه فرج وعبد الله الجريصاتي وهذا مشهور الآن بأعماله الدقيقة فيها فهو يعمل أنواع القسطاس «القبان» والمضخمات «الطلمبات» وجميع الأدوات والإصلاحات، وعنده آلات إفرنجية يستعين بها على عمله. ومن مشاهير الحدادين غيرهم في القديم بنو أبي زيان، وهم فرع من بني الحداد وأسعد خليل الصيقلي، والآن عبيد الشامي وأولاده وعبد الله طنوس التبشراني وأولاده، وبراعة كل منهم بما خصَّ به من الأعمال.
والقيانة (القردحة) واشتهر بها حنا مخايل عطا (والد الطيب الذكر المطران غريغوريوس) وموسى ابن شقيقه إبراهيم وتفوَّق موسى بالقيانة، وقد أثنى على براعته المرحوم المستر هنري جسب في كتابه الإنكليزي «خمسون سنة في سورية» ٢ : ٤١٧. وذكر أنه نال جائزة في معرض لندن الذي قدم له بعض مصنوعاته ولن تزال هذه الصناعة في أسرته إلى يومنا، ومن مشاهير قيونهم الآن أسعد بن حبيب بن موسى المذكور، وهو منذ زمن طويل يشتغل في مدينة حلب، وله براعة ذات شأن، وأمين بن سليم بن موسى، وهو في زحلة وله أعمال متقنة، وقد انحطت هذه الصناعة الآن.
و«الصياغة» ومن أقدم المشتغلين بها أسطون خرينق وشقيقه عبده، ثم حنا وعبد الله مسعد، وحنا إلياس الصائغ وولداه منصور (طبيب الأسنان الآن) وعازر، ويوسف خليل الجبلي وأولاده، ثم تفوق في هذه الصناعة أسعد الدويليبي وولداه نجيب ومخايل وابن شقيقه عزيز غالب الدويليبي، ونالوا شهرة واسعة بجميع أنواع المصوغات والمجوهرات، وأحرزوا شهادة في معرض الشوير اللبناني، ومن البارعين بالصياغة سليم بالش ونايف الطباع وغيرهما.
و«الدباغة» ومن أقدم المشتغلين بها بنو الأبرص وريا وحافظ على الطريقة البسيطة، وأول من أدخل إليها الدباغة الإفرنجية هو إبراهيم زيدان القاصوف الذي ذهب إلى الأستانة وأثينة وعاد متفوقًا فيها، فأسس معملًا سنة ١٨٧٩، هو الآن بإدارة شقيقه حبيب وولده خليل، وهو بغاية الإتقان يُدبغ فيه الساتنه وغيره، ومن أهم المعامل أيضًا معمل عيد سابا فرح وأولاد نقولا سابا، وسليمان الأبرص، وحبيب غنطوس وغيرهم.
و«البناء» وكان أولًا باللبن وبعد سنة ١٨٦٠ جاء كل من طنوس أبي نادر صوايا وحنا أبي ليلى صوايا من الشوير فعمرا البيوت والكنائس بالحجر، فالثاني عاد إلى الشوير والأول بقي في زحلة، واشتهر بعده ولداه أسعد ونعوم ولا سيما راجي بن أسعد. ومن مشاهير بنائي زحلة القدماء والحديثين موسى البريدي وولداه عبد الله ونعمان ونقولا القرعوني وابن عمه مخول وخليل الطباع وإبراهيم فرج حريز وغيرهم.
و«النجارة» لم تكن هذه الصناعة متقنة كثيرًا في القديم، ومن البارعين فيها إذ ذاك أبو عساف جرجس أبو زيان ويوسف المعقر، وسنة ١٩٠٠ أنشئ معمل الخواجات مخايل وإبراهيم أبي عفش لجميع أنواع النجارة الإفرنجية (الموبيليا)، مما تحتاج إليه البيوت على الطرز الحديث، وكان الفضل في إنشائه لأحدهم المرحوم إبراهيم الذي توفي سنة ١٩٠٦، وبعد وفاته اشترك شقيقه مع صهره الخواجة يوسف الحمصي، وصار المعمل باسم عفش وحمصي وعملته نحو أربعين وصناعته متقنة كل الإتقان.
«عصر الخمر واستقطار العرق» كان أبو موسى إلياس الخياط وإلياس رابيه أول من استقطرا العرق وعصرا النبيذ الفاخر، وكانا ينقلان ذلك إلى العساكر الفرنسية المخيمة في عكاء، ويبيعانه لهم في مطلع القرن التاسع عشر. ثم أتقن ذلك موسى بن إلياس الخياط المذكور على يد الأخ بوناتشينا اليسوعي الذي قتل سنة ١٨٦٠ كما مر، ولن يزال بنوه يعملون الصنفين إلى يومنا، وقد ذكرت دائرة المعارف العربية جودة العرق الزحلي في الجزء العاشر صفحة ١٩٩، وزحلة تصدر الآن إلى الولايات العثمانية نحو ألف قنطار عرق في السنة وهو مورد ذو شأن، وأنشئت له معامل منذ القديم منها معمل حبيب أبي صيبعه وولده فارس ومراد داود ويوسف المعقَّر وحبيب سرور وبني الخياط ويوسف الراسي وجرجس غنطوس، وبعضها يحضِّر المشاريب الإفرنجية كالكنياك وغيره.
ومن صناعات زحلة المفيدة «نسج البسط المنقوشة والعباءات» (العبي) الصوفية بحرير مقصب، وأول من عملها أبو مخول الحمصي وولده مخول ثم أبطلت. وعمل اللبد (اللباد) والسروج والجلالات وغيرها مما لم نتوفق إلى معرفة شيء من تأريخها، وقد فصلنا أشياء كثيرة من هذا القبيل في كتابنا «دواني القطوف» صفحة ١١٩.
إنَّ تجارة زحلة الوطنية أهمها جلب الأغنام والحنطة والصوف والسوس، فضلًا عن الاتجار بالبضائع والأصناف الأخرى، وقد امتدت علاقاتها بزمن الطيبيي الذكر المطران أغناطيوس العجوري والمطران باسيليوس شاهيات إلى حلب، واتصلت إلى أرض روم وبقية البلاد السورية. أما الآن فانحطت تجارتها ببعض الأصناف المذكورة لكثرة المزاحمين وللمهاجرة، وقد اشتهر الزحليون بأسفارهم البعيدة وتحملهم المشاق.
أما تجارتهم في المهجر فهي راقية في هذه الأيام، وقلما يذكر التجار السوريون في عواصم ومدن أميركة الشمالية والجنوبية وأوسترالية والترنسڤال ومصر، ولا يكون بين مشاهيرهم الزحليون وهم كثيرون.
إلى غير ذلك مما لا محل الآن لتفصيله بعد أن امتد بنا نفس الكلام إلى هذا الحد، وتقاضانا محبو المطالعة إنجاز هذا التأريخ رغبةً في مطالعته وتشوُّفًا للوقوف على مباحثه مما لم ينشر بعد عن هذه المدينة المحبوبة.