المشهد الأول
(المشهد غير واضحٍ أوَّل الأمر، كأننا في منطقةٍ جرداء خاليةٍ من العالم، لا يوجد على
المسرح سوى ربوة عالية على اليمين، كأنها جذع شجرة قديم، أو بقايا مئذنة مهدَّمة.
حين يُفتح الستار نجد «أهو كلام» يحاول تسلُّق الربوة بصعوبة، ثيابه مبهدلة، حزامه نازل،
يضع
في إحدى قدميه فردة حذاء، وفي الأخرى فردة شبشب، معه منديل مصرور، شعره طويل مشعَّث مرسَل،
ذقنه قد عَلِقت فيها علبة كبريت (حين يستوي فوق قمة الربوة).)
أهو كلام
:
سبحان سبحان خالق الأصباح يا ناس، سبحان اللي مخلي الندى دموع ليل بيفارق
أرضنا البائسة. اصحوا بقى، بنقول اصحوا. الشمس طلعت مكسوفة وحمرا زي الضيف
الجاي على عالم نايم، اصحوا. الله، دا انتم لا بالكم رايق ولا فرشكم غالي ولا
غطاكو كفاية، ونايمين ليه؟ اصحوا. دهدي؟ ما تصحوا بقى، ملعونة اللي شدت رجل
الواحد فيكو، لأنها شدتها مرة واحدة بس وكان المفروض ان تشدها كل يوم، دي مش
نومة فرش دي، دي نومة بطن، انتوا عايزين تتولدوا، اتولدوا بقى.
(في أثناء كلامه يكون «فركة كعب» قد دخل المسرح في كامل ثيابه (وهي إلى حدٍّ ما
أنيقة) من جهة اليسار، وكأنه أبدًا لم يسمع حرفًا واحدًا مما قاله «أهو كلام» ولكن
الصوت يجذب انتباهه فيتطلع، ثم يحدِّق، ثم يبتسم ابتسامته الواسعة جدًّا؛ تلك التي
يتربع لها وجهه وتظهر أسنانه، مع أنها ابتسامة لا تدل على أي سعادة، وإنما هي ربما
بديل للاندهاش الشديد، مع استمرار «أهو كلام» في أذانه يكون الضوء قد تغيَّر، وكذلك
المشهد، وأصبح هو المشهد الأمامي (أي الكائن أمام باب المسرح الذي تمثل فيه الرواية)
يتقدم «فركة كعب» حتى يصبح بجوار الربوة أو المرتفع.)
أهو كلام
(مستمرًّا)
:
اتولدوا بقى يا عالم.
فركة كعب
:
يا سيد اهو كلام، انزل من غير كلام.
أهو كلام
:
واللي لسه نايمين دول، يا فركة كعب؟
فركة كعب
:
ما تسيبهم نايمين، انت مالك ومالهم؟ دا مُلك منظمه سيده. ثم انت بتصحِّي في
مين؟ دالناس كلها صحيت بقالها اكتر من ١٢ ساعة، هي مش الساعة (يحاول أن يرى
الساعة في يده فلا يعثر عليها) دي باين انها اتلطشت (يسأل الجمهور) حدش معاه
ساعة؟ هي مش تطلع تسعة دلوقت، تسعة ونص، تصحي مين؟
أهو كلام
:
أمال الشمس الحمرا اللي طالعة دي إيه؟ والندى اللي على هدومي وإيديَّه دا
إيه؟
فركة كعب
:
بيتهيألي انه مش ندا.
أهو كلام
:
يبقى لازم عرق بقى، أنا بعرق كتير.
فركة كعب
:
ولا عرق، دا رشح.
(بينما الحوار يدور يكون «أهو كلام» قد هبط من الربوة وأخذ يدور في حلقة
واسعة يتبعه «فركة كعب» خلفه مباشرةً وهو متحفز جدًّا لأن «أهو كلام» قد أشعل
سيجارة.)
أهو كلام
:
رشح برد؟
فركة كعب
:
رشح مجاري يا أستاذ، شوف بقى انت كنت نايم فين؟
أهو كلام
:
انعدمت تمامًا موهبة توافُق الكلام مع مقتضى الحال، امال لما ما يكونش دا ندا
ولا احنا الصبح امال البديل إيه يا أستاذ «فركة كعب»؟
(يرمي بعقب سيجارته فيلتقطه «فركة كعب» بحرص بالغ ويجذب منه نفسًا يخرج به سحابة
هائلة من الدخان فتنزاح عن وجهه وقد احتلته الابتسامة العريضة التي لا معنى
لها.)
فركة كعب
:
البديل أستاذ «اهو كلام» هو الحقيقة، احنا بالليل والساعة تسعة وحضرتك واقف
قدام جمهور المسرح وهم بيضحكوا عليك.
أهو كلام
:
جمهور المسرح، احنا فين؟
فركة كعب
:
مانتاش شايف احنا فين — قدام مسرح الجكم لطع (يذكر اسم المسرح الذي تُعرض فيه
المسرحية) لطع، أيوه صحيح.
أهو كلام
:
أيوه بالظبط حالًا افتكرت، ي. ا. ا.
فركة كعب
:
أيوه يا أخي انطق بقى، ي. ا. ا.
أهو كلام
:
دا يبقوا اتأخروا قوي، أطلع أناديهم؟
فركة كعب
(ممسكًا إياه من ذيل سترته)
:
انت لا حتطلع ولا هم عايزين نِدا.
أهو كلام
:
أصلهم اتأخروا قوي، والتأخير وحش، وبالذات في المرات الأولى، مش الميعاد كان
٨؟ دلوقت تسعة، ساعة بحالها فاتت، يعني ١٠٠٠ قتيل في فيتنام، ٣٦٠٠ ميِّت موتة
ربنا، وحوالي مليون قبلة مختلسة في الظلام نتيجتها طفل كل ثانية. أهو حالًا
دلوقتي أنا سامع طفل جديد بيصرخ، سامع. ساعة بحالها، دا عمر.
فركة كعب
:
هم مش متأخرين، انت اللي مقدم ساعة. الميعاد تسعة.
أهو كلام
:
ودي مصيبة ايه دي؟ أقدم ساعة معقول، إنما دلوقت أأخر نفسي ساعة ازاي؟
فركة كعب
:
بس، آهي البشاير هلت.
أهو كلام
:
بس دول ناس، واحنا مستنيين أشياء، مستنيين حاجات.
فركة كعب
:
ما هي ناس عاملة أشياء.
(يكون قد وصل أحدهم على هيئة جنيه.)
فركة كعب
(جاريًا ناحيته)
:
مجنون انت، والله مجنون انت، والله مجنون، عامل جنيه
بحاله، انت عايز مليون واحد يلهفوك، اتلم واعمل شلن، وشلن مقطَّع كمان.
الجنيه
:
انت يا اخينا مش عارف بتكلم مين.
فركة كعب
:
بكلم واحد عامل لي جنيه في الحر دا، يبقى إيه؟
الجنيه
:
اخرس أنا الدكتور عبد الواحد ع الريق يا ولد.
أهو كلام
:
الدكتور ع الريق، أهلًا، يا ألف أهلًا، ي. ا.
دكتور ع الريق
(كاظمًا غيظه)
:
ي. ا. ا، عندك حق، جنيه كتير، كتير قوي، الواحد يعمل إيه بس
ما حدش يكون نفسه فيه؟ أقولك، هه (يقلب الورقة بجنيه التي يحيط بها نفسه
فتصبح شهادة استثمار على البنك الأهلي) أظن دي بقى ما حدش يبص لها.
(يدخل ٥٦ غربية وهو شخص طويل ضخم الجثة منحنيًا إلى اليمين بينما يسمع عربة
أوتوبيس إذ هو قد تنكَّر هكذا.)
٥٦ غربية
:
دي مش أصول أبدًا يا جدعان ولا هي دي أصول، يجيبونا على مشمِّنا ولا لحقنا
نغير الزيت ولا نشوف الوليَّة الجديدة بتاع طره البلد، عليَّ الحرام الشغل في
تُكُسة الأرياف أرحم، دي مش أصول أبدًا يا جدعان، الله! ما بتردوش ليه؟
(الجميع يحدقون ناحيته في توقُّع.)
٥٦ غربية
:
آه، أما انتوا صحيح ناس، ي. ا يا سيدي انت وهو.
دكتور ع الريق
:
ي. ا. ا. مالك يا اخينا زعلان ليه؟
٥٦ غربية
:
أصلها مش أصول أبدًا تجيبوا الواحد على مشمه، دانا من لخبطِّي قلت اجي على هيئة
أتوبيس نقل عام. كانت شورة مصيبة؛ ٣ فِرد ضربوا مني في السكة وأربع خناقات وضرب
سكاكين. إشي عض وقرص وخلافه لما طلع ديني، استغفر الله، دانا جنبي دا قِصر له
يجي نص متر من كتر الميل.
فركة كعب
:
ذنبك على جنبك، انت اللي اخترت.
٥٦ غربية
:
جرى إليه ياد انت ياد، وانت مالك ومال اختار إيه؟ وهي فيها خيره يا معتل، ما
انت يا تيجي راكب يا تيجي ركوب، قلت اجي ركوب احسن؛ حاكم الراكب الايام دي غلبان
غُلب.
(يرتفع غطاء بكابرت من وسط المسرح بهدوء شديد.)
٥٦ غربية
:
يا نهار منيل، يا مصلحة الطرق يا مجاري.
(يرتفع الغطاء أكثر ويبرز وجه امرأة شِبه بلا مساحيق، وإنما في وجهها جلال من
نوع غريب، وعينان هائمتان لا تستقرَّان على شيء ثم تنظر هنا وهناك، ثم يرتفع الغطاء
تمامًا وتسحب جسدها إلى وسط المسرح.)
فركة كعب
:
أما حتة فكرة، أهو دلوقت بس اقر واعترف ان فيه حد أذكى مني صحيح.
طعمية
:
الباني طالع والفاحت نازل، والدنيا على كف عفريت اسمه البني آدم.
أهو كلام
:
بتقول ايه دي يا دكتور؟
دكتور ع الريق
:
أولًا أنا دلوقت مش دكتور، انا زي ما انت شايف شهادة استثمار. ثانيًا دي ببساطة
بتقول تحيتنا المعروفة ي. ا (متوجهًا إلى المرأة) مش كده؟
طعمية
:
الجنازة حارة والميت كلب، يبقى العوض على الله.
دكتور ع الريق
:
بتقول ايه؟
٥٦ غربية
:
كل دا علشان تقول أيوه، أما لو قالت لا حتقول إيه؟ يا ترى دي بتتفاهم مع
جوزها ازاي؟
دكتور ع الريق
:
ما هو كل دا من جوزها.
فركة كعب
:
اسمحوا لي بقى، انا قربت افرقع، قربت اطق، الساعة بقت تسعة وربع ولسه ما
جاش …
٥٦ غربية
:
قربت، وانا فرقعت يجي خمسين مرة.
دكتور ع الريق
:
صبركم بالله، صبركم بالله.
طعمية
:
الصبر بيضرب نار والنار مش باينه، والحساب يومه عسير اعسر من يوم
القيامة.
٥٦ غربية
:
طب مش تقولولي يا اخوانا ان الحكاية فيها صبر كان زماني شفت الولية الجديدة،
ولية حلوة والله لسه شباب، مراتي القديمة نفسها حتريل عليها، وبنت من عيلة؛ بنت
خالة مدير قلم الحجاب في وزارة المالية لزم.
فركة كعب
:
مش معقولة …
أهو كلام
:
وتاعبين نفسكم ليه؟ الغايب حجته معاه.
فركة كعب
:
امال أخ ازاي؟ أخونا يعني أَبْلِنا، قُدَّامنا، واللا الأخاوة كلام وبس؟ إيه يا
جماعة ما تقولوا.
٥٦ غربية
:
لا يا عم، أنا لغاية هنا وفرمل، أنا ما ليش في الكلام دا شغل الكلامنية اللي
زيكم، إنما احنا م اللي بنفرمل تيت (صوت فرامل حادة).
فركة كعب
:
انتو مفروض تزودوا السرعة يا ٥٦ غربية، تدوسوا بنزين ع الآخر، تفرقعوا،
فرقعوا بقى.
٥٦ غربية
:
الله! ما قولنا لك تلات فِرد فرقعوا في السكة، ما الفرقعة على ودنه بس بنتلحم
تاني وآهي ماشية.
فركة كعب
:
هو إيه اللي ماشية؟
٥٦ غربية
:
بطني.
طعمية
:
يا بخت من نفع واستنفع، يا حسرة على اللي حب ولا طالشي، جابوا العروسة لقيوا
العريس غضبان، انت فين يا عريس؟
(يسمع صوت طائرة هليوكبتر تُحلِّق في الجو وتتطلع عيون الجميع إلى السماء، ثم
يتدلى «الأخ» بحبلٍ غير مرئي من سوفيتة المسرح، المرأة تزغرد زغرودة
طويلة.)
دكتور ع الريق
:
دلوقت انهماك شديد (يندمج كل منهم في الشيء الذي يتقمصه؛ الأوتوبيس يجأر
بشدة، فركة كعب ينهمك في نفخه ودورانه وقد احتلت وجهه أوسع ابتسامة، دكتور ع
الريق يدور حول نفسه عارضًا الشهادة، المرأة تطلق الزغاريد ثم تبكي ثم
تزغرد. ما إن يهبط الأخ ويستقر على الأرض حتى يبدأ بنظرات نفاذة يتأملهم، كلٌّ على
انفراد، وكلما وجَّه نظره إلى أحدهم ارتبك؛ فالأوتوبيس يبدأ يفرقع شكمانه ويرتبك
موتوره، فركة كعب يبتسم ثم يعبس ثم يعود للابتسامة، والدكتور يلف يمينًا ثم
يرتبك ويظن أنه لا بد أنه يلف إلى اليسار ثم إلى اليمين، وهكذا.)
الأخ
(بلا اهتمام واضح)
:
ي. ا (الجميع يتنهدون لحظة وكأنما الحمد لله.)
الجميع
:
ي. ا. ا يا أخ.
(يبدأ الأخ ينظر إليهم فيعودون بسرعة إلى مزاولة نشاطهم من جديد.)
الأخ
:
كله تمام يا دكتور ع الريق؟
دكتور ع الريق
:
كله تمام يا خويا الكبير، كله تمام.
الأخ
:
ومين صاحب فكرة ان كل واحد يعمل حاجة؟
دكتور ع الريق
(بفرحة)
:
أنا.
الأخ
:
انت (باتهام).
دكتور ع الريق
(مبتلعًا ريقه بصعوبة)
:
مش سعادتك قلت انهم يجوا متنكرين؟
الأخ
:
متنكرين حاجه وعاملين حاجات حاجة تانية. انت مش عارف ان مبدأنا الأول هو إلغاء
فكرة ان كل واحد يعمل نفسه زي ما هو عايز؟
دكتور ع الريق
:
دا بس علشان الأمن يا فندم، عشان الأمن خطأ يا فندم، خطأ، مجرد خطأ مش
حيتكرر أبدًا.
الأخ
:
والخطأ يتصلح حالًا.
دكتور ع الريق
:
حالًا يا فندم، حالًا، حالًا، متخططين كما كنت.
(يتوقفون عن حركتهم ويعود كل منهم إلى حالته الطبيعية ما عدا ٥٦ غربية الذي
يظل معوج الكتف.)
(يعود الأخ يتأملهم واحدًا واحدًا ثم يتوقف عند فركة كعب فتتسع ابتسامته
اضطرابًا إلى حد بشع، ويتوقف وكأنه مات، عند أوسع ابتسامة، ثم تستمر نظرة الأخ،
يبدأ فركة كعب يحرك شفتيه ثم ينطق أخيرًا.)
فركة كعب
:
والله أنا ما قلت حاجة (يسألهم) مش كده يا ٥٦ غربية؟ مش كده يا دكتور
عالريق؟ مش كده يا طعمية؟ مش كده يا عم اهو كلام؟ (لا أحد يتحرك أو ينطق.)
فركة كعب
(مواصلًا ابتسامة واسعة مفاجئة)
:
طب دا أنا وديني استاهل.
(الأخ: ينظر إليه.)
فركة كعب
:
أستاهل يعني كلمة.
(الأخ: مسدِّدًا نظرةً كالطلقة.)
فركة كعب
:
كلمة والسلام، مين عارف يمكن كلمة لوم، يمكن استاهل اللوم، أستهله؟
الأخ
:
لوم؟
فركة كعب
:
قصدي التشجيع، أيوه، كلمة تشجيع.
الأخ
:
تشجيع.
فركة كعب
:
تشجيع؟ أنا استاهل التشجيع؟ عملت إيه انا عشان استاهله، دا انا اللي يشرفني
صحيح ان سعادتك لموآخذة قصدي أخوتك.
(الأخ: ينظر إليه.)
فركة كعب
:
توبخني؟
(الأخ: ينظر إليه.)
فركة كعب
:
تشجعني؟
(الأخ: مستمرًّا في نظراته.)
فركة كعب
:
توبخ، تشجع.
(الأخ: ناظرًا إليه.)
فركة كعب
:
ودي مصيبة إيه السودة دي اللي وقَّعت نفسي فيها دي؟
(الأخ: نظرة.)
فركة كعب
:
تو… ﺗﺷ… توشجعني، أيوه بالظبط كده توشجعني شويه، واحد زيي لازمه شوية
توشجيع قوي، أستاهل كده، اتفضل وشجعني من هنا للصبح، أنا.
(الأخ: نظرة.)
فركة كعب
:
أنا لازم اسكت، مش كده؟
(الأخ: نظرة.)
فركة كعب
:
أسكت خالص، منطقش، مش برضه عايز سعادة اخوتك؟ أخرس خالص خالص ما اقولشي تلت
…
فركة كعب
(مكملًا في سرِّه)
:
الثلاثة.
(الأخ: وكأنه ينصت مادًّا أذنه.)
فركة كعب
(بصوت مرتفع)
:
كام؟
الأخ
(فجأة)
:
كام؟
فركة كعب
:
تلت التلاتة؟
الأخ
:
أيوه …
فركة كعب
:
دا العيل يعرفها.
الأخ
:
كام؟
فركة كعب
:
دي سهلة جدًّا جدًّا، تلت التلاتة؟
الأخ
(بغضب)
:
كام؟
فركة كعب
(وقد كساه الارتباك والعرق)
:
تلت التلاتة (يعد على أصابعه مرتبكًا) تلت وتلت
يساوي تلت تلاتات.
الأخ
:
تلت التلاتة تلت تلاتات.
فركة كعب
:
لا خمسة، قصدي ستة، ست تلاتات …
الأخ
:
تلت التلاتة ست تلاتات؟
فركة كعب
:
الله يلعن أبويا ان كنت اعرف تلت التلاتة كام.
الأخ
:
تلت التلاتة واحد يا فركة كعب
الجميع
:
تلت التلاتة واحد يا فركة كعب.
فركة كعب
:
واحد؟ ودين سعادة أخاوتك واحد؟ يا سلام ع العبقرية، طب دي كنت حاعرفها لوحدي
ازاي، دا باين الامخاخ مقامات وانا ما اعرفش، شفت السهولة اللي سعاتك عرفت
بيها تلت التلاتة ازاي، وشوفوا التواضع، رضى انه يقول بنفسه وببقه الكريم:
واحد، في حين ان أقل عدد يستاهل يخرج من بقه ما يقلِّش عن مليون واللا يمكن تلاتة
مليون، والله يمكن.
الأخ
:
اخرس بقى.
فركة كعب
:
أخرس وبس؟ سعادتك عايزني اخرس من دلوقت ولا من امبارح؟
الأخ
:
اخرس خالص.
(فركة كعب: يصمت تمامًا ويظل فمه يفتح ويقفل بلا كلام فيحاول إمساك شفتيه فترتعش يداه
ثم تنتقل الرعشة إلى جسده كله.)
الأخ
:
بقى حضرتك كنت بتأنبني على غيابي؟
فركة كعب
(بصراخ مفاجئ)
:
أنا؟
الأخ
:
اخرس خالص.
فركة كعب
:
ما هو مش معقول كده، أنا لازم اتكلم، مقدرشي اخرس أبدًا. بقى انا اقول ان
أخاوتك اتأخرت. دانا متعلم يا أستاذنا وعارف إذا كان تأخير الناس عيب فتأخيرك
انت شرف. تصوَّر بقى أخاوتك لما تتأخر أو حتى ما تجيش خالص؟ احنا نطمع في شرف اكتر
من كده؟ دا معناه ان أخاوتك كسلت ولا حاجة، واحنا في ذاك اليوم اللي تكسل فيه؟
هو ناس زينا يستاهلوا كسل أخاوتك؟ ولا تأخيرك دا معناه ان أخاوتك تنازلت وفكرت
فينا وبعدين مسألتش، احنا نطول نوصل للدرجة دي؟
الأخ
:
لا يا فركة كعب، دا نفاق، وانا ما احبش المنافقين اللي زيك.
الجميع
:
وهو ما يحب المنافقين اللي زيك.
فركة كعب
:
معاذ الله يا سعادة الأخ! النفاق يكون من ناس خايفين منك، خايفين يقولوا لك
على الحقيقة، شايفين لا مؤاخذة لا قدَّر الله في أخاوتك حاجة وحشة ويقولوا عليها
كويسة. إنما واحد زيي طول عمره بيحبك وعمره ما خاف منك، واحد زيي بلغت به
الشجاعة انه يقولك على محاسنك في وشك، ودوغري كده تسميه منافق؟ لا حول
الله.
الأخ
:
امال يبقى إيه؟
فركة كعب
:
يبقى من جنود الكلمة الشريفة، يبقى بيقول للكويس كويس في عينه (يُخرج الأخ
سيجارة ويُشعلها وينفث الدخان) يبقى زي ما يكون مثلًا لا مؤاخذة نفسه في
السيجارة دي حايموت على نفس منها ويقول يا باي دا السجاير وحشة بشكل، دا انا
ما بحبهاش خالص، دا ما بيشربهاش إلا المفسودين (يكتشف ذلة لسانه) المفسودين
اللي زينا كده، اللي السجاير بتقلل قيمتهم، إنما واحد زي أخاوتك السيجارة في
إيده بيترفع مقدارها، وبينقص، وبينقص، وبينقص، عقبها بشكل خطير.
الأخ
(فجأة)
:
تاخد سيجارة؟
فركة كعب
:
أنا دخت، أنا ما استهلش دا كله.
الأخ
:
ما دام دخت بلاش بقى.
فركة كعب
:
دا انا دخت من كتر ما نفسي.
الأخ
:
يعني تاخد ولا ما تاخدش؟
فركة كعب
:
انت سعادتك مزاجك إيه، تديني ولا ما تدينيش؟
الأخ
(بغضب)
:
احنا بنلعب استغماية، انطق، عايز ولا مش عايز؟
فركة كعب
:
الحقيقة، الحقيقة.
الأخ
(بغضب)
:
عايز؟
فركة كعب
:
لا مش قصدي.
الأخ
(بغضب أكتر)
:
مش عايز؟
فركة كعب
:
مين قال كده؟
الأخ
:
دانت تفلق (ويرمي بالعقب على الأرض فيظل فركة كعب يرمقه بنهم شديد متطلعًا إلى الأخ علَّه يقرأ
في عينيه الإذن، وحين يطول الوقت
ويقصر العقب).
فركة كعب
:
ما تنوِّلنيش أخاوتك شرف عمري ما نلته؟
الأخ
:
لا.
فركة كعب
:
طب ما تكسبش صواب لله؟
الأخ
:
عايز ايه؟
فركة كعب
:
عايز صدري يتشرف بدخان العقب بتاع سيجارة أخاوتك.
الأخ
:
طب خده.
(ينقضُّ فركة كعب على العقب ولكن قبل أن تصل إليه يده تكون قدم الأخ قد وصلت
إليه وفركته على الأرض، فيرفع فركة كعب هامته مبتسمًا أوسع ابتسامة.)
فركة كعب
:
متشكر قوي قوي يا فندم، أنا ما استاهلش فعلًا، ما استاهلش.
الأخ
:
انت معاقب عشان عطلتني، تقف هنا ووشك في الحيط، وتقلع هدومك خالص ما تلبسهمش
إلا في الفصل التاني (في صمت متردد يتوجه فركة كعب إلى حيث أشار الأخ،
مختلسًا نظرات متلصصة إليه، ولكن بصره الذي يأمره يظل منصبًّا عليه دافعًا إياه
إلى جوار الحائط بادئًا بخلع ملابسه قطعة قطعة مترددًا عقب كل قطعة ناظرًا
ناحية الأخ قبل أن يستأنف خلع الثانية طوال مشهد الحوار التالي).
الأخ
:
قربوا هنا.
(يقتربون منه كما أمر، ولكنه يدفع أهو كلام بعيدًا قائلًا):
الأخ
:
أنا قلت قربوا ولا اركبوا على نفسي؟
أهو كلام
:
قلت أخاوتك: قربوا.
الأخ
:
قربوا لما باقولها معناها تقربوا من بعيد، معناها تقفوا عند أقرب بُعد، أقرب
من كده مفيش، (تمتمة إجابة) مفهوم؟
الجميع
:
مفهوم.
(الأخ: ينظر إليهم فيلحظ اعوجاج كتف ٥٦ غربية.)
الأخ
:
كتفك ماله؟
٥٦ غربية
:
اتعوج يا أخ من ساعة ما كنت أتوبيس مش عارف اعدله.
الأخ
:
أعدلهولك، انت تستاهل، قرب.
٥٦ غربية
:
أكتر من كده ما اقدرش.
الأخ
:
يبقى تستاهل كمان ان انا اللي اقربلك.
(يقترب منه ثم يضع يده على كتفه الأعوج، فيعتدل.)
٥٦ غربية
:
يا دين النبي يا محمد، دا أنا كتفي اتعدل بجد، ومين اللي عدلهولي؟ أنا رقبتي
لك يا سيادة الأخ، طول عمري انا تحت أمرك، أنا زمارة منك اموت نفسي، أنا لك
على طول خليك لي …
طعمية
:
يا خفي الألطاف، نجِّنا مما نخاف، باسم الله الله أكبر. باسم النبي حارسك
وضامنك، باسم اللي يسوى واللي ما يسواش.
الأخ
:
بس.
طعمية
:
باسم بس وهي بس.
الأخ
:
اجتماعنا الليلة يا اخواننا مش أول اجتماع، بقالنا سنين وسنين بنجتمع. إنما
دا أخطر اجتماع، عارفين ليه؟ لأن دا هو الاجتماع الفاصل، الاجتماع اللي
حاينقلنا من تحت الأرض لفوق الأرض، من السرية للعلانية، من إيمان مخبيينه في
صدورنا إلى مبدأ مفتوح ومعروض لكل الناس تؤمن بيه، العالم ما عادشي نافع، مش
معقول نفضل عيشين كده. العالم عايش ازاي يا دكتور ع الريق؟
دكتور ع الريق
:
سايح على بعض، مفيش حاجة محددة فيه، كل واحد عامل نفسه زي ما هو عايز، والنتيجة
فوضى ودمار، خراب، حروب، انقسامات، حمق، غباء.
أهو كلام
:
لازم العالم يتحدد ويتخطط، لازم الإنسان يحدد كل حاجة، حتى نفسه، كل شيء يبقى
واضح ومفهوم وسليم، الابيض ابيض والاسود اسود، وده جنب دا، لا الاسود يسيح عا
الابيض، ولا الابيض يغرق الاسود، والخطوط دوغري ومعروف مجراها من البداية
للنهاية.
الأخ
:
وازاي دا يحصل يا فركة كعب؟
فركة كعب
(وهو يواصل خلع ملابسه)
:
أنا ما استريحش إلا لما احقق اللي في دماغي، وكل
العالم يخطط اسود ابيض، مفيش فيه للإنسان إلا فكره، إذا فضل يفكر لازم يحقق،
هو دا الإنسان، امال إنسان ليه؟
الأخ
:
إنسان ليه يا ٥٦ غربية؟
٥٦ غربية
:
عشان بيشوف قدام، عشان فاتح النور الكبير على الآخر والنور ضارب ميت كيلو،
والنور الاحمر ورا ما يرجعش ولا خطوة، كله لقدام، واللي ورا فات، والمطب هو اللي
قدامي، والسرعة على ميت كيلو وكله لقدام، مفيش مارش آريير أبدًا، التعشيقة عا
الرابع والبنزين على الآخر.
الأخ
:
والدنيا تبقى ازاي يا طعمية؟
طعمية
:
جت الحزينة تفرح ما لقتش مطرح، وقدامك سكة سفر، والسفر للقمر، والقمر رايح
للشمس، والشمس طالعة في الليل، والليل قوي أقوى من النهار، والنهار في الشتا
قصير.
الأخ
:
فعلًا، لا داعي للإسراف في التفاؤل، فالطريق طويل طويل والرحلة تبدأ بخطوة،
والليلة خطوتنا الكبرى، الليلة الخطوة الفاصلة.
دكتور ع الريق
:
فاصلة ازاي؟
الأخ
:
إيه ده؟
دكتور ع الريق
:
مسرح الجكم.
الأخ
:
بيعرض إيه؟
دكتور ع الريق
:
رواية مؤسسة السعادة الكبرى.
الأخ
:
احنا الليلة حاندخل الرواية دي.
فركة كعب
(متلفتًا بابتسامة واسعة جدًّا)
:
حانتفرج؟ الله! يا حلاوة.
الأخ
:
نتفرج، وبعدين؟
أهو كلام
:
وبعدين يا أخ؟
الأخ
:
وبعدين تُفرج.
أهو كلام
:
تُفرج ازاي يا أخ؟
الأخ
:
التفاصيل ساعة الصفر.
أهو كلام
:
والصفر امتى يا أخ؟
الأخ
:
ساعة رفع الستار.
٥٦ غربية
:
الله! ومستنيين ايه يا جدعان؟ يالا بينا.
الأخ
:
عندك، اقف عندك. احنا مستنيين حاجة هامة، أهم حاجة في الليلة دي …
٥٦ غربية
:
حاجة ايه؟ ما احنا كلنا ألسطة يا أخ.
الأخ
:
ناقص القنبلة.
٥٦ غربية
:
يا نهار اسود، احنا حاننسف؟
الأخ
:
احنا حانبني، احنا حانعلي، واللي ناقصنا النجمة، والنجمة جاية حالًا.
فركة كعب
:
إنشالله اتسخط حيطة ان كنت فاهم حاجة.
طعمية
:
الشاطرة تغزل برجل حمار، وإن عديتنا يا معداوي الأجرة على مين؟
الأخ
:
ناقصنا ألماظ.
٥٦ غربية
:
ألماظ الممثلة، قوي دي بتاعة السينما والمسرح وكله؟
الأخ
:
وبتاعتنا.
أهو كلام
:
هي معانا؟
الأخ
:
من امبارح بالليل بقت معانا.
فركة كعب
:
وحاتيجي؟
الأخ
:
حالًا.
فركة كعب
:
ونكلمها وتكلمنا ونشتغل؟
الأخ
:
مع بعض.
فركة كعب
:
حلاوتك، أحب النبي.
٥٦ غربية
:
وحنخش سوى؟
الأخ
:
المسرح.
٥٦ غربية
:
تعيش مؤسسة السعادة الكبرى!
الأخ
:
اخرس، الصح هو تعيش، ميم، سين، حاء.
٥٦ غربية
:
م. س. ح دي إيه؟ أجره دي ولا رميس؟
الأخ
:
التفاصيل ساعة الصفر.
(تدوي زغرودة من طعمية.)
الأخ
:
أهي جت.
(تبدو ألماظ قادمة عبر الشارع ترتدي ثيابًا كالبالرينا ملتصقة بجسدها تمامًا
حتى تبدو وكأنها عارية كما ولدتها أمها، أما جسمها فهو مخطط بخطوط طولية سوداء
وبيضاء من قمة رأسها إلى قدمها، تحمل حقيبة يد مخططة أيضًا.)
٥٦ غربية
:
الله الله الله! وجاية كده ليه؟
الأخ
:
جايه مخططة، احنا مش قلنا الليلة دي هي الفاصلة، الليلة اللي حانكشف فيها عن
نفسنا ومبادئنا يا فركة كعب.
فركة كعب
:
أفندم يا أخ.
الأخ
:
انت خلصت قلع هدومك؟
فركة كعب
:
ما عادش إلا دا (مشيرًا إلى الكلسون).
الأخ
:
اقلعه
فركة كعب
:
حقا؟! كله إلا كده، ما قدرش، ولا لما اموت حتى حد يقدر يقلعهوني، يا نهار اسود
دا هو اللي فاضيللي.
الأخ
:
اقلعه بقولك.
فركة كعب
:
ما هو إذا كان ع القلع اقلعه، إنما ليه بس يا سعادة الأخ؟
الأخ
:
اقلعه يعني اقلعه.
فركة كعب
:
أنا طنيب رباط جزمة أخاوتك، أعرف ليه بس اقلعه، أنا في عرضك ليه؟
الأخ
:
عشان تلبس دي.
(ومن مكان ما في المسرح ينتزع بدلة رجالي مخططة.)
فركة كعب
:
بس كده؟ دا أنا اقلعه واقلع جلدي نفسه، أقلع أفكاري ومعتقداتي، أقلع مخي
كله، وليحيا التخطيط.
٥٦ غربية
:
أغير شاسي كله، أبقى طيارة وصاروخ، دا انا حابقى مخطط يا جدعان، ما تخلصوا
بقى تخططونا بقى، أنا في عرض التطبيق.
طعمية
:
من عيني دي ابيض ومن عيني دي اسود، وإيدي خط، ورجلي خطوة، وقلبي الأخ.
أهو كلام
:
خللي الصبح الاسود والابيض يطلع.
دكتور ع الريق
:
ليعيد النظام للكون المختل.
الأخ
:
دلوقتي حتتحرك، فليتحرك التاريخ!
(ستار)