الفصل الثالث
(يُفتح الستار على عرض سينمائي أو عرض بالشرائح يصوِّر العالم كله وقد
تخطط، الشوارع مخططة بالخطوط العريضة البيضاء والسوداء، البيوت، إشارات المرور،
الأوتوبيسات، واجهات الدكاكين والناس جميعًا يرتدون المخطط، في آسيا وأفريقيا،
واسنكندناوه، حتى بالونات الأطفال مخططة، والطائرات والطيور، وحتى الأسماك في البحر
مخططة.)
صوت الميكرفون
(معلقًا على الفيلم أو الشرائح)
:
وهكذا تخطَّط العالم أجمع، والمذهب
الذي بدأ مجرد إيمان في قلب إنسان واحد ما لبث أن اعتنقه نفر قليل من المؤمنين
المخلصين، كافحوا، وناضلوا، واضطُهِدوا، ولكنهم بالإيمان واليقين انتصروا، وانتهت
التعاسة من فوق سطح الكرة الأرضية وحلَّت الخطوط محل الفوضى. إنها وإن كانت رحلة
المائة شهر في عمر الإنسانية إلا أنها لم تكن سهلة أبدًا أو ميسورة؛ فقد كافح الناس
طويلًا من أجل ذلك اليوم، وصبر مواطنو العالم كثيرًا ليعيشوا إلى الوقت الذي يرون
فيه عالمهم وقد اختفى منه كل القبح وحلَّ الجمال، وأصبح الأبيض والأسود هو القانون،
إننا في هذا اليوم الذي نحتفل فيه بالذكرى الأولى لنجاح التخطيط وشموله العالم كله،
إنما نتوجه بقلوبنا وأرواحنا إلى زعيمنا وزعيم المخططين في الدنيا، إلى الرجل الذي
آمن وانتصر وانتصرنا معه، إلى الأخ الأكبر قائدنا ومعلِّمنا وخالق التخطيط في العالم
كله ومُطبقه.
(في هذه الأثناء تتدلى صورة الأخ؛ صورة ضخمة له وهو يرتدي سترةً مخططةً وكرافتة
مخططة ومنديلًا مخططًا، لتصنع الخلفية التي يُعرض عليها الجزء الأخير من الفيلم أو
«الشرائح». ثم تصبح الصورة هي وحدها المضيئة، حين ينتهي الفيلم والتعليق تبدأ
إضاءة خفيفة على المسرح لا تلبث أن تعلو لنجِد قاعة ضخمة للاجتماعات لها نافذة كبيرة
على فيراندة، وبابان يمين ويسار، وفيها منضدة اجتماعات هائلة المساحة، وعلى رأسها
كرسي هائل الضخامة أيضًا وعلى جانب منها أربعة كراسي وجهاز أشبه بالشفونيرة تحت
الصورة أو قريبًا منها، وكل جدران القاعة وسقفها والمنضدة والكراسي وكل شيء مخطط
بالأبيض والأسود. في وسط القاعة تلمح صورة الأخ، ونجد الأخ نفسه وهو يبدو أكبر
كثيرًا من صورته وقد خط الشيب شعره وبجانبه ألماظ وهما يتطلعان إلى الصورة.)
ألماظ
:
تسمح لي أقول لك كل سنة وانت طيب؟
الأخ
:
كل سنة والعالم طيب يا ألماظ.
ألماظ
:
أظن بقى متهيألي كده انك أسعد واحد في الدنيا دي.
الأخ
:
أنا؟
ألماظ
:
ومش سعادة بعقل كمان، دا الواحد لما بتقوله كلمة، وتسمع بعد كده ان
حد تاني قالها بتفرح كأنها لقت لقية، انت مش واحد دا ٣ ألاف مليون واحد بقيوا
النهارده ومآمنين بالكلام اللي كنت بتقوله لوحدك. تصوَّر بقى لما الإنسان يعيش لغاية
ما يلاقي الدنيا كلها آمنت بكلامه، دا لازم يطير من كتر السعادة. دا انا شخصيًّا كنت
اموت.
الأخ
:
وتفتكري المهم ان اكون سعيد؟
ألماظ
:
طبعًا مهم جدًّا.
الأخ
:
والعالم يا ألماظ؟ أنا ما كنتش بقول كلام، أنا كنت عايز الناس في الدنيا كلها
تبقى سعيدة، الخطوط والابيض والاسود كلها كلها كانت وسيلة في رأيي لإسعاد الناس.
ألماظ
:
والناس سعداء ومبسوطين، دا انا لو منك اطير م الفرحة.
الأخ
:
إيش عرفك انهم سعدا ومبسوطين؟
ألماظ
:
ودي عايزة كلام؟ افتح الجرايد، اسمع
الراديو، انزل الشارع، الناس في فرح، الناس حايجننوا من الفرح، دا انا سامعة الضحك
وانا هنا، والرقص في الميادين ليل مع نهار. دا حتى الجواز، كلهم بيستنوا يوم العيد
دا عشان يجوزوا. اسأل قسم الإحصا، أنا سألته النهارده، وبمناسبة العيد الأول
للتخطيط اتجوز في العالم كله ميت مليون شاب بميت مليون بنت. عايز اكتر من كده إيه؟
الأخ
:
عايز الحقيقة.
ألماظ
:
وفيه حقيقة أكتر من كده؟ دي أرقام وعمر الأرقام ما تكدب أبدًا.
الأخ
:
بس الحقيقة أقوى. انتي ناسية اننا معافين الناس من رسم الجواز بمناسبة العيد.
ألماظ
:
ولو، لو مش فرحانين مش حايفكروا في الجواز خالص.
الأخ
:
الناس طول عمرها بتتجوز، فرحانين، زعلانين، دا مش مقياس.
ألماظ
:
امال إيه المقياس؟
الأخ
:
مش عارف.
ألماظ
:
دا انا أول مرة اسمعك تقول مش عارف، عمرنا ما سألنا سؤال إلا وكان دايمًا عندك جوابه.
الأخ
:
إلا دي، لغاية هنا وما قدرش اعرف إذا كان الناس مبسوطين ولا مش مبسوطين.
ألماظ
:
طب بلاش الناس، انت شخصيًّا مش سعيد؟
الأخ
:
أنا؟
ألماظ
:
أيوه انت، قصدي أخاوتك.
الأخ
:
مش عارف.
ألماظ
:
مش عارف ازاي بس؟ حد ما يقدرش يعرف إن كان سعيد ولا مش سعيد.
الأخ
:
أنا.
ألماظ
:
والنهارده بالذات؟ دا مش معقول دا. بقى الأخ بذاته، الأخ بتاع
الدنيا كلها مش قادر يعرف إن كان يوم الاحتفال بالعيد الأول لنجاح دعوته مبسوط ولا
مش مبسوط؟
الأخ
:
الحقيقة مش قادر.
ألماظ
:
دي حاجة تجنن، قول لي بصراحة، هو في حاجة انت مخبيها
عني؟
الأخ
(تائهًا)
:
حاجة؟
ألماظ
:
أيوه، وحياتك، أنا زي، أنا زي (بضغطة) اختك تمام،
قولي ما تخبيش عليَّ.
الأخ
:
أقولك إيه؟ ما قدرش، مش قادر.
ألماظ
:
هي خطيرة للدرجة دي؟ ريَّح نفسك وقولها لي.
الأخ
:
ما قدرش.
ألماظ
:
يا ناس أنا حاجنن، انت مش كنت عايز العالم يتخطط واهو اتخطط، إيه بس اللي مضايقك؟
الأخ
:
أنا كنت عايز، يتخطط عشان يسعد.
ألماظ
:
واهو سعيد.
الأخ
:
إيش عرفك؟
ألماظ
:
انت بتشك في كده، ما تسأل الناس، اعمل استفتا.
الأخ
:
وإيه فايدة السؤال؟ حتى لو الناس سعدا أنا مش سعيد.
ألماظ
:
في قمة انتصاراتك مش سعيد؟
الأخ
:
أنا لا كنت عايز انتصر ولا واخدها معركة، أنا كنت عايز الحقيقة، وكنت فاكر ان
السعادة الحقيقة مش حاتحصل إلا لما يتخطط العالم.
ألماظ
:
واهو العالم اتخطط وبقى سعيد.
الأخ
:
بس الحقيقة اتغيرت.
ألماظ
:
اتغيرت ازاي؟ أنا مش شايفة حاجة اتغيرت أبدًا من يوم
ما انتصرنا، كله ابيض واسود، مفيش سنتي واحد في الدنيا مش ابيض واسود، والسنة
الجاية حانحتفل بتخطيط القمر، والمريخ من بعده، والكون كله.
الأخ
:
مسكينة.
ألماظ
:
أنا المسكينة؟
الأخ
:
مخدوعة.
ألماظ
:
أنا مخدوعة؟
الأخ
:
مسكينة ومخدوعة زي انا ما كنت.
ألماظ
:
امال انت دلوقت إيه؟
الأخ
:
عرفت ووصلت وشفت أكتر.
ألماظ
:
شفت إيه؟
الأخ
:
شفت كله بقى ابيض واسود، شفت كله اتخطط، كله خطوط، حتى أمخاخ الناس اتخططت وبقت
يا ابيض يا اسود يا ابيض واسود، شفت الحياة وقفت.
ألماظ
:
الله! إيه الكلام اللي
بتقوله ده؟ دا زي الكلام اللي كان الأعداء بيقولوه علينا. الله! دا كلام الأعداء
دا، انت ناسي اننا هزمناهم وانتصرنا عليهم واختفى الكلام دا من زمان.
الأخ
:
اختفى من على الأرض آه، إنما فيه حقيقة بتختفي؟!
ألماظ
:
حقيقة إيه اللي بتتكلم
عليها؟ الحقيقة الوحيدة اللي اعرفها، الحقيقة الوحيدة اللي سادت وانتصرت، هي
الابيض والاسود، حتى لو كانت كدب ما كانتش سادت ولا انتصرت. لو كانت ضد الحياة ما
كانتش عاشت، ما دام سادت وانتصرت وعاشت تبقى الحقيقة وأي كلام غيرها يبقى كدب، كدب،
كدب، دا كلامك انت دا، مش فاكره ولا إيه؟
الأخ
:
دا كان كلامي.
ألماظ
:
ودلوقتي؟
الأخ
:
عندي كلام تاني.
ألماظ
:
بقى دا كلام؟ حد في لحظة انتصاره، في أعظم لحظات قوته،
في قمة مجد كلامه يقول عنده كلام تاني؟! أنا مش مصدقاك وانت بتقول كده ولا مصدقة
نفسي اني بسمعه لك.
الأخ
:
لازم تسمعيني، انتي اقرب الناس لي.
ألماظ
:
صحيح؟
الأخ
:
أيوه صحيح.
ألماظ
:
طب ومقلتليش من زمان كده ليه؟
الأخ
:
ما كانش اتغير حاجة أبدًا.
ألماظ
:
أبدًا.
الأخ
:
أبدًا أبدًا.
ألماظ
:
عندك حق، ما دام العالم في دماغك متخطط وسعيد وقلبك فيه
الدم.
الأخ
:
العالم مش في دماغي يا ألماظ، العالم اهه، بره، مالي الأرض، العالم اهه بقى كله
كله ابيض واسود، ابيض واسود، أنا كفرت خلاص.
ألماظ
:
كفرت، كفرت ازاي؟
الأخ
:
العالم مش ابيض واسود بس، العالم حاجات كتير قوي، أكتر بكتير من خطين.
ألماظ
:
يا نهاري! بس، هس، أرجوك اسكت لحسن زمانهم جايين للاجتماع لحد يسمعك منهم.
الأخ
:
يسمعوني بقى، زهقت خلاص من كتر ما اكلمت وسمعت لوحدي، من الليالي اللي قضيتها
اسأل نفسي واعصرها واقول، انت كنت عايز تسعد العالم بجد ولا كنت عايز تخططه عشان
تحكمه وتبقى الزعيم؟ بقالي سنة عايش لوحدي، كابوس مخيف، رعب غريب. ياما ضحكت على
نفسي وقلت لها وإيه أهمية الحقيقة ما دام التخطيط نجح والناس مبسوطين، وانت الزعيم
دخلت التاريخ وعمرك ما حاتخرج منه؟ دي أهم حقيقة تحطها قدام عنيك، وأحيانًا اقوم من
النوم مفزوع، احس اني كداب، اني حابتدي اكدب، إني حاشوف حاجة وحاقول حاجة تانية،
وانا مش كده، أنا بشرت بالتخطيط لأني كنت مآمن به، كان هو الحقيقة الوحيدة قدامي
وأي حاجة تانية كدب تضليل.
ألماظ
:
ودلوقتي؟
الأخ
:
شايف اننا لازم نثور ع الابيض والاسود، شايف اننا لازم نفضل نترقى، شايف الثورة
الجديدة. كل ما اشوف الدنيا كلها بقت ابيض واسود بس احس اني حرتكب جريمة …
ألماظ
:
أما حاجة مش معقولة! بقى انت اللي بتقول كده؟! مش انت اللي كنت دايمًا بتقول لنا
لما تيجي سيرة الخيرة ان الحياة ما فيهاش خيرة، وان الخيرة بتعملها عقولنا، بتعملها
الدعاية والعرف السايد، واننا لو عملنا الابيض والاسود سايد حاتختاره الناس؟ مش
انت اللي كنت دايمًا بتقول كده؟
الأخ
:
كان العالم في مخي، كان بيتهيألي ان مخي أكبر من العالم.
ألماظ
:
ودلوقتي؟
الأخ
:
عرفت ان العالم كبير، كبير قوي، أكبر من مخي، أكبر من مخ أي واحد؛ دا في تلات آلاف
مليون مخ.
ألماظ
:
على العموم نبقى نتناقش في آراءك دي بعدين؛ أصل سمعاهم وصلوا في
الأوضة التانية، ودلوقتي حايدخلوا الاجتماع، وأرجوك وحياتي عندك إذا كنت اقرب الناس
ليك صحيح، أرجوك ما تجبش سيرة الكلام دا في الاجتماع، وما تنساش انه اجتماع
الاحتفال بالعيد الأول لنجاح المخططين في العالم كله.
الأخ
:
أنا حايهمني منهم، ولا حتى منك؟! دا انا اللي عاملهم وعاملك. دا بإشارة مني تبقوا
مجلس إدارة العالم كله، وبرضه بإشارة مني يبقوا لا شيء، انت نسيتي أنا مين؟ دنا الأخ
برضه يا ألماظ، اوعي تكوني نسيتي.
ألماظ
:
اوعى انت تكون نسيت انك الأخ واجتماع مجلس إدارة العالم، وانت الأخ وهم المخططين، مش
كده؟
(يبتسم الأخ ويهز رأسه،
تتحرك ألماظ إلى الباب اليسار وتتسمع قليلًا إلى الكلام المتداخل بالخارج، ثم تفتح
الباب وتبتسم ابتسامة واسعة.)
ألماظ
:
اتفضلوا (يدخل المخططون وقد تحسَّن زيُّهم وتحسنت أشكالهم إلى حد كبير، دكتور ع الريق ثم أهو
كلام ثم طعمية ثم ٥٦ غربية ثم فركة كعب، وأخيرًا رئيس مجلس الإدارة السابق ر.م.ا).
الأخ
:
اتفضلوا (جالسًا فوق الكرسي الكبير).
(ينكسون الرءوس وهم يأخذون طريقهم إلى كراسيهم، وما إن يجلسوا حتى يلتفت كل منهم
إلى الذي على يساره، وفجأة يقولون في نفس واحد):
الجميع
:
كل سنة وانت طيب يا أخ.
الأخ
(متفحصًا إياهم صامتًا برهة طويلة)
:
كل سنة والعالم طيب.
٥٦ غربية
:
يا سيادة الأخ، أنا معايا لك ألف مليون تحية من الصين وأندونيسيا وكوريا وفيتنام
وآسيا كلها، دول موصيني واحد واحد لازم أبوسك ألف مليون بوسة.
فركة كعب
:
وانا جايبها من تركيا وطالع ليوغوسلافيا والمجر وبلاد تركب الفولكس واجن وبلاد
ترتدي الميني جيب والميكرو جيب، وبلاد الشمال اللي ما بترتديش حاجة خالص، كلهم
أصبحوا متخططين في أمانة الله، وكلهم سعدا وآخر روك آند رول وهالي جالي واجرك
واليوجويوجو، وكله معاك ومعاك ع الخط.
دكتور ع الريق
:
ومن كولخوزات وتعاونيات، ولجان مركزية وأهلية ورسمية وشخصية في الاتحاد
السوفيتي وألمانيا الشرقية وبولندا وفنلندا والنرويج وهولندا.
فركة كعب
:
عندك يا دكتور، بولندا دي من بلاد الشمال؛ تبعي.
دكتور ع الريق
:
دي بلد سلافي، تبقى تبعي أنا.
فركة كعب
:
ما هو لا بد من تحديد الاختصاصات يا أخ، لازم نعرف راسنا من رجلينا، وخصوصًا في
بلاد الشمال دي اللي في عز الشتا يلبسوا الميني جيب، وسمار جلدهم بيبقى باين من
الشرابات حاجة تخلي الواحد عايز يتقلب نيام نيام وأكلة لحوم البشر.
ر.م.ا
:
أخاوتك عاهدلي بأصعب مهمة، أفريقيا، واقدر اقول بمنتهى التواضع ونكران الذات
ان أفريقيا كلها وأمريكا اللاتينية بما فيها كوبا تحت المنديل المخطط اللي في جيب
أخاوتك دا (ثم فجأة) بس انا شايف ان الست ألماظ متغيرة، تكونش صادفت عقبات في
أمريكا وكندا واستراليا؟
ألماظ
:
بالعكس دا حتى عشان خاطري لغوا خطوط العرض كلها هناك مبقاش فيه إلا خطوط طول بس.
ر.م.ا
:
أمال شايفك متغيرة شوية، يكونش …
ألماظ
(مقاطعة)
:
أرجوك ما ليكش دعوه بيه، خليك
في نفسك بس.
أهو كلام
:
… وانا يا أخ، من أول قدماء المصريين العشتروت وبابل
وهاشور وقابيل وهابيل وسفينة نوح وحتى رزمة التوت بتاعة ستنا حواء اتخططت هي كمان،
كله كله اتخطط لغاية أحلام اليقظة وأحلام النوم، حتى الأحلام الوردية بقت ابيض
واسود.
الأخ
(يدق على المنضدة بقلم مخطط في يده)
:
من فضلكم (صمت) (ثم يواصل الأخ كلامه) أنا
مهمتي الليلة صعب وعايزكم تعاونوني، فلو نجحنا الليلة حيكون دا اجتماع تاريخي لمجلس إدارة
العالم (صمت).
ر.م.ا
(يتنحنح)
:
بتقول أخاوتك لو نجحنا، امال احنا
مجتمعين ليه ومجتمعين ازاي؟ احنا نجحنا، بقى لنا سنة وزيادة، نجاح حصل وحصل بشدة
كمان، نجاح ساحق مهول، نجاح اكتسح الكرة الأرضية، نجاح تردد صداه في الكون كله، أنا
ما ببالغش، لو فيه كائنات حية في المريخ وبتبص للأرض دلوقتي كان زمانها رصدت نجاحنا
من سنة فاتت، وشافت الكرة الأرضية وهي متخططة وحلوة وجميلة متحزمة ونازلة رقص في
أثير كمان، أنا سكت خلاص.
الأخ
(الذي كان يحدق فيه طول الوقت حتى أرغمه التحديق
على السكوت)
:
مش عايز أي مقاطعة، مفهوم احنا مؤسستنا اللي بدينا بيها يا سيد اليوجا
— فاكر — اسمها مؤسسة السعادة الحقيقية، بس مش للناس، ليكم انتو. واضح جدًّا انكم
سعدا ومبسوطين وموزعين مناطق النفوذ وكل شيء رائع وجميل في نظركم. حدش منكم سأل
نفسه هل السعادة الحقيقية اتحققت للناس؟ هل الناس سعدا فعلًا؟ دي عندكم مش مشكلة،
إنما عندي انا هي كل المشكلة، الليلة دي اجتماع فاصل، وعايزكم تعاونوني، بالظبط زي
أول يوم ظهرنا للناس فيه وبقينا علني، احنا بالتخطيط حققنا الخطوة الأولى، أيوه
صحيح، كان لازم «السادة» تزول، كان لازم العالم يتخطط، إنما هل وصلنا للسعادة
الحقيقية بجد؟ دا اللي بشك فيه، واللي بقالي سنة بشك فيه، بقالي سنة حاسس اننا لازم
نغير الابيض والاسود، ولازم نغيره بثورة، ولازم نثور على الابيض والاسود، لازم …
فركة كعب
:
نثور؟
دكتور ع الريق
:
نثور؟
٥٦ غربية
:
نثور؟
الأخ
:
أيوه نثور، ما تعرفوش يعني إيه نثور؟
(فجأة يضحك أهو كلام بصوت مرتفع، ينظر إليه الأخ.)
أهو كلام
:
أصل فهمت النكتة.
الأخ
(يتردد)
:
نكتة إيه؟
أهو كلام
:
الله! هو مش أخاوتك بتمتحنا عشان تشوف إذا كنا لسه مؤمنين بالابيض والاسود ولا
لأ؟
الأخ
:
أنا بتكلم جد.
فركة كعب
:
جد؟
دكتور ع الريق
:
جد؟
٥٦ غربية
:
جد؟
الأخ
(يردد)
:
أيوه جد.
(يفتح أهو كلام فمه ليضحك ولكن يعدل عن رأيه، وفجأة وكأنه قد أدرك متأخرًا يقول بدهشة
شديدة.)
أهو كلام
:
جد؟
الأخ
:
أيوه من هنا ورايح حنثور ع الابيض والاسود.
ر.م.ا
:
الابيض والاسود؟
الأخ
:
كانت مرحلة.
ر.م.ا
:
وحتفضل على طول يا سيادة الأخ.
الأخ
:
انتهت خلاص.
ر.م.ا
:
مين اللي نهاها؟
الأخ
:
أنا.
ر.م.ا
:
ولا مؤاخذة سيادتك اللي بديتها.
الأخ
:
زي ما بديتها حانهيها.
ر.م.ا
:
آهي دي بقى فيها كلام، ولا إيه يا أستاذ اهو كلام؟
أهو كلام
:
دا فيها كلام للصبح، للسنة الجاية، للعمر كله احنا ورانا إيه؟
الأخ
:
أنا زي ما بديتها حانهيها، دا الطريق.
فركة كعب
:
طريق ولا مش طريق، دا كان زمان قبل العالم كله ما يتخطط، دلوقت مفيش طريق غيره،
ولا يمكن يكون فيه طريق غيره.
الأخ
:
اسكت.
فركة كعب
:
إذا كان على سكوتي اسكت مفيش مانع، بس الكلام دا ما يتسكتش عليه ابدًا، ما
تتكلموا ساكتين ليه؟
(فترة صمت طويلة.)
طعمية
:
وحِّدوه.
الجميع
:
لا إله إلا الله.
(الأخ: ينقل بينهم نظرات ملتهبة قلقة.)
٥٦ غربية
:
بالراحة يا اخوانا، بالتفاهم، انت أخاوتك عايز بالظبط إيه؟
الأخ
:
الابيض والاسود ما أسعدشي العالم، وسعادة العالم هي هدفنا، فلازم نبتدي دعوة
جديدة.
دكتور ع الريق
:
دعوة تبشر بيها تاني، وتقنع الناس بيها ونطبقها.
الأخ
:
بالظبط كده.
٥٦ غربية
:
دول كانوا ضربونا ضرب، بقى نقعد سنين نقول لهم الابيض والاسود لغاية ما يصدقونا
ويتخططوا، ويدوبك لسه مخلصين نرجع نقول لهم لأ، اتلونوا تاني، دا كانوا ضربونا
ضرب.
الأخ
:
ضرب مش ضرب دا واجبنا ولازم نقوم به.
ر.م.ا
:
واجبنا النهارده دا نحافظ ع اللي
حققناه، انه يستمر، انه يبقى في أمان، اننا نبطش بأي واحد يفكر في هدمه، أي واحد
يا سيادة الأخ حتى لو كان واحد منا؛ لأنه ساعتها يبقى خالفنا، يبقى بيطعنَّا، يبقى
بيهد كل اللي عملناه، يبقى بيهدنا احنا.
الأخ
:
هو احنا الخطوط الابيض والاسود؟
دكتور ع الريق
:
بالظبط كده، بالظبط قبل ما يتخطط العالم كنا مجرد مبشرين، دلوقت زي ما احنا مجلس
إدارة العالم احنا برضه التخطيط، احنا الابيض والاسود، احنا الدعاية واحنا التطبيق.
الأخ
:
ورأيك كده يا ألماظ، ساكتة ليه؟
ألماظ
:
لأن كلامهم صح، الواحد بيبتدي الفكرة
ويمكن ما يبقاش مؤمن بيها ١٠٠ الماية، لما بيكافح عشان يحققها بيغوص فيها وتغوص
فيه لغاية ما هو والفكرة يبقوا شيء واحد، كلامهم صح.
الأخ
:
حتى لو كان الابيض والاسود نفسه غلط؟
ألماظ
:
حتى لو غلط يبقى برضه صح مدام بقى حقيقة، بقى واقع، بقى
العالم كله، يبقى هو الصح.
الأخ
:
غلط، غلط، غلط، دا جو خانق، دا جو مقبض، جو كئيب، احنا مش عصابة نحكم العالم،
احنا أصحاب مبادئ.
ر.م.ا
:
بالظبط، بالظبط، صح، صح جدًّا، احنا أصحاب مبادئ، بالظبط بالظبط أصحاب مبدأ
واحد، الابيض والاسود، احنا قلنا حاجة غير كده؟ وأي خروج علينا يبقى خروج على
مبدأنا، صح ولا مش صح؟
الأخ
:
مبادئنا هي الحقيقة، هي سعادة الإنسان.
ر.م.ا
:
وسعادة الناس انهم في الخطوط الابيض والاسود، صح ولا مش صح؟
الأخ
:
أنا باين زعيم عصابة مش زعيم المخططين.
أهو كلام
:
حاشا الله انت بنفسك بتقولها، زعيم إيه؟ زعيم المخططين، ما قلناش حاجة احنا.
الأخ
:
أنا مش بدَّن في مالطة، انتم عايزين تفهمونا انكم مش فاهمين؟ باقولكم إيه؟
باعترف اني غلطان، باعترف اننا لازم نكافح عشان الصح، أنا بنفسي باعترف اهه.
ر.م.ا
:
وإيه الفايدة يا سيادة الأخ؟ بعد ما المبدأ بقى دول وقارات وعالم بأكمله، بعد
ما بقى حركة، بقى صناعة وزراعة، بقى إنتاج، بقى الساعة الكونية المنظمة لحركة
الناس، بتعترف انك انت نفسك عايز تهد دا كله عليَّ عشان تبني حاجة جديدة، جايز هي
رخرة تطلع غلط وتقف يوم تحقيقها وتقول انا غلطان، فات الأوان يا أخ، مدام الفكرة
اتحققت وبقت عادة وبني آدمين تبقى هي الحقيقة الوحيدة، وأي حاجة في دماغك ليست سوى
مجرد فكرة لا قيمة لها (يرددون) بالمرة، مثلها مثل أي حلم من أحلام المراهقين.
الأخ
:
بتقول إيه؟
فركة كعب
(يتلفت في وجوه زملائه ثم يمد يده بعلبة سجاير ناحية الأخ)
:
تاخد سيجارة تركي؟
(يضحك المخططون ثم لا يلبث كل منهم في حديث هامس مع جاره في اليمين واليسار، فجأة
يدق الأخ المنضدة بجماع يده ويصرخ.)
الأخ
:
أنا كنت باتكلم عن الثورة (يحدقون ناحيته ثم يعودون إلى الانخراط في الأحاديث
الجانبية).
الأخ
(بصراخ أعلى)
:
الثورة عارفين يعني إيه ثورة؟ زي ما بشرنا بالابيض والاسود (لا
يزالون منخرطين في الحديث) حنبشر بثورة جديدة على الابيض والاسود بقى.
دكتور ع الريق
(مخرجًا من جيبه الداخلي زجاجة)
:
إيه رأيكم في كاس وسكي؟
ر.م.ا
:
الله عليها مع السيجار الكوبي (ويخرج من جيبه الداخلي بضع سيجارات).
فركة كعب
:
والجبنة الفلمنك يا جدع.
الأخ
(بزعيق هائل)
:
فركة كعب.
فركة كعب
(بطريقة كوميدية مع تعظيم سلام)
:
أفندم؟
الأخ
:
روح اقف تحت الصورة دي واقلع هدومك.
(فركة كعب ضاربًا تعظيم سلام وهو يبتسم أوسع وأعرض ابتسامة.)
الأخ
(بزعيق أعلى)
:
بقولك روح اقلع هدومك.
فركة كعب
(بصوت بارد كالثلج)
:
هه هه هه، بقول ايه؟ مش برضه تبقى بايخة شوية لما عضو
مجلس إدارة العالم يتعامل بالشكل دا ويقلع هدومه ويقف وشه في الحيط، مش شايف انها
كتيرة شوية يا أخ؟
الأخ
:
انت عضو مجلس إدارة العالم؟! انت؟! انت لا شيء، وانا اللي عاملك، انت كنت ولا زلت
فركة كعب، روح حتفضل طول عمرك فركة كعب.
فركة كعب
(مغمغمًا)
:
لا، لا، بلاش تلبيخ بقى، إذا كان ع التلبيخ نلبخ قوي.
الأخ
:
أنا اللي عاملكم يا أعضاء مجلس إدارة العالم.
ر.م.ا
:
لو سمحت لي وهدِّيت خلقك شوية وعملت تمرين كتم نفس، يمكن نقدر نتفاهم، انت عملتنا
مخططين صحيح، بس برضه احنا اللي عملناك زعيم، فاحنا العالم، وانت الزعيم ما بنقولش
حاجة، بس احنا العالم، فاهم يا أخ؟
الأخ
:
الانتهازي بيفضل طول عمره انتهازي.
دكتور ع الريق
:
بس بيتكلم كويس، بيتكلم صح، ما هو أحسن كلام في الدنيا تاخده من الانتهازيين
دول.
الأخ
:
حتى أنت يا بروتس؟!
دكتور ع الريق
:
أنا مش بروتس وانت كمان ما انتاش قيصر، احنا جمعنا مبدأ واحد آمنا به كلنا وأصبحنا
رفاق طريق، يبقى انت بقى اللي بتغدر بنا وتسيب الطريق.
الأخ
:
دا رأيك يا ٥٦ غربية؟
٥٦ غربية
:
انت مش عارف يا أخ ان نمرتي اتغيرت من زمان ما بقتش ٥٦ غربية، أنا دلوقتي ١٠٠٠ مليون
آسيوية.
أهو كلام
(يقف ويقول)
:
لو سمحتولي أيها الإخوة أعضاء مجلس إدارة العالم، لو سمحتلي أيها الأخ الزعيم، نفسي اقول
كلمة، اسمعوها من اهو كلام، داحنا زي الدنيا مع التخطيط
اتولدنا، وإذا مات التخطيط حانموت معاه، دا هو احنا خلقناه واتخلقنا معاه، وهو قدري،
كنا من غيره لا شيء وأصبحنا به كل شيء، وهو كان من غيرنا فكرة في دماغك يا أخ دلوقت
بقى الدنيا كلها، من غيره نعمل إيه والناس تعمل إيه؟ داحنا نتوه والناس تتوه.
(يصفقون له تصفيقات متناثرة وبقوة ينحني عدة مرات ويجلس) أشكركم، أشكركم.
طعمية
:
عين العقل انك ترضى بنصيبك، ما تبقاش العضمة في بقك وتبص لعضمة تانية.
الأخ
:
يعني بقى كلامك معقول قوي يا طعمية ومفهوم خالص.
طعمية
:
اللي ما بتعلموش الأيام تعلمه الليالي، واللي ما يفوقش وهو رئيس مجلس إدارة
العالم امتى حيفوق؟
الأخ
(واقفًا ومحدقًا فيهم)
:
عمر م الفيران تنفع قطط ولا الكلب يبقى ديب، وانا مش
بستغرب اللي حصل، بالعكس كنت متوقعه، وإذا كان على مجلس إدارة العالم اعتبروا ان دا
آخر يوم لكم فيه، انتم من النهارده مفصولين، وزي ما عملتكم حاعمل غيركم (يغادر
كرسيه فيقوم ٥٦ غربية ودكتور ع الريق ويمسكان به).
طعمية
:
جابوا العروسة لقيوا العريس غضبان.
٥٦ غربية
:
على فين انشا الله؟
الأخ
(متخلصًا منهما)
:
رايح للناس، الناس الأشرف والأنضف من مجلس إدارتهم.
طعمية
:
جابوا العروسة لقيوا العريس غضبان.
الأخ
:
كنت فاكرك تيجي معايا يا ألماظ.
ألماظ
:
أنا؟
الأخ
:
يا أقرب الناس لي.
ألماظ
:
أنا مشيت وياك والعالم في دماغك مخطط وسعيد وقلبك فيه
الدم، دلوقتي بعد ما آمنت بالعالم المتخطط السعيد اللي كان في دماغك عايزني اسيبه
وامشي وراك؟ ما اقدرش، انا كنت مؤمنة بالابيض والاسود لأني كنت بحبك، دلوقت بحبك
لأني مؤمنة بالابيض والاسود، ما اقدرش …
الأخ
:
وانا؟
ألماظ
:
انت عمرك ما احتجت لحد، روح ومش حتمنى لك التوفيق.
(يتجه الأخ إلى باب الخروج، يتحرك ٥٦ غربية ويمسكه بينما يعترض طريقه دكتور ع الريق.)
دكتور ع الريق
:
مستحيل نسيبك تخرب اللي عملناه، مستحيل.
خطب، مجرد خطب تقولها في احتفال، معلش، احنا يا أخ لو سبناهم م الأول يختاروا
كان ممكن نموت كلنا ويموت اولادنا وأحفادنا قبل ما يتخطط العالم ويبقى كله ابيض
واسود، الناس عشان تختار عايزة زمن، عايزة خلافات وخناقات، والحياة قصيرة والوقت
محدود، وده اللي خلانا نعمل مخططين، واللي خلانا نرضى بك زعيم ونستحمل نبقى اقل من
خدامك وعبيدك ونتعلم ازاي نتسلل وازاي نتخابث وازاي ننافق وازاي نطعن وازاي نحاصر،
وكل دا عشان نحقق الحلم واحنا لسه عايشين، ما هو حلم اتحقق، عايز تحلم وتحقق تاني؟
احلم لوحدك وإن الناس اللي بتتكلم عليهم دول، واحنا، والدنيا كلها عايزة تعيش،
كفاية عليهم أحلام، الناس عايزة تعيش.
الأخ
:
يا خسارة، كنتو متمردين على أوضاع دلوقتي اتوافقتوا معاها.
أهو كلام
:
اتوافقنا طبعًا مع الأوضاع اللي حفينا واحنا بنحلم بيها، جريمة يا ناس اننا
نتوافق في الوضع؟!
٥٦ غربية
:
يا عم الله يرضى عليك، الناس عايزة تعيش.
ر.م.ا
(فجأة)
:
ولا انت كمان تعرف الناس، اسمع، انت عايز تروح للناس، عايز تروح لهم،
سيبوه، سيبوه يروح للناس، سيبوه.
(ستار)
المشهد الثاني
(حين يُفتح الستار نجد
المخططين في أماكنهم من منضدة الاجتماع بينما كرسي الرئيس لا يحتله أحد، ونجد
قريبًا من المجتمعين ضابط بوليس يرتدي زِيَّ بوليس مخططًا أيضًا كبير الرتبة، كبير
السن، ناعمًا جدًّا، يقف كأنما هو في حالة الإدلاء بتقرير.)
ر.م.ا
:
مين اللي بلغكم؟
الضابط
:
صاحب القهوة بنفسه يا افندم.
ر.م.ا
:
قال لكم إيه بالضبط؟
الضابط
:
قال انه والزبائن كانوا قاعدين في أمان الله، بصوا لقوا واحد لابس
بدلة حمرا داخل عليهم وقعد في طرابيزة لوحده، استغرب معلم القهوة والزبائن اللي
حواليه م البدلة بتاعته؛ لأن القماش الاحمر مقطوع خالص م السوق، وده جابها منين ده؟
إنما ما كلمهمش، سابوه في حاله بصوا لقوه بعد شوية بدأ يقول الخطوط دي كلام فارغ،
لا بد من ثورة على الابيض والاسود، افتكروه مخبر واحنا باعتينه عشان يختبر إخلاصهم،
فنزلوا فيه شتيمة وقالوا له مفيش احسن في الدنيا م التخطيط، قال لهم انتم
مبسوطين؟ قالوا احنا …
ر.م.ا
:
وبعدين؟ انا عايز اعرف بالظبط حقيقة اللي حصل إيه.
الضابط
:
الحقيقة اللي حصلت
في القهوة يعني، واللا اللي مكتوبة في التقرير؟
ر.م.ا
:
أنا مش بهزر، الحقيقة بجد بقولك.
الضابط
:
ما هم الاتنين بجد يا افندم.
ر.م.ا
:
انت فاهمني، والا مش عاوز تفهمني؟
الضابط
:
فاهمك كويس قوي يا افندم، حاقول
لسعادتك المعلم بيقول انه الناس في الأول قعدوا يشتموه افتكروه مخبر احنا بعتينه
علشان نكشف أعداء الابيض والاسود.
ر.م.ا
:
دا استنتاجك والا كلام المعلم؟
الضابط
:
كلامه يا افندم، ورحمة والدي كلامه.
ر.م.ا
:
وبعدين؟
الضابط
:
الظاهر ان سعادة أخاوته حس انهم خايفين منه، فقالهم انتم مش
عارفين انا مين؟ أنا الأخ بنفسه، وانا كنت غلطان، وبيقول اننا لازم نثور ع الابيض
والاسود.
ر.م.ا
:
هيه؟
الضابط
:
ف. ق.
ر.م.ا
:
ق. إيه؟ حصل ايه؟ خلصني.
الضابط
:
عملنا شغلنا وقبضنا عليه وعلى زباين القهوة.
دكتور ع الريق
:
وازاي البوليس اللي مسكه عرفه انه الأخ؟
الضابط
:
الله يا سعادة عضو المجلس
الإدارة، هو البوليس غبي للدرجة دي؟ من صوره.
ر.م.ا
:
وبعدين حصل إيه؟
الضابط
:
دا كله كان في القسم، القسم أخطر المباحث الجنائية،
والمباحث الجنائية أخطرت المباحث العامة، وأخطروني رحت لقيته في حالة يُرثى لها،
ركبته في عربية مقفولة وجبته على هنا، ضمدنا جروحه، واحنا في انتظار الأوامر.
فركة كعب
:
ومش بالمرة تقول لنا عملتوا إيه في الافندي التاني؟
الضابط
:
تحفَّظنا عليه يا افندم، وهو دلوقتي في سجن الأعداء في القطب الجنوبي.
ألماظ
:
وليه ما حكمتهوش بتهمة الخيانة؟
الضابط
:
وعلى إيه المحاكمة يا افندم؟ جايز يتكلم، جايز لسانه يفلت بكلمة
عن سيادة الأخ، القطب الجنوبي كويس قوي لأمثاله.
ر.م.ا
:
هاتوه.
الضابط
:
م القطب يا افندم؟
ر.م.ا
:
من الأوضة التانية يا حضرة الضابط، امال بوليس وذكي ازاي؟
الضابط
:
أمرك يا
افندم (يعظِّم ويخرج).
ر.م.ا
:
مش قلت لكم سيبوه، أنا عارف الناس كويس.
(يفتح الباب ويدخل الضابط أولًا ثم في أعقابه يظهر الأخ على جبهته آثار جرح مضمد وفي
جبهته كدمة ويرتدي بدلة حمراء فاقعة.)
ر.م.ا
:
طب سيبنا انت.
الضابط
:
هو ولا انا يا افندم؟
ر.م.ا
(كاتمًا نفسه)
:
انت، انت يا حضرة.
الضابط
:
أمرك يا افندم (يعظِّم ويخرج).
(يظل الأخ واقفًا قريبًا من الباب المغلق.)
ر.م.ا
:
رحت للناس يا أخ؟ (الأخ لا يرد.)
ر.م.ا
:
أظن اللي حصل لك دا يخليك تفكر ألف مرة قبل ما تكلمنا عن الألوان.
ر.م.ا
:
لأ، اسمحلي بقى، آدي انت حاولت تروح للناس تقول لهم الحقيقة، رفضوك الناس،
الأرض كلها رفضتك، الأرض كلها مخططة ما فيهاش خرم إبرة لأي لون، بيتهيألي مدام
ما لكش مكان في الأرض لازم تروح السما، تحب تروح السما؟
الأخ
:
أروح السما ازاي؟
ر.م.ا
(وهو يقوم من مكانه)
:
ببساطة شديدة، بمنتهى البساطة (يكون قد وصل إلى قطعة
الموبيليا التي تشبه الشوفونيرة والمركونة بجوار الحائط) كده (يضغط على زر فيها،
يتصاعد من الجهاز صوت مذيع يتحدث بنبرات متهدجة).
المذيع
:
وهكذا أيها الإخوة سكان
العالم الحزين، بعد ما رقد جثمان زعيمنا مؤسس التخطيط في قاعة الأعمدة الرخامية
بالقصر الكبير ليُلقي عليه عشرات الملايين من أركان الدنيا الأربعة نظرتهم الأخيرة، ها
هو الجثمان يوضع في التابوت ويُلف بعلم الدنيا المخطط، والألوف تحمله إلى خارج
القاعة حيث يُشيَّع جثمانه الكريم إلى مقرِّه الأخير.
(يضغط ر.م.ا على الزر مرة أخرى.)
مذيع آخر
(عاليًا هذه المرة)
:
وها هو النعش الذي يضم أعز إنسان عاش أو سيعيش على سطح الأرض، يطل على الآلاف
المؤلَّفة التي احتشدت وأبت أن تغادر مكانها منذ أيام تنثر فوقه الزهور المخططة،
ويودِّعوه والحزن جاثم على الأنفُس والصدور يخنقها البكاء ويلفُّها بالآلام، حتى الأطفال
أراهم من مكاني يبكون.
(يضغط ر.م.ا على الزر.)
مذيع آخر
(بصوت عال مبحوح وكأنه من أثر البكاء)
:
وها هو الموكب الحزين يغادر الشارع الرئيسي ويطل على الميدان. إن بطل العالم
وخالقه ومنشئه من جديد يغادر عالمنا التعس. إنها لحظة لا بد أن نقف لها جميعًا
خاشعين، حتى الكواكب في سمائها لا بد أن تخشع؛ فإن الكارثة أكبر من أن تحتملها
وحدها كرتنا الأرضية المسكينة، أيها الإخوة سكان العالم! إن الروح تغادر عالمنا إلى
الأبد. هنيئًا لها في مستقرها، وليكن عزاؤنا أنه إذا كان الزعيم قد ذهب فإن التخطيط
باقٍ، ومجلس إدارة المخططين — هؤلاء الإخوة المخلصين — باقٍ، ليكن عزاؤنا أننا سنظل
دائمًا وأبدًا تلاميذ المخططين المخلصين.
ر.م.ا
:
تحب تسمع تاني؟
الأخ
(بنوع من الاستسلام)
:
لا، كفاية.
ر.م.ا
:
ما تحبش تروح السما، مش كده؟
الأخ
:
ومن رضي قبلي بالموت؟
ر.م.ا
:
يبقى اتفقنا، فين الموت م الحياة؟ وأي حياة؟ دي ألذ وأجمل وأروع حياة خلقها
ربنا، زعيم العالم كله، الدنيا كلها تحت أمره، يعيش ويحكم ويستمتع بكل لحظة وثانية
من عمره ويعوض بيها كل اللي فات، كل الحرمان اللي فات.
طعمية
:
والطعمية، واهو كلام.
أهو كلام
:
والبيات في الاجران وعلى الأرصفة.
فركة كعب
:
وأعقاب السجاير.
٥٦ غربية
:
والرفض، منين ما تروح يرفدوك، أعوذ بالله.
ر.م.ا
:
النهارده بالذات يوم مهم، النهارده العالم كله بيحتفل بعيد ميلادك، تصوَّر العالم
كله فاكر عيد ميلادك وانت بس اللي ناسيه، والجماهير مالصبح مالية الميدان ومستنية تطل
عليها وتقول لهم كلمة، حد يسيب كل ده؟ بذمتك دا ولا المجانين (يقول هذا ويعود إلى
كرسيه، وكذلك تعود ألماظ، بينما الأخ في مكانه لا يتحرك، يصمت الأخ وكأنه يفكر في ألف
شيء معًا، ثم يجلس ثانية مترددة، ثم وقفة يتوجه إلى حيث كرسيه، وما إن يصل إليه حتى
يهبَّ الجميع واقفين، يجلس الأخ كأنما يتهالك ويظلوا واقفين).
الأخ
:
اتفضلوا.
(يجلسون)
فركة كعب
:
ما أحلى الرجوع إليه، حاشرب عشرة أنخاب عودة الشمل، مفيش احسن من كده في
الدنيا.
الأخ
:
نبتدي.
ر.م.ا
:
احنا تحت أمرك.
الأخ
:
فيه إيه في جدول الأعمال؟
(وأصوات جماعية محتشدة في الخارج ترد عبر النوافذ.)
أهو كلام
:
فيه اقتراح مرفوع لنا من قواعد الجالية الاسترالية في كندا، بيقترحوا فيه الأرض
اللي بيزرعوا فيها طويلة جدًّا ومش ممكن تخطيطها بالطول، اننا نسمح لهم تخطيطها
بالعرض.
طعمية
:
الاقتراح مرفوض، مش ممكن.
فركة كعب
:
مرفوض ليه بس؟ والله اقتراح معقول جدًّا، إيه المانع انهم يخططوا بالعرض، فيها
إيه، ما هو كلها خطوط في خطوط؟
طعمية
:
أصل التخطيط بالطول له حكمة.
فركة كعب
:
حكمتها إيه بقى؟
طعمية
:
عمر اللي يخطط بالطول ميعرفش يخطط بالعرض.
٥٦ غربية
:
لأ، أبدًا، دا حكمتها تبان للأعمى، دي باينه من أبسط حاجة، امسكوا عجل العربية
مثلًا، طب ما ممكن كانوا عملوه بالعرض، والعربية تمشي بعرضها، عملوه بالطول ليه؟
لأن محدش يقدر يمشي إلا بطوله، احنا عايزين نمشي نجري على ألف ٥٠٠ كيلو كده، كده
ولا لأ يا سيادة الأخ؟
الأخ
:
ليه متتخططش بالعرض يعني؟
٥٦ غربية
:
تمام كده ليه؟
الأخ
:
لأن الأصل في التخطيط إيه؟ هو التحديد اﻟ… اﻟ… اﻟ… (ثم منفجرًا) لأ،
مستحيل، دا الضرب ارحم، دا السجن ارحم، والموت ارحم، لساني مش قادر ينطق اللي انا
مش حاسه بقلبي، اللي مخي بيفكر في غيره، أنا مش حجر انا بني آدم، ومش بني آدم وبس
دانا مؤمن بحاجة تانية خالص، أنا كافر، كافر بخطوطكم وابيضكم واسودكم، أنا العالم
بتاعي، العالم اللي بيناديني وبحلم بيه عالم تاني خالص (أصوات الجماهير يتزايد
علوُّها في الخارج) أنا لا يمكن اخدع نفسي أبدًا واضحك عليها، لا يمكن اخدع الناس
اللي برا دول واكدب عليهم، الناس ذنبها إيه؟
ر.م.ا
:
ذنبها انك انت اللي خليتهم يؤمنوا بكده.
الأخ
:
وزي ما خليتهم يؤمنوا حاخليهم يكفروا بالكدب ويآمنوا بالحقيقة المخنوقة هنا،
اللي بتخنقوها عن عمد حاحررها واخليها لكل الناس.
ر.م.ا
:
حتعمل ايه يعني؟
الأخ
:
حاعمل كده (يندفع خارجًا إلى الشرفة، وما إن يطل على الناس حتى تتصاعد نوبات
هتاف حارة متعالية. يبتسم الأخ في غبطة عصبية ويلوح للجماهير فتزداد حمَّى الهتاف،
يُلقي نظرة على المخططين وكأنه يتشفَّى فيهم، ثم يعود يلوِّح للناس فيصل الجئير إلى حد
الحمَّى والسعار).
(يسرع ر.م.ا إلى حيث الجهاز، ويتطلع إلى الصورة.)
الأخ
:
يا أبناء العالم (موجة هتاف عالية تتلاشى رويدًا حتى تنتهي).
الجماهير
:
عاش الأخ، عاش الأخ، عاش الأخ!
(هتاف)
أحد الجماهير
:
هو لابس بدلة حمرا ليه؟
الأخ
:
أشكركم أنكم كبدتم أنفسكم مشقة الحضور لتهنئتي بعيد ميلادي، والحق أن اليوم هو
عيد ميلادي الحقيقي، وأني سأنتهز هذه الفرصة لأقول لكم كيف وُلدت من جديد، لقد
اكتشفت يا زملائي في الإنسانية أن التخطيط، الأبيض والأسود.
الميكروفونات
:
أعظم
وأهم اكتشاف عرفه الإنسان منذ أن أصبح إنسانًا.
الأخ
:
كدب، كدب، كدب.
الميكروفونات
:
وأن أعظم ما يمكن أن نؤديه من خدمة لأبنائنا
وأحفادنا أن نحافظ على هذا الاكتشاف ونرعاه ونؤمن به ونقدسه، مثلما نؤمن ونقدس حبات
العيون.
الأخ
:
كنت غلطان، أنا باعترف، لقد أخطأت، كان العالم في رأسي.
الميكروفونات
:
الويل
كل الويل لمن يفكر في معاداة طريقنا.
الأخ
:
إني معكم إلى آخر قطرة من دمي، لقد أذنبت، وها أنا ذا أختنق بنفس وسائلي.
الميكروفونات
:
إنهم أعداؤنا أعداء الأبيض والأسود، أعداء البشرية، أعداء الإنسان،
أعداء الله، أعداء الشرف، أعداء ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، أشكركم وأحييكم.
ر.م.ا
:
مش ممكن نسمح لك بكده أبدًا.
الأخ
:
تسمحوا لي بإيه؟
ر.م.ا
:
انك تهد اللي بنيناه، انت فاكر كلمتك ليَّه: اللي يبني حاجة مش ممكن هو بنفسه اللي
يهدها؟ دي عايزة واحد تاني بعقلية تانية.
الأخ
:
ابعد عني.
ر.م.ا
:
ما عنديش مانع ابدًا، بس لي طلب صغير جدًّا، بسيط خالص.
الأخ
:
عايز ايه؟
ر.م.ا
:
تسمح لي بالكرسي دا.
الأخ
:
دا كرسي بتاعي وانا لا يمكن اسيبه.
ر.م.ا
:
دا عهدة، دا بتاع زعيم المخططين، تسمح لنا بيه؟
الأخ
:
وانا، أنا اروح فين؟
ر.م.ا
:
انت …
(تنطفئ الأضواء في القاعة لتظل صورة الأخ وحدها هي المضيئة بالكشافات،
بينما يبدو المخططون في ضوء سلويت وهم جميعًا يتركون مقاعدهم ويتجهون في اتجاه
الصورة ويتطلعون إليها، تاركين الأخ على كرسيه في الظلام بينما ببطء وبشكل محسوس
ينسدل الستار.)
ر.م.ا
:
انت معجزة العصر وكل عصر.
دكتور ع الريق
:
مؤسس وكالة المخططين في العالم.
طعمية
:
ومانح السعادة للغلابة والمساكين.
أهو كلام
:
وزعيمنا وقائدنا.
٥٦ غربية
:
ومعلمنا.
فركة كعب
:
ومثلنا الأعلى ومانحنا البركة.
ألماظ
:
وحبيبنا وحبيب الدنيا لأبد الآبدين.
(ستار النهاية)