الحداثة … وما بعدها
يرجع البعض استخدام تعبير الحداثة — للمرة الأولى — إلى النقد الفرنسي — بودلير تحديدًا — في عام ١٨٥٩م، وقد أطلِق على الاتجاهات الحديثة في الفن التشكيلي الفرنسي.
وإذا كانت الحداثة كما تصوِّرها اجتهادات نقدية «تقاليد تناقض نفسها، ولحظة تدمير للشروط والقواعد السائدة، وتخريبًا عميقًا لها» (يذهب رولان بارت إلى أن الحداثة تبدأ بالبحث عن أدب مستحيل)، فإن الحداثة لا تعني المستقبل فقط؛ هذه نظرة خاطئة. إن تعريف الحداثة يمكن أن يُطلَق على كافة تجليات الإبداع في كل العصور، والتي قامت بالدور التدميري والثوري للمستقِر وتجاوزاته. فشعر المتنبي وابن الرومي، ومخاطبات النفري، وفلسفة ابن عربي، وحكايات ألف ليلة، وأعمال رامبو وديستويفسكي وكافكا وهمنجواي ومحفوظ وإدريس وماركيث … كلها أعمال حداثية طمحت أن تقدم شيئًا مغايرًا وغير متشابه بغية خلْق إبداعي جديد. بل إن بودلير يصِف الحداثة بأنها «ما هو انتقالي، عابر، عارض، هي نصف الفن الذي يتمثَّل نصفه الآخر فيما هو أبدي لا يتغير.»
الحداثة — في تعريف جياني فاتيمو — «حالة وتوجُّه فكري تسيطر عليهما فكرة رئيسة مضمونها أن تاريخ تطور الفكر الإنساني يمثِّل عملية استنارة مطردة، تتنامى وتسعى نحو الامتلاك الكامل والمتجدد — عبر التفسير — لأسس الفكر وقواعده.» والحداثة تعني أن العمل الفني يمتلك هُويَّته الخاصة التي يحددها بنفسه. ربما لهذا اعتبر البعض ثلاثي جيمس جويس ومارسيل بروست وفرانز كافكا هم بداية الحداثة، ومن هنا يأتي قول رامبو: «يجب أن نكون مطلقي الحداثة.»
والحداثة تعني أحد مستويين: أولهما هو الاستخدامات اللغوية، بكل ما تحمله من دلالات. أما المستوى الثاني فهو فلسفة الحياة عند الفنان، نظرته الشاملة من الكون والعالم والمجتمع والإنسان وعلم الجمال والموروث … إلخ.
الحداثة — بأبسط عبارة — هي التغيُّر المستمر، والحتمي، ثم التقدم الدائم والمتوقع. ومع ذلك، فإنها لا تعني رفض الماضي، أو الانسلاخ عنه، إنما هي التواصل، ارتباط الجذور بالأفرع والأغصان.
•••
إن النظريات الفنية والأدبية والنقدية تتلاحق من أواسط القرن العشرين. عشرات النظريات تتعارض وتتداخل وتتشابك وتتقاطع، فتصيب المبدع — فضلًا عن المتلقي العادي — بحيرة صادمة.
كان رفض البنيوية (تينيانوف هو أول من استخدم لفظة «بِنية» في مطالع العشرينيات، ثم استخدم رومان ياكبسون كلمة «البنيوية» — لأول مرة — في ١٩٢٩م) ثم التفكيك، للمذاهب النقدية السابقة والمعاصرة لغياب المعنى. لكن البنيوية فشلت في تحقيق المعنى، بينما أفلحت في تحقيق اللامعنى. بدا الرفض لذاته إذن دون تقديم البديل أو المغاير. ثم تقلصت النظرية البنيوية؛ احتلت مساحات من أرضها نظريات ما بعد البنيوية، وما بعد الحداثة. مضت البنيوية إلى أفق الغرب منذ العام ١٩٦٦م، وتولى جاك دريدا في محاضرة بجامعة «جونز هوبكنز» خطوات التغسيل والدفن وإحلال التفكيك بديلًا (المرآة المحدبة، ص١٥)، ولكن المشكلة عند التفكيكيين أنهم لا يعترفون بوجود النص أصلًا!
•••
تقول نك كاي إن «الحداثة هي الأرض التي تقف عليها ما بعد الحداثة، وتشتبك معها في جدال ونزاع دائم، وهي الأرض التي تمكِّنها أيضًا من الدخول في حوار وجدل مع نفسها. ومن هذا المنظور تتضح مشكلة تحديد الملامح المميزة لفن تيار ما بعد الحداثة. وهي مشكلة تتلخص في أن التوصُّل إلى معنى وخصائص ما بعد الحداثة لا يتأتى إلا عن طريق الخوض في معاني وخصائص الحداثة والحداثية» (ما بعد الحداثية والفنون الأدبية، المقدمة).
والحق أن المذاهب الفنية في الغرب هي إفرازات لأحداثٍ مهمة، وانعطافات في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.
المذاهب المعاصرة في الغرب لم تظهر عفوًا ولا مصادفة، إنما أملتها طبيعة المرحلة التي حاول المبدعون أن يعبِّروا عنها، وحاول النقاد مناقشتها بالتالي في ضوء التوجُّه الإبداعي المغاير. وبطبيعة الحال، فإن الجديد لا بد أن يصبح قديمًا. حتى أعمال فرجينيا وولف التي اعتُبِرت بداية للرواية الجديدة، أصبحت — في رأي ناتالي ساروت — فطرية ساذجة، كما تحولت أعمال جويس وبروست إلى مجرد شواهد تمثِّل زمنًا ماضيًا!
ثمة تعريف لما بعد الحداثة بأنها التشكيك في كل النظريات أو القصص الشارحة. ما بعد الحداثة — كما يقول ليوتار — لا تتحقق إلا في صورة محاولة لتدمير كل التصنيفات والتقسيمات والإفلات منها، وفي صورة تشكُّك جذري في كل ما هو معروف ومألوف وثورة عليه؛ إنها حالة من عدم الاستقرار الدائم. وعلى سبيل المثال، فإن فنون ما بعد الحداثة تقيم علاقة مركبة جديدة مع الماضي، وتتخطى كل التصنيفات الفنية، وتقاوم التقنين والتحديد، وتكسر القواعد. وتصِف نك كاي ما بعد الحداثة — في الفن والأدب والمسرح — بأنها تقترن بمحاولات التكسير والقلقلة التي تدفعها الرغبة في تحدي قدرة عناصر العمل الفني ما بعد الحداثي، باعتباره شيئًا يحدث بصورة دائمة دون نهاية. إنها — بتعبير آخر — سعي إلى مراوغة القواعد وتجاوزها، أو تدميرها، وخرق الحدود المتفق عليها، بمعنى رفض كل التصنيفات، وخلخلة فرضيات قواعد الفن وقواعده، وبمعنى تقويض للسعي نحو تحقيق الاكتمال، والاكتفاء الذاتي للعمل الفني. إنها تتبنى مبدأي التشظي والتنافر، وتطرح من خلالهما أسلوبًا ينأى عن النموذج المثالي القديم للعمل الفني المتكامل، الذي يفقد الكثير من قيمته لو أنه أضيف إليه، أو حُذِف منه.
وإذا كانت الحداثة ترتبط بالحركة الاجتماعية الشاملة التي استهدفت الخروج من مجتمعات العصور الوسطى، والانتقال إلى مجتمعات تدين بالرأسمالية وما رافقها من ميْل إلى التجديد والتحديث، فإن ما بعد الحداثة تجد بدايتها في الولايات المتحدة. وبالتحديد منذ انتصارات الحرب العالمية الثانية، وما تلاها من محاولات للهيمنة، فضلًا عن أنها التقت في مرحلة لاحقة باتجاهات ما بعد التعبيرية الأوروبية، وهي كذلك تعبير عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع الأمريكي، ورفعتها الرأسمالية المتعددة القومية إلى مرتبة نموذج مثالي يجرى تعميمه على مستوى العالم كله.
واللافت أن اهتمام مثقفينا بالبِنيوية قد بدأ عندما بدأ اهتمام مثقفي الغرب بها يقلُّ ويذوي، بل إنها أصبحت — في أذهان النقد الغربي — تنتمي إلى الماضي.
•••
إن التخلف الذي نرسف في إساره يجعل من الحداثة ضرورة … ولكن أي حداثة؟
هذا هو السؤال …
الملاحَظ أن البعض من فاقدي الموهبة يلجئون إلى أواخر المذاهب الفنية، دون أن تشغلهم الظروف الموضوعية التي أثمرت ذلك، وهي ظروف لها إرهاصاتها وبواعثها، بحيث تشكِّل النتيجة التي كان المذهب الفني محصلة لها. أخشى أن أقول إن العديد من تلك الكتابات يحاول — ولو بحسن نية — طمس هويتنا، يبعد بإبداعاتنا عن محاولات التأصيل وتأكيد الانتماء والجذور.
الثابت — تاريخيًّا — أن الحداثة الأوروبية، عندما ازدهرت في الأعوام الأولى من القرن العشرين، إنما تحقَّق ذلك عند التقاطع بين نظام حاكم شبه أرستقراطي، واقتصاد رأسمالي شِبه مصنَّع، وحركة عمالية شبه ناشئة، أو شبه متمردة، فأين الواقع العربي — باختلاف الوقت وتباين الظروف — في هذه الصورة؟
إن لحظتنا الحضارية تختلف عن اللحظة التي يحياها الغرب. دعك من التعبيرات المخدِّرة مثل القول إن العالَم قرية صغيرة … فثمة مجتمعات منتِجة، وأخرى مستهلِكة، وثمة من يعاني مشكلات الترف والديمقراطية والحرية، ومن يعاني مشكلات الفقر وحق الإنسان في المقومات الدنيا للحياة.
أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون هدف جميل، لكن اللحظة الحضارية أشبه بنظرية الأواني المستطرَقة، والفن ينبغي أن يعبِّر عن المجتمع الذي صدر عنه، وليس عن مجتمعات الآخرين. لا أتصور أن العمل الإبداعي يمكن مناقشته بعيدًا عن بيئته، عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي صدر عنها، ونشأ فيها.
ولا شك أن الحداثة الغربية تنطلق من قلب تراث حضاري وتاريخي وفلسفي وإبداعي، له خصوصيته المؤكدة. إنها نتاج واقع مغاير للواقع الذي يجدر بالحداثة العربية أن تنطلق منه. وعلى سبيل المثال، فإن البنيويين، يفرضون على النصوص الإبداعية «نظامًا ليس نابعًا منها، ولا كامنًا فيها، بل هو سابق ومسقط عليها، وأنه يحتمي بالتجريد والغموض لعجزه عن السيطرة على المادة» (فصول، فبراير ١٩٩١م). حتى المفاهيم والمصطلحات التي تطالِعنا في كتابات الحداثة العربية، تنتسب إلى ثقافة أخرى، مغايرة، وهو ما يفضي — بالضرورة — إلى حدوث انفصام بين المبدع والنص الذي يقرؤه.
ومع أن المناخ الثقافي في كل من أمريكا وأوروبا أقرب منه إلى المناخ الثقافي بين كل منهما، وبين الوطن العربي، فإن الأمريكية إديث كروزويل ذهبت إلى أنه من الصعب على البنيوية أن تجد في أمريكا الاستجابة نفسها التي لقيتها في فرنسا، وذلك لاختلاف النظرة إلى التاريخ، وإلى المستقبل. وفي المقابل، فقد وجدت التفكيكية في الثقافة الأمريكية تربة صالحة لاقترابها من المزاج النفسي الأمريكي أكثر من اقترابها من المزاج النفسي الفرنسي.
نحن نلجأ في خطابنا الأدبي — ربما دون تبصُّر — إلى المفردات والتعبيرات المستوردة، لا نحاول التعبير بما يعكس خصوصية لغتنا وثقافتنا وفكرنا. إن المذاهب الأدبية والنقدية الأوروبية هي إفراز لإبداع الغرب. ولعلَّنا في حاجة إلى الحداثة التي تجاوز التخلف، وتسعى إلى الإضافة والتطوير والتقدم في كل الآفاق، وهي حداثة يجب أن تصدر عن ظروفنا، تنبع منها، لا تحاكي، ولا تقلِّد، ولا تقتات على موائد الآخرين، ولا تعبِّر عن واقع ليس هو الواقع الذي نحياه.
ولعلِّي أزعم أن أعمالي التي توظِّف التراث قد تنتسب إلى ما بعد الحداثة من حيث إن ما بعد الحداثة تسعى «عن وعي إلى إعادة طرح صور من الماضي، باعتباره كيانًا مبهمًا، لا يمكننا التعرف عليه يقينًا، ولا نملك إلا أن نعيد بناءه، المرة تِلوَ الأخرى، من خلال الجدل المستمر بين العديد من الصور المعاصرة التي تحيل إليه، وتسعى إلى تجسيده، باعتباره فكرة مجردة» (ما بعد الحداثية والفنون الأدائية، ٢٦، ٢٧).
•••
أعرف أن مدَّعي الحداثة العرب يوجِّهون الاتهام، إلى كل من يختلف معهم، بالجهل والتخلف، لكن الاستيراد قد يصح فيما يصعب على قدراتنا أن تنتجه — التكنولوجيا مثلًا — في حين أنه من غير المتصوَّر أن نستورد الفكر والإبداع أيضًا. الأدب تعبير عن خصوصية في التاريخ، وأنماط التفكير، واللحظة المعاشة، بالإضافة إلى أن متلقي الأدب — في الدرجة الأولى — هو الوجدان.
إن البِنيوية والتفكيكية وغيرها من معطيات الحداثة، ليست إلا مرحلة أخيرة — وليست نهائية — للفكر الفلسفي في الغرب، متداخلًا مع الإبداع الذي يحاول أن يعبِّر عن فلسفة حياة. إنها نتاج للحداثة الغربية بكل ما تنطوي عليه من ظروف وملابسات. فإذا تمَّ نقلها إلى العربية في عزلة عن تلك الظروف، افتقدت شرعية الأبوَّة والبُنوَّة، وعانت غياب النسب!
المؤكد أن عمقي الحضاري يمتد بضع آلاف من السنين، بينما العمق الحضاري للغرب يمتد بضع مئات من السنين، مما يفرض مغايرة حادة، والتأكيد على عدم النقل عن الحداثة الغربية، يعني — ببساطة — إنشاء حداثة عربية، وهو ما لم يتبدَّ — حتى الآن — في الأفق القريب، أو البعيد.
ثمة بُعد آخر: إذا كان من حق الفنان الموهوب أن يستشرف في إبداعه أفقًا أوسع، فإن من واجب الذين يعانون غياب المعرفة والموهبة ألا يحاولوا القفز دون أن تسعفهم قدراتهم. والبديهي أن طالِب الفن التشكيلي يبدأ بدراسة التشريح قبل أن يدرس الكلاسيكية وينتهي بالتجريبية والسوريالية وغيرها من المذاهب الحديثة.
والحق أني أنظر إلى العمل الإبداعي من وجهة نظر تناقش وتحلِّل وتفيد من القراءات والخبرات والآراء، فلا تأخذ إلا بما ترى أنه أقرب إلى فهمي وتفهُّمي، وإلى صلتي بالعملية الإبداعية.
أصارحك بأني أقف — في الأغلب — موقف المتحير أمام الخطوط المتوازية والمتقاطعة والمائلة، والزوايا الحادة والمنفرجة، والدوائر، والمستطيلات، والمثلثات، والمعادلات الجبرية، والشفرات، والطلاسم. وتشتد بي الحيرة حين تتقابل «القطيعة المعرفية» بعدم معاداة التقاليد بمعناها الإيجابي، وإنما إقامة علاقة حوارية معها. وهو قول الحداثيين أيضًا. بل إني حاولت أن أفيد من إضاءة النقد البنيوي لما قرأته وقرأه نقاد البنيوية من أعمال إبداعية، فدفعني شحوب الإضاءة إلى الاكتفاء باجتهادٍ شخصي، يستند — في كل الأحوال — إلى قراءات وخبرات، ومتابعة للمدارس والمذاهب الأدبية والنقدية. أفادتني — بلا جدال — في تأليف كتابي «مصر في قصص كتابها المعاصرين» الذي نلت به — ولست ناقدًا — جائزة الدولة في النقد!
إن نقاد الحداثة يسعوْن إلى «تأصيل دراسات تحاول تطوير منهج علمي في النقد، يبتعد عن الانطباعية التي تغرق الدراسات النقدية على وجه العموم.»
كلام جميل كما ترى، وينشده الحداثيون وغير الحداثيين. ينشده من يجد في النقد محاولة لإضاءة النص، وليس التعتيم عليه، لتحليله، وليس الربط بين الغلاف ونوعية الخطوط والأبناط، واعتبارها جزءًا مكملًا للعمل الإبداعي، في حين أنها رميات بغير رامٍ. إنها تخضع للاجتهاد الشخصي الذي لا صِلة له بالنص، سواء من الفنان التشكيلي الذي يصمم الغلاف، أو فني الكمبيوتر الذي تختلف نظرته إلى العمل — بالتأكيد — عن نظرة المبدع.
أعجب الأمور عندما يحاول الناقد أن يستنطق الإبداع بما ليس فيه. إن التعبير عن فلسفة الحياة همٌّ للمبدع، مثلما أن البحث عن فلسفة الحياة همٌّ للناقد.
المذاهب الفنية ليست موضة، لكنها تعبير عن موهبة ومعرفة وفلسفة حياة. إن الوجه العربي من الحداثة يجب أن تكون له ملامحه المميزة. وكما أن المواطِن الأوروبي له ملامحه التي تختلف — بدرجة وبأخرى — عن ملامح المواطِن العربي، فإن هذا الاختلاف قائم أيضًا — بدرجة وبأخرى — في القِيَم والمُثل والعادات والتقاليد، والثقافة في إطلاقها. ولعلِّي غير مغرم بالتسميات: الحداثة، وما بعد الحداثة، وما يتصل بهما من تسميات البنيوية والتفكيكية والأسلوبية وغيرها. أميل إلى التجريب بعامة، أرفض المحاكاة أو التقليد، وأحاول الخصوصية. الحداثة العربية كما يصِفها إلياس خوري — الأدق أن هذا هو ما يأمله — «محاولة عربية داخل مبنى ثقافي له خصوصياته التاريخية، ويعيش مشكلات نهضته» فالحداثة العربية إذن حداثة نهضوية، إنها محاولة بحث عن شرعية المستقبل (الذاكرة المفقودة، ص٢٥).
•••
من السذاجة نقل المصطلحات النقدية الجديدة، والتعامل بها، في عزلة عن خلفيتها الثقافية، عن التطورات السياسية والفلسفية والاجتماعية التي انبثقت منها، ونشأت فيها. وإذا لم يكن بوسع الحركة النقدية — لاعتبارات ليس هذا مجالها — أن تشكِّل نظرية نقدية عربية، فإن ما نتطلع إليه في المدى القريب، أن تقدَّم اجتهادات نقدية عربية، تجعل الإبداعات العربية — في إطار الظروف العربية — محورًا لها. وبتعبيرٍ محددٍ، فإننا في حاجة إلى اجتهادات نقدية، تصدر عن أعمالنا الإبداعية، فهي اجتهادات عربية في الدرجة الأولى.